120

والحمد لله الذي اتاح للإسلام عمر مثلا أعلى للعدل والاستقامة في الحكم، والتفوق في أمره كله على من جاء ومن يجيء بعده من الخلفاء والملوك.

23

ولم يخل موت عمر حين توفي من نفع للمسلمين بإثبات حكم ديني له خطره، وقد روى الرواة هذا الأمر ملحين كأنهم عجبوا له، وكأنهم أحسوا شيئا من غرابته؛ ذلك أن عمر غسل وكفن وكان المسلمون يعلمون أن الشهداء لا يغسلون ولا يكفنون وإنما يدفنون كهيئتهم حين يقتلون.

وقد أبى النبي

صلى الله عليه وسلم

أن يغسل شهداء أحد، بل قال بشأن حمزة رحمه الله: لولا أن تجزع صفية - وهي أخت حمزة - لتركته نهبا لسباع الطير.

وقد دفن شهداء أحد دون أن يسعى لهم في الكفن: لف حمزة - رحمه الله - في برد كان عليه، فكان إن بلغ رأسه لم يبلغ رجليه، وإن بلغ رجليه لم يبلغ رأسه، فأتموا ستر جسمه بشيء من ورق الشجر، وكذلك فعل بعثمان بن مظعون رحمه الله.

ويقول الرواة: إن عمار بن ياسر كان يقول في صفين: لا تغسلوني فإني مخاصم. وسمع المسلمون له فلم يغسلوه، وإنما دفنوه كهيئته ساعة قتل.

ولم يكن غسل عمر وتكفينه إلا عن أمره، فهو قد أمر بالقصد في كفنه، وأمر بألا يجعل في حنوطه مسكا، فدل ذلك على أن الشهداء إنما يدفنون على هيئتهم ساعة يقتلون، إذا استشهدوا في ميدان القتال، فأما إذا استشهد المسلم لأن عاديا أثيما عدا عليه فقتله، فإنما يجهز كما يجهز غيره من الموتى، فيغسل ويكفن ويصلى عليه. وكذلك كانت حياة عمر وموته مصدر نفع للمسلمين.

نامعلوم صفحہ