محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
اصناف
ولا عجب فإن الشيخ كان مفتونا باللغة ومفرداتها منذ نعومة أظفاره.
ولم يكن تأثير «العروة الوثقى» في الشيخ من الناحية اللغوية والأسلوب وحسب، بل من الناحية الفكرية فقد قال: «إني لما اتصلت بالسيد الأفغاني وأنعمت النظر في دراسة تعاليمه انتقلت في حياتي الفكرية إلى الدور الثالث أو الطور الثالث، وهو أن نفهم النص الديني فهما صحيحا مراعى فيه قوانين اللغة وقواعد بلاغتها، ونستوثق من مطابقة النص للكتاب والسنة، ثم نجرأ على التصريح بما فهمناه من النص سواء أوافق رأي غيرنا أم لا. وقد اقتبسنا هذه الطريقة في الفهم من أقوال السيد الأفغاني وتعاليمه المروية والمبثوثة في «العروة الوثقى» أولا، ثم في سائر ما علق بكفنا من كتاباته وكتابات تلميذه الشيخ محمد عبده ثانيا، فالأساس الذي بنى عليه الإصلاح الديني إذن هو تمييز نصوص الدين والحرص على فهمها فهما حرا مستندا إلى قواعد اللغة العربية، وقوانين بلاغتها، ثم الجرأة في الدعوة إلى الصحيح المعقول من تلك النصوص والتعاليم واطراح الباطل الدخيل عليها، والجهر بذلك كله من دون جمجمة في قول أو تقية من ذي صول.»
7
واستمر الشيخ في هذا الدور طوال عمره يدأب ويجد، ويدرس ويجتهد حسب شروط الاجتهاد السابقة، حتى كانت له آراء ونظريات نعرض لها فيما بعد إن شاء الله، وقد تمرس بهذا الأمر تمرسا حينما ازدادت صلته بالشيخين، واجتمع إليهما في الآستانة أو في القاهرة، فأفاد من صحبتهما واجتهد في السير على غرارهما يتتبع آثارهما ويقرأ لهما، ودفعه الشوق لرؤية جمال الدين،
8
وكان في سنة 1310ه/1892م مقيما في دار الخلافة، فسافر إليه وظل في جواره سنة واحدة أفاد فيها منه فوائد جليلة ضمن كثيرا منها في كتابه اللطيف عن جمال الدين، ثم رجع إلى طرابلس عاكفا عن دراسة آثار جمال الدين، وأولع بعدئذ بدراسة آثار الشيخ محمد عبده، واستجاب إلى دعوته الخيرة، وشرع يصدع بالإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي فاستدعاه الإمام محمد عبده إلى مصر حيث المجال للدعوة الإصلاحية آنذاك أرحب وأوسع، ولكن ما لبث الأستاذ الإمام أن لقي وجه ربه
9
فانصرف المغربي إلى الصحافة، وكتب في كبريات جرائد مصر مقالات أثارت العزائم وشحذت الهمم الغافية.
10
يقول رشيد رضا واصفا الحقبة التي سبقت سفر المغربي إلى القاهرة سنة 1905: ولما اشتد اضطهاد الحكومة الحميدية للأحرار، وأصحاب الأقلام والأفكار، وأسرفت في إيذاء قراء المنار، كان نصيب صاحبي ونصيب آخرين من أهل العلم والفضل السجن، فلما أنقذه الله تعالى منه هاجر إلى مصر، فسألت شيخنا الأستاذ الإمام أن يجعله كاتبا للإفتاء عنده، فارتاح لذلك واستكتبني مذكرة لوزارة الحقانية في ذلك، وهو في سرير المرض الذي توفاه الله تعالى فيه؛ لأنه تعالى قدر أن يكون هذا الرجل كاتبا اجتماعيا لا قاضيا ولا كاتبا شرعيا. وهو لو لم يكن موطنا نفسه على هذا العمل، ولا شاعرا بقوة استعداده له، حتى إنه لما دعي إلى الكتابة في الجرائد المصرية استشارني في الموضوعات التي ترجى فائدتها وتلقيها بالقبول، وفي الأسلوب الذي يحسن اختياره، ولعله ما أبهم إمضاءه «المغربي» فلم يصرح باسمه إلا لأن شعوره باستعداده كان دون قوته، كما هو شأن طلاب الكمال الذي لا حد له بعد أن يصيبوا حظا عظيما منه، وأما الناقصون المغرورون، فإنهم يتيهون عجبا بكل ما يخطونه
نامعلوم صفحہ