الجزء الأول
كبار الحوادث في وادي النيل1
الهمزية النبوية
صدى الحرب1
انتصار الأتراك في الحرب والسياسة
بعد المنفى1
ذكرى المولد
مشروع ملنر1
مشروع 28 فبراير
الله والعلم1
ذكرى كانارفون
أيها العمال
نجاة1
إلى عرفات
مصر تجدد نفسها بنسائها المتجددات1
خلافة الإسلام1
تكريم1
على سفح الأهرام1
المطرية تتكلم1
الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد
انتحار الطلبة1
عبث المشيب
أبو الهول1
مملكة النحل
في سبيل الهلال الأحمر
الأزهر1
وداع فروق
رحالة الشرق1
براءة1
الصحافة1
عيد الفداء1
نكبة بيروت1
تكليل أنقرة وعزل الآستانة
عيد الدهر وليلة القدر1
وداع اللورد كرومر
بين الحجاب والسفور
العلم والتعليم وواجب المعلم1
بنك مصر1
مرحبا بالهلال1
يا شباب الديار1
نهج البردة
خاتمة رياض1
ضجيج الحجيج1
استقبال
أرسططاليس وترجمانه1
شهيد الحق1
تحية للترك
الأسطول العثماني1
الأندلس الجديدة
ضيف أمير المؤمنين1
ذكرى دنشواي1
الهلال الأحمر1
روما1
على قبر نابليون
تكريم1
اعتداء1
توت عنخ آمون
تحية المؤتمر الجغرافي
الصليب الأحمر
تحية للترك1
الدستور العثماني
الهلال والصليب الأحمران
الجزء الثاني
باب الوصف
باب النسيب
متفرقات
الجزء الثالث
سليمان باشا أباظه1
مصطفى باشا فهمي1
أبو هيف بك1
مولانا محمد علي1
سيد درويش1
عمر المختار1
عبد الحليم العلايلي بك1
حافظ إبراهيم1
محمد تيمور1
يعقوب صروف1
حسين شيرين بك1
محمد عبد المطلب1
يرثي جدته1
محمد عبده1
رياض باشا1
عثمان باشا غالب1
عبد الحي1
محمد ثابت باشا1
محمد فريد بك1
البنون والحياة الدنيا1
ثروت باشا1
عبد العزيز جاويش1
تعزية ورثاء1
ذكرى هيجو1
عبده الحامولي1
قاسم بك أمين1
تولستوي1
عمر بك لطفي1
عمر بك لطفي1
الأميرة1
ذكرى مصطفى كامل1
المنفلوطي1
عاطف بركات باشا1
المويلحي1
إسماعيل باشا صبري1
فوزي الغزي1
كريمة البارودي1
فتحي ونوري1
علي باشا أبو الفتوح1
جورجي زيدان1
شهداء العلم والغربة1
سعيد زغلول بك1
أمين بك الرافعي1
الشيخ سلامة حجازي1
أدهم باشا1
عثمان باشا الغازي1
بطرس باشا غالي1
يبكي والدته1
الملك حسين1
يرثي أباه1
مصطفى كامل باشا1
حسن بك أنور1
أم المحسنين1
الدكتور أحمد فؤاد1
نجل إمام اليمن1
عبد الله بك الطوير1
سعد باشا زغلول1
الشاعر الموسيقي فردي1
إسماعيل أباظة باشا1
علي بهجت1
إيضاح لا بد منه
الجزء الرابع
متفرقات
الخصوصيات
الحكايات
ديوان الأطفال
من شعر الصبا
محجوبيات
الجزء الأول
كبار الحوادث في وادي النيل1
الهمزية النبوية
صدى الحرب1
انتصار الأتراك في الحرب والسياسة
بعد المنفى1
ذكرى المولد
مشروع ملنر1
مشروع 28 فبراير
الله والعلم1
ذكرى كانارفون
أيها العمال
نجاة1
إلى عرفات
مصر تجدد نفسها بنسائها المتجددات1
خلافة الإسلام1
تكريم1
على سفح الأهرام1
المطرية تتكلم1
الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد
انتحار الطلبة1
عبث المشيب
أبو الهول1
مملكة النحل
في سبيل الهلال الأحمر
الأزهر1
وداع فروق
رحالة الشرق1
براءة1
الصحافة1
عيد الفداء1
نكبة بيروت1
تكليل أنقرة وعزل الآستانة
عيد الدهر وليلة القدر1
وداع اللورد كرومر
بين الحجاب والسفور
العلم والتعليم وواجب المعلم1
بنك مصر1
مرحبا بالهلال1
يا شباب الديار1
نهج البردة
خاتمة رياض1
ضجيج الحجيج1
استقبال
أرسططاليس وترجمانه1
شهيد الحق1
تحية للترك
الأسطول العثماني1
الأندلس الجديدة
ضيف أمير المؤمنين1
ذكرى دنشواي1
الهلال الأحمر1
روما1
على قبر نابليون
تكريم1
اعتداء1
توت عنخ آمون
تحية المؤتمر الجغرافي
الصليب الأحمر
تحية للترك1
الدستور العثماني
الهلال والصليب الأحمران
الجزء الثاني
باب الوصف
باب النسيب
متفرقات
الجزء الثالث
سليمان باشا أباظه1
مصطفى باشا فهمي1
أبو هيف بك1
مولانا محمد علي1
سيد درويش1
عمر المختار1
عبد الحليم العلايلي بك1
حافظ إبراهيم1
محمد تيمور1
يعقوب صروف1
حسين شيرين بك1
محمد عبد المطلب1
يرثي جدته1
محمد عبده1
رياض باشا1
عثمان باشا غالب1
عبد الحي1
محمد ثابت باشا1
محمد فريد بك1
البنون والحياة الدنيا1
ثروت باشا1
عبد العزيز جاويش1
تعزية ورثاء1
ذكرى هيجو1
عبده الحامولي1
قاسم بك أمين1
تولستوي1
عمر بك لطفي1
عمر بك لطفي1
الأميرة1
ذكرى مصطفى كامل1
المنفلوطي1
عاطف بركات باشا1
المويلحي1
إسماعيل باشا صبري1
فوزي الغزي1
كريمة البارودي1
فتحي ونوري1
علي باشا أبو الفتوح1
جورجي زيدان1
شهداء العلم والغربة1
سعيد زغلول بك1
أمين بك الرافعي1
الشيخ سلامة حجازي1
أدهم باشا1
عثمان باشا الغازي1
بطرس باشا غالي1
يبكي والدته1
الملك حسين1
يرثي أباه1
مصطفى كامل باشا1
حسن بك أنور1
أم المحسنين1
الدكتور أحمد فؤاد1
نجل إمام اليمن1
عبد الله بك الطوير1
سعد باشا زغلول1
الشاعر الموسيقي فردي1
إسماعيل أباظة باشا1
علي بهجت1
إيضاح لا بد منه
الجزء الرابع
متفرقات
الخصوصيات
الحكايات
ديوان الأطفال
من شعر الصبا
محجوبيات
الشوقيات
الشوقيات
تأليف
أحمد شوقي
الجزء الأول
مقدمة الطبعة الأولى
بقلم الدكتور محمد حسين هيكل (1) كانت مصر إلى حين قدوم الحملة الفرنسوية إليها في سنة 1798م بعيدة عن الاحتكاك بدول أوروبا، خلا ما كان من مرور بعض التجار والمتاجر بأرضها في ذهابهم وعودتهم بين الغرب والشرق. وكانت بحكم خضوعها لاستبداد المماليك - تحت سيادة تركيا - تسود فيها الدسائس، ويعمل كل من أمرائها لما يجر إليه النفع، وكانت الحركة العلمية والأدبية خامدة فيها خمودها في سائر بلاد الدولة العثمانية، وبلغ من ذلك أن تدلى علماء الفقه الإسلامي، الذين كانوا في مختلف العصور فخر مصر وزينتها، وفتر نشاطهم وفسد نتاجهم في ذلك العصر، فأما الأدب من شعر ونثر فلم تقم له إلى ذلك العصر قائمة منذ امتد سلطان الأتراك على مصر، وإنك لتعجب حين تقرأ كاتبا كالجبرتي، أو ابن إياس؛ لضعف تأليفه ولغته، ولسقم ما فيه من آثار الأدب، شعرا كانت هذه الآثار أم نثرا.
فلما جاء الفرنسيون إلى مصر، وتغلغلوا فيها، وسارت مع حملة الجنود حملة العلماء، رأى المصريون مظهرا جديدا من مظاهر الحياة لم يكن لهم في تاريخهم الأخير به عهد. ولما جاء محمد علي في سنة 1806م، وقام بما قام به من الإصلاح في مصر بأن بعث البعوث من أبنائها إلى أوروبا، وبعث إلى جوانب الحياة من صور النشاط ما حرك النفوس وأثار طلعتها، هب على البلاد نسيم صالح لعله أول بشائر البعث لأمم الشرق العربي كافة. ثم لما عاد المرسلون من أوروبا، وكانوا قد شهدوا فيها نشاطا ضاعفه ما خلفته الثورة الفرنسية وراءها من حمى الفكر والقلب والعاطفة، كانوا هم طلائع هذا البعث والعاملين عليه.
كان من بينهم الأطباء والمهندسون والصناع والقواد، ومن بينهم قام رفاعة بك رافع وتلاميذه يحيون عهد الأدب العربي في مصر، ولكنها كانت حياة تحيط بها ظلمات ماض طويل؛ لذلك كان سريان نورها ضئيلا قصير المدى، لكنها مع ذلك كانت بدءا له ما بعده. فلما كان عهد إسماعيل سارت في سبيل النضج والقوة، ثم كانت الثورة العرابية وما تلاها من الحوادث مثارا لشاعرية أكابر الشعراء، من أمثال سامي باشا البارودي وإسماعيل باشا صبري، ووحيا لخيال شبان كان روح الشعر آخذا بنفوسهم، متهيئا ليفيض منها ما ينفخ في الأدب العربي روحا وقوة.
وكانت الفترة التي انقضت ما بين الحملة الفرنسية في مصر سنة 1798م واحتلال الإنجليز إياها على أثر الثورة العرابية في سنة 1881م، فترة تقلبات سياسية عجت بين الشرق والغرب والمسلمين والنصارى؛ فقد كانت تركيا من قبل ذلك التاريخ في عهد تدهورها، وكانت مطمح أطماع روسيا، فلم تكن تمر حقبة من الزمن من غير أن تشب بينهما حرب تنقص من أطراف المملكة العثمانية. وضعف تركيا هو الذي دفع محمد علي إلى غزوها، لكنه ما كاد يقترب من الآستانة حتى تألبت عليه إنكلترا وفرنسا وروسيا؛ مخافة أن يزعجهم قيامه في عاصمة آل عثمان بين الدول الأوروبية بعد ما كان من انتصاراته الباهرة في الشرق، ومن سعيه لتوطيد قوة السيف وقوة العلم في مصر. وكأن ما قامت به الثورة الفرنسية من نشر مبادئ حرية الرأي والعقيدة لم يغير من نفس تلك الدول التي جعلت من الإسلام والمسيحية والشرق والغرب خصمين لا يتهادنان من غير أن تنطوي الضلوع على حفيظة.
فأما المسلمون في أقطار الأرض فلم يشتد حقدهم على محمد علي؛ ذلك بأن الدول الأوروبية كافة، وروسيا خاصة، كانت لا تفتأ تشن الغارة على الأتراك، وتزيدهم ضعفا على ضعفهم؛ فقد انتهت حروب الإمبراطورة كاترينا في سنة 1792م بمد الحدود الروسية إلى الدنيستر، ثم تحالفت روسيا وإنكلترا وفرنسا في سنة 1828م، وسلخن اليونان من جسم الدولة العثمانية، وأقمنها مملكة مستقلة، وفي سنة 1853م كانت حرب القرم. ولولا خوف إنكلترا وفرنسا من طغيان روسيا، ومن اكتساح الجنس السلافي أوروبا، لنال الروس من تركيا أكثر مما نالوا من قبل، ولنفذوا برنامجهم بإجلاء الأتراك عن أوروبا.
وهذا الضعف والاضمحلال الذي أصيبت الدولة التركية به هو الذي جعل المسلمين لا يحقدون على محمد علي حين غزا الأتراك، متمسكين بقول الشاعر:
فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي
وإلا فأدركني ولما أمزق
على أن الحرب التي شبت نارها بين روسيا وتركيا في سنة 1877م، والتي خلد فيها الغازي عثمان باشا انتصار الترك بدفاعه المجيد عن «بلفنا»، أحيت في نفوس المسلمين آمالا في دولة الخلافة التي كانت توشك أن تنهدم وتنهار.
ولقد كان المصريون إلى ذلك العهد يعطفون على تركيا عطف غيرهم من المسلمين، ولكنهم كانوا أبدا يفكرون في استقلالهم عنها ويريدون تحقيقه، ولم يكن الأمل في ذلك بعيدا بعد الفرمان الذي استصدره إسماعيل باشا في سنة 1873م، واستقل فيه بإدارة الدولة، وبالتشريع لها، وبإنشاء الجيش الذي يقوم بحاجاتها ومطامعها؛ لذلك كان عطفهم على تركيا منبعثا عن شعور ديني بحت لا أثر للتبعية السياسية فيه. فلما حطمت إنكلترا وفرنسا آمال إسماعيل، وقضتا عليه باسم ديون مصر، ودفعتا تركيا إلى خلعه، وانتهت إنكلترا باحتلال مصر بعد الثورة العرابية، ونكثت بعد الاحتلال وعودها بالجلاء، وأحس المصريون بتدخلها في شئونهم، اشتد عطفهم على تركيا، وضعف تبرمهم بسيادتها عليهم، وثبت عندهم اليقين بأن دول النصرانية تطارد دول الإسلام، وقويت فيهم النزعة الدينية؛ وكان من ذلك ما زاد النشاط في بعث الحضارة الإسلامية والأدب العربي في مصر. (2) وسط هذه العوامل السياسية والاجتماعية وجد «أحمد شوقي بك»، ولد ب «باب إسماعيل»، وشب في جواره، ونشأ في حماه؛ فكان طبيعيا أن تتأثر نفسه بالبيئة الاجتماعية والسياسية، وأن تكون أكثر تأثرا بها لقربها من المسرح الذي تشتبك فيه أصول هذه العوامل وأسبابها، وتضطرب فيه اضطرابا يخفيه ما تقضي به حياة القصور، ثم تصدر إلى الحياة بعد أن تكون قد نظمت وهذبت. وشوقي خلق شاعرا، والشاعر يتأثر أضعاف ما يتأثر سائر الناس؛ لذلك كان لكل هذه العوامل أثر باد في شعره وفي حياته .
ومع أن شوقي درس في مصر، ثم أتم دراسته في أوروبا، وتأثر بالوسط الأوروبي وبالحياة الأوروبية وبالشعر الأوروبي تأثرا كبيرا، فقد ظل تأثره بالبيئة التي وصفنا ظاهرا في حياته وفي شعره، كما ظل تأثره بالبيئة الأوروبية ظاهرا فيهما كذلك.
وإنك لتكاد تشعر حين مراجعتك أجزاء ديوانه - بعد أن يتم نشرها جميعا - كأنك أمام رجلين مختلفين جد الاختلاف لا صلة بين أحدهما والآخر، إلا أن كليهما شاعر مطبوع يصل من الشعر إلى عليا سمواته، وأن كليهما مصري يبلغ حبه مصر حد التقديس والعبادة. أما فيما سوى هذا فأحد الرجلين غير الرجل الآخر؛ أحدهما مؤمن عامر النفس بالإيمان، مسلم يقدس أخوة المسلمين، ويجعل من دولة الخلافة قدسا تفيض عليه شئونه وحوادثه وحي الشعر وإلهامه، حكيم يرى الحكمة ملاك الحياة وقوامها، محافظ في اللغة يرى العربية تتسع لكل صورة ولكل معنى ولكل فكرة ولكل خيال. والآخر رجل دنيا يرى في المتاع بالحياة ونعيمها خير آمال الحياة وغاياتها، متسامح تسع نفسه الإنسانية وتسع معها الوجود كله، ساخر من الناس وأمانيهم، مجدد في اللغة لفظا ومعنى. وهذا الازدواج ظاهر في شعر شوقي من أول شبابه إلى هذا الوقت الحاضر، وإن كان لتأثره بالقديم الغلبة اليوم، وكانت آثار الرجل الآخر لا تظهر اليوم في شعر شوقي إلا قليلا.
ولا تقل إن الازدواج النفسي شأن الشعراء، وإن أبا نواس الذي كان يقول:
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر
ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
والذي كان يقول:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
وداوني بالتي كانت هي الداء
هو أبو نواس الذي كان يقول:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت
له عن عدو في ثياب صديق
فليس هذا من أبي نواس ازدواجا في الروح، وما الحكمة الزاهدة عنده إلا فتور نفس أجهدتها اللذة فأضعفتها، فأخافها الضعف، فألجأها إلى حمى الحكمة والزهد، وإلى استغفار الله والتوبة إليه؛ لذلك لا تلبث نفسه أن تعاودها القوة حتى تعود إلى نعيم الترف والإباحة. وذلك هو السر في أنك لا ترى الزهد في شعر أبي نواس إلا عرضا واستثناء، وذلك شأن الشعراء جميعا إلا قليلا منهم، وشوقي من هذا القليل؛ ففي شعره صورتان من صور الحياة تقوم كل منهما مستقلة، كأنما صاحبها غير الآخر، فأنت تقرأ:
حف كأسها الحبب
فهي فضة ذهب
أو تقرأ:
رمضان ولى، هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاق
فتراك في حضرة شاعر مغرم بالحياة وبمتاعها ونعمتها، شاعر تختلف روحه جد الاختلاف عن صاحب نهج البردة التي مطلعها:
ريم على القاع بين البان والعلم
أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
وصاحب الهمزية النبوية الذي يقول:
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
وهذان الروحان، أو هاتان الصورتان من صور الحياة، تتجاوران في نفس شوقي، وتصدران عنها وهي في كل قوتها وسلطانها؛ وأنت لذلك حين تقرأ القصيدتين الأوليين تمتلئ إعجابا بالحياة ومتاعها ولذتها، وحين تقرأ الثانيتين تكون أشد إعجابا بكلمة الإيمان وروح الحق ورسالته. وأنت لا تشعر في أي الحالين بضعف نفساني عند الشاعر دفع به إلى لبوس روح غير روحه، بل أنت فيهما جميعا يبهرك شوقي بقوة شاعريته الممتلئة حياة وخيالا، والتي تفيض بمتاع العيش فيضها بنور الإيمان.
كيف كان هذا الازدواج؟ كيف جمع شوقي في نفسه بين هذين الشاعرين؛ شاعر الحياة العربية بحضارتها الإسلامية وبما فيها من قدم وإيمان، وبين شاعر الحياة الغربية الخاضعة لحكم العلم وما يكشف عنه كل يوم من جديد؟
مسألة تبدو للنظرة الأولى دقيقة معقدة؛ فقد تزدوج في نفس واحدة حياتان بينهما من الصلة ما يبيح الازدواج، فيكون الرجل الواحد فيلسوفا وشاعرا، كما كان المعري أو كما كان فولتير، فأما أن يكون الرجل شاعرا، وحدة حياته الشعر، ثم تكون نفسه مقسمة مع هذه الوحدة قسمة ازدواج على نحو شوقي، فذلك عجب في شاعر مطبوع يفيض عنه الشعر كما يفيض الماء من النبع، وكما ينهمل المطر من الغمام.
على أن لهذا الازدواج سببا لم يكن مفر من أن يؤدي إليه؛ ذلك أن شوقي كان في طبع شبابه رسول الحياة، كان شاعر:
حف كأسها الحبب
فهي فضة ذهب
لكن هذا الشباب لم يكن في ملك نفسه؛ فقد بعث به المغفور له الخديو توفيق باشا ليتم علومه في أوروبا، وكان من قبل ذلك شاعرا متفوقا، وكان في تفوقه ككل شاعر شاب يرسل القول كما تلهمه إياه نفسه. فلما عاد إلى مصر اتصل بالأمير الشاب عباس حلمي باشا، وصار كلمته، ورأى يومئذ صنوا له على العرش جعلته روحه الشابة مقداما لا يهاب. ومع ما فوجئ به أول ولايته في حادث عرض الجيش في السودان - مما اضطره للاعتذار - قد بقي شبابه يدفعه إلى ما كان يندفع إليه جده إسماعيل من مغامرة، لكن قيام الاحتلال الإنجليزي في مصر جعل الخصومة بينه وبينهم وليست بينه وبين الأتراك، بل لقد كان منظورا إليه أكثر الأحيان بشيء غير قليل من العطف في بلاد آل عثمان؛ لذلك كانت عواطفه متفقة وعواطف المسلمين الذين كانوا بعد انتصار الأتراك يرون في الخليفة الموئل الأخير لأمم الإسلام جميعا.
اتصل الشاعر الشاب بالأمير الشاب؛ فحتم عليه ذلك أن يكون المعبر عن الميول والآمال الكمينة في نفوس المسلمين جميعا، لا في نفوس المصريين وحدهم؛ وبذلك اجتمع في نفسه من أول حياته ميله للحياة وحبه إياها، وحرصه على المتاع بها، مع إيمان المسلمين جميعا وحرصهم على وحدتهم وعلى كيانهم، بإزاء الأمم الغربية التي كانت تنظر إليهم بعين صليبية بحتة ، وكانت هذه الناحية التي تمثلها نفسه من ظروف الحياة ومن البيئة المحيطة به أكثر استيحاء لشعره من الناحية الأولى التي هي طبيعة نفسه؛ فكان بذلك كالرجل القوي الذي يرى وطنه في خطر، ويصبح جنديا، وجنديا باسلا، ويتفوق في كل مواقف الحرب، ويصبح القائد الأعظم، ولو أن وطنه لم يكن في خطر لرأيته صديق النعمة، السعيد بها غاية السعادة. (3) وهذا الجزء الأول من ديوان شوقي فيه طائفة من شعره أوحي إليه بها على أنه ممثل المصريين والعرب والمسلمين، وأولى قصائده التي مطلعها:
همت الفلك واحتواها الماء
وحداها بمن تقل الرجاء
هي رواية من الروايات الخالدة لتاريخ مصر منذ الفراعنة إلى عهد أبناء محمد علي، وقف فيها الشاعر وقفة مصري صادق العاطفة تفيض عليه ربة الشعر تاريخ بلاده منذ عرفها التاريخ؛ أي منذ عرف الناس شيئا اسمه التاريخ. وأنت تراه في عرضه هذا التاريخ ممتلئ النفس فخرا بمجد مصر حين يرتفع بها المجد إلى عليا ذراه، آسفا حزينا حين تمر بمصر فترات ظلم وذلة، مستفزا للهمم حافزا لعزائم أهل جيله والأجيال التي بعده كي يعيدوا مجد الماضي وعظمته.
وتراه في انتقاله من الفخر إلى الأسف إلى الاستفزاز يسير مع الحوادث متدفقا، مندفعا فوق موج الماضي، آتيا من لا نهايات القدم، كأنما هو قيثارة آلهة ذلك الزمان البعيد، يدفع إليها كل جيل نسائمه، فتتغنى وتشدو بأهازيج النصر تارة، وبترانيم المسرة طورا، وبشجو الألم أحيانا.
1
وللقدم وللماضي على نفس الشاعر أثر يذهب إلى أعماقها، وليس لمثل الآثار المصرية من القدم نصيب؛ فهذه الأهرام ما تزال تحتوي من الطلاسم ما يحار العقل في حله، وهذا أبو الهول في مجثمه بين رمال الصحراء أكثر ثباتا من الليل والنهار ومن الشمس والقمر، وهو في روعة صمته ينطق كل خط خطته الدهور على صحائف جثمانه، بما حوته من عبر أيسرها دوام انهيار الأشياء لدوام تجددها. وهذا الملك الشاب «توت عنخ آمون» نبش قبره النابشون باسم العلم، فإذا فيه من طرف الفن ما يزري بكل فن وعلم. هذه وسواها من الآثار تثير في النفس - إلى جانب صورتها الظاهرة، وما يدل عليه إبداع صنعها ودقة فنها من حضارة كملت لها كل أنواع الحضارة - صورة الماضي الذاهب في القدم إلى أغوار الأزل، وتثير من شاعرية شوقي معاني بالغة في الموعظة والعبرة مبلغها من السمو والعظمة.
وأنت إذ تقرأ قصائده «على سفح الأهرام»، و«أبو الهول»، و«توت عنخ آمون»، يهزك الشعور بصورة هذا الماضي في قداستها ومهابتها، وتمتلكك نفس الشاعر فترتفع بك من مستوى الحياة الدنيا إلى سموات الخلد؛ ذلك بأن شوقي يهديك المعنى الذي كانت تلتمسه نفسك فلا تقع عليه، ويرسم أمامك - بوضوح وقوة وسمو خيال ونبل عاطفة - كل ما ينبض به قلبك ويهتز له فؤادك.
خلع القدم على هذه الآثار معنى البقاء والثبات؛ لذلك كان ما يفيض من الوحي إلى روح شاعر الشرق ثابتا باقيا، لا تزعزعه الحوادث، ولا تعصف به الغير، فأما ما سوى ذلك من شئون هذه العصور الحديثة فشوقي فيه هو كلمة الأمة. وفي هذه العصور الحديثة تغير قدر الناس للحوادث إصغارا وإكبارا، بمبلغ رجائهم فيها، أو خشيتهم آثارها. وقد تعجب إذ ترى قصيدتين من أبدع قصائد شوقي وأحراها بالخلود متجاورتين في هذا الجزء الأول من الديوان؛ إحداهما في وداع لورد كرومر، ومطلعها:
أيامكم أم عهد إسماعيلا
أم أنت فرعون يسوس النيلا
والثانية في ارتقاء السلطان حسين كامل على أريكة مصر، ومطلعها:
الملك فيكم آل إسماعيلا
لا زال بيتكم يظل النيلا
فترى الشاعر ينظر في كل من القصيدتين إلى الحوادث والأشخاص بغير ما ينظر إليها في الأخرى، ثم تجد مثل هذا في غير هاتين القصيدتين؛ وليس لذلك من علة إلا الاضطراب الذي أصاب العالم قبل الحرب وبعدها، والذي ما يزال عظيم الأثر على تفكير المفكرين وكتابة الكتاب وشعر الشعراء.
على أن هذا التأثر بالحوادث في بعض الشئون التي لا يستقر للناس فيها عادة رأي قبل أن يصدر التاريخ عليها حكما خاليا من الغرض؛ لا يؤثر بشيء في روعة القصائد التي كان فيها، وهو بعد لا يشغل من هذه القصائد إلا حيزا ضيقا؛ فإن شوقي لا يزيد في القصائد التي تقال لمناسبة حادث من الحوادث على أن يشير لهذا الحادث بأبيات خلال القصيدة وفي آخرها، فأما أكثر أبيات القصيدة فحكم غوال، أو وصف رائع، أو ما سوى ذلك مما يلذ عقل شوقي أو خياله أن يفكر فيه أو يلهو به. وهذه الحكم لم يتغير تقدير شوقي لها؛ فهو يرى أن الأمم لا تقوم على دعامة غير دعامة الأخلاق، وهو يرى ذلك برغم ما قد يبدو في بعض الأمم القوية من تدهور الأخلاق؛ فالعلم عنده حسن وله فائدته، والغنى حسن كذلك، وسائر أدوات الحضارة تصلح الأمم، لكنها جميعا لا فائدة من رقيها وغزارتها إذا انحطت أخلاق الأمة، فأما إن قويت هذه الأخلاق فقليل من ذلك كله كاف ليرتفع بالأمة إلى ذروة المجد والسؤدد.
وليس معنى هذا أن شوقي يحقر من شأن ما سوى الأخلاق؛ فله عن العلم والفن والعمل والترحال وغيرها آيات بينات، لكنما معناه أن الأخلاق عنده في المحل الأول، وهو لا يمل من أن يكرر الدعوة إلى الخلق الصالح على أنه قوام حياة الأمم في كل قصيدة يقولها عن مصر، أو عن غير مصر، وكثير من أبياته في هذا المعنى قد أصبح مثلا يتداوله كل كاتب، وكل أستاذ، وكل تلميذ، ويردده الجميع على أنه الحكمة لا يأتيها باطل من بين يديها ولا من خلفها، أولا ترى قوله:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
قد بلغ من تواتره على الألسن أن أصبح الكثيرون لا يعرفون إن كان لشوقي أو لشعراء العصور الزاهرة في أيام العرب، إلا لأنهم يريدون أن يكون فخر هذا البيت وغيره من مثله لهم، بنسبته لشاعر مصر والشرق في عصرهم. (4) إلى جانب مقام العاطفة الوطنية التي هي قوة متسلطة على نفس شوقي، تقوم عاطفة أخرى لا تقل عنها قوة، وربما كانت أشد أخذا بهذه النفس وإثارة لشاعريتها، تلك هي العاطفة الإسلامية؛ فشوقي شاعر الإسلام والمسلمين، كما أنه شاعر مصر وشاعر الشرق، وعاطفة المسلم تتجه حتى العصور الأخيرة إلى جهتين، ثم إلى قومين؛ فهي تتجه صوب مكة مسقط رأس النبي
صلى الله عليه وسلم
ومقام إبراهيم كعبة المسلمين وقبلة أنظارهم، ومكة في بلاد العرب، والنبي عربي، والقرآن عربي. وهي تتجه - أو كانت تتجه - صوب الآستانة، مقر الخلافة الإسلامية، ومقام الخليفة من آل عثمان، والآستانة عاصمة الترك، وخليفة المسلمين كان تركيا؛ فكل مسلم تعنيه وحدة المسلمين كان يتجه ببصره - إلى حين ألغيت الخلافة - نحو مكة ونحو الآستانة؛ يستمد من الأولى المدد الروحي، ومن الثانية مدد السيف والمدفع.
إلى جانب ما يرجوه المسلم من أهل بلاد الشرق العربي في مكة من مدد روحي، تحرك نفسه إلى هذه الأنحاء عاطفة أخرى هي العاطفة العربية؛ هي عاطفة هذه اللغة التي تربط اليوم أكثر من سبعين مليونا أكثرهم مسلمون، وكلهم خاضع لما يخضع له غيره من بطش القوة وسلطان التحكم. واللغة في حياة الأمم ليس شأنها هينا؛ فأمة لا لغة لها لا حياة لها، ورقي اللغة في أمة آية صادقة من آيات رقيها. وما دام العرب مصدر اللغة، وعلى رجل منهم هبط الوحي، وبينهم قام صاحب الشريعة، فلهم - عند المسلمين كافة، وعند الذين يتكلمون العربية خاصة - حرمة تدفعهم إلى التغني بآثارهم، والإشادة بقديم مجدهم، وتمني خير الأماني لهم.
لذلك كان العرب ومكة والوحي والقرآن والإسلام والرسول، كلها معان لها من الأثر في نفس شوقي ما ليس لسواها من آثار الماضي؛ ولذلك لم يكن شوقي يشيد بذكر المسلمين وبخلافتهم لغاية سياسية صرفة، بل إنه ليؤمن بهذه المعاني إيمانا يتجلى في الكثير من قصائده على صورة تتركنا في حيرة؛ كيف يبلغ الإيمان من نفس هذا المحب للحياة كل هذا المبلغ؟! فلا نجد لحيرتنا جلاء إلا من الحديث: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.»
وبحسبك أن تقرأ الهمزية النبوية، ونهج البردة، وقصيدته في ذكرى المولد التي مطلعها:
سلوا قلبي غداة سلا وتابا
لعل على الجمال له عتابا
لترى في غير إبهام أنه إنما أملت هذه القصائد قوة غلبت طبع الشاعر؛ هي قوة الإيمان.
لكنك قد يدهشك - مع تجلي الإيمان في هذه القصائد وغيرها - أن يكون شوقي أكثر تحدثا عن الترك وعن الخليفة منه عن العرب وعن الرسول؛ فهذا الجزء الأول من ديوانه يشتمل ثلاث قصائد عن العرب ومكة والرسالة، ويشتمل ثماني عشرة قصيدة عن الخلافة وعن الترك، وأنت تلمس في هذه القصائد الثماني عشرة جميعا حسا أدق من العاطفة، وفيضا أغزر من الشعر، وقوة تكاد تعتقد معها أن شوقي إذ يتحدث عن الترك إنما يملي ما يكنه فؤاده، وإنما يندفع بقوة كمينة هي قوة دم الجنس، أو إن اتصاله بالبيت المالك في مصر كان قوي الأثر في نفسه إلى حد جعله يفيض من ذكر الترك بما ينبض به قلب سلالة محمد علي.
وليس عليك إلا أن تقرأ أيا من قصائده التركية لتقتنع بما نقول. اقرأ قصيدته العظيمة العامرة عن الحرب العثمانية اليونانية التي مطلعها:
بسيفك يعلو الحق والحق أغلب
وينصر دين الله أيان تضرب
أو قصيدته في رثاء أدرنة، أو تحيته للترك أيام حرب اليونان. اقرأ أيا من هذه القصائد التي قيلت قبل الحرب الكبرى، أو اقرأ غيرها مما قيل بعد الحرب على أثر انتصار الأتراك على اليونان، كقصيدته التي مطلعها:
الله أكبر! كم في الفتح من عجب
يا خالد الترك جدد خالد العرب
وإنك لمؤمن حقا بأن هذه القصائد التركية هي أقوى قصائده عن الحوادث وأصدقها حسا وعاطفة.
ولعل مرجع ذلك أن قد اجتمعت في الأتراك عوامل كثيرة كان لشوقي اتصال بها؛ فكانت لذلك تهزه أكثر مما تهز سواه؛ فالترك - فوق أنهم كانوا مقر الخلافة وقبلة المسلمين الزمنية، وأصحاب السيادة على مصر سيادة يشلها الاحتلال الإنجليزي - يجري من دمهم في عروق الشاعر الكبير، ومنهم أصحاب عرش مصر الذين ببابهم ولد شوقي، وفي حماهم شب ونشأ.
وقد بلغ من حب شوقي للترك أن كان يعتبرهم مجموعة فضائل لا تشوبها نقيصة. (5) على أن شوقي - وإن كان شاعر مصر وشاعر العرب وشاعر المسلمين، وكان فيه الازدواج بين حب الحياة ومتاعها والإيمان ونعيمه - له ذاتيته التي لا تخفى؛ فهو شاعر الحكمة العامة، وهو شاعر اللغة العربية السليمة. وإنك لتعجب أكثر الأحيان حين ترى عنوان قصيدة من قصائده ثم لا تجد في القصيدة غير أبيات معدودة تدخل في موضوع العنوان، بينا سائرها حكمة أو غزل أو وصف، أو ما شاء لشوقي هواه. وما أحسب شاعرا بالغ في ذلك ما بالغ شوقي، ولست أضرب لك مثلا لذلك مما في هذا الجزء الأول من الديوان إلا بقصائد ثلاث: لجان التموين، والانقلاب العثماني، وبين الحجاب والسفور. هذا وإنك واجد في غير هذه القصائد الثلاث ما يظهر لك منه ما ألقينا به إليك؛ فشيطان شوقي أشد حرصا على متاعه بالشعر للشعر منه بموضوع خاص. أما القصائد التي يملك موضوعها أبياتها جميعا فهي القصائد التي ملك موضوعها شوقي فأنساه نفسه بما كان له في هذا الموضوع من لذة ومتاع، وما أفاضه على شاعريته من وحي وإلهام.
وحكمة شوقي، وما يصدر عنه من وصف وغزل، وما يميز شعره جميعا، يبدو كأنه شرقي عربي لا يتأثر بالحياة الغربية إلا بمقدار. وهذا طبيعي ما دام شوقي شاعر العرب والمسلمين، وما دام يجد في الحضارة الشرقية القديمة ما يغنيه عن استعارة لبوس المدنية الغربية إلا بالمقدار الذي تحتاج إليه أمم الشرق في حياتها الحاضرة لسيرها في سبيل المنافسة العامة. ولقد ترى شوقي يغلو في شرقيته وعربيته أحيانا، ولقد تراه يتعمد ذلك في لفظه ومعناه؛ وسبب ذلك هو ما يراه من ضرورة مقاومة النزعة القائمة بنفوس كثيرة تصبو إلى نسيان ما خلف السلف من تراث، والأخذ بكل ما يلمع به الحاضر من وراء الغرب.
وقد يكون غلو شوقي أكثر وضوحا في جانب اللغة منه في جانب المعاني؛ فهو بمعانيه وصوره وخيالاته يحيط مما في الغرب بكل ما يسيغه الطبع الشرقي وترضاه الحضارة الشرقية، أما لغته فتعتمد على بعث القديم من الألفاظ التي نسيها الناس، وصاروا لا يحبونها لأنهم لا يعرفونها. ولعل سر ذلك عند شوقي أن البعث وسيلة من وسائل التجديد، بل لقد يكون البعث آكد وسائل التجديد؛ نتيجة ما يوجد من أرباب اللغة ممن يفيضون على الألفاظ القديمة روحا تكفل حياتها. والبعث له إلى جانب ذلك من المزايا أنه يصل ما بين مدنية دارسة ومدنية وليدة، يجب أن تتصل بها اتصال كل خلف بسلفه.
ومن ذا ترى من أرباب اللغة قديرا قدرة شوقي على أن يبعث في الألفاظ القديمة روحا تكفل حياتها في الحاضر، وتفيض عليها من ثوب الشعر ما يجعلها تتسع لما لم تكن تتسع له من قبل من المعاني والأخيلة والصور؟ إن اليونانية ما تزال موضع دراسة العلماء واللغويين؛ لأن هومير كتب بها إلياذته، واللاتينية ما تزال حياتها كمينة وإن تدثرت بحجب الماضي أن كتب بها فرجيل شعره، واللغة العربية هي حتى اليوم لغة التفاهم بين سبعين مليونا من أهل هذا الشرق العربي، وهي حية وستبقى أبدا حية، ولكن كمال حياتها يحتاج إلى أن يبعث الله لها أمثال شوقي؛ ليزيدوا تلك الحياة قوة وروعة وجمالا.
وما أنا بحاجة إلى أن أدل على هذه القوة وتلك الروعة وذلك الجمال؛ فكل أديب أو متأدب يعرف منها ما أعرف، وها هي ذي مجلوة في هذا الديوان بكل ما لشوقي على اللغة والأدب والشعر من سلطان.
كبار الحوادث في وادي النيل1
همت الفلك واحتواها الماء
وحداها بمن تقل الرجاء
2
ضرب البحر ذو العباب حوالي
ها سماء قد أكبرتها السماء
3
ورأى المارقون من شرك الأر
ض شباكا تمدها الدأماء
4
وجبالا موائجا في جبال
تتدجى كأنها الظلماء
5
ودويا كما تأهبت الخي
ل وهاجت حماتها الهيجاء
لجة عند لجة عند أخرى
كهضاب ماجت بها البيداء
وسفين طورا تلوح وحينا
يتولى أشباحهن الخفاء
6
نازلات في سيرها صاعدات
كالهوادي يهزهن الحداء
7
رب إن شئت فالفضاء مضيق
وإذا شئت فالمضيق فضاء
فاجعل البحر عصمة وابعث الرح
مة فيها الرياح والأنواء
8
أنت أنس لنا إذا بعد الأن
س وأنت الحياة والإحياء
يتولى البحار مهما ادلهمت
منك في كل جانب لألاء
وإذا ما علت فذاك قيام
وإذا ما رغت فذاك دعاء
9
فإذا راعها جلالك خرت
هيبة فهي والبساط سواء
والعريض الطويل منها كتاب
لك فيه تحية وثناء
يا زمان البحار لولاك لم تف
جع بنعمى زمانها الوجناء
10
فقديما عن وخدها ضاق وجه ال
أرض وانقاد بالشراع الماء
11
وانتهت إمرة البحار إلى الشر
ق وقام الوجود فيما يشاء
وبنينا فلم نخل لبان
وعلونا فلم يجزنا علاء
وملكنا فالمالكون عبيد
والبرايا بأسرهم أسراء
قل لبان بنى فشاد فغالى
لم يجز مصر في الزمان بناء
ليس في الممكنات أن تنقل الأج
بال شما وأن تنال السماء
12
أجفل الجن عن عزائم فرعو
ن ودانت لبأسها الآناء
13
شاد ما لم يشد زمان ولا أن
شأ عصر ولا بنى بناء
هيكل تنثر الديانات فيه
فهي والناس والقرون هباء
وقبور تحط فيها الليالي
ويوارى الإصباح والإمساء
تشفق الشمس والكواكب منها
والجديدان والبلى والفناء
14
زعموا أنها دعائم شيدت
بيد البغي ملؤها ظلماء
فاعذر الحاسدين فيها إذا لا
موا فصعب على الحسود الثناء
دمر الناس والرعية في تش
ييدها والخلائق الأسراء
أين كان القضاء والعدل والحك
مة والرأي والنهى والذكاء
وبنو الشمس من أعزة مصر
والعلوم التي بها يستضاء
فادعوا ما ادعى أصاغر آثي
نا ودعواهم خنا وافتراء
15
ورأوا للذين سادوا وشادوا
سبة أن تسخر الأعداء
إن يكن غير ما أتوه فخار
فأنا منك يا فخار براء
ليت شعري والدهر حرب بنيه
وأياديه عندهم أفياء
16
ما الذي داخل الليالي منا
في صبانا ولليالي دهاء
17
فعلا الدهر فوق علياء فرعو
ن وهمت بملكه الأرزاء
أعلنت أمرها الذئاب وكانوا
في ثياب الرعاة من قبل جاءوا
18
وأتى كل شامت من عدا المل
ك إليهم وانضمت الأجزاء
ومضى المالكون إلا بقايا
لهم في ثرى الصعيد التجاء
فعلى دولة البناة سلام
وعلى ما بنى البناة العفاء
وإذا مصر شاة خير لراعي الس
وء تؤذى في نسلها وتساء
قد أذل الرجال فهي عبيد
ونفوس الرجال فهي إماء
فإذا شاء فالرقاب فداه
ويسير إذا أراد الدماء
ولقوم نواله ورضاه
ولأقوام القلى والجفاء
19
ففريق ممتعون بمصر
وفريق في أرضهم غرباء
إن ملكت النفوس فابغ رضاها
فلها ثورة وفيها مضاء
20
يسكن الوحش للوثوب من الأس
ر فكيف الخلائق العقلاء
يحسب الظالمون أن سيسودو
ن وأن لن يؤيد الضعفاء
والليالي جوائر مثلما جا
روا وللدهر مثلهم أهواء •••
لبثت مصر في الظلام إلى أن
قيل مات الصباح والأضواء
لم يكن ذاك من عمى، كل عين
حجب الليل ضوءها عمياء
ما نراها دعا الوفاء بنيها
وأتاهم من القبور النداء
ليزيحوا عنها العدا فأزاحوا
وأزيحت عن جفنها الأقذاء
وأعيد المجد القديم وقامت
في معالي آبائها الأبناء
وأتى الدهر تائبا بعظيم
من عظيم آباؤه عظماء
من كرمسيس في الملوك حديثا
ولرمسيس الملوك فداء
21
بايعته القلوب في صلب سيتي
يوم أن شاقها إليه الرجاء
واستعد العباد للمولد الأك
بر وازينت له الغبراء
جل سيزوستريس عهدا وجلت
في صباه الآيات والآلاء
فسمعنا عن الصبي الذي يع
فو وطبع الصبا الغشوم الإباء
ويرى الناس والملوك سواء
وهل الناس والملوك سواء
وأرانا التاريخ فرعون يمشي
لم يحل دون بشره كبرياء •••
يولد السيد المتوج غضا
طهرته في مهدها النعماء
22
لم يغيره يوم ميلاده بؤ
س ولا ناله وليدا شقاء
فإذا ما المملقون تولو
ه تولى طباعه الخيلاء
23
وسرى في فؤاده زخرف القو
ل تراه مستعذبا وهو داء
فإذا أبيض الهديل غراب
وإذا أبلج الصباح مساء
24 •••
جل رمسيس فطرة وتعالى
شيمة أن يقوده السفهاء
وسما للعلا فنال مكانا
لم ينله الأمثال والنظراء
وجيوش ينهضن بالأرض ملكا
ولواء من تحته الأحياء
ووجود يساس والقول فيه
ما يقول القضاة والحكماء
وبناء إلى بناء يود ال
خلد لو نال عمره والبقاء
وعلوم، تحيي البلاد و«بنتا
هور» فخر البلاد والشعراء
25
إيه سيزوستريس ماذا ينال ال
وصف يوما أو يبلغ الإطراء
كبرت ذاتك العلية أن تح
صي ثناها الألقاب والأسماء
لك آمون والهلال إذا يك
بر والشمس والضحى آباء
26
ولك الريف والصعيد وتاجا
مصر والعرش عاليا والرداء
ولك المنشآت في كل بحر
ولك البر أرضه والسماء
ليت لم يبلك الزمان ولم يب
ل لملك البلاد فيك رجاء
هكذا الدهر حالة ثم ضد
ما لحال مع الزمان بقاء •••
لا رعاك التاريخ يا يوم قمبي
ز ولا طنطنت بك الأنباء
27
دارت الدائرات فيك ونالت
هذه الأمة اليد العسراء
فبمصر مما جنيت لمصر
أي داء ما إن إليه دواء
28
نكد خالد وبؤس مقيم
وشقاء يجد منه شقاء
يوم منفيس والبلاد لكسرى
والملوك المطاعة الأعداء
29
يأمر السيف في الرقاب وينهى
ولمصر على القذى إغضاء
جيء بالمالك العزيز ذليلا
لم تزلزل فؤاده البأساء
يبصر الآل إذ يراح بهم في
موقف الذل عنوة ويجاء
بنت فرعون في السلاسل تمشي
أزعج الدهر عريها والحفاء
30
فكأن لم ينهض بهودجها الده
ر ولا سار خلفها الأمراء
31 •••
وأبوها العظيم ينظر لما
رديت مثلما تردى الإماء
32
أعطيت جرة وقيل إليك الن
هر قومي كما تقوم النساء
فمشت تظهر الإباء وتحمي الد
مع أن تسترقه الضراء
33
والأعادي شواخص وأبوها
بيد الخطب صخرة صماء
34
فأرادوا لينظروا دمع فرعو
ن وفرعون دمعه العنقاء
35
فأروه الصديق في ثوب فقر
يسأل الجمع والسؤال بلاء
فبكى رحمة وما كان من يب
كي ولكنما أراد الوفاء
هكذا الملك والملوك وإن جا
ر زمان وروعت بلواء •••
لا تسلني ما دولة الفرس! ساءت
دولة الفرس في البلاد وساءوا
36
أمة همها الخرائب تبلي
ها وحق الخرائب الإعلاء
37
سلبت مصر عزها وكستها
ذلة ما لها الزمان انقضاء
وارتوى سيفها فعاجلها الله
بسيف ما إن له إرواء
38
طلبة للعباد كانت لإسكن
در في نيلها اليد البيضاء
39
شاد إسكندر لمصر بناء
لم تشده الملوك والأمراء
بلدا يرحل الأنام إليه
ويحج الطلاب والحكماء
عاش عمرا في البحر ثغر المعالي
والمنار الذي به الاهتداء
مطمئنا من الكتائب والكت
ب بما ينتهي إليه العلاء
يبعث الضوء للبلاد فتسري
في سناه الفهوم والفهماء
والجواري في البحر يظهرن عز ال
ملك والبحر صولة وثراء
40
والرعايا في نعمة ولبطلي
موس في الأرض دولة علياء
41
فقضى الله أن تضيع هذا ال
ملك أنثى صعب عليها الوفاء
42
تخذتها روما إلى الشر تمهي
دا وتمهيده بأنثى بلاء
فتناهى الفساد في هذه الأر
ض وجاز الأبالس الإغواء
ضيعت قيصر البرية أنثى
يا لربي مما تجر النساء
43
فتنت منه كهف روما المرجى
والحسام الذي به الاتقاء
44
قاهر الخصم والجحافل مهما
جد هول الوغى وجد اللقاء
فأتاها من ليس تملكه أن
ثى ولا تسترقه هيفاء
45
بطل الدولتين حامي حمى رو
ما الذي لا تقوده الأهواء
46
أخذ الملك وهي في قبضة الأف
عى عن الملك والهوى عمياء
47
سلبتها الحياة فاعجب لرقطا
ء أراحت منها الورى رقطاء
48
لم تصب بالخداع نجحا ولكن
خدعوها بقولهم حسناء
قتلت نفسها وظنت فداء
صغرت نفسها وقل الفداء
سل كلوبترة المكايد هلا
صدها عن ولاء روما الدهاء
فبروما تأيدت وبروما
هي تشقى وهكذا الأعداء
ولروما الملك الذي طالما وا
فاه في السر نصحها والولاء
وتولت مصرا يمين على المص
ري من دون ذا الورى عسراء
تسمع الأرض قيصرا حين تدعو
وعقيم من أهل مصر الدعاء
49
وينيل الورى الحقوق فإن نا
دته مصر فأذنه صماء
فاصبري مصر للبلاء وأنى
لك والصبر للبلاء بلاء
ذا الذي كنت تلتجين إليه
ليس منه إلى سواه التجاء •••
رب شقت العباد أزمان لا كت
ب بها يهتدى ولا أنبياء
50
ذهبوا في الهوى مذاهب شتى
جمعتها الحقيقة الزهراء
51
فإذا لقبوا قويا إلها
فله بالقوى إليك انتهاء
وإذا آثروا جميلا بتنزي
ه فإن الجمال منك حباء
52
وإذا أنشئوا التماثيل غرا
فإليك الرموز والإيماء
53
وإذا قدروا الكواكب أربا
با فمنك السنا ومنك السناء
54
وإذا ألهوا النبات فمن آ
ثار نعماك حسنه والنماء
وإذا يمموا الجبال سجودا
فالمراد الجلالة الشماء
55
وإذا تعبد البحار مع الأس
ماك والعاصفات والأنواء
وسباع السماء والأرض والأر
حام والأمهات والآباء
لعلاك المذكرات عبيد
خضع والمؤنثات إماء
56
جمع الخلق والفضيلة سر
شف عنه الحجاب فهو ضياء •••
سجدت مصر في الزمان لإيزي
س الندى من لها اليد البيضاء
57
إن تل البر فالبلاد نضار
أو تل البحر فالرياح رخاء
58
أو تل النفس فهي في كل عضو
أو تل الأفق فهي فيه ذكاء
59
قيل إيزيس ربة الكون لولا
أن توحدت لم تك الأشياء
واتخذت الأنوار حجبا فلم تب
صرك أرض ولا رأتك سماء
أنت ما أظهر الوجود وما أخ
فى وأنت الإظهار والإخفاء
لك آبيس والمحبب أوزي
ريس وابناه كلهم أولياء
60
مثلت للعيون ذاتك والتم
ثيل يدني من لا له إدناء
وادعاك اليونان من بعد مصر
وتلاه في حبك القدماء
فإذا قيل ما مفاخر مصر
قيل منها إيزيسها الغراء •••
رب هذي عقولنا في صباها
نالها الخوف واستباها الرجاء
فعشقناك قبل أن تأتي الرس
ل وقامت بحبك الأعضاء
ووصلنا السرى فلولا ظلام ال
جهل لم يخطنا إليك اهتداء
61
واتخذنا الأسماء شتى فلما
جاء موسى انتهت لك الأسماء
حجنا في الزمان سحرا بسحر
واطمأنت إلى العصا السعداء
62
ويريد الإله أن يكرم العق
ل وألا تحقر الآراء
ظن فرعون أن موسى له وا
ف وعند الكرام يرجى الوفاء
لم يكن في حسابه يوم ربى
أن سيأتي ضد الجزاء الجزاء
فرأى الله أن يعق ولله
تفي لا لغيره الأنبياء
مصر موسى عند انتماء، وموسى
مصر إن كان نسبة وانتماء
فبه فخرها المؤيد مهما
هز بالسيد الكليم اللواء
63
إن تكن قد جفته في ساعة الشك
فحظ الكبير منها الجفاء
خلة للبلاد يشقى بها النا
س وتشقى الديار والأبناء
فكبير ألا يصان كبير
وعظيم أن ينبذ العظماء •••
ولد الرفق يوم مولد عيسى
والمروءات والهدى والحياء
وازدهى الكون بالوليد وضاءت
بسناه من الثرى الأرجاء
وسرت آية المسيح كما يس
ري من الفجر في الوجود الضياء
تملأ الأرض والعوالم نورا
فالثرى مائج بها وضاء
لا وعيد لا صولة لا انتقام
لا حسام لا غزوة لا دماء
ملك جاور التراب فلما
مل نابت عن التراب السماء
64
وأطاعته في الإله شيوخ
خشع خضع له ضعفاء
أذعن الناس والملوك إلى ما
رسموا والعقول والعقلاء
فلهم وقفة على كل أرض
وعلى كل شاطئ إرساء
دخلوا ثيبة فأحسن لقيا
هم رجال بثيبة حكماء
65
فهموا السر حين ذاقوا وسهل
أن ينال الحقائق الفهماء
66
فإذا الهيكل المقدس دير
وإذا الدير رونق وبهاء
وإذا ثيبة لعيسى ومنفي
س ونيل الثراء والبطحاء
67
إنما الأرض والفضاء لربي
وملوك الحقيقة الأنبياء
لهم الحب خالصا من رعايا
هم وكل الهوى لهم والولاء
إنما ينكر الديانات قوم
هم بما ينكرونه أشقياء
هرمت دولة القياصر والدو
لات كالناس داؤهن الفناء
68
ليس تغني عنها البلاد ولا ما
ل الأقاليم إن أتاها النداء
69
نال روما ما نال من قبل آثي
نا وسيمته ثيبة العصماء
70
سنة الله في الممالك من قب
ل ومن بعد ما لنعمى بقاء •••
أظلم الشرق بعد قيصر والغر
ب وعم البرية الإدجاء
71
فالورى في ضلاله متماد
يفتك الجهل فيه والجهلاء
عرف الله ضلة فهو شخص
أو شهاب أو صخرة صماء
72
وتولى على النفوس هوى الأو
ثان حتى انتهت له الأهواء
فرأى الله أن تطهر بالسي
ف وأن تغسل الخطايا الدماء
وكذاك النفوس وهي مراض
بعض أعضائها لبعض فداء
لم يعاد الله العبيد ولكن
شقيت بالغباوة الأغبياء
وإذا جلت الذنوب وهالت
فمن العدل أن يهول الجزاء
أشرق النور في العوالم لما
بشرتها بأحمد الأنباء
باليتيم الأمي والبشر المو
حى إليه العلوم والأسماء
قوة الله إن تولت ضعيفا
تعبت في مراسه الأقوياء
73
أشرف المرسلين آيته النط
ق مبينا وقومه الفصحاء
لم يفه بالنوابغ الغر حتى
سبق الخلق نحوه البلغاء
وأتته العقول منقادة اللب
ولبى الأعوان والنصراء
74
جاء للناس والسرائر فوضى
لم يؤلف شتاتهن لواء
75
وحمى الله مستباح وشرع الله
والحق والصواب وراء
فلجبريل جيئة ورواح
وهبوط إلى الثرى وارتقاء
يحسب الأفق في جناحيه نور
سلبته النجوم والجوزاء
تلك آي الفرقان أرسلها الله
ضياء يهدي به من يشاء
76
نسخت سنة النبيين والرس
ل كما ينسخ الضياء الضياء
وحماها غر كرام أشدا
ء على الخصم بينهم رحماء
أمة ينتهي البيان إليها
وتئول العلوم والعلماء
77
جازت النجم واطمأنت بأفق
مطمئن به السنا والسناء
كلما حثت الركاب لأرض
جاور الرشد أهلها والذكاء
78
وعلا الحق بينهم وسما الفض
ل ونالت حقوقها الضعفاء
تحمل النجم والوسيلة والمي
زان من دينها إلى من تشاء
وتنيل الوجود منه نظاما
هو طب الوجود وهو الدواء
يرجع الناس والعصور إلى ما
سن والجاحدون والأعداء
فيه ما تشتهي العزائم إن هم
ذووها ويشتهي الأذكياء
فلمن حاول النعيم نعيم
ولمن آثر الشقاء شقاء
أيرى العجم من بني الظل والما
ء عجيبا أن تنجب البيداء
79
وتثير الخيام آساد هيجا
ء تراها آسادها الهيجاء
ما أنافت على السواعد حتى ال
أرض طرا في أسرها والفضاء
تشهد الصين والبحار وبغدا
د ومصر والغرب والحمراء
80
من كعمرو البلاد والضاد مما
شاد فيها والملة الغراء
شاد للمسلمين ركنا جساما
ضافي الظل دأبه الإيواء
81
طالما قامت الخلافة فيه
فاطمأنت وقامت الخلفاء
وانتهى الدين بالرجاء إليه
وبنو الدين إذ هم ضعفاء
من يصنه يصن بقية عز
غيض الترك صفوه والثواء
82
فابك عمرا إن كنت منصف عمرو
إن عمرا لنير وضاء
جاد للمسلمين بالنيل والني
ل لمن يقتنيه أفريقاء
فهي تعلو شأنا إذا حرر الني
ل وفى رقه لها إزراء
83 •••
واذكر الغر آل أيوب وامدح
فمن المدح للرجال جزاء
84
هم حماة الإسلام والنفر البي
ض الملوك الأعزة الصلحاء
85
كل يوم بالصالحية حصن
وببلبيس قلعة شماء
وبمصر للعلم دار وللضي
فان نار عظيمة حمراء
ولأعداء آل أيوب قتل
ولأسراهم قرى وثواء
86
يعرف الدين من صلاح ويدري
من هو المسجدان والإسراء
87
إنه حصنه الذي كان حصنا
وحماه الذي به الاحتماء
يوم سار الصليب والحاملوه
ومشى الغرب قومه والنساء
بنفوس تجول فيها الأماني
وقلوب تثور فيها الدماء
يضمرون الدمار للحق والنا
س ودين الذين بالحق جاءوا
ويهدون بالتلاوة والصل
بان ما شاد بالقنا البناء
فتلقتهم عزائم صدق
نص للدين بينهن خباء
88
مزقت جمعهم على كل أرض
مثلما مزق الظلام الضياء
وسبت أمرد الملوك فردت
ه وما فيه للرعايا رجاء
89
ولو ان المليك هيب أذاه
لم يخلصه من أذاها الفداء
هكذا المسلمون والعرب الخا
لون لا ما يقوله الأعداء
فبهم في الزمان نلنا الليالي
وبهم في الورى لنا أنباء
ليس للذل حيلة في نفوس
يستوي الموت عندها والبقاء •••
واذكر الترك إنهم لم يطاعوا
فيرى الناس أحسنوا أم أساءوا
حكمت دولة الجراكس عنهم
وهي في الدهر دولة عسراء
90
واستبدت بالأمر منهم ف «باشا» الت
رك في مصر آلة صماء
يأخذ المال من مواعيد ما كا
نوا لها منجزين فهي هباء
ويسومونه الرضا بأمور
ليس يرضى أقلهن الرضاء
91
فيداري ليعصم الغد منهم
والمداراة حكمة ودهاء •••
وأتى النسر ينهب الأرض نهبا
حوله قومه النسور ظماء
92
يشتهي النيل أن يشيد عليه
دولة عرضها الثرى والسماء
حلمت رومة بها في الليالي
ورآها القياصر الأقوياء
فأتت مصر رسلهم تتوالى
وترامت سودانها العلماء
93
ولو استشهد الفرنسيس روما
لأتتهم من رومة الأنباء
علمت كل دولة قد تولت
أننا سمها وأنا الوباء
قاهر العصر والممالك نابل
يون ولت قواده الكبراء
جاء طيشا وراح طيشا ومن قب
ل أطاشت أناسها العلياء
سكتت عنه يوم عيرها الأه
رام لكن سكوتها استهزاء
فهي توحي إليه أن تلك «واتر
لو» فأين الجيوش أين اللواء
94
الهمزية النبوية
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
الروح والملأ الملائك حوله
للدين والدنيا به بشراء
1
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي
والمنتهى والسدرة العصماء
2
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا
بالترجمان شذية غناء
3
والوحي يقطر سلسلا من سلسل
واللوح والقلم البديع رواء
4
نظمت أسامي الرسل فهي صحيفة
في اللوح واسم محمد طغراء
5
اسم الجلالة في بديع حروفه
ألف هنالك واسم «طه» الباء •••
يا خير من جاء الوجود تحية
من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا
بيت النبيين الذي لا يلتقي
إلا الحنائف فيه والحنفاء
6
خير الأبوة حازهم لك «آدم»
دون الأنام وأحرزت حواء
هم أدركوا عز النبوة وانتهت
فيها إليك العزة القعساء
7
خلقت لبيتك وهو مخلوق لها
إن العظائم كفؤها العظماء
بك بشر الله السماء فزينت
وتضوعت مسكا بك الغبراء
8
وبدا محياك الذي قسماته
حق وغرته هدى وحياء
9
وعليه من نور النبوة رونق
ومن الخليل وهديه سيماء
10
أثنى «المسيح» عليه خلف سمائه
وتهللت واهتزت «العذراء»
11
يوم يتيه على الزمان صباحه
ومساؤه ب «محمد» وضاء
الحق عالي الركن فيه مظفر
في الملك لا يعلو عليه لواء
ذعرت عروش الظالمين فزلزلت
وعلت على تيجانهم أصداء
والنار خاوية الجوانب حولهم
خمدت ذوائبها وغاض الماء
12
والآي تترى والخوارق جمة «جبريل» رواح بها غداء
13
نعم اليتيم بدت مخايل فضله
واليتم رزق بعضه وذكاء
14
في المهد يستسقى الحيا برجائه
وبقصده تستدفع البأساء
15
بسوى الأمانة في الصبا والصدق لم
يعرفه أهل الصدق والأمناء
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا
منها وما يتعشق الكبراء
لو لم تقم دينا لقامت وحدها
دينا تضيء بنوره الآناء
زانتك في الخلق العظيم شمائل
يغرى بهن ويولع الكرماء
أما الجمال فأنت شمس سمائه
وملاحة «الصديق» منك أياء
16
والحسن من كرم الوجوه وخيره
ما أوتي القواد والزعماء
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لا تفعل الأنواء
17
وإذا عفوت فقادرا ومقدرا
لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب
هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا غضبت فإنما هي غضبة
في الحق لا ضغن ولا بغضاء
18
وإذا رضيت فذاك في مرضاته
ورضا الكثير تحلم ورياء
19
وإذا خطبت فللمنابر هزة
تعرو الندي وللقلوب بكاء
20
وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما
جاء الخصوم من السماء قضاء
وإذا حميت الماء لم يورد ولو
أن القياصر والملوك ظماء
وإذا أجرت فأنت بيت الله لم
يدخل عليه المستجير عداء
وإذا ملكت النفس قمت ببرها
ولو ان ما ملكت يداك الشاء
وإذا بنيت فخير زوج عشرة
وإذا ابتنيت فدونك الآباء
21
وإذا صحبت رأى الوفاء مجسما
في بردك الأصحاب والخلطاء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته
فجميع عهدك ذمة ووفاء
وإذا مشيت على العدا فغضنفر
وإذا جريت فإنك النكباء
22
وتمد حلمك للسفيه مداريا
حتى يضيق بعرضك السفهاء
في كل نفس من سطاك مهابة
ولكل نفس في نداك رجاء
23
والرأي لم ينض المهند دونه
كالسيف لم تضرب به الآراء
24 •••
يا أيها الأمي حسبك رتبة
في العلم أن دانت بك العلماء
25
الذكر آية ربك الكبرى التي
فيها لباغي المعجزات غناء
26
صدر البيان له إذا التقت اللغى
وتقدم البلغاء والفصحاء
27
نسخت به التوراة وهي وضيئة
وتخلف الإنجيل وهو ذكاء
28
لما تمشى في «الحجاز» حكيمه
فضت «عكاظ» به وقام حراء
29
أزرى بمنطق أهله وبيانهم
وحي يقصر دونه البلغاء
30
حسدوا فقالوا شاعر أو ساحر
ومن الحسود يكون الاستهزاء
قد نال ب «الهادي» الكريم وب «الهدى»
ما لم تنل من سؤدد سيناء
أمسى كأنك من جلالك أمة
وكأنه من أنسه بيداء
يوحى إليك الفوز في ظلماته
متتابعا تجلى به الظلماء
دين يشيد آية في آية
لبناته السورات والأضواء
الحق فيه هو الأساس وكيف لا
والله جل جلاله البناء
أما حديثك في العقول فمشرع
والعلم والحكم الغوالي الماء
31
هو صبغة الفرقان نفحة قدسه
والسين من سوراته والراء
32
جرت الفصاحة من ينابيع النهى
من دوحه وتفجر الإنشاء
33
في بحره للسابحين به على
أدب الحياة وعلمها إرساء
أتت الدهور على سلافته ولم
تفن السلاف ولا سلا الندماء
34 •••
بك يا ابن عبد الله قامت سمحة
بالحق من ملل الهدى غراء
35
بنيت على التوحيد وهي حقيقة
نادى بها سقراط والقدماء
وجد الزعاف من السموم لأجلها
كالشهد ثم تتابع الشهداء
ومشى على وجه الزمان بنورها
كهان وادي النيل والعرفاء
36
إيزيس ذات الملك حين توحدت
أخذت قوام أمورها الأشياء
37
لما دعوت الناس لبى عاقل
وأصم منك الجاهلين نداء
أبوا الخروج إليك من أوهامهم
والناس في أوهامهم سجناء
ومن العقول جداول وجلامد
ومن النفوس حرائر وإماء
38
داء الجماعة من أرسطاليس لم
يوصف له حتى أتيت دواء
فرسمت بعدك للعباد حكومة
لا سوقة فيها ولا أمراء
الله فوق الخلق فيها وحده
والناس تحت لوائها أكفاء
والدين يسر والخلافة بيعة
والأمر شورى والحقوق قضاء
الإشتراكيون أنت إمامهم
لولا دعاوى القوم والغلواء
39
داويت متئدا وداووا طفرة
وأخف من بعض الدواء الداء
40
الحرب في حق لديك شريعة
ومن السموم الناقعات دواء
41
والبر عندك ذمة وفريضة
لا منة ممنونة وجباء
42
جاءت فوحدت الزكاة سبيله
حتى التقى الكرماء والبخلاء
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى
فالكل في حق الحياة سواء
فلو ان إنسانا تخير ملة
ما اختار إلا دينك الفقراء •••
يا أيها المسرى به شرفا إلى
ما لا تنال الشمس والجوزاء
43
يتساءلون وأنت أطهر هيكل
بالروح أم بالهيكل الإسراء
44
بهما سموت مطهرين كلاهما
نور وريحانية وبهاء
فضل عليك لذي الجلال ومنة
والله يفعل ما يرى ويشاء
تغشى الغيوب من العوالم كلما
طويت سماء قلدتك سماء
45
في كل منطقة حواشي نورها
نون وأنت النقطة الزهراء
أنت الجمال بها وأنت المجتلى
والكف والمرآة والحسناء
الله هيأ من حظيرة قدسه
نزلا لذاتك لم يجزه علاء
العرش تحتك سدة وقوائما
ومناكب الروح الأمين وطاء
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم
حاشا لغيرك موعد ولقاء •••
الخيل تأبى غير «أحمد» حاميا
وبها إذا ذكر اسمه خيلاء
شيخ الفوارس يعلمون مكانه
إن هيجت آسادها الهيجاء
وإذا تصدى للظبا فمهند
أو للرماح فصعدة سمراء
46
وإذا رمى عن قوسه فيمينه
قدر وما ترمي اليمين قضاء
من كل داعي الحق همة سيفه
فلسيفه في الراسيات مضاء
47
ساقي الجريح ومطعم الأسرى ومن
أمنت سنابك خيله الأشلاء
إن الشجاعة في الرجال غلاظة
ما لم تزنها رأفة وسخاء
والحرب من شرف الشعوب فإن بغوا
فالمجد مما يدعون براء
والحرب يبعثها القوي تجبرا
وينوء تحت بلائها الضعفاء
كم من غزاة للرسول كريمة
فيها رضا للحق أو إعلاء
كانت لجند الله فيها شدة
في إثرها للعالمين رخاء
ضربوا الضلالة ضربة ذهبت بها
فعلى الجهالة والضلال عفاء
دعموا على الحرب السلام وطالما
حقنت دماء في الزمان دماء •••
الحق عرض الله كل أبية
بين النفوس حمى له ووقاء
هل كان حول «محمد» من قومه
إلا صبي واحد ونساء
فدعا فلبى في القبائل عصبة
مستضعفون قلائل أنضاء
48
ردوا ببأس العزم عنه من الأذى
ما لا ترد الصخرة الصماء
والحق والإيمان إن صبا على
برد ففيه كتيبة خرساء
49
نسفوا بناء الشرك فهو خرائب
واستأصلوا الأصنام فهي هباء
50
يمشون تغضي الأرض منهم هيبة
وبهم حيال نعيمها إغضاء
حتى إذا فتحت لهم أطرافها
لم يطغهم ترف ولا نعماء •••
يا من له عز الشفاعة وحده
وهو المنزه ما له شفعاء
عرش القيامة أنت تحت لوائه
والحوض أنت حياله السقاء
تروي وتسقي الصالحين ثوابهم
والصالحات ذخائر وجزاء
ألمثل هذا ذقت في الدنيا الطوى
وانشق من خلق عليك رداء
لي في مديحك يا رسول عرائس
تيمن فيك وشاقهن جلاء
51
هن الحسان فإن قبلت تكرما
فمهورهن شفاعة حسناء
أنت الذي نظم البرية دينه
ماذا يقول وينظم الشعراء
المصلحون أصابع جمعت يدا
هي أنت بل أنت اليد البيضاء
ما جئت بابك مادحا بل داعيا
ومن المديح تضرع ودعاء
أدعوك عن قومي الضعاف لأزمة
في مثلها يلقى عليك رجاء
أدرى رسول الله أن نفوسهم
ركبت هواها والقلوب هواء
متفككون فما تضم نفوسهم
ثقة ولا جمع القلوب صفاء
رقدوا ، وغرهم نعيم باطل
ونعيم قوم في القيود بلاء •••
ظلموا شريعتك التي نلنا بها
ما لم ينل في رومة الفقهاء
مشت الحضارة في سناها واهتدى
في الدين والدنيا بها السعداء
صلى عليك الله ما صحب الدجى
حاد وحنت بالفلا وجناء
52
واستقبل الرضوان في غرفاتهم
بجنان عدن آلك السمحاء
خير الوسائل من يقع منهم على
سبب إليك فحسبي «الزهراء»
صدى الحرب1
بسيفك يعلو الحق والحق أغلب
وينصر دين الله أيان تضرب
وما السيف إلا آية الملك في الورى
ولا الأمر إلا للذي يتغلب
فأدب به القوم الطغاة فإنه
لنعم المربي للطغاة المؤدب
وداو به الدولات من كل دائها
فنعم الحسام الطب والمتطبب
2
تنام خطوب الملك إن بات ساهرا
وإن هو نام استيقظت تتألب
أمنا الليالي أن نراع بحادث
و«أرمينيا» ثكلى و«حوران» أشيب
3
ومملكة «اليونان» محلولة العرى
رجاؤك يعطيها، وخوفك يسلب
هددت أمير المؤمنين كيانها
بأسطع مثل الصبح لا يتكذب
4
وما زال فجرا سيف «عثمان» صادقا
يساريه من عالي ذكائك كوكب
5
إذا ما صدعت الحادثات بحده
تكشف داجي الخطب وانجاب غيهب
6
وهاب العدا فيه خلافتك التي
لهم مأرب فيها ولله مأرب
أبوة أمير المؤمنين
سما بك يا «عبد الحميد» أبوة
ثلاثون حضار الجلالة غيب
7
قياصر أحيانا خلائف تارة
خواقين طورا والفخار المقلب
8
نجوم سعود الملك أقمار زهوه
لو ان النجوم الزهر يجمعها أب
تواصوا به عصرا فعصرا فزاده
معممهم من هيبة والمعصب
9
هم الشمس لم تبرح سموات عزها
وفينا ضحاها والشعاع المحبب
الجلوس الأسعد
نهضت بعرش ينهض الدهر دونه
خشوعا وتخشاه الليالي وترهب
مكين على متن الوجود مؤيد
بشمس استواء ما لها الدهر مغرب
10
ترقت له الأسواء حتى ارتقيته
فقمت بها في بعض ما تتنكب
11
فكنت كعين ذات جري كمينة
تفيض على مر الزمان وتعذب
موكلة بالأرض تنساب في الثرى
فيحيا وتجري في البلاد فتخصب
فأحييت ميتا دارس الرسم غابرا
كأنك فيما جئت عيسى المقرب
12
وشدت منارا للخلافة في الورى
تشرق فيهم شمسه، وتغرب
سهرت ونام المسلمون بغبطة
وما يزعج النوام والساهر الأب
فنبهنا الفتح الذي ما بفجره
ولا بك يا فجر السلام مكذب
حلم عظيم وبطش أعظم
حسامك من سقراط في الخطب أخطب
وعودك من عود المنابر أصلب
13
وعزمك من «هومير» أمضى بديهة
وأجلى بيانا في القلوب وأعذب
14
وإن يذكروا «إسكندرا» وفتوحه
فعهدك بالفتح المحجل أقرب
15
وملكك أرقى بالدليل حكومة
وأنفذ سهما في الأمور وأصوب
ظهرت أمير المؤمنين على العدا
ظهورا يسوء الحاسدين ويتعب
سل العصر والأيام والناس هل نبا
لرأيك فيهم أو لسيفك مضرب
16
هم ملئوا الدنيا جهاما وراءه
جهام من الأعوان أهذى وأكذب
17
فلما استللت السيف أخلب برقهم
وما كنت يا برق المنية تخلب
18
أخذتهم لا مالكين لحوضهم
من الذود إلا ما أطالوا وأسهبوا
ولم يتكلف قومك الأسد أهبة
ولكن خلقا في السباع التأهب
كذا الناس بالأخلاق يبقى صلاحهم
ويذهب عنهم أمرهم حين تذهب
ومن شرف الأوطان ألا يفوتها
حسام معز أو يراع مهذب
معجزات الجنود على الحدود
ملكت سبيليهم ففي الشرق مضرب
لجيشك ممدود وفي الغرب مضرب
19
ثمانون ألفا أسد غاب ضراغم
لها مخلب فيهم وللموت مخلب
إذا حلمت فالشر وسنان حالم
وإن غضبت فالشر يقظان مغضب
فيالق أفشى في البلاد من الضحى
وأبعد من شمس النهار وأقرب
20
وتصبح تلقاهم، وتمسي تصدهم
وتظهر في جد القتال وتلعب
تلوح لهم في كل أفق وتعتلي
وتطلع فيهم من مكان وتغرب
وتقدم إقدام الليوث وتنثني
وتدبر علما بالوغى وتعقب
21
وتملك أطراف الشعاب وتلتقي
وتأخذ عفوا كل عال وتغصب
22
وتغشى أبيات المعاقل والذرا
فثيبهن البكر والبكر ثيب
23
يقود سراياها ويحمي لواءها
سديد المرائي في الحروب مجرب
24
يجيء بها حينا ويرجع مرة
كما تدفع اللج البحار وتجذب
25
ويرمي بها كالبحر من كل جانب
فكل خميس لجة تتضرب
26
وينفذها من كل شعب فتلتقي
كما يتلاقى العارض المتشعب
27
ويجعل ميقاتا لها تنبري له
كما دار يلقى عقرب السير عقرب
28
فظلت عيون الحرب حيرى لما ترى
نواظر ما تأتي الليوث وتغرب
29
تبالغ بالرامي وتزهو بما رمى
وتعجب بالقواد والجند أعجب
30
وتثني على مزجي الجيوش ب «يلدز»
وملهمها فيما تنال وتكسب
31
وما الملك إلا الجيش شأنا ومظهرا
ولا الجيش إلا ربه حين ينسب
زينب بني عثمان
تحذرني من قومها الترك زينب
وتعجم في وصف الليوث وتعرب
وتكثر ذكر الباسلين وتنثني
بعز على عز الجمال وتعجب
وتسحب ذيل الكبرياء وهكذا
يتيه ويختال القوي المغلب
وزينب إن تاهت وإن هي فاخرت
فما قومها إلا العشير المحبب
32
يؤلف إيلام الحوادث بيننا
ويجمعنا في الله دين ومذهب
نما الود حتى مهد السبل للهوى
فما في سبيل الوصل ما يتصعب
ودانى الهوى ما شاء بيني وبينها
فلم يبق إلا الأرض والأرض تقرب
33
الحالة في بحر الروم
ركبت إليها البحر وهو مصيدة
تمد بها سفن الحديد وتنصب
34
تروح المنايا الزرق فيه وتغتدي
وما هي إلا الموج يأتي ويذهب
وتبدو عليه الفلك شتى كأنها
بئوز تراعيها على البعد أعقب
35
حوامل أعلام القياصر حضر
عليها سلاطين البرية غيب
تجاري خطاها الحادثات وتقتفي
وتطفو حواليها الخطوب وترسب
36
ويوشك يجري الماء من تحتها دما
إذا جمعت أثقالها تترقب
فقلت أأشراط القيامة ما أرى
أم الحرب أدنى من وريد وأقرب
37
أمانا أمانا لجة الروم للورى
لو ان أمانا عند دأماء يطلب
38
كأني بأحداث الزمان ملمة
وقد فاض منها حوضك المتضرب
فأزعج مغبوط وروع آمن
وغال سلام العالمين التعصب
فقالت أطلت الهم للخلق ملجأ
أبر بهم من كل بر وأحدب
39
سلام البرايا في كلاءة فرقد
ب «يلدز» لا يغفو ولا يتغيب
40
وإن أمير المؤمنين لوابل
من الغوث منهل على الخلق صيب
41
رأى الفتنة الكبرى فوالى انهماله
فبادت وكانت جمرة تتلهب
42
منعة السواحل العثمانية
فما زلت بالأهوال حتى اقتحمتها
وقد تركب الحاجات ما ليس يركب
43
أخوض الليالي من عباب ومن دجى
إلى أفق فيه الخليفة كوكب
44
إلى ملك عثمان الذي دون حوضه
بناء العوالي المشمخر المطنب
45
فلاح يناغي النجم صرح مثقب
على الماء قد حاذاه صرح مثقب
بروج أعارتها المنون عيونها
لها في الجواري نظرة لا تخيب
رواسي ابتداع في رواسي طبيعة
تكاد ذراها في السحاب تغيب
فقمت أجيل الطرف حيران قائلا
أهذي ثغور الترك أم أنا أحسب
فمثل بناء الترك لم يبن مشرق
ومثل بناء الترك لم يبن مغرب
تظل مهولات البوارج دونه
حوائر ما يدرين ماذا تخرب
إذا طاش بين الماء والصخر سهمها
أتاها حديد ما يطيش وأسرب
46
يسدده عزريل في زي قاذف
وأيدي المنايا والقضاء المدرب
قذائف تخشى مهجة الشمس كلما
علت مصعدات أنها لا تصوب
47
إذا صب حاميها على السفن انثنت
وغانمها الناجي فكيف المخيب
سل الروم هل فيهن للفلك حيلة
وهل عاصم منهن إلا التنكب
48
تذبذب أسطولاهم فدعتهما
إلى الرشد نار ثم لا تتذبذب
فلا الشرق في أسطوله متقى الحمى
ولا الغرب في أسطوله متهيب
زينب المتطوعة في موقعة
وما راعني إلا لواء مخضب
هنالك يحميه بنان مخضب
49
فقلت من الحامي أليث غضنفر
من الترك ضار أم غزال مربب
50
أم الملك الغازي المجاهد قد بدا
أم النجم في الآرام أم أنت زينب
رفعت بنات الترك قالت وهل بنا
بنات الضواري أن نصول تعجب
إذا ما الديار استصرخت بدرت لها
كرائم منا بالقنا تتنقب
تقرب ربات البعول بعولها
فإن لم يكن بعل فنفسا تقرب
51
ولاحت بآفاق العدو سرية
فوارس تبدو تارة وتحجب
نواهض في حزن كما تنهض القطا
رواكض في سهل كما انساب ثعلب
52
قليلون من بعد كثيرون إن دنوا
لهم سكن آنا وآنا تهيب
فقالت شهدت الحرب أو أنت موشك
فصفنا فأنت الباسل المتأدب
ونادت فلبى الخيل من كل جانب
ولبى عليها القسور المترقب
53
خفافا إلى الداعي سراعا كأنما
من الحرب داع للصلاة مثوب
منيفين من حول اللواء كأنهم
له معقل فوق المعاقل أغلب
وما هي إلا دعوة وإجابة
أن التحمت والحرب بكر وتغلب
54
فأبصرت ما لم تبصرا من مشاهد
ولا شهدت يوما معد ويعرب
مضيق ملونا
جبال «ملونا» لا تخوري وتجزعي
إذا مال رأس أو تضعضع منكب
فما كنت إلا السيف والنار مركبا
وما كان يستعصي على الترك مركب
علوا فوق علياء العدو ودونه
مضيق كحلق الليث أو هو أصعب
فكان صراط الحشر ما ثم ريبة
وكانوا فريق الله ما ثم مذنب
يمرون مر البرق تحت دجنة
دخانا به أشباحهم تتجلبب
55
حثيثين من فوق الجبال وتحتها
كما انهار طود أو كما انهال مذنب
56
تمدهم قذافهم ورماتهم
بنار كنيران البراكين تدأب
تذري بها شم الذرا حين تعتلي
ويسفح منها السفح إذ تتصبب
57
تسمر في رأس القلاع كراتها
ويسكن أعجاز الحصون المذنب
58
فلما دجى داجي العوان وأطبقت
تبلج والنصر الهلال المحجب
59
وردت على أعقابها الروم بعدما
تناثر منها الجيش أو كاد يذهب
جناحين في شبه الشباكين من قنا
وقلبا على حر الوغى يتقلب
على قلل الأجبال حيرى جموعهم
شواخص ما إن تهتدي أين تذهب
60
إذا صعدت فالسيف أبيض خاطف
وإن نزلت فالنار حمراء تلهب
تطوع أسرا منهم ذلك الذي
تطوع حربا والزمان تقلب
وتم لنا النصر المبين على العدا
وفتح المعالي والنهار المذهب
فجئت فتاة الترك أجزي دفاعها
عن الملك والأوطان ما الحق يوجب
فقبلت كفا كان بالسيف ضاربا
وقبلت سيفا كان بالكف يضرب
وقلت أفي الدنيا لقومك غالب
وفي مثل هذا الحجر ربوا وهذبوا
رويدا بني عثمان في طلب العلا
وهيهات لم يستبق شيء فيطلب
أفي كل آن تغرسون ونجتني
وفي كل يوم تفتحون ونكتب
وما زلتم يسقيكم النصر خمره
وتسقونه والكل نشوان مصأب
61
إلى أن أحل السكر من لا يحله
ومد بساط الشرب من ليس يشرب
الحاج عبد الأزل باشا
وأشمط سواس الفوارس أشيب
يسير به في الشعب أشمط أشيب
62
رفيقا ذهاب في الحروب وجيئة
قد اصطحبا والحر للحر يصحب
إذا شهداها جددا هزة الصبا
كما يتصابى ذو ثمانين يطرب
فيهتز هذا كالحسام وينثني
وينفر هذا كالغزال ويلعب
توالى رصاص المطلقين عليهما
يخضل من شيبهما ويخضب
فقيل أنل أقدامك الأرض إنها
أبر جوادا إن فعلت وأنجب
فقال أيرضي واهب النصر أننا
نموت كموت الغانيات ونعطب
ذروني وشأني والوغى لا مباليا
إلى الموت أمشي أم إلى الموت أركب
أيحملني عمرا ويحمي شبيبتي
وأخذله في وهنه وأخيب
63
إذا نحن متنا فادفنونا ببقعة
يظل بذكرانا ثراها يطيب
ولا تعجبوا أن تبسل الخيل إنها
لها مثل ما للناس في الموت مشرب
64
فماتا أمام الله موت بسالة
كأنهما فيه مثال منصب
65
وما شهداء الحرب إلا عمادها
وإن شيد الأحياء فيها وطنبوا
66
مداد سجل النصر فيها دماؤهم
وبالتبر من غالي ثراهم يترب
67
فهل من «ملونا» موقف ومسامع
ومن جبليها منبر لي فأخطب
فأسأل حصنيها العجيبين في الورى
ومدخلها الأعصى الذي هو أعجب
وأستشهد الأطواد شماء والذرا
بواذخ تلوي بالنجوم وتجذب
68
هل البأس إلا بأسهم وثباتهم
أو العزم إلا عزمهم والتلبب
69
أو الدين إلا ما رأت من جهادهم
أو الملك إلا ما أعزوا وهيبوا
70
وأي فضاء في الوغى لم يضيقوا
وأي مضيق في الورى لم يرحبوا
وهل قبلهم من عانق النار راغبا
ولو أنه عبادها المترهب
وهل نال ما نالوا من الفخر حاضر
وهل حبي الخالون منه الذي حبوا
71
سلاما «ملونا» واحتفاظا وعصمة
لمن بات في عالي الرضا يتقلب
وضني بعظم في ثراك معظم
يقربه الرحمن فيما يقرب
هزيمة طرناو
و«طرناو» إذ طار الذهول بجيشها
وبالشعب فوضى في المذاهب يذهب
عشية ضاقت أرضها وسماؤها
وضاق فضاء بين ذاك مرحب
خلت من بنى الجيش الحصون وأقفرت
مساكن أهليها وعم التخرب
72
ونادى مناد للهزيمة في الملا
وإن منادي الترك يدنو ويقرب
فأعرض عن قواده الجند شاردا
وعلمه قواده كيف يهرب
وطار الأهالي نافرين إلى الفلا
مئين وآلافا تهيم وتسرب
73
نجوا بالنفوس الذاهلات وما نجوا
بغير يد صفر وأخرى تقلب
وطالت يد للجمع في الجمع بالخنا
وبالسلب لم يمدد بها فيه أجنب
74
يسير على أشلاء والده الفتى
وينسى هناك المرضع الأم والأب
75
وتمضي السرايا واطئات بخيلها
أرامل تبكي أو ثواكل تندب
فمن راجل تهوي السنون برجله
ومن فارس تمشي النساء ويركب
76
وماض بمال قد مضى عنه وأله
ومزج أثاثا بين عينيه ينهب
77
يكادون من ذعر تفر ديارهم
وتنجو الرواسي لو حواهن مشعب
78
يكاد الثرى من تحتهم يلج الثرى
ويقضم بعض الأرض بعضا ويقضب
79
تكاد خطاهم تسبق البرق سرعة
وتذهب بالأبصار أيان تذهب
تكاد على أبصارهم تقطع المدى
وتنفذ مرماها البعيد وتحجب
80
تكاد تمس الأرض مسا نعالهم
ولو وجدوا سبلا إلى الجو نكبوا
81
هزيمة من لا هازم يستحثه
ولا طارد يدعو لذاك ويوجب
قعدنا فلم يعدم فتى الروم فيلقا
من الرعب يغزوه وآخر يسلب
ظفرنا به وجها فظن تعقبا
وماذا يزيد الظافرين التعقب
فولى وما ولى نظام جنوده
ويا شؤم جيش للفرار يرتب
يسوق ويحدو للنجاة كتائبا
له موكب منها وللعار موكب
منظمة من حوله بيد أنها
تود لو انشق الثرى فتغيب
مؤزرة بالرعب ملدوغة به
ففي كل ثوب عقرب منه تلسب
82
ترى الخيل من كل الجهات تخيلا
فيأخذ منها وهمها والتهيب
فمن خلفها طورا وحينا أمامها
وآونة من كل أوب تألب
83
فوارس في طول الجبال وعرضها
إذا غاب منهم مقنب لاح مقنب
84
فمهما تهم يسنح لها ذو مهند
ويخرج لها من باطن الأرض محرب
85
وتنزل عليها من سماء خيالها
صواعق فيهن الردى المتصبب
رؤى إن تكن حقا يكن من ورائها
ملائكة الله الذي ليس يغلب
86
التلاقي على سهل فرسالا
و«فرسال» إذ باتوا وبتنا أعاديا
على السهل لدا يرقبون ونرقب
87
وقام فتانا الليل يحمي لواءه
وقام فتاهم ليله يتلعب
توسد هذا قائم السيف يتقي
وهذا على أحلامه يتحسب
88
وهل يستوي القرنان هذا منعم
غرير وهذا ذو تجاريب قلب
89
حمينا كلانا أرض «فرسال» والسما
فكل سبيل بين ذلك معطب
90
ورحنا يهب الشر فينا وفيهم
وتشمل أرواح القتال وتجنب
91
كأنا أسود رابضات كأنهم
قطيع بأقصى السهل حيران مذئب
92
كأن خيام الجيش في السهل أينق
نواشز فوضى في دجى الليل شزب
93
كأن السرايا ساكنات موائجا
قطائع تعطى الأمن طورا وتسلب
94
كأن القنا دون الخيام نوازلا
جداول يجريها الظلام ويسكب
95
كأن الدجى بحر إلى النجم صاعد
كأن السرايا موجه المتضرب
كأن المنايا في ضمير ظلامه
هموم بها فاض الضمير المحجب
كأن صهيل الخيل ناع مبشر
تراهن فيها ضحكا وهي نحب
96
كأن وجوه الخيل غرا وسيمة
دراري ليل طلع فيه ثقب
97
كأن أنوف الخيل حرى من الوغى
مجامر في الظلماء تهدا وتلهب
98
كأن صدور الخيل غدر على الدجى
كأن بقايا النضح فيهن طحلب
99
كأن سنا الأبواق في الليل برقه
كأن صداها الرعد للبرق يصحب
كأن نداء الجيش من كل جانب
دوي رياح في الدجى تتذأب
100
كأن عيون الجيش من كل مذهب
من السهل جن جول فيه جوب
101
كأن الوغى نار كأن جنودنا
مجوس إذا ما يمموا النار قربوا
102
كأن الوغى نار كأن الردى قرى
كأن وراء النار حاتم يأدب
103
كأن الوغى نار كأن بني الوغى
فراش له في ملمس النار مأرب
وثبنا يضيق السهل عن وثباتنا
وتقدمنا نار إلى الروم أوثب
مشت في سراياهم فحلت نظامها
فلما مشينا أدبرت لا تعقب
غصب دوموقو
رأى السهل منهم ما رأى الوعر قبله
فيا قوم حتى السهل في الحرب يصعب؟
وحصن تسامى من «دموقو» كأنه
معشش نسر أو بهذا يلقب
أشم على طود أشم كلاهما
منون المفاجي والحمام المرحب
تكاد تقاد الغاديات لربه
فيزجي وتنزم الرياح فيركب
104
حمته ليوث من حديد تركزت
على عجل واستجمعت تترقب
تثور وتستأني وتنأى وتدني
وتغدو بما تغدي وترمي وتنشب
105
تأبى فظن العالمون استحالة
وأعيا على أوهامهم فتريبوا
106
فما في القوى أن السموات ترتقى
بجيش وأن النجم يغشى فيغضب
107
سموتم إليه والقنابل دونه
وشهب المنايا والرصاص المصوب
فكنتم يواقيت الحروب كرامة
على النار أو أنتم أشد وأصلب
108
صعدتم وما غير القنا ثم مصعد
ولا سلم إلا الحديد المذرب
109
كما ازدحمت بيزان جو بمورد
أو ارتفعت تلقى الفريسة أعقب
110
فما زلتم حتى نزلتم بروجه
ولم تحتضر شمس النهار فتغرب
هنالك غالى في الأماديح مشرق
وبالغ فيكم آل عثمان مغرب
وزيد حمى الإسلام عزا ومنعة
ورد جماح العصر فالعصر هيب
رفعنا إلى النجم الرءوس بنصركم
وكنا بحكم الحادثات نصوب
ومن كان منسوبا إلى دولة القنا
فليس إلى شيء سوى العز ينسب
أحلام اليونان
فيا قوم أين الجيش فيما زعمتم
وأين الجواري والدفاع المركب
111
وأين أمير البأس والعزم والحجا
وأين رجاء في الأمير مخيب
وأين تخوم تستبيحون دوسها
وأين عصابات لكم تتوثب
112
وأين الذي قالت لنا الصحف عنكم
وأسند أهلوها إليكم فأطنبوا
وما قد روى برق من القول كاذب
وآخر من فعل المحبين أكذب
وما شدتم من دولة عرضها الثرى
يدين لها الجنسان ترك وصقلب
113
لها علم فوق الهلال وسدة
تنص على هام النجوم وتنصب
114
أهذا هو الذود الذي تدعونه
ونصر «كريد» والولا والتحبب
أهذا الذي للملك والعرض عندكم
وللجار إن أعيا على الجار مطلب
أهذا سلاح الفتح والنصر والعلا
أهذا مطايا من إلى المجد يركب
أهذا الذي للذكر خلب معشر
على ذكرهم يأتي الزمان ويذهب
أسأتم وكان السوء منكم إليكم
إلى خير جار عنده الخير يطلب
إلى ذي انتقام لا ينام غريمه
ولو أنه شخص المنام المحجب
شقيتم بها من حيلة مستحيلة
وأين من المحتال عنقاء مغرب
115
فلولا سيوف الترك جرب غيركم
ولكن من الأشياء ما لا يجرب
عفو القادر
فعفوا أمير المؤمنين لأمة
دعت قادرا ما زال في العفو يرغب
ضربت على آمالها ومآلها
وأنت على استقلالها اليوم تضرب
إذا خان عبد السوء مولاه معتقا
فما يفعل المولى الكريم المهذب
ولا تضربن بالرأي منحل ملكهم
فما زلت مذ هبوا بسيفين تضرب
لقد فنيت أرزاقهم ورجالهم
وليس بفان طيشهم والتقلب
فإن يجدوا للنفس بالعود راحة
فقد يشتهي الموت المريض المعذب
وإن هم بالعفو الكريم رجاؤهم
فمن كرم الأخلاق ألا يخيبوا
فما زلت جار البر والسيد الذي
إلى فضله من عدله الجار يهرب
يلاقي بعيد الأهل عندك أهله
ويمرح في أوطانه المتغرب
التماس القبول
أمولاي غنتك السيوف فأطربت
فهل ليراعي أن يغني فيطرب
فعندي كما عند الظبا لك نغمة
ومختلف الأنغام للأنس أجلب
116
أعرب ما تنشي علاك وإنه
لفي لطفه ما لا ينال المعرب
مدحتك والدنيا لسان وأهلها
جميعا لسان يمليان وأكتب
أناول من شعر الخلافة ربها
وأكسو القوافي ما يدوم فيقشب
117
وهل أنت إلا الشمس في كل أمة
فكل لسان في مديحك طيب
فإن لم يلق شعري لبابك مدحة
فمر ينفتح باب من العذر أرحب
وإني لطير النيل لا طير غيره
وما النيل إلا من رياضك يحسب
إذا قلت شعرا فالقوافي حواضر
وبغداد بغداد ويثرب يثرب
ولم أعدم الظل الخصيب وإنما
أجاذبك الظل الذي هو أخصب
فلا زلت كهف الدين والهادي الذي
إلى الله بالزلفى له نتقرب
انتصار الأتراك في الحرب والسياسة
الله أكبر كم في الفتح من عجب
يا خالد الترك جدد خالد العرب
1
صلح عزيز على حرب مظفرة
فالسيف في غمده والحق في النصب
2
يا حسن أمنية في السيف ما كذبت
وطيب أمنية في الرأي لم تخب
خطاك في الحق كانت كلها كرما
وأنت أكرم في حقن الدم السرب
3
حذوت حرب «الصلاحيين» في زمن
فيه القتال بلا شرع ولا أدب
لم يأت سيفك فحشاء ولا هتكت
قناك من حرمة الرهبان والصلب
سئلت سلما على نصر فجدت بها
ولو سئلت بغير النصر لم تجب
4
مشيئة قبلتها الخيل عاتبة
وأذعن السيف مطويا على عضب
أتيت ما يشبه التقوى وإن خلقت
سيوف قومك لا ترتاح للقرب
5
ولا أزيدك بالإسلام معرفة
كل المروءة في الإسلام والحسب
منحتهم هدنة من سيفك التمست
فهب لهم هدنة من رأيك الضرب
6
أتاهم منك في «لوزان» داهية
جاءت به الحرب من حياتها الرقب
7
أصم يسمع سر الكائدين له
ولا يضيق بجهر المحنق الصخب
لم تفترق شهوات القوم في أرب
إلا قضى وطرا من ذلك الأرب
تدرعت للقاء السلم «أنقرة»
ومهد السيف في «لوزان» للخطب
فقل لبان بقول ركن مملكة
على الكتائب يبنى الملك لا الكتب
لا تلتمس غلبا للحق في أمم
الحق عندهم معنى من الغلب
لا خير في منبر حتى يكون له
عود من السمر أو عود من القضب
8
وما السلاح لقوم كل عدتهم
حتى يكونوا من الأخلاق في أهب
9
لو كان في الناب دون الخلق منبهة
تساوت الأسد والذؤبان في الرتب
لم يغن عن قادة اليونان ما حشدوا
من السلاح وما ساقوا من العصب
وتركهم «آسيا الصغرى» مدججة
كثكنة النحل أو كالقنفذ الخشب
10
للترك ساعات صبر يوم نكبتهم
كتبن في صحف الأخلاق بالذهب
مغارم وضحايا ما صرخن ولا
كدرن بالمن أو أفسدن بالكذب
بالفعل والأثر المحمود تعرفها
ولست تعرفها باسم ولا لقب
جمعن في اثنين من دين ومن وطن
جمع الذبائح في اسم الله والقرب
11
فيها حياة لشعب لم يمت خلقا
ومطمع لقبيل ناهض أرب
لم يطعم الغمض جفن المسلمين لها
حتى انجلى ليلها عن صبحه الشنب
12
كن الرجاء وكن اليأس ثم محا
نور اليقين ظلام الشك والريب
تلمس الترك أسبابا فما وجدوا
كالسيف من سلم للعز أو سبب
خاضوا العوان رجاء أن تبلغهم
عبر النجاة فكانت صخرة العطب
13
سفينة الله لم تقهر على دسر
في العاصفات ولم تغلب على خشب
14
قد أمن الله مجراها وأبدلها
بحسن عاقبة من سوء منقلب
واختار ربانها من أهلها فنجت
من كيد حام ومن تضليل منتدب
ما كان ماء «سقاريا» سوى سقر
طغت فأغرقت الإغريق في اللهب
15
لما انبرت نارها تبغيهم حطبا
كانت قيادتهم حمالة الحطب
سعت بهم نحوك الآجال يومئذ
يا ضل ساع بداعي الحين منجذب
مدوا الجسور فحل الله ما عقدوا
إلا مسالك فرعونية السرب
كرب تغشاهم من رأي ساستهم
وأشأم الرأي ما ألقاك في الكرب
هم حسنوا للسواد البله مملكة
من لبدة الليث أو من غيلة الأشب
16
وأنشئوا نزهة للجيش قاتلة
ومن تنزه في الآجام لم يؤب
ضل الأمير كما ضل الوزير بهم
كلا السرابين أظماهم ولم يصب
17
تجاذباهم كما شاءا بمختلف
من الأماني والأحلام مختلب
وكيف تلقى نجاحا أمة ذهبت
حزبين ضدين عند الحادث الحزب
18
زحفت زحف أتي غير ذي شفق
على الوهاد ولا رفق على الهضب
19
قذفتهم بالرياح الهوج مسرجة
يحملن أسد الشرى في البيض واليلب
20
هبت عليهم فذابوا عن معاقلهم
والثلج في قلل الأجبال لم يذب
لما صدعت جناحيهم وقلبهم
طاروا بأجنحة شتى من الرعب
جد الفرار فألقى كل معتقل
قناته وتخلى كل محتقب
21
يا حسن ما انسحبوا في منطق عجب
تدعى الهزيمة فيه حسن منسحب
لم يدر قائدهم لما أحطت به
هبطت من صعد أم جئت من صبب
22
أخذته وهو في تدبير خطته
فلم تتم وكانت خطة الهرب
تلك الفراسخ من سهل ومن جبل
قربت ما كان منها غير مقترب
خيل الرسول من الفولاذ معدنها
وسائر الخيل من لحم ومن عصب
أفي ليال تجوب الراسيات بها
وتقطع الأرض من قطب إلى قطب
سل الظلام بها أي المعاقل لم
تطفر وأي حصون الروم لم تثب
23
آلت لئن لم ترد «أزمير» لا نزلت
ماء سواها ولا حلت على عشب
والصبر فيها وفي فرسانها خلق
توارثوه أبا في الروع بعد أب
كما ولدتم على أعرافها ولدت
في ساحة الحرب لا في باحة الرحب
24
حتى طلعت على «أزمير» في فلك
من نابه الذكر لم يسمك على الشهب
25
في موكب وقف التاريخ يعرضه
فلم يكذب ولم يذمم ولم يرب
يوم ك «بدر» فخيل الحق راقصة
على الصعيد وخيل الله في السحب
غر تظللها غراء وارفة
بدرية العود والديباج والعذب
26
نشوى من الظفر العالي مرنحة
من سكرة النصر لا من سكرة النصب
تذكر الأرض ما لم تنس من زبد
كالمسك من جنبات «السكب» منسكب
27
حتى تعالى أذان الفتح فاتأدت
مشي المجلي إذا استولى على القصب •••
تحية أيها الغازي وتهنئة
بآية الفتح تبقى آية الحقب
وقيما من ثناء لا كفاء له
إلا التعجب من أصحابك النجب
الصابرين إذا حل البلاء بهم
كالليث عض على نابيه في النوب
والجاعلين سيوف الهند ألسنهم
والكاتبين بأطراف القنا السلب
28
لا الصعب عندهم بالصعب مركبه
ولا المحال بمستعص على الطلب
ولا المصائب إذ يرمى الرجال بها
بقاتلات إذا الأخلاق لم تصب
قواد معركة وراد مهلكة
أوتاد مملكة آساد محترب
بلوتهم فتحدث كم شددت بهم
من مضمحل وكم عمرت من خرب
وكم ثلمت بهم من معقل أشب
وكم هزمت بهم من جحفل لجب
وكم بنيت بهم مجدا فما نبسوا
في الهدم ما ليس في البنيان من صخب
من فل جيش ومن أنقاض مملكة
ومن بقية قوم جئت بالعجب
29
أخرجت للناس من ذل ومن فشل
شعبا وراء العوالي غير منشعب
لما أتيت ببدر من مطالعها
تلفت البيت في الأستار والحجب
وهشت الروضة الفيحاء ضاحكة
إلى المنورة المسكية الترب
ومست الدار أزكى طيبها وأتت
باب الرسول فمست أشرف العتب
وأرج الفتح أرجاء الحجاز وكم
قضى الليالي لم ينعم ولم يطب
وازينت أمهات الشرق واستبقت
مهارج الفتح في الموشية القشب
هزت «دمشق» بني «أيوب» فانتبهوا
يهنئون «بني حمدان» في «حلب»
ومسلمو «الهند» و«الهندوس» في جذل
ومسلمو «مصر» والأقباط في طرب
ممالك ضمها الإسلام في رحم
وشيجة وحواها الشرق في نسب
30
من كل ضاحية ترمي بمكتحل
إلى مكانك أو تومي بمختضب
تقول لولا الفتى التركي حل بنا
يوم كيوم يهود كان عن كثب
بعد المنفى1
أنادي الرسم لو ملك الجوابا
وأجزيه بدمعي لو أثابا
2
وقل لحقه العبرات تجري
وإن كانت سواد القلب ذابا
سبقن مقبلات الترب عني
وأدين التحية والخطابا
فنثري الدمع في الدمن البوالي
كنظمي في كواعبها الشبابا
3
وقفت بها كما شاءت وشاءوا
وقوفا علم الصبر الذهابا
لها حق وللأحباب حق
رشفت وصالهم فيها حبابا
4
ومن شكر المناجم محسنات
إذا التبر انجلى شكر الترابا
وبين جوانحي واف ألوف
إذا لمح الديار مضى وثابا
رأى ميل الزمان بها فكانت
على الأيام صحبته عتابا •••
وداعا أرض أندلس وهذا
ثنائي إن رضيت به ثوابا
وما أثنيت إلا بعد علم
وكم من جاهل أثنى فعابا
تخذتك موئلا فحللت أندى
ذرا من وائل وأعز غابا
5
مغرب آدم من دار عدن
قضاها في حماك لي اغترابا
6
شكرت الفلك يوم حويت رحلي
فيا لمفارق شكر الغرابا
فأنت أرحتني من كل أنف
كأنف الميت في النزع انتصابا
ومنظر كل خوان يراني
بوجه كالبغي رمى النقابا
وليس بعامر بنيان قوم
إذا أخلاقهم كانت خرابا •••
أحق كنت للزهراء ساحا
وكنت لساكن «الزاهي» رحابا
ولم تك «جور» أبهى منك وردا
ولم تك بابل أشهى شرابا
وأن المجد في الدنيا رحيق
إذا طال الزمان عليه طابا
أولئك أمة ضربوا المعالي
بمشرقها ومغربها قبابا
جرى كدرا لهم صفو الليالي
وغاية كل صفو أن يشابا
مشيبة القرون أديل منها
ألم تر قرنها في الجو شابا
7
معلقة تنظر صولجانا
يخر عن السماء بها لعابا
تعد بها على الأمم الليالي
وما تدري السنين ولا الحسابا •••
ويا وطني لقيتك بعد يأس
كأني قد لقيت بك الشبابا
وكل مسافر سيئوب يوما
إذا رزق السلامة والإيابا
ولو أني دعيت لكنت ديني
عليه أقابل الحتم المجابا
8
أدير إليك قبل البيت وجهي
إذا فهت الشهادة والمتابا
وقد سبقت ركائبي القوافي
مقلدة أزمتها طرابا
تجوب الدهر نحوك والفيافي
وتقتحم الليالي لا العبابا
وتهديك الثناء الحر تاجا
على تاجيك مؤتلقا عجابا •••
هدانا ضوء ثغرك من ثلاث
كما تهدي «المنورة» الركابا
وقد غشي المنار البحر نورا
كنار «الطور» جللت الشعابا
9
وقيل الثغر فاتأدت فأرست
فكانت من ثراك الطهر قابا
فصفحا للزمان لصبح يوم
به أضحى الزمان إلي ثابا
وحيا الله فتيانا سماحا
كسوا عطفي من فخر ثيابا
ملائكة إذا حفوك يوما
أحبك كل من تلقى وهابا
وإن حملتك أيديهم بحورا
بلغت على أكفهم السحابا
تلقوني بكل أغر زاه
كأن على أسرته شهابا
ترى الإيمان مؤتلقا عليه
ونور العلم والكرم اللبابا
10
وتلمح من وضاءة صفحتيه
محيا مصر رائعة كعابا
11
وما أدبي لما أسدوه أهل
ولكن من أحب الشيء حابى
شباب النيل إن لكم لصوتا
ملبى حين يرفع مستجابا
فهزوا «العرش» بالدعوات حتى
يخفف عن كنانته العذابا
أمن حرب البسوس إلى غلاء
يكاد يعيدها سبعا صعابا
وهل في القوم يوسف يتقيها
ويحسن حسبة ويرى صوابا
12
عبادك رب قد جاعوا بمصر
أنيلا سقت فيهم أم سرابا
حنانك واهد للحسنى تجارا
بها ملكوا المرافق والرقابا
ورقق للفقير بها قلوبا
محجرة وأكبادا صلابا
أمن أكل اليتيم له عقاب
ومن أكل الفقير فلا عقابا
أصيب من التجار بكل ضار
أشد من الزمان عليه نابا
يكاد إذا غذاه أو كساه
ينازعه الحشاشة والإهابا
13
وتسمع رحمة في كل ناد
ولست تحس للبر انتدابا
أكل في كتاب الله إلا
زكاة المال ليست فيه بابا
إذا ما الطاعمون شكوا وضجوا
فدعهم واسمع الغرثى السغابا
14
فما يبكون من ثكل ولكن
كما تصف المعددة المصابا
ولم أر مثل سوق الخير كسبا
ولا كتجارة السوء اكتسابا
ولا كأولئك البؤساء شاء
إذا جوعتها انتشرت ذئابا
ولولا البر لم يبعث رسول
ولم يحمل إلى قوم كتابا
ذكرى المولد
سلوا قلبي غداة سلا وتابا
لعل على الجمال له عتابا
ويسأل في الحوادث ذو صواب
فهل ترك الجمال له صوابا؟
وكنت إذا سألت القلب يوما
تولى الدمع عن قلبي الجوابا
ولي بين الضلوع دم ولحم
هما الواهي الذي ثكل الشبابا
1
تسرب في الدموع فقلت ولى
وصفق في الضلوع فقلت ثابا
2
ولو خلقت قلوب من حديد
لما حملت كما حمل العذابا
وأحباب سقيت بهم سلافا
وكان الوصل من قصر حبابا
3
ونادمنا الشباب على بساط
من اللذات مختلف شرابا
وكل بساط عيش سوف يطوى
وإن طال الزمان به وطابا
كأن القلب بعدهم غريب
إذا عادته ذكرى الأهل ذابا
ولا ينبيك عن خلق الليالي
كمن فقد الأحبة والصحابا
أخا الدنيا أرى دنياك أفعى
تبدل كل آونة إهابا
وأن الرقط أيقظ هاجعات
وأترع في ظلال السلم نابا
4
ومن عجب تشيب عاشقيها
وتفنيهم وما برحت كعابا
5
فمن يغتر بالدنيا فإني
لبست بها فأبليت الثيابا
لها ضحك القيان إلى غبي
ولي ضحك اللبيب إذا تغابى
6
جنيت بروضها وردا وشوكا
وذقت بكأسها شهدا وصابا
فلم أر غير حكم الله حكما
ولم أر دون باب الله بابا
ولا عظمت في الأشياء إلا
صحيح العلم والأدب اللبابا
7
ولا كرمت إلا وجه حر
يقلد قومه المنن الرغابا
8
ولم أر مثل جمع المال داء
ولا مثل البخيل به مصابا
فلا تقتلك شهوته وزنها
كما تزن الطعام أو الشرابا
وخذ لبنيك والأيام ذخرا
وأعط الله حصته احتسابا
9
فلو طالعت أحداث الليالي
وجدت الفقر أقربها انتيابا
10
وأن البر خير في حياة
وأبقى بعد صاحبه ثوابا
وأن الشر يصدع فاعليه
ولم أر خيرا بالشر آبا
فرفقا بالبنين إذا الليالي
على الأعقاب أوقعت العقابا
ولم يتقلدوا شكر اليتامى
ولا ادرعوا الدعاء المستجابا
11
عجبت لمعشر صلوا وصاموا
ظواهر خشية وتقى كذابا
12
وتلفيهم حيال المال صما
إذا داعي الزكاة بهم أهابا
13
لقد كتموا نصيب الله منه
كأن الله لم يحص النصابا
ومن يعدل بحب الله شيئا
كحب المال ضل هوى وخابا
أراد الله بالفقراء برا
وبالأيتام حبا وارتبابا
14
فرب صغير قوم علموه
سما وحمى المسومة العرابا
15
وكان لقومه نفعا وفخرا
ولو تركوه كان أذى وعابا
16
فعلم ما استطعت لعل جيلا
سيأتي يحدث العجب العجابا
ولا ترهق شباب الحي يأسا
فإن اليأس يخترم الشبابا
17
يريد الخالق الرزق اشتراكا
وإن يك خص أقواما وحابى
18
فما حرم المجد جنى يديه
ولا نسي الشقي ولا المصابا
19
ولولا البخل لم يهلك فريق
على الأقدار تلقاهم غضابا
تعبت بأهله لوما وقبلي
دعاة البر قد سئموا الخطابا
ولو أني خطبت على جماد
فجرت به الينابيع العذابا
ألم تر للهواء جرى فأفضى
إلى الأكواخ واخترق القبابا
20
وأن الشمس في الأفاق تغشى
حمى كسرى كما تغشى اليبابا
21
وأن الماء تروى الأسد منه
ويشفي من تلعلعها الكلابا
22
وسوى الله بينكم المنايا
ووسدكم مع الرسل الترابا
23
وأرسل عائلا منكم يتيما
دنا من ذي الجلال فكان قابا
24
نبي البر بينه سبيلا
وسن خلاله وهدى الشعابا
25
تفرق بعد عيسى الناس فيه
فلما جاء كان لهم متابا
26
وشافي النفس من نزعات شر
كشاف من طبائعها الذئابا
27
وكان بيانه للهدي سبلا
وكانت خيله للحق غابا
وعلمنا بناء المجد حتى
أخذنا إمرة الأرض اغتصابا
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
28
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا •••
تجلى مولد الهادي وعمت
بشائره البوادي والقصابا
29
وأسدت للبرية بنت وهب
يدا بيضاء طوقت الرقابا
30
لقد وضعته وهاجا منيرا
كما تلد السموات الشهابا
31
فقام على سماء البيت نورا
يضيء جبال مكة والنقابا
32
وضاعت يثرب الفيحاء مسكا
وفاح القاع أرجاء وطابا
33
أبا الزهراء قد جاوزت قدري
بمدحك بيد أن لي انتسابا
فما عرف البلاغة ذو بيان
إذا لم يتخذك له كتابا
مدحت المالكين فزدت قدرا
فحين مدحتك اقتدت السحابا
سألت الله في أبناء ديني
فإن تكن الوسيلة لي أجابا
وما للمسلمين سواك حصن
إذا ما الضر مسهم ونابا
كأن النحس حين جرى عليهم
أطار بكل مملكة غرابا
ولو حفظوا سبيلك كان نورا
وكان من النحوس لهم حجابا
بنيت لهم من الأخلاق ركنا
فخانوا الركن فانهدم اضطرابا
وكان جنابهم فيها مهيبا
وللأخلاق أجدر أن تهابا
فلولاها لساوى الليث ذئبا
وساوى الصارم الماضي قرابا
34
فإن قرنت مكارمها بعلم
تذللت العلا بهما صعابا
وفي هذا الزمان مسيح علم
يرد على بني الأمم الشبابا
مشروع ملنر1
اثن عنان القلب واسلم به
من ربرب الرمل ومن سربه
2
ومن تثني الغيد عن بانه
مرتجة الأرداف عن كثبه
3
ظباؤه المنكسرات الظبا
يغلبن ذا اللب على لبه
4
بيض رقاق الحسن في لمحة
من ناعم الدر ومن رطبه
ذوابل النرجس في أصله
يوانع الورد على قضبه
زن على الأرض سماء الدجى
وزدن في الحسن على شهبه
يمشين أسرابا على هينة
مشي القطا الآمن في سربه
5
من كل وسنان بغير الكرى
تنتبه الآجال من هدبه
جفن تلقى ملكا بابل
غرائب السحر على غربه
6
يا ظبية الرمل وقيت الهوى
وإن سعت عيناك في جلبه
ولا ذرفت الدمع يوما وإن
أسرفت في الدمع وفي سكبه
هذي الشواكي النجل صدن امرأ
ملقى الصبا أعزل من غربه
7
صياد آرام رماه الهوى
بشادن لا برء من حبه
8
شاب وفي أضلعه صاحب
خلو من الشيب ومن خطبه
9
واه بجنبي خافق كلما
قلت تناهى لج في وثبه
لا تنثني الآرام عن قاعه
ولا بنات الشوق عن شعبه
10
حملته في الحب ما لم يكن
ليحمل الحب على قلبه
ما خف إلا للهوى والعلا
أو لجلال الوفد في ركبه
أربعة تجمعهم همة
ينقلها الجيل إلى عقبه
11
قطارهم كالقطر هز الثرى
وزاده خصبا على خصبه
12
لولا استلام الخلق أرسانه
شب فنال الشمس من عجبه
13
كلهم أغير من وائل
على حماه وعلى شعبه
14
لو قدروا جاءوكم بالثرى
من قطبه ملكا إلى قطبه
وما اعتراض الحظ دون المنى
من هفوة المحسن أو ذنبه
وليس بالفاضل في نفسه
من ينكر الفضل على ربه
ما بال قومي اختلفوا بينهم
في مدحة المشروع أو ثلبه
15
كأنهم أسرى أحاديثهم
في لين القيد وفي صلبه
يا قوم هذا زمن قد رمى
بالقيد واستكبر عن سحبه
16
لو أن قيدا جاءه من عل
خشيت أن يأبى على ربه
وهذه الضجة من ناسه
جنازة الرق إلى تربه
من يخلع النير يعش برهة
في أثر النير وفي ندبه
17
يا نشأ الحي شباب الحمى
سلالة المشرق من نجبه
18
بني الألى أصبح إحسانهم
دارت رحى الفن على قطبه
موسى وعيسى نشآ بينهم
في سعة الفكر وفي رحبه
وعالجا أول ما عالجا
من علل العالم أو طبه
19
ما نسيت مصر لكم برها
في حازب الأمر وفي صعبه
20
مزقتم الوهم وألفتم
أهلة الله على صلبه
حتى بنيتم هرما رابعا
من فئة الحق ومن حزبه
يوم لكم يبقى ك «بدر» على
أنصار سعد وعلى صحبه
21
قد صارت الحال إلى جدها
وانتبه الغافل من لعبه
الليث، والعالم من شرقه
في هيبة الليث إلى غربه
22
قضى بأن نبني على نابه
ملك بنينا وعلى خلبه
23
ونبلغ المجد على عينه
وندخل العصر إلى جنبه
ونصل النازل في سلمه
ونقطع الداخل في حربه
ونصرف النيل إلى رأيه
يقسمه بالعدل في شربه
24
يبيح أو يحمي على قدرة
حق القرى والناس في عذبه
أمر عليكم أو لكم في غد
ما ساء أو ما سر من غبه
25
لا تستقلوه فما دهركم
بحاتم الجود ولا كعبه
26
نسمع بالحق ولم نطلع
على قنا الحق ولا قضبه
27
ينال باللين الفتى بعض ما
يعجز بالشدة عن غصبه
فإن أنستم فليكن أنسكم
في الصبر للدهر وفي عتبه
وفي احتشام الأسد دون القذى
إذا هي اضطرت إلى شربه
28
قد أسقط الطفرة في ملكه
من ليس بالعاجز عن قلبه
29
يا رب قيد لا تحبونه
زمانكم لم يتقيد به
ومطلب في الظن مستبعد
كالصبح للناظر في قربه
واليأس لا يجمل من مؤمن
ما دام هذا الغيب في حجبه
مشروع 28 فبراير
أعدت الراحة الكبرى لمن تعبا
وفاز بالحق من لم يأله طلبا
1
وما قضت مصر من كل لبانتها
حتى تجر ذيول الغبطة القشبا
2
في الأمر ما فيه من جد فلا تقفوا
من واقع جزعا أو طائر طربا
3
لا تثبت العين شيئا أو تحققه
إذا تحير فيها الدمع واضطربا
4
والصبح يظلم في عينيك ناصعه
إذا سدلت عليه الشك والريبا
5
إذا طلبت عظيما فاصبرن له
أو فاحشدن رماح الخط والقضبا
6
ولا تعد صغيرات الأمور له
إن الصغائر ليست للعلا أهبا
7
ولن ترى صحبة ترضى عواقبها
كالحق والصبر في أمر إذا اصطحبا
8
إن الرجال إذا ما ألجئوا لجئوا
إلى التعاون فيما جل أو حزبا
9 •••
لا ريب أن خطا الآمال واسعة
وأن ليل سراها صبحه اقتربا
10
وأن في راحتي مصر وصاحبها
عهدا وعقدا بحق كان مغتصبا
11
قد فتح الله أبوابا لعل لنا
وراءها فسح الآمال والرحبا
12
لولا يد الله لم ندفع مناكبها
ولم نعالج على مصراعها الأربا
13
لا تعدم الهمة الكبرى جوائزها
سيان من غلب الأيام أو غلبا
14
وكل سعي سيجزي الله ساعيه
هيهات يذهب سعي المحسنين هبا
15
لم يبرم الأمر حتى يستبين لكم
أساء عاقبة أم سر منقلبا!
16
نلتم جليلا ولا تعطون خردلة
إلا الذي دفع الدستور أو جلبا
17
تمهدت عقبات غير هينة
تلقى ركاب السرى من مثلها نصبا
18
وأقبلت عقبات لا يذللها
في موقف الفصل إلا الشعب منتخبا
له غدا رأيه فيها وحكمته
إذا تمهل فوق الشوك أو وثبا
19
كم صعب اليوم من سهل هممت به
وسهل الغد في الأشياء ما صعبا
20
ضموا الجهود وخلوها منكرة
لا تملئوا الشدق من تعريفها عجبا
أفي الوغى ورحى الهيجاء دائرة
تحصون من مات أو تحصون ما سلبا
21
خلوا الأكاليل للتاريخ إن له
يدا تؤلفها درا ومخشلبا
22
أمر الرجال إليه لا إلى نفر
من بينكم سبق الأنباء والكتبا
أملى عليه الهوى والحقد فاندفعت
يداه ترتجلان الماء واللهبا
23
إذا رأيت الهوى في أمة حكما
فاحكم هنالك أن العقل قد ذهبا
قالوا الحماية زالت قلت لا عجب
بل كان باطلها فيكم هو العجبا
رأس الحماية مقطوع فلا عدمت
كنانة الله حزما يقطع الذنبا
لو تسألون «ألنبي» يوم جندلها
بأي سيف على يافوخها ضربا
24
أبالذي جر يوم السلم متشحا
أم بالذي هز يوم الحرب مختضبا
أم بالتكاتف حول الحق في بلد
من أربعين ينادي الويل والحربا
25
يا فاتح القدس خل السيف ناحية
ليس الصليب حديدا كان بل خشبا
إذا نظرت إلى أين انتهت يده
وكيف جاوز في سلطانه القطبا
علمت أن وراء الضعف مقدرة
وأن للحق لا للقوة الغلبا
الله والعلم1
لمن ذلك الملك الذي عز جانبه
لقد وعظ الأملاك والناس صاحبه
2
أملكك يا «إدورد» والملك الذي
يغار عليه والذي هو واهبه
3
أراد به أمرا فجلت صدوره
فأتبعه لطفا فجلت عواقبه
4
رمى واسترد السهم والخلق غافل
فهل يتقيه خلقه أو يراقبه
5
أيبطل عيد الدهر من أجل دمل
وتخبو مجاليه وتطوى مواكبه
6
ويرجع بالقلب الكسير وفوده
وفيهم مصابيح الورى وكواكبه
وتسمو يد الدهر ارتجالا ببأسها
إلى طنب الأقواس والنصر ضاربه
7
ويستغفر الشعب الفخور لربه
ويجمع من ذيل المخيلة ساحبه؟
8
ويحجب رب العيد ساعة عيده
وتنقص من أطرافهن مآربه؟
9
ألا هكذا الدنيا وذلك ودها
فهلا تأنى في الأماني خاطبه
10
أعد لها إدورد أعياد تاجه
وما في حساب الله ما هو حاسبه
مشت في الثرى أنباؤها فتساءلت
مشارقه عن أمرها ومغاربه
11
وكاثر في البر الحصى من يجوبه
وكاثر موج البحر في البحر راكبه
12
إلى موكب لم تخرج الأرض مثله
ولن يتهادى فوقها ما يقاربه
13
إذا سار فيه سارت الناس خلفه
وشدت مغاوير الملوك ركائبه
14
تحيط به كالنمل في البر خيله
وتملأ آفاق البحار مراكبه
نظام المجالي والمواكب حله
زمان وشيك ريبه ونوائبه
15
فبينا سبيل القوم أمن إلى المنى
إذا هو خوف في الظنون مذاهبه
16
إذا جاءت الأعياد في كل مسمع
تجوب الثرى شرقا وغربا جوائبه
17
رجاء فلم يلبث فخوف فلم يدم
سل الدهر أي الحادثين عجائبه
18
فيا ليت شعري أين كانت جنوده؟
وكيف تراخت في الفداء قواضبه؟
19
وردت على أعقابهن سفينه
وما ردها في البحر يوما محاربه؟
20
وكيف أفاتته الحوادث طلبة
وما عودته أن تفوت رغائبه؟
21
لك الملك يا من خص بالعز ذاته
ومن فوق آراب الملوك مآربه
22
فلا عرش إلا أنت وارث عزه
ولا تاج إلا أنت بالحق كاسبه
23
وآمنت بالعلم الذي أنت نوره
ومنك آياديه ومنك مناقبه
24
تؤامن من خوف به كل غالب
على أمره في الأرض والداء غالبه
25
سلوا صاحب الملكين هل ملك القوى
وأسد الشرى تعنو له وتحاربه؟
26
وهل رفع الداء العضال وزيره؟
وهل حجب الباب الممنع حاجبه؟
27
وهل قدمت إلا دعاة شعوبه؟
وساعف إلا بالصلاة أقاربه؟
28
هنالك كان العلم يبلي بلاءه
وكان سلاح النفس تغني تجاربه
29 •••
كريم الظبا لا يقرب الشر حده
وفي غيره شر الورى ومعاطبه
30
إذا مر نحو المرء كان حياته
كأصبع عيسى نحو ميت يخاطبه
وأيسر من جرح الصدود فعاله
وأسهل من سيف اللحاظ مضاربه
31
عجيب يرجي «مشرطا» أو يهابه
من الغرب راجيه، من الشرق هائبه؟
32
فلو تفتدى بالبيض والسمر فدية
لألقت قناها في البلاد كتائبه
33
ولو أن فوق العلم تاجا لتوجوا
طبيبا له بالأمس كان يصاحبه
34
فآمنت بالله الذي عز شأنه
وآمنت بالعلم الذي عز طالبه
35
ذكرى كانارفون
في الموت ما أعيا وفي أسبابه
كل امرئ رهن بطي كتابه
1
أسد لعمرك من يموت بظفره
عند اللقاء كمن يموت بنابه
2
إن نام عنك فكل طب نافع
أو لم ينم فالطب من أذنابه
داء النفوس وكل داء قبله
هم نسين مجيئه بذهابه
3
النفس حرب الموت إلا أنها
أتت الحياة وشغلها من بابه
4
تسع الحياة على طويل بلائها
وتضيق عنه على قصير عذابه
5
هو منزل الساري وراحة رائح
كثر النهار عليه في إتعابه
6
وشفاء هذي الروح من آلامها
ودواء هذا الجسم من أوصابه
7
من سره ألا يموت فبالعلا
خلد الرجال وبالفعال النابه
8
ما مات من حاز الثرى آثاره
واستولت الدنيا على آدابه
9
قل للمدل بماله وبجاهه
وبما يجل الناس من أنسابه
10
هذا الأديم يصد عن حضاره
وينام ملء الجفن عن غيابه
11
إلا فتى يمشي عليه مجددا
ديباجتيه معمرا بخرابه
12
صادت بقارعة الصعيد بعوضة
في الجو صائد بازه وعقابه
13
وأصاب خرطوم الذبابة صفحة
خلقت لسيف الهند أو لذبابه
14
طارت بخافية القضاء ورأرأت
بكريمتيه ولامست بلعابه
15
لا تسمعن لعصبة الأرواح ما
قالوا بباطل علمهم وكذابه
16
الروح للرحمن جل جلاله
هي من ضنائن علمه وغيابه
17
غلبوا على أعصابهم فتوهموا
أوهام مغلوب على أعصابه •••
ما آب جبار القرون وإنما
يوم الحساب يكون يوم إيابه
18
فذروه في بلد العجائب مغمدا
لا تشهروه كأمس فوق رقابه
19
المستبد يطاق في ناووسه
لا تحت تاجيه وفوق وثابه
20
والفرد يؤمن شره في قبره
كالسيف نام الشر خلف قرابه
21
هل كان «توتنخ» تقمص روحه
قمص البعوض ومستخس إهابه
22
أو كان يجزيك الردى عن صحبة
وهو القديم وفاؤه لصحابه
23
تالله لو أهدى لك الهرمين من
ذهب لكان أقل ما تجزى به
أنت البشير به وقيم قصره
ومقدم النبلاء من حجابه
24
أعلمت أقوام الزمان مكانه
وحشدتهم في ساحه ورحابه
25
لولا بنانك في طلاسم تربه
ما زاد في شرف على أترابه
26 •••
أخنى الحمام على ابن همة نفسه
في المجد والباني على أحسابه
27
الجائب الصخر العتيد بحاجر
دب الزمان وشب في أسرابه
28
لو زايل الموتى محاجرهم به
وتلفتوا لتحيروا كضبابه
29
لم يأله صبرا ولم ين همة
حتى انثنى بكنوزه ورغابه
30
أفضى إلى ختم الزمان ففضه
وحبا إلى التاريخ في محرابه
31
وطوى القرون القهقرى حتى أتى
فرعون بين طعامه وشرابه
32
المندل الفياح عود سريره
واللؤلؤ اللماح وشي ثيابه
33
وكأن راح القاطفين فرغن من
أثماره صبحا ومن أرطابه
34
جدث حوى ما ضاق «غمدان» به
من هالة الملك الجسيم وغابه
35
بنيان عمران وصرح حضارة
في القبر يلتقيان في أطنابه
36
فترى الزمان هناك قبل مشيبه
مثل الزمان اليوم بعد شبابه
وتحس ثم العلم عند عبابه
تحت الثرى والفن عند عجابه
37 •••
يا صاحب الأخرى بلغت محلة
هي من أخي الدنيا مناخ ركابه
38
نزل أفاق بجانبيه من الهوى
من لا يفيق وجد من تلعابه
39
نام العدو لديه عن أحقاده
وسلا الصديق به هوى أحبابه
40
الراحة الكبرى ملاك أديمه
والسلوة الطولى قوام ترابه
41 ••• «وادي الملوك» بكت عليك عيونه
بمرقرق كالمزن في تسكابه
42
ألقى بياض الغيم عن أعطافه
حزنا وأقبل في سواد سحابه
43
يأسى على حرباء شمس نهاره
ونزيل قيعته وجار سرابه
44
ويود لو ألبست من برديه
بردين ثم دفنت بين شعابه
45
نوهت في الدنيا به ورفعته
فوق الأديم بطاحه وهضابه
46
أخرجت من قبر كتاب حضارة
الفن والإعجاز من أبوابه
47
فصلته فالبرق في إيجازه
يبنى البريد عليه في إطنابه
48
طلعا على «لوزان» والدنيا بها
وعلى «المحيط» وما وراء عبابه
49
جئت الشعوب المحسنين بشافع
من مثل متقن فنهم ولبابه
50
فرفعت ركنا للقضية لم يكن «سحبان» يرفعه بسحر خطابه
51
أيها العمال
أيها العمال أفنوا ال
عمر كدا واكتسابا
واعمروا الأرض فلولا
سعيكم أمست يبابا
1
إن لي نصحا إليكم
إن أذنتم وعتابا
في زمان غبي النا
صح فيه أو تغابى
أين أنتم من جدود
خلدوا هذا الترابا
قلدوه الأثر المع
جز والفن العجابا
وكسوه أبد الده
ر من الفخر ثيابا
أتقنوا الصنعة حتى
أخذوا الخلد اغتصابا
إن للمتقن عند الله
والناس ثوابا
أتقنوا يحببكم الله
ويرفعكم جنابا
أرضيتم أن ترى «مص
ر» من الفن خرابا
بعدما كانت سماء
للصناعات وغابا •••
أيها الجمع لقد صر
ت من المجلس قابا
2
فكن الحر اختيارا
وكن الحر انتخابا
إن للقوم لعينا
ليس تألوك ارتقابا
فتوقع أن يقولوا
من عن العمال نابا
ليس بالأمر جديرا
كل من ألقى خطابا
أو سخا بالمال أو قد
م جاها وانتسابا
أو رأى أمية فاخ
تلب الجهل اختلابا
فتخير كل من شب
على الصدق وشابا
واذكر الأنصار بالأم
س ولا تنس الصحابا
أيها الغادون كالنح
ل ارتيادا وطلابا
في بكور الطير للرز
ق مجيئا وذهابا
اطلبوا الحق برفق
واجعلوا الواجب دابا
3
واستقيموا يفتح الله
لكم بابا فبابا
اهجروا الخمر تطيعوا الله
أو ترضوا الكتابا
إنها رجس فطوبى
لامرئ كف وتابا
ترعش الأيدي ومن ير
عش من الصناع خابا
إنما العاقل من يج
عل للدهر حسابا
فاذكروا يوم مشيب
فيه تبكون الشبابا
إن للسن لهما
حين تعلو وعذابا
فاجعلوا من مالكم للش
يب والضعف نصابا
واذكروا في الصحة الدا
ء إذا ما السقم نابا
واجمعوا المال ليوم
فيه تلقون اغتصابا
قد دعاكم ذنب الهي
ئة داع فأصابا
هي طاووس وهل أح
سنه إلا الذنابى؟
نجاة1
هنيئا أمير المؤمنين فإنما
نجاتك للدين الحنيف نجاة
2
هنيئا لطه والكتاب وأمة
بقاؤك إبقاء لها وحياة
3
أخذت على الأقدار عهدا وموثقا
فلست الذي ترقى إليه أذاة
4
ومن يك في برد النبي وثوبه
تجزه إلى أعدائه الرميات
5
يكاد يسير البيت شكرا لربه
إليك ويسعى هاتفا عرفات
6
وتستوهب الصفح المساجد خشعا
وتبسط راح التوبة الجمعات
7
وتستغفر الأرض الخصيب وما جنت
ولكن سقاها قاتلون جناة
8
وتثني من الجرحى عليك جراحهم
وتأتي من القتلى لك الدعوات
9
ضحكت من الأهوال ثم بكيتهم
بدمع جرت في إثره الرحمات
10
تثاب بغاليه وتجزى بطهره
إلى البعث أشلاء لهم ورفات
11
وما كنت تحييهم فكلهم لربهم
فما مات قوم في سبيلك ماتوا
12
رمتهم بسهم الغدر عند صلاتهم
عصابة شر للصلاة عداة
13
تبرأ عيسى منهم وصحابه
أأتباع عيسى ذي الحنان جفاة؟
14
يعادون دينا لا يعادون دولة
لقد كذبت دعوى لهم وشكاة
15
ولا خير في الدنيا ولا في حقوقها
إذا قيل طلاب الحقوق بغاة
16
بأي فؤاد تلتقي الهول ثابتا
وما لقلوب العالمين ثبات؟
17
إذا زلزلت من حولك الأرض رادها
وقارك حتى تسكن الجنبات
18
وإن خرجت نار فكانت جهنما
تغذى بأجساد الورى وتقات
19
وترتج منها لجة ومدينة
وتصلى نواح حرها وجهات
20
تمشيت في برد الخليل فخضتها
سلاما وبردا حولك الغمرات
21
وسرت وملء الأرض حولك أدرع
ودرعك قلب خاشع وصلاة
22
ضحوكا وأصناف المنايا عوابس
وقورا وأنواع الحتوف طغاة
23
يحوطك إن خان الحماة انتباههم
ملائك من عند الإله حماة
24
تشير بوجه أحمدي منور
عيون البرايا فيه منحسرات
25
يحيي الرعايا والقضاء مهلل
يحييه والأقدار معتذرات
26
نجاتك نعمى للإله سنية
لها فيك شكر واجب وزكاة
27
فصير أمير المؤمنين ثناءها
مآثر تحيي الأرض وهي موات
28
إذا لم يفتنا من وجودك فائت
فليس لآمال النفوس فوات
29
بلوناك يقظان الصوارم والقنا
إذا ضيع الصيد الملوك سبات
30
سهرت ولذ النوم وهو منية
رعايا تولاها الهوى ورعاة
31
فلولاك ملك المسلمين مضيع
ولولاك شمل المسلمين شتات
32
لقد ذهبت راياتهم غير راية
لها النصر وسم والفتوح شيات
33
تظل على الأيام غراء حرة
محجلة في ظلها الغزوات
34
حنيفية قد عزها، وأعزها
ثلاثون ملكا فاتحون غزاة
35
حماها وأسماها على الدهر منهم
ملوك على أملاكه سروات
36
غمائم في محل السنين هواطل
مصابيح في ليل الشكوك هداة
37
تهادت سلاما في ذراك مطيفة
لها رغبات الخلق، والرهبات
38
تموت سباع الجو غرثى حيالها
وتحيا نفوس الخلق والمهجات
39
سننت اعتدال الدهر في أمر أهله
فبات رضيا في ذراك وباتوا
40
فأنت غمام والزمان خميلة
وأنت سنان والزمان قناة
41
وأنت ملاك السلم إن ماد ركنه
وأشفق قوام عليه ثقات
42
أكان لهذا الأمر غيرك صالح
وقد هونته عندك السنوات؟
43
ومن يسس الدنيا ثلاثين حجة
تعنه عليها حكمة وأناة
44
ملكت، أمير المؤمنين، ابن هانئ
بفضل له الألباب ممتلكات
وما زلت حسان المقام ولم تزل
تليني وتسري منك لي النفحات
45
زهدت الذي في راحتيك وشاقني
جوائز عند الله مبتغيات
46
ومن كان مثلي أحمد الوقت لم تجز
عليه ولو من مثلك الصدقات
47
ولي درر الأخلاق في المدح والهوى
وللمتنبي درة وحصاة
48
نجت أمة لما نجوت ودوركت
بلاد وطالت للسرير حياة
49
وصين جلال الملك وامتد عزه
ودام عليه الحسن والحسنات
50
وأمن في شرق البلاد وغربها
يتامى على أقواتهم وعفاة
51
سلامي عن هذا المقام مقصر
عليك سلام الله والبركات
52
إلى عرفات
إلى عرفات الله يا خير زائر
عليك سلام الله في عرفات
1
ويوم تولي وجهة البيت ناضرا
وسيم مجالي البشر والقسمات
2
على كل أفق بالحجاز ملائك
تزف تحايا الله والبركات
3
إذا حديت عيس الملوك فإنهم
لعيسك في البيداء خير حداة
4
لدى «الباب» جبريل الأمين براحه
رسائل رحمانية النفحات
5 •••
وفي الكعبة الغراء ركن مرحب
بكعبة قصاد وركن عفاة
6
وما سكب الميزاب ماء وإنما
أفاض عليك الأجر والرحمات
7 «وزمزم» تجري بين عينيك أعينا
من الكوثر المعسول منفجرات
8
ويرمون إبليس الرجيم فيصطلي
وشانيك نيرانا من الجمرات
9
يحييك «طه » في مضاجع طهره
ويعلم ما عالجت من عقبات
10
ويثني عليك «الراشدون» بصالح
ورب ثناء من لسان رفات
11
لك الدين يا رب الحجيج جمعتهم
لبيت طهور الساح والعرصات
12
أرى الناس أصنافا ومن كل بقعة
إليك انتهوا من غربة وشتات
13
تساووا فلا الأنساب فيها تفاوت
لديك ولا الأقدار مختلفات
عنت لك في الترب المقدس جبهة
يدين لها العاتي من الجبهات
14
منورة كالبدر شماء كالسها
وتخفض في حق وعند صلاة
15
ويا رب لو سخرت ناقة «صالح»
لعبدك ما كانت من السلسات
16
ويا رب هل سيارة أو مطارة
فيدنو بعيد البيد والفلوات
17
ويا رب هل تغني عن العبد حجة
وفي العمر ما فيه من الهفوات
18
وتشهد ما آذيت نفسا ولم أضر
ولم أبغ في جهري ولا خطراتي
19
ولا غلبتني شقوة أو سعادة
على حكمة آتيتني وأناة
20
ولا جال إلا الخير بين سرائري
لدى سدة خيرية الرغبات
21
ولا بت إلا كابن مريم مشفقا
على حسدي مستغفرا لعداتي
22
ولا حملت نفس هوى لبلادها
كنفسي في فعلي وفي نفثاتي
23
وإني ولا من عليك بطاعة
أجل وأغلي في الفروض زكاتي
24
أبالغ فيها وهي عدل ورحمة
ويتركها النساك في الخلوات
25
وأنت ولي العفو فامح بناصع
من الصفح ما سودت من صفحاتي
26
ومن تضحك الدنيا إليه فيغترر
يمت كقتيل الغيد بالبسمات
27
وركب كإقبال الزمان محجل
كريم الحواشي كابر الخطوات
28
يسير بأرض أخرجت خير أمة
وتحت سماء الوحي والسورات
29
يفيض عليها اليمن في غدواته
ويضفي عليها الأمن في الروحات
30 •••
إذا زرت يا مولاي قبر محمد
وقبلت مثوى الأعظم العطرات
31
وفاضت مع الدمع العيون مهابة
لأحمد بين الستر والحجرات
32
وأشرق نور تحت كل ثنية
وضاع أريج تحت كل حصاة
33
لمظهر دين الله فوق تنوفة
وباني صروح المجد فوق فلاة
34
فقل لرسول الله يا خير مرسل
أبثك ما تدري من الحسرات
35
شعوبك في شرق البلاد وغربها
كأصحاب كهف في عميق سبات
36
بأيمانهم نوران ذكر وسنة
فما بالهم في حالك الظلمات
37
وذلك ماضي مجدهم وفخارهم
فما ضرهم لو يعملون لآتي
38
وهذا زمان أرضه وسماؤه
مجال لمقدام كبير حياة
39
مشى فيه قوم في السماء وأنشئوا
بوارج في الأبراج ممتنعات
40
فقل رب وفق للعظائم أمتي
وزين لها الأفعال والعزمات
41
مصر تجدد نفسها بنسائها المتجددات1
قم حي هذي النيرات
حي الحسان الخيرات
واخفض جبينك هيبة
للخرد المتخفرات
2
زين المقاصر والحجا
ل وزين محراب الصلاة
3
هذا مقام الأمها
ت فهل قدرت الأمهات؟
لا تلغ فيه ولا تقل
غير الفواصل محكمات
4
وإذا خطبت فلا تكن
خطبا على مصر الفتاة
اذكر لها اليابان لا
أمم الهوى المتهتكات
ماذا لقيت من الحضا
رة يا أخي الترهات
5
لم تلق غير الرق من
عسر على الشرقي عات
خذ بالكتاب وبالحدي
ث وسيرة السلف الثقات
6
وارجع إلى سنن الخلي
قة واتبع نظم الحياة
هذا رسول الله لم
ينقص حقوق المؤمنات
العلم كان شريعة
لنسائه المتفقهات
7
رضن التجارة والسيا
سة والشئون الأخريات
8
ولقد علت ببناته
لجج العلوم الزاخرات
كانت سكينة تملأ الد
نيا وتهزأ بالرواة
9
روت الحديث وفسرت
آي الكتاب البينات
وحضارة الإسلام تن
طق عن مكان المسلمات
بغداد دار العالما
ت ومنزل المتأدبات
10
ودمشق تحت أمية
أم الجواري النابغات
11
ورياض أندلس نمي
ن الهاتفات الشاعرات
12 •••
ادع الرجال لينظروا
كيف اتحاد الغانيات
والنفع كيف أخذن في
أسبابه متعاونات
لما رأين ندى الرجا
ل تفاخرا أو حب ذات
13
ورأين عندهم الصنا
ئع والفنون مضيعات
والبر عند الأغنيا
ء من الشئون المهملات
أقبل يبنين المنا
ئر للنجاح موفقات •••
للصالحات عقائل ال
وادي هوى في الصالحات
14
الله أنبتهن في
طاعاته خير النبات
فأتين أطيب ما أتى
زهر المناقب والصفات
15
لم يكف أن أحسن حت
ى زدن حض المحصنات؟
16
يمشين في سوق الثوا
ب مساومات رابحات
يلبسن ذل السائلا
ت وما ذكرن البائسات
17
فوجوههن وماؤها
ستر على المتجملات
18
مصر تجدد مجدها
بنسائها المتجددات
النافرات من الجمو
د كأنه شبح الممات
19
هل بينهن جوامدا
فرق وبين الموميات
20
لما حضن لنا القضي
ة كن خير الحاضنات
21
غذينها في مهدها
بلبانهن الطاهرات
وسبقن فيها المعلمي
ن إلى الكريهة معلمات
22
ينفثن في الفتيان من
روح الشجاعة والثبات
23
يهوين تقبيل المهن
د أو معانقة القناة
24
ويرين حتى في الكرى
قبل الرجال محرمات
خلافة الإسلام1
عادت أغاني العرس رجع نواح
ونعيت بين معالم الأفراح
2
كفنت في ليل الزفاف بثوبه
ودفنت عند تبلج الإصباح
3
شيعت من هلع بعبرة ضاحك
في كل ناحية وسكرة صاح
4
ضجت عليك مآذن ومنابر
وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهة ومصر حزينة
تبكي عليك بمدمع سحاح
5
والشام تسأل والعراق وفارس
أمحا من الأرض الخلافة ماح
وأتت لك الجمع الجلائل مأتما
فقعدن فيه مقاعد الأنواح
6
يا للرجال لحرة موءودة
قتلت بغير جريرة وجناح
7
إن الذين أست جراحك حربهم
قتلتك سلمهم بغير جراح
8
هتكوا بأيديهم ملاءة فخرهم
موشية بمواهب الفتاح
9
نزعوا عن الأعناق خير قلادة
ونضوا عن الأعطاف خير وشاح
10
حسب أتى طول الليالي دونه
قد طاح بين عشية وصباح
11
وعلاقة فصمت عرى أسبابها
كانت أبر علائق الأرواح
جمعت على البر الحضور وربما
جمعت عليه سرائر النزاح
12
نظمت صفوف المسلمين وخطوهم
في كل غدوة جمعة ورواح
بكت الصلاة وتلك فتنة عابث
بالشرع عربيد القضاء وقاح
13
أفتى خزعبلة وقال ضلالة
وأتى بكفر في البلاد براح
14
إن الذين جرى عليهم فقهه
خلقوا لفقه كتيبة وسلاح
إن حدثوا نطقوا بخرس كتائب
أو خوطبوا سمعوا بصم رماح
أستغفر الأخلاق لست بجاحد
من كنت أدفع دونه وألاحي
15
ما لي أطوقه الملام وطالما
قلدته المأثور من أمداحي
هو ركن مملكة وحائط دولة
وقريع شهباء وكبش نطاح
16
أأقول من أحيا الجماعة ملحد
وأقول من رد الحقوق إباحي
الحق أولى من وليك حرمة
وأحق منك بنصرة وكفاح
فامدح على الحق الرجال ولمهم
أو خل عنك مواقف النصاح
ومن الرجال إذا انبريت لهدمهم
هرم غليظ مناكب الصفاح
17
فإذا قذفت الحق في أجلاده
ترك الصراع مضعضع الألواح
18
أدوا إلى الغازي النصحية ينتصح
إن الجواد يثوب بعد جماح
19
إن الغرور سقى الرئيس براحه
كيف احتيالك في صريع الراح
نقل الشرائع والعقائد والقرى
والناس نقل كتائب في الساح
20
تركته كالشبح المؤله أمة
لم تسل بعد عبادة الأشباح
هم أطلقوا يده كقيصر فيهم
حتى تناول كل غير مباح
غرته طاعات الجموع ودولة
وجد السواد لها هوى المرتاح
وإذا أخذت المجد من أمية
لم تعط غير سرابه اللماح
21
من قائل للمسلمين مقالة
لم يوحها غير النصيحة واح
عهد الخلافة في أول ذائد
عن حوضها ببراعة نضاح
22
حب لذات الله كان ولم يزل
وهوى لذات الحق والإصلاح
إني أنا المصباح لست بضائع
حتى أكون فراشة المصباح
23
غزوات «أدهم» كللت بذوابل
وفتوح أنور فصلت بصفاح
24
ولت سيوفهما وبان قناهما
وشبا يراعي غير ذات براح
25
لا تبذلوا برد النبي لعاجز
عزل يدافع دونه بالراح
26
بالأمس أوهى المسلمين جراحة
واليوم مد لهم يد الجراح
27
فلتسمعن بكل أرض داعيا
يدعو إلى «الكذاب» أو لسجاح
28
ولتشهدن بكل أرض فتنة
فيها يباع الدين بيع سماح
يفتى على ذهب المعز وسيفه
وهوى النفوس وحقدها الملحاح
29
تكريم1
بأبي وروحي الناعمات الغيدا
الباسمات عن اليتيم نضيدا
2
الرانيات بكل أحور فاتر
يذر الخلي من القلوب عميدا
3
الراويات من السلاف محاجرا
الناهلات سوالفا وخدودا
4
اللاعبات على النسيم غدائرا
الراتعات مع النسيم قدودا
5
أقبلن في ذهب الأصيل ووشيه
ملء الغلائل لؤلؤا وفريدا
6
يحدجن بالحدق الحواسد دمية
كظباء وجرة مقلتين وجيدا
7
حوت الجمال فلو ذهبت تزيدها
في الوهم حسنا ما استطعت مزيدا
لو مر بالولدان طيف جمالها
في الخلد خروا ركعا وسجودا
أشهى من العود المرنم منطقا
وألذ من أوتاره تغريدا
لو كنت سعدا مطلق السجناء لم
تطلق لساحر طرفها مصفودا
8
ما قصر الرؤساء عنه سعى له
سعد فكان موفقا ورشيدا
يا مصر أشبال العرين ترعرعت
ومشت إليك من السجون أسودا
قاضي السياسة نالهم بعقابه
خشن الحكومة في الشباب عتيدا
9
أتت الحوادث دون عقد قضائه
فانهار بينة ودك شهيدا
10
تقضي السياسة غير مالكة لما
حكمت به نقضا ولا توكيدا
قالوا أتنظم للشباب تحية
تبقى على جيد الزمان قصيدا
قلت الشباب أتم عقد مآثر
من أن أزيدهم الثناء عقودا
قبلت جهودهم البلاد وقبلت
تاجا على هاماتهم معقودا
11
خرجوا فما مدوا حناجرهم ولا
منوا على أوطانهم مجهودا
خفي الأساس عن العيون تواضعا
من بعد ما رفع البناء مشيدا
ما كان أفطنهم لكل خديعة
ولكل شر بالبلاد أريدا
لما بنى الله القضية منهم
قامت على الحق المبين عمودا
12
جادوا بأيام الشباب وأوشكوا
يتجاوزون إلى الحياة الجودا
طلبوا الجلاء على الجهاد مثوبة
لم يطلبوا أجر الجهاد زهيدا
13
والله ما دون الجلاء ويومه
يوم تسميه الكنانة عيدا
وجد السجين يدا تحطم قيده
من ذا يحطم للبلاد قيودا
ربحت من «التصريح» أن قيودها
قد صرن من ذهب وكن حديدا
14
أوما ترون على «المنابع» عدة
لا تنجلي وعلى الضفاف عديدا
15
يا فتية النيل السعيد خذوا المدى
واستأنفوا نفس الجهاد مديدا
وتنكبوا العدوان واجتنبوا الأذى
وقفوا بمصر الموقف المحمودا
16
الأرض أليق منزلا بجماعة
يبغون أسباب السماء قعودا
أنتم غدا أهل الأمور وإنما
كنا عليكم في الأمور وفودا
فابنوا على أسس الزمان وروحه
ركن الحضارة باذخا وشديدا
الهدم أجمل من بناية مصلح
يبني على الأسس العتاق جديدا
وجه الكنانة ليس يغضب ربكم
أن تجعلوه كوجهه معبودا
ولوا إليه في الدروس وجوهكم
وإذا فرغتم واعبدوه هجودا
17
إن الذي قسم البلاد حباكم
بلدا كأوطان النجوم مجيدا
18
قد كان والدنيا لحود كلها
للعبقرية والفنون مهودا
مجد الأمور زواله في زلة
لا ترج لاسمك بالأمور خلودا
الفرد بالشورى وباسم نديها
لفظ «الخليفة» في الظلام شريدا
19
خلعته دون المسلمين عصابة
لم يجعلوا للمسلمين وجودا
يقضون ذلك عن سواد غافل
خلق السواد مضللا ومسودا
20
جعلوا مشيئته الغبية سلما
نحو الأمور لمن أراد صعودا
إني نظرت إلى الشعوب فلم أجد
كالجهل داء للشعوب مبيدا
الجهل لا يلد الحياة مواته
إلا كما تلد الرمام الدودا
21
لم يخل من صور الحياة وإنما
أخطاه عنصرها فمات وليدا
22
وإذا سبى الفرد المسلط مجلسا
ألفيت أحرار الرجال عبيدا
ورأيت في صدر الندي منوما
في عصبة يتحركون رقودا
الحق سهم لا ترشه بباطل
ما كان سهم المبطلين سديدا
23
والعب بغير سلاحه فلربما
قتل الرجال سلاحه مردودا
على سفح الأهرام1
قف ناج أهرام الجلال وناد
هل من بناتك مجلس أو ناد
2
نشكو ونفزع فيه بين عيونهم
إن الأبوة مفزع الأولاد
3
ونبثهم عبث الهوى بتراثهم
من كل ملق للهوى بقياد
4
ونبين كيف تفرق الإخوان في
وقت البلاء تفرق الأضداد
5
إن المغالط في الحقيقة نفسه
باغ على النفس الضعيفة عاد
6 •••
قل للأعاجيب الثلاث مقالة
من هاتف بمكانهن وشاد
7
لله أنت فما رأيت على الصفا
هذا الجلال ولا على الأوتاد
8
لك كالمعابد روعة قدسية
وعليك روحانية العباد
9
أسست من أحلامهم بقواعد
ورفعت من أخلاقهم بعماد
10
تلك الرمال بجانبيك بقية
من نعمة وسماحة ورماد
11
إن نحن أكرمنا النزيل حيالها
فالضيف عندك موضع الإرفاد
12
هذا «الأمين» بحائطيك مطوفا
متقدم الحجاج والوفاد؟
13
إن يعده منك الخلود فشعره
باق وليس بيانه لنفاد
14 •••
إيه «أمين» لمست كل محجب
في الحسن من أثر العقول وباد
15
قم قبل الأحجار والأيدي التي
أخذت لها عهدا من الآباد
16
وخذ النبوغ عن الكنانة إنها
مهد الشموس ومسقط الأرآد
17
أم القرى إن لم تكن أم القرى
ومثابة الأعيان والأفراد
18
ما زال يغشى الشرق من لمحاتها
في كل مظلمة شعاع هاد
19
رفعوا لك الريحان كاسمك طيبا
إن العمار تحية الأمجاد
20
وتخيروا للمهرجان مكانه
وجعلت موضع الاحتفاء فؤادي
21
سلف الزمان على المودة بيننا
سنوات صحو بل سنات رقاد
22
وإذا جمعت الطيبات رددتها
لعتيق خمر أو قديم وداد
23
يا نجم سوريا ولست بأول
ماذا نمت من نير وقاد
24
اطلع على يمن بيمنك في غد
وتجل بعد غد على بغداد
وأجل خيالك في طلول ممالك
مما تجوب وفي رسوم بلاد
25
وسل القبور ولا أقول سل القرى
هل من ربيعة حاضر أو باد
26
سترى الديار من اختلاف أمورها
نطق البعير بها وعي الحادي
27 •••
قضيت أيام الشباب بعالم
لبس السنين قشيبة الأبراد
28
ولد البدائع والروائع كلها
وعدته أن يلد البيان عواد
لم يخترع شيطان حسان ولم
تخرج مصانعه لسان زياد
29
الله كرم بالبيان عصابة
في العالمين عزيزة الميلاد «هومير» أحدث من قرون بعده
شعرا وإن لم تخل من آحاد
30
والشعر في حيث النفوس تلذه
لا في الجديد ولا القديم العادي
حق العشيرة في نبوغك أولا
فانظر لعلك بالعشيرة باد
31
لم يكفهم شطر النبوغ فزدهم
إن كنت بالشطرين غير جواد
أو دع لسانك واللغات فربما
غنى الأصيل بمنطق الأجداد
إن الذي ملأ اللغات محاسنا
جعل الجمال وسره في الضاد
32
المطرية تتكلم1
يا ناشر العلم بهذي البلاد
وفقت نشر العلم مثل الجهاد
باني صرح المجد أنت الذي
تبني بيوت العلم في كل ناد
بالعلم ساد الناس في عصرهم
واخترقوا السبع الطباق الشداد
2
أيطلب المجد ويبغي العلا
قوم لسوق العلم فيهم كساد
نقاد أعمالك مغل لها
إذا غلا الدر غلا الانتقاد
3
ما أصعب الفعل لمن رامه
وأسهل القول على من أراد
سمعا لشكواي فإن لم تجد
منك قبولا فالشكاوى تعاد
4
عدلا على ما كان من فضلكم
فالفضل إن وزع بالعدل زاد
5
أسمع أحيانا وحينا أرى
مدرسة في كل حي تشاد
قدمت قبلي مدنا أو قرى
كنت أنا السيف وكن النجاد
6
أنا التي كنت سريرا لمن
ساد «كإدورد» زمانا وشاد
7
قد وحد الخالق في هيكل
من قبل سقراط ومن قبل عاد
8
وهذب الهند دياناتهم
بكل خاف من رموزي وباد
9
ومن تلاميذي موسى الذي
أوحي من بعد إليه فهاد
10
وأرضع الحكمة عيسى الهدى
أيام تربي مهده والوساد
11
مدرستي كانت حياض النهى
قرارة العرفان دار الرشاد
12
مشايخ اليونان يأتونها
يلقون في العلم إليها القياد
كنا نسميهم بصبيانه
وصبيتي بالشيب أهل السداد
13
ذلك أمسي ما به ريبة
ويومي «القبة» ذات العماد
14
أصبحت كالفردوس في ظلها
من مصر للخنكا لظلي امتداد
لولا جلى زيتوني النضر ما
أقسم بالزيتون رب العباد
15
الواحة الزهراء ذات الغنى
تربي التي ما مثلها في البلاد
16
تريك بالصبح وجنح الدجى
بدور حسن وشموس اتقاد •••
بني يا سعد كزغب القطا
لا نقص الله لهم من عداد
17
إن فاتك النسل فأكرم بهم
ورب نسل بالندى يستفاد
أخشى عليهم من أذى رائح
يجمعهم في الفجر والعصر غاد
18
صفيره يسلبني راحتي
ويمنع الجفن لذيذ الرقاد
19
يعقوب من ذئب بكى مشفقا
فكيف أنياب الحديد الحداد
20
فانظر رعاك الله في حاجهم
فنظرة منك تنيل المراد
21
قد بسطوا الكف على أنهم
في كرم الراح كصوب العهاد
22
إن طلب «القسط» فما منهم
إلا جواد عن أبيه الجواد
الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد
سل «يلدزا» ذات القصور
هل جاءها نبأ البدور
1
لو تستطيع إجابة
لبكتك بالدمع الغزير
أخنى عليها ما أنا
خ على الخورنق والسدير
2
ودها الجزيرة بعد إس
ماعيل والملك الكبير
3
ذهب الجميع فلا القصو
ر ترى ولا أهل القصور
فلك يدور سعوده
ونحوسه بيد المدير
أين الأوانس في ذرا
ها من ملائكة وحور
4
المترعات من النعي
م الروايات من السرور
5
العاثرات من الدلا
ل الناهضات من الغرور
الآمرات على الولا
ة الناهيات على الصدور
6
الناعمات الطيبا
ت العرف أمثال الزهور
7
الذاهلات عن الزما
ن بنشوة العيش النضير
المشرفات وما انتقل
ن على الممالك والبحور
من كل بلقيس على
كرسي عزتها الوثير
8
أمضى نفوذا من زبي
دة في الإمارة والأمير
9
بين الرفارف والمشا
رف والزخارف والحرير
10
والروض في حجم الدنا
والبحر في حجم الغدير
والدر مؤتلق السنا
والمسك فياح العبير
في مسكن فوق السما
ك وفوق غارات المغير
11
بين المعاقل والقنا
والخيل والجم الغفير
سموه «يلدز» والأفو
ل نهاية النجم المغير
دارت عليهن الدوا
ئر في المخادع والخدور
12
أمسين في رق العبي
ل وبتن في أسر العشير
13
ما ينتهين من الصلا
ة ضراعة ومن النذور
يطلبن نصرة ربهن
وربهن بلا نصير
14
صبغ السواد حبيرهن
وكان من يقق الحبور
15
أنا إن عجزت فإن في
بردي أشعر من «جرير»
خطب الإمام على النظي
م يعز شرحا والنثير
عظة الملوك وعبرة ال
أيام في الزمن الأخير
شيخ الملوك وإن تضع
ضع في الفؤاد وفي الضمير
نستغفر المولى له
والله يعفو عن كثير
ونراه عند مصابه
أولى بباك أو عذير
ونصونه ونجله
بين الشماتة والنكير
عبد الحميد حساب مث
لك في يد الملك الغفور
سدت الثلاثين الطوا
ل ولسن بالحكم القصير
16
تنهى وتأمر ما بدا
لك في الكبير وفي الصغير
لا تستشير وفي الحمى
عدد الكواكب من مشير
كم سبحوا لك في الروا
ح وألهوك لدى البكور
ورأيتهم لك سجدا
كسجود موسى في الحضور
17
خفضوا الرءوس ووتروا
بالذل أقواس الظهور
18
ماذا دهاك من الأمو
ر وكنت داهية الأمور
ما كنت إن حدثت وجل
ت بالجزوع ولا العثور
أين الروية والأنا
ة وحكمة الشيخ الخبير
إن القضاء إذا رمى
دك القواعد من «ثبير»
19
دخلوا السرير عليك يح
تكمون في رب السرير
20
أعظم بهم من آسري
ن وبالخليفة من أسير
أسد هصور أنشب ال
أظفار في أسد هصور
21
قالوا اعتزل قلت اعتزل
ت الحكم لله القدير
صبروا لدولتك السني
ن وما صبرت سوى شهور
أوذيت من دستورهم
وحننت للحكم العسير
وغضبت كالمنصور أو
هارون في خالي العصور
22
ضنوا بضائع حقهم
وضننت بالدنيا الغرور
هلا احتفظت به احتفا
ظ مرحب فرح قرير
هو حلية الملك الرشي
د وعصمة الملك الغرير
وبه يبارك في المما
لك والملوك على الدهور •••
يا أيها الجيش الذي
لا بالدعي ولا الفخور
يخفى فإن ريع الحمى
لفت البرية بالظهور
23
كالليث يسرف في الفعا
ل وليس يسرف في الزئير
24
الخاطب العلياء بال
أرواح غالية المهور
عند المهيمن ما جرى
في الحق من دمك الطهور
يتلو الزمان صحيفة
غرا مذهبة السطور
في مدح «أنورك» الجري
ء وفي «نيازيك» الجسور
يا «شوكت» الإسلام بل
يا فاتح البلد العسير
25
وابن الأكارم من بني «عمر» الكريم على «البشير»
26
القابضين على الصلي
ل كجدهم وعلى الصرير
27
هل كان جدك في ردا
ئك يوم زحفك والكرور
فقنصت صياد الأسو
د وصدت قناص النسور
وأخذت «يلدز» عنوة
وملكت عنقاء الثغور
28 •••
المؤمنون «بمصر» يه
دون السلام إلى الأمير
ويبايعونك يا «محم
د» في الضمائر والصدور
29
قد أملوا لهلالهم
حظ الأهلة في المسير
فابلغ به أوج الكما
ل بقوة الله النصير
أنت الكبير يقلدو
نك سيف «عثمان» الكبير
شيخ الغزاة الفاتحي
ن حسامه شيخ الذكور
30
يمضى ويغمد بالهدى
فكأنه سيف النذير
31
بشرى الإمام محمد
بخلافة الله القدير
بشرى الخلافة بالإما
م العادل النزه الجدير
الباعث الدستور في ال
إسلام من حفر القبور
أودى «معاوية» به
وبعثته قبل النشور
32
فعلى الخلافة منكما
نور تلألأ فوق نور
33
انتحار الطلبة1
ناشئ في الورد من أيامه
حسبه الله أبالورد عثر؟!
2
سدد السهم إلى صدر الصبا
ورماه في حواشيه الغرر
3
بيد لا تعرف الشر ولا
صلحت إلا لتلهو بالأكر
4
بسطت للسم والحبل وما
بسطت للكأس يوما والوتر
غفر الله له ما ضره
لو قضى من لذة العيش الوطر
لم يمتع من صبا أيامه
ولياليه أصيل وسحر
5
يتمنى الشيخ منه ساعة
بحجاب السمع أو نور البصر
6
ليس في الجنة ما يشبهه
خفة في الظل أو طيب قصر
فصبا الخلد كثير دائم
وصبا الدنيا عزيز مختصر •••
كل يوم خبر عن حدث
سئم العيش ومن يسأم يذر
7
عاف بالدنيا بناء بعدما
خطب الدنيا وأهدى ومهر
8
حل يوم العرس منها نفسه
رحم الله العروس المختضر
9
ضاق بالعيشة ذرعا فهوى
عن شفا اليأس وبئس المنحدر
10
راحلا في مثل أعمار المنى
ذاهبا في مثل آجال الزهر
هاربا من ساحة العيش وما
شارف الغمرة منها والغدر
11
لا أرى الأيام إلا معركا
وأرى الصنديد فيه من صبر
12
رب واهي الجأش فيه قصف
مات بالجبن وأودى بالحذر
13 •••
لامه الناس وما أظلمهم
وقليل من تغاضى أو عذر
ولقد أبلاك عذرا حسنا
مرتدي الأكفان ملقى في الحفر
قال ناس صرعة من قدر
وقديما ظلم الناس القدر
ويقول الطب بل من جنة
ورأيت العقل في الناس ندر
14
ويقولون جفاء راعه
من أب أغلظ قلبا من حجر
15
وامتحان صعبته وطأة
شدها في العلم أستاذ نكر
16
لا أرى إلا نظاما فاسدا
فكك العلم وأودى بالأسر؟
من ضحاياه وما أكثرها!
ذلك الكاره في غض العمر
17
ما رأى في العيش شيئا سره
وأخف العيش ما ساء وسر
نزل العيش فلم ينزل سوى
شعبة الهم وبيداء الفكر
18
ونهار ليس فيه غبطة
وليال ليس فيهن سمر
19
ودروس لم يذلل قطفها
عالم إن نطق الدرس سحر
20
ولقد تنهكه نهك الضنى
ضرة منظرها سقم وضر
21
ويلاقي نصبا مما انطوى
في بني العلات من ضغن وشر
22
إخوة ما جمعتهم رحم
بعضهم يمشون للبعض الخمر
23
لم يرفرف ملك الحب على
أبويه أو يبارك في الثمر
خلق الله من الحب الورى
وبنى الملك عليه وعمر •••
نشأ الخير رويدا قتلكم
في الصبا النفس ضلال وخسر
24
لو عصيتم كاذب اليأس فما
في صباها ينحر النفس الضجر
25
تضمر اليأس من الدنيا وما
عندها عن حادث الدنيا خبر
فيم تجنون على آبائكم
ألم الثكل شديدا في الكبر
وتعقون بلادا لم تزل
بين إشفاق عليكم وحذر
فمصاب الملك في شبانه
كمصاب الأرض في الزرع النضر
ليس يدري أحد منكم بما
كان يعطى لو تأنى وانتظر
رب طفل برح البؤس به
مطر الخير فتيا ومطر
26
وصبي أزرت الدنيا به
شب بين العز فيها والخطر
27
ورفيع لم يسوده أب
من أبو الشمس ومن جد القمر
فلك جار ودنيا لم يدم
عندها السعد ولا النحس استمر
روحوا القلب بلذات الصبا
فكفى الشيب مجالا للكدر
28
عالجوا الحكمة واستشفوا بها
وانشدوا ما ضل منها في السير
29
واقرءوا آداب من قبلكم
ربما علم حيا من غبر
30
واغنموا ما سخر الله لكم
من جمال في المعاني والصور
31
واطلبوا العلم لذات العلم لا
لشهادات وآراب أخر
32
كم غلام خامل في درسه
صار بحر العلم أستاذ العصر
ومجد فيه أمسى خاملا
ليس فيمن غاب أو فيمن حضر •••
قاتل النفس ولو كانت له
أسخط الله ولم يرض البشر
ساحة العيش إلى الله الذي
جعل الورد بإذن والصدر
33
لا تموت النفس إلا باسمه
قام بالموت عليها وقهر
إنما يسمح بالروح الفتى
ساعة الروع إذا الجمع اشتجر
34
فهناك الأجر والفخر معا
من يعش يحمد ومن مات أجر
عبث المشيب
ظلم الرجال نساءهم وتعسفوا
هل للنساء بمصر من أنصار
1
يا معشر الكتاب أين بلاؤكم
أين البيان وصائب الأفكار
2
أيهمكم عبث وليس يهمكم
بنيان أخلاق بغير جدار
3
عندي على ضيم الحرائر بينكم
نبأ يثير ضمائر الأحرار
4
مما رأيت وما علمت مسافرا
والعلم بعض فوائد الأسفار
فيه مجال للكلام ومذهب
ليراع «باحثة» و«ست الدار»
5 •••
كثرت على دار السعادة زمرة
من مصر أهل مزارع ويسار
6
يتزوجون على نساء تحتهم
لا صاحبات بغى ولا بشرار
7
شاطرنهم نعم الصبا وسقينهم
دهرا بكأس للسرور عقار
8
الوالدات بنيهم وبناتهم
الحائطات العرض كالأسوار
9
الصابرات لضرة ومضرة
المحييات الليل بالأذكار •••
من كل ذي سبعين يكتم شيبه
والشيب في فوديه ضوء نهار
10
يأبى له في الشيب غير سفاهة
قلب صغير الهم والأوطار
11
ما حله عطف ولا رفق ولا
بر بأهل أو هوى لديار
كم ناهد في اللاعبات صغيرة
ألهته عن حفد بمصر صغار
12
مهما غدا أو راح في جولاته
دفعته خاطبة إلى سمسار
13
شغل المشايخ بالمتاب وشغله
بتبدل الأزواج والأصهار
14
في كل عام همه في طفلة
كالشمس إن خطبت فللأقمار
15
يرشو عليها الوالدين ثلاثة
لم أدر أيهم الغليظ الضاري
المال حلل كل غير محلل
حتى زواج الشيب بالأبكار
سحر القلوب فرب أم قلبها
من سحره حجر من الأحجار
دفعت بنيتها لأشأم مضجع
ورمت بها في غربة وإسار
16
وتعللت بالشرع قلت كذبته
ما كان شرع الله بالجزار
17
ما زوجت تلك الفتاة وإنما
بيع الصبا والحسن بالدينار
بعض الزواج مذمم ما بالزنى
والرق إن قيسا به من عار
فتشت لم أر في الزواج كفاءة
ككفاءة الأزواج في الأعمار
أسفي على تلك المحاسن كلما
نقلت من «البالي» إلى الدوار
إن الحجاب على «فروق» جنة
وحجاب مصر وريفها من نار
وعلى وجوه كالأهلة روعت
بعد السفور ببرقع وخمار
18
وعلى الذوائب وهي مسك خولطت
عند العناق بمثل ذوب القار
19
وعلى الشفاه المحييات أماتها
ريح الشيوخ تهب في الأسحار
وعلى المجالس فوق كل خميلة
بين الجبال وشاطئ محبار
20
تدنو الزوارق منه تنزل جؤذرا
بقلادة أو شادنا بسوار
21
يرفلن في أزر الحرير تنوعت
ألوانه كالزهر في آذار
22
الطاهرات اللحظ أمثال المها
الناطقات الجرس كالأوتار
23
الدهر فرق شملهن فمر به
يا رب تجمعه يد المقدار
أبو الهول1
أبا الهول طال عليك العصر
وبلغت في الأرض أقصى العمر
2
فيا لدة الدهر لا الدهر شب
ولا أنت جاوزت حد الصغر
3
إلام ركوبك متن الرمال
لطي الأصيل وجوب السحر
4
تسافر منتقلا في القرون
فأيان تلقي غبار السفر
أبينك عهد وبين الجبال
تزولان في الموعد المنتظر
5
أبا الهول ماذا وراء البقاء
إذا ما تطاول غير الضجر
6
عجبت للقمان في حرصه
على لبد والنسور الأخر
7
وشكوى لبيد لطول الحياة
ولو لم تطل لتشكى القصر
8
ولو وجدت فيك يا ابن الصفاة
لحقت بصانعك المقتدر
9
فإن الحياة تفل الحديد
إذا لبسته وتبلي الحجر
10 •••
أبا الهول ما أنت في المعضلات
لقد ضلت السبل فيك الفكر
11
تحيرت البدو ماذا تكون
وضلت بوادي الظنون الحضر
12
فكنت لهم صورة العنفوان
وكنت مثال الحجا والبصر
13
وسرك في حجبه كلما
أطلت عليه الظنون استتر
14
وما راعهم غير رأس الرجال
على هيكل من ذوات الظفر
ولو صوروا من نواحي الطباع
توالوا عليك سباع الصور
15
فيا رب وجه كصافي النمير
تشابه حامله والنمر
16
أبا الهول ويحك لا يستقل
مع الدهر شيء ولا يحتقر
17
تهزأت دهرا بديك الصباح
فنقر عينيك فيما نقر
18
أسال البياض وسل السواد
وأوغل منقاره في الحفر
فعدت كأنك ذو المحبسين
قطيع القيام سليب البصر
19
كأن الرمال على جانبيك
وبين يديك ذنوب البشر
كأنك فيها لواء القضاء
على الأرض أو ديدبان القدر
20
كأنك صاحب رمل يرى
خبايا الغيوب خلال السطر
21 •••
أبا الهول أنت نديم الزمان
نجي الأوان سمير العصر
22
بسطت ذراعيك من آدم
ووليت وجهك شطر الزمر
23
تطل على عالم يستهل
وتوفي على عالم يحتضر
24
فعين إلى من بدا للوجود
وأخرى مشيعة من غبر
25
فحدث فقد يهتدى بالحديث
وخبر فقد يؤتسى بالخبر
26
ألم تبل فرعون في عزه
إلى الشمس معتزيا والقمر
27
ظليل الحضارة في الأولين
رفيع البناء جليل الأثر
28
يؤسس في الأرض للغابرين
ويغرس للآخرين الثمر
29
وراعك ما راع من خيل قمبي
ز ترمي سنابكها بالشرر
30
جوارف بالنار تغزو البلاد
وآونة بالقنا المشتجر
وأبصرت إسكندرا في الملا
قشيب العلا في الشباب النضر
31
تبلج في مصر إكليله
فلم يعد في الملك عمر الزهر
32
وشاهدت قيصر كيف استبد
وكيف أذل بمصر القصر
33
وكيف تجبر أعوانه
وساقوا الخلائق سوق الحمر
وكيف ابتلوا بقليل العديد
من الفاتحين كريم النفر
رمى تاج قيصر رمي الزجاج
وفل الجموع وثل السرر
34
فدع كل طاغية للزمان
فإن الزمان يقيم الصعر
35
رأيت الديانات في نظمها
وحين وهى سلكها وانتثر
36
تشاد البيوت لها كالبروج
إذا أخذ الطرف فيها انحسر
37
تلاقى أساسا وشم الجبال
كما تتلاقى أصول الشجر
38
وإيزيس خلف مقاصيرها
تخطى الملوك إليها الستر
39
تضيء على صفحات السماء
وتشرق في الأرض منها الحجر
40
وآبيس في نيره العالمون
وبعض العقائد نير عسر
41
تساس به معضلات الأمور
ويرجى النعيم وتخشى سقر
ولا يشعر القوم إلا به
ولو أخذته المدى ما شعر
يقل أبو المسك عبدا له
وإن صاغ أحمد فيه الدرر
42
وآنست موسى وتابوته
ونور العصا والوصايا الغرر
43
وعيسى يلم رداء الحياء
ومريم تجمع ذيل الخفر
44
وعمرو يسوق بمصر الصحاب
ويزجي الكتاب ويحدو السور
45
فكيف رأيت الهدى والضلال
ودنيا الملوك وأخرى عمر
46
ونبذ المقوقس عهد الفجور
وأخذ المقوقس عهد الفجر
47
وتبديله ظلمات الضلال
بصبح الهداية لما سفر
48
وتأليفه القبط والمسلمين
كما ألفت بالولاء الأسر
49
أبا الهول لو لم تكن آية
لكان وفاؤك إحدى العبر
50
أطلت على الهرمين الوقوف
كثاكلة لا تريم الحفر
51
ترجي لبانيهما عودة
وكيف يعود الرميم النخر
52
تجوس بعين خلال الديار
وترمي بأخرى فضاء النهر
53
تروم بمنفيس بيض الظبا
وسمر القنا والخميس الدثر
54
ومهد العلوم الخطير الجلال
وعهد الفنون الجليل الخطر
فلا تستبين سوى قرية
أجد محاسنها ما اندثر
55
تكاد لإغراقها في الجمود
إذا الأرض دارت بها لم تدر
فهل من يبلغ عنا الأصول
بأن الفروع اقتدت بالسير
56
وأنا خطبنا حسان العلا
وسقنا لها الغالي المدخر
وأنا ركبنا غمار الأمور
وأنا نزلنا إلى المؤتمر
57
بكل مبين شديد اللداد
وكل أريب بعيد النظر
58
تطالب بالحق في أمة
جرى دمها دونه وانتشر
59
ولم تفتخر بأساطيلها
ولكن بدستورها تفتخر
60
فلم يبق غيرك من لم يحف
ولم يبق غيرك من لم يطر
تحرك أبا الهول هذا الزمان
تحرك ما فيه حتى الحجر
فلما أتمها أجابه آخر كان يختفي وراء التمثال وينطق بلسانه:
نجي أبي الهول آن الآوان
ودان الزمان ولان القدر
خبأت لقومك ما يستقون
ولا يخبأ العذب مثل الحجر
فعندي الملوك بأعيانها
وعند التوابيت منها الأثر
محا ظلمة اليأس صبح الرجاء
وهذا هو الفلق المنتظر
ثم انشق صدر أبي الهول عن فتى وفتاة، مثلا أمامه، وأنشدا هذا النشيد:
اليوم نسود بوادينا
ونعيد محاسن ماضينا
ويشيد العز بأيدينا
وطن نفديه ويفدينا
وطن بالحق نؤيده
وبعين الله نشيده
ونحسنه ونزينه
بمآثرنا ومساعينا
سر التاريخ وعنصره
وسرير الدهر ومنبره
وجنان الخلد وكوثره
وكفى الآباء رياحينا
نتخذ الشمس له تاجا
وضحاها عرشا وهاجا
وسماء السؤدد أبراجا
وكذلك كان أوالينا
العصر يراكم والأمم
والكرنك يلحظ والهرم
أبني الأوطان ألا همم
كبناء الأول يبنينا
سعيا أبدا سعيا سعيا
لأثيل المجد وللعليا
ولنجعل مصر هي الدنيا
ولنجعل مصر هي الدينا
مملكة النحل
مملكة مدبرة
بامرأة مؤمرة
تحمل في العمال والص
ناع عبء السيطرة
فاعجب لعمال يول
ون عليهم قيصرة
تحكمهم راهبة
ذكارة مغبرة
1
عاقدة زنارها
عن ساقها مشمرة
تلثمت بالأرجوا
ن وارتدته مئزرة
وارتفعت كأنها
شرارة مطيرة
ووقعت لم تختلج
كأنها مسمرة
2 •••
مخلوقة ضعيفة
من خلق مصورة
يا ما أقل ملكها
وما أجل خطره
قف سائل النحل به
بأي عقل دبره
يجبك بالأخلاق وه
ي كالعقول جوهرة
تغني قوى الأخلاق ما
تغني القوى المفكرة
ويرفع الله بها
من شاء حتى الحشرة •••
أليس في مملكة الن
حل لقوم تبصرة
ملك بناه أهله
بهمة ومجدرة
3
لو التمست فيه بط
ال اليدين لم تره
تقتل أو تنفى الكسا
لى فيه غير منذرة
تحكم فيه قيصرة
في قومها موقرة
من الرجال وقيو
د حكمهم محررة
لا تورث القوم ولو
كانوا البنين البررة
الملك للإناث في الد
ستور لا للذكرة
4
نيرة تنزل عن
هالتها لنيرة
فهل ترى تخشى الطما
ع في الرجال والشره
5
فطالما تلاعبوا
بالهمج المصيرة
وعبروا غفلتها
إلى الظهور قنطرة
وفي الرجال كرم الض
عف ولؤم المقدرة
وفتنة الرأي وما
وراءها من أثرة
أنثى ولكن في جنا
حيها لباة مخدرة
6
ذائدة عن حوضها
طاردة من كدره
تقلدت إبرتها
وادرعت بالحبرة
كأنها تركية
قد رابطت بأنقرة
كأنها «جاندرك» في
كتيبة معسكرة
تلقى المغير بالجنو
د الخشن المنمرة
السابغين شكة
البالغين جسرة
7
قد نثرتهم جعبة
ونفضتهم مئبرة
8
من يبن ملكا أو يذد
فبالقنا المجررة
إن الأمور همة
ليس الأمور ثرثرة
ما الملك إلا في ذرا ال
ألوية المنشرة
عرينه مذ كان لا
يحميه إلا قسورة
9
رب النيوب الزرق وال
مخالب المذكرة •••
مالكة عاملة
مصلحة معمرة
المال في أتباعها
لا تستبين أثره
لا يعرفون بينهم
أصلا له من ثمرة
لو عرفوه عرفوا
من البلاء أكثره
واتخذوا نقابة
لأمرهم مسيرة
سبحان من نزه عن
ه ملكهم وطهره
وساسه بحرة
عاملة مسخرة
صاعدة في معمل
من معمل منحدرة
واردة دسكرة
صادرة عن دسكرة
10
باكرة تستنهض ال
عصائب المبكرة
11
السامعين الطائعي
ن المحسنين المهرة
من كل من خط البنا
ء أو أقام أسطره
أو شد أصل عقده
أو سده أو قوره
12
أو طاف بالماء على
جدرانه المجدرة
13 •••
وتذهب النحل خفا
فا وتجيء موقرة
جوالب الشمع من ال
خمائل المنورة
حوالب الماذي من
زهر الرياض الشيرة
14
مشدودة جيوبها
على الجنى مزررة
وكل خرطوم أدا
ة العسل المقطرة
وكل أنف قانئ
فيه من الشهد برة
15
حتى إذا جاءت به
جاست خلال الأدورة
16
وغيبته كالسلا
ف في الدنان المحضرة
17
فهل رأيت النحل عن
أمانة مقصرة
ما اقترضت من بقلة
أو استعارت زهرة
أدت إلى الناس به
سكرة بسكرة
في سبيل الهلال الأحمر
جبريل هلل في السماء وكبر
واكتب ثواب المحسنين وسطر
سل للفقير على تكرمه الغنى
واطلب مزيدا في الرخاء لموسر
وادع الذي جعل الهلال شعاره
يفتح على أمم الهلال وينصر
وتول في الهيجاء جند محمد
واقعد بهم في ذلك المستمطر
يا مهرجان البر أنت تحية
لله من ملأ كريم خير
هم زينوك بكل أزهر في الدجى
والله زانك بالقبول الأنور
حسنت وجوهك في العيون وأشرقت
من كل أبلج في الأكارم أزهر
كثرت عليك أكفهم في صوبها
فكأنها قطع الغمام الممطر
لو يعلمون «السوق» ما حسناتها
بيع الحصى في السوق بيع الجوهر
جبريل يعرض والملائك باعة
أين المساوم في الثواب المشتري
ومجاهدين هناك عند معسكر
ومن المهابة بين ألف معسكر
موفين للأوطان بين حياضها
لا يسمحون بها وبين الكوثر
1
عرب على دين الأبوة في الوغى
لا يطعنون القرن ما لم ينذر
2
ألفوا مصاحبة السيوف وعودوا
أخذ المعاقل بالقنا المتشجر
3
يمشون من تحت القذائف نحوها
لا يسألون عن السعير الممطر
في أعين الباري وفوق يمينه
جرحى نجلهم كجرحى خيبر
من كل ميمون الضماد كأنما
دم أهل بدر فيه أو دم حيدر
4
جذلان هينة عليه جراحه
وجراحه في قلب كل غضنفر
ضمدت بأهداب الجفون وطالما
ضمدت بأعراف الجياد الضمر
5
عواده يتمسحون بردنه
كالوفد مسح بالحطيم الأطهر
6
وتكاد من نور الإله حياله
تبيض أثناء «الهلال الأحمر»
الأزهر1
قم في فم الدنيا وحي الأزهرا
وانثر على سمع الزمان الجوهرا
واجعل مكان الدر إن فصلته
في مدحه خرز السماء النيرا
واذكره بعد المسجدين معظما
لمساجد الله الثلاثة مكبرا
2
واخشع مليا واقض حق أئمة
طلعوا به زهرا وماجوا أبحرا
كانوا أجل من الملوك جلالة
وأعز سلطانا وأفخم مظهرا
زمن المخاوف كان فيه جنابهم
حرم الأمان وكان ظلهم الذرا
3
من كل بحر في الشريعة زاخر
ويريكه الخلق العظيم غضنفرا
لا تحذ حذو عصابة مفتونة
يجدون كل قديم شيء منكرا
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
من مات من آبائهم أو عمرا
من كل ماض في القديم وهدمه
وإذا تقدم للبناية قصرا
وأتى الحضارة بالصناعة رثة
والعلم نزرا والبيان مثرثرا
4 •••
يا معهدا أفنى القرون جداره
وطوى الليالي ركنه والأعصرا
ومشى على يبس المشارق نوره
وأضاء أبيض لجها والأحمرا
وأتى الزمان عليه يحمي سنة
ويذود عن نسك ويمنع مشعرا
5
في الفاطميين انتمى ينبوعه
عذب الأصول كجدهم متفجرا
6
عين من الفرقان فاض نميرها
وحيا من الفصحى جرى وتحدرا
7
ما ضرني أن ليس أفقك مطلعي
وعلى كواكبه تعلمت السرى
لا والذي وكل البيان إليك لم
أك دون غايات البيان مقصرا
لما جرى الإصلاح قمت مهنئا
باسم الحنيفة بالمزيد مبشرا
8
نبأ سرى فكسا المنارة حبرة
وزها المصلى واستخف المنبرا
9
وسما بأروقة الهدى فأحلها
فرع الثريا وهي في أصل الثرى
ومشى إلى الحلقات فانفرجت له
حلقا كهالات السماء منورا
حتى ظننا الشافعي ومالكا
وأبا حنيفة وابن حنبل حضرا
إن الذي جعل العتيق مثابة
جعل الكناني المبارك كوثرا
10
العلم فيه مناهلا ومجانيا
يأتي له النزاع يبغون القرى
11 •••
يا فتية المعمور سار حديثكم
ندا بأفواه الركاب وعنبرا
12
المعهد القدسي كان نديه
قطبا لدائرة البلاد ومحورا
ولدت قضيتها على محرابه
وحبت به طفلا وشبت معصرا
13
وتقدمت تزجي الصفوف كأنها «جاندرك» في يدها اللواء مظفرا •••
هزوا القرى من كهفها ورقيمها
أنتم لعمر الله أعصاب القرى
الغافل الأمي ينطق عندكم
كالببغاء مرددا ومكررا
يمسي ويصبح في أوامر دينه
وأمور دنياه بكم مستبصرا
لو قلتم اختر للنيابة جاهلا
أو للخطابة باقلا لتخيرا
14
ذكر الرجال له فأله عصبة
منهم وفسق آخرين وكفرا
15
آباؤكم قرءوا عليه ورتلوا
بالأمس تاريخ الرجال مزورا
حتى تلفت عن محاجر رومة
فرأى «عرابي» في المواكب قيصرا
ودعا لمخلوق وأله زائلا
وارتد في ظلم العصور القهقرى
فجنى على العرش البلاء وما نوى
وجنى على الوطن البلاء وما درى
كونوا سياج العرش والتمسوا له
نصرا من الملك العزيز مؤزرا
وتفيئوا الدستور تحت ظلاله
كنفا أهش من الرياض وأنضرا
لا تجعلوه هوى وخلفا بينكم
ومجر دنيا للنفوس ومتجرا
اليوم صرحت الأمور فأظهرت
ما كان من خدع السياسة مضمرا
قد كان وجه الرأي أن نبقى يدا
ونرى وراء جنودها إنكلترا
فإذا أتتنا بالصفوف كثيرة
جئنا بصف واحد لن يكسرا
غضبت فغض الطرف كل مكابر
يلقاك بالخد اللطيم مصعرا
لم تلق إصلاحا يهاب ولم تجد
من كتلة ما كان أعيا ملنرا
16
حظ رجونا الخير من إقباله
عاث المفرق فيه حتى أدبرا
دار النيابة هيئت درجاتها
فليرق في الدرج الذوائب والذرا
17
الصارخون إذا أسيء إلى الحمى
والزائرون إذا أغير على الشرى
لا الجاهلون العاجزون ولا الألى
يمشون في ذهب القيود تبخترا
وداع فروق
تجلد للرحيل فما استطاعا
وداعا جنة الدنيا وداعا
1
عسى الأيام تجمعني فإني
أرى العيش افتراقا واجتماعا
ألا ليت البلاد لها قلوب
كما للناس تنفطر التياعا
2
وليت لدى «فروق» بعض بثي
وما فعل الفراق غداة راعا
3
أما والله لو علمت مكاني
لأنطقت المآذن والقلاعا
حوت رق القواضب والعوالي
فلما ضفتها حوت اليراعا
4
سألت القلب عن تلك الليالي
أكن لياليا أم كن ساعا
5
فقال القلب بل مرت عجالا
كدقاتي لذكراها سراعا
أدار «محمد» وتراث «عيسى»
لقد رضياك بينهما مشاعا
6
فهل نبذ التعصب فيك قوم
يمد الجهل بينهم النزاعا
أرى الرحمن حصن مسجديه
بأطول حائط منك امتناعا
فكنت لبيته المحجوج ركنا
وكنت لبيته الأقصى سطاعا
7
هواؤك والعيون مفجرات
كفى بهما من الدنيا متاعا
8
وشمسك كلما طلعت بأفق
تخطرت الحياة به شعاعا
وغيدك هن فوق الأرض حور
أوانس لا نقاب ولا قناعا
حوالي لجة من لازورد
تعالى الله خلقا وابتداعا
يروح لجينها الجاري ويغدو
على الفردوس آكاما وقاعا
9
رحالة الشرق1
أقدم فليس على الإقدام ممتنع
واصنع به المجد فهو البارع الصنع
2
للناس في كل يوم من عجائبه
ما لم يكن لامرئ في خاطر يقع
هل كان في الوهم أن الطير يخلفها
على السماء لطيف الصنع مخترع
وأن أدراجها في الجو يسلكها
جن جنود سليمان لها تبع
أعيا العقاب مداهم في السماء وما
راموا من القبة الكبرى وما فرعوا
3
قل للشباب بمصر عصركم بطل
بكل غاية إقدام له ولع
أس الممالك فيه همة وحجا
لا الترهات لها أس ولا الخدع
يعطي الشعوب على مقدار ما نبغوا
وليس يبخسهم شيئا إذا برعوا
ماذا تعدون بعد البرلمان له
إذا خياركم بالدولة اضطلعوا
4
البر ليس لكم في طوله لجم
والبحر ليس لكم في عرضه شرع
5
هل تنهضون عساكم تلحقون به
فليس يلحق أهل السير مضطجع
لا يعجبنكم ساع بتفرقة
إن المقص خفيف حين يقتطع
قد أشهدوكم من الماضي وما نبشت
منه الضغائن ما لم تشهد الضبع
ما للشباب وللماضي تمر بهم
فيه على الجيف الأحزاب والشيع
إن الشباب غد فليهدهم لغد
وللمسالك فيه الناصح الورع
لا يمنعنكم بر الأبوة أن
يكون صنعكم غير الذي صنعوا
لا يعجبنكم الجاه الذي بلغوا
من الولاية والمال الذي جمعوا
ما الجاه والمال في الدنيا وإن حسنا
إلا عواري حظ ثم ترتجع
6
عليكم بخيال المجد فأتلفوا
حياله وعلى تمثاله اجتمعوا
وأجملوا الصبر في جد وفي عمل
فالصبر ينفع ما لا ينفع الجزع
وإن نبغتم ففي علم وفي أدب
وفي صناعات عصر ناسه صنع
وكل بنيان قوم لا يقوم على
دعائم العصر من ركنيه منصدع
شريف مكة حر في ممالكه
فهل ترى القوم الحرية انتفعوا •••
كم في الحياة من الصحراء من شبه
كلتاهما في مفاجأة الفتى شرع
7
وراء كل سبيل فيهما قدر
لا تعلم النفس ما يأتي وما يدع
فلست تدري وإن كنت الحريص متى
تهب ريحاهما أو يطلع السبع
ولست تأمن عند الصحو فاجئة
من العواصف فيها الخوف والهلع
ولست تدري وإن قدرت مجتهدا
متى تحط رحالا أو متى تضع
ولست تملك من أمر الدليل سوى
أن الدليل وإن أرداك متبع
وما الحياة إذا أظمت وإن خدعت
إلا سراب على صحراء يلتمع •••
أكبرت من «حسنين» همة طمحت
تروم ما لا يروم الفتية القنع
وما البطولة إلا النفس تدفعها
فيما يبلغها حمدا فتندفع
ولا يبالي لها أهل إذا وصلوا
طاحوا على جنبات الحمد أم رجعوا
رحالة الشرق إن البيد قد علمت
بأنك الليث لم يخلق له الفزع
ماذا لقيت من الدو السحيق ومن
قفر يضيق على الساري ويتسع
8
وهل مررت بأقوام كفطرتهم
من عهد آدم لا خبث ولا طبع
9
ومن عجيب لغير الله ما سجدوا
على الفلا ولغير الله ما ركعوا
كيف اهتدى لهم الإسلام وانتقلت
إليهم الصلوات الخمس والجمع
جزتك مصر ثناء أنت موضعه
فلا تذب من حياء حين تستمع
ولو جزتك الصحاري جئتنا ملكا
من الملوك عليك الريش والودع
10
براءة1
الناس للدنيا تبع
ولمن تحالفه شيع
لا تهجعن إلى الزما
ن فقد ينبه من هجع
2
واربأ بحلمك في النوا
زل أن يلم به الجزع
لا تخل من أمل إذا
ذهب الزمان فكم رجع
وانفع بوسعك كله
إن الموفق من نفع •••
مصر بنت لقضائها
ركنا على النجم ارتفع
فيه احتمى استقلالها
وبه تحصن وامتنع
فليهنها وليهننا
أن القضاء به اضطلع
3
الله صان رجاله
مما يدنس أو يضع
ساروا بسيرة منذر
وأبي حنيفة في الورع
وكأن أيام القضا
ء جميعها بهم الجمع
قل للمبرأ مرقص
أنت النقي من الطبع
4
هذا القضاء رماك بال
يمنى وباليسرى نزع
هذا قصاء الله مم
تثل الحكومة متبع
عد للمحاماة الشري
فة عود مشتاق ولع
والبس رداءك طاهرا
كرداء مرقص في البيع
5
وادفع عن المظلوم وال
محروم أبلغ من دفع
واغفر لحاسد نعمة
بالأمس نالك أو وقع
6
ما في الحياة لأن تعا
تب أو تحاسب متسع
الصحافة1
لكل زمان مضى آية
وآية هذا الزمان الصحف
لسان البلاد ونبض العباد
وكهف الحقوق وحرب الجنف
2
تسير مسير الضحى في البلاد
إذا العلم مزق فيها السدف
3
وتمشي تعلم في أمة
كثيرة من لا يخط الألف
فيا فتية الصحف صبرا إذا
نبا الرزق فيها بكم واختلف
فإن السعادة غير الظهور
وغير الثراء وغير الترف
ولكنها في نواحي الضمير
إذا هو باللؤم لم يكتنف
خذوا القصد واقتنعوا بالكفاف
وخلوا الفضول يغلها السرف
4
وروموا النبوغ فمن ناله
تلقى من الحظ أسنى التحف
وما الرزق مجتنب حرفة
إذا الحظ لم يهجر المحترف
إذا آخت الجوهري الحظوظ
كفلن اليتيم له في الصدف
5
وإن أعرضت عنه لم يحل في
عيون الخرائد غير الخزف
6 •••
رعى الله ليلتكم إنها
تلت عنده ليلة المنتصف
7
لقد طلع البدر من جنحها
وأوما إلى صبحها أن يقف
جلوتم حواشيها بالفنون
فمن كل فن جميل طرف
فإن تسألوا ما مكان الفنون
فكم شرف فوق هذا الشرف
8
أريكة «موليير» فيما مضى
وعرش «شكسبير» فيما سلف
وعود «ابن ساعدة» في عكاظ
إذا سال خاطره بالطرف
9
فلا يرقين فيه إلا فتى
إلى درجات النبوغ انصرف
تعلم حكمته الحاضرين
وتسمع في الغابرين النطف
10 •••
حمدنا بلاءكم في النضال
وأمس حمدنا بلاء السلف
ومن نسي الفضل للسابقين
فما عرف الفضل فيما عرف
أليس إليهم صلاح البناء
إذا ما الأساس سما بالغرف
فهل تأذنون لذي خلة
يفض الرياحين فوق الجيف
فأين «اللواء» ورب اللواء
إمام الشباب مثال الشرف
11
وأين الذي بينكم شبله
على غاية الحق نعم الخلف
ولا بد للغرس من نقله
إلى من تعهد أو من قطف
فلا تجحدن يد الغارسين
وهذا الجنى في يديك اعترف
أولئك مروا كدود الحرير
شجاها النفاع وفيه التلف
12
عيد الفداء1
أما العتاب فبالأحبة أخلق
والحب يصلح بالعتاب ويصدق
يا من أحب ومن أجل وحسبه
في الغيد منزلة يجل ويعشق
البعد أدناني إليك فهل ترى
تقسو وتنفر أم تلين وترفق
في جاه حسنك ذلتي وضراعتي
فاعطف فذاك بجاه حسنك أليق •••
خلق الشباب ولا أزال أصونه
وأنا الوفي مودتي لا تخلق
2
صاحبته عشرين غير ذميمة
حالي به حال وعيشي مونق
3
قلبي، ادكرت اليوم غير موفق
أيام أنت مع الشباب موفق
فخفقت من ذكرى الشباب وعهده
لهفي عليك لكل ذكرى تخفق
كم ذبت من حرق الجوى واليوم من
أسف عليه وحسرة تتحرق
كنت الشباك وكان صيدا في الصبا
ما تسترق من الظباء وتعتق
خدعت حبائلك الملاح هنيهة
واليوم كل حبالة لا تعلق
هل دون أيام الشبيبة للفتى
صفو يحيط به وأنس يحدق
نكبة بيروت1
يا رب أمرك في الممالك نافذ
والحكم حكمك في الدم المسفوك
إن شئت أهرقه وإن شئت احمه
هو لم يكن لسواك بالمملوك
واحكم بعدلك إن عدلك لم يكن
بالممترى فيه ولا المشكوك
ألأجل آجال دنت وتهيأت
قدرت ضرب الشاطئ المتروك
ما كان يحميه ولا يحمى به
فلكان أنعم من بواخر «كوك»
2
هذي بجانبها الكسير غريقة
تهوي وتلك بركنها المدكوك •••
بيروت، مات الأسد حتف أنوفهم
لم يشهروا سيفا ولم يحموك
سبعون ليثا أحرقوا أو أغرقوا
يا ليتهم قتلوا على «طبروك»
كل يصيد الليث وهو مقيد
ويعز صيد الضيغم المفكوك
يا مضرب الخيم المنيفة للقرى
ما أنصف العجم الألى ضربوك
3
ما كنت يوما للقنابل موضعا
ولو انها من عسجد مسبوك
بيروت يا راح النزيل وأنسه
يمضي الزمان علي لا أسلوك
الحسن لفظ في المدائن كلها
ووجدته لفظا ومعنى فيك
نادمت يوما في ظلالك فتية
وسموا الملائك في جلال ملوك
4
ينسون «حسانا» عصابة «جلق»
حتى يكاد بجلق يفديك
5
تالله ما أحدثت شرا أو أذى
حتى تراعي أو يراع بنوك
أنت التي يحمي ويمنع عرضها
سيف الشريف وخنجر الصعلوك
إن يجهلوك فإن أمك سوريا
والأبلق الفرد الأشم أبوك
6
والسابقين على المفاخر والعلا
بله المكارم والندى أهلوك
سالت دماء فيك حول مساجد
وكنائس ومدارس و«بنوك»
كنا نؤمل أن يمد بقاؤها
حتى تبل صدى القنا المشبوك
لك في ربا النيل المبارك جيرة
لو يقدرون بدمعهم غسلوك
تكليل أنقرة وعزل الآستانة
قم ناد «أنقرة» وقل يهنيك
ملك بنيت على سيوف بنيك
أعطيته ذود اللباة عن الشرى
فأخذته حرا بغير شريك
1
وأقمت بالدم جانبيه ولم تزل
تبنى الممالك بالدم المسفوك
فعقدت تاجك من ظبا مسلولة
وحللت عرشك من قنا مشبوك
2
تاج ترى فيه إذا قلبته
جهد الشريف وهمة الصعلوك
3
وترى الضحايا من معاقد غاره
وعلى جوانب تبره المسبوك
4
وتراه في صخب الحوادث صامتا
كالصخر في عصف الرياح النوك
5
خرزاته دم أمة مهضومة
وجهود شعب مجهد منهوك
بالواجب التمس الحقوق وخاب من
طلب الحقوق بواجب متروك
لا الفرد مس جبينك العالي ولا
أعوانه بأكفهم لمسوك
6
لما نفرت إلى القتال جماعة
أصلوك نار تلصص وفتوك
7
هدروا دماء الأسد في آجامها
والأسد شارعة القنا تحميك
8
يا بنت «طوروس» الممرد طأطأت
شم الجبال رءوسها لأبيك
9
أمعنتما في العز واستعصمتما
هو في السحاب وأنت في أهليك
10
نحت الشعوب من الجبال ديارهم
والقوم من أخلاقهم نحتوك
فلو ان أخلاق الرجال تصورت
لرأيت صخرتها أساسا فيك
إن الذين بنوك أشبه نية
بشباب «خيبر» أو كهول «تبوك»
11
حلفوا على الميثاق لا طعموا الكرى
حتى تذوقي النصر هل نصروك
12
زعموا «الفرنسي» المحجل صورة
في حلبة الفرسان من حاميك
13 «النسر» سل السيف يبني نفسه
وفتاك سل حسامه يبنيك
14
والنسر مملوك لسلطان الهوى
ووجدت نسرك ليس بالمملوك
يا دولة الخلق التي تاهت على
ركن السماك بركنها المسموك
15
بيني وبينك ملة وكتابها
والشرق ينميني كما ينميك
قد ظنني اللاحي نطقت عن الهوى
وركبت متن الجهل إذ أطريك
16
لم ينقذ الإسلام أو يرفع له
رأسا سوى النفر الألى رفعوك
ردوا الخيال حقيقة وتطلعوا
كالحق حصحص من وراء شكوك
17
لم أكذب التاريخ حين جعلتهم
رهبان نسك لا عجول نسيك
18
لم ترضني ذنبا لنجمك همتي
إن البيان بنجمه ينبيك
19
قلمي وإن جهل الغبي مكانه
أبقى على الأحقاب من ماضيك
20
ظفرت بيونان القديمة حكمتي
وغزا الحديثة ظافرا غازيك •••
مني لعهدك يا «فروق» تحية
كعيون مائك أو ربا واديك
21
أو كالنسيم غدا عليك وراح من
فوف الرياض ووشيها المحبوك
22
أو كالأصيل جرى عليك عقيقه
أو سال من عقيانه شاطيك
23
تلك الخمائل والعيون اختارها
لك من ربا جناته باريك
24
قد أفرغت فيك الطبيعة سحرها
من ذا الذي من سحرها يرقيك
خلعت عليك جمالها وتأملت
فإذا جمالك فوق ما تكسوك
تالله ما فتن العيون ولذها
كقلائد الخلجان في هاديك
عن جيدك الحالي تلفتت الربى
واستضحكت حور الجنان بفيك
إن أنس لا أنس الشبيبة والهوى
وسوالف اللذات في ناديك
25
ولياليا لم ندر أين عشاؤها
من فجرها لولا صياح الديك
وصبوحنا من «بندلار» وشرشر
وغبوقنا ب «ترابيا» و«بيوك»
26
لو أن سلطان الجمال مخلد
لمليحة لعذلت من عذلوك
خلعوك من سلطانهم فسليهم
أمن القلوب وملكها خلعوك
لا يحزننك من حماتك خطة
كانت هي المثلى وإن ساءوك
أيقال فتيان الحمى بك قصروا
أو ضيعوا الحرمات أم خانوك
وهم الخفاف إليك كالأنصار إذ
قل النصير وعز من يفديك
المشتروك بمالهم ودمائهم
حين الشيوخ بجبة باعوك
هدروا دماء الذائدين عن الحمى
بلسان مفتي النار لا مفتيك
27
شربوا على سر العدو وغردوا
كالبوم خلف جدارك المدكوك
28
لو كنت «مكة» عندهم لرأيتهم
ك «محمد» و«رفيقه» هجروك
29 •••
يا راكب الطامي يجوب لجاجه
من كل نيرة وذات حلوك
30
إن جئت «مرمرة» تحث الفلك في
بهج كآفاق النعيم ضحوك
31
وأتيت «قرن التبر» ثم تحفه
تحف الضحى من جوهر وسلوك
32
فاطلع على «دار السعادة» وابتهل
في بابها العالي وأد ألوكي
33
قل للخلافة قول باك شمسها
بالأمس لما آذنت بدلوك
34
يا جذوة التوحيد هل لك مطفئ
والله جل جلاله مذكيك
35
خلت القرون وأنت حرب ممالك
لم يغف ضدك أو ينم شانيك
36
يرميك بالأمم الزمان وتارة
بالفرد واستبداده يرميك
عودي إلى ما كنت في فجر الهدى
عمر يسوسك و«العتيق» يليك
37
إن الذين توارثوك على الهوى
بعد «ابن هند» طالما كذبوك
38
لم يلبسوا برد النبي وإنما
لبسوا طقوس الروم إذ لبسوك
إني أعيذك أن تري جبارة
كالبابوية في يدي «ردريك»
أو أن تزف لك الوراثة فاسقا
ك «يزيد» أو كالحاكم المأفوك
39
فضي نيوب الفرد ثم خذي به
في أي ثوبيه به جاءوك
40
لا فرق بين مسلط متتوج
ومسلط في غير ثوب مليك
إني أرى الشورى التي اعتصموا بها
هي حبل ربك أو زمام نبيك
عيد الدهر وليلة القدر1
الملك بين يديك في إقباله
عوذت ملكك بالنبي وآله
2
حر وأنت الحر في تاريخه
سمح وأنت السمح في أقياله
3
فيضا على الأوطان من حرية
فكلاكما المفتك من أغلاله
4
سعدت بعهدكما المبارك أمة
رقت لحالك حقبة ولحاله
5
يفديك نصرانيه بصليبه
والمنتمي ل «محمد» بهلاله
وفتى الدروز على الحزون بشيخه
والموسوي على السهول بماله
6
صدقوا الخليفة طاعة ومحبة
وتمسكوا بالطهر من أذياله
يجدون دولتك التي سعدوا بها
من رحمة المولى ومن أفضاله
جددت عهد «الراشدين» بسيرة
نسج «الرشاد» لها على منواله
بنيت على الشورى كصالح حكمهم
وعلى حياة الرأي واستقلاله
حق أعز بك المهيمن نصره
والحق منصور على خذاله
7
شر الحكومة أن يساس بواحد
في الملك أقوام عداد رماله
ملك تشاطره ميامن حاله
وترى بإذن الله حسن مآله
8
أخذت حكومتك الأمان لظبيه
في مقفرات البيد من رئباله
9
مكنت للدستور فيه وحزته
تاجا لوجهك فوق تاج جلاله
10
فكأنك «الفاروق» في كرسيه
نعمت شعوب الأرض تحت ظلاله
11
أو أنت مثل «أبي تراب» يتقى
ويهابه الأملاك في أسماله
12
عهد النبي هو السماحة والرضا
ب «محمد» أولى وسمح خلاله
بالحق يحمله «الإمام» وبالهدى
في حاضر الدستور واستقباله
يا ابن الخواقين الثلاثين الألى
قد جملوا الإسلام فوق جماله
13
المبلغين الدين ذروة سعده
الرافعين الملك أوج كماله
14
الموطئين من الممالك خيلهم
ما لم يفز «إسكندر» بوصاله
15
في عدل «فاتحهم» و«قانونيهم»
ما يحتذي الخلفاء حذو مثاله
16
أما الخلافة فهي حائط بيتكم
حتى يبين الحشر عن أهواله
أخذت بحد المشرفي وحازها
لكم القنا بقصاره وطواله
17
لا تسمعوا للمرجفين وجهلهم
فمصيبة الإسلام من جهاله
18
طمع القريب أو البعيد بنيلها
طمع الفتى من دهره بمحاله
ما الذئب مجترئا على ليث الشرى
في الغاب معتديا على أشباله
19
بأضل عقلا وهي في أيمانكم
ممن يحاول أخذها بشماله •••
رضي المهيمن والمسيح وأحمد
عن جيشك الفادي وعن أبطاله
الهازئين من الثرى بسهوله
الدائسين على رءوس جباله
القاتلين عدوهم في حصنه
بالرأي والتدبير قبل قتاله
الآخذين الحصن عز سبيله
مثل السها أو في امتناع مناله
20
المعرضين ولو بساحة يلدز
في الحرب عن عرض العدو وماله
القارئين على «علي» علمها
وعلى الغزاة المتقين رجاله
21
الملك زلزل في «فروق» ساعة
كانوا له الأوتاد في زلزاله
لولا انتظام قلوبهم ككفوفهم
لنثرت دمعي اليوم في أطلاله
22
والمرء ليس بصادق في قوله
حتى يؤيد قوله بفعاله
والشعب إن رام الحياة كبيرة
خاض الغمار دما إلى آماله
23
شكر الممالك للسخي بروحه
لا للسخي بقيله أو قاله
إيه «فروق» الحسن نجوى هائم
يسمو إليك بجده وبخاله
24
أخرجت للعرب الفصاح بيانه
قبسا يضيء الشرق مثل كماله
25
لم تكثر «الحمراء» من نظرائه
نسلا ولا «بغداد» من أمثاله
26
جعل الإله خياله «قيس» الهوى
وجعلت «ليلى» فتنة لخياله
27
في كل عام أنت نزهة روحه
ونعيم مهجته وراحة باله
يغشاك قد حنت إليك مطيه
ويئوب والأشواق ملء رحاله
أفراحه لما رآك طليقة
أفراح «يوسف» يوم حل عقاله
28
وسروره بك من قيودك حرة
كسرور «قيس» بانفلات غزاله
29
الله صاغك جنتين لخلقه
محفوفتين بأنعم لعياله
لو أن لله اتخاذ خميلة
ما اختار غيرك روضة لجلاله
30
فكأنما الصفتان في حسنيهما
ديباجتا خد يتيه بخاله
31
وكأنما «البسفور» حوض «محمد»
وسط الجنان وهن في إجلاله
32
وكأن شاهقة القصور حياله
حجرات «طه» في الجنان وآله
33
وكأن عيدك عيدها لما مشى
فيها البشير ببشره وجماله
34
تيهي بعيدك في الممالك واسلمي
في السلم للآلاف من أمثاله
واستقبلي عهد الرشاد مجملا
بمحاسن الدستور في استهلاله
دار السعادة أنت ذلك بابها
شلت يد مدت إلى إقفاله
وداع اللورد كرومر
أيامكم أم عهد إسماعيلا
أم أنت فرعون يسوس النيلا
1
أم حاكم في أرض مصر بأمره
لا سائلا أبدا ولا مسئولا
يا مالكا رق الرقاب ببأسه
هلا اتخذت إلى القلوب سبيلا
2
لما رحلت عن البلاد تشهدت
فكأنك الداء العياء رحيلا
أوسعتنا يوم الوداع إهانة
أدب لعمرك لا يصيب مثيلا
هلا بدا لك أن تجامل بعدما
صاغ الرئيس لك الثنا إكليلا
3
انظر إلى أدب الرئيس ولطفه
تجد الرئيس مهذبا ونبيلا •••
في ملعب للمضحكات مشيد
مثلت فيه المبكيات فصولا
4
شهد «الحسين» عليه لعن أصوله
وتصدر «الأعمى» به تطفيلا
5
جبن أقل وحط من قدريهما
والمرء إن يجبن يعش مرذولا
لما ذكرت به البلاد وأهلها
مثلت دور مماتها تمثيلا
6
أنذرتنا رقا يدوم وذلة
تبقى وحالا لا ترى تحويلا
أحسبت أن الله دونك قدرة
لا يملك التغيير والتبديلا
الله يحكم في الملوك ولم تكن
دول تنازعه القوى لتدولا
7
فرعون قبلك كان أعظم سطوة
وأعز بين العالمين قبيلا
8
اليوم أخلفت الوعود حكومة
كنا نظن عهودها الإنجيلا
دخلت على حكم الوداد وشرعه
مصرا فكانت كالسلال دخولا
9
هدمت معالمها وهدت ركنها
وأضاعت استقلالها المأمولا
10
قالوا جلبت لنا الرفاهة والغنى
جحدوا الإله وصنعه والنيلا
11
كم منة موهومة أتبعتها
منا على الفطن الخبير ثقيلا
12
في كل تقرير تقول خلقتكم
أفهل ترى تقريرك التنزيلا
13
هل من نداك على المدارس أنها
تذر العلوم وتأخذ «الفوتبولا»
14
أم من صيانتك القضاء بمصر أن
تأتي بقاضي دنشواي وكيلا
15
أم هل يعد لك الإضاعة منة
جيش كجيش الهند بات ذليلا
انظر إلى فتيانه ما شأنهم
أوليس شأنا في الجيوش ضئيلا
حرمتهم أن يبلغوا رتب العلا
ورفعت قومك فوقهم تفضيلا
فإذا تطلعت الجيوش وأملت
مستقبلا لم يملكوا التأميلا
من بعدما زفوا لإدورد العلا
فتحا عريضا في البلاد طويلا
16
لو كنت من حمر الثياب عبدتكم
من دون عيسى محسنا ومنيلا
17
أو كنت بعض الإنجليز قبلتكم
ملكا أقطع كفه تقبيلا
أو كنت عضوا في «الكلوب» ملأته
أسفا لفرقتكم بكى وعويلا
18
أو كنت قسيسا يهيم مبشرا
رتلت آية مدحكم ترتيلا
19
أو كنت صرافا بلندن دائنا
أعطيتكم عن طيبة تحويلا
أو كنت «تيمسكم» ملأت صحائفي
مدحا يردد في الورى موصولا
20
أو كنت في مصر نزيلا جاهدا
سبحت باسمك بكرة وأصيلا
أو كنت «سريونا» حلفت بأنكم
أنتم حيوتم بالقناة الجيلا
21
ما كان من عقباتها وصعابها
ذللتموه بعزمكم تذليلا
عهد الفرنج وأنت تعلم عهدهم
لا يبخسون المحسنين فتيلا
فارحل بحفظ الله جل صنيعه
مستعفيا إن شئت أو معزولا
واحمل بساقك ربطة في لندن
واخلف هناك غراي أو كمبيلا
22
أو شاطر الملك العظيم بلاده
وسس الممالك عرضها والطولا
إنا تمنينا على الله المنى
والله كان بنيلهن كفيلا
من سب دين محمد فمحمد
متمكن عند الإله رسولا
23
بين الحجاب والسفور
صداح يا ملك الكنا
ر ويا أمير البلبل
1
قد فزت منك ب «معبد»
ورزقت قرب «الموصلي»
2
وأتيح لي «داوود» مز
مارا وحسن ترتل
3
فوق الأسرة والمنا
بر قط لم تترجل
4
تهتز كالدينار في
مرتج لحظ الأحول
5
وإذا خطرت على الملا
عب لم تدع لممثل
6
ولك ابتداءات «الفرز
دق» في مقاطع «جرول»
7
ولقد تخذت من الضحى
صفر الغلائل والحلي
8
ورويت في بيض القلا
نس عن عذارى الهيكل
9 •••
يا ليت شعري يا أسي
ر شج فؤادك أم خلي
10
وحليف سهد أم تنا
م الليل حتى ينجلي
11
بالرغم مني ما تعا
لج في النحاس المقفل
12
حرصي عليك هوى ومن
يحرز ثمينا يبخل
والشح تحدثه الضرو
رة في الجواد المجزل
13
أنا إن جعلتك في نضا
ر بالحرير مجلل
14
ولففته في سوسن
وحففته بقرنفل
15
وحرقت أزكى العود حو
ليه وأغلى الصندل
وحملته فوق العيو
ن وفوق رأس الجدول
16
ودعوت كل أغر في
ملك الطيور محجل
فأتتك بين مطارح
ومحبذ ومدلل
17
وأمرت بابني فالتقا
ك بوجهه المتهلل
18
بيمينه فالوذج
لم يهد ل «المتوكل»
19
وزجاجة من فضة
مملوءة من سلسل
20
ما كنت يا «صداح» عن
دك بالكريم المفضل
شهد الحياة مشوبة
بالرق مثل الحنظل
21
والقيد لو كان الجما
ن منظما لم يحمل
22
يا طير لولا أن يقو
لوا جن قلت تعقل
اسمع فرب مفصل
لك لم يفدك كمجمل
صبرا لما تشقى به
أو ما بدا لك فافعل
أنت ابن رأي للطبي
عة فيك غير مبدل
أبدا مروع بالإسا
ر مهدد بالمقتل
23
إن طرت عن كنفي وقع
ت على النسور الجهل
24 •••
يا طير والأمثال تض
رب للبيب الأمثل
25
دنياك من عاداتها
ألا تكون لأعزل
26
أو للغبي وإن تعل
ل بالزمان المقبل
جعلت لحر يبتلى
في ذي الحياة ويبتلي
يرمي ويرمى في جها
د العيش غير مغفل
مستجمع كالليث إن
يجهل عليه يجهل
27
أسمعت بالحكمين في ال
إسلام يوم «الجندل»
28
في الفتنة الكبرى ولو
لا حكمة لم تشعل
29
رضي الصحابة يوم ذ
لك بالكتاب المنزل
30
وهم المصابيح الروا
ة عن النبي المرسل
قالوا الكتاب وقام كل
مفسر ومئول
حتى إذا وسعت «معا
وية» وضاق بها «علي»
31
رجعوا لظلم كالطبا
ئع في النفوس مؤصل
نزلوا على حكم القوي
وعند رأي الأحيل
32
صداح حق ما أقو
ل حفلت أم لم تحفل
جاورت أندى روضة
وحللت أكرم منزل
بين الحفاوة من حسي
ن والرعاية من علي
وحنان «آمنة» كأم
ك في صباك الأول
33
صح بالصباح وبشر ال
أبناء بالمستقبل
واسأل لمصر عناية
تأتي وتهبط من عل
قل ربنا افتح رحمة
والخير منك فأرسل
أدرك كنانتك الكري
مة ربنا وتقبل
العلم والتعليم وواجب المعلم1
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي
يبني وينشئ أنفسا وعقولا
سبحانك اللهم خير معلم
علمت بالقلم القرون الأولى
أخرجت هذا العقل من ظلماته
وهديته النور المبين سبيلا
وطبعته بيد المعلم تارة
صدئ الحديد وتارة مصقولا
2
أرسلت بالتوراة موسى مرشدا
وابن البتول فعلم الإنجيلا
3
وفجرت ينبوع البيان محمدا
فسقى الحديث وناول التنزيلا
4
علمت يونانا ومصر فزالتا
عن كل شمس ما تريد أفولا
واليوم أصبحتا بحال طفولة
في العلم تلتمسانه تطفيلا
5
من مشرق الأرض الشموس تظاهرت
ما بال مغربها عليه أديلا
6
يا أرض مذ فقد المعلم نفسه
بين الشموس وبين شرقك حيلا
ذهب الذين حموا حقيقة علمهم
واستعذبوا فيها العذاب وبيلا
في عالم صحب الحياة مقيدا
بالفرد مخزوما به مغلولا
7
صرعته دنيا المستبد كما هوت
من ضربة الشمس الرءوس ذهولا
سقراط أعطى الكأس وهي منية
شفتي محب يشتهي التقبيلا
عرضوا الحياة عليه وهي غباوة
فأبى وآثر أن يموت نبيلا
8
إن الشجاعة في القلوب كثيرة
ووجدت شجعان العقول قليلا •••
إن الذي خلق الحقيقة علقما
لم يخل من أهل الحقيقة جيلا
ولربما قتل الغرام رجالها
قتل الغرام كم استباح قتيلا
أوكل من حامى عن الحق اقتنى
عند السواد ضغائنا وذحولا
9
لو كنت أعتقد الصليب وخطبه
لأقمت من صلب المسيح دليلا •••
أمعلمي الوادي وساسة نشئه
والطابعين شبابه المأمولا
والحاملين إذا دعوا ليعلموا
عبء الأمانة فادحا مسئولا
كانت لنا قدم إليه خفيفة
ورمت بدنلوب فكان الفيلا
10
حتى رأينا مصر تخطو أصبعا
في العلم إن مشت الممالك ميلا
تلك الكفور وحشوها أمية
من عهد «خوفو» لم تر القنديلا
تجد الذين بنى «المسلة» جدهم
لا يحسنون لإبرة تشكيلا
ويدللون إذا أريد قيادهم
كالبهم تأنس إذ ترى التدليلا
يتلو الرجال عليهم شهواتهم
فالناجحون ألدهم ترتيلا
الجهل لا تحيا عليه جماعة
كيف الحياة على يدي عزريلا
والله لولا ألسن وقرائح
دارت على فطن الشباب شمولا
11
وتعهدت من أربعين نفوسهم
تغزو القنوط وتغرس التأميلا
عرفت مواضع جدبهم فتتابعت
كالعين فيضا والغمام مسيلا
تسدي الجميل إلى البلاد وتستحي
من أن تكافأ بالثناء جميلا
ما كان دنلوب ولا تعليمه
عند الشدائد يغنيان فتيلا •••
ربوا على الإنصاف فتيان الحمى
تجدوهم كهف الحقوق كهولا
فهو الذي يبني الطباع قويمة
وهو الذي يبني النفوس عدولا
ويقيم منطق كل أعوج منطق
ويريه رأيا في الأمور أصيلا
وإذا المعلم لم يكن عدلا مشى
روح العدالة في الشباب ضئيلا
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة
جاءت على يده البصائر حولا
12
وإذا أتى الإرشاد من سبب الهوى
ومن الغرور فسمه التضليلا
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا
إني لأعذركم وأحسب عبأكم
من بين أعباء الرجال ثقيلا
وجد المساعد غيركم وحرمتم
في مصر عون الأمهات جليلا
وإذا النساء نشأن في أمية
رضع الرجال جهالة وخمولا
ليس اليتيم من انتهى أبواه من
هم الحياة وخلفاه ذليلا
فأصاب بالدنيا الحكيمة منهما
وبحسن تربية الزمان بديلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
أما تخلت أو أبا مشغولا
13 •••
مصر إذا ما راجعت أيامها
لم تلق للسبت العظيم مثيلا
14 «البرلمان» غدا يمد رواقه
ظلا على الوادي السعيد ظليلا
نرجو إذا التعليم حرك شجوه
ألا يكون على البلاد بخيلا
قل للشباب اليوم بورك غرسكم
دنت القطوف وذللت تذليلا
حيوا من الشهداء كل مغيب
وضعوا على أحجاره إكليلا
ليكون حظ الحي من شكرانكم
جما وحظ الميت منه جزيلا
لا يلمس الدستور فيكم روحه
حتى يرى جنديه المجهولا
15
ناشدتكم تلك الدماء زكية
لا تبعثوا للبرلمان جهولا
فليسألن عن الأرائك سائل
أحملن فضلا أم حملن فضولا
إن أنت أطلعت الممثل ناقصا
لم تلق عند كماله التمثيلا
فادعوا لها أهل الأمانة واجعلوا
لأولي البصائر منهم التفضيلا
إن المقصر قد يحول ولن ترى
لجهالة الطبع الغبي محيلا
فلرب قول في الرجال سمعتم
ثم انقضى فكأنه ما قيلا
ولكم نصرتم بالكرامة والهوى
من كان عندكم هو المخذولا
كرم وصفح في الشباب وطالما
كرم الشباب شمائلا وميولا
قوموا اجمعوا شعب الأبوة وارفعوا
صوت الشباب محببا مقبولا
ما أبعد الغايات إلا أنني
أجد الثبات لكم بهن كفيلا
فكلوا إلى الله النجاح وثابروا
فالله خير كافلا ووكيلا
بنك مصر1
قف بالممالك وانظر دولة المال
واذكر رجالا أدالوها بإجمال
وانقل ركاب القوافي في جوانبها
لا في جوانب رسم المنزل البالي
ما هيكل الهرم الجيزي من ذهب
في العين أزين من بنيانها الحالي
علا بها الحرص أركانا وأخرجها
على مثال من الدنيا ومنوال
فيها الشقاء لقوم والنعيم لهم
وبؤس ساع ونعمى قاعد سالي
والمال مذ كان تمثال يطاف به
والناس مذ خلقوا عباد تمثال
إذا جفا الدور فانع النازلين بها
أو الممالك فاندبها كأطلال
يا طالبا لمعالي الملك مجتهدا
خذها من العلم أو خذها من المال
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم
لم يبن ملك على جهل وإقلال
سراة مصر عهدناكم إذا بسطت
يد الدعاء سراعا غير بخال
تبين الصدق من بين الأمور لكم
فامضوا إلى الماء لا تلووا على الآل
2
لا يذهب الدهر بين الترهات بكم
وبين زهر من الأحلام قتال
هاتوا الرجال وهاتوا المال واحتشدوا
رأيا لرأي ومثقالا لمثقال
هذا هو الحجر الدري بينكم
فابنوا بناء قريش بيتها العالي
دار إذا نزلت فيها ودائعكم
أودعتم الحب أرضا ذات إغلال
آمال مصر إليها طالما طمحت
هل تبخلون على مصر بآمال
فابنوا على بركات الله واغتنموا
ما هيأ الله من حظ وإقبال
مرحبا بالهلال1
العام أقبل قم نحي هلالا
كالتاج في هام الوجود جلالا
طغرى كتاب الكائنات لقارئ
يزن الكلام ويقدر الأقوالا
ملك السماء فكان في كرسيه
بين الملائك والملوك مثالا
تتنافس الآمال فيه كأنه
ثغر العناية ضاحك الآمالا
والشمس تزلف عيدها وتزفه
بشرى بمطلعه السعيد وفالا
2
عيد المسيح وعيد أحمد أقبلا
يتباريان وضاءة وجمالا
ميلاد إحسان وهجرة سؤدد
قد غيرا وجه البسيطة حالا •••
قم للهلال قيام محتفل به
أثنى وبالغ في الثناء وغالى
نور السبيل هدى لكل فضيلة
يهدي الحكيم لها وسن خلالا
ما بين مولده وبين بلوغه
ملأ الحياة مآثرا وفعالا
متواضع والله شرف قدره
بالشمس ندا والكواكب آلا
3
متودد عند الكمال تخاله
في راحتيك وعز ذاك منالا
واف لجارة بيته يرعى لها
عهد السموءل عروة وحبالا
4
عون السراة على تصاريف النوى
أمنوا عليه وحشة وضلالا
5
ويصان من سر الصبابة عنده
ما بات عند الأكثرين مذالا
6
ويشك فيه فلا يكلف نفسه
غير الترفع والوقار نضالا
ساءت ظنون الناس حتى أحدثوا
للشك في النور المبين مجالا
والظن يأخذ في ضميرك مأخذا
حتى يريك المستقيم محالا
ومن العجائب عند قمة مجده
رام المزيد فجد فيه فنالا
يطوي إلى الأوج السموات العلا
ويشد في طلب الكمال رحالا
ويفل من هوج الرياح عزائما
ويدك من موج البحار جبالا
ويضيء أثناء الخمائل والربى
حتى ترى أسحارها آصالا
ويجول في زهر الرياض كأنه
صيب الربيع مشى بهن وجالا •••
أمم الهلال مقالة من صادق
والصدق أليق بالرجال مقالا
متلطف في النصح غير مجادل
والنصح أضيع ما يكون جدالا
من عادة الإسلام يرفع عاملا
ويسود المقدام والفعالا
ظلمته ألسنة تؤاخذه بكم
وظلمتموه مفرطين كسالى
هذا هلالكم تكفل بالهدى
هل تعلمون مع الهلال ضلالا
سرت الحضارة حقبة في ضوئه
ومشى الزمان بنوره مختالا
وبنى له العرب الأجاود دولة
كالشمس عرشا والنجوم رجالا
رفعوا له فوق السماك دعائما
من علمهم ومن البيان طوالا
الله جل ثناؤه بلسانهم
خلق البيان وعلم الأمثالا
وتخير الأخلاق أحسنها لهم
ومكارم الأخلاق منه تعالى
كالرسل عزما والملائك رحمة
والأسد بأسا والغيوث نوالا
عدلوا فكانوا الغيث وقعا كلما
ذهبوا يمينا في الورى وشمالا
والعدل في الدولات أس ثابت
يفني الزمان وينفد الأجيالا
أيام كان الناس في جهلاتهم
مثل البهائم أرسلت إرسالا
من جهلهم بالدين والدنيا معا
عبدوا الأصم وألهوا التمثالا
ضلوا عقولا بعد عرفان الهدى
والعقل إن هو ضل كان عقالا
7
حتى إذا انقسموا تقوض ملكهم
والملك إن بطل التعاون زالا
لو أن أبطال الحروب تفرقوا
غلب الجبان على القنا الأبطالا
يا شباب الديار1
غال في قيمة ابن بطرس غالي
علم الله ليس في الحق غالي
2
نحتفي بالأديب والحق يقضي
وجلال الأخلاق والأعمال
أدب الأكثرين قول وهذا
أدب في النفوس والأفعال
يظهر المدح رونق الرجل الما
جد كالسيف يزدهي بالصقال
3
رب مدح أذاع في الناس فضلا
وأتاهم بقدوة ومثال
وثناء على فتى عم قوما
قيمة العقد حسن بعض اللآلي
إنما يقدر الكرام كريم
ويقيم الرجال وزن الرجال
4
وإذا عظم البلاد بنوها
أنزلتهم منازل الإجلال
توجت هامهم كما توجوها
بكريم من الثناء وغالي
إنما «واصف» بناء من الأخ
لاق في دولة المشارق عالي
ونجيب مهذب من نجيب
هذبته تجارب الأحوال
واهب المال والشباب لما ين
فع لا للهوى ولا للضلال
ومذيق العقول في الغرب مما
عصر العرب في السنين الخوالي
في كتاب حوى المحاسن في الشع
ر وأوعى جوائز الأمثال
5
من صفات كأنها العين صدقا
في أداء الوجوه والأشكال
ونسيب تحاذر الغيد منه
شرك الحسن أو شباك الدلال
ونظام كأنه فلك اللي
ل إذا لاح وهو بالزهر حالي
وبيان كما تجلى على الرس
ل تجلى على رعاة الضال
6
ما علمنا لغيرهم من لسان
زال أهلوه وهو في إقبال
بليت هاشم وبادت نزار
واللسان المبين ليس ببالي
كلما هم مجده بزوال
قام فحل فحال دون الزوال •••
يا بني مصر لم أقل أمة القب
ط فهذا تشبث بمحال
واحتيال على خيال من المج
د ودعوى من العراض الطوال
إنما نحن مسلمين وقبطا
أمة وحدت على الأجيال
سبق النيل بالأبوة فينا
فهو أصل وآدم الجد تالي
نحن من طينة الكريم على الله
ومن مائه القراح الزلال
7
مر ما مر من قرون علينا
رسفا في القيود والأغلال
وانقضى الدهر بين زغردة العر
س وحثو التراب والإعوال
ما تحلى بكم يسوع ولا كن
لطه ودينه بجمال
وتضاع البلاد بالنوم عنها
وتضاع الأمور بالإهمال
يا شباب الديار مصر إليكم
ولواء العرين للأشبال
كلما روعت بشبهة يأس
جعلتكم معاقل الآمال
هيئوها لما يليق بمنف
وكريم الآثار والأطلال
وانهضوا نهضة الشعوب لدنيا
وحياة كبيرة الأشغال
وإلى الله من مشى بصليب
في يديه ومن مشى بهلال
نهج البردة
ريم على القاع بين البان والعلم
أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
1
رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا
يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم
2
لما رنا حدثتني النفس قائلة
يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي
3
جحدتها وكتمت السهم في كبدي
جرح الأحبة عندي غير ذي ألم
4
رزقت أسمح ما في الناس من خلق
إذا رزقت التماس العذر في الشيم
5
يا لائمي في هواه والهوى قدر
لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم
6
لقد أنلتك أذنا غير واعية
ورب منتصت والقلب في صمم
7
يا ناعس الطرف لا ذقت الهوى أبدا
أسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم
8
أفديك إلفا ولا آلو الخيال فدى
أغراك بالبخل من أغراه بالكرم
9
سرى فصادف جرحا داميا فأسا
ورب فضل على العشاق للحلم
10
من الموائس بانا بالربا وقنا
اللاعبات بروحي السافحات دمي
11
السافرات كأمثال البدور ضحى
يغرن شمس الضحى بالحلي والعصم
12
القاتلات بأجفان بها سقم
وللمنية أسباب من السقم
العاثرات بألباب الرجال وما
أقلن من عثرات الدل في الرسم
13
المضرمات خدودا أسفرت وجلت
عن فتنة تسلم الأكباد للضرم
14
الحاملات لواء الحسن مختلفا
أشكاله وهو فرد غير منقسم
15
من كل بيضاء أو سمراء زينتا
للعين والحسن في الآرام كالعصم
16
يرعن للبصر السامي ومن عجب
إذا أشرن أسرن الليث بالعنم
17
وضعت خدي وقسمت الفؤاد ربا
يرتعن في كنس منه وفي أكم
18
يا بنت ذي اللبد المحمي جانبه
ألقاك في الغاب أم ألقاك في الأطم
19
ما كنت أعلم حتى عن مسكنه
أن المنى والمنايا مضرب الخيم
20
من أنبت الغصن من صمصامة ذكر
وأخرج الريم من ضرغامة قرم
21
بيني وبينك من سمر القنا حجب
ومثلها عفة عذرية العصم
22
لم أغش مغناك إلا في غضون كرى
مغناك أبعد للمشتاق من إرم
23
يا نفس دنياك تخفي كل مبكية
وإن بدا لك منها حسن مبتسم
24
فضي بتقواك فاها كلما ضحكت
كما يفض أذى الرقشاء بالثرم
25
مخطوبة منذ كان الناس خاطبة
من أول الدهر لم ترمل ولم تئم
26
يفنى الزمان ويبقى من إساءتها
جرح بآدم يبكي منه في الأدم
27
لا تحفلي بجناها أو جنايتها
الموت بالزهر مثل الموت بالفحم
28
كم نائم لا يراها وهي ساهرة
لولا الأماني والأحلام لم ينم
29
طورا تمدك في نعمى وعافية
وتارة في قرار البؤس والوصم
30
كم ضللتك ومن تحجب بصيرته
إن يلق صابا يرد أو علقما يسم
31
يا ويلتاه لنفسي راعها ودها
مسودة الصحف في مبيضة اللمم
32
ركضتها في مريع المعصيات وما
أخذت من حمية الطاعات للتخم
33
هامت على أثر اللذات تطلبها
والنفس إن يدعها داعي الصبا تهم
34
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه
فقوم النفس بالأخلاق تستقم
والنفس من خيرها في خير عافية
والنفس من شرها في مرتع وخم
35
تطغى إذا مكنت من لذة وهوى
طغي الجياد إذا عضت على الشكم
36
إن جل ذنبي عن الغفران لي أمل
في الله يجعلني في خير معتصم
37
ألقي رجائي إذا عز المجير على
مفرج الكرب في الدارين والغمم
38
إذا خفضت جناح الذل أسأله
عز الشفاعة لم أسأل سوى أمم
39
وإن تقدم ذو تقوى بصالحة
قدمت بين يديه عبرة الندم
40
لزمت باب أمير الأنبياء ومن
يمسك بمفتاح باب الله يغتنم
41
فكل فضل وإحسان وعارفة
ما بين مستلم منه وملتزم
42
علقت من مدحه حبلا أعز به
في يوم لا عز بالأنساب واللحم
43
يزري قريضي زهيرا حين أمدحه
ولا يقاس إلى جودي لدى هرم
44
محمد صفوة الباري ورحمته
وبغية الله من خلق ومن نسم
45
وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة
متى الورود وجبريل الأمين ظمي
46
سناؤه وسناه الشمس طالعة
فالجرم في فلك والضوء في علم
47
قد أخطأ النجم ما نالت أبوته
من سؤدد باذخ في مظهر سنم
48
نموا إليه فزادوا في الورى شرفا
ورب أصل لفرع في الفخار نمي
49
حواه في سبحات الطهر قبلهم
نوران قاما مقام الصلب والرحم
50
لما رآه بحيرا قال نعرفه
بما حفظنا من الأسماء والسيم
51
سائل حراء وروح القدس هل علما
مصون سر عن الإدراك منكتم
52
كم جيئة وذهاب شرفت بهما
بطحاء مكة في الإصباح والغسم
53
ووحشة لابن عبد الله بينهما
أشهى من الأنس بالأحباب والحشم
54
يسامر الوحي فيها قبل مهبطه
ومن يبشر بسيمى الخير يتسم
55
لما دعا الصحب يستسقون من ظمأ
فاضت يداه من التسنيم بالسنم
56
وظللته فصارت تستظل به
غمامة جذبتها خيرة الديم
57
محبة لرسول الله أشربها
قعائد الدير والرهبان في القمم
58
إن الشمائل إن رقت يكاد بها
يغرى الجماد ويغرى كل ذي نسم
ونودي اقرأ تعالى الله قائلها
لم تتصل قبل من قيلت له بفم
هناك أذن للرحمن فامتلأت
أسماع مكة من قدسية النغم
59
فلا تسل عن قريش كيف حيرتها
وكيف نفرتها في السهل والعلم
60
تساءلوا عن عظيم قد ألم بهم
رمى المشايخ والولدان باللمم
61
يا جاهلين على الهادي ودعوته
هل تجهلون مكان الصادق العلم
62
لقبتموه أمين القوم في صغر
وما الأمين على قول بمتهم
فاق البدور وفاق الأنبياء فكم
بالخلق والخلق من حسن ومن عظم
جاء النبيون بالآيات فانصرمت
وجئتنا بحكيم غير منصرم
63
آياته كلما طال المدى جدد
يزينهن جلال العتق والقدم
64
يكاد في لفظة منه مشرفة
يوصيك بالحق والتقوى وبالرحم
يا أفصح الناطقين الضاد قاطبة
حديثك الشهد عند الذائق الفهم
حليت من عطل جيد البيان به
في كل منتثر في حسن منتظم
65
بكل قول كريم أنت قائله
تحيي القلوب وتحيي ميت الهمم
سرت بشائر بالهادي ومولده
في الشرق والغرب مسرى النور في الظلم
تخطفت مهج الطاغين من عرب
وطيرت أنفس الباغين من عجم
66
ريعت لها شرف الإيوان فانصدعت
من صدمة الحق لا من صدمة القدم
67
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم
إلا على صنم قد هام في صنم
والأرض مملوءة جورا مسخرة
لكل طاغية في الخلق محتكم
مسيطر الفرس يبغي في رعيته
وقيصر الروم من كبر أصم عم
يعذبان عباد الله في شبه
ويذبحان كما ضحيت بالغنم
والخلق يفتك أقواهم بأضعفهم
كالليث بالبهم أو كالحوت بالبلم
68
أسرى بك الله ليلا إذ ملائكه
والرسل في المسجد الأقصى على قدم
69
لما خطرت به التفوا بسيدهم
كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر
ومن يفز بحبيب الله يأتمم
70
جبت السموات أو ما فوقهن بهم
على منورة درية اللجم
71
ركوبة لك من عز ومن شرف
لا في الجياد ولا في الأينق الرسم
72
مشيئة الخالق الباري وصنعته
وقدرة الله فوق الشك والتهم
حتى بلغت سماء لا يطار لها
على جناح ولا يسعى على قدم
وقيل كل نبي عند رتبته
ويا محمد هذا العرش فاستلم
خططت للدين والدنيا علومهما
يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم
73
أحطت بينهما بالسر وانكشفت
لك الخزائن من علم ومن حكم
74
وضاعف القرب ما قلدت من منن
بلا عداد وما طوقت من نعم
75
سل عصبة الشرك حول الغار سائمة
لولا مطاردة المختار لم تسم
76
هل أبصروا الأثر الوضاء أم سمعوا
همس التسابيح والقرآن من أمم
77
وهل تمثل نسج العنكبوت لهم
كالغاب والحائمات الزغب كالرخم
78
فأدبروا ووجوه الأرض تلعنهم
كباطل من جلال الحق منهزم
79
لولا يد الله بالجارين ما سلما
وعينه حول ركن الدين لم يقم
80
تواريا بجناح الله واستترا
ومن يضم جناح الله لا يضم
81
يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي
وكيف لا يتسامى بالرسول سمي
82
المادحون وأرباب الهوى تبع
لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم
83
مديحه فيك حب خالص وهوى
وصادق الحب يملي صادق الكلم
84
الله يشهد أني لا أعارضه
من ذا يعارض صوب العارض العرم
85
وإنما أنا بعض الغابطين ومن
يغبط وليك لا يذمم ولا يلم
86
هذا مقام من الرحمن مقتبس
ترمي مهابته سحبان بالبكم
87
البدر دونك في حسن وفي شرف
والبحر دونك في خير وفي كرم
شم الجبال إذا طاولتها انخفضت
والأنجم الزهر ما واسمتها تسم
88
والليث دونك بأسا عند وثبته
إذا مشيت إلى شاكي السلاح كمي
89
تهفو إليك وإن أدميت حبتها
في الحرب أفئدة الأبطال والبهم
90
محبة الله ألقاها وهيبته
على ابن آمنة في كل مصطدم
91
كأن وجهك تحت النقع بدر دجى
يضيء ملتثما أو غير ملتثم
92
بدر تطلع في بدر فغرته
كغرة النصر تجلو داجي الظلم
93
ذكرت باليتم في القرآن تكرمة
وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم
94
الله قسم بين الناس رزقهم
وأنت خيرت في الأرزاق والقسم
95
إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم
فخيرة الله في لا منك أو نعم
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له
وأنت أحييت أجيالا من الرمم
والجهل موت فإن أوتيت معجزة
فابعث من الجهل أو فابعث من الرجم
96
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا
لقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة
فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
لما أتى لك عفوا كل ذي حسب
تكفل السيف بالجهال والعمم
97
والشر إن تلقه بالخير ضقت به
ذرعا وإن تلقه بالشر ينحسم
سل المسيحية الغراء كم شربت
بالصاب من شهوات الظالم الغلم
98
طريدة الشرك يؤذيها ويوسعها
في كل حين قتالا ساطع الحدم
99
لولا حماة لها هبوا لنصرتها
بالسيف ما انتفعت بالرفق والرحم
100
لولا مكان لعيسى عند مرسله
وحرمة وجبت للروح في القدم
101
لسمر البدن الطهر الشريف على
لوحين لم يخش مؤذيه ولم يجم
102
جل المسيح وذاق الصلب شانئه
إن العقاب بقدر الذنب والجرم
103
أخو النبي وروح الله في نزل
فوق السماء ودون العرش محترم
104
علمتهم كل شيء يجهلون به
حتى القتال وما فيه من الذمم
105
دعوتهم لجهاد فيه سؤددهم
والحرب أس نظام الكون والأمم
لولاه لم نر للدولات في زمن
ما طال من عمد أو قر من دعم
106
تلك الشواهد تترى كل آونة
في الأعصر الغر لا في الأعصر الدهم
107
بالأمس مالت عروش واعتلت سرر
لولا القذائف لم تثلم ولم تصم
108
أشياع عيسى أعدوا كل قاصمة
ولم نعد سوى حالات منقصم
109
مهما دعيت إلى الهيجاء قمت لها
ترمي بأسد ويرمي الله بالرجم
110
على لوائك منهم كل منتقم
لله مستقتل في الله معتزم
111
مسبح للقاء الله مضطرم
شوقا على سابح كالبرق مضطرم
112
لو صادف الدهر يبغي نقلة فرمى
بعزمه في رحال الدهر لم يرم
113
بيض مفاليل من فعل الحروب بهم
من أسيف الله لا الهندية الخذم
114
كم في التراب إذا فتشت عن رجل
من مات بالعهد أو من مات بالقسم
115
لولا مواهب في بعض الأنام لما
تفاوت الناس في الأقدار والقيم
116
شريعة لك فجرت العقول بها
عن زاخر بصنوف العلم ملتطم
يلوح حول سنا التوحيد جوهرها
كالحلي للسيف أو كالوشي للعلم
117
غراء حامت عليها أنفس ونهى
ومن يجد سلسلا من حكمة يحم
118
نور السبيل يساس العالمون بها
تكفلت بشباب الدهر والهرم
119
يجري الزمان وأحكام الزمان على
حكم لها نافذ في الخلق مرتسم
لما اعتلت دولة الإسلام واتسعت
مشت ممالكه في نورها التمم
120
وعلمت أمة بالقفر نازلة
رعي القياصر بعد الشاء والنعم
كم شيد المصلحون العاملون بها
في الشرق والغرب ملكا باذخ العظم
للعلم والعدل والتمدين ما عزموا
من الأمور وما شدوا من الحزم
121
سرعان ما فتحوا الدنيا لملتهم
وأنهلوا الناس من سلسالها الشبم
122
ساروا عليها هداة الناس فهي بهم
إلى الفلاح طريق واضح العظم
123
لا يهدم الدهر ركنا شاد عدلهم
وحائط البغي إن تلمسه ينهدم
نالوا السعادة في الدارين واجتمعوا
على عميم من الرضوان مقتسم
دع عنك روما وآثينا وما حوتا
كل اليواقيت في بغداد والتوم
124
وخل كسرى وإيوانا يدل به
هوى على أثر النيران والأيم
125
واترك رعمسيس إن الملك مظهره
في نهضة العدل لا في نهضة الهرم
126
دار الشرائع روما كلما ذكرت
دار السلام لها ألقت يد السلم
127
ما ضارعتها بيانا عند ملتأم
ولا حكتها قضاء عند مختصم
128
ولا احتوت في طراز من قياصرها
على رشيد ومأمون ومعتصم
129
من الذين إذا سارت كتائبهم
تصرفوا بحدود الأرض والتخم
130
ويجلسون إلى علم ومعرفة
فلا يدانون في عقل ولا فهم
يطأطئ العلماء الهام إن نبسوا
من هيبة العلم لا من هيبة الحكم
ويمطرون فما بالأرض من محل
ولا بمن بات فوق الأرض من عدم
131
خلائف الله جلوا عن موازنة
فلا تقيسن أملاك الورى بهم
132
من في البرية كالفاروق معدلة
وكابن عبد العزيز الخاشع الحشم
133
وكالإمام إذا ما فض مزدحما
بمدمع في مآقي القوم مزدحم
134
الزاخر العذب في علم وفي أدب
والناصر الندب في حرب وفي سلم
135
أو كابن عفان والقرآن في يده
يحنو عليه كما تحنو على الفطم
136
ويجمع الآي ترتيبا وينظمها
عقدا بجيد الليالي غير منفصم
جرحان في كبد الإسلام ما التأما
جرح الشهيد وجرح بالكتاب دمي
137
وما بلاء أبي بكر بمتهم
بعد الجلائل في الأفعال والخدم
بالحزم والعزم حاط الدين في محن
أضلت الحلم من كهل ومحتلم
138
وحدن بالراشد الفاروق عن رشد
في الموت وهو يقين غير منبهم
139
يجادل القوم مستلا مهنده
في أعظم الرسل قدرا كيف لم يدم
140
لا تعذلوه إذا طاف الذهول به
مات الحبيب فضل الصب عن رغم •••
يا رب صل وسلم ما أردت على
نزيل عرشك خير الرسل كلهم
محيي الليالي صلاة لا يقطعها
إلا بدمع من الإشفاق منسجم
مسبحا لك جنح الليل محتملا
ضرا من السهد أو ضرا من الورم
رضية نفسه لا تشتكي سأما
وما مع الحب إن أخلصت من سأم
وصل ربي على آل له نخب
جعلت فيهم لواء البيت والحرم
141
بيض الوجوه ووجه الدهر ذو حلك
شم الأنوف وأنف الحادثات حمي
142
وأهد خير صلاة منك أربعة
في الصحب صحبتهم مرعية الحرم
الراكبين إذا نادى النبي بهم
ما هال من جلل واشتد من عمم
143
الصابرين ونفس الأرض واجفة
الضاحكين إلى الأخطار والقحم
144
يا رب هبت شعوب من منيتها
واستيقظت أمم من رقدة العدم
سعد ونحس وملك أنت مالكه
تديل من نعم فيه ومن نقم
رأى قضاؤك فينا رأي حكمته
أكرم بوجهك من قاض ومنتقم
فالطف لأجل رسول العالمين بنا
ولا تزد قومه خسفا ولا تسم
يا رب أحسنت بدء المسلمين به
فتمم الفضل وامنح حسن مختتم
145
خاتمة رياض1
كبير السابقين من الكرام
برغمي أن أنالك بالملام
2
مقامك فوق ما زعموا ولكن
رأيت الحق فوقك والمقام
3
لقد وجدوك مفتونا فقالوا
خرجت من الوقار والاحتشام
4
وقال البعض كيدك غير خاف
وقالوا رمية من غير رام
5
وقيل شططت في الكفران حتى
أردت المنعمين بالانتقام
6
غمرت القوم إطراء وحمدا
وهم غمروك بالنعم الجسام
7
رأوا بالأمس أنفك في الثريا
فكيف اليوم أصبح في الرغام
8
أما والله ما علموك إلا
صغيرا في ولائك والخصام
إذا ما لم تكن للقول أهلا
فما لك في المواقف والكلام
خطبت فكنت خطبا لا خطيبا
أضيف إلى مصائبنا العظام
لهجت بالاحتلال وما أتاه
وجرحك منه لو أحسست دامي
9
وما أغناه عمن قال فيه
وما أغناك عن هذا الترامي
10
أحبتك البلاد طويل دهر
وذا ثمن الولاء والاحترام
حقرت لها زماما كنت فيه
لعوبا بالحكومة والذمام
11
محاسنه غراسك والمساوي
لك الثمران من حمد وذام
12
فهلا قلت للشبان قولا
يليق بحافل الماضي الهمام
يبث تجارب الأيام فيهم
ويدعو الرابضين إلى القيام
13
خطبت على الشبيبة غير دار
بأنك من مشيبك في منام
ولولا أن للأوطان حبا
يصم عن الوشاية كالغرام
جنيت على قلوب الجمع يأسا
كأنك بينهم داعي الحمام
14
أراعك مقتل من مصر باق
فقمت تزيد سهما في السهام
15
وهل تركت لك السبعون عقلا
لعرفان الحلال من الحرام
ألا أنبيك عن زمن تولى
فتذكره ودمعك في انسجام
16
سل «الحلمية» الفيحاء عنه
وسل دارا على «نور الظلام»
17
وسل من كان حولك عبد جاه
يريك الحب أو باغي حطام
18
رأوا إرثا سيذهب بعد حين
فكانوا عصبة في الاقتسام
ونالوا السمع من أذن كريم
فنالوا منه أنواع المرام
19
هم حزب وسائر مصر حزب
وأنت أصم عن داعي الوئام
20
وكيف ينال عون الله قوم
سراتهم عوامل الانقسام
21
إذا الأحلام في قوم تولت
أتى الكبراء أفعال الطغام
22
فيا تلك الليالي لا تعودي
ويا زمن النفاق بلا سلام
23
أحبك مصر من أعماق قلبي
وحبك في صميم القلب نامي
24
سيجمعني بك التاريخ يوما
إذا ظهر الكرام على اللئام
25
لأجلك رحت بالدنيا شقيا
أصد الوجه والدنيا أمامي
وأنظر جنة جمعت ذئابا
فيصرفني الإباء عن الزحام
26
وهبتك غير هياب يراعا
أشد على العدو من الحسام
27
سيكتب عنك فوق ثرى رياض
وفي التاريخ صفحة الاتهام
أفي السبعين والدنيا تولت
ولا يرجى سوى حسن الختام
تكون وأنت أنت رياض مصر
عرابي اليوم في نظر الأنام
ضجيج الحجيج1
ضج الحجاز وضج البيت والحرم
واستصرخت ربها في مكة الأمم
2
قد مسها في حماك الضر فاقض لها
خليفة الله أنت السيد الحكم
لك الربوع التي ريع الحجيج بها
أللشريف عليها أم لك العلم؟
3
أهين فيها ضيوف الله واضطهدوا
إن أنت لم تنتقم فالله منتقم
أفي الضحى وعيون الجند ناظرة
تسبى النساء ويؤذى الأهل والحشم
ويسفك الدم في أرض مقدسة
وتستباح بها الأعراض والحرم
4
يد الشريف على أيدي الولاة علت
ونعله دون ركن البيت تستلم
5 «نيرون» إن قيس في باب الطغاة به
مبالغ فيه و«الحجاج» متهم
6
أدبه أدب، أمير المؤمنين، فما
في العفو عن فاسق فضل ولا كرم
لا ترج فيه وقارا للرسول فما
بين البغاة وبين المصطفى رحم
7
ابن الرسول فتى فيه شمائله
وفيه نخوته والعهد والشمم
8
ما كان طه لرهط الفاسقين أبا
آل النبي بأعلام الهدى ختموا
9
خليفة الله شكوى المسلمين رقت
لسدة الله هل ترقى لك «الكلم»
10
الحج ركن من الإسلام نكبره
واليوم يوشك هذا الركن ينهدم
11
من الشريف ومن أعوانه فعلت
نعمى الزيادة ما لا تفعل النقم
عز السبيل إلى طه وتربته
فمن أراد سبيلا فالطريق دم
12
محمد روعت في القبر أعظمه
وبات مستأمنا في قومه الصنم
13
وخان «عون الرفيق» العهد في بلد
منه العهود أتت للناس والذمم
14
قد سال بالدم من ذبح ومن بشر
واحمر فيه الحمى والأشهر الحرم
15
وفزعت في الخدور الساعيات له
الداعيات وقرب الله مغتنم
16
آبت ثكالى أيامى بعدما أخذت
من حولهن النوى والأينق الرسم
17
حرمن أنوار خير الخلق من كثب
فدمعهن من الحرمان منسجم
18
أي الصغائر في الإسلام فاشية
تودى بأيسرها الدولات والأمم
19
يجيش صدري ولا يجري بها قلمي
ولو جرى لبكى واستضحك القلم
20
أغضيت ضنا بعرضي أن ألم به
وقد يروق العمى للحر والصمم
21
موه على الناس أو غالطهم عبثا
فليس تكتمهم ما ليس ينكتم
22
من الزيادة في البلوى وإن عظمت
أن يعلم الشامتون اليوم ما علموا
كل الجراح بآلام فما لمست
يد العدو فثم الجرح والألم
والموت أهون منها وهي دامية
إذا أساها لسان للعدا وفم •••
رب الجزيرة أدركها فقد عبثت
بها الذئاب وضل الراعي الغنم
23
إن الذين تولوا أمرها ظلموا
والظلم تصحبه الأهوال والظلم
24
في كل يوم قتال تقشعر له
وفتنة في ربوع الله تضطرم
25
أزرى الشريف وأحزاب الشريف بها
وقسموها كإرث الميت وانقسموا
26
لا تجزهم عنك حلما واجزهم عنتا
في الحلم ما يسم الأفعال أو يصم
27
كفى الجزيرة ما جروا لها سفها
وما يحاول من أطرافها العجم
28
تلك الثغور عليها وهي زينتها
مناهل عذبت للقوم فازدحموا
29
في كل لج حواليها لهم سفن
وفوق كل مكان يابس قدم
30
والاهم أمراء السوء واتفقوا
مع العداة عليها فالعداة هم
فجرد السيف في وقت يفيد به
فإن للسيف يوما ثم ينصرم
31
استقبال
يا راكب الريح حي النيل والهرما
وعظم السفح من سيناء والحرما
1
وقف على أثر مر الزمان به
فكان أثبت من أطواده قمما
2
واخفض جناحك في الأرض التي حملت
موسى رضيعا وعيسى الطهر منفطما
وأخرجت حكمة الأجيال خالدة
وبينت للعباد السيف والقلما
3
وشرفت بملوك طالما اتخذوا
مطيهم من ملوك الأرض والخدما
4
هذا فضاء تلم الريح خاشعة
به ويمشي عليه الدهر محتشما
5
فمرحبا بكما من طالعين به
على سوى الطائر الميمون ما قدما
6 •••
عاد الزمان فأعطى بعدما حرما
وتاب في أذن المحزون فابتسما
فيا رعى الله وفدا بين أعيننا
ويرحم الله ذاك الوفد ما رحما
7
هم أقسموا لتدينن السماء لهم
واليوم قد صدقوا في قبرهم قسما
8
والناس باني بناء أو متممه
وثالث يتلافى منه ما انهدما
تعاون لا يحل الموت عروته
ولا يرى بيد الأرزاء منفصما
9 •••
يا صاحبي «أدرميد» حسبها شرفا
أن الرياح إليها ألقت اللجما
10
وأنها جاوزت في القدس منطقة
جرى البساط فلم يجتز لها حرما
11
مشت على أفق مر البراق به
فقبلت أثرا للخف مرتسما
12
ومسحت بالمصلى فاكتست شرفا
وبالمغار المعلى فاكتست عظما
13
وكلما شاقها حاد على أفق
كانت مزامير داوود هي النغما
14
جشمتماها من الأهوال أربعة
الرعد والبرق والإعصار والظلما
15
حتى حوتها سماء النيل فانحدرت
كالنسر أعيا فوافى الوكر فاعتصما
16 •••
يا آل عثمان أبناء العمومة هل
تشكون جرحا ولا نشكو له ألما
17
إذا حزنتم حزنا في القلوب لكم
كالأم تحمل من هم ابنها سقما
وكم نظرنا بكم نعمى فجسمها
لنا السرور فكانت عندنا نعما
18
ونبذل المال لم نحمل عليه كما
يقضي الكريم حقوق الأهل والذمما
19
صبرا على الدهر إن جلت مصائبه
إن المصائب مما يوقظ الأمما
إذا المقاتل من أخلاقهم سلمت
فكل شيء على آثارها سلما
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن تولت مضوا في إثرها قدما
20
نمتم على كل ثار لا قرار له
وهل ينام مصيب في الشعوب دما
فنال من سيفكم من كان ساقيه
كما تنال المدام الباسل القدما
21
قال العذول خرجنا في محبتكم
من الوقار فيا صدق الذي زعما
فما على المرء في الأخلاق من حرج
إذا رعى صلة في الله أو رحما
ولو وهبتم لنا عليا سيادتكم
ما زادنا الفضل في إخلاصنا قدما
نحنو عليكم ولا ننسى لنا وطنا
ولا سريرا ولا تاجا ولا علما
هذي كرائم أشياء الشعوب فإن
ماتت فكل وجود يشبه العدما
أرسططاليس وترجمانه1
علمت بالقلم الحكيم
وهديت بالنجم الكريم
وأتيت من محرابه
بأرسططاليس العظيم
ملك العقول وإنها
لنهاية الملك الجسيم
شيخ ابن رشد وابن سي
نا وابن برقين الحكيم
2
من كان في هدي المسي
ح وكان في رشد الكليم
وغدا وراح موحدا
قبل البنية والحطيم
3
صوت الحقيقة بين رع
د الجاهلية والهزيم
4
ما بين عادية السوا
م وبين طغيان المسيم
5
يبني الشرائع للعصو
ر بناء جبار رحيم
ويفصل الأخلاق لل
أجيال تفصيل اليتيم
6
في واضح لحب الطري
ق من المذاهب مستقيم
7
ورسائل مثل السلا
ف إذا تمشت في النديم
قدسية النفحات تس
كر بالمذاق وبالشميم •••
يا لطف أنت هو الصدى
من ذلك الصوت الرخيم
أرج الرياض نقلته
ونسخته نسخ النسيم
وسريت من شعب الألم
ب به إلى وادي الصريم
8
فتجارت اللغتان لل
غايات في الحسب الصميم
لغة من الإغريق قي
مة وأخرى من تميم
وأتيتنا بمفصل
بالتبر علوي الرقيم
هو ضنة المثري من ال
أخلاق أو مال العديم
9 •••
مشاء هذا العصر قف
حدث عن العصر القديم
10
مثل لنا اليونان بي
ن العلم والخلق القويم
أخلاقها نور السبي
ل وعلمها نور الأديم
وشبابها يتعلمو
ن على الفراقد والنجوم
لمسوا الحقيقة في الفنو
ن وأدركوها في العلوم
حلت مكانا عندهم
فوق المعلم والزعيم
11
والجهل حظك إن أخذ
ت العلم من غير العليم
ولرب تعليم سرى
بالنشء كالمرض المنيم
12
يتلبس الحلم اللذي
ذ عليه بالحلم الأليم
ومدارس لا تنهض ال
أخلاق دارسة الرسوم
يمشي الفساد بنبتها
مشي الشرارة بالهشيم •••
لما رأيت سواد قو
مي في دجى ليل بهيم
يسقون من أمية
هي غصة الوطن الكظيم
وسراتهم في مقعد
من مطلب الدنيا مقيم
يسعون للجاه العظي
م وليس للحق الهضيم
وبصرت بالدستور يز
هق وهو في عمر الفطيم
لم ينج من كيد العدو
له ومن عبث الحميم
أيقنت أن الجهل عل
ة كل مجتمع سقيم
وأتيت يا رب النثي
ر بما تحب من النظيم
أجز اجتهادك في جنى الث
مرات للنشأ النهيم
13
من روضة العلم الصحي
ح وربوة الأدب السليم
العاشقين العلم لا
يألونه طلب الغريم
المعرضين عن الصغا
ئر والسعاية والنميم •••
قسما بمذهبك الجمي
ل ووجه صحبتك القسيم
وقديم عهد لا ضئي
ل في الوداد ولا ذميم
ما كنت يوما للكنا
نة بالعدو ولا الخصيم
لما تلاحى الناس لم
تنزل إلى المرعى الوخيم
14
كم شاتم قابلته
بترفع الأسد الشتيم
15
وشغلت نفسك بالخصي
ب من الجهود عن العقيم
فخدمت بالعلم البلا
د ولم تزل أوفى خديم
16
والعلم بناء المآ
ثر والممالك من قديم
كسروا به نير الهوا
ن وحطموا ذل الشكيم
شهيد الحق1
إلام الخلف بينكم إلاما
وهذي الضجة الكبرى علاما
وفيم يكيد بعضكم لبعض
وتبدون العداوة والخصاما
وأين الفوز لا مصر استقرت
على حال ولا السودان داما
وأين ذهبتم بالحق لما
ركبتم في قضيته الظلاما
لقد صارت لكم حكما وغنما
وكان شعارها الموت الزؤاما
وثقتم واتهمتم في الليالي
فلا ثقة أدمن ولا اتهاما
شببتم بينكم في القطر نارا
على محتله كانت سلاما
إذا ما راضها بالعقل قوم
أجد لها هوى قوم ضراما
تراميتم فقال الناس قوم
إلى الخذلان أمرهم ترامى
وكانت مصر أول من أصبتم
فلم تحص الجراح ولا الكلاما
2
إذا كان الرماة رماة سوء
أحلوا غير مرماها السهاما
أبعد العروة الوثقى وصف
كأنياب الغضنفر لن يراما
تباغيتم كأنكم خلايا
من السرطان لا تجد الضماما
3
أرى طيارهم أوفى علينا
وحلق فوق أرؤسنا وحاما
وأنظر جيشهم من نصف قرن
على أبصارنا ضرب الخياما
فلا أمناؤنا نقصوه رمحا
ولا خواننا زادوا حساما
ونلفي الجو صاعقة ورعدا
إذا قصر الدبارة فيه غاما
إذا انفجرت علينا الخيل منه
ركبنا الصمت أو قدنا الكلاما
4
فأبنا بالتخاذل والتلاحي
وآب بما ابتغى منا وراما
5 •••
ملكنا مارن الدنيا بوقت
فلم نحسن على الدنيا القياما
6
طلعنا وهي مقبلة أسودا
ورحنا وهي مدبرة نعاما
ولينا الأمر حزبا بعد حزب
فلم نك مصلحين ولا كراما
جعلنا الحكم تولية وعزلا
ولم نعد الجزاء والانتقاما
وسسنا الأمر حين خلا إلينا
بأهواء النفوس فما استقاما
إذا التصريح كان براح كفر
فلم جن الرجال به غراما
7
وكيف يكون في أيد حلالا
وفي أخرى من الأيدي حراما
وما أدري غداة سقيتموه
أترياقا سقيتم أم سماما
8 •••
شهيد الحق قم تره يتيما
بأرض ضيعت فيها اليتامى
أقام على الشفاه بها غريبا
ومر على القلوب فما أقاما
9
سقمت فلم تبت نفس بخير
كأن بمهجة الوطن السقاما
ولم أر مثل نعشك إذ تهادى
فغطى الأرض وانتظم الأناما
10
تحمل همة وأقل دينا
وضم مروءة وحوى زماما
11
وما أنساك في العشرين لما
طلعت حيالها قمرا تماما
يشار إليك في النادي وترمى
بعيني من أحب ومن تعامى
إذا جئت المنابر كنت قسا
إذا هو في عكاظ علا السناما
12
وأنت ألذ للحق اهتزازا
وألطف حين تنطقه ابتساما
وتحمل من أديم الحق وجها
صراحا ليس يتخذ اللثاما
13
أتذكر قبل هذا الجيل جيلا
سهرنا عن معلمهم وناما
14
مهار الحق بغضنا إليهم
شكيم القيصرية واللجاما
15
لواؤك كان يسقيهم بجام
وكان الشعر بين يدي جاما
16
من الوطنية استبقوا رحيقا
فضضنا عن معتقها الختاما
17
غرسنا كرمها فزكا أصولا
بكل قرارة وزكا مداما
18
جمعتهم على نبرات صوت
كنفخ الصور حركت الرجاما
19
لك الخطب التي غص الأعادي
بسورتها وساغت للندامى
20
فكانت في مرارتها زئيرا
وكانت في حلاوتها بغاما
21
بك الوطنية اعتدلت وكانت
حديثا من خرافة أو مناما
22
بنيت قضية الأوطان منها
وصيرت الجلاء لها دعاما
23
هززت بني الزمان به صبيا
ورعت به بني الدنيا غلاما
تحية للترك
الدهر يقظان والأحداث لم تنم
فما رقادكم يا أشرف الأمم
لعلكم من مراس الحرب في نصب
وهذه ضجعة الآساد في الأجم
1
لقد فتحتم فأعرضتم على شبع
والفتح يعترض الدولات بالتخم
2
هبوا بكم وبنا للمجد في زمن
من لم يكن فيه ذئبا كان في الغنم
هذا الزمان تناديكم حوادثه
يا دولة السيف كوني دولة القلم
فالسيف يهدم فجرا ما بني سحرا
وكل بنيان علم غير منهدم
3
قد مات في السلم من لا رأي يعصمه
وسوت الحرب بين البهم والبهم
4
وأصبح العلم ركن الآخذين به
من لا يقم ركنه العرفان لم يقم
الناس تسحب فضفاض الغنى مرحا
ونحن نلبس عنه ضيقة العدم
5
يا فتية الترك حيا الله طلعتكم
وصانكم وهداكم صادق الخدم
6
أنتم غد الملك والإسلام لا برحا
منكم بخير غد في المجد مبتسم
7
تحلكم مصر منها في ضمائرها
وتعلن الحب جما غير متهم
8
فنحن إن بعدت دار وإن قربت
جاران في الضاد أو في البيت والحرم
9
ناهيك بالسبب الشرقي من نسب
وحبذا سبب الإسلام من رحم
10
شمل اللغات لدى الأقوام ملتئم
والضاد فينا بشمل غير ملتئم
11
فقربوا بيننا فيها وبينكم
فإنها أوثق الأسباب والذمم
وكلنا إن أخذنا بالفلاح يد
وسعينا قدم فيه إلى قدم
فلا تكونن «تركيا الفتاة» ولا
تلك العجوز وكونوا تركيا القدم
فسيفها سيفها في كل معترك
وعدلها طوق الإسلام بالنعم
الأسطول العثماني1
هز اللواء بعزك الإسلام
وعنت لقائم سيفك الأيام
2
وانقادت الدنيا إليك فحسبها
عذرا قياد أسلست وزمام
3
ومشى الزمان إلى سريرك تائبا
خجلا عليه الذل والإرغام
عرش النبي محمد جنباته
نور ورفرفه الطهور غمام
4
لما جلست سما وعز كأنما
هارون وابناه عليه قيام
5
البحر محشود البوارج دونه
والبر تحت ظلاله آجام
6
نعم الرعية في ذراك، ونضرت
أيامهم في ظلك الأحكام
7
في كل ناحية وكل قبيلة
عدل وأمن مورف ووئام
8
حمل «الصليب» إليك من فتيانه
جندا وقاتل دونك «الحاخام»
9
والدين ليس برافع ملكا إذا
لم يبد للدنيا عليه نظام
بالله قد دان الجميع وشأنهم
بالله ثم بعرشك استعصام
10 •••
يا ابن الذين إذا الحروب تتابعت
صلوا على حد السيوف وصاموا
11
المظهرين لنور «بدر» بعدما
خيف المحاق عليه والإظلام
12
عشرون خاقانا نموك وعشرة
غر الفتوح خلائف أعلام
13
نسب إذا ذكر الملوك فإنه
لرفيع أنساب الملوك سنام
14
لا تحفلن من الجراح بقية
إن البقية في غد تلتام
15
جرت النحوس لغاية فتبدلت
ولكل شيء غاية وتمام
تعبت بأمتك الخطوب فأقصرت
والدهر يقصر والخطوب تنام
16
لبثت تنوشهم الحوادث حقبة
وتصدها الأخلاق والأحلام
17
ولقد يداس الذئب في فلواته
ويهاب بين قيوده الضرغام
18
زدهم أمير المؤمنين من القوى
إن القوى عز لهم وقوام
الملك والدولات ما يبني القنا
والعلم لا ما ترفع الأحلام
19
والحق ليس، وإن علا، بمؤيد
حتى يحوط جانبيه حسام
20
خط النبي براحتيه خندقا
ومشى يحيط به قنا وسهام
21 •••
يا بربروس على ثراك تحية
وعلى سميك في البحار سلام
22
أعلمت ما أهدى إليك عصابة
غر المآثر من بنيك كرام
23
نشروا حديثك في البرية بعدما
همت بطي حديثك الأيام
خصوك من أسطولهم بدعامة
يبنى عليها ركنه ويقام
24
شماء في عرض الخضم كأنها
برج بذات الرجع ليس يرام
25
كانت كبعض البارجات فحفها
لما تحلت باسمك الإعظام
ما مات من نبل الرجال وفضلهم
يحيا لدى التاريخ وهو عظام
يمضي وينسى العالمون وإنما
تبقى السيوف وتخلد الأقلام
26
وتلاك «طرغود» كما قد كنتما
جنبا لجنب والعباب ضرام
27
أرسى على باب الإمام كأنه
للفلك من فرط الجلال إمام
28
جمعتكما الأيام بعد تفرق
ما للقاء وللفراق دوام
سيشد أزرك والشدائد جمة
ويعز نصرك والخطوب جسام
29
ما السفن في عدد الحصى بنوافع
حتى يهز لواءها مقدام
لما لمحتكما سكبت مدامعي
فرحا وطال تشوف وقيام
30
وسألت هل من «لؤلؤ» أو «طارق»
في البحر تخفق فوقه الأعلام
31 •••
يا معشر الإسلام في أسطولكم
عز لكم ووقاية وسلام
جودوا عليه بمالكم واقضوا له
ما توجب الأعلاق والأرحام
32
لا الهند قد كرمت ولا مصر سخت
والغرب قصر عن ندى والشام
سيل الممالك جارف من شدة
وقوى وأنتم في الطريق نيام
33
حب السيادة في شمائل دينكم
والجد روح منه والإقدام
34
والعلم من آياته الكبرى إذا
رجعت إلى آياته الأقوام
35
لو تقرئون صغاركم تاريخه
عرف البنون المجد كيف يرام
كم واثق بالنفس نهاض بها
ساد البرية فيه وهو عصام
36
الأندلس الجديدة
يا أخت أندلس عليك سلام
هوت الخلافة عنك والإسلام
1
نزل الهلال عن السماء فليتها
طويت وعم العالمين ظلام
أزرى به وأزاله عن أوجه
قدر يحط البدر وهو تمام
2
جرحان تمضي الأمتان عليهما
هذا يسيل وذاك لا يلتام
3
بكما أصيب المسلمون وفيكما
دفن اليراع وغيب الصمصام
4
لم يطو مأتمها وهذا مأتم
لبسوا السواد عليك فيه وقاموا
5
ما بين مصرعها ومصرعك انقضت
فيما نحب ونكره الأيام
خلت القرون كليلة وتصرمت
دول الفتوح كأنها أحلام
6
والدهر لا يألو الممالك منذرا
فإذا غفلن فما عليه ملام
7 •••
مقدونيا والمسلمون عشيرة
كيف الخئولة فيك والأعمام
8
أترينهم هانوا وكان بعزهم
وعلوهم يتخايل الإسلام
9
إذ أنت ناب الليث كل كتيبة
طلعت عليك فريسة وطعام
10
ما زالت الأيام حتى بدلت
وتغير الساقي وحال الجام
11
أرأيت كيف أديل من أسد الشرى
وشهدت كيف أبيحت الآجام
12
زعموك هما للخلافة ناصبا
وهل الممالك راحة ومنام
13
ويقول قوم كنت أشأم مورد
وأراك سائغة عليك زحام
ويراك داء الملك ناس جهالة
بالملك منهم علة وسقام
لو آثروا الإصلاح كنت لعرشهم
ركنا على هام النجوم يقام
14
وهم يقيد بعضهم بعضا به
وقيود هذا العالم الأوهام
صور العمى شتى وأقبحها إذا
نظرت بغير عيونهن الهام
ولقد يقام من السيوف وليس من
عثرات أخلاق الشعوب قيام •••
ومبشر بالصلح قلت لعله
خير عسى أن تصدق الأحلام
15
ترك الفريقان القتال وهذه
سلم أمر من القتال عقام
16
ينعى إلينا الملك ناع لم يطأ
أرضا ولا انتقلت به أقدام
17
برق جوائبه صواعق كلها
ومن البروق صواعق وغمام
18
إن كان شر زار غير مفارق
أو كان خير فالمزار لمام
19
بالأمس «أفريقا» تولت وانقضى
ملك على جيد الخضم جسام
20
نظم الهلال به ممالك أربعا
أصبحن ليس لعقدهن نظام
21
من فتح هاشم أو أمية لم يضع
آساسها تتر ولا أعجام
22
واليوم حكم الله في مقدونيا
لا نقض فيه لنا ولا إبرام
كانت من الغرب البقية فانقضت
فعلى بني عثمان فيه سلام •••
أخذ المدائن والقرى بخناقها
جيش من المتحالفين لهام
23
غطت به الأرض الفضاء وجوهها
وكست مناكبها به الآكام
24
تمشي المناكر بين أيدي خيله
أنى مشى والبغي والإجرام
25
ويحثه باسم الكتاب أقسة
نشطوا لما هو في الكتاب حرام
26
ومسيطرون على الممالك سخرت
لهم الشعوب كأنها أنعام
27
من كل جزار يروم الصدر في
نادي الملوك وجده غنام
28
سكينه ويمينه وحزامه
والصولجان جميعها آثام
29 ••• «عيسى» سبيلك رحمة ومحبة
في العالمين وعصمة وسلام
ما كنت سفاك الدماء ولا امرأ
هان الضعاف عليه والأيتام
30
يا حامل الآلام عن هذا الورى
كثرت عليه باسمك الآلام
31
أنت الذي جعل العباد جميعهم
رحما وباسمك تقطع الأرحام
أتت القيامة في ولاية يوسف
واليوم باسمك مرتين تقام
32
كم هاجه صيد الملوك وهاجهم
وتكافأ الفرسان والأعلام
33
البغي في دين الجميع دنية
والسلم عهد والقتال زمام
واليوم يهتف بالصليب عصائب
هم للإله وروحه ظلام
34
خلطوا صليبك والخناجر والمدى
كل أداة للأذى وحمام
35
أوما تراهم ذبحوا جيرانهم
بين البيوت كأنهم أغنام
كم مرضع في حجر نعمته غدا
وله على حد السيوف فطام
36
وصبية هتكت خميلة طهرها
وتناثرت عن نوره الأكمام
37
وأخي ثمانين استبيح وقاره
لم يغن عنه الضعف والأعوام
وجريح حرب ظامئ وأدوه لم
يعطفهم جرح دم وأوام
38
ومهاجرين تنكرت أوطانهم
ضلوا السبيل من الذهول وهاموا
39
السيف إن ركبوا الفرار سبيلهم
والنطع إن طلبوا القرار مقام
40
يتلفتون مودعين ديارهم
واللحظ ماء والديار ضرام
41 •••
يا أمة ب «فروق» فرق بينهم
قدر تطيش إذا أتى الأحلام
42
فيم التخاذل بينكم ووراءكم
أمم تضاع حقوقها وتضام
43
الله يشهد لم أكن متحزبا
في الرزء لا شيع ولا أحزام
44
وإذا دعوت إلى الوئام فشاعر
أقصى مناه محبة ووئام
45
من يضجر البلوى فغاية جهده
رجعى إلى الأقدار واستسلام
46
لا يأخذن على العواقب بعضكم
بعضا فقدما جارت الأحكام
تقضي على المرء الليالي أو له
فالحمد من سلطانها والذام
47
من عادة التاريخ ملء قضائه
عدل وملء كنانتيه سهام
48
ما ليس يدفعه المهند مصلتا
لا الكتب تدفعه ولا الأقلام
49
إن الألى فتحوا الفتوح جلائلا
دخلوا على الأسد الغياض وناموا
50
هذا جناه عليكم آباؤكم
صبرا وصفحا فالجناة كرام
51
رفعوا على السيف البناء فلم يدم
ما للبناء على السيوف دوام
أبقى الممالك ما المعارف أسه
والعدل فيه حائط ودعام
52
فإذا جرى رشدا ويمنا أمركم
فامشوا بنور العلم فهو زمام
ودعوا التفاخر بالتراث وإن غلا
فالمجد كسب والزمان عصام
إن الغرور إذا تملك أمة
كالزهر يخفي الموت وهو زؤام
53
لا يعدلن الملك في شهواتكم
عرض من الدنيا بدا وحطام
54
ومناصب في غير موضعها كما
حلت محل القدوة الأصنام
55
الملك مرتبة الشعوب فإن يفت
عز السيادة فالشعوب سوام
ومن البهائم مشبع ومدلل
ومن الحرير شكيمة ولجام
وقف الزمان بكم كموقف «طارق»
اليأس خلف والرجاء أمام
56
الصبر والإقدام فيه إذا هما
قتلا فأقتل منهما الإحجام
يحصي الدليل مدى مطالبه ولا
يحصي مدى المستقبل المقدام
هذي البقية لو حرصتم دولة
صال الرشيد بها وطال هشام
57
قسم الأئمة والخلائف قبلكم
في الأرض لم تعدل به الأقسام
58
سرت النبوة في طهور فضائه
ومشى عليه الوحي والإلهام
وتدفق النهران فيه وأزهرت
بغداد تحت ظلاله والشام
59
أثرت سواحله وطابت أرضه
فالدر لج والنضار رغام
60 •••
شرفا أدرنة هكذا يقف الحمى
للغاصبين وتثبت الأقدام
61
وترد بالدم بقعة أخذت به
ويموت دون عرينه الضرغام
62
والملك يؤخذ أو يرد ولم يزل
يرث الحسام على البلاد حسام
63
عرض الخلافة ذاد عنه مجاهد
في الله غاز في الرسول همام
64
تستعصم الأوطان خلف ظباته
وتعز حول قناته الأعلام
65 «عثمان» في برديه يمنع جيشه
و«ابن الوليد» على الحمى قوام
66
علم الزمان مكان «شكري» وانتهى
شكر الزمان إليه والإعظام
67 •••
صبرا أدرنة كل ملك زائل
يوما ويبقى المالك العلام
68
خفت الأذان فما عليك موحد
يسعى ولا الجمع الحسان تقام
69
وخبت مساجد كن نورا جامعا
تمشي إليه الأسد والآرام
70
يدرجن في حرم الصلاة قوانتا
بيض الإزار كأنهن حمام
71
وعفت قبور الفاتحين وفض عن
حفر الخلائف جندل ورجام
72
نبشت على قعساء عزتها كما
نبشت على استعلائها الأهرام
73
في ذمة التاريخ خمسة أشهر
طالت عليك فكل يوم عام
74
السيف عار والوباء مسلط
والسيل خوف والثلوج ركام
75
والجوع فتاك وفيه صحابة
لو لم يجوعوا في الجهاد لصاموا
ضنوا بعرضك أن يباع ويشترى
عرض الحرائر ليس فيه سوام
76
ضاق الحصار كأنما حلقاته
فلك ومقذوفاتها أجرام
77
ورمى العدا ورميتهم بجهنم
مما يصب الله لا الأقوام
بعت العدو بكل شبر مهجة
وكذا يباع الملك حين يرام
78
ما زال بينك في الحصار وبينه
شم الحصون ومثلهن عظام
79
حتى حواك مقابرا وحويته
جثثا فلا غبن ولا استذمام
80
ضيف أمير المؤمنين1
رضي المسلمون والإسلام
فرع عثمان دم فداك الدوام
2
كيف نحصي على علاك ثناء
لك منك الثناء والإكرام
هل كلام العباد في الشمس إلا
أنها الشمس ليس فيها كلام
ومكان الإمام أعلى ولكن
بأحاديثه يتيه الأنام
3
إيه «عبد الحميد» جل زمان
أنت فيه خليفة وإمام
4
ما رأت مثل ذا الذي تبتني الأق
وام مجدا ولن يرى الأقوام
دولة شاد ركنها ألف عام
ومئات تعيدها أعوام
5
وأساس من عهد عثمان يبنى
في ثمان ومثلهن يقام
حكمة حال كل هذا التجلي
دونها أن تنالها الأفهام
يسأل الناس عندها الناس هل في الن
اس ذو المقلة التي لا تنام
6
أم من الناس بعد من قوله وح
ي كريم وفعله إلهام
7
صدق الخلق أنت هذا وهذا
يا عظيما ما جازه إعظام
8
شرف باذخ وملك كبير
ويمين بسط وأمر جسام
9 «عمر» أنت بيد أنك ظل
للبرايا وعصمة وسلام
10
ما تتوجت بالخلافة حتى
توج البائسون والأيتام
وسرى الخصب والنماء ووافى ال
بشر والظل والجنى والغمام
11
وتلقى الهلال منك جبين
فيه حسن وبالعفاة غرام
12
فسلام عليهم وعليه
يوم حيتهم به الأيام
وبدا الملك ملك عثمان من عل
ياك في الذروة التي لا ترام
13
يهرع العرش والملوك إليه
وبنو العصر والولاة الفخام
14
هكذا الدهر حالة ثم ضد
ما لحال مع الزمان دوام
ولأنت الذي رعيته الأس
د ومسرى ظلالها الآجام
15
أمة الترك والعراق وأهلو
ه ولبنان والربا والخيام
عالم لم يكن لينظم لولا
أنك السلم وسطه والوئام
16
هذبته السيوف في الدهر واليو
م أتمت تهذيبه الأقلام
17
أيقولون سكرة لن تجلى
وقعود مع الهوى وقيام
18
ليذوقن للمهلهل صحوا
تشرف الكأس عنده والمدام
19
وضع الشرق في يديك يديه
وأتت من حماته الأقسام
20
بالولاء الذي تريد الأيادي
والولاء الذي يريد المقام
21
غير غاو أو خائن أو حسود
برئت من أولئك الأحلام
22
كيف تهدى لما تشيد عيون
في الثرى ملؤها حصى ورغام
23
مقل عانت الظلام طويلا
فعماها في أن يزول الظلام
24
قد تعيش النفوس في الضيم حتى
لترى الضيم أنها لا تضام
25
أيها النافرون عودوا إلينا
ولجوا الباب إنه الإسلام
26
غرض أنتم وفي الدهر سهم
يوم لا تدفع السهام السهام
27
نمتم ثم تطلبون المعالي
والمعالي على النيام حرام
28
شر عيش الرجال ما كان حلما
قد تسيغ المنية الأحلام
29
ويبيت الزمان أندلسيا
ثم يضحي وناسه أعجام
30 •••
عالي الباب هز بابك منا
فسعينا وفي النفوس مرام
31
وتجليت فاستلمنا كما للن
اس بالركن ذي الجلال استلام
32
نستميح الإمام نصرا لمصر
مثلما ينصر الحسام الحسام
33
فلمصر وأنت بالحب أدرى
بك يا حامي الحمى استعصام
34
يشهد الله للنفوس بهذا
وكفانا أن يشهد العلام
وإلى السيد الخليفة نشكو
جور دهر أحراره ظلام
35
وعدوها لنا وعودا كبارا
هل رأيت القرى علاها الجهام
36
فمللنا ولم يك الداء يحمي
أن تمل الأرواح والأجسام
37
يمنع القيد أن تقوم فهل تا
ج فبالتاج للبلاد قيام
فارفع الصوت إنها هي مصر
وارفع الصوت إنها الأهرام
وارع مصرا ولم تزل خير راع
فلها بالذي أرتك زمام
إن جهد الوفاء ما أنت آت
فليقم في وقائك الخدام
38
وليصولوا بمن له الدهر عبد
وله السعد تابع وغلام
39
فاللواء الذي تلقوا رفيع
والأمور التي تولوا عظام
من يرد حقه فللحق أنصا
ر كثير وفي الزمان كرام
لا تروقن نومة الحق للبا
غي فللحق هبة وانتقام
إن للوحش والعظام مناها
لمنايا أسبابهن العظام
40
رافع الضاد للسها هل قبول
فيباهي النجوم هذا النظام
41
قامت الضاد في فمي لك حبا
فهي فيه تحية وابتسام
إن في «يلدز» الهدى لخلالا
أنا صب بلطفها مستهام
42
قد تجلت لخير بدر أقلت
في كمال بدت له أعلام
43
فالزم التم أيها البدر دوما
والزم البدر أيهذا التمام
44
ذكرى دنشواي1
يا دنشواي على رباك سلام
ذهبت بأنس ربوعك الأيام
شهداء حكمك في البلاد تفرقوا
هيهات للشمل الشتيت نظام
مرت عليهم في اللحود أهلة
ومضى عليهم في القيود العام
كيف الأرامل فيك بعد رجالها
وبأي حال أصبح الأيتام
عشرون بيتا أقفرت وانتابها
بعد البشاشة وحشة وظلام
يا ليت شعري في البروج حمائم
أم في البروج منية وحمام «نيرون» لو أدركت عهد «كرومر»
لعرفت كيف تنفذ الأحكام •••
نوحي حمائم دنشواي وروعي
شعبا بوادي النيل ليس ينام
إن نامت الأحياء حالت بينه
سحرا وبين فراشه الأحلام
متوجع يتمثل اليوم الذي
ضجت لشدة هوله الأقدام
السوط يعمل والمشانق أربع
متوحدات والجنود قيام
والمستشار إلى الفظائع ناظر
تدمى جلود حوله وعظام
في كل ناحية وكل محلة
جزعا من الملأ الأسيف زحام
وعلى وجوه الثاكلين كآبة
وعلى وجوه الثاكلات رغام
الهلال الأحمر1
يا قوم عثمان والدنيا مداولة
تعاونوا بينكم يا قوم عثمانا
2
كونوا الجدار الذي يقوى الجدار به
فالله قد جعل الإسلام بنيانا
3
أمسى السبيل لغير المحسنين دما
فشأنكم وسبيلا نوره بانا
البر من شعب الإيمان أفضلها
لا يقبل الله دون البر إيمانا
4
هل ترحمون لعل الله يرحمكم
بالبيد أهلا وبالصحراء جيرانا
في ذمة الله أوفى ذمة نفر
على طرابلس يقضون شجعانا
5
إن سال جرحاهم من غربة ووغى
باتوا على الجمر أرواحا وأبدانا
6
هذا يحن إلى البسفور محتضرا
وذاك يبكي الغضا والشيح والبانا
7
يودعون على بعد ديارهم
وينشدون بنيات وصبيانا
8
أذنبهم عند هذا الدهر أنهم
يحمون أرضا لهم ديست وأوطانا
ماتوا وعرضهم الموفور بعدهم
والعرض لا عز في الدنيا إذا هانا
9
قومي - وجلت وجوه القوم - مصر بكم
ألقت على كرماء الدهر نسيانا
10
لا تسألون عن الأعوان إن قعدوا
وتنهضون إلى الملهوف أعوانا
11
أكلما هزكم داع لصالحة
قمتم كهولا إلى الداعي وفتيانا
12
لو صور الشرق إنسانا أخا كرم
لكنتم الروح والأقوام جثمانا
13
إذا هززتم تلاقى السيف منصلتا
والريح مرسلة والغيث هتانا
14
إذا المكارم في الدنيا أشيد بها
كانت كتابا وكنا نحن عنوانا
15
إن الحياة نهار أو سحابته
فعش نهارك من دنياك إنسانا
أرى الكريم بوجدان وعاطفة
ولا أرى لبخيل القوم وجدانا
16 •••
هذا الهلال الذي تحيون ليلته
أبهى الأهلة عند الله ألوانا
17
أراه من بين أعلام الوغى ملكا
وما سواه من الأعلام شيطانا
18
قان ففيه من الجرحى مشاكلة
حتى إذا قيل ماتوا اخضر ريحانا
19
لحامليه جلال منه مقتبس
كأنما رفعوا للناس قرآنا
20
كأن ما احمر منه حول غرته
دم البريء ذكي الشيب عثمانا
21
كأن ما ابيض في أثناء حمرته
نور الشهيد الذي قد مات ظمآنا
22
كأنه شفق تسمو العيون له
قد قلد الأفق ياقوتا ومرجانا
كأنه من دم العشاق مختضب
يثير حيث بدا وجدا وأشجانا
23
كأنه من جمال رائع وهدى
خدود يوسف لما عف ولهانا
24
كأنه وردة حمراء زاهية
في الخلد قد فتحت في كف رضوانا
25
روما1
صديقي المحترم
صدرت
2
عن باريس وكأنها بابل ذات البرج والجسر وهي في دولتها؛ أو طيبة
3
في الزمن الأول، إلا أنها مدينة الشمس، وباريس مدينة النور؛ أو روما
4
مقر القياصر، ومزدحم الأجناس والعناصر، وهي في رفعة ملكها الفاخر، تموج بالأمم كالبحر الزاخر؛ أو الإسكندرية
5
ذات المسلة - والمسلة في باريس - وهي في ذروة سعدها وأوج كمالها، تغير الشمس في سرير مجدها بجلالها وجمالها ؛ أو «بغداد»
6
في إبان إقبالها، وسلطان أقيالها، وأيمن أمرها، وأسعد حالها، فسبحان المنعم، أعطى «مدينة المعرض» الأسماء كلها، وجلت قدرته، بعث المدائن في واحدة.
رحلت عنها في اليوم الذي أسفر صباحه عن ليلة الاحتفال بتوزيع الجوائز على العارضين، وقد نالها منهم ستون ألفا أو يزيدون، كلهم من مشهوري الصناع، وكبار المخترعين، شيعوا في ذلك جنازة القرن التاسع عشر، ومشى الخلائق فيها حتى دفناه، وكأنه نهار مر أو ليلة تقضت بالسمر،
7
ثم انقلبنا ننفض الأنامل من ترابه، ونذكر من محاسنه أنه جيل واضح الغرر والتحجيل،
8
يذكره التاريخ بالتعظيم والتبجيل، قام العلم فيه على أمتن بنيان، ورفعت الحجب بين الحقائق والإنسان، ضربت له أطول سماء من ضروب العرفان، واستمد من القادر
9
مبالغ الإمكان، فاقتاد البر بشعرة، وزم البحر بإبرة،
10
وفرق
11
الأرض وبلغ الجبال، وأوشك أن يمد إلى السماء بحبال، ونفذ على النجم المدى، ووجد على القطب هدى، وغاص على الحروب الماء، وركب إلى الوقائع الهواء، وكسر شرة الداء
12
وقتل قتاله وراض العياء، ودخل بصره على الجسم الأحشاء، وأنطق الآلة الصماء، ونقل الحديث من فضاء إلى فضاء، على انقطاع الصلة بين النطق والإصغاء، وحرك الصور وهي هباء، إذا رأيتها حسبتها جماعة الأحياء، ونال سرائر الحوباء،
13
وخاض في الطبائع
14
والأهواء، فانكشف له الغطاء وبرح الخفاء،
15
ونثر فكاد يوحى إليه في الإنشاء، ونظم فلم يدع من آية في الأرض ولا في السماء.
كل هذا أيها الأستاذ عرضته «باريس» للناس في خير معرض أخرج لهم، فواها
16
له من سوق ثم ينفض، ويا أسفا على بنيانه يوم ينقض.
برحتها وهي تجر الذيل على المدائن الكبر،
17
وتزري بالحضارات ما حضر منها وما غبر،
18
وقصدت إلى روما لعلي أرد النفس إلى الخشوع، وأداوي الفؤاد من نشوة اغتراره بما رأى، فبلغتها وإذا أنا بين أثر يكاد يتكلم وحجر كاد لكرامته يستلم،
19
فوقفت أتأمل ذا الجدار وذا الجدار،
20
وأنشد
21
ذلك القصر وتلك الدار، إلى أن ثار الشعر - والشعر ابن أبوين: «التاريخ والطبيعة» - فنظمت، وكأني بها في يديك تقرأ.
أحب التوفيق إلي - أيها الأستاذ - إكرام العالم وإجلال الصديق، وأنت لي - بحمد الله - هذان كلاهما، فهل تمن بقبول هدية هي إلى التاريخ أدنى منها إلى الشعر؟
قف بروما وشاهد الأمر واشهد
أن للملك مالكا سبحانه
دولة في الثرى وأنقاض ملك
هدم الدهر في العلا بنيانه
22
مزقت تاجه الخطوب وألقت
في التراب الذي أرى صولجانه
23
طلل عند دمنة عند رسم
ككتاب محا البلى عنوانه
24
وتماثيل كالحقائق، تزدا
د وضوحا على المدى وإبانة
25
من رآها يقول هذي ملوك الد
هر هذا وقارهم والرزانة
26
وبقايا هياكل وقصور
بين أخذ البلى ودفع المتانة
27
عبث الدهر بالحواري فيها
وب «يليوس» لم يهب أرجوانه
28
وجرت ها هنا أمور كبار
واصل الدهر بعدها جريانه
راح دين وجاء دين وولى
ملك قوم وحل ملك مكانه
29
والذي حصل المجدون إهرا
ق دماء خليقة بالصيانة
30
ليت شعري إلام يقتتل النا
س على ذي الدنية الفتانة
31
بلد كان للنصارى قتادا
صار ملك القسوس عرش الديانة
32
وشعوب يمحون آية عيسى
ثم يعلون في البرية شانه
ويهينون صاحب الروح ميتا
ويعزون بعده أكفانه
33
عالم قلب وأحلام خلق
تتبارى غباوة وفطانة
34
رومة الزهو في الشرائع والحك
مة في الحكم والهوى والمجانة
35
والتناهي فما تعدى عزيزا
فيك عز ولا مهينا مهانة
36
ما لحي لم يمس منك قبيل
أو بلاد يعدها أوطانه
37
يصبح الناس فيك مولى وعبدا
ويرى عبدك الورى غلمانه
38
أين ملك في الشرق والغرب عال
تحسد الشمس في الضحى سلطانه
39
قادر يمسخ الممالك أعما
لا ويعطي وسيعها أعوانه
40
أين مال جبيته ورعايا
كلهم خازن وأنت الخزانة
41
أين أشرافك الذين طغوا في الد
هر حتى أذاقهم طغيانه
42
أين قاضيك ما أناخ عليه
أين ناديك ما دهى شيخانه
43
قد رأينا عليك آثار حزن
ومن الدور ما ترى أحزانه
أقصري واسألي عن الدهر مصرا
هل قضت مرتين منه اللبانة
44
إن من فرق العباد شعوبا
جعل القسط بينها ميزانه
45
هبك أفنيت بالحداد الليالي
لن تردي على الورى رومانه
46
على قبر نابليون
قف على كنز بباريس دفين
من فريد في المعاني وثمين
وافتقد جوهرة من شرف
صدف الدهر بتربيها ضنين
1
قد توارت في الثرى حتى إذا
قدم العهد توارت في السنين
غربت حتى إذا ما استيأست
دنت الدار ولكن لات حين
لم تذب نار الوغى ياقوتها
وأذابته تباريح الحنين
2
لا تلوموها أليست حرة
وهوى الأوطان للأحرار دين •••
غيبت باريس ذخرا ومضى
تربها القيم بالحرز الحصين
3
نزل الأرض ولكن بعدما
نزل التاريخ قبر النابغين
أعظم الليث تلقاها الشرى
ورفات النسر حازته الوكون
4
وحوى الغمد بقايا صارم
لم تقلب مثله أيدي القيون
5
شيد الناس عليه وبنوا
حائط الشك على أس اليقين
6
لست تحصي حوله ألوية
أسرت أمس ورايات سبين
7
نام عنها وهي في سدته
ديدبان ساهر الجفن أمين
وكأي من عدو كاشح
لك بالأمس هو اليوم خدين
8
وولي كان يسقيك الهوى
عسلا قد بات يسقيك الوزين
9
فإذا استكرمت ودا فاتهم
جوهر الود وإن صح ظنين
10 •••
مرمر أضجع في مسنونه
حجر الأرض وضرغام العرين
11
جللته هيبة الثاوي به
روعة الحكمة في الشعر الرصين
12
هل درى المرمر ماذا تحته
من قوى نفس ومن خلق متين
أيها الغالون في أجداثهم
ابحثوا في الأرض هل عيسى دفين
13
يمحي الميت ويبلى رمسه
ويغول الربع ما غال القطين
14
حصنوا ما شئتم موتاكم
هل وراء الموت من حصن حصين
ليس في قبر وإن نال السها
ما يزيد الميت وزنا ويزين
15
فانزل التاريخ قبرا أو فنم
في الثرى غفلا كبعض الهامدين
16
واخدع الأحياء ما شئت فلن
تجد التاريخ في المنخدسعين •••
يا عصاميا حوى المجد سوى
فضلة قد قسمت في المعرقين
17
أمك النفس قديما أكرمت
وأبوك الفضل خير المنجبين
18
نسب البدر أو الشمس إذا
جيء بالآباء مغمور رهين
وأصول الخمر ما أزكى على
خبث ما قد فعلت بالشاربين
لا يقولن امرؤ أصلي فما
أصله مسك وأصل الناس طين
قد تتوجت فقالت أمم
ولد الثورة عق الثائرين
وتزوجت فقالوا ما له
ولحور من بنات الملك عين
19
قسما لو قدروا ما احتشموا
لا يعف الناس إلا عاجزين •••
أرأيت الخير وافى أمة
لم ينالوا حظهم في النابغين
يصلح الملك على طائفة
هم جمال الأرض حينا بعد حين
ملئوا الدنيا على قلتهم
وقديما ملئت بالمرسلين
يحسن الدهر بهم ما طلعوا
وبهم يزداد حسنا آفلين
20
قد أقاموا قدوة صالحة
ومضوا أمثلة للمحتذين
إنما الأسوة والدنيا أسى
سبب العمران نظم العالمين
21
يا صريع الموت ندمان البلى
كل حي بالذي ذقت رهين
22
كدت من قتل المنايا خبرة
تعلم الآجال أيان تحين
23
يا مبيد الأسد في آجامها
هل أبادت خيلك الدود المهين
يا عزيز السجن بالبابا إلى
كم تردى في الثرى ذل السجين
24
رب يوم لك جلى وانثنى
سائل الغرة ممسوح الجبين
25
أحرز الغاية نصرا غاليا
لفرنسا وحوى الفتح الثمين
قيصرا الأنساب فيه نازلا
قيصر النفس عصام المالكين
26
مجلس التاج على مفرقه
بيديه لا بأيدي المجلسين
27
حول «أسترلتز» كان المنتقى
واصطدام النسر بالمستنسرين
28
وضع الشطرنج فاستقبلته
ببنان عابث باللاعبين
فإذا الملكان هذا خاضع
لك في الجمع وهذا مستكين
29
صدت شاه الروس والنمسا معا
من رأى شاهين صيدا في كمين •••
يا ملقى النصر في أحلامه
أين من وادي الكرى «سنت هلين»
30
يا منيل التاج في المهد ابنه
ما الذي غرك بالغيب الجنين
31
اتئد في أمة أرهقتها
إنها كالناس من ماء وطين
أتعب الريح مدى ما سلكت
من سهول وأجازت من حزون
32
من أديم يهرأ الدب إلى
فلوات تنضج الضب الكنين
33
لك في كل مغار غاره
وعليها الدمع فيه والأنين
34
ومن المكر تغنيك بها
هل يزكي الذبح غير الذابحين
35
سخر الناس وإن لم يشعروا
لقوي أو غني أو مبين
والجماعات ثنايا المرتقى
في المعالي وجسور العابرين •••
يا خطيب الدهر هل مال البلى
بلسان كان ميزان الشئون
ترجح السلم إذا حركته
كفة أو ترجح الحرب الزبون
خطب لا صوت إلا دونها
في صداها الخيل تجري والسنين
من قصير اللفظ في مكر النهى
وطويل الرمح في كيد الوتين
غير وضاع ولا واش ولا
منكر القول ولا لغو اليمين
سرن أمثالا فلو لم يحيه
سيفه أحيينه في الغابرين
36 •••
قم إلى الأهرام واخشع واطرح
خيلة الصيد وزهو الفاتحين
37
وتمهل إنما تمشي إلى
حرم الدهر ومحراب القرون
هو كالصخرة عند القبط أو
كالحطيم الطهر عند المسلمين
وتسنم منبرا من حجر
لم يكن قبلك حظ الخاطبين
وادع أجيالا تولت يسمعوا
لك وابعث في الأوالي حاشرين
وأعدها كلمات أربعا
قد أحاطت بالقرون الأربعين
38
ألهبت خيلا وحضت فيلقا
وأحالت عسلا صاب المنون
قد عرضت الدهر والجيش معا
غاية قصر عنها الفاتحون
ما علمنا قائدا في موطن
صفح الدهر وصف الدارعين
39
فترى الأحياء في معترك
وترى الموتى عليهم مشرفين
عظة قومي بها أولى وإن
بعد العهد فهل يعتبرون
هذه الأهرام تاريخهم
كيف من تاريخهم لا يستحون •••
يا كثير الصيد للصيد العلا
قم تأمل كيف صادتك المنون
قم تر الدنيا كما غادرتها
منزل الغدر وماء الخادعين
وتر الحق عزيزا في القنا
هينا في العزل المستضعفين
40
وتر الأمر يدا فوق يد
وتر الناس ذئابا وضئين
41
وتر العز لسيف نزق
في بناء الملك أو رأي رزين
سنن كانت ونظم لم يزل
وفساد فوق باع المصلحين
تكريم1
وطن يرف هوى إلى شبانه
كالروض رقته على ريحانه
2
هم نظم حليته وجوهر عقده
والعقد قيمته يتيم جمانه
3
يرجو الربيع بهم ويأمل دولة
من حسنه ومن اعتدال زمانه
4
من غاب منهم لم يغب عن سمعه
وضميره وفؤاده ولسانه
وإذا أتاه مبشر بقدومهم
فمن القميص ومن شذى أردانه
5
ولقد يخص النافعين بعطفه
كالشيخ خص نجيبه بحنانه
6
هيهات ينسى بذلهم أرواحهم
في حفظ راحته وجلب أمانه
وقفوا له دون الزمان وريبه
ومشت حداثتهم على حدثانه
7
في شدة نقلت أناة كهوله
فيها وحكمتهم إلى فتيانه
8 •••
قم يا خطيب الجمع هات من الحلى
ما كنت تنشره على آذانه
فلطالما أبدى الحنين لقسه
واهتز أشواقا إلى سحبانه
9
ناد الشباب فلم يزل لك ناديا
والمرء ذو أثر على أخدانه
10
امدد حداءك في النجائب تنصرف
بهوى أعنتها إلى تحنانه
11
ألق النصيحة غير هائب وقعها
ليس الشجاع الرأي مثل جبانه
قل للشباب زمانكم متحرك
هل تأخذون القسط من دورانه
12
قمتم على الأحلام تلتزمونها
كالعالم الخالي على أوثانه
13
وتنازعون الحي فضل ثيابه
والميت ما قد رث من أكفانه
ولقد صدقتم هذه الأرض الهوى
والحر يصدق في هوى أوطانه
أمل بذلتم كل غال دونه
وفقدتم ما عز في وجدانه
14
الليث يدفعكم بشدة بأسه
عنه ويطعمكم بفرط لبانه
15
ويريد هذا الطير حرا مطلقا
لكن بأعينه وفي بستانه •••
أوفدتم وفدا وأوفد ربكم
معه العناية فهي من أعوانه
العصر حر والشعوب طليقة
ما لم يحزها الجهل في أرسانه
16
فاض الزمان من النبوغ فهل فتى
غمر الزمان بعلمه وبيانه
أين التجارة وهي مضمار الغنى
أين الصناعة وهي وجه عنانه
17
أين الجواد على العلوم بماله
أين المشارك مصر في فدانه
18
أين الزراعة في جنان تحتكم
كخمائل الفردوس أو كجنانه
19
أئذا أصاب القطن كاسد سوقه
قمنا على ساق إلى أثمانه
يا من لشعب رزؤه في ماله
أنساه ذكر مصابه بكيانه
20
الملك كان ولم يكن قطن فلم
يغلب أبوتنا على عمرانه
21 «الفاطمية» شيدت من عزه
وبنى «بنو أيوب» من سلطانه
22
بالقطن لم يرفع قواعد ملكه
فرعون والهرمان من بنيانه
لكن بأول زارع نقض الثرى
بذكائه وأثاره ببنانه
23
وبكل محسن صنعة في دهره
تتعجب الأجيال من إتقانه
وبهمة في كل نفس حلقت
في الجو وارتفعت على كيوانه
24
ملك من الأخلاق كان بناؤه
من نحت أولكم ومن صوانه
25
فأتوا الهياكل إن بنيتم واقبسوا
من عرشه فيها ومن تيجانه
اعتداء1
نجا وتماثل ربانها
ودق البشائر ركبانها
2
وهلل في الجو قيدومها
وكبر في الماء سكانها
3
تحول عنها الأذى وانثنى
عباب الخطوب وطوفانها
نجا «نوحها» من يد المعتدي
وضل المقاتل عدوانها
4
يد للعناية لا ينقضي
وإن نفد العمر شكرانها
وقى الأرض شر مقاديره
لطيف السماء ورحمانها
5
ونجى الكنانة من فتنة
تهددت النيل نيرانها
6
يسيل على قرن شيطانها
عقيق الدماء وعقيانها
7
فيا «سعد» جرحك ساء الرجال
فلا جرحت فيك أوطانها
وقتك العناية بالراحتين
وطوق جيدك إحسانها
8
منايا أبى الله إذ ساورتك
فلم يلق نابيه ثعبانها
9
حوت دمك الأرض في أنفها
زكيا كأنك «عثمانها»
10
ورقت لآثاره في القميص
كأن قميصك قرآنها
وريعت كما ريعت الأرض فيك
نواحي السماء وأعنانها
11
ولو زلت غيب «عمرو» الأمور
وأخلى المنابر «سحبانها»
12 •••
رماك على غرة يافع
مثار السريرة غضبانها
13
وقدما أحاطت بأهل الأمور
ميول النفوس وأضغانها
14
تلمس نفسك بين الصفوف
ومن دون نفسك إيمانها
15
يريد الأمور كما شاءها
وتأبى الأمور وسلطانها
وعند الذي قهر القيصرين
مصير الأمور وأحيانها
16
ولو لم يسابق دروس الحياة
لبصره الرشد لقمانها
17
فإن الليالي عليها يحول
شعور النفوس ووجدانها
18
ويختلف الدهر حتى يبين
رعاة العهود وخوانها
19 •••
أرى مصر يلهو بحد السلاح
ويلعب بالنار ولدانها
20
وراح بغير مجال العقول
يجيل السياسة غلمانها
وما القتل تحيا عليه البلاد
ولا همة القول عمرانها
ولا الحكم أن تنقضي دولة
وتقبل أخرى وأعوانها
ولكن على الجيش تقوى البلاد
وبالعلم تشتد أركانها
فأين النبوغ وأين العلوم
وأين الفنون وإتقانها
وأين من الخلق حظ البلاد
إذا قتل الشيب شبانها
21
وأين من الربح قسط الرجال
إذا كان في الخلق خسرانها
وأين المعلم ما خطبه
وأين المدارس ما شأنها
لقد عبثت بالنياق الحداة
ونام عن الإبل رعيانها
22
إلى الخلق أنظر فيما أقول
وتأخذ نفسي أشجانها •••
ويا «سعد» أنت أمين البلاد
قد امتلأت منك أيمانها
23
ولن ترتضي أن تقد القناة
ويبتر من مصر سوادنها
24
وحجتنا فيهما كالصباح
وليس بمعييك تبيانها
25
فمصر الرياض وسوادنها
عيون الرياض وخلجانها
26
وما هو ماء ولكنه
وريد الحياة وشريانها
27
تتمم مصر ينابيعه
كما تمم العين إنسانها
28
وأهلوه منذ جرى عذبه
عشيرة مصر وجيرانها
وأما الشريك فعلاته
هي الشركات وأقطانها
وحرب مضت نحن أوزارها
وخيل خلت نحن فرسانها
29
وكم من أتاك بمجموعة
من الباطل الحق عنوانها
فأين من «المنش» بحر الغزال
وفيض «نيانزا» وتهتانها
30
وأين التماسيح من لجة
يموت من البرد حيتانها
31
ولكن رءوس لأموالهم
يحرك قرنيه شيطانها
ودعوى القوي كدعوى السباع
من الناب والظفر برهانها
توت عنخ آمون
قفي يا أخت «يوشع» خبرينا
أحاديث القرون الغابرينا
1
وقصي من مصارعهم علينا
ومن دولاتهم ما تعلمينا
2
فمثلك من روى الأخبار طرا
ومن نسب القبائل أجمعينا
3
نرى لك في السماء خضيب قرن
ولا نحصي على الأرض الطعينا
4
مشيت على الشباب شواظ نار
ودرت على المشيب رحى طحونا
5
تعينين الموالد والمنايا
وتبنين الحياة وتهدمينا
6
فيا لك هرة أكلت بنيها
وما ولدوا وتنتظر الجنينا
7 •••
أأم المالكين بني «أمون»
ليهنك أنهم نزعوا «أمونا»
8
ولدت له «المآمين» الدواهي
ولم تلدي له قط «الأمينا»
9
فكانوا الشهب حين الأرض ليل
وحين الناس جد مضللينا
مشت بمنارهم في الأرض «روما»
ومن أنوارهم قبست «أثينا»
10
ملوك الدهر بالوادي أقاموا
على «وادي الملوك» محجبينا
11
فرب مصفد منهم وكانت
تساق له الملوك مصفدينا
12
تقيد في التراب بغير قيد
وحل على جوانبه رهينا
تعالى الله كان السحر فيهم
أليسوا للحجارة منطقينا
13
غدوا يبنون ما يبقى وراحوا
وراء الآبدات مخلدينا
إذا عمدوا لمأثرة أعدوا
لها الإتقان والخلق المتينا
وليس الخلد مرتبة تلقى
وتؤخذ من شفاه الجاهلينا
ولكن منتهى همم كبار
إذا ذهبت مصادرها بقينا
وسر العبقرية حين يسري
فينتظم الصنائع والفنونا
وآثار الرجال إذا تناهت
إلى التاريخ خير الحاكمينا
وأخذك من فم الدنيا ثناء
وتركك في مسامعها طنينا
14
فغالي في بنيك الصيد غالي
فقد حب الغلو إلى بنينا
15
شباب قنع لا خير فيهم
وبورك في الشباب الطامحينا
16
فناجيهم بعرش كان صنوا
لعرشك في سبيبته سنينا
17
وكان العز حليته وكانت
قوائمه الكتائب والسفينا
18
وتاج من فرائده «ابن سيتي»
ومن خرزاته «خوفو» و«مينا»
19
علا خدا به صعر وأنفا
ترفع في الحوادث أن يدينا
20
ولست بقائل ظلموا وجاروا
على الأجراء أو جلدوا القطينا
21
فإنا لم نوق النقص حتى
نطالب بالكمال الأولينا
22
وما «البستيل» إلا بنت أمس
وكم أكل الحديد بها صحينا
23
وربة بيعة عزت وطالت
بناها الناس أمس مسخرينا
24
مشيدة لشافي العمي «عيسى»
وكم سمل القسوس بها عيونا
25 ••• «أخا اللوردات» مثلك من تحلى
بحلية آله المتطولينا
26
لك الأصل الذي نبتت عليه
فروع المجد من «كرنارفونا»
27
ومالك لا يعد وكل مال
سيفنى أو سيفني المالكينا
28
وجدت مذاق كل تليد مجد
فكيف وجدت مجد الكاسبينا
29
نشرت صفائحا فجزتك مصر
صحائف سؤدد لا ينطوينا
30
فإن تك قد فتحت لها كنوزا
فقد فتحت لك الفتح المبينا
31
فلو «قارون» فوق الأرض إلا
تمنى لو رضيت به قرينا
32
سبيل الخلد كان عليك سهلا
وعادته يكد السالكينا
رأيت تنكرا وسمعت عتبا
فعذرا للغضاب المحنقينا
33
أبوتنا وأعظمهم تراث
نحاذر أن يئول لآخرينا
34
ونأبى أن يحل عليه ضيم
ويذهب نهبة للناهبينا
35
سكت فحام حولك كل ظن
ولو صرحت لم تثر الظنونا
36
يقول الناس في سر وجهر
وما لك حيلة في المرجفينا
37
أمن سرق الخليفة وهو حي
يعف عن الملوك مكفنينا
38 •••
خليلي اهبطا الوادي وميلا
إلى غرف الشموس الغاربينا
39
وسيرا في محاجرهم رويدا
وطوفا بالمضاجع خاشعينا
40
وخصا بالعمار وبالتحايا
رفات المجد من «توتنخمينا»
41
وقبرا كاد من حسن وطيب
يضيء حجارة ويضوع طينا
42
يخال لروعة التاريخ قدت
جنادله العلا من «طور سينا»
43
وكان نزيله بالملك يدعى
فصار يلقب الكنز الثمينا
44
وقوما هاتفين به ولكن
كما كان الأوائل يهتفونا
45
فثم جلالة قرت ورامت
على مر القرون الأربعينا
46
جلال الملك أيام وتمضي
ولا يمضي جلال الخالدينا
47
وقولا للنزيل قدوم سعد
وحيا الله مقدمك اليمينا
48
سلام يوم وارتك المنايا
بواديها ويوم ظهرت فينا
49
خرجت من القبور خروج عيسى
عليك جلالة في العالمينا
50
يجوب البرق باسمك كل سهل
ويخترق البخار به الحزونا
51
وأقسم كنت في «لوزان» شغلا
وكنت عجيبة المتفاوضينا
52
أتعلم أنهم صلفوا وتاهوا
وصدوا الباب عنا موصدينا
53
ولو كنا نجر هناك سيفا
وجدنا عندهم عطفا ولينا
54
سيقضي «كرزن» بالأمر عنا
وحاجات «الكنانة» ما قضينا
55 •••
تعال اليوم خبرنا أكانت
نواك سنات نوم أم سنينا
56
وماذا جبت من ظلمات ليل
بعيد الصبح ينضي المدلجينا
57
وهل تبقى النفوس إذا أقامت
هياكلها وتبلى إن بلينا
وما تلك القباب وأين كانت
وكيف أضل حافرها القرونا
58
ممردة البناء، تخال برجا
ببطن الأرض محطوطا دفينا
59
تغطى بالأثاث فكان قصرا
وبالصور العتاق فكان زونا
60
حملت العرش فيه فهل ترجي
وتأمل دولة في الغابرينا
61
وهل تلقى المهيمن فوق عرش
ويلقاه الملا مترجلينا
62
وما بال الطعام يكاد يقدى
كما تركته أيدي الصانعينا
63
ولم تك أمس تصبر عنه يوما
فكيف صبرت أحقابا مئينا
64
لقد كان الذي حذر الأوالي
وخاف بنو زمانك أن يكونا
65
يحب المرء نبش أخيه حيا
وينبشه ولو في الهالكينا
سللت من الحفائر قبل يوم
يسل من التراب الهامدينا
66
فإن تك عند بعث فيه شك
فإن وراءه البعث اليقينا
67
ولو لم يعصموك لكان خيرا
كفى بالموت معتصما حصينا
68
يضر أخو الحياة وليس شيء
بضائره إذا صحب المنونا
69 •••
زمان الفرد يا «فرعون» ولى
ودالت دولة المتجبرينا
70
وأصبحت الرعاة بكل أرض
على حكم الرعية نازلينا
تحية المؤتمر الجغرافي
هل تهبط النيرات الأرض أحيانا
وهل تصور أفرادا وأعيانا
1
نزلن أول دار في الثرى رفعت
للشمس ملكا وللأقمار سلطانا
2
تفننت قبل خلق الفن وانفجرت
علما على العصر الخالي وعرفانا
3
أبوة لو سكتنا عن مفاخرهم
تواضعا نطقت صخرا وصوانا
4
هم قلبوا كرة الدنيا فما وجدت
أقوى على صولجان الملك أيمانا
5
وصيروا الدهر هزءا يسخرون به
حتى ينال لهم بالهدم بنيانا
6
لم يسلك الأرض قوم قبلهم سبلا
ولا الزواخر أثباجا وشطآنا
7
تقدم الناس منهم محسنون مضوا
للموت تحت لواء العلم شجعانا
جابوا العباب على عود وسارية
وأوغلوا في الفلا كالأسد وحدانا
8
أزمان لا البر ب «الوابور» منتهبا
ولا «البخار» لبنت الماء ربانا
9
هل شيع النشء ركب العلم واكتنفوا
للعبقرية أحمالا وأظعانا
10
وسايروا الموكب المرموق متشحا
عز الحضارة أعلاما وركبانا
11
يسير تحت لواء العلم مؤتلفا
ولن ترى كجنود العلم إخوانا
العلم يجمع في جنس وفي وطن
شتى القبائل أجناسا وأوطانا
12
ولم يزدك كرسم الأرض معرفة
بالأرض دارا وبالأحياء جيرانا
13
علم أبان عن الغبراء فانكشفت
زرعا وضرعا وإقليما وسكانا
14
وقسم الأرض آكاما وأودية
وفصل البحر أصدافا ومرجانا
15
وبين الناس عادات وأمزجة
وميز الناس أجناسا وأديانا
وفد الممالك هز النيل منكبه
لما نزلتم على واديه ضيفانا
16
غدا على الثغر غاد من مواكبكم
فراح مبتسم الأرجاء جذلانا
17
جرت سفينتكم فيه فقلبها
على الكرامة قيدوما وسكانا
18
يلقاكم بسماء البحر ضاحية
وتارة بفضاء البر مزدانا
19
ولو نزلتم به والدهر معتدل
نزلتم بعروس الملك عمرانا
20
إذ «الفنار» وراء البحر مؤتلق
كأنه فلق من خدره بانا
21
أناف خلف سماء الليل متقدا
يخال في شرفات الجو «كيوانا»
22
تطوي الجواري إليه اليم مقبلة
تجري بوارج أو تنساب خلجانا
23
نور الحضارة لا تبغي الركاب له
لا بالنهار ولا بالليل برهانا
يا موكب العلم قف في أرض منف به
يناج مهدا ويذكر للصبا شانا
24
بكى تمائمه طفلا بها وبكى
ملاعبا من ربا الوادي وأحضانا
25
أرض ترعرع لم يصحب بساحتها
إلا نبيين قد طابوا وكهانا
عيسى ابن مريم فيها جر بردته
وجر فيها العصا موسى بن عمرانا
لولا الحياء لناجتكم بحاجتها
لعل منكم على الأيام أعوانا
إذا تفرقتم في الغرب ألسنة
لينتم كل قلب لم يكن لانا
الصليب الأحمر
سر يا «صليب» الرفق في ساح الوغى
وانشر عليها رحمة وحنانا
1
وادخل على الموت الصفوف مواسيا
وأعن على آلامه الإنسانا
والمس جراحات البرية شافيا
ما كنت إلا للمسيح بنانا
2
وإذا الوطيس رمى الشباب بناره
خض ك «الخليل» إليهم النيرانا
3
واجعل وسيلتك المسيح وأمه
واضرع وسل في خلقه الرحمانا
4
الله جارك في عوان لم تهب
لله لا بيعا ولا صلبانا
5
وسلمت يا «حرم المعارك» من يد
هدمت لسلم العالمين كيانا
6 •••
يا أهل مصر رمى القضاء بلطفه
وأراد أمرا بالبلاد فكانا
إن الذي أمر الممالك كلها
بيديه أحدث في «الكنانة» شانا
أبقى عليها عرشها في برهة
ترمي العروش وتنثر التيجانا
7
وكسا البلاد سكينة من أهلها
ووقى من الفتن العباد وصانا
أوما ترون الأرض خرب نصفها
وديار مصر لا تزال جنانا
8
يرعى كرامتها ويمنع حوضها
جيش يعاف البغي والعدوانا
9
كجنود «عمرو» أينما ركزوا القنا
عفوا يدا ومهندا وسنانا
10
إن الشجاع هو الجبان عن الأذى
وأرى الجريء على الشرور جبانا •••
أمم الحضارة أنتم آباؤنا
منكم أخذنا العلم والعرفانا
رقت لكم منا القلوب كأنما
جرحاكم يوم الوغى جرجانا
ومن المروءة وهي حائط ديننا
أن نذكر الإصلاح والإحسانا
11
ولئن غزاكم من ذوينا معشر
فلرب إخوان غزوا إخوانا
حتى إذا الشحناء نامت بينهم
لم يعرفوا الأحقاد والأضغانا
12
تحية للترك1
بحمد الله رب العالمينا
وحمدك يا أمير المؤمنينا
لقينا في عدوك ما لقينا
لقينا الفتح والنصر المبينا •••
هم شهروا أذى وشهرت حربا
فكنت أجل إقداما وضربا
أخذت حدودهم شرقا وغربا
وطهرت المواقع والحصونا •••
وقبل الحرب حرب منك كانت
نتائجها لنا ظهرت وبانت
ألنت الحادثات بها فلانت
وغادرت القياصر حائرينا •••
جمعت لنا الممالك والشعوبا
وكانت في سياستها ضروبا
فلما هب «جورجيهم» هبوبا
تلفت لا يصيب له معينا
2 •••
رأى كيف السبيل إلى كريد
وكيف عواقب الطيش المزيد
وكيف تنام يا عبد الحميد
وتغفل عن دماء العالمينا •••
ولا والله والرسل الكرام
وبيتك خير بيت في الأنام
لما كانوا وسيفك ذو انتقام
يعادل جمعهم منا جنينا •••
رأيت الحلم لما زاد غرا
وجرأ ملكهم حتى تجرا
3
فجاءتك الدعاوى منه تترى
وجاءته جنودك مبطلينا •••
بخيل في الهضاب وفي الروابي
ونار في القلاع وفي الطوابي
وسيف لا يلين ولا يحابي
إذا الآجال رجت منه لينا •••
وجيش من غزاة عن غزاة
هم الأبطال في ماض وآتي
ومن كرم أذلوا كل عاتي
وذلوا في قتال المؤمنينا •••
أبعد بلائهم في كل حرب
وضرب في الممالك أي ضرب
تحاول صبية في زي شعب
وتطمع أن تدوس لهم عرينا •••
جنود للجراح الدهر مرهم
يدبرها البعيد الصيت أدهم
فأنجد في تسالية وأتهم
وكانت للعدا حصنا حصينا
4 •••
أروتر لا تدس السم دسا
ومهلا في التهوس يا «هوسا»
5
سل اليونان هل ثبتت ل «رسا»
وهل حفظ الطريق إلى أثينا
6 •••
معاذ الله كلا ثم كلا
هم البحارة الغر الأجلا
وما أسطولهم في البحر إلا «شخاشخ» ما يرحن وما يجينا
7 •••
وكم بعثوا جيوشا من أماني
أتت دار السعادة في أمان
وما سارت سوى يومي زمان
فأهلا بالغزاة الفاتحينا •••
وكم باتوا على هرج ومرج
وقالوا المال مبذول لجورجي
8
وكل المال من دخل وخرج
ديون لا تقدرها ديونا
9 •••
وكم فتحوا الثغور بلا تواني
وبالأسطول جاءوا من مواني
وللبسفور طاروا في ثواني
فأهلا بالإوز العائمينا
10 •••
وفي الأستانة انتصروا انتصارا
وبطرسبرج دكوها حصارا
فيا للمسلمين وللنصارى
وقيصر والملوك الآخرينا •••
ويا غليوم أين لك الفرار
إذا جورجي وعسكره أغاروا
فضاقت عن سفينهم البحار
وضاق البر عنهم واجفينا •••
أمور تضحك الصبيان منها
ولا تدري لها العقلاء كنها
فسل روتر وسل هافاس عنها
فإن لديهما الخبر اليقينا •••
ويوم ملون إذ صحنا وصاحوا
ذكرنا الله من فرح وناحوا
ودارت بينهم بالراح راح
ودارت راحة الإيمان فينا
11
على الجبلين قد بتنا وباتوا
وقتناهم منيتهم وقاتوا
وقد متنا ثباتا واستماتوا
وما البسلاء كالمستبسلينا •••
خسفنا بالحصون الأرض خسفا
تزيد تأبيا فنزيد قذفا
بنار تنسف الأجيال نسفا
وتلقف نارهم والمطلقينا •••
مدافع ما تئوب بغير زاد
براكين تصوب بلا نفاد
12
نصبناها لهم في كل وادي
فكن الموت أو أهدى عيونا •••
جعلنا الأرض تحتهم دماء
وصيرنا الدخان لهم سماء
وإذ راموا من النار احتماء
حمت أسيافنا منهم مئينا •••
ورب مجاهد شيخ مبجل
ترجلت الجبال وما ترجل
أراد ليركب الموت المحجل
إلى أجداده المستشهدينا •••
وفى لجواده وحنا عليه
وقد شخصت بنادقهم إليه
وصاب رصاصها يدمي يديه
وأوشكت السواعد أن تخونا •••
تعود أن يصيب وأن يصابا
فخوطب في النزول فما أجابا
وقال وقد قضى قولا صوابا
هنا فليطلب المرء المنونا ••• •••
وقد زاد البسالة من وقار
هزبر من ليوث الترك ضاري
تقدم نحو نار أي نار
ليسبق نحو خالقه القرينا •••
جرى فأذل هاتيك الألوفا
وزحزح عن مواضعها الصفوفا
فخاض إلى مكامنها الحتوفا
وما هاب الرماة مسددينا •••
دعا لله في وجه الأعادي
كليث زائر في بطن وادي
فلبته الفيالق والأرادي
ودار هلال رايتنا يمينا
13 •••
فلما أذعنوا أنا المنايا
وأنا خير من قاد السرايا
14
تفرق جمعهم إلا بقايا
على قلل الجبال مجندلينا •••
صلاة الله ربي والسلام
على قتلى بفرسالو أقاموا
15
هم الشهداء حول الله حاموا
فأدناهم وكانوا الفائزينا •••
أنالوا الملك فتحا أي فتح
وشادوا للخلافة أي صرح
وجاءوا ربهم منهم بذبح
تقبله وكان به ضنينا
16 •••
سلاما سفح فرسالو سلاما
وكن خير المقام لمن أقاما
وضن بها وإن بليت عظاما
تطيف بها الملائك حائمينا •••
أأدهم هكذا تقنى المعالي
وتقنى بالقواضب والعوالي
17
لقد بيضت للملك الليالي
بسيف يفضح الفجر المبينا •••
أخذت النصر بالجبلين غصبا
وكنت الليث تخطارا ووثبا
حملت فماجت الحملان رعبا
يظنهم الجهول مقاتلينا •••
وفي فرسال قد جئت العجابا
بسطت الجيش تقرؤه كتابا
وقد أحصيته بابا فبابا
وكانوا عن كتابك غافلينا •••
ثبت مؤملا منك الثبات
توافيك الرسائل والسعاة
وحولك أهل شوراك الثقات
تسوسون الجيوش مظفرينا •••
هناك الصحف سارت حاكيات
وطيرت البروق محدثات
وحدثت الممالك آخذات
علوم الحرب عنكم والفنونا •••
بني عثمان إنا قد قدرنا
فتوحكم الكبار وقد شكرنا
سألنا الله نصرا فانتصرنا
بكم والله خير الناصرينا
الدستور العثماني
بشرى البرية قاصيها ودانيها
حاط الخلافة بالدستور حاميها
1
لما رآها بلا ركن تداركها
بعد «الخليفة» بالشورى وناديها
2
وبالأبيين من قوم أماتهم
بعد الديار وأحياهم تدانيها
3
حنوا إليها كما حنت لهم زمنا
وأوشك البين يبليهم ويبليها
4
مشتتين على الغبراء تحسبهم
رحالة البدو هاموا في فيافيها
5
لا يقرب اليأس في البأساء أنفسهم
والنفس إن قنطت فاليأس مرديها
6 •••
أسدى إلينا «أمير المؤمنين» يدا
جلت كما جل في الأملاك مسديها
7
بيضاء ما شابها للأبرياء دم
ولا تكدر بالآثام صافيها
8
وليس مستعظما فضل ولا كرم
من صاحب «السكة الكبرى» ومنشيها
9
إن الندى والرضا فيه وأسرته
والله للخير هاديه وهاديها
قوم على الحب والإخلاص قد ملكوا
وحسب نفسك إخلاص يزكيها
10
إذا الخلائف من بيت الهدى حمدت
أعلى الخواقين من عثمان ماضيها
11
خلافة الله في أحضان دولتهم
شاب الزمان وما شابت نواصيها
دروعها تحتمي في النائبات بهم
من رمح طاعنها أو سهم راميها •••
الرأي رأي «أمير المؤمنين» إذا
حارت رجال وضلت في مرائيها
12
وإنما هي شورى الله جاء بها
كتابه الحق يعليها ويغليها
حقنت عند مناداة الجيوش بها
دم البرية إرضاء لباريها
13
ولو منعت أريقت للعباد دما
وطاح من مهج الأجناد غاليها
14
ومن يسس دولة قد سستها زمنا
تهن عليه من الدنيا عواديها
15
أتى ثلاثون حولا لم تذق سنة
ولا استخفك للذات داعيها
مسهد الجفن مكدود الفؤاد بما
يضني القلوب شجي النفس عانيها
16
تكاد من صحبة الدنيا وخبرتها
تسيء ظنك بالدنيا وما فيها •••
أما ترى الملك في عرس وفي فرح
بدولة الرأي والشورى وأهليها
لما استعد لها الأقوام جئت بها
كالماء عند غليل النفس صاديها
17
فضل لذاتك في أعناقها ويد
عند الرعية من أسنى أياديها
18
خلافة الله جر الذيل حاضرها
بما منحت وهز العطف باديها
19
طارت قناها سرورا عن مراكزها
وألقت الغمد إعجابا مواضيها
20
هب النسيم على «مقدونيا» بردا
من بعدما عصفت جمرا سوافيها
21
تغلي بساكنها ضغنا ونائرة
على الصدور إذ ثارت دواعيها
22
عاثت عصائب فيها كالذئاب عدت
على الأقاطيع لما نام راعيها
23
خلا لها من رسوم الحكم دارسها
وغرها من طلول الملك باليها
24
فسامر الشر في الأجيال رائحها
وصبح السهل بالعدوان غاديها
25
مظلومة في جوار الخوف ظالمة
والنفس مؤذية من راح يؤذيها
رثت لها وبكت من رقة دول
كالبوم يبكي ربوعا عز باكيها
26
أعلام مملكة في الغرب خافقة
لآل عثمان كاد الدهر يطويها
لما ملئنا قنوطا من سلامتها
توثبت أسد الآجام تحميها
27
من كل مستبسل يرمي بمهجته
في الهول إن هي جاشت لا يراعيها
28
كأنها وسلام الملك يطلبها
أمانة عند ذي عهد يؤديها •••
الدين لله من شاء الإله هدى
لكل نفس هوى في الدين داعيها
ما كان مختلف الأديان داعية
إلى اختلاف البرايا أو تعاديها
الكتب والرسل والأديان قاطبة
خزائن الحكمة الكبرى لواعيها
محبة الله أصل في مراشدها
وخشية الله أس في مبانيها
29
وكل خير يلقى في أوامرها
وكل شر يوقى في نواهيها
تسامح النفس معنى من مروءتها
بل المروءة في أسمى معانيها
تخلق الصفح تسعد في الحياة به
فالنفس يسعدها خلق ويشقيها
30
الله يعلم ما نفسي بجاهلة
من أهل خلتها ممن يعاديها
31
لئن غدوت إلى الإحسان أصرفها
فإن ذلك أجرى من معاليها
والنفس إن كبرت رقت لحاسدها
واستغفرت كرما منها لشانيها
32 •••
يا شعب عثمان من ترك ومن عرب
حياك من يبعث الموتى ويحييها
صبرت للحق حين النفس جازعة
والله بالصبر عند الحق موصيها
نلت الذي لم ينله بالقنا أحد
فاهتف ل «أنورها» واحمد «نيازيها»
33
ما بين آمالك اللائي ظفرت بها
وبين «مصر» معان أنت تدريها
الهلال والصليب الأحمران
«جبريل»، أنت هدى السما
ء وأنت برهان العناية
1
ابسط جناحيك اللذي
ن هما الطهارة والهداية
وزد «الهلال» من الكرا
مة و«الصليب» من الرعاية
فهما لربك راية
والحرب للشيطان راية
لم يخلق الرحمن أك
بر منهما في البر آية
الأحمران عن الدم ال
غالي وحرمته كناية
2
الغاديان لنجدة
الرائحان إلى وقاية
3
يتألقان على الوغى
رشدا تبين من غواية
4
يقفان في جنب الدما
كالعذر في جنب الجناية
لو خيما في «كربلا »
لم يمنع «السبط» السقاية
5
أو أدركا يوم المسي
ح لعاوناه على النكاية
6
ولناولاه الشهد لا ال
خل الذي تصف الرواية
7
يا أيها «اللادي» التي
ألقت على الجرحى حماية
8
أبليت في نزع السها
م بلاء دهرك في الرماية
9
ومررت بالأسرى فكن
ت نسيم واديهم سراية
10
وبنات جنسك إن بني
ن البر أحسن البناية
بالأمس لادي «لوثر»
لم تأل جيرتها عناية
11
أسدت إلى أهل الجنو
د يدا وغالت في الحفاية
12
ومحجبات هن أط
هر عند نائبة كفاية
13
يسعفن ريا أو قرى
كنساء طي في البداية
14
إن لم يكن ملائك الر
حمن كن هم حكاية
15
لبين دعوتك الكري
مة واستبقن البر غاية
16
المحسنون هم اللبا
ب وسائر الناس النفاية
17
يا أيها الباغون رك
اب الجهالة والعماية
الباعثون الحرب حب
للتوسع في الولاية
المدعون على الورى
حق القيامة والوصاية
المثكلون الموتمو
ن الهادمون بلا نهاية
18
كل الجراح لها التئا
م من عزاء أو نساية
19
إلا جراح الحق في
عصر الحصافة والدراية
20
ستظل دامية إلى
يوم الخصومة والشكاية
الجزء الثاني
باب الوصف
آية العصر في سماء مصر (نظمت عند قدوم «فدرين» و«بونيه» طائرين من باريس إلى مصر سنة 1914م.)
يا فرنسا نلت أسباب السماء
وتملكت مقاليد الجواء
1
غلب النسر على دولته
وتنحى لك عن عرش الهواء
وأتتك الريح تمشي أمة
لك يا بلقيس من أوفى الإماء
2
روضت بعد جماح وجرت
طوع سلطانين علم وذكاء
لك خيل بجناح أشبهت
خيل جبريل لنصر الأنبياء
وبريد يسحب الذيل على
برد
3
في البر والبحر بطاء
4
تطلع الشمس فيجري دونها
فوق عنق الريح أو متن العماء
5
رحلة المشرق والمغرب ما
لبثت غير صباح ومساء
بسلاء الإنس والجن فدى
لفريق من بنيك البسلاء
ضاقت الأرض بهم فاتخذوا
في السموات قبور الشهداء
فتية يمسون جيران السها
سمراء النجم في أوج العلاء
6
حوما فوق جبال لم تكن
للرياح الهوج يوما بوطاء
لسليمان بساط واحد
ولهم ألف بساط في الفضاء
يركبون الشهب والسحب إلى
رفعة الذكر وعلياء الثناء
يا «نسورا» هبطوا «الوادي» على
سالف الحب ومأثور الولاء
داركم مصر وفيها قومكم
مرحبا بالأقربين الكرماء
طرتم فيها فطارت فرحا
بأعز الضيف خير النزلاء
7
هل شجاكم في ثرى أهرامها
ما أرقتم من دموع ودماء
أين نسر قد تلقى قبلكم
عظة الأجيال من أعلى بناء
8
لو شهدتم عصره أضحى له
عالم الأفلاك معقود اللواء
جرح الأهرام في عزتها
فمشى للقبر مجروح الإباء
أخذت تاجا بتاج ثأرها
وجزت من صلف بالكبرياء
9
وتمنت لو حوت أعظمه
بين أبناء الشموس العظماء •••
جل شأن الله هادي خلقه
بهدى العلم ونور العلماء
زف من آياته الكبرى لنا
طلبة طال بها عهد الرجاء
مركب لو سلف الدهر به
كان إحدى معجزات القدماء
نصفه طير ونصف بشر
يا لها إحدى أعاجيب القضاء
رائع مرتفعا أو واقعا
أنفس الشجعان قبل الجبناء
مسرج في كل حين ملجم
كامل العدة مرموق الرواء
10
كبساط الريح في القدرة أو
هدهد السيرة في صدق البلاء
أو كحوت يرتمي الموج به
سابح بين ظهور وخفاء
راكب ما شاء من أطرافه
لا يرى من مركب ذي عدواء
11 •••
ملأ الجو فعالا وغدا
عجب الغربان فيه والحداء
وترى السحب به راعدة
من حديد جمعت لا من رواء
12
حمل الفولاذ ريشا وجرى
في عنانين له نار وماء
وجناح غير ذي قادمة
كجناح النحل مصقول سواء
13
وذنابى كل ريح مسها
مسه صاعقة من كهرباء
يتراءى كوكبا ذا ذنب
فإذا جد فسهما ذا مضاء
فإذا جاز الثريا للثرى
جر كالطاووس ذيل الخيلاء
يملأ الآفاق صوتا وصدى
كعزيف الجن في الأرض العراء
أرسلته الأرض عنها خبرا
طن في آذان سكان السماء •••
يا شباب الغد وابناي الفدى
لكم أكرم وأعزز بالفداء
هل يمد الله لي العيش عسى
أن أراكم في الفريق السعداء
وأرى تاجكم فوق السها
وأرى عرشكم فوق ذكاء
14
من رآكم قال مصر استرجعت
عزها في عهد «خوفو» و«مناء»
أمة للخلد ما تبني إذا
ما بنى الناس جميعا للعفاء
15
تعصم الأجسام من عادي البلى
وتقي الآثار من عادي الفناء
إن أسأنا لكم أو لم نسئ
نحن هلكى فلكم طول البقاء
إنما مصر إليكم وبكم
وحقوق البر أولى بالقضاء
عصركم حر ومستقبلكم
في يمين الله خير الأمناء
لا تقولوا حطنا الدهر فما
هو إلا من خيال الشعراء
هل علمتم أمة في جهلها
ظهرت في المجد حسناء الرداء
باطن الأمة من ظاهرها
إنما السائل من لون الإناء
فخذوا العلم على أعلامه
واطلبوا الحكمة عند الحكماء
واقرءوا تاريخكم واحتفظوا
بفصيح جاءكم من فصحاء
أنزل الله على ألسنهم
وحيه في أعصر الوحي الوضاء
16
واحكموا الدنيا بسلطان فما
خلقت نضرتها للضعفاء
واطلبوا المجد على الأرض فإن
هي ضاقت فاطلبوه في السماء
شيكسبير
أعلى الممالك ما كرسيه الماء
وما دعامته بالحق شماء
17
يا جيرة «المنش» حلاكم أبوتكم
ما لم يطوق به الأبناء آباء
ملك يطاول ملك الشمس عزته
في الغرب باذخة في الشرق قعساء
18
تأوي الحقيقة منه والحقوق إلى
ركن بناه من الأخلاق بناء
أعلاه بالنظر العالي ونطقه
بحائط الرأي أشياخ أجلاء
وحاطه بالقنا فتيان مملكة
في السلم زهر ربا في الروع أرزاء
يستصرخون ويرجى فضل نجدتهم
كأنهم عرب في الدهر عرباء
19
ودولة لا يراها الظن من سعة
ولا وراء مداها فيه علياء
عصماء لا سبب الرحمن مطرح
فيها ولا رحم الإنسان قطعاء
تلك «الجزائر» كانت تحتهم ركنا
وراءهن لباغي الصيد عنقاء
20
وكان ودهم الصافي ونصرتهم
للمسلمين وراعيهم كما شاءوا •••
دستورهم عجب الدنيا وشاعرهم
يد على خلقه لله بيضاء
ما أنجبت مثل «شيكسبير» حاضرة
ولا نمت من كريم الطير غناء
21
نالت به وحده «إنجلترا» شرفا
ما لم تنل بالنجوم الكثر جوزاء
22
لم تكشف النفس لولاه ولا بليت
لها سرائر لا تحصى وأهواء
23
شعر من النسق الأعلى يؤيده
من جانب الله إلهام وإيحاء
من كل بيت كآي الله تسكنه
حقيقة من خيال الشعر غراء
24
وكل معنى كعيسى في محاسنه
جاءت به من بنات الشعر عذراء
أو قصة ككتاب الدهر جامعة
كلاهما فيه إضحاك وإبكاء
مهما تمثل تر الدنيا ممثلة
أو تتل فهي من الإنجيل أجزاء •••
يا صاحب العصر الخالي ألا خبر
عن عالم الموت يرويه الألباء
25
أما الحياة فأمر قد وصفت لنا
فهل لما بعد تمثيل وإدناء
26
بمن أماتك قل لي كيف جمجمة
غبراء في ظلمات الأرض جوفاء
27
كانت سماء بيان غير مقلعة
شؤبوبها عسل صاف وصهباء
28
فأصبحت كأصيص غير مفتقد
جفته ريحانة للشعر فيحاء
29
وكيف بات لسان لم يدع غرضا
ولم تفته من الباغين عوراء
30
عفا فأمسى زنابى عقرب بليت
وسمها في عروق الظلم مشاء
وما الذي صنعت أيدي البلى بيد
لها إلى الغيب بالأقلام إيماء
في كل أنملة منها إذا انبجست
برق ورعد وأرواح وأنواء
31
أمست من الدود مثل الدود في جدث
قفازها فيه حصباء وبوغاء
32
وأين تحت الثرى قلب جوانبه
كأنهن لوادي الحق أرجاء
تصغي إلى دقه أذن البيان كما
إلى النواقيس للرهبان إصغاء
لئن تمشى البلى تحت التراب به
لا يؤكل الليث إلا وهو أشلاء
33 •••
والناس صنفان موتى في حياتهم
وآخرون ببطن الأرض أحياء
تأبى المواهب فالأحياء بينهم
لا يستوون ولا الأموات أكفاء
يا واصف الدم يجري ها هنا وهنا
قم انظر الدم فهو اليوم دأماء
34
لاموك في جعلك الإنسان ذئب دم
واليوم تبدو لهم من ذاك أشياء
وقيل أكثر ذكر القتل ثم أتوا
ما لم تسعه خيالات وأنباء
كانوا الذئاب وكان الجهل داءهم
واليوم علمهم الراقي هو الداء
لؤم الحياة مشى في الناس قاطبة
كما مشى آدم فيهم وحواء
قم أيد الحق في الدنيا أليس له
كتيبة منك تحت الأرض خرساء
وأين صوت تميد الراسيات له
كما تمايد يوم النار سيناء
35
وأين ماضية في الظلم قاضية
وأين نافذة في البغي نجلاء
أيترك الأرض جانوها وليس بها
صحيفة منك في الجانين سوداء
تأوي إليها الأيامى فهي تعزية
ويستريح اليتامى فهي تأساء
36
أثر البال في البال (في وصف ليلة راقصة أقيمت في قصر عابدين.)
حف كأسها الحبب
فهي فضة ذهب
37
أو دوائر درر
مائج بها لبب
38
أو فم الحبيب جلا
عن جمانه الشنب
39
أو يداه باطنها
عاطل ومختضب
أو شقيق وجنته
حين لي به لعب
40
راحة النفوس وهل
عند راحة تعب
يا نديم خف بها
لا كبا بك الطرب
لا تقل عواقبها
فالعواقب الأدب
تنجلي ولي خلق
ينجلي وينسكب
يرقب الرفاق له
كلما سرى شربوا
شاعر العزيز وما
بالقليل ذا اللقب
ليلة لسيدنا
في الزمان ترتقب
دونها الرشيد وما
أخلدت له الكتب
يهرع النزيل لها
والرعية النخب
41
فالسراي جوهرة
للعقول تختلب
أو كباقة زهرا
للعيون تأتشب
42
الجلال قبته
والسنا له طنب
43
ثابت وذروته
في الفضاء تضطرب
أشرقت نوافذه
فهي منظر عجب
واستنار رفرفه
والسجوف والحجب
44
تعجب العيون له
كيف تسكن الشهب
45
أقبلت شموس ضحى
ما لهن منتقب
46
الظلام رايتها
وهي جيشه اللجب
47
في هوادج عجلا
بالجياد تنسحب
قام دونها سبب
واستحثها سبب
48
فهي تارة مهل
وهي تارة خبب
49
ترتمي بهن حمى
لا يجوزه رغب
50
بابه لداخله
جنة هي الأرب
قامت السراة به
والمعية النجب
51
وانبرى النساء له
عجمهن والعرب
العفاف زينتها
والجمال والحسب
أنجم مطالعها
عابدين والرحب
52
سيدي لها فلك
وهي منه تقترب
عند ركن حجرته
بدره لنا كثب
53
يزدهي السرير به
والمطارف القشب
54
حول عرشه عجم
حول عرشه عرب
رتبة الجدود له
تستوي بها الرتب
شرفت به وسما
تالد ومكتسب
55
الليوث ماثلة
والظباء تنسرب
الحرير ملبسها
واللجين والذهب
56
والقصور مسرحها
لا الرمال والعشب
يستفزها نغم
لا صدى ولا لجب
57
يستعاد مرقصه
تارة ويقتضب
فالقدود بان ربا
بيد أنها تثب
58
يلعب العناق بها
وهو مشفق حدب
59
فهي مرة صعد
وهي مرة صبب
60
وهي ها هنا وهنا
تلتقي وتصطحب
مثلما التقت أسل
أو تعانقت قضب
61
الرءوس مائلة
في الصدور تحتجب
والنحور قائمة
قاعد بها الوصب
62
والنهود هامدة
والخدود تلتهب
والخصور واهية
بالبنان تنجذب
سالت الأكف بها
فهي أغصن نهب
63
الخوان دائرة
الملا لها قطب
64
للوفود مائدة
منه أينما انقلبوا
والطريق متصل
نحوه ومنشعب
والطعام حاضره
والمزيد منتهب
بارد ومن عجب
يشتهى ويطلب
سائغ لذي سغب
سائغ ولا سغب
65
حاضر لدى طلب
حاضر ولا طلب
والمدام أكؤسها
ما تغيض والعلب
66
وهي بيننا سلب
والنهى لها سلب
67
شرفت منافحها
واعتلى بها العنب
حولها الحوائم ما
ينقضي لها قرب
68
يغتبطن في حرم
لا تناله الريب
ما سوى الحديث به
يبتغى ويجتذب
هكذا الكرام كرا
م «وإن هم طربوا»
ليلة علت وغلت
ليت فجرها كذب
يكفل الأمير لنا
أن تعيدها الحقب
69
عاش للندى ملك
سيد لنا وأب
حاتم الملوك إذا
ضاق بالندى النشب
70
السرور أنعمه
والهناء ما يهب
والندى سجيته
والحنان والحدب
71
يا عزيز دام لنا
روض عزك الأشب
72
هذه عروس نهى
في القبول ترتغب
73
زفها لكم وجلا
شاعر الحمى الأرب
احتفى الحضور بها
واكتفى بها الغيب
74
أنتم الظلال لنا
والمنازل الخصب
لو مدحتكم زمني
لم أقم بما يجب
مرقص (نظمت هذه القصيدة في وصف مرقص أقيم بسراي عابدين سنة 1904م.)
مال واحتجب
وادعى الغضب
ليت هاجري
يشرح السبب
عتبه رضا
ليته عتب
عل بيننا
واشيا كذب
أو مفندا
يخلق الريب
75
من لمدنف
دمعه سحب
76
بات متعبا
همه اللعب
يستوي خل
عنده وصب
ذقت صده
غير محتسب
ضقت فيه بالر
سل والكتب
كلما مشى
أخجل القضب
بين عينه
والمها نسب
ماء خده
شف عن لهب
ساقي الطلا
شربها وجب
77
هاتها مشت
فوقها الحقب
78
بابلية
تنفث الحبب
79
إن كرمها
آدم العنب
هذبت ففي
دنها الأدب
اسقها فتى
خير من شرب
كلما طغى
راضها الحسب «عابدين» أم
هالة عجب
80
أسه الهدى
والعلا طنب
81
مشرف الذرا
مائج الرحب
قام ربه
يرفع الحجب
عند عرشه
عرش «منحتب»
دون عزه «تبع» الغلب
السراة من
وفده النخب
حول سدة
حقها الرغب
طاب عندها ال
عجم والعرب
وارتضى الملا
من بني الصلب
من حسانهم
سرب انسرب
بين كوكب
يسحب الذنب
عند جؤذر
فاتن الشنب
82
عند شادن
حاسر اللبب
83
تذهب النهى
أينما ذهب
يلفت الملا
كلما وثب
في غلائل
سندس قشب
84
دونهن لا
يثبت اليلب
85
قر نهده
عطفه اضطرب
خصره هبا
صدره صبب
يركض النهى
مشيه الخبب
رائعا كما
شاء في الكتب
آنسا إلى
شبهه انجذب
يستخفه
أينما انقلب
مطرب من الل
حن منتخب
يجمع الملا
يحضر الغيب
ما حدا المها
قبله طرب •••
يا ابن خير أب
يا أبا النجب
أنت «حاتم»
للقرى انتدب
في خوانه
كل ما يجب
لم تقم على
مثله القبب
أنهل البرا
يا وما نضب
أطعم الورى
لم يقل جدب
ما بهم صدى
ما بهم سغب
86
قم أبا «نوا
س» انظر النشب
87
ما الخصيب ما ال
بحر ذو العبب
هل عهدته
يمطر الذهب
ذا هو الجنا
ب الذي خصب
ظلل الورى
روضه الأشب
88
خير من دعا
خير من أدب
89 ••• «رب مصر» عش
وابلغ الأرب
لم تزل ليا
ليك ترتقب
مثل صفوها الد
هر ما وهب
أحيها لنا
عدة الشهب
هاك مدحة الش
اعر الأرب
90
زفها إلى
خير من خطب
فارسية
بزت العرب
لم يجئ بها
شاعر ذهب
إن تراعها
تسمع العجب
91
بيد أنها
بعض ما وجب
تحلية كتاب (قيلت بمناسبة تأليف كتاب فتح مصر الحديث لحافظ بك عوض.) (صفة الكتاب - صفة التاريخ - صفة الجبرتي - واقعة الأهرام.)
أنا من بدل بالكتب الصحابا
لم أجد لي وافيا إلا الكتابا
صاحب إن عبته أو لم تعب
ليس بالواجد للصاحب عابا
كلما أخلقته جددني
وكساني من حلى الفضل ثيابا
صحبة لم أشك منها ريبة
ووداد لم يكلفني عتابا
رب ليل لم نقصر فيه عن
سمر طال على الصمت وطابا
كان من هم نهاري راحتي
ونداماي ونقلي والشرابا
92
إن يجدني يتحدث أو يجد
مللا يطوي الأحاديث اقتضابا
تجد الكتب على النقد كما
تجد الإخوان صدقا وكذابا
فتخيرها كما تختاره
وادخر في الصحب والكتب اللبابا
صالح الإخوان يبغيك التقى
ورشيد الكتب يبغيك الصوابا •••
غال بالتاريخ واجعل صحفه
من كتاب الله في الإجلال قابا
قلب الإنجيل وانظر في الهدى
تلق للتاريخ وزنا وحسابا
رب من سافر في أسفاره
بليالي الدهر والأيام آبا
واطلب الخلد ورمه منزلا
تجد الخلد من التاريخ بابا
عاش خلق ومضوا ما نقصوا
رقعة الأرض ولا زادوا الترابا
أخذ التاريخ مما تركوا
عملا أحسن أو قولا أصابا
ومن الإحسان أو من ضده
نجح الراغب في الذكر وخابا
مثل القوم نسوا تاريخهم
كلقيط عي في الناس انتسابا
أو كمغلوب على ذاكرة
يشتكي من صلة الماضي انقضابا
93 •••
يا أبا «الحفاظ» قد بلغتنا
طلبة بلغك الله الرغابا
لك في الفتح وفي أحداثه
فتح الله حديثا وخطابا
من يطالعه ويستأنس به
يجد الجد ولا يعدم دعابا
صحف ألفتها في شدة
يتلاشى دونها الفكر انتهابا
لغة «الكامل» في استرساله «وابن خلدون» إذا صح وصابا
إن للفصحى زماما ويدا
تجنب السهل وتقتاد الصعابا
94
لغة الذكر لسان المجتبى
كيف تعيا بالمنادين جوابا
كل عصر دارها إن صادفت
منزلا رحبا وأهلا وجنابا
95
ائت بالعمران روضا يانعا
وادعها تجر ينابيع عذابا
لا تجئها بالمتاع المقتنى
سرقا من كل قوم ونهابا
سل بها أندلسا هل قصرت
دون مضمار العلا حين أهابا
غرست في كل ترب أعجم
فزكت أصلا كما طابت نصابا
ومشت مشيتها لم ترتكب
غير رجليها ولم تحجل غرابا
96 •••
إن عصرا قمت تجلوه لنا
لبس الأيام دجنا وضبابا
97
المماليك تمشى ظلمهم
ظلمات كدجى الليل حجابا
كلهم كافور أو عبد الخنا
غير أن المتنبي عنه خابا
98
ولكل شيعة من جنسه
إن للشر إلى الشر انجذابا
ظلمات لا ترى في جنحها
غير هذا الأزهر السمح شهابا
99
زيدت الأخلاق فيه حائطا
فاحتمى فيها رواقا وقبابا
وترى الأعزال من أشياخه
صيروه بسلاح الحق غابا
100
قسما لولاه لم يبق بها
رجل يقرأ أو يدري الكتابا
حفظ الدين مليا ومضى
ينقذ الدنيا فلم يملك ذهابا
101
أوذيت هيبته من عجزه
وقصارى عاجز ألا يهابا
لم تغادر قلما في راحة
دولة ما عرفت إلا الحرابا
أقعد الله «الجبرتي» لها
قلما عن غائب الأقلام نابا
102
خبأ «الشيخ» لها في ردنه
مرقما أدهى من الصل انسيابا
103
ملك لم يغض عن سيئة
يا له من ملك يهوى السبابا
104
لا يراه الظلم في كاهله
وهو يكوي كاهل الظلم عقابا
صحف «الشيخ» ويومياته
كزمان الشيخ سقما واضطرابا
من حواش كجليد لم يذب
وفصول تشبه التبر المذابا
و«الجبرتي» على فطنته
مرة يغبى وحينا يتغابى
105
منصف ما لم يرض عاطفة
أو يعالج لهوى النفس غلابا
106
وإذا الحي تولى بالهوى
سيرة الحي بغى فيها وحابى •••
وقعة الأهرام جلت موقعا
وتعالت في المغازي أن ترابا
107
عظة الماضي وملقى درسه
لعقول تجعل الماضي مثابا
108
من بنات الدهر إلا أنها
تنشر الدهر وتطويه كعابا
109
ومن الأيام ما يبقى وإن
أمعن الأبطال في الدهر احتجابا
هي من أي سبيل جئتها
غاية في المجد لا تدنو طلابا
انظر الشرق تجدها صرفت
دولة الشرق استواء وانقلابا
جلبت خيرا وشرا وسقت
أمما في مهدهم شهدا وصابا
110
في «نصيبين» لبسنا حسنها
وعلى التل لبسناها معابا
111
إن سربا زحف «النسر» به
قطع الأرض بطاحا وهضابا
112
إن ترامت بلدا عقبانه
خطفت تاجا أو اصطادت عقابا
113
شهد «الجيزي» منهم عصبة
لبسوا الغار على الغار اعتصابا
114
كذئاب القفر من طول الوغى
واختلاف النقع لونا وإهابا
115
قادهم للفتح في الأرض فتى
لو تأنى حظه قاد السحابا
غرت الناس به نكبته
جمع الجرح على الليث الذبابا
برزت بالمنظر الضاحي لهم
فيلق كالزهر حسنا والتهابا
116
حلي الفرسان فيها جوهرا
وجلال الخيل درا وذهابا
117
في سلاح كحلي الغيد ما
لمست طعنا ولا مست ضرابا
طرحت مصر فكانت «موميا»
بين لصين أراداها جذابا
نالها الأعرض ظفرا منهما
من ذئاب الحرب والأطول نابا
وبنو الوادي رجالات الحمى
وقفوا من ساقة الجيش ذنابى
موقف العاجز من خلف الوغى
يحرس الأحمال أو يسقي مصابا
الربيع ووادي النيل (إلى «هول كين» الكاتب الروائي الشهير.)
آذار أقبل قم بنا يا صاح
حي الربيع حديقة الأرواح
واجمع ندامى الظرف تحت لوائه
وانشر بساحته بساط الراح
صفو أتيح فخذ لنفسك قسطها
فالصفو ليس على المدى بمتاح
واجلس بضاحكة الرياض مصفقا
لتجاوب الأوتار والأقداح
واستأنسن من السقاة برفقة
غر كأمثال النجوم صباح
رقت كندمان الملوك خلالهم
وتجملوا بمروءة وسماح
واجعل صبوحك في البكور سليلة
للمنجبين الكرم والتفاح
118
مهما فضضت دنانها فاستضحكت
ملئ المكان سنا وطيب نفاح
تطغى فإن ذكرت كريم أصولها
خلعت على النشوان حلية صاحي «فرعون» خبأها ليوم فتوحه
وأعد منها قربة ل «فتاح»
119
ما بين شاد في المجالس أيكه
ومحجبات الأيك في الأدواح
120
غرد على أوتاره يوحي إلى
غرد على أغصانه صداح
بيض القلانس في سواد جلابب
حلين بالأطواق والأوضاح
رتلن في أوراقهن ملاحنا
كالراهبات صبيحة الإفصاح
يخطرن بين أرائك ومنابر
في هيكل من سندس فياح •••
ملك النبات فكل أرض داره
تلقاه بالأعراس والأفراح
منشورة أعلامه من أحمر
قان وأبيض في الربى لماح
لبست لمقدمه الخمائل وشيها
ومرحن في كنف له وجناح
يغشى المنازل من لواحظ نرجس
آنا وآنا من ثغور أقاح
121
ورءوس «منثور» خفضن لعزه
تيجانهن عواطر الأرواح
الورد في سرر الغصون مفتح
متقابل يثني على الفتاح
ضاحي المواكب في الرياض مميز
دون الزهور بشوكة وسلاح
مر النسيم بصفحتيه مقبلا
مر الشفاه على خدود ملاح
هتك الردى من حسنه وبهائه
بالليل ما نسجت يد الإصباح
ينبيك مصرعه وكل زائل
أن الحياة كغدوة ورواح
ويقائق النسرين في أغصانها
كالدر ركب في صدور رماح
122
و«الياسمين» لطيفه ونقيه
كسريرة المتنزه المسماح
متألق خلل الغصون كأنه
في بلجة الأفنان ضوء صباح
123
و«الجلنار» دم على أوراقه
قاني الحروف كخاتم السفاح
وكأن مخزون «البنفسج» ثاكل
يلقى القضاء بخشية وصلاح
وعلى «الخواطر» رقة وكآبة
كخواطر الشعراء في الأتراح
124
والسرو في الحبر السوابغ كاشف
عن ساقه كمليحة مفراح
125
و«النخل» ممشوق العذوق معصب
متزين بمناطق ووشاح
كبنات فرعون شهدن مواكبا
تحت «المراوح» في نهار ضاح
وترى الفضاء كحائط من مرمر
نضدت عليه بدائع الألواح
الغيم فيه كالنعام بدينة
بركت وأخرى حلقت بجناح
والشمس أبهى من عروس برقعت
يوم الزفاف بعسجد وضاح
والماء بالوادي يخال مساربا
من زئبق أو ملقيات صفاح
126
بعثت له شمس النهار أشعة
كانت حلى «النيلوفر» السباح
يزهو على ورق الغصون نثيرها
زهو الجواهر في بطون الراح
وجرت سواق كالنوادب بالقرى
رعن الشجي بأنة ونواح
الشاكيات وما عرفن صبابة
الباكيات بمدمع سحاح
من كل بادية الضلوع غليلة
والماء في أحشائها ملواح
127
تبكي إذا ونيت وتضحك إن هفت
كالعيس بين تنشط ورزاح
128
هي في السلاسل والغلول وجارها
أعمى ينوء بنيره الفداح •••
إني لأذكر بالربيع وحسنه
عهد الشباب وطرفه الممراح
129
هل كان إلا زهرة كزهوره
عجل الفناء لها بغير جناح ••• «هول كين» مصر رواية لا تنتهي
منها يد الكتاب والشراح
فيها من البردي والمزمور والت
وراة والفرقان والإصحاح
130 «ومنا» و«قمبيز» على «إسكندر»
فالقيصرين فذي الجلال «صلاح»
تلك الخلائق والدهور خزانة
فابعث خيالك يأت بالمفتاح
أفق البلاد وأنت بين ربوعها
بالنجم مزدان وبالمصباح
مسجد أيا صوفيا
كنيسة صارت إلى مسجد
هدية السيد للسيد
كانت لعيسى حرما فانتهت
بنصرة الروح إلى أحمد
شيدها الروم وأقيالهم
على مثال الهرم المخلد
131
تنبئ عن عز وعن صولة
وعن هوى للدين لم يخمد
مجامر الياقوت في صحنها
تملؤه من ندها الموقد
132
ومثل ما قد أودعت من حلى
لم تتخذ دارا ولم تحشد
كانت بها العذراء من فضة
وكان روح الله من عسجد
عيسى من الأم لدى هالة
والأم من عيسى لدى فرقد
جلاهما فيها وحلاهما
مصور الروم القدير اليد
وأودع الجدران من نقشه
بدائعا من فنه المفرد
فمن ملاك في الدجى رائح
عند ملاك في الضحى مغتدي
ومن نبات عاش كالببغا
وهو على الحائط غض ندي
فقل لمن شاد فهد القوى
قوى الأجير المتعب المجهد
كأنه فرعون لما بنى
لربه بيتا فلم يقصد
133
أيعبد الله بسوم الورى
ما لا يسام العير في المقود
134
كنيسة كالفدن المعتلي
ومسجد كالقصر من أصيد
135
والله عن هذا وذا في غنى
لو يعقل الإنسان أو يهتدي
قد جاءها «الفاتح» في عصبة
من الأسود الركع السجد
رمى بهم بنيانها مثلما
يصطدم الجلمد بالجلمد
136
فكبروا فيها وصلى العدا
واختلط المشهد بالمشهد
وما توانى الروم يفدونها
والسيف في المفدي والمفتدي
فخلتها من قيصر سعده
وأيدت بالقيصر الأسعد
بفاتح غاز عفيف القنا
لا يحمل الحقد ولا يعتدي
أجار من ألقى مقاليده
منهم وأصفى الأمن للمرتدي
وناب عما كان من زخرف
جلالة المعبود في المعبد
فيا لثأر بيننا بعده
أقام لم يقرب ولم يبعد
باق كثأر «القدس» من قبله
لا ننتهي منه ولا يبتدي
فلا يغرنك سكون الملا
فالشر حول الصارم المغمد
لن يترك الروم عباداتهم
أو ينزل الترك عن السؤدد
هذا لهم بيت على بيتهم
ما أشبه المسجد بالمسجد
فإن يعادوا في مفاتيحه
فيا ليوم للورى أسود
يشيب فيه الطفل في مهده
ويزعج الميت من المرقد
فكن لنا اللهم في أمسنا
وكن لنا اليوم وكن في غد
لولا ضلال سابق لم يقم
من أجلك الخلق ولم يقعد
فكل شر بينه أو أذى
أنت براء منه طهر اليد
غاب بولونيا
137
يا غاب بولون ولي
ذمم عليك ولي عهود
زمن تقضى للهوى
ولنا بظلك هل يعود
حلم أريد رجوعه
ورجوع أحلامي بعيد
وهب الزمان أعادها
هل للشبيبة من يعيد
يا غاب بولون وبي
وجد مع الذكرى يزيد
خفقت لرؤيتك الضلو
ع وزلزل القلب العميد
138
وأراك أقسى ما عهد
ت فما تميل ولا تميد
كم يا جماد قساوة
كم؟ هكذا أبدا جحود؟
هلا ذكرت زمان كن
والزمان كما نريد
نطوي إليك دجى الليا
لي والدجى عنا يذود
فنقول عندك ما نقو
ل وليس غيرك من يعيد
نطقي هوى وصبابة
وحديثها وتر وعود
نسري ونسرح في فضا
ئك والرياح به هجود
والطير أقعدها الكرى
والناس نامت والوجود
فنبيت في الإيناس يغ
بطنا به النجم الوحيد
في كل ركن وقفة
وبكل زاوية قعود
نسقي ونسقى والهوى
ما بين أعيننا وليد
فمن القلوب تمائم
ومن الجنوب له مهود
والغصن يسجد في الفضا
ء وحبذا منه السجود
والنجم يلحظنا بعي
ن ما تحول ولا تحيد
حتى إذا دعت النوى
فتبدد الشمل النضيد
بتنا ومما بيننا
بحر ودون البحر بيد
ليلي بمصر وليلها
بالغرب وهو بها سعيد
المرأة العثمانية
يا ملكا تعبدا
مصليا موحدا
مباركا في يومه
والأمس ميمونا غدا
مسخرا لأمة
من حقها أن تسعدا
قد جعلته تاجها
وعزها والسؤددا
وأعرضت حيث مشى
وأطرقت حيث بدا
تجله في حسنه
كما تجل الفرقدا
أنت شعاع من عل
أنزله الله هدى
كم قد أضاء منزلا
وكم أنار مسجدا
وكم كسا الأسواق من
حسن وزان البلدا
لولا التقى لقلت لم
يخلق سواك الولدا
إن شئت كان العير أو
إن شئت كان الأسدا
وإن ترد غيا غوى
أو تبغ رشدا رشدا
والبيت أنت الصوت في
ه وهو للصوت صدى
كالببغا في قفص
قيل له فقلدا
وكالقضيب اللدن قد
طاوع في الشكل اليدا
يأخذ ما عودته
والمرء ما تعودا
مما انفردت في الورى
بفضله وانفردا
وكل ليث قد رمى
به الإمام في العدا
أنت الذي جندته
وسقته إلى الردى
وقلت كن لله والس
لطان والترك فدى
الهلال
سنون تعاد ودهر يعيد
لعمرك ما في الليالي جديد
أضاء لآدم هذا الهلال
فكيف تقول الهلال الوليد
نعد عليه الزمان القريب
ويحصي علينا الزمان البعيد
على صفحتيه حديث القرى
وأيام «عاد» ودنيا «ثمود»
و«طيبة» آهلة بالملوك «وطيبة» مقفرة بالصعيد
يزول ببعض سناه الصفا
ويفنى ببعض سناه الحديد
139
ومن عجب وهو جد الليالي
يبيد الليالي فيما يبيد •••
يقولون يا عام قد عدت لي
فيا ليت شعري بماذا تعود
لقد كنت لي أمس ما لم أرد
فهل أنت لي اليوم ما لا أريد
ومن صابر الدهر صبري له
شكا في الثلاثين شكوى «لبيد»
140
ظمئت ومثلي بري أحق
كأني حسين ودهري يزيد
141
تغابيت حتى صحبت الجهول
وداريت حتى صحبت الحسود
منظر الشروق والغروب في عالم الماء من أعلى السفينة
لمن غرة تنجلي من بعيد
بمرأى كما الحلم ضاح سعيد
تهز الوجود تباشيرها
كما هز من والديه الوليد
ويغشى الدنا من حلاها سنا
أضاء لنا كل حال نضيد
142
من الموج ملتمع مثلما
تحلت نحور الدمى بالعقود
143
أتتنا من الماء مهتزة
منورة تعتلي للوجود
وتصعد من غير ما سلم
فيا للمصور هذا الصعود
وهذا المنير القريب القريب
وهذا المنير البعيد البعيد
وهذا المنير الذي لن يرى
وهذا المنير وكل شهيد
وهذا الجسام الخفيف الخطا
وهذا الجسام الذي ما يميد
ويا للمصور آثارها
بكل بحار وفي كل بيد
وتقليلها كل جم السنا
وتصغيرها كل عال مشيد
من النار لكن أطرافها
تدور بياقوتة لن تبيد
من النار لكن أنوارها
إلهية زينت للعبيد
هي الشمس كانت كما شاءها
ممات القديم حياة الجديد
ترد المياه إلى حدها
وتبلي جبال الصفا والحديد
144
وتطلع بالعيش أو بالردى
على الزرع قائمه والحصيد
وتسعى لذا الناس مهما سعت
بخير الوعود وشر الوعيد
وقد تتجلى إذا أقبلت
بنعمى الشقي وبؤسى السعيد
وقد تتولى إذا أدبرت
وليست بمأمونة أن تعود
فما للغروب يهيج الأسى
وكان الشروق لنا أي عيد
كذا المرء ساعة ميلاده
وساعة يدعو الحمام العنيد
وليس بجار ولا واقع
سوى الحق مما قضاه المريد
منظر طلوع البدر من سفينة
ملك السماء بهرت في الأنوار
ففداك كل متوج من ساري
لما طلعت على المياه تنيرها
سكنت وقد كانت بغير قرار
وزهت لناظرها السماء وقر ما
في البحر من عبب ومن تيار
145
وأهل لله السراة وأزلفوا
لك في الكمال تحية الإكبار
وتأملوك فكل جارحة لهم
عين تسامر نورها وتساري
والبدر منك على العوالم يجتلي
بشر الوجوه وزحمة الأبصار
متقدم في النور محجوب به
موف على الآفاق بالأسفار
يا درة الغواص أخرج ظافرا
يمناه يجلوها على النظار
متهللا في الماء أبدى نصفه
يسمو بها والنصف كاس عار
وافى بك الأفق السماء فأسفرت
عن قفل ماس في سوار نضار
ونهضت يزهو الكون منك بمنظر
ضاح ويحمل منك تاج فخار
الماء والآفاق حولك فضة
والشهب دينار لدى دينار
والفلك مشرقة الجوانب في الدجى
يبدو لها ذيل من الأنوار
بينا تخطر في لجين مائج
إذ تنثني في عسجد زخار
وكأنها والموج منتظم وقد
أوفيت ثم دنوت كالمحتار
غيداء لاهية تخط لأغيد
شعرا ليقرأه وأنت القاري
فليهن بدر الأرض أنك صنوه
ونظيره قربا وبعد مزار
وحلاكما ما البدر إلا أنتما
وسواكما قمر من الأقمار
أنت الكريم على الوجود بوجهه
وهي الضنينة بالخيال الساري
هيفاء أهواها وأعشق ذكرها
لكن أداري والمحب يداري
لي في الهوى سر أبيت أصونه
والله مطلع على الأسرار
بلدة المؤتمر لناظرها في بهجة مناظرها
جنيف وضواحيها
لا السهد يدنيني إليه ولا الكرى
طيف يزور بفضله مهما سرى
تخذ الدجى وسماءه ونجومه
سبلا إلى جفنيك لم يرض الثرى
وأتاك موفور النعيم تخاله
ملكا تنم به السماء مطهرا
علم الظلام هبوطه فمشت له
أهدابه يأخذنه متحدرا
وحمى النسائم أن تروح وأن تجي
حذرا وخوفا أن يراع ويذعرا
ورقدت تزلف للخيال مكانه
بين الجفون وبين هدبك والكرى
فهنئته مثل السعادة شائقا
متصورا ما شئت أن يتصورا
تطوي له الرقباء منصور الهوى
وتدوس ألسنة الوشاة مظفرا
لولا امتنان العين يا طيف الرضا
ما سامحت أيامها فيما جرى
باتت مشوقة وبات سوادها
زونا بتمثال الجمال منورا
تعطى المنى وتنيلهن خليقة
بك أن تقدم في المنى وتؤخرا
وتعانق القمر السني عزيزة
حتى إذا ودعت عانقت الثرى
في ليلة قدم الوجود هلالها
فدنت كواكبها تعلمه السرى
وتريه آثار البدور ليقتفي
ويرى له الميلاد أن يتصدرا
ناجيت من أهوى وناجاني بها
بين الرياض وبين ماء «سويسرا»
حيث الجبال صغارها وكبارها
من كل أبيض في الفضاء وأخضرا
تخذ الغمام بها بيوتا فانجلت
مشبوبة الأجرام شائبة الذرا
والصخر عال قام يشبه قاعدا
وأناف مكشوف الجوانب منذرا
بين الكواكب والسحاب ترى له
أذنا من الحجر الأصم ومشفرا
146
والسفح من أي الجهات أتيته
ألفيته درجا يموج مدورا
نثر الفضاء عليه عقد نجومه
فبدا زبرجده بهن مجوهرا
وتنظمت بيض البيوت كأنها
أوكار طير أو خميس عسكرا
147
والنجم يبعث للمياه ضياءه
والكهرباء تضيء أثناء الثرى
هام الفراش بها وحام كتائبا
يحكي حواليها الغمام مسيرا
خلقت لرحمته فباتت ناره
بردا ونار العاشقين تسعرا
والماء من فوق الديار وتحتها
وخلالها يجري ومن حول القرى
متصوبا متصعدا متمهلا
متسرعا متسلسلا متعثرا
والأرض جسر حيث درت ومعبر
يصلان جسرا في المياه ومعبرا
والفلك في ظل البيوت مواخرا
تطوي الجداول نحوها والأنهرا
حتى إذا هدأ الملا في ليله
جاذبت ليلي ثوبه متحيرا
وخرجت من بين الجسور لعلني
أستقبل العرف الحبيب إذا سرى
آوي إلى الشجرات وهي تهزني
وقد اطمأن الطير فيها بالكرى
ويهز مني الماء في لمعانه
فأميل أنظر فيه أطمع أن أرى
وهنالك ازدهت السماء وكان أن
آنست نورا ما أتم وأبهرا
فسريت في لألائه وإذا به
بدر تسايره الكواكب خطرا
حلم أعارتني العناية سمعها
فيه فما استتممت حتى فسرا
فرأيت صفوي جهرة وأخذت أن
سى يقظة ومناي لبت حضرا
وأشرت هل لقيا فأوحي أن غدا
بالطود أبيض من جبال «سويسرا»
إن أشرقت زهراء تسمو للضحى
وإذا هوت حمراء في تلك الذرا
فشروقها منه أتم معانيا
وغروبها أجلى وأكمل منظرا
تبدو هنالك للوجود وليدة
تهنا بها الدنيا ويغتبط الثرى
وتضيء أثناء الفضاء بغرة
لاحت برأس الطود تاجا أزهرا
فسمت فكانت نصف طار ما بدا
حتى أناف فلاح طارا أكبرا
يعلو العوالم مستقلا ناميا
مستعصيا بمكانه أن ينقرا
سالت به الآفاق لكن عسجدا
وتغطت الأشباح لكن جوهرا
واهتز فالدنيا له مهتزة
وأنار فانكشف الوجود منورا
حتى إذا بلغ السمو كماله
أذنت لداعي النقص تهوي القهقرى
148
فدنت لناظرها ودان عنانها
وتبدل المستعظم المستصغرا
واصفر أبيض كل شيء حولها
واحمر برقعها وكان الأصفرا
وسما إليها الطود يأخذها وقد
جعلت أعاليه شريطا أحمرا
مسته فاشتعلت بها جنباته
وبدت ذراه الشم تحمل مجمرا
فكأنما مدت به نيرانها
شركا لتصطاد النهار المدبرا
حرقته واحترقت به فتوليا
وأتى طلولهما الظلام فعسكرا
فشروقها الأمل الحبيب لمن رأى
وغروبها الأجل البغيض لمن درى
خطبان قاما بالفناء على الصفا
ما كان بينهما الصفاء ليعمرا
تتغير الأشياء مهما عاودا
والله عز وجل لن يتغيرا
أنهارنا تحت «السليف» وفوقه
ولدى جوانبه وما بين الذرا
رجلا وركبانا وزحلقة على
عجل هنالك كهربائي السرى
في مركب مستأنس سالت به
قضب الحديد تعرجا وتحدرا
ينساب ما بين الصخور تمهلا
ويخف بين الهوتين تخطرا
وإذا اعتلى بالكهرباء لذروة
عصماء هم معانقا متسورا
لما نزلنا عنه في أم الذرا
قمنا على فرع «السليف» لننظرا
أرض تموج بها المناظر جمة
وعوالم نعم الكتاب لمن قرا
وقرى ضربن على المدائن هالة
ومدائن حلين أجياد القرى
ومزارع للناظرين روائع
لبس الفضاء بها طرازا أخضرا
والماء غدر ما أرق وأغزرا
وجداول هن اللجين وقد جرى
فحشون أفواه السهول سبائكا
وملأن أقبال الرواسخ جوهرا
149
قد صغر البعد الوجود لنا فيا
لله ما أحلى الوجود مصغرا
وقال يصف مشاهد الطبيعة في طريقه إلى الآستانة قادما من أوروبا:
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري
حتى أريك بديع صنع الباري
الأرض حولك والسماء اهتزتا
لروائع الآيات والآثار
من كل ناطقة الجلال كأنها
أم الكتاب على لسان القاري
150
دلت على ملك الملوك فلم تدع
لأدلة الفقهاء والأحبار
151
من شك فيه فنظرة في صنعه
تمحو أثيم الشك والإنكار •••
كشف الغطاء عن «الطرول» وأشرقت
منه الطبيعة غير ذات ستار
شبهتها «بلقيس» فوق سريرها
في نضرة ومواكب وجواري
أو ب «ابن داوود» وواسع ملكه
ومعالم للعز فيه كبار
152
هوج الرياح خواشع في بابه
والطير فيه نواكس المنقار
153 •••
قامت على ضاحي الجنان كأنها
رضوان يزجي الخلد للأبرار
154
كم في الخمائل وهي بعض إمائها
من ذات خلخال وذات سوار
155
وحسيرة عنها الثياب وبضة
في الناعمات تجر فضل إزار
156
وضحوك سن تملأ الدنيا سنا
وغريقة في دمعها المدرار
ووحيدة بالنجد تشكو وحشة
وكثيرة الأتراب بالأغوار
157 •••
ولقد تمر على الغدير تخاله
والنبت مرآة زهت بإطار
158
حلو التسلسل موجه وجريره
كأنامل مرت على أوتار
مدت سواعد مائه وتألقت
فيها الجواهر من حصى وجمار
159
ينساب في مخضلة مبتلة
منسوجة من سندس ونضار
160
زهراء عون العاشقين على الهوى
مختارة الشعراء في آذار
قام الجليد بها وسال كأنه
دمع الصبابة بل غصن عذار
وترى السماء ضحى وفي جنح الدجى
منشقة عن أنهر وبحار
161
في كل ناحية سلكت ومذهب
جبلان من صخر وماء جاري
من كل منهمر الجوانب والذرا
غمر الحضيض مجلل بوقار
162
عقد الضريب له عمامة فارع
جم المهابة من شيوخ نزار
163
ومكذب بالجن ريع لصوتها
في الماء منحدرا وفي التيار
ملأ الفضاء على المسامع ضجة
فكأنما ملأ الجهات ضواري
وكأنما طوفان نوح ما نرى
والفلك قد مسخت حثيث قطار
يجري على مثل الصراط وتارة
ما بين هاوية وجرف هاري •••
جاب الممالك حزنها وسهولها
وطوى شعاب «الصرب» و«البلغار»
164
حتى رمى برحالنا ورجائنا
في ساح مأمول عزيز الجار
ملك بمفرقه إذا استقبلته
تاجان تاج هدى وتاج فخار
سكن «الثريا» مستقر جلاله
ومشت مكارمه إلى الأمصار
فالشرق يسقى ديمة بيمينه
والغرب تمطره غيوث يسار
165
ومدائن البرين في إعظامه
وعوالم البحرين في الإكبار
الله أيده بآساد الشرى
في صورة المتدجج الجرار
الصاعدين إلى العدو على الظبا
النازلين على القنا الخطار
166
المشترين الله بالأبناء وال
أزواج والأموال والأعمار
القائمين على لواء نبيه
المنزلين منازل الأنصار •••
يا عرش «قسطنطين» نلت مكانة
لم تعطها في سالف الأعصار
شرفت بالصديق والفاروق بل
بالأقرب الأدنى من المختار
حامي الخلافة مجدها وكيانها
بالرأي آونة وبالبتار
167 •••
تاهت «فروق» على العواصم وازدهت
بجلوس أصيد باذخ المقدار
168 «جم الجلال كأنما كرسيه
جزء من الكرسي ذي الأنوار»
أخذت على «البسفور» زخرفها دجى
وتلألأت كمنازل الأقمار
فالبدر ينظر من نوافذ منزل
والشمس ثم مطلة من دار
وكواكب الجوزاء تخطر في الربى «والنسر» مطلعه من الأشجار
واسم الخليفة في الجهات منور
تبدو السبيل به ويهدي الساري
كتبوه في شرف القصور وطالما
كتبوه في الأسماع والأبصار •••
يا واحد الإسلام غير مدافع
أنا في زمانك واحد الأشعار
لي في ثنائك وهو باق خالد
شعر على الشعرى المنيعة زاري
169
أخلصت حبي في الإمام ديانة
وجعلته حتى الممات شعاري
لم ألتمس عرض الحياة وإنما
أقرضته في الله والمختار
إن الصنيعة لا تكون كريمة
حتى تقلدها كريم نجار
والحب ليس بصادق ما لم تكن
حسن التكرم فيه والإيثار
والشعر إنجيل إذا استعملته
في نشر مكرمة وستر عوار
وثنيت عن كدر الحياض عنانه
إن الأديب مسامح ومداري
عند العواهل من سياسة دهرهم
سر وعندك سائر الأسرار «هذا مقام أنت فيه محمد
أعداء ذاتك فرقة في النار» «إن الهلال وأنت وحدك كهفه
بين المعاقل منك والأسوار»
لم يبق غيرك من يقول أصونه
صنه بحول الواحد القهار
البسفور كأنك تراه
على أي الجنان بنا تمر
وفي أي الحدائق تستقر
رويدا أيها الفلك الأبر
بلغت بنا الربوع فأنت حر
170 •••
سهرت ولم تنم للركب عين
كأن لم يضوهم ضجر وأين
171
يحث خطاك لج بل لجين
بل الإبريز بل أفق أغر
172 •••
على شبه السهول من المياه
تحيط بك الجزائر كالشياه
وأنت لهن راع ذو انتباه
تكر مع الظلام ولا تفر •••
ينيف البدر فوقك بالهباء
رفيعا في السمو بلا انتهاء
173
تخالكما العيون إلى التقاء
ودون الملتقى كون ودهر •••
إلى أن قيل هذا «الدردنيل»
فسرت إليه والفجر الدليل
يجيزك والأمان به سبيل
إذا هو لم يجز فالماء خمر •••
تمر من المعاقل والجبال
بعال فوق عال خلف عالي
إذا أومأن وقفت الليالي
وتحمي الحادثات فلا تمر •••
مدافع بعضها متقابلات
ومنها الصاعدات النازلات
ومنها الظاهرات وأخريات
توارى في الصخور وتستسر •••
فلو أن البحار جرت مئينا
وكان اللج أجمعه سفينا
لتلقى منفذا للقين حينا
ولما يمسس «البوغاز» ضر •••
وبعد الأرخبيل وما يليه
وتيه في العيالم أي تيه
174
بدا ضوء الصباح فسرت فيه
إلى «البسفور» واقترب المقر •••
تسايرك المدائن والأناسي
وفلك بين جوال وراسي
175
وتحضنك الجزائر والرواسي
وتجري رقة لك وهي صخر •••
تسير من الفضاء إلى المضيق
فآنا أنت في بحر طليق
وآونة لدى مجرى سحيق
كما الشلال قام لديه نهر •••
وتأتي الأفق تطويه سجلا
لآخر كالسراب إذا أضلا
إذا قلنا المنازل قيل كلا
فدون بلوغها ظهر وعصر •••
إلى أن حل في الأوج النهار
وللرائي تبينت الديار
فقلنا الشمس فيها أم نضار
وياقوت ومرجان ودر •••
وددنا لو مشيت بنا الهوينا
وأين لنا الخلود لديك أينا
لنبهج خاطرا ونقر عينا
بأحسن ما رأى في البحر سفر •••
بلوح جامع الصور الغوالي
وديوان تفرد بالخيال
ومرآة المناظر والمجالي
تمر بها الطبيعة ما تمر •••
فضاء مثل الفردوس فيه
ومرأى في البحار بلا شبيه
فإيه يا بنات الشعر إيه
فما لك في عقوق الشعر عذر •••
لأجلك سرت في بر وبحر
وأنت الدهر أنت بكل قطر
حننت إلى الطبيعة دون مصر
وقلت لدى الطبيعة أين مصر •••
فهلا هزك التبر المذاب
وهذا اللوح والقلم العجاب
وما بيني وبينهما حجاب
ولا دوني على الآيات ستر •••
جهات أم عذارى حاليات
وماء أم سماء أم نبات
وتلك جزائر أم نيرات
وكيف طلوعها والوقت ظهر •••
جلاها الأفق صفرا وهي خضر
كزهر دونه في الروض زهر
لوى بحر بها والتف بحر
كما ملكت جهات الدوح غدر
176 •••
تلوح بها المساجد باذخات
وتتصل المعاقل شامخات
طباقا في العلا متفاوتات
سما بر بها وانحط بر •••
وكم أرض هنالك فوق أرض
وروض فوق روض فوق روض
ودور بعضها من فوق بعض
كسطر في الكتاب علاه سطر •••
سطور لا يحيط بهن رسم
ولا يحصي معانيهن علم
إذا قرئت جميعا فهي نظم
وإن قرئت فرادى فهي نثر •••
تأرج كلما اقتربت وتزكو
ويجمعها من الآفاق سلك
177
تشاكل ما به فالقصر فلك
على بعد لنا والفلك قصر •••
ونون دونها في البحر نون
من البسفور نقطها السفين
كأن السبل فيه لنا عيون
وإنسان السفينة لا يقر •••
هنالك حفت النعمى خطانا
وحاطتنا السلامة في حمانا
فألقينا المراسي واحتوانا
بناء للخلافة مشمخر •••
فيا من يطلب المرأى البديعا
ويعشقه شهيدا أو سميعا
رأيت محاسن الدنيا جميعا
فهن الواو والبسفور عمرو
الرحلة إلى الأندلس
لما وضعت الحرب الشؤمى أوزارها،
178
وفضحها الله بين خلقه وهتك إزارها،
179
ورم لهم ربوع السلم وجدد مزارها،
180
أصبحت وإذا العوادي
181
مقصرة! والدواعي غير مقصرة، وإذا الشوق إلى الأندلس أغلب، والنفس بحق زيارته أطلب، فقصدته من برشلونة وبينهما مسيرة يومين بالقطار المجد، والبخار المشتد، أو بالسفن الكبرى الخارجة إلى المحيط، الطاوية القديم نحو الجديد من هذا البسيط،
182
فبلغت النفس بمرآه الأرب، واكتحلت العين في ثراه بآثار العرب، وإنها لشتى المواقع، متفرقة المطالع، في ذلك الفلك الجامع، يسري زائرها من حرم إلى حرم، كمن يمسي بالكرنك ويصبح بالهرم ، فلا تقارب غير العتق والكرم؛ «طليطلة» تطل على جسرها البالي، و«أشبيلية» تشبل
183
على قصرها الخالي، و«قرطبة» منتبذة ناحية بالبيعة
184
الغراء، و«غرناطة» بعيدة مزار الحمراء. وكان «البحتري» - رحمه الله - رفيقي في هذا الترحال، وسميري في الرحال، والأحوال تصلح على الرجال، كل رجل لحال؛ فإنه أبلغ من حلى الأثر، وحيا الحجر، ونشر الخبر، وحشر العبر، ومن قام في مأتم على الدول الكبر، والملوك البهاليل الغرر، عطف على «الجعفري» حين تحمل
185
عنه الملا، وعطل منه الحلى، ووكل بعد «المتوكل» لبلى، فرفع قواعده في السير، وبنى ركنه في الخبر، وجمع معالمه في الفكر، حتى عاد كقصور الخلد امتلأت منها البصيرة وإن خلا البصر، وتكفل بعد ذلك ل «كسرى» بإيوانه، حتى زال عن الأرض إلى ديوانه، وسينيته المشهورة في وصفه، ليست دونه وهو تحت «كسرى» في رصه ورصفه
186
وهي تريك حسن قيام الشعر على الآثار، وكيف تتجدد الديار في بيوته بعد الاندثار. قال صاحب الفتح القسي في الفتح القدسي، بعد كلام: «فانظروا إلى إيوان كسرى وسينية البحتري في وصفه، تجدوا الإيوان قد خرت شعفاته، وعفرت شرفاته، وتجدوا سينية «البحتري» قد بقي بها «كسرى» في ديوانه، أضعاف ما بقي شخصه في «إيوانه».»
وهذه السينية هي التي يقول في مطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسي
وترفعت عن ندى كل جبس
والتي اتفقوا على أن البديع الفرد من أبياتها قوله:
والمنايا مواثل وأنوشر
وان يزجي الجيوش تحت الدرفس
فكنت كلما وقفت بحجر، أو أطفت بأثر، تمثلت بأبياتها، واسترحت من مواثل العبر إلى آياتها، وأنشدت فيما بيني وبين نفسي:
وعظ البحتري إيوان كسرى
وشفتني القصور من عبد شمس
ثم جعلت أروض القول على هذا الروي، وأعالجه على هذا الوزن، حتى نظمت هذه القافية المهلهلة، وأتممت هذه الكلمة الريضة، وأنا أعرضها على القراء راجيا أن يلحظونها بعين الرضاء، ويسحبون على عيوبها ذيل الإغضاء، وهذه هي:
اختلاف النهار والليل ينسي
اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وصفا لي ملاوة من شباب
صورت من تصورات ومس
187
عصفت كالصبا
188
اللعوب ومرت
سنة
189
حلوة ولذة خلس
190
وسلا مصر هل سلا القلب عنها
أو أسا
191
جرحه الزمان المؤسي
كلما مرت الليالي عليه
رق والعهد في الليالي تقسي
192
مستطار
193
إذا البواخر رنت
194
أول الليل أو عوت بعد جرس
195
راهب
196
في الضلوع للسفن فطن
197
كلما ثرن شاعهن بنقس
198
يا ابنة اليم
199
ما أبوك بخيل
ما له مولعا بمنع وحبس
أحرام على بلابله الدو
ح
200
حلال للطير من كل جنس
كل دار أحق بالأهل إلا
في خبيث من المذاهب رجس
201
نفسي مرجل
202
وقلبي شراع
بهما في الدموع سيري وأرسي
واجعلي وجهك «الفنار» ومجرا
ك يد «الثغر» بين «رمل» و«مكس»
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهفا
203
بالفؤاد في سلسبيل
ظمأ للسواد من «عين شمس»
204
شهد الله لم يغب عن جفوني
شخصه ساعة ولم يخل حسي
يصبح الفكر و«المسلة» نادي
ه و«بالسرحة الزكية» يمسي
وكأني أرى الجزيرة أيكا
205
نغمت طيره بأرخم جرس
206
هي «بلقيس» في الخمائل صرح
207
من عباب
208
وصاحب غير نكس
209
حسبها أن تكون للنيل عرسا
قبلها لم يجن يوما بعرس
لبست بالأصيل حلة وشي
بين صنعاء
210
في الثياب وقس
211
قدها النيل فاستحت فتوارت
منه بالجسر بين عري ولبس
وأرى النيل ك «العقيق»
212
بوادي
ه وإن كان كوثر المتحسي
213
ابن ماء السماء ذو الموكب الفخ
م الذي يحسر العيون ويخسي
214
لا ترى في ركابه غير مثن
بخميل وشاكر فضل عرس
وأرى «الجيزة» الحزينة ثكلى
لم تفق بعد من مناحة «رمسي»
215
أكثرت ضجة السواقي عليه
وسؤال اليراع عنه بهمس
216
وقيام النخيل ضفرن شعرا
وتجردن غير طوق وسلس
217
وكأن الأهرام ميزان فرعو
ن بيوم على الجبابر نحس
أو قناطيره تأنق فيها
ألف جاب
218
وألف صاحب مكس
219
روعة في الضحى ملاعب جن
حين يغشى الدجى حماها ويغسي
220
و«رهين الرمال» أفطس إلا
أنه صنع جنة غير فطس
221
تتجلى حقيقة الناس فيه
سبع الخلق في أسارير إنسي
لعب الدهر في ثراه صبيا
والليالي كواعبا غير عنس
222
ركبت صيد
223
المقادير عيني
ه لنقد ومخلبيه لفرس
224
فأصابت به الممالك: «كسرى»
و«هرقلا» و«العبقري الفرنسي»
يا فؤادي لكل أمر قرار
فيه يبدو وينجلي بعد لبس
عقلت
225
لجة الأمور عقولا
طالت الحوت طول سبح وغس
226
غرقت حيث لا يصاح بطاف
أو غريق ولا يصاخ لحس
فلك يكسف الشموس نهارا
ويسوم البدور ليلة وكس
227
ومواقيت للأمور إذا ما
بلغتها الأمور صارت لعكس
دول كالرجال مرتهنات
بقيام من الجدود وتعس
وليال من كل ذات سوار
لطمت كل رب «روم» «وفرس»
سددت بالهلال قوسا وسلت
خنجرا ينفذان من كل ترس
حكمت في القرون «خوفو» و«دارا»
وعفت
228 «وائلا» وألوت ب «عبس»
أين «مروان» في المشارق عرش
أموي وفي المغارب كرسي
229
سقمت شمسهم فرد عليها
نورها كل ثاقب الرأي نطس
230
ثم غابت وكل شمس سوى ها
تيك تبلى وتنطوي تحت رمس
231
وعظ «البحتري» إيوان «كسرى»
وشفتني
232
القصور من «عبد شمس»
رب ليل سريت والبرق طرفي
وبساط طويت والريح عنسي
233
أنظم الشرق في «الجزيرة» بالغر
ب وأطوي البلاد حزنا
234
لدهس
235
في ديار من الخلائف
236
درس
ومنار
237
من الطوائف طمس
وربا كالجنان في كنف الزي
تون خضر وفي ذرا الكرم طلس
238
لم يرعني سوى ثرى قرطبي
لمست فيه عبرة الدهر خمسي
يا وقى الله ما أصبح منه
وسقى صفوة الحيا ما أمسي
قرية لا تعد في الأرض كانت
تمسك الأرض أن تميد وترسي
غشيت ساحل المحيط وغطت
لجة الروم من شراع وقلس
239
ركب الدهر خاطري في ثراها
فأتى ذلك الحمى بعد حدس
240
فتجلت لي القصور ومن في
ها من العز في منازل قعس
241
ما ضفت
242
قط في الملوك على نذ
ل المعالي ولا تردت بنجس
وكأني بلغت للعلم بيتا
فيه ما للعقول من كل درس
قدسا في البلاد شرقا وغربا
حجه القوم من فقيه وقس
وعلى الجمعة الجلالة و«النا
صر» نور الخميس تحت الدرفس
243
ينزل التاج عن مفارق «دون»
ويحلي به جبين «البرنس»
سنة من كرى وطيف أمان
وصحا القلب من ضلال وهجس
244
وإذا الدار ما بها من أنيس
وإذا القوم ما لهم من محس
245
ورقيق من البيوت عتيق
جاوز الألف غير مذموم حرس
246
أثر من «محمد» وتراث
صار ل «الروح» ذي الولاء الأمس
247
بلغ النجم ذروة وتناهى
بين «ثهلان»
248
في الأساس و«قدس»
249
مرمر تسبح النواظر فيه
ويطول المدى عليها فترسي
وسوار
250
كأنها في استواء
ألفات الوزير في عرض طرس
251
فترة الدهر قد كست سطريها
252
ما اكتسى الهدب من فتور ونعس
ويحها كم تزينت لعليم
واحد الدهر واستعدت لخمس
253
وكأن الرفيف
254
في مسرح العي
ن ملاء مدنرات الدمقس
255
وكأن الآيات في جانبيه
يتنزلن في معارج قدس
256
منبر تحت «منذر»
257
من جلال
لم يزل يكتسيه أو تحت «قس»
ومكان الكتاب يغريك ريا
ورده غائبا فتدنو للمس
258
صنعة «الداخل»
259
المبارك في الغر
ب وآل له ميامين شمس
260 •••
من ل «حمراء» جللت بغبار الد
هر كالجرح بين برء ونكس
كسنا البرق لو محا الضوء لحظا
لمحتها العيون من طول قبس
حصن «غرناطة» ودار بني «الأح
مر» من غافل ويقظان ندس
261
جلل الثلج دونها رأس «شيرى»
فبدا منه في عصائب برس
262
سرمد شيبه ولم أر شيبا
قبله يرجي البقاء وينسي
مشت الحادثات في غرف «الحم
راء» مشي النعي في دار عرس
هتكت عزة الحجاب وفضت
سدة الباب من سمير وأنس
عرصات تخلت الخيل عنها
واستراحت من احتراس وعس
263
ومغان على الليالي وضاء
لم تجد للعشي تكرار مس
لا ترى غير وافدين على التا
ريخ ساعين في خشوع ونكس
نقلوا الطرف في نضارة آس
من نقوش وفي عصارة ورس
264
وقباب من لازورد وتبر
كالربا الشم بين ظل وشمس
وخطوط تكفلت للمعاني
ولألفاظها بأزين لبس
وترى مجلس السباع خلاء
مقفر القاع من ظباء وخنس
لا «الثريا» ولا جواري الثريا
يتنزلن فيه أقمار إنس
مرمر قامت الأسود عليه
كلة الظفر لينات المجس
تنثر الماء في الحياض جمانا
يتنزى على ترائب ملس
آخر العهد بالجزيرة كانت
بعد عرك من الزمان وضرس
265
فتراها تقول راية جيش
باد بالأمس بين أسر وحس
266
ومفاتيحها مقاليد ملك
باعها الوارث المضيع ببخس
خرج القوم في كتائب صم
عن حفاظ كموكب الدفن خرس
267
ركبوا بالبحار نعشا وكانت
تحت آبائهم هي العرش أمس
رب بان لهادم وجموع
لمشت ومحسن لمخس
إمرة الناس همة لا تأتى
لجبان ولا تسنى لجبس
268
وإذا ما أصاب بنيان قوم
وهي خلق فإنه وهي أس
يا ديارا نزلت كالخلد ظلا
وجنى دانيا وسلسال أنس
محسنات الفصول لا ناجر
269
في
ها بقيظ ولا جمادى بقرس
270
لا تحس العيون فوق رباها
غير حور حو
271
المراشف
272
لعس
273
كسيت أفرخي بظلك ريشا
وربا في رباك واشتد غرسي
هم بنو مصر لا الجميل لديهم
بمضاع ولا الصنيع بمنسي
من لسان على ثنائك وقف
وجنان على ولائك حبس
حسبهم هذه الطلول عظات
من جديد على الدهور ودرس
وإذا فاتك التفات إلى الما
ضي فقد غاب عنك وجه التأسي
كوك صو
قال يصف «كوك صو»، وهو موقع جميل في الآستانة العلية، ومعنى اللفظين اللذين سمي بهما «ماء السماء»:
تحية شاعر يا ماء «جكسو»
فليس سواك للأرواح أنس
فدتك مياه «دجلة» وهي سعد
ولا جعلت فداءك وهي نحس
وجاءك ماء «زمزم» وهو طهر
وأمواه على الأردن قدس
وكان «النيل» يعرس كل عام
وأنت على المدى فرح وعرس
وقد زعموه للغادات رمسا
وأنت لهمهن الدهر رمس
وردنك كوثرا وسفرن حورا
وهل بالحور إن أسفرن بأس
فقل للجانحين إلى حجاب
أتحجب عن صنيع الله نفس
إذا لم يستر الأدب الغواني
فلا يغني الحرير ولا الدمقس
تأمل هل ترى إلا جلالا
تحس النفس منه ما تحس
كأن الخود
274 «مريم» في سفور
ورائيها حواري وقس
تهيبها الرجال فلا ضمير
يهم بها ولا عين تحس
غشيتك والأصيل يفيض تبرا
وينسج للربى حللا ويكسو
وتذهب في الخليج له وتأتي
أنامل تنثر العقيان
275
خمس
وفي جيد الخميلة
276
منه عقد
وفي آذانها قرط وسلس
277
ولألأت الجبال فضاء سفح
يسر الناظرين ونار رأس
على فلك تسير بنا الهوينى
ومن شعري نديم لي وجلس
تنازعنا المذاهب حيث ملنا
زوارق حولنا تجري وترسو
لها في الماء منساب كطير
تسف
278
عليه أحيانا وتحسو
صغار الحجم مرهفة الحواشي
لها عرف
279
إذا خطرت وجرس
280
إذا المجداف حركها اطمأنت
وإن هو لم يحرك فهي رعس
281
وإن هو جد في الماء انسيابا
فكل طريقه وتر وقوس
حملن اللؤلؤ المنثور عينا
282
كما حملت حباب الراح كأس
كأن سوافر
283
الغادات فيها
ملائك همها نظر وهمس
كأن براقع الغادات تهفو
على وجناتها غيم وشمس
كأن مآزر
284
العين انتسابا
زهور لا تشم ولا تمس
إذ نشرت فريحان وورد
وإن طويت فنسرين وورس
عجبت لهن يجمعهن حسن
ولكن ليس يجمعهن لبس
فكان لنا بظلك خير وقت
وخير الوقت ما لك فيه أنس
نمتع منك يا «جكسو» نفوسا
بها من دهرها هم وبؤس
على أن بان سرك فانثنينا
وقد طوي النهار ومات أمس
وقال في كلاب الآستانة، وكان يضرب بها المثل في الكثرة والقذارة:
قالوا «فروق» الملك دار مخاوف
لا ينقضي لنزيلها وسواس
وكلابها في مأمن فاعجب لها
أمن الكلاب بها وخاف الناس
أنس الوجود
إلى المستر روزفلت الرئيس الأسبق للولايات المتحدة
أتأذن لرجل تعود أن يخرج عن دائرة «الموظف» كلما عرضت حال يخدم الوطن فيها الرجال أن يرفع لشعره ذكره، ويشرف قدره، مهديا إليك منه هذه القصيدة في لغة «الضاد»، وهي مما قلت في «أنس الوجود» ذلك الأثر المحتضر، الذي جمع العبر، ومحاه الدهر أو كاد، وكان إحدى آياته الكبرى هياكل ل «فرعون» و«بطليموس»، توراثها عن «الكهنة» «القسوس»، وصارت ل «المسيح» وكانت ل «هوروس»، ثم ظهر «الأذان» فيها على «الناقوس»، ثم لا تكون عشية أو ضحاها حتى يهوي في الماء كل حجر كان يقبل ك «الأسود»،
285
وكل ركن كان يستلم ك «الحطيم».
286
شهدت على «أنس الوجود» ما يعلم الإنسان - ولو أنه «روزفلت» علما وحكمة وأدبا - كيف يحتقر الدنيا ويحترم الدين جميعا.
دخلته ذات يوم وكان «الدوق أوف كونوت» لديه يتمشى في ظلاله، ويتنقل بين رسومه وأطلاله، عيناه ونفسه في إكباره وإجلاله، فكانت مني التفاتة فرأيت «فلاحا» أقبل ثم ألقى عباءته وتوجه يصلي «العصر»، غير ملق بالا ل «فرعون» كيف كان يعبد ويعبد، ولا ل «بطليموس» كيف كان يعظم ويمجد، ولا للمسيحية السمحة كيف دخلت على «الوثنية» المعبد، ولا ل «الملك إدوارد» الذي تحتل جنوده الآن مصر وهو في ثياب أخيه «الدوق» يرفع البصر ويسدله ممتلئا من آيات الدهر مهابة وإعجابا، مشتغلا بالتاريخ القائم المجسم يقرؤه كتابا كتابا. دين سهل سمح يسر، وإله واحد يعبد حيث وجد العابد، على العراء كما في الهياكل والكنائس والمساجد.
التاريخ - أيها الضيف العظيم - غابر متجدد؛ قديمه منوال، وحاضره مثال، والغد بيد الله المتعال، وأنت اليوم تمشي فوق مهد الأعصر الأول، ولحد قواهر الدول؛ أرض اتخذها «الإسكندر» عرينا، وملأها على أهلها «قيصر» سفينا، وخلف «ابن العاص» فيها لسانا وجنسا ودينا، فكان أعظم المستعمرين حقيقة وأكبرهم يقينا، وهو الذي لم يعلم عليه أن بغى أو ظلم أو سفك الدم أو نهى أو أمر، إلا بين الرجاء والحذر، من عدل «عمر»، الذي تنبيك عنه السير.
قمت - أيها الضيف العظيم - في السودان خطيبا فأنصت العصر، والتفتت مصر، وأقبل أهلها بعضهم على بعض يتساءلون: «كيف خالف الرئيس سنة الأحرار من قادة الأمم وساسة الممالك أمثاله، فطارد الشعور وهو يهب، والوجدان وهو يشب، والحياة وهي تدب، في هذا الشعب؟! ومن حرمة العواطف السامية، ألا تطارد كأنها وحوش ضارية، على صحراء، أو بادية، كما طاردت السباع بالأمس نقما من طبائعها الجافية.»
المصري - أيها الضيف العظيم - سمح كريم كثير التجاوز؛ فقد ظفرت بمن مهد عذرك، ونفى الظن عن كرمك، وادخر ودك الذي تخطبه الأمم المستضعفة، والشعوب المتلهفة، المتشوفة؛ إذ قيل: «إنما أراد الرئيس أن يمدح دينا من حقه أن يمدح بكل لسان، وفي كل مكان، فكيف به في بعض معاهده في السودان؟! وأراد كذلك أن يحذر من الفتنة في الجيوش، وينهى عن إيقاظها، ويذكر للمحسن من الحكام ما رأى أو سمع من حسناته، ويدعو هذه الأمة التي حركتها المستقبلة في السكون، إلى العمل في ظل الحق والصبر بإذن الله مضمون، ومستقبل بمشيئة الله مأمون، وقديما فاز بالصبر الصابرون.»
فإن كان ذلك - أيها الضيف العظيم - وهو ما لا نعتقد غيره، فمثلك من نصح للأمم، وبعث العزائم والهمم، وعلم باللسان والقلم.
على أننا نرجو أن ستذكرنا عند قومك الكرام الأحرار بما أنتم جميعا أهله، وأن ستعطينا عهدك، وتصفينا ودك، وتملأ من أجمل الظنون وأحسنها بردك، يوم تقل السفينة عظمتك ومجدك، وتنقل من أقصى البروج إلى أقصاها سعدك.
على يد الله تجري إن هي اندفعت
وفي حمى الله لا في الماء تحتجب •••
أيها المنتحي ب «أسوان» دارا
كالثريا تريد أن تنقضا
اخلع النعل واخفض الطرف واخشع
لا تحاول من آية الدهر غضا
قف بتلك «القصور» في اليم غرقى
ممسكا بعضها من الذعر بعضا
كعذارى أخفين في الماء بضا
287
سابحات به وأبدين بضا
مشرفات على الزوال وكانت
مشرفات على الكواكب نهضا
شاب من حولها الزمان وشابت
وشباب الفنون ما زال غضا
رب «نقش» كأنما نفض الصا
نع منه اليدين بالأمس نفضا
و«دهان» كلامع الزيت مرت
أعصر بالسراج والزيت وضا
288
و«خطوط» كأنها هدب ريم
289
حسنت صنعة وطولا وعرضا
و«ضحايا» تكاد تمشي وترعى
لو أصابت من قدرة الله نبضا
و«محاريب» كالبروج بنتها
عزمات من عزمة الجن أمضى
290
شيدت بعضها الفراعين زلفى
291
وبنى البعض أجنب يترضى
292
و«مقاصير» أبدلت بفتات ال
مسك تربا وباليواقيت قضا
293
حظها اليوم هدة وقديما
صرفت في الحظوظ رفعا وخفضا
سقت العالمين بالسعد والنح
س إلى أن تعاطت النحس محضا
294
صنعة تدهش العقول وفن
كان إتقانه على القوم فرضا •••
يا قصورا نظرتها وهي تقضي
295
فسكبت الدموع والحق يقضى
أنت سطر ومجد مصر كتاب
كيف سام البلى كتابك فضا
وأنا المحتفي بتاريخ مصر
من يصن مجد قومه صان عرضا
رب سر بجانبيك مزال
كان حتى على «الفراعين» غمضا
قل لها في الدعاء لو كان يجدي
يا سماء الجلال لا صرت أرضا
حار «فيك» المهندسون عقولا
وتولت عزائم العلم مرضى
أين ملك حيالها وفريد
من نظام النعيم أصبح فضا
296
أين «فرعون» في المواكب تترى
يركض المالكين كالخيل ركضا
ساق للفتح في الممالك عرضا
وجلا للفخار في السلم عرضا
أين «إيزيس» تحتها النيل يجري
حكمت فيه شاطئين وعرضا
أسدل الطرف كاهن ومليك
في ثراها وأرسل الرأس خفضا
يعرض المالكون أسرى عليها
في قيود الهوان عانين جرضى
297
ما لها أصبحت بغير مجير
تشتكي من نوائب الدهر عضا
هي في الأسر بين صخر وبحر
ملكة في السجون فوق حضوضى
298
أين «هوروس» بين سيف ونطع
أبهذا في شرعهم كان يقضى
ليت شعري قضى شهيد غرام
أم رماه الوشاة حقدا وبغضا
رب ضرب من سوط فرعون مض
299
دون فعل الفراق بالنفس مضا
وهلاك بسيفه وهو قان
دون سيف من اللواحظ ينضى
300
قتلوه فهل لذاك حديث
أين راوي الحديث نثرا وقرضا •••
يا إمام الشعوب بالأمس واليو
م ستعطى من الثناء فترضى «مصر» بالنازلين من ساح «معن»
301
وحمى الجود «حاتم» الجود أفضى
كن ظهيرا
302
لأهلها ونصيرا
وابذل النصح بعد ذلك محضا
قل لقوم على «الولايات» أيقا
ظ إذا ذاقت البرية غمضا
شيمة «النيل» أن يفي وعجيب
أخرجوه فضيع العهد نقضا
حاشه
303
الماء فهو صيد كريم
ليت بالنيل يوم يسقط غيضا
304
شيد والمال والعلوم قليل
أنقذوه بالمال والعلم نقضا
305
النفس
قال الرئيس ابن سينا:
هبطت إليك من المحل الأرفع
ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف
وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كره إليك وربما
كرهت فراقك وهي ذات تفجع
ألفت وما سكنت فلما واصلت
ألفت مجاورة الخراب البلقع
وأظنها نسيت عهودا بالحمى
ومنازلا بفراقها لم تقنع
حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها
عن ميم مركزها بذات الأجرع
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت
بين المعالم والطلول الخضع
تبكي وقد ذكرت عهودا بالحمى
بمدامع تهمي ولما تقلع ... ... ... ... ... إلخ
وقد قال المقتطف في الشاعرين بعد كلام طويل: «والاثنان جريا مجرى أفلاطون في حسبان النفس روحا كانت عند الخالق، ثم هبطت ودخلت جسم الإنسان، إلا أن أفلاطون تصورها فرسا مجنحة، غذاؤها الجمال والحكمة والصلاح، فلما هبطت فقدت جناحيها ودخلت جسم الإنسان. والفلاسفة يشعرون بشيء لا يستطيعون معرفته، فيصفونه كما يتصورونه، ويجاريهم الشعراء في التصور، ويفوقونهم في الوصف.»
ضمي قناعك يا سعاد أو ارفعي
هذي المحاسن ما خلقن لبرقع
306
الضاحيات الضاحكات ودونها
ستر الجلال وبعد شأو المطلع
307
يا دمية لا يستزاد جمالها
زيديه حسن المحسن المتبرع
ماذا على سلطانه من وقفة
للضارعين وعطفة للخشع
بل ما يضرك لو سمحت بجلوة
إن العروس كثيرة المتطلع
ليس الحجاب لمن يعز مناله
إن الحجاب لهين لم يمنع
أنت التي اتخذ الجمال لعزه
من مظهر ولسره من موضع
308
وهو الصناع يصوغ كل دقيقة
وأدق منك بنانه لم تصنع
309
لمستك راحته ومسك روحه
فأتى البديع على مثال المبدع
الله في الأحبار من متهالك
نضو ومهتوك المسوح مصرع
310
من كل غاو في طوية راشد
عاصي الظواهر في سريرة طيع
يتوهجون ويطفئون كأنهم
سرج بمعترك الرياح الأربع
علموا فضاق بهم وشق طريقهم
والجاهلون على الطريق المهيع
ذهب «ابن سينا» لم يفز بك ساعة
وتولت الحكماء لم تتمتع
هذا مقام كل عز دونه
شمس النهار بمثله لم تطمع
ف «محمد» لك و«المسيح» ترجلا
وترجلت شمس النهار ل «يوشع»
311
ما بال «أحمد» عي عنك بيانه
بل ما ل «عيسى» لم يقل أو يدع
ولسان «موسى» انحل إلا عقدة
من جانبيك علاجها لم ينجع
لما حللت ب «آدم» حل الحبا
ومشى على الملأ السجود الركع
312
وأرى النبوة في ذراك تكرمت
في «يوسف» وتكلمت في المرضع
313
وسقت «قريش» على لسان «محمد»
بالبابلي من البيان الممتع
314
ومشت ب «موسى» في الظلام مشردا
وحدته في قلل الجبال اللمع
315
حتى إذا طويت ورثت خلالها
رفع الرحيق وسره لم يرفع
316
قسمت منازلك الحظوظ فمنزلا
أترعن منك ومنزلا لم تترع
وخلية بالنحل منك عميرة
وخلية معمورة ب «التبع»
317
وحظيرة قد أودعت غرر الدمى
وحظيرة محرومة لم تودع
318
نظر «الرئيس» إلى كمالك نظرة
لم تخل من بصر اللبيب الأروع
فرآه منزلة تعرض دونها
قصر الحياة وحال وشك المصرع
لولا كمالك في «الرئيس» ومثله
لم تحسن الدنيا ولم تترعرع
319
الله ثبت أرضه بدعائم
هم حائط الدنيا وركن المجمع
لو أن كل أخي يراع بالغ
شأو «الرئيس» وكل صاحب مبضع
ذهب الكمال سدى وضاع محله
في العالم المتفاوت المتنوع •••
يا نفس مثل الشمس أنت؛ أشعة
في عامر وأشعة في بلقع
فإذا طوى الله النهار تراجعت
شتى الأشعة فالتقت في المرجع
لما نعيت إلى المنازل غودرت
دكا ومثلك في المنازل ما نعي
ضجت عليك معالما ومعاهدا
وبكت فراقك بالدموع الهمع
320
آذنتها بنوى فقالت ليت لم
تصل الحبال وليتها لم تقطع
ورداء جثمان لبست مرقم
بيد الشباب على المشيب مرقع
كم بنت فيه وكم خفيت كأنه
ثوب الممثل أو لباس المرفع
321
أسئمت من ديباجه فنزعته
والخز أكفان إذا لم ينزع
فزعت وما خفيت عليها غاية
لكن من يرد القيامة يفزع
322
ضرعت بأدمعها إليك وما درت
أن السفينة أقلعت في الأدمع
أنت الوفية لا الذمام لديك مذ
موم ولا عهد الهوى بمضيع
أزمعت فانهلت دموعك رقة
ولو استطعت إقامة لم تزمعي
بان الأحبة يوم بينك كلهم
وذهبت بالماضي وبالمتوقع
ميدان الكونكورد (ميدان الكونكورد (الوفاق) بباريس، وهو الذي أعدم فيه الملك لويس السادس عشر في أيام الثورة الفرنساوية.)
أميدان الوفاق وكنت تدعى
بميدان العداوة والشقاق
أتدري أي ذنب أنت جان
وأي دم ذهبت به مراق
هوى فيك السرير ومن عليه
ومات الثائرون وأنت باق
أصابوا واستراح «لويس» منهم
لذا سميت ميدان الوفاق
أيها النيل
إلى الأستاذ مرجليوت مدرس اللغة العربية في جامعة أكسفورد
أيها الأستاذ الكريم
تذكرت «أثينا» مدينة الحكمة في الدهور الخالية، وأياما غنمناها على رسومها العافية، وأطلالها البالية، فكأني أنظر إلى المؤتمر، علماؤه الهالة، وأنت القمر، أو زمر الحجيج وأنت حادي الزمر، وأرى الملوك في الحفر، بنيانهم مصدوع الجدر، وبيانهم نور البشر، نزلنا بهم فإذا الدول خبر، وإذا الممالك أثر، والطلول شغل الفؤاد والبصر، منا العبرات ومنها العبر، صمت الإنسان ونطق الحجر، فسبحان العزيز المقتدر، القاهر فوق عباده بالقدر. كان ذلك والحوادث أجنة، والأمور في أحسن الأعنة، والأرض بالسلم مطمئنة، مغتبطة بسلامة الشباب، منبسطة بتلاقي الأحباب، والصفو في الدار والأكدار بالباب، ثم أخذ الله الأمم بذنوبهم فرماهم بعوان في الماء، ضروس في الأرض والسماء، منهومة بالأموال مدمنة للدماء، نزلت بالبرية فعصفت بأحسن شبابها ونباتها، ونقضت موفور أمنها وأقواتها، وهتكت في الثرى مصون رفاتها، وخلطت في الخنادق أحياءها بأمواتها، وعدت على الوحش في فلواتها، وعلى الطير في وكناتها، وعلى الرياح في مخترقاتها، وعلى بلم
323
البحار وأخواتها، وهوام القفار وحشراتها، وعلى بيوت الله في ستراتها، والنواقيس في قبابها، والمآذن في سمواتها، فسبحان الملك الأكبر، الذي يقهر ولا يقهر، ويغير ولا يتغير، والذي يقيم القيامة في ميقاتها.
الشعر كالأحلام، تدخل على المسرور الكرى، وتكثر على المحزون في السرى. وقريحة الشاعر كعين صاحب الأيام، عندها للحزن عبرة، وللسرور عبرة، وهذه أيها - الأستاذ الكريم - كلمة قيلت والهموم سارية، والأقدار بالمخاوف جارية، والدموع متبارية، وذئاب البشر يقتتلون على الفانية، نظمتها تغنيا بمحاسن الماضي، وتقييدا لمآثر الآباء، وقضاء لحق «النيل» الأسعد الأمجد، ونسبتها إليك عرفانا لفضلك على لغة العرب، وما أنفقت من شباب وكهولة في إحياء علومها، ونشر آدابها، وإلقائها كلما طلعت الشمس خلف الضباب دروسا نافعة على أنبل شباب العصر، في أعظم جامعات العالم، فلعلها تقع إليك، فنتذاكر على النوى تلك الأيام، ونتنادم من بعد على بساط الأدب والكلام، ونسأل الله أن يحقن الدماء، ويقيم جدار السلام.
من أي عهد في القرى تتدفق
وبأي كف في المدائن تغدق
ومن السماء نزلت أم فجرت من
عليا الجنان جداولا تترقرق
وبأي عين أم بأية مزنة
324
أم أي طوفان تفيض وتفهق
325
وبأي نول
326
أنت ناسج بردة
للضفتين جديدها لا يخلق
327
تسود ديباجا إذا فارقتها
فإذا حضرت اخضوضر الإستبرق
328
في كل آونة تبدل صبغة
عجبا وأنت الصابغ المتأنق
أتت الدهور عليك مهدك مترع
329
وحياضك الشرق
330
الشهية دفق
تسقي وتطعم لا إناؤك ضائق
بالواردين ولا خوانك ينفق
331
والماء تسكبه فيسبك عسجدا
332
والأرض تغرقها فيحيا المغرق
تعيي منابعك العقول ويستوي
متخبط في علمها ومحقق
أخلقت راووق
333
الدهور ولم تزل
بك حمأة
334
كالمسك لا تتروق
335
حمراء في الأحواض إلا أنها
بيضاء في عنق الثرى تتألق
دين الأوائل فيك دين مروءة
لم لا يؤله من يقوت ويرزق
لو أن مخلوقا يؤله لم تكن
لسواك مرتبة الألوهة تخلق
336
جعلوا الهوى لك والوقار عبادة
إن العبادة خشية وتعلق
دانوا ببحر بالمكارم زاخر
عذب المشارع مده لا يلحق
متقيد بعهوده ووعوده
يجري على سنن الوفاء ويصدق
337
يتقبل الوادي الحياة كريمة
من راحتيك عميمة تتدفق
متقلب الجنبين في نعمائه
يعرى ويصبغ في نداك فيورق
فيبيت خصبا في ثراه ونعمة
ويعمه ماء الحياة الموسق
338
وإليك بعد الله يرجع تحته
ما جف أو ما مات أو ما ينفق
339 •••
أين الفراعنة الألى استذرى
340
بهم «عيسى» و«يوسف» و«الكليم» المصعق
الموردون الناس منهل
341
حكمة
أفضى إليه الأنبياء ليستقوا
الرافعون إلى الضحى آباءهم
فالشمس أصلهم الوضيء المعرق
342
وكأنما بين البلى وقبورهم
عهد على أن لا مساس وموثق
فحجابهم تحت الثرى من هيبة
كحجابهم فوق الثرى لا يخرق
بلغوا الحقيقة من حياة علمها
حجب مكثفة وسر مغلق
وتبينوا معنى الوجود فلم يروا
دون الخلود سعادة تتحقق
يبنون للدنيا كما تبني لهم
خربا غراب البين فيها ينعق
فقصورهم كوخ وبيت بداوة
وقبورهم صرح أشم وجوسق
343
رفعوا لها من جندل وصفائح
عمدا فكانت حائطا لا ينتق
344
تتشايع الداران فيه فما بدا
دنيا وما لم يبد أخرى تصدق
للموت سر تحته وجداره
سور على السر الخفي وخندق
وكأن منزلهم بأعماق الثرى
بين المحلة
345
والمحلة فندق
موفورة تحت الثرى أزوادهم
346
رحب بهم بين الكهوف المطبق
347 •••
ولمن هياكل قد علا الباني بها
بين الثريا والثرى تتنسق
348
منها المشيد كالبروج وبعضها
كالطود مضطجع أشم منطق
349
جدد كأول عهدها وحيالها
تتقادم الأرض الفضاء وتعتق
350
من كل ثقل كاهل الدنيا به
تعب ووجه الأرض عنه ضيق
عال على باع البلى لا يهتدي
ما يعتلي منه وما يتسلق
متمكن كالطود أصلا في الثرى
والفرع في حرم السماء محلق
هي من بناء الظلم إلا أنه
يبيض وجه الظلم منه ويشرق
لم يرهق الأمم الملوك بمثلها
فخرا لهم يبقى وذكرا يعبق
فتنت بشطيك العباد فلم يزل
قاص يحجهما ودان يرمق
وتضوعت مسك الدهور كأنما
في كل ناحية بخور يحرق
وتقابلت فيها على السرر الدمى
351
مسترديات
352
الذل لا تتفنق
353
عطلت
354
وكان مكانهن من العلا «بلقيس» تقبس من حلاه وتسرق
وعلا عليهن التراب ولم يكن
يزكو بهن سوى العبير
355
ويلبق
356
حجراتها موطوءة وستورها
مهتوكة بيد البلى تتخرق
أودى بزينتها الزمان وحليها
والحسن باق والشباب الريق
357
لو رد فرعون الغداة لراعه
أن الغرانيق
358
العلا لا تنطق
خلع الزمان على الورى أيامه
فإذا الضحى لك حصة والرونق
لك من مواسمه ومن أعياده
ما تحسر
359
الأبصار فيه وتبرق
لا «الفرس» أوتوا مثله يوما ولا «بغداد» في ظل «الرشيد» و«جلق»
360
فتح الممالك أو قيام «العجل» أو
يوم القبور أو الزفاف المونق
كم موكب تتخايل الدنيا به
يجلى كما تجلى النجوم وينسق «فرعون» فيه من الكتائب مقبل
كالسحب قرن الشمس منها مفتق
361
تعنو
362
لعزته الوجوه ووجهه
للشمس في الآفاق عان مطرق
آبت من السفر البعيد جنوده
وأتته بالفتح السعيد الفيلق
363
ومشى الملوك مصفدين خدودهم
نعل لفرعون العظيم ونمرق
364
مملوكة أعناقهم ليمينه
يأبى فيضرب أو يمن فيعتق
ونجيبة بين الطفولة والصبا
عذراء تشربها القلوب وتعلق
كان الزفاف إليك غاية حظها
والحظ إن بلغ النهاية موبق
365
لافيت أعراسا ولافت مأتما
كالشيخ ينعم بالفتاة وتزهق
في كل عام درة تلقى بلا
ثمن إليك وحرة لا تصدق
366
حول
367
تسائل فيه كل نجيبة
سبقت إليك متى يحول فتلحق
والمجد عند الغانيات رغيبة
يبغى كما يبغى الجمال ويعشق
إن زوجوك بهن فهي عقيدة
ومن العقائد ما يلب
368
ويحمق
ما أجمل الإيمان لولا ضلة
في كل دين بالهداية تلصق
زفت إلى ملك الملوك يحثها
دين ويدفعها هوى وتشوق
ولربما حسدت عليك مكانها
ترب
369
تمسح بالعروس وتحدق
مجلوة في الفلك يحدو
370
فلكها
بالشاطئين مزغرد ومصفق
في مهرجان هزت الدنيا به
أعطافها واختال فيه المشرق
فرعون تحت لوائه وبناته
يجري بهن على السفين الزورق
حتى إذا بلغت مواكبها المدى
وجرى لغايته القضاء الأسبق
وكسا سماء المهرجان جلالة
سيف المنية وهو صلت
371
يبرق
وتلفتت في اليم كل سفينة
وانثال
372
بالوادي الجموع وحدقوا
ألقت إليك بنفسها ونفيسها
وأتتك شيقة حواها شيق
خلعت عليك حياءها وحياتها
أأعز من هذين شيء ينفق
وإذا تناهى الحب واتفق الفدى
فالروح في باب الضحية أليق
ما العالم السفلي إلا طينة
أزلية
373
فيه تضيء وتغسق
374
هي فيه للخصب العميم خميرة
يندى بما حملت إليه ويبثق
375
ما كان فيها للزيادة موضع
وإلى حماها النقص لا يتطرق
منبثة في الأرض تنتظم الثرى
وتنال مما في السماء وتعلق
منها الحياة لنا ومنها ضدها
أبدا نعود لها ومنها نخلق
والزرع سنبله يطيب وحبه
منها فيخرج ذا وهذا يفلق
وتشد بيت النحل فهو مطنب
وتمد بيت النمل فهو مروق
وتظل بين قوى الحياة جوائلا
لا تستقر دوائلا لا تمحق
376
هي كلمة الله القدير وروحه
في الكائنات وسره المستغلق
في النجم والقمرين مظهرها إذا
طلعت على الدنيا وساعة تخفق
والذر
377
والصخرات مما كورت
والفيل مما صورت والخرنق
378
فتنت عقول الأولين فألهوا
من كل شيء ما يروع ويخرق
سجدوا لمخلوق وظنوا خالقا
من ذا يميز في الظلام ويفرق
دانت ب «آبيس» الرعية كلها
من يستغل الأرض أو من يعزق
جاءوا من المرعى به يمشي كما
تمشي وتلتفت المهاة وترشق
داج كجنح الليل زان جبينه
وضح عليه من الأهلة أشرق
379
العسجد
380
الوهاج وشي جلاله
والورد موطئ خفه والزنبق
381
ومن العجائب بعد طول عبادة
يؤتى به حوض الخلود فيغرق
يا ليت شعري هل أضاعوا العهد أم
حذروا من الدنيا عليه وأشفقوا
قوم وقار الدين في أخلاقهم
والشعب ما يعتاد أو يتخلق
يدعون خلف الستر آلهة لهم
ملئوا الندي جلالة وتأبقوا
382
واستحجبوا
383
الكهان هذا مبلغ
ما يهتفون به وذاك مصدق
لا يسألون إذا جرت ألفاظهم
من أين للحجر اللسان الأذلق
أو كيف تخترق الغيوب بهيمة
فيما ينوب من الأمور ويطرق
وإذا هم حجوا القبور حسبتهم
وفد «العتيق»
384
بهم ترامى الأينق
385
يأتون «طيبة» بالهدي
386
أمامهم
يغشى المدائن والقرى ويطبق
فالبر مشدود الزواحل محدج
387
والبحر ممدود الشراع موسق
حتى إذا ألقوا بهيكلها العصا
وفوا النذور وقربوا واصدقوا
وجرت زوارق بالحجيج كأنها
رقط تدافع أو سهام تمرق
388
من شاطئ فيه الحياة لشاطئ
هو مضجع للسابقين ومرفق
389
غربوا غروب الشمس فيه واستوى
شاه ورخ
390
في التراب وبيدق
391
حيث القبور على الفضاء كأنها
قطع السحاب أو السراب الديسق
392
للحق فيه جولة وله سنا
كالصبح من جنباتها يتفلق
نزلوا بها فمشى الملوك كرامة
وجثا المدل بماله والمملق
393
ضاقت بهم عرصاتها فكأنما
ردت ودائعها الفلاة الفيهق
394
وتنادم الأحياء والموتى بها
فكأنهم في الدهر لم يتفرقوا •••
أصل الحضارة في صعيدك ثابت
ونباتها حسن عليك مخلق
395
ولدت فكنت المهد ثم ترعرعت
فأظلها منك الحفي المشفق
ملأت ديارك حكمة مأثورها
في الصخر والبردي الكريم منبق
396
وبنت بيوت العلم باذخة الذرا
يسعى لهن مغرب ومشرق
واستحدثت دينا فكان فضائلا
وبناء أخلاق يطول ويشهق
397
مهد السبيل لكل دين بعده
كالمسك رياه بأخرى تفتق
398
يدعو إلى بر ويرفع صالحا
ويعاف ما هو للمروءة مخلق
للناس من أسراره ما علموا
ولشعبة الكهنوت ما هو أعمق
فيه محل للأقانيم
399
العلا
ولجامع التوحيد فيه تعلق
تابوت موسى لا تزال جلالة
تبدو عليك له وريا تنشق
400
وجمال يوسف لا يزال لواؤه
حوليك في أفق الجلال يرنق
401
ودموع إخوته رسائل توبة
مسطورهن بشاطئيك منمق
وصلاة مريم فوق زرعك لم يزل
يزكو لذكراها النبات ويسمق
402
وخطى المسيح عليك روحا طاهرا
بركات ربك والنعيم الغيدق
403
وودائع «الفاروق»
404
عندك دينه
ولواؤه وبيانه والمنطق
بعث الصحابة يحملون من الهدى
والحق ما يحيي العقول ويفتق
فتح الفتوح من الملائك رزدق
405
فيه ومن «أصحاب بدر» رزدق
يبنون لله الكنانة بالقنا
والله من حول البناء موفق
أحلاس
406
خيل بيد أن حسامهم
في السلم من حذر الحوادث مقلق
تطوى البلاد لهم وينجد جيشهم
جيش من الأخلاق غاز مورق
407
في الحق سل وفيه أغمد سيفهم
سيف الكريم من الجهالة يفرق
408
والفتح بغي لا يهون وقعه
إلا العفيف حسامه المترفق
ما كانت «الفسطاط» إلا حائطا
يأوي الضعيف لركنه والمرهق
وبه تلوذ الطير في طلب الكرى
ويبيت «قيصر» وهو منه مؤرق «عمرو» على شطب
409
الحصير معصب
410
بقلادة الله العلي مطوق
يدعو له «الحاخام» في صلواته «موسى» ويسأل فيه عيسى البطرق
يا نيل أنت بطيب ما نعت «الهدى»
وبمدحة «التوراة» أحرى أخلق
وإليك يهدي الحمد خلق حازهم
كنف على مر الدهور مرهق
411
كنف «كمعن» أو كساحة «حاتم»
خلق يودعه وخلق يطرق
وعليك تجلى من مصونات النهى
خود عرائس خدرهن المهرق
412
الدر في لباتهن
413
منظم
والطيب في حبراتهن مرقرق
لي فيك مدح ليس فيه تكلف
أملاه حب ليس فيه تملق
مما يحملنا الهوى لك أفرخ
سنطير عنها وهي عندك ترزق
تهفو إليهم في التراب قلوبنا
وتكاد فيه بغير عرق تخفق
ترجى لهم والله جل جلاله
منا ومنك بهم أبر وأرفق
فاحفظ ودائعك التي استودعتها
أنت الوفي إذا اؤتمنت الأصدق
للأرض يوم والسماء قيامة
وقيامة «الوادي» غداة تحلق
414
نكبة دمشق (قيلت في حفلة أقيمت لإعانة منكوبي سوريا بتياترو وحديقة الأزبكية في يناير سنة 1926م.)
سلام من صبا «بردى»
415
أرق
ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعذرة اليراعة والقوافي
جلال الرزء
416
عن وصف يدق
وذكرى عن خواطرها لقلبي
إليك تلفت أبدا وخفق
417
وبي مما رمتك به الليالي
جراحات لها في القلب عمق
دخلتك والأصيل له ائتلاق
418
ووجهك ضاحك القسمات طلق
وتحت جنانك الأنهار تجري
وملء رباك أوراق وورق
419
وحولي فتية غر صباح
لهم في الفضل غايات وسبق
على لهواتهم
420
شعراء لسن
421
وفي أعطافهم خطباء شدق
422
رواة قصائدي فاعجب لشعر
بكل محلة يرويه خلق
غمزت إباءهم حتى تلظت
أنوف الأسد واضطرم
423
المدق
424
وضج من الشكيمة
425
كل حر
أبي من أمية فيه عتق
426 •••
لحاها الله أنباء توالت
على سمع الولي بما يشق
427
يفصلها
428
إلى الدنيا بريد
ويجملها إلى الآفاق برق
429
تكاد لروعة الأحداث
430
فيها
تخال من الخرافة وهي صدق
وقيل معالم التاريخ دكت
وقيل أصابها تلف وحرق
ألست دمشق للإسلام ظئرا
431
ومرضعة الأبوة لا تعق
صلاح الدين تاجك لم يجمل
ولم يوسم بأزين منه فرق
وكل حضارة في الأرض طالت
لها من سرحك العلوي عرق
432
سماؤك من حلى الماضي كتاب
وأرضك من حلى التاريخ رق
433
بنيت الدولة الكبرى وملكا
غبار حضارتيه لا يشق
له بالشام أعلام وعرس
بشائره بأندلس تدق •••
رباع الخلد ويحك ما دهاها
أحق أنها درست أحق
وهل غرف الجنان منضدات
434
وهل لنعيمهن كأمس نسق
وأين دمى
435
المقاصر
436
من حجال
مهتكة وأستار تشق
برزن وفي نواحي الأيك نار
وخلف الأيك أفراخ تزق
إذا رمن السلامة من طريق
أتت من دونه للموت طرق
بليل للقذائف والمنايا
وراء سمائه خطف وصعق
إذا عصف الحديد احمر أفق
على جنباته واسود أفق
سلي من راع غيدك بعد وهن
437
أبين فؤاده والصخر فرق
وللمستعمرين وإن ألانوا
قلوب كالحجارة لا ترق
رماك بطيشه ورمى فرنسا
أخو حرب به صلف وحمق
إذا ما جاءه طلاب حق
يقول عصابة خرجوا وشقوا
دم الثوار تعرفه فرنسا
وتعلم أنه نور وحق
جرى في أرضها فيه حياة
كمنهل السماء وفيه رزق
438
بلاد مات فتيتها لتحيا
وزالوا دون قومهم ليبقوا
وحررت الشعوب على قناها
فكيف على قناها تسترق
439
بني سورية اطرحوا الأماني
وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا
بألقاب الإمارة وهي رق
440
وكم صيد
441
بدا لك من ذليل
كما مالت من المصلوب عنق
فتوق الملك تحدث ثم تمضي
ولا يمضي لمختلفين فتق
نصحت ونحن مختلفون دارا
ولكن كلنا في الهم شرق
ويجمعنا إذا اختلفت بلاد
بيان غير مختلف ونطق
وقفتم بين موت أو حياة
فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
ومن يسقي ويشرب بالمنايا
إذا الأحرار لم يسقوا ويسقوا
ولا يبني الممالك كالضحايا
ولا يدني الحقوق ولا يحق
ففي القتلى لأجيال حياة
وفي الأسرى فدى لهم وعتق
442
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
جزاكم ذو الجلال بني دمشق
وعز الشرق أوله دمشق
نصرتم يوم محنته أخاكم
وكل أخ بنصر أخيه حق
وما كان الدروز قبيل
443
شر
وإن أخذوا بما لم يستحقوا
ولكن ذادة
444
وقراة ضيف
كينبوع الصفا خشنوا ورقوا
لهم جبل أشم له شعاف
موارد في السحاب الجون بلق
لكل لبوءة ولكل شبل
نضال دون غايته ورشق
كأن من السموءل
445
فيه شيئا
فكل جهاته شرف وخلق
رمضان ولى (الأبيات التي بين قوسين ترجمتها جريدة الطان بقلم المرحوم عثمان باشا غالب.)
رمضان ولى هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاق
ما كان أكثره على ألافها
وأقله في طاعة الخلاق
الله غفار الذنوب جميعها
إن كان ثم من الذنوب بواقي
بالأمس قد كنا سجيني طاعة
واليوم من العيد بالإطلاق
ضحكت إلي من السرور ولم تزل
بنت الكروم كريمة الأعراق
هات اسقنيها غير ذات عواقب
حتى نراع لصيحة الصفاق
446
صرفا مسلطة الشعاع كأنما
من وجنتيك تدار والأحداق
حمراء أو صفراء إن كريمها
كالغيد كل مليحة بمذاق
وحذار من دمها الزكي تريقه
يكفيك يا قاسي دم العشاق
لا تسقني إلا دهاقا
447
إنني
أسقى بكأس في الهموم دهاق
فلعل سلطان المدامة مخرجي
من عالم لم يحو غير نفاق «وطني أسفت عليك في عيد الملا
وبكيت من وجد ومن إشفاق» «لا عيد لي حتى أراك بأمة
شماء راوية من الأخلاق» «ذهب الكرام الجامعون لأمرهم
وبقيت في خلف بغير خلاق» «أيظل بعضهم لبعض خاذلا
ويقال شعب في الحضارة راقي» «وإذا أراد الله إشقاء القرى
جعل الهداة بها دعاة شقاق» •••
العيد بين يديك يا ابن محمد
نثر السعود حلى على الآفاق
وأتى يقبل راحتيك ويرتجي
ألا يفوتكما الزمان تلاق
قابلته بسعود وجهك والسنا
فازداد من يمن ومن إشراق
فاهنأ بطالعه السعيد يزينه
عيد الفقير وليلة الأرزاق
يتنزل الأجران
448
في صبحيهما
جزلين عن صوم وعن إنفاق
إني أجل عن القتال سرائري
إلا قتال البؤس والإملاق
449
وأرى سموم العالمين كثيرة
وأرى التعاون أنجع الترياق
450
قسمت بنيها واستبدت فوقهم
دنيا تعق لئيمة الميثاق
والله أتعبها وضلل كيدها
من راحتيك بوابل غيداق
451
يأسو جراح اليائسين من الورى
ويساعد الأنفاس في الأرماق
452
بلغ الكرام المجد حين جروا له
بسوابق وبلغته ب «براق»
ورأوا غبارك في السها وتراكضوا
من للنجوم ومن لهم بلحاق
مولاي طلبة مصر أن تبقى لها
فإذا بقيت فكل خير باق
سبق القريض إليك كل مهنئ
من شاعر متفرد سباق
لم يدخر إلا رضاك ولا اقتنى
إلا ولاءك أنفس الأعلاق
453
إن القلوب وأنت ملء صميمها
بعثت تهانيها من الأعماق
وأنا الفتى «الطائي»
454
فيك وهذه
كلمي هززت بها أبا إسحاق
455
مصر
قال وقد كان أعد وليمة إلى الكاتب الإنجليزي المستر هول كين:
أيها الكاتب المصور صور
مصر بالمنظر الأنيق الخليق
إن مصرا رواية الدهر فاقرأ
عبرة الدهر في الكتاب العتيق
ملعب مثل القضاء عليه
في صبا الدهر آية «الصديق»
456
وامحاء
457 «الكليم»
458
آنس نارا
والتجاء «البتول»
459
في وقت ضيق
ومنايا «منا» ف «كسرى» فذي «القر
نين» فالقيصرين ف «الفاروق»
460
دول لم تبد ولكن توارت
خلف ستر من الزمان رقيق
روضتي ازينت وأبدت حلاها
حين قالوا ركابكم في الطريق
مثل عذراء من عجائز «روما»
بشروها بزورة البطريق
ضحك الماء والأقاحي
461
عليها
قابلته الغصون بالتصفيق
زرتها والربيع فصلا فخفت
نحو ركبيكما خفوف المشوق
فانزلا في عيون نرجسها الغض
صيانا وفوق خد الشقيق
462
البحر الأبيض المتوسط
أي الممالك أيها
في الدهر ما رفعت شراعك
يا أبيض الآثار والص
فحات ضيع من أضاعك
إن البيان وإن حس
ن العقل ما زالا متاعك
أبدا تذكرنا الذي
ن جلوا على الدنيا شعاعك
وبنوا منارك عاليا
متألقا وبنوا قلاعك
وتحكموا بك في الوجو
د تحكما كان ابتداعك
حتى إذا جئت الأنا
م بأهل حكمته أطاعك
واليوم عق كأنما
ينسى جميلك واصطناعك
فابلع فديتك كل ما
ئك فالملا ينوي ابتلاعك
وقال عندما زار قسم الأزهار والثمار في المعرض بباريس سنة 1901م:
رزق الله أهل باريس خيرا
وأرى العقل خير ما رزقوه
عندهم للثمار والزهر مما
تنجب الأرض معرض نسقوه
جنة تخلب العقول وروض
تجمع العين منه ما فرقوه
من رآه يقول قد حرموا الفر
دوس لكن بسحرهم سرقوه
ما ترى الكرم قد تشاكل حتى
لو رآه السقاة ما حققوه؟
يسكر الناظرين كرما ولما
تعتصره يد ولا عتقوه
صوروه كما يشاءون حتى
عجب الناس كيف لم ينطقوه
يجد المتقي يد الله فيه
ويقول الجحود قد خلقوه
باريس
جهد الصبابة ما أكابد فيك
لو كان ما قد ذقته يكفيك
حتام هجراني وفيم تجنبي
وإلام بي ذل الهوى يغريك
قد مت من ظمأ فلو سامحتني
أن أشتهي ماء الحياة بفيك
أجد المنايا في رضاك هي المنى
ماذا وراء الموت ما يرضيك
يا بنت مخضوب الصوارم والقنا
برئت بنانك من سلاح أبيك
فخضاب تلك من العيون وقاية
وخضاب ذاك من الدم المسفوك
جفناك أيهما الجريء على دمي
بأبي هما من قاتل وشريك
بالسيف والسحر المبين وبالطلى
حملا علي وبالقنا المشبوك
463
بهما وبي سقم ومن عجب الهوى
عدوان منكسر على منهوك
رفقا بمسبلة
464
الشئون
465
قريحة
466
تسلو عن الدنيا ولا تسلوك
أبكيتها وقعدت عن إنسانها
467
يا للرجال لمغرق متروك
ضلت كراها
468
في غياهب
469
حالك
ضل الصباح عليه صوت الديك
رق النسيم على دجاه لأنتي
ورثى لحالي في السماء أخوك
470
قاسيته حتى انجلى بالصبح عن
سري المصون ومدمعي المهتوك
سلت سيوف الحي إلا واحدا
إفرنده
471
في جفنه يحميك
جردته في غير حق كالألى
سلوا سيوفهم على أهليك
طلعت على حرم الممالك خيلهم
نارا سنابكها
472
على «البلجيك»
البأس والجبروت في أعرافها
473
والموت حول شكيمها
474
المعلوك
475
عرت «لياج» عن الحصون وجردت «نامور» عن فولاذها المشكوك
476
تمشي على خط الملوك وختمهم
وعلى مصون مواثق وصكوك
477
والحرب لا عقل لها فتسومها
ما ينبغي من خطة وسلوك
دكت حصون القوم إلا معقلا
من نخوة وحمية وفتوك
وإذا احتمى الأقوام باستقلالهم
لاذوا بركن ليس بالمدكوك
ولقد أقول وأدمعي منهلة «باريس» لم يعرفك من يغزوك
ما خلت جنات النعيم ولا الدمى
478
ترمى بمشهود النهار
479
سفوك
زعموك دار خلاعة ومجانة
ودعارة يا إفك ما زعموك
إن كنت للشهوات ريا فالعلا
شهواتهن مرويات فيك
تلدين أعلام البيان كأنهم
أصحاب تيجان ملوك أريك
فاضت على الأجيال حكمة شعرهم
وتفجرت كالكوثر المعروك
480
والعلم في شرق البلاد وغربها
ما حج طالبه سوى ناديك
العصر أنت جماله وجلاله
والركن من بنيانه المسموك
481
أخذت لواء الحق عنك شعوبه
ومشت حضارته بنور بنيك
وخزانة التاريخ ساعة عرضها
للفخر خير كنوزها ماضيك
ومن العجائب أن واديك الشرى
482
ومراتع الغزلان في واديك
يا مكتبي قبل الشباب وملعبي
ومقيل أيام الشباب النوك
483
ومراح لذاتي ومغداها على
أفق كجنات النعيم ضحوك
وسماء وحي الشعر من متدفق
سلس على نول
484
السماء محوك
485
لما احتملت لك الصنيعة لم أجد
غير القوافي ما به أجزيك
إن لم يقوك بكل نفس حرة
فالله جل جلاله واقيك
وقال في صاحب أهوج كثير الحركة والكلام:
لنا صاحب قد مس إلا بقية
فليس بمجنون وليس بعاقل
له قدم لا تستقر بموضع
كما يتنزى
486
في الحصى غير ناعل
إذ ما بدا في مجلس ظن حافلا
من الصخب العالي وليس بحافل
ويمطرنا من لفظه كل جامد
ويمطرنا من ريله
487
شر سائل
ويلقي على السمار كفا دعابها
كعضة برد في نواحي المفاصل
وقال يشيع صديقه الدكتور محجوب ثابت وهو مسافر، وفيها وصف لبعض الأماكن المقدسة: «محجوب» إن جئت «الحجا
ز» وفي جوانحك الهوى له
شوقا وحبا بالرسو
ل وآله أزكى سلالة
فلمحت نضرة «بانه»
وشممت كالريحان «ضاله»
وعلى «العتيق»
488
مشيت تن
ظر فيه دمعك وانهماله
ومضى السرى بك حيث كا
ن الروح يسري والرسالة
وبلغت «بيتا» بالحجا
ز يبارك الباري حياله
الله فيه جلا الحرا
م لخلقه وجلا حلاله
فهناك طب الروح طب
العالمين من الجهالة
وهناك أطلال الفصا
حة والبلاغة والنباله
وهناك أزكى مسجد
أزكى البرية قد مشى له
وهناك عذري الهوى
وحديث «قيس»
489
والغزالة
وهناك مجري الخيل يج
ري في أعنتها خياله
وهناك من جمع السما
حة والرجاحة والبسالة
490
وهناك خيمت النهى
والعلم قد ألقى رحاله
وهناك سرح حضارة
الله فيأنا ظلاله
إن الحسين بن الحسي
ن أمير مكة والإيالة
قمر الحجيج إذا بدا
دار الحجيج عليه هالة
أنت العليل فلذ به
مستشفيا واغنم نواله
لا طب إلا جده
شافي العقول من الضلالة
قبل ثراه وقل له
عني وبالغ في المقالة
أنا يا ابن أحمد بعد مد
حي في أبيك بخير حالة
أنا في حمى الهادي أبي
ك أحبه وأجل آله
شوقي إليك على النوى
شوق الضرير إلى الغزالة
491
يا ابن الملوك الراشدي
ن الصالحين أولي العدالة
إن كان بالملك الجلا
لة فالنبي لكم جلالة
أوليس جدكم الذي
بلغ الوجود به كماله
طوكيو (وصف نكبة اليابان الأخيرة بالزلزال الشهير.)
قف ب «طوكيو» وطف على «يوكاهامة»
وسل القريتين كيف القيامة
دنت الساعة التي أنذر النا
س وحلت أشراطها
492
والعلامة
قف تأمل مصارع القوم وانظر
هل ترى من ديار عاد دعامة
خسفت بالمساكن الأرض خسفا
وطوى أهلها بساط الإقامة
493
طوفت بالمدينتين المنايا
وأدار الردى على القوم جامه
494
لا ترى العين منهما أين جالت
غير نقض
495
أو رمة أو حطامة
496
حازهم من مراجل
497
الأرض قبر
في مدى الظن عمقه ألف قامة
تحسب الميت في نواحيه يعيي
نفخة الصور أن تلم عظامه
أصبحوا في ذرا الحياة وأمسوا
ذهبت ريحهم وشالوا نعامة
498
ثق بما شئت من زمانك إلا
صحبة العيش أو جوار السلامة
دولة الشرق وهي في ذروة العز
تحار العيون فيها فخامة
خانها الجيش وهو في البر درع
والأساطيل وهي في البحر لامة
499
لو تأملتها عشية جاشت
خلتها في يد القضاء حمامة
رجها رجة أكبت على قر
نيه «بوذا» وزلزلت أقدامه
استعذنا بالله من ذلك السي
ل الذي يكسح البلاد أمامه
من رأى جلمدا يهب هبوبا
وحميما
500
يسح سح الغمامة
ودخانا يلف جنحا بجنح
501
لا ترى فيه معصميها اليمامة
502
وهزيما كما عوى الذئب في كل
مكان وزمجر الضرغامة •••
أتت الأرض والسماء بطوفا
ن ينسي طوفان نوح وعامه
فترى البحر جن حتى أجاز
503
ال
بر واحتل موجه أعلامه
مزبدا ثائر اللجاج كجيش
قوض العاصف الهبوب خيامه
فلك نوح تعوذ منه بنوح
لو رأته وتستجير زمامه
قد تخيلتهم متابيل سحر
من قراع القضاء صرعى مدامة
وتخيلت من تخلف منهم
ظن ليل القيام ذاك فنامه
أبراكين تلك أم نزوات
504
من جراح قديمة ملتامة
تجد الأرض راحة حيث سالت
راحة الجسم من وراء الحجامة
505
ما لها لا تضج مما أقلت
من فساد وحملت من ظلامة
كلما لبست بأهل زمان
شهدت من زمانهم آثامه
استووا بالأذى ضريا وبالشر
ولوعا وبالدماء نهامة
لبست هذه الحياة علينا
عالم الشر وحشه وأنامه
ذاك من مؤنساته الظفر والنا
ب وهذا سلاحه الصمصامة
سره من أسامة البطش والفت
ك فسمى وليده بأسامة
506
لؤمت منهما الطباع ولكن
ولد العاصيين شر لآمة
507
طابع البريد (العيد الفضي - 10 سبتمبر سنة 1900م - لطابع البوستة في جنيف - سلام على لسان البريد.)
أنا من خمسة وعشرين عاما
لم أرح في رضاكم الأقداما
أركب البحر تارة وأجوب ال
بر طورا وأقطع الأياما
ويوافي النفوس مني رسول
لم يكن خائنا ولا نماما
يحمل الغش والنصيحة والبغ
ضاء والحب والرضا والملاما
ويعي ما تسره من كلام
ويؤدي كما وعاه الكلاما
ولقد أضحك العبوس بيوم
فيه أبكي المنعم البساما
وأهني على النوى وأعزي
وأفيد الحرمان والإنعاما
وجزائي عن خدمتي ووفائي
ثمن لا يكلف الأقواما
رب عبد قد اشتراني بمال
وغلام قد ساق مني غلاما
عرف القوم في «جنيفا» محلي
وجزوني عن خدمتي إكراما
جاملوني إذ تم لي ربع قرن
مثلما جاملوا الملوك العظاما
ويوبيل الملوك يلبث يوما
ويوبيلي يدوم في الناس عاما
الطيارون الفرنسيون
قم «سليمان» بساط الريح قاما
ملك القوم من الجو الزماما
حين ضاق البر والبحر بهم
أسرجوا الريح وساموها اللجاما
508
صار ما كان لكم معجزة
آية للعلم آتاها الأناما
قدرة كنت بها منفردا
أصبحت حصة من جد اعتزاما «عين شمس» قام فيها مارد
من عفاريتك يدعى «شاتهاما»
يملأ الجو عزيفا كلما
ضرب الريح بسوط والغماما
ملك الجو تليه عصبة
جمعت شهما وندبا وهماما
509
استووا فوق «مناطيدهم»
ما يبالون حياة أم حماما
وقبورا في السموات العلا
نزلوا أم حفرات ورغاما
510
مطمئنين نفوسا كلما
عبست كارثة زادوا ابتساما
صهوة العز اعتلوا تحسبهم
جمع أملاك على الخيل تسامى
رفعوا «لولبها» فاندفعت
هل رأيت الطير قد زف وحاما
511
شال
512
بالأذناب كل ورمى
بجناحيه كما رعت النعاما
ذهبت تسمو فكانت أعقبا
513
فنسورا فصقورا فحماما
تنبري في زرق الأفق كما
سبح الحوت بدأماء وعاما
514
بعضها في طلب البعض كما
طارد «النسر» على الجو القطاما
515
ويراها عالم في زحل
516
أرسلت من جانب الأرض سهاما
أو نجوما ذات أذناب بدت
تنذر الناس نشورا وقياما
517
أترى القوة في جؤجئه
518
وهو بالجؤجؤ ماض يترامى
أم تراها في الخوافي
519
خفيت
أم مقر الحول
520
في بعض القدامى
521
أم ذناباه إذا حركه
يزن الجسم هبوطا وقياما
أم بعينيه إذا ما جالتا
تكشفان الجو غيثا أم جهاما
522
أم بأظفار إذا شبكها
نفذت في الريح دفعا واستلاما
أم أمدته بروح أمه
يوم ألقته وما جاز الفطاما
فتلقاه أب كم من أب
دونه في الناس بالولد اهتماما
فلكي هو إلا أنه
لم ينل فهما ولم يعط الكلاما
طلبة قد رامها آباؤنا
وابتغاها من رأى الدهر غلاما
أسقطت «إيكار» في تجربة
و«ابن فرناس» فما اسطاعا قياما
في سبيل المجد أودى نفر
شهداء العلم أعلاهم مقاما
خلفاء الرسل في الأرض هم
يبعث الله بهم عاما فعاما
قطرة من دمهم في ملكه
تملأ الملك جمالا ونظاما •••
رب إن كانت لخير جعلت
فاجعل الخير بناديها لزاما
وإن اعتز بها الشر غدا
فتعالت تمطر الموت الزؤاما
فاملأ الجو عليها رجما
رحمة منك وعدلا وانتقاما •••
يا «فرنسا» لا عدمنا مننا
لك عند العلم والفن جساما
لطف الله ب «باريس» ولا
لقيت إلا نعيما وسلاما
روعت قلبي خطوب روعت
سامر الأحياء فيها والنياما
أنا لا أدعو على «سين» طغى
إن ل «السين» وإن جار ذماما
لست بالناسي عليه عيشة
كانت الشهد وأحبابا كراما
اجعلوها رسلكم أهل الهوى
تحمل الأشواق عنكم والغراما
واستعيروها جناحا طالما
شغف الصب وشاق المستهاما
يحمل المضنى إلى أرض الهوى «يمنا» حل هواه أم «شآما» •••
أركب الليث ولا أركبها
وأرى ليث الشرى أوفى ذماما
غدرت «جيرون» لم تحفل به
وبما حاول من فوز وراما
وقعت ناحية فاحترقت
مثل قرص الشمس بالأفق اضطراما
راضها باليمن من طلعته
خير من حج ومن صلى وصاما
كخليل الله في حضرته
خرت النار خشوعا واحتراما •••
ما ل «روحي » صاعدا ما ينتهي
أتراه آثر الجو فراما
كلما دار به دورته
أبدت الريح امتثالا وارتساما
أنا لو نلت الذي قد ناله
ما هبطت الأرض أرضاها مقاما
هل ترى في الأرض إلا حسدا
ورياء ونزاعا وخصاما •••
ملك هذا الجو في منعته
طالما للنجم والطير استقاما
حسد الإنسان سربيه
523
بما
أوتيا في ذروة العز اعتصاما
دخل العش على «أنسره»
أترى يغشى من النجم السناما
524
أيها الشرق انتبه من غفلة
مات من في طرقات السيل ناما
لا تقولن عظامي أنا
في زمان كان للناس عصاما
شاقت العلياء فيه خلفا
ليس يألوها طلابا واغتناما
كل حين منهم نابغة
يفضل البدر بهاء وتماما •••
خالق العصفور حيرت به
أمما بادوا وما نالوا المراما
أفنوا النقدين في تقليده
وهو كالدرهم ريشا وعظاما
وصف مرقص
وقال يصف «البال» الخديو الذي أقيم سنة 1903م بسراي عابدين:
طال عليها القدم
فهي وجود عدم
قد وئدت في الصبا
525
وانبعثت في الهرم
بالغ فرعون في
كرمتها من كرم
أهرق عنقودها
تقدمة للصنم
خبأها كاهن
ناحية في «الهرم»
اكتشفت فامحت
526
غير شذا
527
أو ضرم
528
أو كخيال لها
بعد متاب ألم
529
نم بها دنها
وهي عليه أنم
بي رشأ ناعم
530
ما عرف العمر هم
أخرجها الله كالز
هرة والحسن كم
531
تخطر عن عادل
لم ير إلا ظلم
تبسم عن لؤلؤ
قدره من قسم
كرمه في النوى
هذبه في اليتم
532
مضطهد خصرها
جانبه مهتضم
طاوع من صدرها
أي قوي حكم
حمله ثقله
ثم عليه ادعم
533
تسأل أترابها
مومئة بالعنم
534
أي فتى ذلكن
العربي العلم
يشربها ساهرا
ليلته لم ينم
قلن تجاهلته
ذلك رب القلم
شاعر مصر الذي
لو خفي النجم لم
قلت لها ليت لم
نرم ولم نتهم
عاذلتي في الطلى
535
لو أنصفت لم ألم
إن عبس العيش لي
عذت بها فابتسم
يشربها كابر
536
بين ضلوعي أشم
يبذل إلا النهى
يهتك إلا الحرم
يكسبها خلقه
يمزجها بالشيم
يمنعها حلمه
إن دفعته احتشم
تلك شموس الدجى
أم ظبيات الخيم
تقبل في موكب
شق سناه الظلم
خلت بأنواره
قرن ذكاء نجم
537
مقصدها سدة
آل إليها العظم
حيث كبار الملا
بعض صغار الخدم
قد وقفوا للمها
فانسربت
538
من أمم
539
تخطر من جمعهم
بين ليوث بهم
540
خارجة من شرى
داخلة في أجم
ناعمة لم ترع
لاهية لم تجم
انتثرت لؤلؤا
في المهجات انتظم
تمرح في مأمن
مثل حمام الحرم
مؤتلف سربها
حيث تلاقى التأم
مندفعات على
مختلفات النغم
بين يد في يد
أو قدم في قدم
تذهب مشي القطا
ترجع كر النسم
تبعث أنى بدت
ضوء جبين وفم
تعجل خطوا تني
541
فاتنة بالرسم
542
تجمع من ذيلها
تتركه لم يلم
ترفل في مخمل
نم ولما ينم
تتبع إلا الهوى
تقرب إلا التهم
فاجتمعت فالتقت
حول خوان نظم
منتهب كلما
ظن به النقص تم
مائدة مدها
بحر نوال خضم
تحسبها صورت
من شهوات النهم
لم تر في «بابل»
ما عهدت في «إرم» «حاتم» لو شامها
أقلع عما زعم «معن» لو انتابها
أدرك معنى الكرم
أشبه بالبحر لا
يحرجها مزدحم
قام لديها الملا
يبلغ ألفين ثم
مقترحا ما اشتهى
ملتقيا ما رسم
لو طلب الطير من
أيكته ما احترم
543
يا ملكا لم تضق
ساحته بالأمم
تجمع أشرافها
من عرب أو عجم
تخطر من أمها
بين صنوف النعم
سادة أفريقيا
لجتها والأكم
أنت رشيد العلا
في الملأين احتكم
544
ليلتكم قدرها
فوق غوالي القيم
مشرقة مثلها
في زمن لم يقم
لا برح الصفو في
ظلكم يغتنم
ما شربوها وما
طال عليها القدم
توت عنخ آمون وحضارة عصره
درجت على الكنز القرون
وأتت على الدن السنون
545
خير السيوف مضى الزما
ن عليه في خير الجفون
546
في منزل كمحجب ال
غيب استسر عن الظنون
547
حتى أتى العلم الجسو
ر ففض خاتمه المصون
والعلم «بدري»
548
أحل
لأهله ما يصنعون
هتك الحجال
549
على الحضا
رة والخدور على الفنون
واندس كالمصباح في
حفر من الأجداث جون
550
حجر ممردة
551
المعا
قل في الثرى شم الحصون
لا تهتدي الريح الهبو
ب لها ولا الغيث الهتون
خانت أمانة جارها
والقبر كالدنيا يخون •••
يا ابن الثواقب من «رع»
وابن الزواهر من «أمون»
552
نسب عريق في الضحى
بذ القبائل والبطون
أرأيت كيف يئوب من
غمر القضاء المغرقون
وتدول آثار القرو
ن على رحى الزمن الطحون
حب الخلود بنى لكم
خلقا به تتفردون
لم يأخذ المتقدمو
ن به ولا المتأخرون
حتى تسابقتم إلى ال
إحسان فيما تعملون
لم تتركوه في الجلي
ل ولا الحقير من الشئون
هذا القيام فقل لنا ال
يوم الأخير متى يكون
البعث غاية زائل
فان وأنتم خالدون
السبق من عاداتكم
أترى القيامة تسبقون
أنتم أساطين الحضا
رة والبناة المحسنون
المتقنون وإنما
يجزى الخلود المتقنون •••
أنزلت حفرة هالك
أم حجرة الملك المكين
أم في مكان بين ذ
لك يدهش المتأملين
هو من قبور المتلفي
ن ومن قصور المترفين
لم يبق غال في الحضا
رة لم يحزه ولا ثمين
ميت تحيط به الحيا
ة زمانه معه دفين
وذخائر من أعصر
ولت ومن دنيا ودين
حملت على العجب الزما
ن وأهله المستكبرين
فتلفتت «باريس» تح
سب أنها صنع البنين •••
ذهب ببطن الأرض لم
تذهب بلمحته القرون
استحدثت لك جندلا
وصفائحا منه القيون
553
ونواوسا
554
وهاجة
لم يتخذها الهامدون
لو يفطن الموتى لها
سرحوا الأنامل ينبشون
وتنازعوا الذهب الذي
كانوا له يتفاتنون •••
أكفان وشي فصلت
برقائق الذهب الفتين
555
قد لفها لف الضما
د محنط آس رزين
وكأنهن كمائم
وكأنك الورد الجنين
وبكل ركن صورة
وبكل زاوية رقين
556
وترى الدمى فتخالها ان
تثرت على جنبات زون
557
صور تريك تحركا
والأصل في الصور السكون
ويمر رائع صمتها
بالحس كالنطق المبين
صحب الزمان دهانها
حينا عهيدا بعد حين
558
غض على طول البلى
حي على طول المنون
خدع العيون ولم يزل
حتى تحدى اللامسين
غلمان قصرك في الركا
ب يناولون ويطردون
559
والبوق يهتف والسها
م ترن والقوس الحنون
وكلاب صيدك لهث
والخيل جن لها جنون
والوحش تنفر في السهو
ل وتارة تثب الحزون
والطير ترسف في الجرا
ح وفي مناقرها أنين
وكأن آباء البري
ة في المدائن محضرون
وكأن دولة «آل شم
س» عن شمالك واليمين
560 •••
ملك الملوك تحية
وولاء محتفظ أمين
هذا المقام عرفته
وسبقت فيه القائلين
ووقفت في آثاركم
أزن الجلال وأستبين
وبنيت في العشرين من
أحجارها شعري الرصين
سالت عيون قصائدي
وجرى من الحجر المعين
أقعدت جيلا للهوى
وأقمت جيلا آخرين
كنتم خيال المجد ير
فع للشباب الطامحين
وكم استعرت جلالكم
لمحمد والمالكين
561
تاج تنقل في الخيا
ل فما استقر على جبين
خرزاته السيف الصقي
ل يشده الرمح السنين •••
قل لي أحين بدا الثرى
لك هل جزعت على العرين
آنست ملكا ليس بالش
كي السلاح ولا الحصين
البر مغلوب القنا
والبحر مسلوب السفين
لما نظرت إلى الديا
ر صدفت بالقلب الحزين
562
لم تلق حولك غير «كر
تر» والنطاسي المعين
أقبلت من حجب الجلا
ل على قبيل معرضين
تاج الحضارة حين أش
رق لم يجدهم حافلين
والله يعلم لم يرو
ه من قرون أربعين •••
قسما بمن يحيي العظا
م ولا أزيدك من يمين
لو كان من سفر إيا
بك أمس أو فتح مبين
أو كان بعثك من دبي
ب الروح أو نبض الوتين
وطلعت من وادي الملو
ك عليك غار الفاتحين
الخيل حولك في الجلا
ل العسجدية ينثنين
563
وعلى نجادك هالتا
ن من القنا والدارعين
والجند يدفع في ركا
بك بالملوك مصفدين
لرأيت جيلا غير جي
لك بالجبابر لا يدين
ورأيت محكومين قد
نصبوا وردوا الحاكمين
روح الزمان ونظمه
وسبيله في الآخرين
إن الزمان وأهله
فرغا من الفرد اللعين
فإذا رأيت مشايخا
أو فتية لك ساجدين
لاق الزمان تجدهم
عن ركبه متخلفين
هم في الأواخر مولدا
وعقولهم في الأولين
دمشق
قم ناج جلق
564
وانشد رسم من بانوا
مشت على الرسم أحداث وأزمان
هذا الأديم
565
كتاب لا كفاء له
رث الصحائف باق منه عنوان
الدين والوحي والأخلاق طائفة
منه وسائره دنيا وبهتان
ما فيه إن قلبت يوما جواهره
إلا قرائح من راد وأذهان
566
بنو أمية للأنباء ما فتحوا
وللأحاديث ما سادوا وما دانوا
567
كانوا ملوكا سرير الشرق تحتهم
فهل سألت سرير الغرب ما كانوا
عالين كالشمس في أطراف دولتها
في كل ناحية ملك وسلطان
يا ويح قلبي مهما انتاب أرسمهم
سرى به الهم أو عادته أشجان
بالأمس قمت على «الزهراء»
568
أندبهم
واليوم دمعي على «الفيحاء» هتان
569
في الأرض منهم سموات وألوية
ونيرات وأنواء وعقبان
معادن العز قد مال الرغام
570
بهم
لو هان في تربه الإبريز ما هانوا
لولا دمشق لما كانت «طليطلة»
ولا زهت ببني العباس بغدان
571
مررت بالمسجد المحزون أسأله
هل في المصلى أو المحراب «مروان»
تغير المسجد المحزون واختلفت
على المنابر أحرار وعبدان
فلا الأذان أذان في منارته
إذا تعالى ولا الآذان آذان •••
آمنت بالله واستثنيت جنته
دمشق روح وجنات وريحان
قال الرفاق وقد هبت خمائلها
الأرض دار لها «الفيحاء» بستان
جرى وصفق يلقانا بها «بردى»
572
كما تلقاك دون الخلد رضوان
دخلتها وحواشيها زمردة
والشمس فوق لجين الماء عقيان
573
والحور في «دمر»
574
أو حول «هامتها»
حور
575
كواشف عن ساق وولدان
و«ربوة» الواد في جلباب راقصة
الساق كاسية والنحر عريان
والطير تصدح من خلف العيون بها
وللعيون كما للطير ألحان
وأقبلت بالنبات الأرض مختلفا
أفوافه فهو أصباغ وألوان
576
وقد صفا «بردى» للريح فابتردت
577
لدى ستور حواشيهن أفنان
ثم انثنت لم يزل عنها البلال
578
ولا
جفت من الماء أذيال وأردان
579
خلفت «لبنان» جنات النعيم وما
نبئت أن طريق الخلد لبنان
حتى انحدرت إلى فيحاء وارفة
فيها الندى وبها «طي» «وشيبان»
580
نزلت فيها بفتيان جحاجحة
581
آباؤهم في شباب الدهر غسان
582
بيض الأسرة
583
باق فيهم صيد
584
من «عبد شمس»
585
وإن لم تبق تيجان
يا فتية الشام شكرا لا انقضاء له
لو أن إحسانكم يجزيه شكران
ما فوق راحاتكم يوم السماح يد
ولا كأوطانكم في البشر أوطان
خميلة الله وشتها يداه لكم
فهل لها قيم منكم وجنان
586
شيدوا لها الملك وابنوا ركن دولتها
فالملك غرس وتجديد وبنيان
لو يرجع الدهر مفقودا له خطر
لآب بالواحد المبكي ثكلان
الملك أن تعملوا ما اسطعتم عملا
وأن يبين على الأعمال إتقان
الملك أن تخرج الأموال ناشطة
لمطلب فيه إصلاح وعمران
الملك تحت لسان حوله أدب
وتحت عقل على جنبيه عرفان
الملك أن تتلاقوا في هوى وطن
تفرقت فيه أجناس وأديان •••
نصيحة ملؤها الإخلاص صادقة
والنصح خالصه دين وإيمان
والشعر ما لم يكن ذكرى وعاطفة
أو حكمة فهو تقطيع وأوزان
ونحن في الشرق والفصحى بنو رحم
ونحن في الجرح والآلام إخوان
أخت أمينة
وقال وقد رأى في الفلك وهي ترجع به إلى مصر طفلة فيها من كريمته أمينة مشابهة:
هذه نور السفينة
هذه شبه «أمينة»
هذه صورتها من
بئة عنها مبينة
هذه لؤلؤة عن
دي لها مثل ثمينة
من بنات الروم لكن
لم تكن عندي مهينة
أنا من يترك للدي
ان في الدنيا شئونه
يا ملاك الفلك لي صن
وك في تلك المدينة
587
أنت في الفلك بهاء
وهو في «حلوان» زينة
ناجه واذكر له وج
د أبيه وحنينه
وأفده إنني في ال
بحر مذ دست عرينه
لست بالنفس ضنينا
وبه نفسي ضنينة
أسأل الرحمن يرعي
ك وإياه عيونه
أندلسية (نظمها في منفاه بإسبانيا، وفيها يحن للوطن العزيز، ويصف كثيرا من مشاهده ومعاهده.)
يا نائح «الطلح»
588
أشباه عوادينا
589
نشجى لواديك أم نأسى لوادينا
ماذا تقص علينا غير أن يدا
قصت جناحك جالت في حواشينا
رمى بنا البين أيكا غير سامرنا
أخا الغريب وظلا غير نادينا
كل رمته النوى ريش
590
الفراق لنا
سهما وسل عليك البين سكينا
إذا دعا الشوق لم نبرح بمنصدع
من الجناحين عي لا يلبينا
فإن يك الجنس يا ابن الطلح فرقنا
إن المصائب يجمعن المصابينا
لم تأل ماءك تحنانا ولا ظمأ
ولا ادكارا
591
ولا شجوا أفانينا
592
تجر من فنن
593
ساقا إلى فنن
وتسحب الذيل ترتاد المؤاسينا
أساة
594
جسمك شتى حين تطلبهم
فمن لروحك بالنطس
595
المداوينا •••
آها لنا نازحي أيك
596
بأندلس
وإن حللنا رفيفا
597
من روابينا
رسم وقفنا على رسم الوفاء له
نجيش بالدمع والإجلال يثنينا
لفتية لا تنال الأرض أدمعهم
ولا مفارقهم إلا مصلينا
598
لو لم يسودوا بدين فيه منبهة
599
للناس كانت لهم أخلاقهم دينا
لم نسر من حرم إلا إلى حرم
كالخمر من «بابل» سارت «لدارينا»
600
لما نبا الخلد نابت عنه نسخته
تماثل الورد «خيريا» و«نسرينا»
601
نسقي ثراهم ثناء كلما نثرت
دموعنا نظمت منها مراثينا
كادت عيون قوافينا تحركه
وكدن يوقظن في الترب السلاطينا
لكن مصر وإن أغضت على مقة
602
عين من الخلد بالكافور تسقينا
على جوانبها رفت تمائمنا
وحول حافاتها قامت رواقينا
603
ملاعب مرحت فيها مآربنا
وأربع أنست فيها أمانينا
ومطلع لسعود من أواخرنا
ومغرب لجدود من أوالينا
604
بنا فلم نخل من روح
605
يراوحنا
من بر مصر وريحان يغادينا
كأم موسى على اسم الله تكفلنا
وباسمه ذهبت في اليم تلقينا
606
ومصر كالكرم ذي الإحسان فاكهة
لحاضرين وأكواب لبادينا •••
يا ساري البرق يرمي عن جوانحنا
بعد الهدوء ويهمي عن مآقينا
لما ترقرق في دمع السماء دما
هاج البكا فخضبنا الأرض باكينا
الليل يشهد لم نهتك دياجيه
على نيام ولم نهتف بسالينا
والنجم لم يرنا إلا على قدم
قيام ليل الهوى للعهد راعينا
كزفرة في سماء الليل حائرة
مما نردد فيه حين يضوينا
بالله إن جبت ظلماء العباب على
نجائب النور محدوا ب «جرينا»
ترد عنك يداه كل عادية
إنسا يعثن فسادا أو شياطينا
حتى حوتك سماء النيل عالية
على الغيوث وإن كانت ميامينا
وأحرزتك شفوف اللازورد على
وشي الزبرجد من أفواف وادينا
607
وحازك الريف أرجاء مؤرجة
ربت خمائل واهتزت بساتينا
فقف إلى النيل واهتف في خمائله
وانزل كما نزل الطل الرياحينا
وآس ما بات يذوي من منازلنا
بالحادثات ويضوى من مغانينا •••
ويا معطرة الوادي سرت سحرا
فطاب كل طروح من مرامينا
ذكية الذيل لو خلنا غلالتها
قميص يوسف لم نحسب مغالينا
جشمت شوك السرى حتى أتيت لنا
بالورد كتبا وبالريا عناوينا
فلو جزيناك بالأرواح غالية
عن طيب مسراك لم تنهض جوازينا
هل من ذيولك مسكي نحمله
غرائب الشوق وشيا من أمالينا
إلى الذين وجدنا ود غيرهم
دنيا وودهم الصافي هو الدينا •••
يا من نغار عليهم من ضمائرنا
ومن مصون هواهم في تناجينا
ناب الحنين إليكم في خواطرنا
عن الدلال عليكم في أمانينا
جئنا إلى الصبر ندعوه كعادتنا
في النائبات فلم يأخذ بأيدينا
وما غلبنا على دمع ولا جلد
حتى أتتنا نواكم من صياصينا
608
ونابغي
609
كأن الحشر آخره
تميتنا فيه ذكراكم وتحيينا
نطوي دجاه بجرح من فراقكم
يكاد في غلس الأسحار يطوينا
إذا رسا النجم لم ترقأ محاجرنا
حتى يزول ولم تهدأ تراقينا
بتنا نقاسي الدواهي من كواكبه
حتى قعدنا بها حسرى تقاسينا
يبدو النهار فيخفيه تجلدنا
للشامتين ويأسوه تأسينا •••
سقيا لعهد كأكناف الربا رفة
610
أنى ذهبنا وأعطاف الصبا لينا
إذ الزمان بنا غيناء زاهية
ترف أوقاتنا فيها رياحينا
الوصل صافية والعيش ناغية
والسعد حاشية والدهر ماشينا
والشمس تختال في العقيان تحسبها «بلقيس» ترفل في وشي اليمانينا
والنيل يقبل كالدنيا إذا احتفلت
لو كان فيها وفاء للمصافينا
والسعد لو دام والنعمى لو اطردت
والسيل لو عف والمقدار لو دينا
ألقى على الأرض حتى ردها ذهبا
ماء لمسنا به الإكسير أو طينا
أعداه من يمنه «التابوت» وارتسمت
على جوانبه الأنوار من سينا
له مبالغ ما في الخلق من كرم
عهد الكرام وميثاق الوفيينا
لم يجر للدهر إعذار
611
ولا عرس
إلا بأيامنا أو في ليالينا
ولا حوى السعد أطغى في أعنته
منا جيادا ولا أرحى ميادينا
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا
ولم يهن بيد التشتيت غالينا
ولا يحول لنا صبغ ولا خلق
إذا تلون كالحرباء شانينا
لم تنزل الشمس ميزانا ولا صعدت
في ملكها الضخم عرشا مثل وادينا
ألم تؤله على حافاته ورأت
عليه أبناءها الغر الميامينا
إن غازلت شاطئيه في الضحى لبسا
خمائل السندس الموشية الغينا
612
وبات كل مجاج
613
الواد من شجر
لوافظ القز بالخيطان ترمينا
وهذه الأرض من سهل ومن جبل
قبل «القياصر» دناها «فراعينا»
ولم يضع حجرا بان على حجر
في الأرض إلا على آثار بانينا
كأن أهرام مصر حائط نهضت
به يد الدهر لا بنيان فانينا
إيوانه الفخم من عليا مقاصره
يفني الملوك ولا يبقي الأواوينا
614
كأنها ورمالا حولها التطمت
سفينة غرقت إلا أساطينا
615
كأنها تحت لألاء الضحى ذهبا
كنوز «فرعون» غطين الموازينا •••
أرض الأبوة والميلاد طيبها
مر الصبا في ذيول من تصابينا
كانت محجلة فيها مواقفنا
غرا مسلسلة المجرى قوافينا
فآب من كرة الأيام لاعبنا
وثاب من سنة الأحلام لاهينا
ولم ندع لليالي صافيا فدعت «بأن نغص فقال الدهر آمينا»
لو استطعنا لخضنا الجو صاعقة
والبر نار وغى والبحر غسلينا
616
سعيا إلى مصر نقضي حق ذاكرنا
فيها إذا نسي الوافي وباكينا
كنز ب «حلوان» عند الله نطلبه
خير الودائع من خير المؤدينا
617
لو غاب كل عزيز عنه غيبتنا
لم يأته الشوق إلا من نواحينا
إذا حملنا لمصر أو له شجنا
لم ندر أي هوى الأمين شاجينا
وصف الغواصة ونكبة الباخرة لوزيتانيا
قال في حادثة نسف غواصة ألمانية للباخرة لوزيتانيا:
رأيت على لوح «الخيال»
618
يتيمة
قضى يوم «لوسيتانيا» أبواها
فيا لك من حاك أمين مصدق
وإن هاج للنفس البكى وشجاها
فواها عليها ذاقت اليتم طفلة
وقوض ركناها وذل صباها
وليت الذي قاست من الموت ساعة
كما راح يطوي الوالدين طواها
كفرخ رمى الرامي أباه فغاله
فقامت إليه أمه فرماها
فلا أب يستتذري
619
بظل جناحه
ولا أم يبغي ظلها وذراها
620
ودبابة
621
تحت العباب بمكمن
أمين ترى الساري وليس يراها
هي الحوت أو في الحوت منها مشابه
فلو كان فولاذا لكان أخاها
أبث لأصحاب السفين غوائلا
وألأم نابا حين تفغر فاها
خئون إذا غاصت غدور إذا طفت
ملعنة في سبحها وسراها
تبيت
622
سفن الأبرياء من الوغى
وتجني على من لا يخوض رحاها
فلو أدركت تابوت موسى لسلطت
عليه زباناها
623
وحر حماها
ولو لم تغيب فلك نوح وتحتجب
لما أمنت مقذوفها ولظاها
فلا كان بانيها ولا كان ركبها
ولا كان بحر ضمها وحواها
وأف على العلم الذي تدعونه
إذا كان في علم النفوس رداها
جسر البسفور (هذه القصيدة اهتم بها المغفور له السلطان عبد الحميد، وطلبها وقرأها باهتمام.)
أمير المؤمنين رأيت جسرا
أمر على الصراط ولا عليه
له خشب يجوع السوس فيه
وتمضي الفأر لا تأوي إليه
ولا يتكلف المنشار فيه
سوى مر الفطيم بساعديه
وكم قد جاهد الحيوان فيه
وخلف في الهزيمة حافريه
وأسمج منه في عيني جباة
624
تراهم وسطه وبجانبيه
إذا لاقيت واحدهم تصدى
كعفريت يشير براحتيه
ويمشي «الصدر»
625
فيه كل يوم
بموكبه السني وحارسيه
ولكن لا يمر عليه إلا
كما مرت يداه بعارضيه
ومن عجب هو الجسر المعلى
على البسفور يجمع شاطئيه
يفيد حكومة السلطان مالا
ويعطيها الغنى من معدنيه
يجود العالمون عليه هذا
بعشرته وذاك بعشرتيه
وغاية أمره أنا سمعنا
لسان الحال ينشدنا لديه «أليس من العجائب أن مثلي
يرى ما قل ممتنعا عليه» «وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا
وما من ذاك شيء في يديه» (كتاب بعث به إلى المرحوم حسين واصف باشا، يستهديه لكرمة ابن هاني بالمطرية شجيرات، وكان مشهورا باقتناء الرياحين والعناية بتربيتها.)
إلى حسين حاكم القنال
مثال حسن الخلق في الرجال
أهدي سلاما طيبا كخلقه
مع احترام هو بعض حقه
وأحفظ العهد له على النوى
والصدق في الود له وفي الهوى
وبعد فالمعروف بين الصحب
أن التهادي من دواعي الحب
وعندك الزهر وعندي الشعر
كلاهما فيما يقال ندر
وقد سمعت عنك من ثقات
أنك أنت ملك النبات
زهرك ليس للزهور رونقه
تكاد من فرط اعتناء تخلقه
ما نظرت مثلك عين النرجس
بعد ملوك الظرف في الأندلس
ولي من الحدائق الغناء
روض على «المطرية» الفيحاء
أتيت أستهدي لها وأسأل
وأرتضي النزر ولا أثقل
عشر شجيرات من الغوالي
تندر إلا في رياض الوالي
تزكو وتزهو في الشتا والصيف
وتجمع الألوان مثل الطيف
ترسلها مؤمنا عليها
إن هلكت لي الحق في مثليها
والحق في الخرطوم أيضا حقي
والدرس للخادم كيف يسقي
وبعد هذا لي عليك زورة
لكي تدور حول روضي دورة
فإن فعلت فالقوافي تفعل
ما هو من فعل الزهور أجمل
فما رأيت في حياتي أزينا
للمرء بين الناس من حسن الثنا
باب النسيب
خدعوها
خدعوها بقولهم حسناء
والغواني يغرهن الثناء
أتراها تناست اسمي لما
كثرت في غرامها الأسماء
إن رأتني تميل عني كأن لم
تك بيني وبينها أشياء
نظرة فابتسامة فسلام
فكلام فموعد فلقاء
يوم كنا ولا تسل كيف كنا
نتهادى من الهوى ما نشاء
وعلينا من العفاف رقيب
تعبت في مراسه الأهواء
جاذبتني ثوبي العصي وقالت
أنتم الناس أيها الشعراء
فاتقوا الله في قلوب العذارى
فالعذارى قلوبهن هواء
أخذ البيت الرابع فزاد قوله:
نظرة فابتسامة فسلام
فكلام فموعد فلقاء
ففراق يكون فيه دواء
أو فراق يكون منه الداء
وقال:
لا السهد يطويه ولا الإغضاء
ليل عداد نجومه رقباء
داجي عباب الجنح فوضى فلكه
ما للهموم ولا لها إرساء
أغزالة الإشراق أنت من الدجى
ومن السهاد إذا طلعت شفاء
رفقا بجفن كلما أبكيته
سال العقيق
1
به وقام الماء
ما مد هدبيه ليصطاد الكرى
إلا وطيفك في الكرى العنقاء
من لي بهن لياليا نهل
2
الصبا
مما أفضن وعلت
3
الأهواء
ألفن أوطاري فعيشي والمنى
في ظلهن الكأس والصهباء
وقال:
سويجع النيل رفقا بالسويداء
فما تطيق أنين المفرد النائي
4
لله واد كما يهوى الهوى عجب
تركت كل خلي فيه ذا داء
وأنت في الأسر تشكو ما تكابده
لصخرة من بني الأعجام صماء
الله في فنن تلهو الزمان به
فإنما هو مشدود بأحشائي
وفي جوانحك اللاتي سمحت بها
فلو ترفقت لم تسمح بأعضائي
ماذا تريد بذي الأنات في سهري
هذي جفوني تسقي عهد إغفائي
حسب المضاجع مني ما تعالج من
جنبي ومن كبد في الجنب حراء
أمسي وأصبح من نجواك في كلف
حتى ليعشق نطقي فيك إصغائي
الليل ينهضني من حيث يقعدني
والنجم يملأ لي والفكر صهبائي
آتي الكواكب لم أنقل لها قدما
لا ينقضي سهري فيها وإسرائي
وألحظ الأرض أطوي ما يكون إلى
ما كان من آدم فيها وحواء
مؤيدا بك في حلي ومرتحلي
وما هما غير إصباحي وإمسائي
توحي إلي الذي توحي وتسمع لي
وفي سماعك بعد الوحي إغرائي
قال أبو نواس:
يا ويح أهلي أبلى بين أعينهم
على الفراش ولا يدرون ما دائي
وطلب إليه تشطير هذا البيت فقال:
يا ويح أهلي أبلى بين أعينهم
ويدرج الموت في جسمي وأعضائي
وينظرون لجنب لا هدوء له
على الفراش ولا يدرون ما دائي
وقال:
منك يا هاجر دائي
وبكفيك دوائي
يا منى روحي ودنيا
ي وسؤلي ورجائي
أنت إن شئت نعيمي
وإذا شئت شقائي
ليس من عمري يوم
لا ترى فيه لقائي
وحياتي في التداني
ومماتي في التنائي
نم على نسيان سهدي
فيك واضحك من بكائي
كل ما ترضاه يا مو
لاي يرضاه ولائي
وكما تعلم حبي
وكما تدري وفائي
فيك يا راحة روحي
طال بالواشي عنائي
وتواريت بدمعي
عن عيون الرقباء
أنا أهواك ولا أر
ضى الهوى من شركائي
غرت حتى لترى أر
ضي غيرى من سمائي
ليتني كنت رداء
لك أو كنت ردائي
ليتني ماؤك في الغل
ة أو ليتك مائي
وقال:
لقد لامني يا هند في الحب لائم
محب إذا عد الصحاب حبيب
فما هو بالواشي على مذهب الهوى
ولا هو في شرع الوداد مريب
وصفت له من أنت ثم جرى لنا
حديث يهم العاشقين عجيب
وقلت له صبرا فكل أخي هوى
على يد من يهوى غدا سيتوب
وقال:
على قدر الهوى يأتي العتاب
ومن عاتبت يفديه الصحاب
ألوم معذبي فألوم نفسي
فأغضبها ويرضيها العذاب
ولو أني استطعت لتبت عنه
ولكن كيف عن روحي المتاب
ولي قلب بأن يهوى يجازى
ومالكه بأن يجني يثاب
ولو وجد العقاب فعلت لكن
نفار الظبي ليس له عقاب
يلوم اللائمون وما رأوه
وقدما ضاع في الناس الصواب
صحوت فأنكر السلوان قلبي
علي وراجع الطرب الشباب
كأن يد الغرام زمام قلبي
فليس عليه دون هوى حجاب
كأن رواية الأشواق عود
على بدء وما كمل الكتاب
كأني والهوى أخوا مدام
لنا عهد بها ولنا اصطحاب
إذا ما اعتضت عن عشق بعشق
أعيد العهد وامتد الشراب
وقال:
أريد سلوكم والقلب يأبى
وأعتبكم وملء النفس عتبى
وأهجركم فيهجرني رقادي
ويضويني الظلام أسى وكربا
5
وأذكركم برؤية كل حسن
فيصبو ناظري والقلب أصبى
6
وأشكو من عذابي في هواكم
وأجزيكم عن التعذيب حبا
وأعلم أن دأبكم جفائي
فما بالي جعلت الحب دأبا
ورب معاتب كالعيش يشكى
وملء النفس منه هوى وعتبى
أتجزيني عن الزلفى نفارا
عتبتك بالهوى وكفاك عتبا
فكل ملاحة في الناس ذنب
إذا عد النفار عليك ذنبا
أخذت هواك عن عيني وقلبي
فعيني قد دعت والقلب لبى
وأنت من المحاسن في مثال
فديتك قالبا فيه وقلبا
أحبك حين تثني الجيد تيها
وأخشى أن يصير التيه دأبا
وقالوا في البديل رضا وروح
لقد رمت البديل فرمت صعبا
وراجعت الرشاد عساي أسلو
فما بالي مع السلوان أصبى
إذا ما الكأس لم تذهب همومي
فقد تبت يد الساقي وتبا
على أني أعف من احتساها
وأكرم من عذارى الدير شربا
ولي نفس أرويها فتزكو
كزهر الورد ندوه فهبا
وقال:
روعوه فتولى مغضبا
أعلمتم كيف ترتاع الظبا
خلقت لاهية ناعمة
ربما روعها مر الصبا
لي حبيب كلما قيل له
صدق القول وزكى الريبا
كذب العذال فيما زعموا
أملي في فاتني ما كذبا
لو رأونا والهوى ثالثنا
والدجى يرخي علينا الحجبا
في جوار الليل في ذمته
نذكر الصبح بألا يقربا
ملء بردينا عفاف وهوى
حفظ الحسن وصنت الأدبا
يا غزالا أهل
7
القلب به
قلبي السفح وأحنى ملعبا
لك ما أحببت من حبته
منهلا عذبا ومرعى طيبا
هو عند المالك الأولى به
كيف أشكو أنه قد سلبا
إن رأى أبقى على مملوكه
أو رأى أتلفه واحتسبا
لك قد سجد البان له
وتمنت لو أقلته الربا
ولحاظ من معاني سحره
جمع الجفن سهاما وظبا
8
كان عن هذا لقلبي غنية
ما لقلبي والهوى بعد الصبا
فطرتي لا آخذ القلب بها
خلق الشاعر سمحا طربا
لو جلوا حسنك أو غنوا به
ل «لبيد» في الثمانين صبا
9
أيها النفس تجدين سدى
هل رأيت العيش إلا لعبا
جربي الدنيا تهن عندك ما
أهون الدنيا على من جربا
نلت فيما نلت من مظهرها
ومنحت الخلد ذكرا ونبا
وقال والمعنى لشاعر تركي:
ما تلك أهدابي تنظ
م بينها الدمع السكوب
بل تلك سبحة لؤلؤ
تحصى عليك بها الذنوب
وقال:
لا والقوام الذي والأعين اللاتي
ما خنت رب القنا والمشرفيات
ولا سلوت ولم أهمم ولا خطرت
بالبال سلواك في ماض ولا آت
وخاتم الملك للحاجات مطلب
وثغرك المتمنى كل حاجاتي
وقال:
لحظها لحظها رويدا رويدا
كم إلى كم تكيد للروح كيدا
كف أو لا تكف إن بجنبي
لسهاما أرسلتها لن تردا
تصل الضرب ما أرى لك حدا
فاتق الله والتزم لك حدا
أو فصغ لي من الحجارة قلبا
ثم صغ لي من الحدائد كبدا
واكف جفني دافقا ليس يرقا
واكف جنبي خافقا ليس يهدا
فمن الغبن أن يصير وعيدا
ما قطعت الزمان أرجوه وعدا
وقال:
الرشد أجمل سيرة يا أحمد
ود الغواني من شبابك أبعد
قد كان فيك لودهن بقية
واليوم أوشكت البقية تنفد «هاروت» شعرك بعد «ماروت» الصبا
أعيا وفارقه الخليل المسعد
لما سمعنك قلن شعر أمرد
يا ليت قائله الطرير الأمرد
ما للواهي الناعمات وشاعر
جعل النسيب حبالة يتصيد
ولكم جمعت قلوبهن على الهوى
وخدعت من قطعت ومن تتودد
وسخرت من واش وكدت لعاذل
واليوم تنشد من يشي ويفند
أئذا وجدت الغيد ألهاك الهوى
وإذا وجدت الشعر عز الأغيد
وقال:
إن الوشاة وإن لم أحصهم عددا
تعلموا الكيد من عينيك والفندا
10
لا أخلف الله ظني في نواظرهم
ماذا رأت بي مما يبعث الحسدا
هم أغضبوك فراح القد منثنيا
والجفن منكسرا والخد متقدا
وصادفوا أذنا صغواء لينة
فأسمعوها الذي لم يسمعوا أحدا
لولا احتراسي من عينيك قلت ألا
فانظر بعينيك هل أبقيت لي جلدا؟
الله في مهجة أيتمت واحدها
ظلما وما أتخذت غير الهوى ولدا
وروح صب أطال الحب غربتها
يخاف إن رجعت أن تنكر الجسدا
دع المواعيد إني مت من ظمأ
وللمواعيد ماء لا يبل صدى
تدعو ومن لي أن أسعى بلا كبد
فمن معيري من هذا الورى كبدا
وقال:
بثثت شكواي فذاب الجليد
وأشفق الصخر ولان الحديد
وقلبك القاسي على حاله
هيهات بل قسوته لي تزيد
وقال:
يمد الدجى في لوعتي ويزيد
ويبدئ بثي في الهوى ويعيد
إذا طال واستعصى فما هي ليلة
ولكن ليال ما لهن عديد
أرقت وعادتني لذكرى أحبتي
شجون قيام بالضلوع قعود
ومن يحمل الأشواق يتعب ويختلف
عليه قديم في الهوى وجديد
لقيت الذي لم يلق قلب من الهوى
لك الله يا قلبي أأنت حديد
ولم أخل من وجد عليك ورقة
إذا حل غيد أو ترحل غيد
وروض كما شاء المحبون ظله
لهم ولأسرار الغرام مديد
تظللنا والطير في جنباته
غصون قيام للنسيم سجود
تميل إلى مضنى الغرام وتارة
يعارضها مضنى الصبا فتحيد
مشى في حواشيها الأصيل فذهبت
ومارت عليها الحلي وهي تميد
وقامت لديها الطير شتى فآنس
بأهل ومفقود الأليف وحيد
وباك ولا دمع وشاك ولا جوى
وجذلان يشدو في الربا ويشيد
وذي كبرة لم يعط بالدهر خبرة
وعريان كاس تزدهيه مهود
غشيناه والأيام تندى شبيبة
ويقطر منها العيش وهو رغيد
رأت شفقا ينعى النهار مضرجا
فقلت لها حتى النهار شهيد
فقالت وما بالطير قلت سكينة
فما هي مما نبتغي ونصيد
أحل لنا الصيدان يوم الهوى مها
ويوم تسل المرهفات أسود
يحطم رمح دوننا ومهند
ويقتلنا لحظ ويأسر جيد
ونحكم حتى يقبل الدهر حكمنا
ونحن لسلطان الغرام عبيد
أقول لأيام الصبا كلما نأت
أما لك يا عهد الشباب معيد
وكيف نأت والأمس آخر عهدها
لأمس كباقي الغابرات عهيد
11
جزعت فراعتني من الشيب بسمة
كأني على درب المشيب «لبيد»
ومن عبث الدنيا وما عبثت سدى
شببنا وشبنا والزمان وليد
وقال:
هام الفؤاد بشادن
ألف الدلال على المدى
أبكي فيضحك ثغره
والكم يفتحه الندى
12
وقال عن شاعر تركي:
للعاشقين رضاك وال
حسنى ولي هجر وصد
ذكروا فكانوا سبحة
وأنا العلامة لا تعد
وقال:
في مقلتيك مصارع الأكباد
الله في جنب بغير عماد
كانت له كبد فحاق بها الهوى
قهرت وقد كانت من الأطواد
وإذا النفوس تطوحت في لذة
كانت جنايتها على الأجساد
نشوى وما يسقين إلا راحتي
وسنى وما يطعمن غير رقادي
ضعفى وكم أبلين من ذي قوة
مرضى وكم أفنين من عواد
يا قاتل الله العيون فإنها
في حر ما نصلى الضعيف البادي
قاتلن في أجفانهن قلوبنا
فصرعنها وسلمن بالأغماد
وصبغن من دمها الخدود تنصلا
ولقين أرباب الهوى بسواد
وقال:
قف باللواحظ عند حدك
يكفيك فتنة نار خدك
واجعل لغمدك هدنة
إن الحوادث ملء غمدك
وصن المحاسن عن قلو
ب لا يدين لها بجندك
نظرت إليك عن الفتو
ر وما اتقت سطوات حدك
أعلى روايات القنا
ما كان نسبته لقدك
نال العواذل جهدهم
وسمعت منهم فوق جهدك
نقلوا إليك مقالة
ما كان أكثرها لعبدك
قسما بما حملتني
فحملت من وجدي وصدك
ما بي السهام الكثر من
جفنيك لكن سهم بعدك
وقال:
مضناك جفاه مرقده
وبكاه ورحم عوده
حيران القلب معذبه
مقروح الجفن مسهده
أودى حرقا إلا رمقا
يبقيه عليك وتنفده
يستهوي الورق تأوهه
ويذيب الصخر تنهده
ويناجي النجم ويتعبه
ويقيم الليل ويقعده
ويعلم كل مطوقة
شجنا في الدوح تردده
كم مد لطيفك من شرك
وتأدب لا يتصيده
فعساك بغمض مسعفه
ولعل خيالك مسعده
الحسن حلفت بيوسفه «والسورة» إنك مفرده
قد ود جمالك أو قبسا
حوراء الخلد وأمرده
وتمنت كل مقطعة
13
يدها لو تبعث تشهده
جحدت عيناك زكي دمي
أكذلك خدك يجحده
قد عز شهودي إذ رمتا
فأشرت لخدك أشهده
وهممت بجيدك أشركه
فأبى واستكبر أصيده
وهززت قوامك أعطفه
فنبا وتمنع أملده
سبب لرضاك أمهده
ما بال الخصر يعقده
بيني في الحب وبينك ما
لا يقدر واش يفسده
ما بال العاذل يفتح لي
باب السلوان وأوصده
ويقول تكاد تجن به
فأقول وأوشك أعبده
مولاي وروحي في يده
قد ضيعها سلمت يده
ناقوس القلب يدق له
وحنايا الأضلع معبده
قسما بثنايا لؤلئها
قسم الياقوت منضده
ورضاب يوعد كوثره
مقتول العشق ومشهده
وبخال كاد يحج له
لو كان يقبل أسوده
وقوام يروي الغصن له
نسبا والرمح يفنده
وبخصر أوهن من جلدي
وعوادي الهجر تبدده
ما خنت هواك ولا خطرت
سلوى بالقلب تبرده
وقال:
بالله يا نسمات النيل في السحر
هل عندكن عن الأحباب من خبر
عرفتكن بعرف لا أكيفه
لا في الغوالي ولا في النور والزهر
من بعض ما مسح الحسن الوجوه به
بين الجبين وبين الفرق والشعر
فهل علقتن أثناء السرى أرجا
من الغدائر أو طيبا من الطرر
هجتن لي لوعة في القلب كامنة
والجرح إن تعترضه نسمة يثر
ذكرت مصر ومن أهوى ومجلسنا
على الجزيرة بين الجسر والنهر
واليوم أشيب والآفاق مذهبة
والشمس مصفرة تجري لمنحدر
والنخل متشح بالغيم تحسبه
هيف العرائس في بيض من الأزر
وما شجاني إلا صوت ساقية
تستقبل الليل بين النوح والعبر
لم يترك الوجد منها غير أضلعها
وغير دمع كصوب الغيث منهمر
بخيلة بمآقيها فلو سئلت
جفنا يعين أخا الأشواق لم تعر
في ليلة من ليالي الدهر طيبة
محا بها كل ذنب غير مغتفر
عفت وعف الهوى فيها وفاز بها
عف الإشارة والألفاظ والنظر
بتنا وباتت حنانا حولنا ورضا
ثلاثة بين سمع الحب والبصر
لا أكذب الله كان النجم رابعنا
لو يذكر النجم بعد البدر في خبر
وأنصفتنا فظلم أن نجازيها
شكوى من الطول أو شكوى من القصر
دع بعد ريقة من تهوى ومنطقه
ما قيل في الكأس أو ما قيل في الوتر
ولا تبال بكنز بعد مبسمه
أغلى اليواقيت ما أعطيت والدرر
ولم يرعني إلا قول عاذلة
ما بال أحمد لم يحلم ولم يقر
هلا ترفع عن لهو وعن لعب
إن الضغائر تغري النفس بالصغر
فقلت للمجد أشعاري مسيرة
وفي غواني العلا لا في المها وطري
مصر العزيزة ما لي لا أودعها
وداع محتفظ بالعهد مدكر
خلفت فيها القطا ما بين ذي زغب
وذي تمائم لم ينهض ولم يطر
أسلمتهم لعيون الله تحرسهم
وأسلموني لظل الله في البشر
وقال:
عرضوا الأمان على الخواطر
واستعرضوا السمر الخواطر
14
فوقفت في حذر ويأ
بى القلب إلا أن يخاطر
يا قلب شأنك والهوى
هذي الغصون وأنت طائر
إن التي صادتك تس
عى بالقلوب لها النواظر
يا ثغرها أمسيت كال
غواص أحلم بالجواهر
يا لحظها من أمها
أو من أبوها في الجآذر
يا شعرها لا تسع في
هتكي فشأن الليل ساتر
يا قدها حتام تغ
دو عاذلا وتروح جائر
وبأي ذنب قد طعن
ت حشاي يا قد الكبائر
وقال:
في ذي الجفون صوارم الأقدار
راعي البرية يا رعاك الباري
وكفى الحياة لنا حوادث فافتني
ملأ النجوم وعالم الأقمار
ما أنت في هذي الحلى إنسية
إن أنت إلا الشمس في الأنوار
زهراء بالأفق الذي من دونه
وثب النهى وتطاول الأفكار
تتهتك الألباب خلف حجابها
مهما طلعت فكيف بالأبصار
يا زينة الإصباح والإمساء بل
يا رونق الآصال والأسحار
ماذا تحاول من تنائينا النوى
أنت الدنا وأنا الخيال الساري
ألقى الضحى ألقاك ثم من الدجى
سبل إليك خفية الأغوار
وإذا أنست بوحدتي فلأنها
سببي إليك وسلمي ومناري
إيه زماني في الهوى وزمانها
ما كنتما إلا النمير الجاري
متسلسلا بين الصبابة والصبا
مترقرقا بمسارح الأوطار
نظر الفراق إليكما فطواكما
إن الفراق جهنم الأقدار
وقال:
لك أن تلوم ولي من الأعذار
إن الهوى قدر من الأقدار
ما كنت أسلم للعيون سلامتي
وأبيح حادثة الغرام وقاري
وطر تعلقه الفؤاد وينقضي
والنفس ماضية مع الأوطار
يا قلب شأنك لا أمدك في الهوى
أبدا ولا أدعوك للإقصار
أمري وأمرك في الهوى بيد الهوى
لو أنه بيدي فككت إساري
جار الشبيبة وانتفع بجوارها
قبل المشيب فما له من جار
مثل الحياة تحب في عهد الصبا
مثل الرياض تحب في آذار
15
أبدا «فروق» من البلاد هي المنى
ومناي منها ظبية بسوار
ممنوعة إلا الجمال بأسره
محجوبة إلا عن الأنظار
خطواتها التقوى فلا مزهوة
تمشي الدلال ولا بذات نفار
مرت بنا فوق الخليج فأسفرت
عن جنة وتلفتت عن نار
في نسوة يوردن من شئن الهوى
نظرا ولا ينظرن في الإصدار
عارضتهن وبين قلبي والهوى
أمر أحاول كتمه وأداري
وقال:
أتغلبني ذات الدلال على صبري
16
إذن أنا أولى بالقناع وبالخدر
تتيه ولي حلم إذا ما ركبته
رددت به أمر الغرام إلى أمري
وما دفعي اللوام فيها سآمة
ولكن نفس الحر أزجر للحر
وليل كأن الحشر مطلع فجره
تراءت دموعي فيه سابقة الفجر
سريت به طيفا إلى من أحبها
وهل بالسها في حلة السقم من نكر
طرقت حماها بعدما هب أهلها
أخوض غمار الظن والنظر الشزر
فما راعني إلا نساء لقينني
يبالغن في زجري ويسرفن في نهري
يقلن لمن أهوى وآنسن ربية
نرى حالة بين الصبابة والسحر
إليكن جارات الحمى عن ملامتي
وذرن قضاء الله في خلقه يجري
وأحرجني دمعي فلما زجرته
رددت قلوب العاذلات إلى العذر
فساءلنها ما اسمي فسمت فجئنني
يقلن أمانا للعذارى من الشعر
فقلت أخاف الله فيكن إنني
وجدت مقال الهجر يزرى بأن يزري
أخذت بحظ من هواها وبينها
ومن يهو يعدل في الوصال وفي الهجر
إذا لم يكن للمرء عن عيشة غنى
فلا بد من يسر ولا بد من عسر
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مرها في الحلو والحلو في المر
ومن كان يغزو بالتعلات فقره
فإني وجدت الكد أقتل للفقر
ومن يستعن في أمره غير نفسه
يخنه الرفيق العون في المسلك الوعر
ومن لم يقم سترا على عيب غيره
يعش مستباح العرض منهتك الستر
ومن لم يجمل بالتواضع فضله
يبن فضله عنه ويعطل من الفخر
وقال:
قلب يذوب ومدمع يجري
يا ليل هل خبر عن الفجر
حالت نجومك دون مطلعه
لا تبتغي حولا ولا يسري
وتطاولت جنحا فخيل لي
أن الصباح رهينة الحشر
أرسيتها وملكت مذهبها
بدجنة كسريرة الدهر
ظلم تجيء بها وترجعها
والموج منقلب إلى البحر
ليت الكرى «موسى» فيوردها «فرعون» هذا السهد والفكر •••
ولقد أقول لهاتف سحرا
يبكي لغير نوى ولا أسر
والروض أخرس غير وسوسة
خفق الغصون وجرية الغدر
والطير ملء الأيك أرؤسها
مثل الثمار بدت من السدر
ألقى الجناح وناء بالصدر
ورنا بصفراوين كالتبر
كلم السهاد بيوت هدبهما
وأقام بين رسومها الحمر
تهدا جوانحه فتحسبه
من صنعة الأيدي أو السحر
وتثور فهو على الغصون يد
علقت أناملها من الجمر •••
يا طير بث أخاك ما يجري
إنا كلانا موضع السر
بي مثل ما بك من جوى ونوى
أنا في الأنام وأنت في القمر
17
عبث الغرام بنا وروعنا
أنا بالملام وأنت بالزجر
يا طير لا تجزع لحادثة
كل النفوس رهائن الضر
فيما دهاك لو اطلعت رضا
شر أخف عليك من شر
يا طير كدر العيش لو تدري
في صفوه والصفو في الكدر
وإذا الأمور استصعبت صعبت
ويهون ما هونت من أمر
يا طير لو لذنا بمصطبر
فلعل روح الله في الصبر
وعسى الأماني العذاب لنا
عونا على السلوان والهجر
وقال:
بدأ الطيف بالجميل وزارا
يا رسول الرضا وقيت العثارا
خذ من الجفن والفؤاد سبيلا
وتيمم من السويداء دارا
أنت إن بت في الجفون فأهل
عادة النور ينزل الأبصارا
زار والحرب بين جفني ونومي
قد أعد الدجى لها أوزارا
حسن يا خيال صنعك عندي
أجمل الصنع ما يصيب افتقارا
ما لرب الجمال جار على القل
ب كأن لم يكن له القلب جارا
وأرى القلب كلما ساء يجزي
ه عن الذنب رقة واعتذارا
أجريح الغرام يطلب عطفا
وجريح الأنام يطلب ثارا
أيها العاذلون نمتم ورام الس
هد من مقلتي أمرا فصارا
آفة النصح أن يكون لجاجا
وأذى النصح أن يكون جهارا
ساءلتني عن النهار جفوني
رحم الله يا جفوني النهارا
قلن نبكيه قلت هاتي دموعا
قلن صبرا فقلت هاتي اصطبارا
يا ليالي لم أجدك طوالا
بعد ليلي ولم أجدك قصارا
إن من يحمل الخطوب كبارا
لا يبالي بحملهن صغارا
لم نفق منك يا زمان فنشكو
مدمن الخمر لا يحس الخمارا
فاصرف الكأس مشفقا أو فواصل
خرج الرشد عن أكف السكارى
وقال:
أبثك وجدي يا حمام وأودع
فإنك دون الطير للسر موضع
وأنت معين العاشقين على الهوى
تئن فنصغي أو تحن فنسمع
أراك يمانيا ومصر خميلتي
كلانا غريب نازح الدار موجع
هما اثنان دان في التغرب آمن
وناء على قرب الديار مروع
ومن عجب الأشياء أبكي وأشتكي
وأنت تغني في الغصون وتسجع
لعلك تخفي الوجد أو تكتم الجوى
فقد تمسك العينان والقلب يدمع
شجاك صغار كالجمان وموطن
ند مثل أيام الحداثة ممرع
إذا كان في الآجال طول وفسحة
فما البين إلا حادث متوقع
وما الأهل والأحباب إلا لآلئ
تفرقها الأيام والسمط يجمع
أمنكرتي قلبي دليلي وشاهدي
فلا تنكريه فهو عندك مودع
أسيرك لو يفدى فدته بجمعها
جوانح في شوق إليه وأضلع
رماه إليك الدهر من حالق الهوى
يذال على سفح الهوان ويوضع
ومن عجب يأسى إذا قلت متعب
ويطرب إن قلت الأسير الممنع
لقيت عليما بالغواني وإنما
هو القلب كالإنسان يغرى ويخدع
وأعلم أن الغدر في الناس شائع
وأن خليل الغانيات مضيع
وأن نزاع الرشد والغي حالة
تجيء بأحلام الرجال وترجع
وأن أماني النفوس قواتل
وكثرتها من كثرة الزهر أصرع
وأن دعاة الخير والحق حربهم
زمان بهم من عهد سقراط مولع
وقال:
تأتي الدلال سجية وتصنعا
وأراك في حالي دلالك مبدعا
ته كيف شئت فما الجمال بحاكم
حتى يطاع على الدلال ويسمعا
لك أن يروعك الوشاة من الهوى
وعلي أن أهوى الغزال مروعا
قالوا لقد سمع الغزال لمن وشى
وأقول ما سمع الغزال ولا وعى
أنا من يحبك في نفارك مؤنسا
ويحب تيهك في نفارك مطمعا
قدمت بين يدي أيام الهوى
وجعلتها أملا عليك مضيعا
وصدقت في حبي فلست مباليا
أن أمنح الدنيا به أو أمنعا
يا من جرى من مقلتيه إلى الهوى
صرفا ودار بوجنتيه مشعشعا
18
الله في كبد سقيت بأربع
لو صبحوا «رضوى» بها لتصدعا
19
وقال:
ردت الروح على المضنى معك
أحسن الأيام يوم أرجعك
مر من بعدك ما روعني
أترى يا حلو بعدي روعك
كم شكوت البين بالليل إلى
مطلع الفجر عسى أن يطلعك
وبعثت الشوق في ريح الصبا
فشكا الحرقة مما استودعك
يا نعيمي وعذابي في الهوى
بعذولي في الهوى ما جمعك
أنت روحي ظلم الواشي الذي
زعم القلب سلا أو ضيعك
موقعي عندك لا أعلمه
آه لو تعلم عندي موقعك
أرجفوا أنك شاك موجع
ليت لي فوق الضنا ما أوجعك
نامت الأعين إلا مقلة
تسكب الدمع وترعى مضجعك
وقال مشطرا حيث اجتمع بعض الأدباء في مجلس، فذكر أحدهم بيتا للبهاء زهير، وهو:
يقول أناس لو وصفت لنا الهوى
فوالله ما أدري الهوى كيف يوصف
فقال:
يقول أناس لو وصفت لنا الهوى
لعل الذي لا يعرف الحب يعرف
فقلت لقد ذقت الهوى ثم ذقته
فوالله ما أدري الهوى كيف يوصف
وقال:
علموه كيف يجفو فجفا
ظالم لاقيت منه ما كفى
مسرف في هجره ما ينتهي
أتراهم علموه السرفا
جعلوا ذنبي لديه سهري
ليت بدري إذ درى الذنب عفا
عرف الناس حقوقي عنده
وغريمي ما درى ما عرفا
صح لي في العمر منه موعد
ثم ما صدقت حتى أخلفا
ويرى لي الصبر قلب ما درى
أن ما كلفني ما كلفا
مستهام في هواه مدنف
يترضى مستهاما مدنفا
يا خليلي صفا لي حيلة
وأرى الحيلة ألا تصفا
أنا لو ناديته في ذلة
هي ذي روحي فخذها ما احتفى
وقال:
جئتنا بالشعور والأحداق
وقسمن الحظوظ في العشاق
وهززن القنا قدودا فأبلى
كل قلب مستضعف خفاق
حبذا القسم في المحبين قسمي
لو يلاقون في الهوى ما ألاقي
حيلتي في الهوى وما أتمنى
حيلة الأذكياء في الأرزاق
لو يجازى المحب عن فرط شوق
لجزيت الكثير عن أشواقي
وفتاة ما زادها في غريب ال
حسن إلا غرائب الأخلاق
ذقت منها حلوا ومرا وكانت
لذة العشق في اختلاف المذاق
ضربت موعدا فلما التقينا
جانبتني تقول فيم التلاقي
قلت ما هكذا المواثيق قالت
ليس للغانيات من ميثاق
عطفتها نحافتي وشجاها
شافع بادر من الآماق
فأرتني الهوى وقالت خشينا
والهوى شعبة من الإشفاق
يا فتاة العراق أكتم من أن
ت وأكني عن حبكم بالعراق
لي قواف تعف في الحب إلا
عنك سارت جوائب الآفاق
لا تمنى الزمان منها مزيدا
إن تمنيت أن تفكي وثاقي
حمليني في الحب ما شئت إلا
حادث الصد أو بلاء الفراق
واسمحي بالعناق إن رضي الدل
وسامحت فانيا في العناق
وقال:
مضنى وليس به حراك
لكن يخف إذا رآك
ويميل من طرب إذا
ما ملت يا غصن الأراك
إن الجمال كساك من
ورق المحاسن ما كساك
ونبت بين جوانحي
والقلب من دمه سقاك
حلو الوعود متى وفاك
أتراك منجزها تراك
من كل لفظ لو أذن
ت لأجله قبلت فاك
أخذ الحلاوة عن ثنا
ياك العذاب وعن لماك
ظلما أقول جنى الهوى
لم يجن إلا مقلتاك
غدتا منية من رأي
ت ورحت منية من رآك
وقال:
فدتك الجوانح من نازل
وأهلا بطيفك من واصل
بذلت له الجفن دون الكرى
ومن بالكرى للشجي الباذل
وقلت أراك برغم العذول
فناب السهاد عن العاذل
فويح المتيم حتى الخيال
إذا زار لم يخل من حائل
تحن إليك ضلوع عفت
من البين في جسد ناحل
وقلب جو عندها خافق
تعلق بالسند المائل
ومن عبث العشق بالعاشقين
حنين القتيل إلى القاتل
غفلت عن الكأس حتى طغت
ولي أدب ليس بالغافل
وشفت وما شف مني الضمير
وأين الجماد من العاقل
يظل نديمي يسقى بها
ويشرب من خلقي الفاضل
أبددها كرما كلما
بدت لي كالذهب السائل
وقال:
لام فيكم عذوله وأطالا
كم إلى كم يعالج العذالا
كل يوم لهم أحاديث لوم
بدأت راحة وعادت ملالا
بعثت ذكركم فجاءت خفافا
واقتضت هجركم فراحت ثقالا
أيها المنكر الغرام علينا
حسبك الله قد جحدت الجمالا
آية الحسن للقلوب تجلت
كيف لا تعشق العيون امتثالا
لك نصحي وما عليك جدالي
آفة النصح أن يكون جدالا
وهب الرشد أنني أنا أسلو
ما من العقل أن تروم محالا
وقال:
بات المعنى والدجى يبتلي
والبرح لا وان وما منجلي
والشهب في كل سبيل له
بموقف اللوام والعذل
إذا رعاها ساهيا ساهرا
رعينه بالحدق الغفل
يا ليل قد جرت ولم تعدل
ما أنت يا أسود إلا خلي
تالله لو حكمت في الصبح أن
تفعل أحجمت فلم تفعل
أو شمت سيفا في جيوش الضحى
ما كنت للأعداء ما أنت لي
أبيت أسقى ويدير الجوى
والكأس لا تفنى ولا تمتلي
الخد من دمعي ومن فيضه
يشرب من عين ومن جدول
والشوق نار في رماد الأسى
والفكر يذكي والحشا يصطلي
والقلب قوام على أضلعي
كأنه الناقوس في الهيكل
وقال:
أنا إن بذلت الروح كيف ألام
لما رمت فأصابت الآرام
عمدت إلى قلبي بسهم نافذ
فيه لمحتوم القضاء سهام
يا قلب لا تجزع لحادثة الهوى
واصبر فما للحادثات دوام
عرفت قلوب الناس قبلك ما الجوى
وأذاقها قدر له أحكام
تجري العقول بأهلها فإذا جرى
كبت العقول وزلت الأحلام
ما كنت أعلم والحوادث جمة
أن الحوادث مقلة وقوام
جنيا على كبدي وما عرضتها
كبدي عليك من البريء سلام
ولقد أقول لمن يحث كئوسها
قعدت كئوسك والهموم قيام
لم تجر بين جوانحي إلا كما
جرت الدنان بها وسال الجام
وقال:
هل تيم البان فؤاد الحمام
فناح فاستبكى جفون الغمام
أم شفه ما شفني فانثنى
مبلبل البال شريد المنام
يهزه الأيك إلى إلفه
هز الفراش المدنف المستهام
وتوقد الذكرى بأحشائه
جمرا من الشوق حثيث الضرام
كذلك العاشق عند الدجى
يا للهوى مما يثير الظلام
له إذا هب الجوى صرعة
من دونها السحر وفعل المدام
يا عادي البين كفى قسوة
روعت حتى مهجات الحمام
تلك قلوب الطير حملتها
ما ضعفت عنه قلوب الأنام
لا ضرب المقدور أحبابنا
ولا أعادينا بهذا الحسام
يا زمن الوصل لأنت المنى
وللمنى عقد وأنت النظام
لله عيش لي وعيش لها
كنت به سمحا رخي الزمام
وأنس أوقات ظفرنا بها
في غلفة الأيام لو دمت دام
لكنه الدهر قليل الجدى
مضيع العهد لئيم الذمام
لو سامحتنا في السلام النوى
لطال حتى الحشر ذاك السلام
ولانقضى العمران في وقفة
نسلو بها الغمض ونسلو الطعام
قالت وقد كاد يميد الثرى
من هدة الصبر وهول المقام
وغابت الأعين في دمعها
ونالت الألسن إلا الكلام
يا بين ولى جلدي فاتئد
ويا زماني بعض هذا حرام
فقلت والصبر يجاري الأسى
واللب مأخوذ ودمعي انسجام
إن كان لي عندك هذا الهوى
بأيما قلت كتمت الغرام
وقال:
صريع جفنيك ينفي عنهما التهما
فما رميت ولكن القضاء رمى
الله في روح صب يغشيان بها
موارد الحتف لم ينقل لها قدما
وكف عن قلبه المعمود نبلهما
أليس عهدك فيه حبة ودما
سلو غزالا غزا قلبي بحاجبه
أما كفى السيف حتى جرد القلما
واستخبروه إلى كم نار جفوته
أما كفى ما جنت نار الخدود أما
واستوهبوه يدا في العمر واحدة
ومهدوا عذره عني إذا حرما
ولا تروا منه ظلما أن يضيعني
من ضيع العرض المملوك ما ظلما
وقال:
ذاد الكرى عن مقلتيك حمام
لباه شوق ساهر وغرام
حيران مشبوب المضاجع ليله
حرب وليل النائمين سلام
بين الدجى لكما وعادية الدجى
مهج تؤلف بينها الأسقام
تتعاونان وللتعاون أمة
لا الدهر يخذلها ولا الأيام
يا أيها الطير الكثير سميره
هل ريشة لجناحه فيقام
عانقت أغصانا وعانقت الجوى
وشكوت والشكوى علي حرام
أمحرم الأجفان إدناء الكرى
يهنيك ما حرمت حين تنام
حاولن منه إلى خيالك سلما
لو سامحت بخيالك الأحلام
فأذن لطيفك أن يلم مجاملا
ومؤمل من طيفك الإلمام
وقال:
شغلته أشغال عن الآرام
وقضى اللبانة من هوى وغرام
ومضى يجر على الهوى أذياله
ويلوم حامله مع اللوام
ويذم عهد الغانيات كناقه
بعد الشفاء يذم عهد سقام
لا تعجلن وفي الشباب بقية
إن الشباب مزلة الأحلام
كانت إنابتك المريبة سلوة
نسجت على جرح بجنبك دامي
إن الذي جعل القلوب أعنة
قاد الشبيبة للهوى بزمام
يا قلب أحمد والسهام شديدة
ماذا لقيت من الغزال الرامي
تدري وتسألني تجاهل عارف
أرنا بعين أم رمى بسهام
ما زلت تركب كل صعب في الهوى
حتى ركبت إلى هواك حمامي
وإذا القلوب استرسلت في غيها
كانت بليتها على الأجسام
وقال:
به سحر يتيمه
كلا جفنيك يعلمه
هما كادا لمهجته
ومنك الكيد معظمه
تعذبه بسحرهما
وتوجده وتعدمه
فلا هاروت رق له
ولا ماروت يرحمه
وتظلمه فلا يشكو
إلى من ليس يظلمه
أسر فمات كتمانا
وباح فخانه فمه
فويح المدنف المعمو
د حتى البث يحرمه
طويل الليل ترحمه
هواتفه وأنجمه
إذا جد الغرام به
جرى في دمعه دمه
يكاد لطول صحبته
بعادي السقم يسقمه
ثنى الأعناق عوده
وألقى العذر لومه
قضى عشقا سوى رمق
إليك غدا يقدمه
عسى إن قيل مات هوى
تقول الله يرحمه
فتحيا في مراقدها
بلفظ منك أعظمه •••
بروحي البان يوم رنا
عن المقدور أعصمه
ويوم طعنت من غصن
معلمه منعمه
قضاء الله نظرته
ولطف الله مبسمه
رمى فاستهدفت كبدي
بي الرامي وأسهمه
له من أضلعي قاع
ومن عجب يسلمه
ومن قلبي وحبته
كناس بات يهدمه
غزال في يديه التي
ه بين الغيد يقسمه
وقال:
من صور السحر المبين عيونا
وأحله حدقا لها وجفونا
نظرت فحلت بجانبي فاستهدفت
كبدي وكان فؤادي المغبونا
ورمت بسهم جال فيه جولة
حتى استقر فرن فيه رنينا
فلمست صدري موجسا ومروعا
ولمست جنبي مشفقا وضنينا
يا قلب إن من البواتر أعينا
سودا وإن من الجآذر عينا
لا تأخذن من الأمور بظاهر
إن الظواهر تخدع الرائينا
فلكم رجعت من الأسنة سالما
وصدرت عن هيف القدود طعينا
وخميلة فوق الجزيرة مسها
ذهب الأصيل حواشيا ومتونا
كالتبر أفقا والزبرجد ربوة
والمسك تربا واللجين معينا
وقف الحيا من دونها مستأذنا
ومشى النسيم بظلها مأذونا
وجرى عليها النيل يقذف فضة
نثرا ويكسر مرمرا مسنونا
يغري جواريه بها فيجئنها
ويغيرهن بها فيستعلينا
راع الظلام بها أوانس ترتمي
مثل الظباء من الربا يهوينا
يخطرن في ساح القلوب عواليا
ويملن في مرأى العيون غصونا
عفن الذيول من الحرير وغيره
وسحبن ثم الآس والنسرينا
عارضتهن ولي فؤاد عرضة
لهوى الجآذر دان فيه ودينا
فنظرن لا يدرين أذهب يسرة
فيجدن عني أم أميل يمينا
ونفرن من حولي وبين حبائلي
كالسرب صادف في الرواح كمينا
فجمعتهن إلى الحديث بدأته
فغضبن ثم أعدته فرضينا
وسمعت من أهوى تقول لتربها
أحرى بأحمد أن يكون رزينا
20
قالت أراه عند غاية وجده
فلعل ليلى ترحم المجنونا
وقال:
أذعن للحسن عصي العنان
وحاولت عيناك أمرا فكان
يعيش جفناك لبث المنى
أو الأسى في قلب راح وعان
يا مسرفا في التيه ما ينتهي
أخاف أن يفنى علينا الزمان
ويا كثير الدل في عزه
لا تنس لي عزي قبيل الهوان
ويا شديد العجب مهلا فما
من منكر أنك زين الحسان
وقال:
يا حسنه بين الحسان
في شكله إن قيل بان
كالبدر تأخذه العيو
ن وما لهن به يدان
ملك الجوانح والفؤا
د ففي يديه الخافقان
ومناي منه نظرة
فعسى يشير الحاجبان
فعسى يزكي حسنه
من لا له في الحسن ثان
فدعوه يعدل أو يجو
ر فإنه ملك العنان
حق الدلال لمن له
في كل جارحة مكان
وقال:
يا ناعما رقدت جفونه
مضناك لا تهدا شجونه
حمل الهوى لك كله
إن لم تعنه فمن يعينه
عد منعما أو لا تعد
أودعت سرك من يصونه
بيني وبينك في الهوى
سبب سيجمعنا متينه
رشأ يعاب الساحرو
ن وسحرهم إلا جفونه
الروح ملك يمينه
يفديه ما ملكت يمينه
ما البان إلا قده
لو تيمت قلبا غصونه
ويزين كل يتيمة
فمه وتحسبها تزينه
ما العمر إلا ليلة
كان الصباح لها جبينه
بات الغرام يديننا
فيها كما بتنا ندينه
بين الرقيب وبيننا
واد تباعده حزونه
نغتابه ونقول لا
بقي الرقيب ولا عيونه
وقال:
صحا القلب إلا من خمار أماني
يجاذبني في الغيد رث عناني
حنانيك قلبي هل أعيد لك الصبا
وهل للفتى بالمستحيل يدان
تحن إلى ذاك الزمان وطيبه
وهل أنت إلا من دم وحنان
إذا لم تصن عهدا ولم ترع ذمة
ولم تدكر إلفا فلست جناني
أتذكر إذ نعطي الصبابة حقها
ونشرب من صرف الهوى بدنان
وأنت خفوق والحبيب مباعد
وأنت خفوق والحبيب مدان
وأيام لا آلو رهانا مع الهوى
وأنت فؤادي عند كل رهان
لقد كنت أشكو من خفوقك دائبا
فولى فيا لهفي على الخفقان
سقاك التصابي بعدما علك الصبا
فكيف ترى الكأسين تختلفان
وما زلت في ريع الشباب وإنما
يشيب الفتى في مصر قبل أوان
ولا أكذب الباري بنى الله هيكلي
صنيعة إحسان ورق حسان
أدين إذا اقتاد الجمال أزمتي
وأعنو إذا اقتاد الجميل عناني
وقال:
الله في الخلق من صب ومن غاني
تفنى القلوب ويبقى قلبك الجاني
صوني جمالك عنا إننا بشر
من التراب وهذا الحسن روحاني
أو فابتغي فلكا تأوينه ملكا
لم يتخذ شركا في العالم الفاني
ينساب في النور مشغوفا بصورته
منعما في بديعات الحلى هاني
إذا تبسم أبدى الكون زينته
وإن تنفس أهدى طيب ريحان
وأشرقي من سماء العز مشرقة
بمنظر ضاحك اللألاء فتان
عسى تكف دموع فيك هامية
لا تطلع الشمس والأنداء في آن
21
يا من هجرت إلى الأوطان رؤيتها
فرحت أشوق مشتاق لأوطان
أتذكرين حنيني في الزمان لها
وسكبي الدمع من تذكارها قاني
وغبطي الطير ألقاه أصيح به
ليت الكريم الذي أعطاك أعطاني
وقال:
قلب بوادي الحمى خلفته رمقا
ماذا صنعت به يا ظبية البان
أحنى عليك من الكثبان فاتخذي
عليه مرعاك من قاع وكثبان
غربته فوهى جنبي لفرقته
وحن للنازح المأسور جثماني
لا رده الله من أسر ومن خبل
إن كان في رده صحوي وسلواني
دلهته بعزيز في محاجره
ماض له من مبين السحر جفنان
رمى فضجت على قلبي جوانحه
وقلن سهم فقال القلب سهمان
يا صورة الحور في جلباب فانية
وكوكب الصبح في أعطاف إنسان
مري عصي الكرى يغشى مجاملة
وسامحي في عناق الطيف أجفاني
فحسب خدي من عيني ما شربا
فمثل ما قد جرى لم تلق عينان
وقال:
قالوا له روحي فداه
هذا التجني ما مداه
أنا لم أقم بصدوده
حتى يحملني نواه
تجري الأمور لغاية
إلا عذابي في هواه
سميته بدر الدجى
ومن العجائب لا أراه
ودعوته غصن الريا
ض فلم أجد روضا حواه
وأقول عنه أخو الغزا
ل ولا أرى إلا أخاه
قال العواذل قد جفا
ما بال قلبك ما جفاه
أنا لو أطعت القلب في
ه لم أزده على جواه
والنصح متهم وإن
نثرته كالدر الشفاه
أذن الفتى في قلبه
حينا وحينا في نهاه
وقال:
مقادير من جفنيك حولن حاليا
فذقت الهوى من بعدما كنت خاليا
نفذن علي اللب بالسهم مرسلا
وبالسحر مقضيا وبالسيف قاضيا
وألبسنني ثوب الضنى فلبسته
فأحبب به ثوبا وإن ضم باليا
وما الحب إلا طاعة وتجاوز
وإن أكثروا أوصافه والمعانيا
وما هو إلا العين بالعين تلتقي
وأن نوعوا أسبابه والدواعيا
وعندي الهوى موصوفه لا صفاته
إذا سألوني ما الهوى قلت ما بيا
وبي رشأ قد كان دنياي حاضرا
فغادرني أشتاق دنياي نائيا
سمحت بروحي في هواه رخيصة
ومن يهو لا يؤثر على الحب غاليا
ولم تجر ألفاظ الوشاة بريبة
كهذي التي يجري بها الدمع واشيا
أقول لمن ودعت والركب سائر
برغم فؤادي سائر بفؤاديا
أمانا لقلبي من جفونك في الهوى
كفى بالهوى كأسا وراحا وساقيا
ولا تجعليه بين خديك والنوى
من الظلم أن يغدو لنارين صاليا
ولم يندمل من طعنة القد جرحه
فرفقا به من طعنة البين داميا
وقال:
أهل القدود التي صالت عواليها
الله في مهج طاحت غواليها
خذن الأمان لها لو كان ينفعها
وارددنها كرما لو كان يجديها
وانظرن ما فعلت أحداقكن بها
ما كان من عبث الأحداق يكفيها
تعرضت أعين منا فعارضنا
على «الجزيرة» سرب من غوانيها
ما ثرن من كنس
22
إلا كنس
من الجوانح ضمتها حوانيها
عنت لنا أصلا تغري بنا أسلا
مهزوزة شكلا مشروعة تيها
23
وأرهفت أعينا ضعفى حمائلها
نشوى مناصلها كحلى مواضيها
لنا الحبائل تلقيها نصيد بها
ولم نخل ظبيات القاع تلقيها
نصبنها لك من هدب ومن حدق
حتى انثنيت بنفس عز فاديها
من كل زهراء في إشراقها ضحكت
لباتها عن شبيه الدر من فيها
شمس المحاسن يستبقى النهار بها
كأن يوشع مفتون يجاريها
مشت على «الجسر» ريما في تلفتها
للناظرين وبانا في تثنيها
كأن كل غوانيه ضرائرها
عجبا وكل نواحيه مرائيها
عارضتها وضميري من محارمها
يزور عن لحظاتي في مساريها
أعف من حليها عما يجاوره
ومن غلائلها عما يدانيها
قالت لعل أديب النيل يحرجنا
فقلت هل يحرج الأقمار رائيها
بيني وبينك أشعار هتفت بها
ما كنت أعلم أن الريم يرويها
والقول إن عف أو ساءت مواقعه
صدى السريرة والآداب يحكيها
وقال:
أداري العيون الفاترات السواجيا
وأشكو إليها كيد إنسانها ليا
قتلن ومنين القتيل بألسن
من السحر يبدلن المنايا أمانيا
وكلمن بالألحاظ مرضى كليلة
فكانت صحاحا في القلوب مواضيا
حببتك ذات الخال والحب حالة
إذا عرضت للمرء لم يدر ما هيا
وإنك دنيا القلب مهما غدرته
أتى لك مملوءا من الوجد وافيا
صدودك فيه ليس يألوه جارحا
ولفظك لا ينفك للجرح آسيا
وبين الهوى والعذل للقلب موقف
كخالك بين السيف والنار ثاويا
24
وبين المنى واليأس للصبر هزة
كخصرك بين النهد والردف واهيا
وعرض بي قومي يقولون قد غوى
عدمت عذولي فيك إن كنت غاويا
يرومون سلوانا لقلبي يريحه
ومن لي بالسلوان أشريه غاليا
وما العشق إلا لذة ثم شقوة
كما شقي المخمور بالسكر صاحيا
متفرقات
مصاير الأيام
ألا حبذا صحبة المكتب
وأحبب بأيامه أحبب
ويا حبذا صبية يمرحون
عنان الحياة عليها صبي
كأنهم بسمات الحياة
وأنفاس ريحانها الطيب
يراح ويغدى بهم كالقطيع
على مشرق الشمس والمغرب
إلى مرتع ألفوا غيره
وراع غريب العصا أجنبي
ومستقبل من قيود الحياة
شديد على النفس مستصعب
فراخ بأيك فمن ناهض
يروض الجناح ومن أزغب
عصافير عند تهجي الدروس
مهار
1
عرابيد في الملعب
خليون من تبعات الحياة
على الأم يلقونها والأب
جنون الحداثة من حولهم
تضيق به سعة المذهب
عدا فاستبد بعقل الصبي
وأعدى المؤدب حتى صبي
لهم جرس مطرب في السراح
وليس إذا جد بالمطرب
توارت به ساعة للزمان
على الناس دائرة العقرب
تشول
2
بإبرتها للشباب
وتقذف بالسم في الشيب
يدق بمطرقتيها القضاء
وتجري المقادير في اللولب
وتلك الأواعي بأيمانهم
3
حقائب فيها الغد المختبي
ففيها الذي إن يقم لا يعد
من الناس أو يمض لا يحسب
وفيها اللواء وفيها المنار
وفيها التبيع وفيها النبي
وفيها المؤخر خلف الزحام
وفيها المقدم في الموكب •••
جميل عليهم قشيب
4
الثياب
وما لم يجمل ولم يقشب
كساهم بنان الصبا حلة
أعز من المخمل المذهب
وأبهى من الورد تحت الندى
إذا رف في فرعه الأهدب
وأطهر من ذيلها لم يلم
من الناس ماش ولم يسحب
قطيع يزجيه راع من الده
ر ليس بلين ولا صلب
أهابت هراوته بالرفاق
ونادت على الحيد الهرب
وصرف قطعانه فاستبد
ولم يخش شيئا ولم يرهب
أراد لمن شاء رعي الجديب
وأنزل من شاء بالمخصب
وروى على ريها الناهلات
ورد الظماء فلم تشرب
وألقى رقابا إلى الضاربين
وضن بأخرى فلم تضرب
وليس يبالي رضا المستريح
ولا ضجر الناقم المتعب
وليس بمبق على الحاضرين
وليس بباك على الغيب •••
فيا ويحهم هل أحسوا الحياة
لقد لعبوا وهي لم تلعب
تجرب فيهم وما يعلمون
كتجربة الطب في الأرنب
سقتهم بسم جرى في الأصول
وروى الفروع ولم ينضب
ودار الزمان فدال الصبا
وشب الصغار عن المكتب
وجد الطلاب وكد الشباب
وأوغل في الصعب فالأصعب
وعادت نواعم أيامه
سنين من الدأب المنصب
وعذب بالعلم طلابه
وغصوا بمنهله الأعذب
رمتهم به شهوات الحياة
وحب النباهة والمكسب
وزهو الأبوة من منجب
يفاخر من ليس بالمنجب
وعقل بعيد مرامي الطماح
كبير اللبانة والمأرب
ولوع الرجاء بما لم تنل
عقول الأوالي ولم تطلب
تنقل كالنجم من غيهب
يجوب العصور إلى غيهب
قديم الشعاع كشمس النهار
جديد كمصباحها الملهب
أبوقراط مثل ابن سينا الرئيس
وهومير مثل أبى الطيب
وكلهم حجر في البناء
وغرس من المثمر المعقب •••
تؤلفهم في ظلال الرخاء
وفي كنف النسب الأقرب
وتكسر فيهم غرور الثراء
وزهو الولادة والمنصب
بيوت منزهة كالعتيق
وإن لم تستر ولم تحجب
يداني ثراها ثرى مكة
ويقرب في الطهر من يثرب
إذا ما رأيتهم عندها
يموجون كالنحل عند الربي
رأيت الحضارة في حصنها
هناك وفي جندها الأغلب
وتعرضهم موكبا موكبا
وتسأل عن علم الموكب
دع الحظ يطلع به في غد
فإنك لم تدر من يجتبي
لقد زين الأرض بالعبقري
محلي السموات بالكوكب •••
وخدش ظفر الزمان الوجوه
وغيض من بشرها المعجب
وغال الحداثة شرخ الشباب
ولوشيت المرد في الشيب
سرى الشيب متئدا في الرءوس
سرى النار في الموضع المعشب
حريق أحاط بخيط الحياة
تعجبت كيف عليهم غبي
ومن تظهر النار في داره
وفي زرعه منهم يرعب
قد انصرفوا بعد علم الكتاب
لباب من العلم لم يكتب
حياة يغامر فيها امرؤ
تسلح بالناب والمخلب
وصار إلى الفاقة ابن الغني
ولاقى الغنى ولد المترب
وقد ذهب الممتلي صحة
وصح السقيم فلم يذهب
وكم منجب في تلقي الدروس
تلقى الحياة فلم ينجب
وغاب الرفاق كأن لم يكن
بهم لك عهد ولم تصحب
إلى أن فنوا ثلة ثلة
فناء السراب على السبسب
لبنان
السحر من سود العيون لقيته
والبابلي بلحظهن سقيته
الفاترات وما فترن رماية
بمسدد بين الضلوع مبيته
الناعسات الموقظاتي للهوى
المغريات به وكنت سليته
القاتلات بعابث في جفنه
ثمل الغرار معربد إصليته
5
الشارعات الهدب أمثال القنا
يحيي الطعين بنظرة ويميته
الناسجات على سواء سطوره
سقما على منوالهن كسيته •••
وأغن أكحل من مها «بكفية»
علقت محاجره دمي وعلقته
لبنان دارته وفيه كناسه
بين القنا الخطار خط نحيته
السلسبيل من الجداول ورده
والآس من خضر الخمائل قوته
إن قلت تمثال الجمال منصبا
قال الجمال براحتي مثلته
دخل الكنيسة فارتقبت فلم يطل
فأتيت دون طريقه فزحمته
فازور غضبانا وأعرض نافرا
حال من الغيد الملاح عرفته
فصرفت تلعابي إلى أترابه
وزعمتهن لبانتي فأغرته
فمشى إلي وليس أول جؤذر
وقعت عليه حبائلي فقنصته
قد جاء من سحر الجفون فصادني
وأتيت من سحر البيان فصدته
لما ظفرت به على حرم الهدى
لابن البتول وللصلاة وهبته
6
قالت ترى نجم البيان فقلت بل
أفق البيان بأرضكم يممته
بلغ السها بشموسه وبدوره
لبنان وانتظم المشارق صيته
من كل عالي القدر من أعلامه
تتهلل الفصحى إذا سميته
حامي الحقيقة لا القديم يئوده
حفظا ولا طلب الجديد يفوته
وعلى المشيد الفخم من آثاره
خلق يبين جلاله وثبوته
في كل رابية وكل قرارة
تبر القرائح في التراب لمحته
أقبلت أبكي العلم حول رسومهم
ثم انثنيت إلى البيان بكيته
لبنان والخلد اختراع الله لم
يوسم بأزين منهما ملكوته
هو ذروة في الحسن غير مرومة
وذرا البراعة والحجا «بيروته»
ملك الهضاب الشم سلطان الربا
هام السحاب عروشه وتخوته
سيناء شاطره الجلال فلا يرى
إلا له سبحاته
7
وسموته
8
والأبلق الفرد انتهت أوصافه
في السؤدد العالي له ونعوته
جبل على آذار يزري صيفه
وشتاؤه يئد القرى جبروته
أبهى من الوشي الكريم مروجه
وألذ من عطل
9
النحور مروته
10
يغشى روابيه على كافورها
مسك الوهاد فتيقه وفتيته
11
وكأن أيام الشباب ربوعه
وكأن أحلام الكعاب بيوته
وكأن ريعان الصبا ريحانه
سر السرور يجوده ويقوته
12
وكأن أثداء النواهد تينه
وكأن أقراط الولائد توته
وكأن همس القاع في أذن الصفا
13
صوت العتاب ظهوره وخفوته
وكأن ماءهما وجرس
14
لجينه
وضح
15
العروس تبينه وتصيته
16 •••
زعماء لبنان وأهل نديه
لبنان في ناديكم عظمته
قد زادني إقبالكم وقبولكم
شرفا على الشرف الذي أوليته
تاج النيابة في رفيع رءوسكم
لم يشر لؤلؤه ولا ياقوته «موسى»
17
عدو الرق حول لوائكم
لا الظلم يرهبه ولا طاغوته
أنتم وصاحبكم إذا أصبحتم
كالشهر أكمل عدة موقوته
هو غرة الأيام فيه وكلكم
آحاده في فضلها وسبوته
المؤتمر
18
صرح على الوادي المبارك ضاحي
متظاهر الأعلام والأوضاح
ضافي الجلالة كالعتيق مفضل
ساحات فضل في رحاب سماح
وكأن رفرفه رواق من ضحى
وكأن حائطه عمود صباح
الحق خلف جناح استذرى
19
به
ومراشد السلطان خلف جناح
هو هيكل الحرية القاني له
ما للهياكل من فدى وأضاح
يبنى كما تبنى الخنادق في الوغى
تحت النبال وصوبها السحاح
ينهار الاستبداد حول عراصه
مثل انهيار الشرك حول «صلاح»
20
ويكب طاغوت الأمور لوجهه
متحطم الأصنام والأشباح
هو ما بنى الأعزال بالراحات أو
هو ما بنى الشهداء بالأرواح
أخذته «مصر» بكل يوم قاتم
ورد الكواكب أحمر الإصباح
هبت سماحا بالحياة شبابها
والشيب بالأرماق غير شحاح
ومشت إلى الخيل الدوارع وانبرت
للظافر الشاكي بغير سلاح
وقفات حق لم تقفها أمة
إلا انثنت آمالها بنجاح
وإذا الشعوب بنوا حقيقة ملكهم
جعلوا المآتم حائط الأفراح •••
بشرى إلى الوادي تهز نباته
هز الربيع مناكب الأدواح
تسري ملمحة الحجول
21
على الربا
وتسيل غرتها بكل بطاح
التامت الأحزاب بعد تصدع
وتصافت الأقلام بعد تلاحي
سحبت على الأحقاد أذيال الهوى
ومشى على الضغن الوداد الماحي
وجرت أحاديث العتاب كأنها
سمر على الأوتار والأقداح
ترمي بطرفك في المجامع لا ترى
غير التعانق واشتباك الراح •••
شمس النهار تعلمي الميزان من «سعد» الديار وشيخها النضاح
22
ميلي انظريه في الندي كأنه «عثمان» عن أم الكتاب يلاحي
كم تاج تضحية وتاج كرامة
للعين حول جبينه اللماح
والشيب منبثق كنور الحق من
فوديه أو فجر الهدى المنصاح
23
لبى أذان الصلح أول قائم
والصلح خمس قواعد الإصلاح
سبق الرجال مصافحا ومعانقا
يمنى السماح وهيكل الإسجاح
24 «عدلي» الجليل ابن الجليل من الملا
والماجد ابن الماجد المسماح
حلو السجية في قناة مرة
ثمل الشمائل في وقار صاح •••
شتى فضائل في الرجال كأنها
شتى سلاح من قنا وصفاح
25
فإذا هي اجتمعت لملك جبهة
كانت حصون مناعة ونطاح
الله ألف للبلاد صدورها
من كل داهية وكل صراح
وزراء مملكة دعائم دولة
أعلام مؤتمر أسود صباح
26
يبنون بالدستور حائط ملكهم
لا بالصفاح ولا على الأرماح
وجواهر التيجان ما لم تتخذ
من معدن الدستور غير صحاح •••
احتل حصن الحق غير جنوده
وتكالبت أيد على المفتاح
ضجت على أبطالها ثكناته
واستوحشت لكماتها النزاح
هجرت أرائكه وعطل عوده
وخلا من الغادين والرواح
وعلاه نسج العنكبوت فزاده
كالغار من شرف وسمت
27
صلاح •••
قل للبنين مقال صدق واقتصد
ذرع الشباب يضيق بالنصاح
أنتم بنو اليوم العصيب نشأتم
في قصف أنواء وعصف رياح
ورأيتم الوطن المؤلف صخرة
في الحادثات وسيلها المجتاح
وشهدتم صدع الصفوف وما جنى
من أمر مفتات ونهي وقاح
صوت الشعوب من الزئير مجمعا
فإذا تفرق كان بعض نباح
أظمتكم الأيام ثم سقتكم
رنقا من الإحسان غير قراح
وإذا منحت الخير من متكلف
ظهرت عليه سجية المناح
تركتكم مثل المهيض جناحه
لا في الحبال ولا طليق سراح
من صير الأغلال زهر قلائد
وكسا القيود محاسن الأوضاح
إن التي تبغون دون منالها
طول اجتهاد واضطراد كفاح
سيروا إليها بالأناة طويلة
إن الأناة سبيل كل فلاح
وخذوا بناء الملك عن دستوركم
إن الشراع مثقف الملاح
يا دار محمود سلمت وبوركت
أركانك الهرمية الصفاح
28
وازددت من حسن الثناء وطيبه
حجرا هو الدري في الأمداح
الأمة انتقلت إليك كأنما
أنزلتها من بيتها بجناح
بركات شيخ بالصعيد محمل
عبء السنين مؤمل نفاح
بالأمس جاد على القضية بابنه
واليوم آواها بأكرم ساح
النسر المصري
29
أعقاب في عنان الجو لاح
أم سحاب فر من هوج الرياح
أم بساط الريح ردته النوى
بعدما طوف في الدهر وساح
أو كأن البرج ألقى حوته
فترامى في السموات الفساح •••
أقبلت من بعد تحسبها
نحلة عنت وطنت في الرياح
يا سلاح العصر بشرنا به
كل عصر بكمي وسلاح
إن عزا لم يظلل في غد
بجناحيك ذليل مستباح
فتكاثر وتألف فيلقا
تعصم السلم وتعلو للكفاح
مصر للطير جميعا مسرح
ما لنا فيه ذنابى أو جناح
رب سرب قاطع مر به
هبط الأرض مليا واستراح
لم لا يفتن فتيان الحمى
ذلك الإقدام أو ذاك الطماح
من فتى حل من الجو بهم
فتلقوه على هام وراح
إنه أول عصفور لهم
هز في الجو جناحيه وصاح
دبت الهمة فيه ومشت
عزمات منك يا «حرب»
30
صحاح
ناطح النجم فتى علمته
في حياة حرة كيف النطاح
لك في الأجيال تمثال مشى
وجدوا الرشد عليه والصلاح
جاوز النيل وعبريه إلى
أكم الشام وهاتيك البطاح •••
فارس الجو سلام في الذرا
وعلى الماء ومن كل النواح
ثب إلى النجم وزاحم ركنه
وامتلئ من خيلاء ومراح
إن هذا الفتح لا عهد به
لضفاف النيل من عهد «فتاح»
تلك أبواب السماء انفتحت
ما وراء الباب يا طير النجاح
أسماء النيل أيضا حرم
من طريق الهند أم جو مباح •••
عين شمس ملئت من موكب
كان للأبطال أحيانا يتاح
ربما جلل وجه الأرض أو
ربما سد على الشمس السراح
إن يفته الجيش أو روعته
لم يفته النشأ الزهر الصباح
وفدى «فائزة» سمر القنا
وفدى حارسها بيض الصفاح
ولقد أبطأت حتى لم ينم
للحمى ليل ولم ينعم صباح
فابتغى العذر كرام وانبرت
ألسن في الثلم والهدم فصاح
تلتوي الخيل على راكبها
كيف بالعاصف في يوم الجماح
ليس من يركب سرجا لينا
مثل من يركب أعراف الرياح
سر رويدا في فضاء سافر
ضاحك الصفحة كالفردوس صاح
طرفت عينا به الشمس فلو
خيرت لم تتحفز للرواح
وتكاد الطير من خفته
تتعالى فيه من غير جناح
قف تأمل من علو قبة
رفعت للفصل والرأي الصراح
نزل النواب فيها فتية
في جناح وشيوخا في جناح
حملوا الحق وقاموا دونه
كرعيل الخيل أو صف الرماح •••
يا أبا الفاروق من ترعى ففي
كنف الفضل وفي ظل السماح
أنت من آبائك السحب وما
في بناء السحب الأيدي الشحاح
يدك السمحة في الخير وفي
همة الغرس وفي أسو الجراح
نحن أفلحنا على الأرض بكم
ورجونا في السموات الفلاح
توت عنخ آمون والبرلمان
قم سابق «الساعة» واسبق وعدها
الأرض ضاقت عنك فاصدع غمدها
واملأ رماحا غورها ونجدها
وافتح أصول النيل واستردها
شلالها وعذبها وعدها
31
واصرف إلينا جزرها ومدها
تلك الوجوه لا شكونا فقدها
بيضت القربى لنا مسودها
سللت من «وادي الملوك» فازدهى
وألقت الشمس عليه رأدها
واسترجعت دولته إفرندها
أبيض ريان المتون وردها
أبلى ظبا الدهر وفل حدها
وأخلق العصور واستجدها
سافر أربعين قرنا عدها
حتى أتى الدار فألفى عندها
إنجلترا وجيشها ولوردها
مسلولة الهندي تحمي هندها
قامت على السودان تبني سدها
وركزت دون القناة بندها
32 •••
فقال والحسرة ما أشدها
ليت جدار القبر ما تدهدها
33
وليت عيني لم تفارق رقدها
قم نبني يا بنتئور ما دها
34
مصر فتاتي لم توقر جدها
دقت وراء مضجعي جازبندها
وخلطت ظباءها وأسدها
وسكب الساقي الطلا وبدها
35
قد سحبت على جلالي بردها
ليت جلال الموت كان صدها •••
فقلت يا ماجدها وجعدها
36
لو لم تك ابن الشمس كنت رئدها
37
لحدك ودته النجوم لحدها
أريتنا الدنيا به وجدها
سلطانها وعزها ورغدها
وكيف يعطى المتقون خلدها
آثاركم يخطي الحساب عدها
انهدم الدهر ولم يهدها
أبوابك اللاتي قصدنا قصدها «كارتر» في وجه الوفود ردها
لولا جهود لا نريد جحدها
وحرمة من قربك استمدها
قلت لك اضرب يده وقدها
وابعث له من البعوض نكدها •••
مصر الفتاة بلغت أشدها
وأثبت الدم الزكي رشدها
ولعبت على الحبال وحدها
وجربت إرخاءها وشدها
فأرسلت دهاتها ولدها
38
في الغرب سدوا عنده مسدها
وبعثت للبرلمان جندها
وحشدت للمهرجان حشدها
حدت إليه شيبها ومردها
وأبرزت كعابها وخودها
ونثرت فوق الطريق وردها
واستقبلت فؤادها ووفدها
موئلها وكهفها وردها
39
وابن الذين قوموا مقدها
وألفوا بعد انفراط عقدها
وجعلوا صحراء ليبيا حدها
وبسطوا على الحجاز أيدها
وسيروا العاتي فيه عبدها
حتى أتى الدار التي أعدها
لمصر تبني في ذراها مجدها
فثبت الشورى وشد عقدها
وقلد الجيل السعيد عهدها
سلطته إلى بنينا ردها
يا رب قو يدها وشدها
وافتح لها السبل ولا تسدها
وقس لكل خطوة ما بعدها
وعن صغيرات الأمور حدها
واصرف إلى جد الشئون جدها
ولا تضع على الضحايا جهدها
واكبح هوى الأنفس واكسر حقدها
واجمع على الأم الرءوم ولدها
واملأ بألبان النبوغ نهدها
ولا تدعها تحي مستبدها
وتنتحت براحتيها فردها
مصرع اللورد كتشنر
قف بهذا البحر وانظر ما غمر
مظهر الشمس وإقبال القمر
واعرض الموج مليا هل ترى
غمرة أودت بخواض الغمر
أخذت ناحية الحق به
وسبيل الناس في خالي العصر
منع اللبث وإن طال المدى
فلك ما لعصاه مستقر
دائر الدولاب بالناس على
جانبيه المرتقى والمنحدر
نقض «الإيوان» من آساسه
وأتى «الأهرام» من أم الحجر
ومحا «الحمراء»
40
إلا عمدا
نزعها من عضد الأرض عسر
أين «رومية» ما قيصرها
ما لياليها المرنات الوتر
أين «وادي الطلح»
41
واللائي به
من دمى يسحبن في المسك الحبر
42
أين «نابليون» ما غاراته
شنها الدهر عليه من غير
أيها الساكن في ظل المنى
نم طويلا قد توسدت الزهر
شجر نام وظل سابغ
بيد أن الصل
43
في أصل الشجر
يذر المرء ويأتي ما اشتهى
وقضاء الله يأتي ويذر
كل محمول على النعش أخ
لك صاف وده بعد الكدر
إن تكن سلما له لم ينتفع
أو تكن حربا فقد فات الضرر
راكب البحر أموج ما ترى
أم كتاب الدهر أم صحف القدر
لجة ك «اللوح» لا يحصى على
قلم القدرة فيها ما سطر
فتلفت وتنسم حكمة
والمس العبرة من بين الفقر
44
وتأمل ملعبا أعجبه
آية جانبه المرخى الستر
ها هنا تمشي الجواري مرحا
وجواري الدهر يمشين الخمر
45
رب سيف ضرب الجمع به
في كنوز البحر مطروح الكسر
46
ونجاد لم يطاول ضحوة
ناله الفجر عشاء بالقصر
وسفين آمر فيها البلى
طالما أوحت إليه فأتمر
ووجوه ذهب الماء بها
في نهار الفرق أو ليل الشعر
وعيون ساجيات سجيت
برفات السحر أو فل الحور
47
قل لليث خسف الغيل به
بين طم وظلام معتكر
48
انظر الفلك أمنها أثر
هكذا الدنيا إذا الموت حضر
هذه منزلة لو زدتها
ضاق عنك السعد أو ضاق العمر
فامض شيخا في هوى المجد قضى
رحمة المجد ورفقا بالكبر
ميتة لم تلق منها علزا
49
من وقار الليث ألا يحتضر •••
أنتم القوم حمى الماء لكم
يرجع الورد إليكم والصدر
لجج الدأماء أوطان لكم
ومن الأوطان دور وحفر
لست في البحر وحيدا فاستضف
فيه آباءك تنزل بالدرر
رسبوا فيه كراما وطفا
طائف النصر عليهم والظفر •••
نشأ «النيل» إليكم سيرة
لكم فيها عظات وعبر
اقرءوها يكشف العصر لكم
كل عصر برجال وسير
لا تقولوا شاعر الوادي غوى
من يغالط نفسه لا يعتبر
موقف التاريخ من فوق الهوى
ومقام الموت من فوق الهذر
ليس من مات بخاف عنكم
أو قليل الفعل فيكم والأثر
شدتم دنياه في أحسنها
غزوة السودان والفتح الأغر
وبنى مملكة النوب بكم
فاذكروا القتلى ولا تنسوا البدر
50
واحذروا من قسمة النيل فيا
ضيعة الوادي إذا النيل شطر •••
رجل ليس ابن «قارون» ولا
بابن «عادي» من العظم النخر
ليس بالزاخر في العلم ولا
هو ينبوع البيان المنفجر
رضع الأخلاق من ألبانها
إن للأخلاق وقعا في الصغر
ورآها صورة في أمة
ومن القدوة ما توحي الصور
ذلك المجد وهذي سبله
بين فيها سبيل المعتذر
أبعد الساعون يبغون المدى
والمدى في المجد دان لنفر
كجياد السبق لن تغنيها
أدوات السبق ما تغني الفطر •••
وجناح السلم إلا أنها
ساعة الروع جناح من سقر
من حديد جانباها سابغ
ربض الموت عليه وفغر
أشبهت أفواهها أعجازها
قنفذ في اليم مشروع الإبر
أرهفت سمع العصا
51
واكتحلت
إثمد الزرقاء
52
في عرض السدر
53
وتؤدي القول لا يسبقها
رسل الأرواح في نقل الفكر
خطرت في محجريها ومشت
بعيون الملك في بحر وبر
غابة تجري بسلطان الشرى
خادرا في ألف ناب وظفر
54
وإذا الموت إلى النفس مشى
وركبت النجم بالموت عثر
رب ثاو في الظبا ممتنع
سله المقدار من جفن الحذر
تسحب الفولاذ في ملتطم
بالعوادي متعال معتكر
لو أشارت جاءها ساحله
في حديد وعديد منتصر
أو فدى الميت حي فديت
بوقاح في الجواري وخفر
55
بعث البحر بها كالموج من
لجج السند وخلجان الخزر
56
لمستها للمقادير يد
تلمس الماء فيرمي بالشرر
ضربتها وهي سر في الدجى
ليس دون الله تحت الليل سر
وجفت قلبا وخارت جؤجؤا
ونزت جنبا وناءت من أخر
طعنت فانبجست فاستصرخت
فأتاها حينها فهي خبر
57
البرلمان
على أثر ائتلاف الأحزاب
سكن الزمان ولانت الأقدار
ولكل أمر غاية وقرار
أرخى الأعنة للخطوب وردها
فلك بكل فجاءة دوار
يجري بأمر أو يدور بضده
لا النقض يعجزه ولا الإمرار
هل آذنتنا الحادثات بهدنة
وهل استجاب فسالم المقدار
سدل الستار وهل شهدت رواية
لم يعترضها في الفصول ستار
وجرت فما استولت على الأمد المنى
وعدت فما حوت المدى الأوطار
دون الجلاء ودون يانع ورده
خطوات شعب في القتاد تسار
وبناء أخلاق عليه من النهى
سور ومن علم الزمان إطار
وحضارة من منطق الوادي لها
أصل ومن أدب البلاد نجار •••
أعمى هوى الوطن العزيز عصابة
مستهترين إلى الجرائم ساروا
يا سوء سنتهم وقبح غلوهم
إن العقائد بالغلو تضار
والحق أرفع ملة وقضية
من أن يكون رسوله الإضرار
أخذت بذنبهم البلاد وأمة
بالريف ما يدرون ما السردار
في فتنة خلط البريء بغيره
فيها ولطخ بالدم الأبرار
لقي الرجال الحادثات بصبرهم
حتى انجلت غمم لها وغمار
لانوا لها في شدة وصلابة
لين الحديد مشت عليه النار
الحق أبلج والكنانة حرة
والعز للدستور والإكبار
الأمر شورى لا يعيث مسلط
فيه ولا يطغى به جبار
إن العناية للبلاد تخيرت
والخير ما تقضي وما تختار
عهد من الشورى الظليلة نضرت
آصاله واخضلت الأسحار
تجني البلاد به ثمار جهودها
ولكل جهد في الحياة ثمار
بنيان آباء مشوا بسلاحهم
وبنين لم يجدوا السلاح فثاروا
فيه من التل المدرج حائط
ومن المشانق والسجون جدار
أبت التقيد بالهوى وتقيدت
بالحق أو بالواجب الأحرار
في مجلس لا مال مصر غنيمة
فيه ولا سلطان مصر صغار
ما للرجال سوى المراشد منهج
فيه ولا غير الصلاح شعار
يتعاونون كأهل دار زلزلت
حتى تقر وتطمئن الدار
يجرون بالرفق الأمور وفلكها
والريح دون الفلك والإعصار
ومع المجدد بالأناة سلامة
ومع المجدد بالجماح عثار
الأمة ائتلفت ورص بناءها
بان زعامته هدى ومنار
أسد وراء السن معقود الحبا
يأبى ويغضب للشرى ويغار
كهف القضية لا تنام نيوبه
عنها ولا تتناعس الأظفار
يوم الخميس وراء فجرك للهدى
صبح وللحق المبين نهار
ما أنت إلا فارسي ليله
عرس وصدر نهاره إعذار
بكرت تزاحم مهرجانك أمة
وتلفتت خلف الزحام ديار
وروى مواكبك الزمان لأهله
وتنقلت بجلالها الأخبار
أقبلت بالدستور أبلج زاهرا
يفتن في قسماته النظار
وذؤابة الدنيا ترف حداثة
عن جانبيه وللزمان عذار
يحمي لفائفه ويحرس مهده
شيخ يذود وفتية أنصار
وكأنه عيسى الهدى في مهده
وكأن سعدا يوسف النجار
التاج فصل في سمائك بالضحى
منك الحلى ومن الضحى الأنوار
يكسو من الدستور هامة ربه
ما ليس يكسو الفاتحين الغار
بالحق يفتح كل هاد مصلح
ما ليس يفتح بالقنا المغوار •••
وطني لديك وأنت سمح مفضل
تنسى الذنوب وتذكر الأعذار
تاب الزمان إليك من هفواته
بوزارة تمحى بها الأوزار
وقال وقد ألقيت في حفلة نسائية عظيمة انعقدت بدار التمثيل العربي برئاسة السيدة هدى شعراوي:
قل للرجال طغى الأسير
طير الحجال متى يطير
أوهى جناحيه الحدي
د وحز ساقيه الحرير
ذهب الحجاب بصبره
وأطال حيرته السفور
هل هيئت درج السما
ء له وهل نص الأثير
وهل استمر به الجنا
ح وهم بالنهض الشكير
58
وسما لمنزله من الد
نيا ومنزله خطير
ومتى تساس به الريا
ض كما تساس به الوكور
أوكل ما عند الرجا
ل له الخواطب والمهور
والسجن في الأكواخ أو
سجن يقال له القصور •••
تالله لو أن الأدي
م جميعه روض ونور
في كل ظل ربوة
وبكل وارفة غدير
وعليه من ذهب سيا
ج أو من الياقوت سور
ما تم من دون السما
ء له على الأرض الحبور
إن السماء جديرة
بالطير وهو بها جدير
هي سرجه المشدود وه
و على أعنتها أمير
حرية خلق الإنا
ث لها كما خلق الذكور •••
هاجت بنات الشعر عي
ن من بنات النيل حور
لي بينهن ولائد
هم من سواد العين نور
لا الشعر يأتي في الجما
ن بمثلهن ولا البحور
من أجلهن أنا الشفي
ق على الدمى وأنا الغيور
أرجو وآمل أن ستج
ري بالذي شئن الأمور •••
يا قاسم انظر كيف سا
ر الفكر وانتقل الشعور
جابت قضيتك البلا
د كأنها مثل يسير
ما الناس إلا أول
يمضي فيخلفه الأخير
الفكر بينهما على
بعد المزار هو السفير
هذا البناء الفخم لي
س أساسه إلا الحفير
إن التي خلفت أم
س وما سواك لها نصير
نهض الحفي بشأنها
وسعى لخدمتها الظهير
في ذمة الفضلى هدى
جيل إلى هاد فقير
أقبلن يسألن الحضا
رة ما يفيد وما يضير
ما السبل بينة ولا
كل الهداة بها بصير •••
ما في كتابك ظفرة
تنعى عليك ولا غرور
هذبته حتى استقا
مت من خلائقك السطور
ووضعته وعلمت أن
حساب واضعه عسير
لك في مسائله الكلا
م العف والجدل الوقور
ولك البيان الجذل في
أثنائه العلم الغزير
في مطلب خشن كثي
ر في مزالقه العثور
ما بالكتاب ولا الحدي
ث إذا ذكرتهما نكير
حتى لنسأل هل تغا
ر على العقائد أم تغير
عشرون عاما من زوا
لك ما هي الشيء الكثير
رعن النساء وقد يرو
ع المشفق الجلل اليسير
فنسين أنك كالبدو
ر ودون رفعتك البدور
تفنى السنون بها وما
آجالها إلا شهور •••
لقد اختلفنا والمعا
شر قد يخالفه العشير
في الرأي ثم أهاب بي
وبك المنادم والسمير
ومحا الرواح إلى مغا
ني الود ما اقترف البكور
في الرأي تضطغن العقو
ل وليس تضطغن الصدور •••
قل لي بعيشك أين أن
ت وأين صاحبك الكبير
أين الإمام وأين إس
ماعيل والملأ المنير
لما نزلتم في الثرى
تاهت على الشهب القبور
عصر العباقرة النجو
م بنوره تمشي العصور
تكريم حسنين بك بمناسبة طيرانه
جن على حرم السماء أغاروا
أم فتية ركبوا الجناح فطاروا
من كل أهوج في الهواء عنانه
هوج الرياح وسرجه الإعصار
يبغي حجاب الشمس يطلب عندها
عزا تحمله الجدود وساروا
لم يبق منه ومن حضارة عهده
إلا صوى محجوجة ومنار
ومقالة الأجيال لم يلحق بهم
بان ولم يدركهم حفار •••
طلعوا على الوادي براية عصرهم
ولكل عصر راية وشعار
اثنان ثم ترى النسور كثيرة
من كل ناحية لها أوكار
سر النجاح وركن كل حضارة
همم من المتطوعين كبار
نسخت بأبطال السماء بطولة
في الأرض يوشك ركنها ينهار
هذا زمان لا الأعنة منزل
للبأس فيه ولا الأسنة دار
ما البأس إلا من جناحي خاطف
في البر والبحر اسمه الطيار
أترى السلامة في السماء وظلها
أم بالسماء يصول الاستعمار
حرم الهدى والحق ريع جلاله
وغدا وراح بجانبيه دمار
يا جائب الصحراء ملء سرابها
غرر وملء ترابها أخطار
يكفيك من همم الشجاعة ليلة
لك من غوائلها خلت ونهار
لما اعتمدت على الجناح تلفتت
بيد وقلبت العيون قفار
في كل صحراء وكل تنوفة
أرض عليك من السماء تغار «حسنين» لو لم يعذروك لبادرت
لك من لسان جراحك الأعذار
لله سرجك في السماء فإنه
سرج الأهلة ما عليه غبار
عرض الخسوف له فما أزرى به
ما في الخسوف على الأهلة عار
أولم تطأ أرض السماء ولم تدر
حيث الشموس تدور والأقمار
ألقى أبو الفاروق نحوك باله
وتشاغلت بك أمة وديار
ملك رحمت بقربه وجواره
حتى كأنك للعناية جار •••
نصب السرادق والمطار وحلقت
في الجو تلمس شخصك الأبصار
فلمست أقضية السماء وأسفرت
حتى نظرت وجوهها الأقدار
قدر على يمنى يديه سلامة
لك حيث ملت وفي السماء عثار
فإذا سقطت على حديد مضرم
صدف الحديد ولم تنلك النار
ماذا لقيت من النجائب كلها
قل لي أعندك للنجائب ثار
هذي تعثر في الزمام وتلك لا
تمضي وأخرى في السلوك تحار
فشل يعظم كالنجاح عليه من
شرف الجروح ونورهن فخار
لو لم يكن قتلى وجرحى في الوغى
لم يعل هام الظافرين الغار
صقر قريش (عبد الرحمن الداخل)
موشح أندلسي
من لنضو يتنزى
59
ألما
برح الشوق به في الغلس
حن للبان وناجى العلما
أين شرق الأرض من أندلس •••
بلبل علمه البين البيان
بات في حبل الشجون ارتبكا
في سماء الليل مخلوع العنان
ضاقت الأرض عليه شبكا
كلما استوحش في ظل الجنان
جن فاستضحك من حيث بكى
ارتدى برنسه والتثما
وخطا خطوة شيخ مرعس
60
ويرى ذا حدب إن جثما
فإن ارتد بدا ذا قعس
61 •••
فمه القاني على لبته
كبقايا الدم في نصل دقيق
مده فانشق من منبته
من رأى شقي مقص من عقيق
وبكى شجوا على شعبته
شجو ذات الثكل في الستر الرقيق
سل من فيه لسانا عنما
62
ماضيا في البث لم يحتبس
وتر من غير ضرب رنما
في الدجى أو شرر من قبس •••
نفرت لوعته بعد الهدوء
والدجى بيت الجوى والبرحا
يتعايا بجناح وينوء
بجناح مذ وهى ما صلحا
ساءه الدهر وما زال يسوء
ما عليه لو أسا ما جرحا
كلما أدمى يديه ندما
سالتا من طوقه والبرنس
فنيت أهدابه إلا دما
قام كالياقوت لم ينبجس
63 •••
مد في الليل أنينا وخفق
خفقان القرط في جنح الشعر
فرغت منه النوى غير رمق
فضلة الجرح إذا الجرح نغر
64
يتلاشى نزوات في حرق
كذبال آخر الليل استعر
لم يكن طوقا ولكن ضرما
ما على لبته من قبس
رحمة الله له هل علما
أن تلك النفس من ذا النفس •••
قلت لليل ولليل عواد
من أخو البث فقال ابن فراق
قلت ما واديه قال الشجو واد
ليس فيه من حجاز أو عراق
قلت لكن جفنه غير جواد
قال شر الدمع ما ليس يراق
نغبط الطير وما نعلم ما
هي فيه من عذاب بئس
فدع الطير وحظا قسما
صير الأيك كدور الأنس •••
ناح إذ جفناي في أسر النجوم
رسفا في السهد والدمع طليق
65
أيها الصارخ من بحر الهموم
ما عسى يغني غريق عن غريق
إن هذا السهم لي منه كلوم
كلنا نازح أيك وفريق
قلب الدنيا تجدها قسما
صرفت من أنعم أو أبؤس
وانظر الناس تجد من سلما
من سهام الدهر شجته القسي •••
يا شباب الشرق عنوان الشباب
ثمرات الحسب الزاكي النمير
حسبكم في الكرم المحض اللباب
سيرة تبقى بقاء ابني سمير
66
في كتاب الفخر ل «الداخل»
67
باب
لم يلجه من بني الملك أمير
في الشموس الزهر بالشام انتمى
ونمى الأقمار بالأندلس
قعد الشرق عليهم مأتما
وانثنى الغرب بهم في عرس •••
هل لكم في نبأ خير نبأ
حلية التاريخ مأثور عظيم
حل في الأنباء ما حلت سبأ
منزل الوسطى من العقد النظيم
مثله المقدار يوما ما خبأ
لسليب التاج والعرش كظيم
يعجز القصاص إلا قلما
في سواد من هوى لم يغمس
يؤثر الصدق ويجزي علما
قلب العالم لو لم يطمس •••
عن عصامي نبيل معرق
في بناة المجد أبناء الفخار
نهضت دولتهم بالمشرق
نهضة الشمس بأطراف النهار
ثم خان التاج ود المفرق
ونبت بالأنجم الزهر الديار
غفلوا عن ساهر حول الحمى
باسط من ساعدي مفترس
حام حول الملك ثم اقتحما
ومشى في الدم مشي الضرس •••
ثأر عثمان لمروان مجاز
ودم السبط
68
أثار الأقربون
حسنوا للشام ثأرا والحجاز
فتغالى الناس فيما يطلبون
مكر سواس على الدهماء جاز
ورعاة بالرعايا يلعبون
جعلوا الحق لبغي سلما
فهو كالستر لهم والترس
وقديما باسمه قد ظلما
كل ذي مئذنة أو جرس •••
جزيت مروان
69
عن آبائها
ما أراقوا من دماء ودموع
ومن النفس ومن أهوائها
ما يؤديه عن الأصل الفروع
خلت الأعواد من أسمائها
وتغطت بالمصاليب الجذوع
ظلمت حتى أصابت أظلما
70
حاصد السيف وبيء المحبس
فطنا في دعوة الآل لما
همس الشاني وما لم يهمس •••
لبست برد النبي النيرات
من بني العباس نورا فوق نور
وقديما عند مروان ترات
لزكيات من الأنفس نور
فنجا الداخل سبحا بالفرات
تارك الفتنة تطغى وتنور
71
غس
72
كالحوت به واقتحما
بين عبريه عيون الحرس
ولقد يجدي الفتى أن يعلما
صهوة الماء ومتن الفرس •••
صحب الداخل من إخوته
حدث خاض الغمار ابن ثمان
غلب الموج على قوته
فكأن الموج من جند الزمان
وإذا بالشط من شقوته
صائح صاح به نلت الأمان
فانثنى منخدعا مستسلما
شاة اغترت بعهد الأطلس
73
خضب الجند به الأرض دما
وقلوب الجند كالصخر القسي •••
أيها اليائس مت قبل الممات
أو إذا شئت حياة فالرجا
لا يضق ذرعك عند الأزمات
إن هي اشتدت وأمل فرجا
ذلك الداخل لاقى مظلمات
لم يكن يأمل منها مخرجا
قد تولى عزه وانصرما
فمضى من غده لم ييئس
رام بالمغرب ملكا فرمى
أبعد الغمر وأقصى اليبس •••
ذاك والله الغنى كل الغنى
أي صعب في المعالي ما سلك
ليس بالسائل إن هم متى
لا ولا الناظر ما يوحي الفلك
زايل الملك ذويه فأتى
ملك قوم ضيعوه فملك
غمرات عارضت مقتحما
عالي النفس أشم المعطس
74
كل أرض حل فيها أو حمى
منزل البدر وغاب البيهس
75 •••
نزل الناجي على حكم النوى
وتوارى بالسرى من طالبيه
غير ذي رحل ولا زاد سوى
جوهر وافاه من بيت أبيه
قمر لاقى خسوفا فانزوى
ليس من آبائه إلا نبيه
لم يجد أعوانه والخدما
جانبوه غير «بدر» الكيس
من مواليه الثقات القدما
لم يخنه في الزمان الموئس •••
حين في أفريقيا انحل الوئام
واضمحلت آية الفتح الجليل
ماتت الأمة في غير التئام
وكثير ليس يلتام قليل
يمن سلت ظباها والشآم
شامها
76
هندية ذات صليل
فرق الجند الغنى فانقسما
وغدا بينهم الحق نسي
أوحش السؤدد فيهم وسما
للمعالى من به لم تأنس •••
رحموا بالعبقري النابه
البعيد الهمة الصعب القياد
مد في الفتح وفي أطنابه
لم يقف عند بناء ابن زياد
77
هجر الصيد فما يعنى به
وهو بالملك رفيق ذو اصطياد
سل به أندلسا هل سلما
من أخي صيد رفيق مرس
78
جرد السيف وهز القلما
ورمى بالرأي أم الخلس
79 •••
بسلام يا شراعا ما درى
ما عليه من حياء وسخاء
في جناح الملك الروح
80
جرى
وبريح حفها اللطف رخاء
غسل اليم جراحات الثرى
ومحا الشدة من يمحو الرخاء
هل درى أندلس من قدما
داره من نحو بيت المقدس
بسليل الأمويين سما
فتح موسى مستقر الأسس •••
أموي للعلا رحلته
والمعالي بمطي وطرق
كالهلال انفردت نقلته
لا يجاريه ركاب في الأفق
بنيت من خلق دولته
قد يشيد الدول الشم الخلق
وإذا الأخلاق كانت سلما
نالت النجم يد الملتمس
فارق فيها ترق أسباب السما
وعلى ناصية الشمس اجلس •••
أي ملك من بنايات الهمم
أسس الداخل في الغرب وشاد
ذلك الناشئ في خير الأمم
ساد في الأرض ولم يخلق يساد
حكمت فيه الليالي وحكم
في عواديها قيادا بقياد
سلب العز بشرق فرمى
جانب الغرب لعز أقعس
وإذا الخير لعبد قسما
سنح السعد له في النحس •••
أيها القلب أحق أنت جار
للذي كان على الدهر يجير
ها هنا حل به الركب وسار
وهنا ثاو إلى البعث الأسير
فلك بالسعد والنحس مدار
صرع الجام
81
وألوى بالمدير
ها هنا كنت ترى حو الدمى
فاتنات بالشفاه اللعس
82
ناقلات في العبير القدما
واطئات في حبير السندس •••
خذ عن الدنيا بليغ العظة
قد تجلت في بليغ الكلم
طرفاها جمعا في لفظة
فتأمل طرفيها تعلم
الأماني حلم في يقظة
والمنايا يقظة من حلم
كل ذي سقطين
83
في الجو سما
واقع يوما وإن لم يغرس
وسيلقى حينه نسر السما
يوم تطوى كالكتاب الدرس •••
أين يا واحد مروان علم
من دعاك الصقر سماه العقاب
84
راية صرفها الفرد العلم
عن وجوه النصر تصريف النقاب
كنت إن جردت سيفا أو قلم
أبت بالألباب أو دنت الرقاب
ما رأى الناس سواه علما
لم يرم في لجة أو يبس
أعلى ركن السماك ادعما
وتغطى بجناح القدس •••
قصرك «المنية» من قرطبة
فيه واروك ولله المصير
صدف خط على جوهرة
بيد أن الدهر نباش بصير
لم يدع ظلا لقصر «المنية »
وكذا عمر الأماني قصير
كنت صقرا قرشيا علما
ما على الصقر إذا لم يرمس
إن تسل أين قبور العظما
فعلى الأفواه أو في الأنفس •••
كم قبور زينت جيد الثرى
تحتها أنجس من ميت المجوس
كان من فيها وإن جازوا الثرى
قبل موت الجسم أموات النفوس
وعظام تتزكى عنبرا
من ثناء صرن أغفال الرموس
فاتخذ قبرك من ذكر فما
تبن من محموده لا يطمس
هبك من حرص سكنت الهرما
أين بانيه المنيع الملمس
زحلة
شيعت أحلامي بقلب باك
ولمحت من طرق الملاح شباكي
ورجعت أدراج الشباب وورده
أمشي مكانهما على الأشواك
وبجانبي واه كأن خفوقه
لما تلفت جهشة المتباكي
شاكي السلاح إذا خلا بضلوعه
فإذا أهيب به فليس بشاك
قد راعه أني طويت حبائلي
من بعد طول تناول وفكاك
ويح ابن جنبي كل غاية لذة
بعد الشباب عزيزة الإدراك
لم تبق منا يا فؤاد بقية
لفتوة أو فضلة لعراك
كنا إذا صفقت نستبق الهوى
ونشد شد العصبة الفتاك
واليوم تبعث في حين تهزني
ما يبعث الناقوس في النساك
يا جارة الوادي طربت وعادني
ما يشبه الأحلام من ذكراك
مثلت في الذكرى هواك وفي الكرى
والذكريات صدى السنين الحاكي
ولقد مررت على الرياض بربوة
غناء كنت حيالها ألقاك
ضحكت إلي وجوهها وعيونها
ووجدت في أنفاسها رياك
فذهبت في الأيام أذكر رفرفا
بين الجداول والعيون حواك
أذكرت هرولة الصبابة والهوى
لما خطرت يقبلان خطاك
لم أدر ما طيب العناق على الهوى
حتى ترفق ساعدي فطواك
وتأودت أعطاف بانك في يدي
واحمر من خفريهما خداك
ودخلت في ليلين فرعك والدجى
ولثمت كالصبح المنور فاك
ووجدت في كنه الجوانح نشوة
من طيب فيك ومن سلاف لماك
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت
عيني في لغة الهوى عيناك
ومحوت كل لبانة من خاطري
ونسيت كل تعاتب وتشاكي
لا أمس من عمر الزمان ولا غد
جمع الزمان فكان يوم رضاك •••
لبنان ردتني إليك من النوى
أقدار سير للحياة دراك
جمعت نزيلي ظهرها من فرقة
كرة وراء صوالج الأفلاك
نمشي عليها فوق كل فجاءة
كالطير فوق مكامن الأشراك
ولو ان بالشوق المزار وجدتني
ملقى الرحال على ثراك الذاكي •••
بنت البقاع وأم بردونيها
طيبي كجلق واسكبي برداك
ودمشق جنات النعيم وإنما
ألفيت سدة عدنهن رباك
قسما لو انتمت الجداول والربا
لتهلل الفردوس ثم نماك
مرآك مرآه وعينك عينه
لم يا زحيلة لا يكون أباك
تلك الكروم بقية من بابل
هيهات نسى البابلي جناك
تبدي كوشي الفرس أفتن صبغة
للناظرين إلى ألذ حياك
خرزات مسك أو عقود الكهربا
أودعن كافورا من الأسلاك
فكرت في لبن الجنان وخمرها
لما رأيت الماء مس طلاك
لم أنس من هبة الزمان عشية
سلفت بظلك وانقضت بذراك
كنت العروس على منصة جنحها
لبنان في الوشي الكريم جلاك
يمشي إليك اللحظ في الديباج أو
في العاج من أي الشعاب أتاك
ضمت ذراعيها الطبيعة رقة
صنين والحرمون
85
فاحتضناك
والبدر في ثبج السماء منور
سالت حلاه على الثرى وحلاك
والنيرات من السحاب مطلة
كالغيد من ستر ومن شباك
وكأن كل ذؤابة من شاهق
ركن المجرة أو جدار سماك
سكنت نواحي الليل إلا أنة
في الأيك أو وترا شجي حراك
شرفا عروس الأرز كل خريدة
تحت السماء من البلاد فداك
ركز البيان على ذراك لواءه
ومشى ملوك الشعر في مغناك
أدباؤك الزهر الشموس ولا أرى
أرضا تمخض بالشموس سواك
من كل أروع علمه في شعره
ويراعه من خلقه بملاك
جمع القصائد من رباك وربما
سرق الشمائل من نسيم صباك «موسى» ببابك في المكارم والعلا
وعصاه في سحر البيان عصاك
أحللت شعري منك في عليا الذرا
وجمعته برواية الأملاك
إن تكرمي يا زحل شعري إنني
أنكرت كل قصيدة إلاك
أنت الخيال بديعه وغريبه
الله صاغك والزمان رواك
ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها
حياة ما نريد لها زيالا
ودنيا لا نود لها انتقالا
وعيش في أصول الموت سم
عصارته وإن بسط الظلالا
وأيام تطير بنا سحابا
وإن خيلت تدب بنا نمالا
نريها في الضمير هوى وحبا
ونسمعها التبرم والملالا
قصار حين نجري اللهو فيها
طوال حين نقطعها فعالا
ولم تضق الحياة بنا ولكن
زحام السوء ضيقها مجالا
ولم تقتل براحتها بنيها
ولكن سابقوا الموت اقتتالا
ولو زاد الحياة الناس سعيا
وإخلاصا لزادتهم جمالا •••
كأن الله إذ قسم المعالي
لأهل الواجب ادخر الكمالا
ترى جدا ولست ترى عليهم
ولوعا بالصغائر واشتغالا
وليسوا أرغد الأحياء عيشا
ولكن أنعم الأحياء بالا
إذا فعلوا فخير الناس فعلا
وإن قالوا فأكرمهم مقالا
وإن سألتهم الأوطان أعطوا
دما حرا وأبناء ومالا •••
بني البلد الشقيق عزاء جار
أهاب بدمعه شجن فسالا
قضى بالأمس للأبطال حقا
وأضحى اليوم بالشهداء غالى
يعظم كل جهد عبقري
أكان السلم أم كان القتالا
وما زلنا إذا دهت الرزايا
كأرحم ما يكون البيت آلا
وقد أنسى الإساءة من حسود
ولا أنسى الصنيعة والفعالا
ذكرت المهرجان وقد تجلى
ووفد المشرقين وقد توالى
وداري بين أعراس القوافي
وقد جليت سماء لا تعالى
تسلل في الزحام إلي نضو
من الأحرار تحسبه خيالا
رسول الصابرين ألم وهنا
وبلغني التحية والسؤالا
دنا مني فناولني كتابا
أحست راحتاي له جلالا
وجدت دم الأسود عليه مسكا
وكان الأصل في المسك الغزالا
كأن أسامي الأبطال فيه
حواميم على رق تتالى
رواة قصائدي قد رتلوها
وغنوها الأسنة والنصالا
إذا ركزوا القنا انتقلوا إليها
فكانت في الخيام لهم نقالا •••
بني سورية التئموا كيوم
خرجتم تطلبون به النزالا
سلوا الحرية الزهراء عنا
وعنكم هل أذاقتنا الوصالا
وهل نلنا كلانا اليوم إلا
عراقيب المواعد والمطالا
عرفتم مهرها فمهرتموها
دما صبغ السباسب والدغالا
وقمتم دونها حتى خضبتم
هوادجها الشريفة والحجالا
دعوا في الناس مفتونا جبانا
يقول الحرب قد كانت وبالا
أيطلب حقهم بالروح قوم
فتسمع قائلا ركبوا الضلالا
وكونوا حائطا لا صدع فيه
وصفا لا يرقع بالكسالى
وعيشوا في ظلال السلم كدا
فليس السلم عجزا واتكالا
ولكن أبعد اليومين مرمى
وخيرهما لكم نصحا وآلا
وليس الحرب مركب كل يوم
ولا الدم كل آونة حلالا •••
سأذكر ما حييت جدار قبر
بظاهر جلق ركب الرمالا
مقيم ما أقامت «ميسلون»
يذكر مصرع الأسد الشبالا
لقد أوحى إلي بما شجاني
كما توحي القبور إلى الثكالى
تغيب عظمة العظمات فيه
وأول سيد لقي النبالا
كأن بناته رفعوا منارا
من الإخلاص أو نصبوا مثالا
سراج الحق في ثبج الصحارى
تهاب العاصفات له ذبالا
ترى نور العقيدة في ثراه
وتنشق من جوانبه الخلالا
مشى ومشت فيالق من فرنسا
تجر مطارف الظفر اختيالا
ملأن الجو أسلحة خفافا
ووجه الأرض أسلحة ثقالا
وأرسلن الرياح عليه نارا
فما حفل الجنوب ولا الشمالا
سلوه هل ترجل في هبوب
من النيران أرجلت الجبالا
أقام نهاره يلقي ويلقى
فلما زال قرص الشمس زالا
وطاح ترى به قيد المنايا
ولست ترى الشكيم ولا الشكالا
فكفن بالصوارم والعوالي
وغيب حيث جال وحيث صالا
إذا مرت به الأجيال تترى
سمعت لها أزيزا وابتهالا
تعلق في ضمائرهم صليبا
وحلق في سرائرهم هلالا
تمثال نهضة مصر
جعلت حلاها وتمثالها
عيون القوافي وأمثالها
وأرسلتها في سماء الخيال
تجر على النجم أذيالها
وإني لغريد هذي البطاح
تغذى جناها وسلسالها
ترى مصر كعبة أشعاره
وكل معلقة قالها
وتلمح بين بيوت القصيد
حجال
86
العروس وأحجالها
87
أدار النسيب إلى حبها
وولى المدائح إجلالها
أرن بغابرها العبقري
وغنى بمثل البكى حالها
ويروي الوقائع في شعره
يروض على البأس أطفالها
وما لمحوا بعد ماء السيوف
فما ضر لو لمحوا آلها •••
ويوم ظليل الضحى من بشنس
أفاء على مصر آمالها
روى ظله عن شباب الزمان
رفيف الحواشي وإخضالها
88
مشت مصر فيه تعيد العصور
ويغمر ذكر الصبا بالها
وتعرض في المهرجان العظيم
ضحاها الخوالي وآصالها •••
وأقبل «رمسيس» جم الجلال
سني المواكب مختالها
وما دان إلا بشورى الأمور
ولا اختال كبرا ولا استالها
89
فحيا بأبلج مثل الصباح
وجوه البلاد وأرسالها
وأوما إلى ظلمات القرون
فشق عن الفن أسدالها •••
فمن يبلغ «الكرنك» الأقصري
وينبئ «طيبة» أطلالها
ويسمع ثم بوادي الملوك
ملوك الديار وأقيالها
وكل مخلدة في الدمى
هنالك لم نحص أحوالها
عليها من الوحي ديباجة
ألح الزمان فما ازدالها
تكاد وإن هي لم تتصل
بروح تحرك أوصالها
وما الفن إلا الصريح الجميل
إذا خالط النفس أوحى لها
وما هو إلا جمال العقول
إذا هي أولته إجمالها •••
لقد بعث الله عهد الفنون
وأخرجت الأرض مثالها
تعالوا نرى كيف سوى الصفاة
فتاة تلملم سربالها
دنت من أبي الهول مشي الرءوم
إلى مقعد هاج بلبالها
وقد جاب في سكرات الكرى
عروض الليالي وأطوالها
وألقى على الرمل أرواقه
90
وأرسى على الأرض أثقالها
يخال لإطراقه في الرمال
سطيح
91
العصور ورمالها
فقالت تحرك فهم الجماد
كأن الجماد وعى قالها
فهل سكبت في تجاليده
شعاع الحياة وسيالها
أتذكر إذ غضبت كاللباة
92
ولمت من الغيل أشبالها
وألقت بهم في غمار الخطوب
فخاضوا الخطوب وأهوالها
وثاروا فجن جنون الرياح
وزلزلت الأرض زلزالها
وبات تلمسهم شيخهم
حديث الشعوب وأشغالها
ومن ذا رأى غابة كافحت
فردت من الأسر رئبالها
وأهيب ما كان بأس الشعوب
إذا سلح الحق أعزالها ••• «فؤاد» ارفع الستر عن نهضة
تقدم جدك أبطالها
ورب امرئ لم تلده البلاد
نماها ونبه أنسالها
93
وليس اللآلئ ملك البحور
ولكنها ملك من نالها
وما ك «علي» ولا جيله
إذا عرضت مصر أجيالها
بنوا دولة من بنات الأسن
ة لم يشهد «النيل» أمثالها
لئن جلل البحر أسطولها
لقد لبس البر قسطالها
94
فأما أبوك فدنيا الحضار
ة لو سالم الدهر إقبالها
تخير «أفريقيا» تاجه
وركب في التاج «صومالها»
ركابك يا «ابن المعز» الغيوث
ويفضلن في الخير منوالها
إذا سرن في الأرض نسينها
ركاب السماء وأفضالها
فلم تبرح القصر إلا شفيت
جدوب العقول وإمحالها
لقد ركب الله في ساعديك
يمين الجدود وشيمالها
تخط وتبني صروح العلوم
وتفتح للشرق أقفالها
الحرية الحمراء (قيلت في احتفال بيوم 13 نوفمبر.)
في مهرجان الحق أو يوم الدم
مهج من الشهداء لم تتكلم
يبدو على هاتور نور دمائها
كدم الحسين على هلال محرم
يوم الجهاد بها كصدر نهاره
متمايل الأعطاف مبتسم الفم
طلعت تحج البيت فيه كأنها
زهر الملائك في سماء الموسم
لم لا تطل من السماء وإنما
بين السحاب قبورها والأنجم
ولقد شجاها الغائبون وراعها
ما حل بالبيت المضيء المظلم
وإذا نظرت إلى الحياة وجدتها
غرسا أقيم على جوانب مأتم
لا بد للحرية الحمراء من
سلوى ترقد جرحها كالبلسم
وتبسم يعلو أسرتها كما
يعلو فم الثكلى وثغر الأيم
يوم البطولة لو شهدت نهاره
لنظمت للأجيال ما لم ينظم
غبنت حقيقته وفات جمالها
باع الخيال العبقري الملهم
لولا عوادي النفي أو عقباته
والنفي حال من عذاب جهنم
لجمعت ألوان الحوادث صورة
مثلت فيها صورة المستسلم
وحكيت فيها النيل كاظم غيظه
وحكيته متغيظا لم يكظم
دعت البلاد إلى الغمار فغامرت
وطنية بمثقف ومعلم
ثارت على الحامي العتيد وأقسمت
بسواه جل جلاله لا تحتمي
نثر الكنانة ربها وتخيرت
يده لنصرتها ثلاثة أسهم
من كل أعزل حقه بيمينه
كالسيف في يمنى الكمي المعلم
لم يحجموا في ساعة قد أظفرت
ملك البحار بكل قيصر محجم
وقفوا مطيهم بسلم قصره
والبأس والسلطان دون السلم
وتقدموا حتى إذا ما بلغوا
أوحوا إلى مصر الفتاة تقدمي
سالت من الغاب الشبول غلا بها
لبن اللباة وهاج عرق الضيغم
يوم النضال كستك لون جمالها
حرية صبغت أديمك بالدم
أصبحت من غرر الزمان وأصبحت
ضحكت أسرة وجهك المتجهم
ولقد يتمت فكنت أعظم روعة
يا ليت من «سعد» الحمى لم تيتم
لينم أبو الأشبال ملء جفونه
ليس الشبول عن العرين بنوم
وقال في تكريم الدكتور علي بك إبراهيم الجراح العبقري:
ابتغوا ناصية الشمس مكانا
وخذوا القمة علما وبيانا
واطلبوا بالعبقريات المدى
ليس كل الخيل يشهدن الرهانا
ابعثوها سابقات نجبا
تملأ المضمار معنى وعيانا
وثبوا للعز من صهوتها
وخذوا المجد عنانا فعنانا
لا تثيبوها على ما قلدت
من أياد حسدا أو شنآنا •••
وضئيل من أساة الحي لم
يعن باللحم وبالشحم اختزانا
ضامر في سفعة تحسبه
نضو صحراء ارتدى الشمس دهانا
أو طبيبا آيبا من «طيبة»
لم تزل تندى يداه زعفرانا
تنكر الأرض عليه جسمه
واسمه أعظم منها دورانا
نال عرش الطب من «أمحوتب»
وتلقى من يديه الصولجانا
يا لأمحوتب من مستأله
لم يلد إلا حواريا هجانا
خاشعا لله لم يزه ولم
يرهق النفس اغترارا وافتتانا
يلمس القدرة لمسا كلما
قلب الموت وجس الحيوانا
لو يرى الله بمصباح لما
كان إلا العلم جل الله شانا
في خلال لفتت زهر الربا
وسجايا أنست الشرب الدنانا
لو أتاه موجعا حاسده
سل من جنب الحسود السرطانا
خير من علم في «القصر» ومن
شق عن مستتر الداء الكنانا
كل تعليم تراه ناقصا
سلم رث إذا استعمل خانا
درك مستحدث من درج
ومن الرفعة ما حط الدخانا •••
لا عدمنا ل «السيوطي» يدا
خلقت للفتق والرتق بنانا
تصرف المشرط للبرء كما
صرف الرمح إلى النصر السنانا
مدها كالأجل المبسوط في
طلب البرء اجتهادا وافتنانا
تجد الفولاذ فيها محسنا
أخذ الرفق عليها والليانا
يد «إبراهيم» لو جئت لها
بذبيح الطير عاد الطيرانا
لم تخط للناس يوما كفنا
إنما خاطت بقاء وكيانا
ولقد يؤسى ذوو الجرحى بها
من جراح الدهر أو يشفى الحزانى
نبغ الجيل على مشرطها
في كفاح الموت ضربا وطعانا
لو أتت قبل نضوج الطب ما
وجد التنويم عونا فاستعانا •••
يا طرازا يبعث الله به
في نواحي ملكه آنا فآنا
من رجال خلقوا ألوية
ونجوما وغيوثا ورعانا
قادة الناس وإن لم يقربوا
طبعات الهند والسمر اللدانا
وغذاء الجيل فالجيل وإن
نسي الأجيال كالطفل اللبانا
وهم الأبطال كانت حربهم
منذ شنوها على الجهل عوانا •••
يا أخي والذخر في الدنيا أخ
حاضر الخير على الخير أعانا
لك عند ابني أو عندي يد
لست آلوها ادكارا وصيانا
حسنت مني ومنه موقعا
فجعلنا حرزها الشكر الحسانا
هل ترى أنت فإني لم أجد
كجميل الصنع بالشكر اقترانا
وإذا الدنيا خلت من خير
وخلت من شاكر هانت هوانا
دفع الله «حسينا» في يد
كيد الألطاف رفقا واحتضانا
لو تناولت الذي قد لمست
منه ما زدت حذارا وحنانا
جرحه كان بقلبي يا أبا
لا أنبيه بجرحي كيف كانا
لطف الله فعوفينا معا
وارتهنا لك بالشكر لسانا
وقال وهي القصيدة التي ألقيت في دار الأوبرا الملكية في حفلة افتتاح مؤتمر تكريمه الذي انعقد فيها:
مرحبا بالربيع في ريعانه
وبأنواره وطيب زمانه
رفت الأرض في مواكب آذا
ر وشب الزمان في مهرجانه
نزل السهل ضاحك البشر يمشي
فيه مشي الأمير في بستانه
عاد حليا براحتيه ووشيا
طول أنهاره وعرض جنانه
لف في طيلسانه طرر الأر
ض فطاب الأديم من طيلسانه
ساحر فتنة العيون مبين
فصل الماء في الربا بجمانه
عبقري الخيال زاد على الطي
ف وأربى عليه في ألوانه
صبغة الله أين منها رفائي
ل ومنقاشه وسحر بنانه
رنم الروض جدولا ونسيما
وتلا طير أيكه غصن بانه
وشدت في الربا الرياحين همسا
كتغني الطروب في وجدانه
كل ريحانة بلحن كعرس
ألفت للغناء شتى قيانه
نغم في السماء والأرض شتى
من معاني الربيع أو ألحانه
أين نور الربيع من زهر الشع
ر إذا ما استوى على أفنانه
سرمد الحسن والبشاشة مهما
تلتمسه تجده في إبانه
حسن في أوانه كل شيء
وجمال القريض بعد أوانه
ملك ظله على ربوة الخل
د وكرسيه على خلجانه
أمر الله بالحقيقة والحك
مة فالتفتا على صولجانه
لم تثر أمة إلى الحق إلا
بهدى الشعر أو خطا شيطانه
ليس عرف النحاس أوقع منه
في شجاع الفؤاد أو في جبانه •••
ظللتني عناية من «فؤاد»
ظلل الله عرشه بأمانه
ورعاني رعى الإله له «الفا
روق» طفلا ويوم مرجو شانه
ملك النيل من مصبيه بالشط
إلى منبعيه من سودانه
هو في الملك بدره المتجلي
حف بالهالتين من «برلمانه»
زاده الله بالنيابة عزا
فوق عز الجلال من سلطانه •••
منبر الحق في أمانة «سعد»
وقوام الأمور في ميزانه
لم ير الشرق داعيا مثل «سعد»
رجه من بطاحه ورعانه
95
ذكرته
96
عقيدة الناس فيه
كيف كان الدخول في أديانه
نهضة من فتى الشيوخ وروح
سريا كالشباب في عنفوانه
حركا الشرق من سكون إلى القي
د وثارا به على أرسانه
وإذا النفس أنهضت من مريض
درج البرء في قوى جثمانه •••
يا عكاظا تألف الشرق فيه
من فلسطينه إلى بغدانه
افتقدنا الحجاز فيه فلم نع
ثر على قسه ولا سحبانه
حملت مصر دونه هيكل الدي
ن وروح البيان من فرقانه
وطدت فيك من دعائمها الفص
حى وشد البيان من أركانه
إنما أنت حلبة لم يسخر
مثلها للكلام يوم رهانه
تتبارى أصائل الشام فيها
والمذاكي العتاق من لبنانه
قلدتني الملوك من لؤلؤ البح
رين آلاءها ومن مرجانه
نخلة لا تزال في الشرق معنى
من بداواته ومن عمرانه
حن للشام حقبة وإليها
فاتح الغرب من بني مروانه
وحبتني بمباي فيها يراعا
أفرغ الود فيه من عقيانه
ليس تلقى يراعها الهند إلا
في ذرا الخلق أو وراء ضمانه
أنتضيه انتضاء موسى عصاه
يفرق المستبد من ثعبانه
يلتقي الوحي من عقيدة حر
كالحواري في مدى إيمانه
غير باغ إذا تطلب حقا
أو لئيم اللجاج في عدوانه
موكب الشعر حرك المتنبي
في ثراه وهز من حسانه
شرفت مصر بالشموس من الشر
ق نجوم البيان من أعيانه
قد عرفنا بنجمه كل أفق
واستبنا الكتاب من عنوانه
لست أنسى يدا لإخوان صدق
منحوني جزاء ما لم أعانه
رب سامي البيان نبه شأني
أنا أسمو إلى نباهة شانه
كان بالسبق والميادين أولى
لو جرى الحظ في سواء عنانه
إنما أظهروا يد الله عندي
وأذاعوا الجميل من إحسانه
ما الرحيق الذي يذوقون من كر
مي وإن عشت طائفا بدنانه
وهبوني الحمام لذة سجع
أين فضل الحمام في تحنانه
وتر في اللهاة
97
ما للمغني
من يد في صفائه وليانه •••
رب جار تلفتت مصر تولي
ه سؤال الكريم عن جيرانه
بعثتني معزيا بمآقي
وطني أو مهنئا بلسانه
كان شعري الغناء في فرح الشر
ق وكان العزاء في أحزانه
قد قضى الله أن يؤلفنا الجر
ح وأن نلتقي على أشجانه
كلما أن بالعراق جريح
لمس الشرق جنبه في عمانه
وعلينا كما عليكم حديد
تتنزى الليوث في قضبانه
نحن في الفقه بالديار سواء
كلنا مشفق على أوطانه
الجزء الثالث
سليمان باشا أباظه1
من ظن بعدك أن يقول رثاء
فليرث من هذا الورى من شاء
فجع المكارم فاجع في ربها
والمجد في بانيه والعلياء
ونعى النعاة إلى المروءة كنزها
وإلى الفضائل نجمها الوضاء
أأبا محمد اتئد في ذا النوى
وارفق بآلك وارحم الأبناء
واستبق عزهم ب «طهراء» التي
كانوا النجوم بها وكنت سماء
2
أدجى بها ليل الخطوب وطالما
ملئت منازلها سنا وسناء
3
وإذا سليمان استقل محلة
كانت بساطا للندى ورجاء
4
فانظر من الأعواد حولك هل ترى
من بعد طبك للعفاة دواء
5
سارت جنازة كل فضل في الورى
لما ركبت الآلة الحدباء
6
وتيتم الأيتام أول مرة
ورمى الزمان بصرفه الفقراء
7
ولقد عهدتك لا تضيع راجيا
واليوم ضاع الكل فيك رجاء
وعلمت أنك من يود ومن يفي
فقف الغداة لو استطعت وفاء
وذكرت سعيك لي مريضا فانيا
فجعلت سعيي بالرثاء جزاء
والمرء يذكر بالجمائل بعده
فارفع لذكرك بالجميل بناء
8
واعلم بأنك سوف تذكر مرة
فيقال أحسن أو يقال أساء
أبنيه كونوا للعدا من بعده
كيدا وكونوا للولي عزاء
وتجلدوا للخطب مثل ثباته
أيام كان يدافع الأرزاء
والله ما مات الوزير وكنتم
فوق التراب أعزة أحياء
مصطفى باشا فهمي1
يا أيها الناعي أبا الوزراء
هذا أوان جلائل الأنباء
حث البريد مشارقا ومغاربا
واركب جناح البرق في الأرجاء
2
واستبك هذا الناس دمعا أو دما
فاليوم يوم مدامع ودماء
لم تنع للأحياء غير ذخيرة
ولت وغير بقية الكبراء
رزء البرية في الوزير زيادة
فيما ألم بها من الأرزاء
ذهبت على أثر المشيع دولة
برجالها وكرائم الأشياء
ندمان «إسماعيل» في آثاره
ذهبوا وتلك صبابة الندماء
3
ولدوا على راح العلا وترعرعوا
في نعمة الأملاك والأمراء
أودى الردى بمهذب لا تنتهي
إلا إليه شمائل الرؤساء
صافي الأديم أغر أبلج لم يزد
في الشيب غير جلالة ورواء
4
متجنب الخيلاء إلا عزة
في العز حسن ليس في الخيلاء
عف السرائر والملاحظ والخطا
نزه الخلائق طاهر الأهواء
5
متدرع صبر الكرام على الأذى
إن الكرام مشاغل السفهاء
نقموا عليه رأيه وصنيعه
والحكم للتاريخ في الآراء
والرأي إن أخلصت فيه سريرة
مثل العقيدة فوق كل مراء
6
وإذا الرجال على الأمور تعاقبوا
كشف الزمان مواقف النظراء
يا أيها الشيخ الكريم تحية
أندى لقبرك من زلال الماء
هذا المصير أكان طول سلامة
أم لم يكن إلا قليل بقاء
ماذا انتفاعك بالليالي بعدما
مرت بك السبعون مر عشاء
7
أو بالحياة وقد مشى في صفوها
عادي السنين وعاث عادي الداء
من لم يطببه الشباب فداؤه
حتى يغيبه بغير دواء
قسمات وجهك في التراب ذخائر
من عفة وتكرم وحياء
8
ولكم أغار على محيا ماجد
وطوى محاسن مسمح معطاء
9
كم موقف صعب على من قامه
ذللته ونهضت بالأعباء
كبر الغضنفر يوم ذلك زاده
من نخوة وحمية وإباء
10
من يكذب التاريخ يكذب ربه
ويسيء للأموات والأحياء
السلم لو لم تود أمس بجرحها
أودت بهذي الطعنة النجلاء
11
لو أخرت في العيش بعدك ساعة
لبكت عليك بمدمع الخنساء
12
انفض غبارك عنك وانظر هل ترى
إلا غبار كتيبة ولواء
يا ويح وجه الأرض أصبح مأتما
بعد الفوارس من بني حواء
من ذائد عن حوضه أو زائد
في ملكه من صولة وثراء
أو مانع جارا يناضل دونه
أو حافظ لعهوده ميفاء
13
يتقاذفون بذات هول لم تهب
حرم المسيح ولا حمى العذراء
14
من محدثات العلم إلا أنها
إثم عواقبها على العلماء
لهفي على ركن الشيوخ مهدما
والحاملات الثكل واليتماء
15
وعلى الشباب بكل أرض مصرع
لهم وهلك تحت كل سماء
خرجوا إلى الأوطان من أرواحهم
كرم يليق بهم ومحض سخاء
16
من كل بان بالمنية في الصبا
لم يتخذ عرسا سوى الهيجاء
17
المرضعات سكبن في وجدانه
حب الديار وبغضة الأعداء
وقررن في أذنيه يوم فطامه
أن الدماء مهورة العلياء
أأبا البنات رزقتهن كرائما
ورزقت في أصهارك الكرماء
لا تذهبن على الذكور بحسرة
الذكر نعم سلالة العظماء
وأرى بناة المجد يثلم مجدهم
ما خلفوا من طالح وغثاء
18
إن البنات ذخائر من رحمة
وكنوز حب صادق ووفاء
والساهرات لعلة أو كبرة
والصابرات لشدة وبلاء
والباكياتك حين ينقطع البكى
والزائراتك في العراء النائي
19
والذاكراتك ما حيين تحدثا
بسوالف الحرمات والآلاء
بالأمس عزاهن فيك عقائل
واليوم جاملهن فيك رثائي
وأبيك ما الدنيا سوى معروفها
والبر كل صنيعة بجزاء
أجزعن أن يجري عليهن الذي
من قبلهن جرى على «الزهراء»
20
عذرا لهن إذا ذهبن مع الأسى
وطلبن عند الدمع بعض عزاء
ما كل ذي ولد يسمى والدا
كم من أب كالصخرة الصماء
هبهن في عقل الرجال وحلمهم
أقلوبهن سوى قلوب نساء
أبو هيف بك1
اجعل رثاءك للرجال جزاء
وابعثه للوطن الحزين عزاء
إن الديار تريق ماء شئونها
كالأمهات وتندب الأبناء
2
ثكل الرجال من البنين وإنما
ثكل الممالك فقدها العلماء
يجزعن للعلم الكبير إذا هوى
جزع الكتائب قد فقدن لواء
3
علم الشريعة أدركته شريعة
للموت ينظم حكمها الأحياء
4
عانى قضاء الأرض علم محصل
واليوم عالج للسماء قضاء
ومضى وفيه من الشباب بقية
للنفع أرجى ما تكون بقاء
إن الشباب يحب جما حافلا
وتحب أيام الشباب ملاء
5
بالأمس كانت لابن هيف غضبة
للحق نذكرها يدا بيضاء
6
مشت البلاد إلى رسالة «ملنر»
وتحفزت أرضا لها وسماء
7
فلمحت أعرج في زوايا الحق لم
أعلم عليه ذمة عرجاء
8
ارتدت العاهات عن أخلاقه
لسموهن وحلت الأعضاء
عطفته عطف القوس يوم رماية
وثنته كالماضي فزاد مضاء
9
لما رأى «التقرير» ينفث سمه
سبق الحواة فأخرج الرقطاء
10
هتك الحماية والرجال وراءها
يتلمسون لها الستور رياء
ما قبحوا بالصبح من أشباحها
راحوا إليك فحسنوه مساء
يا قيم الدار التي قد أخرجت
للمدلجين منارة زهراء
11
وترى لديها الواردين فلا ترى
إلا ظماء ينزلون رواء
12
وتجالس العلماء في حجراتها
وتسامر الحكماء والشعراء
تكفيك شيطان الفراغ وتعتني
بالجاهلين تردهم عقلاء
دار الذخائر كنت أكمل كتبها
مجموعة وأتمها أجزاء
لما خلت من كنز علمك أصبحت
من كل أعلاق الكنوز خلاء
13
هز الشباب إلى رثائك خاطري
فوجدت في وفي الشباب وفاء «عبد الحميد» ألا أسرك حادثا
يكسو عظامك في البلى السراء
14
قم من صفوف الحق تلق كتيبة
ملمومة وتر الصفوف سواء
وتر الكنانة شيبها وشبابها
دون «القضية» عرضة وفداء
جمع السلام الصحف من غاراتها
وتألف الأحزاب والزعماء
في كل وجدان وكل سريرة
خلف الوداد الحقد والبغضاء
وغدا إلى دين العشيرة ينتهي
من خالف الأعمام والآباء
لا يحجبون على تجنيهم ولا
يجدون إلا الصفح والإغضاء
والأهل لا أهلا بحبل ولائهم
حتى تراهم بينهم رحماء
كذب المريب يقول بعد غد لنا
خلف يعيد ويبدئ الشحناء
قلبي يحدثني وليس بخائني
إن العقول ستقهر الأهواء
يا «سعد» قد جرت الأمور لغاية
الله هيأها لنا ما شاء
15
سبحانه جمع القلوب من الهوى
شتى وقوى حوله الضعفاء
الفلك بعد العسر يسر أمرها
واستقبلت ريح الأمور رخاء
وتأهبت بك تستعد لزاخر
تطأ العواصف فيه والأنواء
رجعت براكبها إلى ربانها
تلقي الرجاء عليه والأعباء
فاشدد بأرباب النهى سكانها
واجعل ملاك شراعها الأكفاء
16
من ذا الذي يختار أهل الفضل أو
يزن الرجال إذا اختيارك ساء
أخرج لأبناء الحضارة مجلسا
يبقي على اسمك في العصور ثناء
مولانا محمد علي1
بيت على أرض الهدى وسمائه
الحق حائطه وأس بنائه
الفتح من أعلامه والطهر من
أوصافه والقدس من أسمائه
تحنو مناكبه على شعب الهدى
وتطل سدته على سينائه
2
من ذا ينازعنا مقالد بابه
وجلال سدته وطهر فنائه
ومحمد صلى على جنباته
واستقبل السمحات في أرجائه
واليوم ضم الناس مأتم أرضه
وحوى الملائك مهرجان سمائه
يا «قدس» هيئ من رياضك ربوة
لنزيل تربك واحتفل بلقائه
3
هو من سيوف الله جل جلاله
أو من سيوف الهند عند قضائه
فتح النبي له مناخ براقه
ومعارج التشريف من إسرائه
بطل حقوق الشرق من أحماله
وقضية الإسلام من أعبائه
لم تنسه الهند العزيزة رقة
للشرق أو سهرا على أشيائه
وقباؤه نسج الهنود فهل ترى
دفنوا الزعيم مكفنا بقبائه
4 «النيل» يذكر في الحوادث صوته
والترك لا ينسون صدق بلائه
قل للزعيم محمد نزل الأسى
ب «النيل» واستولى على بطحائه
5
فمشى إليك بجفنه وبدمعه
وإلى أخيك بقلبه وعزائه
6
اجتزته فحواك في أطرافه
ولو انتظرت حواك في أحشائه
ولقد تعود أن تمر بأرضه
مر الغمام بظله وبمائه
نم في جوار الله ما بك غربة
في ظل بيت أنت من أبنائه
الفتح وهو قضية قدسية
يا طالما ناضلت دون لوائه
أفتى بدفنك عند سيدة القرى
مفت أراد الله من إفتائه
7
بلد بنوه الأكرمون قصورهم
وقبورهم وقف على نزلائه
8
قد عشت تنصره وتمنح أهله
عونا فكيف تكون من غربائه
سيد درويش1
كل يوم مهرجان كللوا
فيه ميتا برياحين الثناء
2
لم يعلم قومه حرفا ولم
يضئ الأرض بنور الكهرباء
جومل الأحياء فيه وقضى
شهوات أهله والأصدقاء
ما أضل الناس؟ حتى الموت لم
يخل من زور لهم أو من رياء
3
إنما يبكى شعاع نابغ
كلما مر به الدهر أضاء
ملأ الأفواه والأسماع في
ضجة المحيا وفي صمت الفناء
حائط الفن وباني ركنه «معبد» الألحان «إسحاق» الغناء
4
من أناس كالدراري جدد
في سموات الليالي قدماء
غرس الناس قديما وبنوا
لم يدم غرس ولم يخلد بناء
غير غرس نابغ أو حجر
عبقري فيهما سر البقاء
من يد موهوبة ملهمة
تغرس الإحسان أو تبني العلاء
بلبل إسكندري أيكه
ليس في الأرض ولكن في السماء
5
هبط الشاطئ من رابية
ذات ظل ورياحين وماء
يحمل الفن نميرا صافيا
غدق النبع إلى جيل ظماء
6
حل في واد على فسحته
عزت الطير به إلا الحداء
يملأ الأسحار تغريدا إذا
صرف الطير إلى الأيك العشاء
ربما استلهم ظلماء الدجى
وأتى الكوكب فاستوحى الضياء
ورمى أذنيه في ناحية
يخلس الأصوات خلس الببغاء
فتلقى فيهما ما راعه
من خفي الهمس أو جهر النداء
أيها الدرويش قم بث الجوى
واشرح الحب وناج الشهداء
اضرب العود تفه أوتاره
بالذي تهوى وتنطق ما تشاء
حرك الناي ونح في غابه
وتنفس في الثقوب الصعداء
7
واسكب العبرة في آماقه
من تباريح وشجو وعزاء
واسم بالأرواح وارفعها إلى
عالم اللطف وأقطار الصفاء
8
لا ترق دمعا على الفن فلن
يعدم الفن الرعاة الأمناء
هو طير الله في ربوته
يبعث الماء إليه والغذاء
روح الله على الدنيا به
فهي مثل الدار والفن الفناء
تكتسي منه ومن آذاره
نفحة الطيب وإشراق البهاء
9
وإذا ما حرمت رقته
فشت القسوة فيها والجفاء
وإذا ما سئمت أو سقمت
طاف كالشمس عليها والهواء
وإذا الفن على الملك مشى
ظهر الحسن عليه والرواء
قد كسا الكرنك مصرا ما كسا
من سنا أبلى الليالي وسناء
يرسل الله به الرسل على
فترات من ظهور وخفاء
كلما أدى رسول ومضى
جاء من يوفي الرسالات الأداء
سيد الفن استرح من عالم
آخر العهد بنعماه البلاء
ربما ضقت فلم تنعم به
وسرى الوحي فنساك الشقاء
لقد استخلفت فنا نابغا
دفع الفن إليه باللواء
إن في ملك فؤاد بلبلا
لم يتح أمثاله للخلفاء
10
ناحل كالكرة الصغرى سرى
صوته في كرة الأرض الفضاء
يستحي أن يهتف الفن به
وجمال العبقريات الحياء
عمر المختار1
ركزوا رفاتك في الرمال لواء
يستنهض الوادي صباح مساء
2
يا ويحهم نصبوا منارا من دم
توحي إلى جيل الغد البغضاء
3
ما ضر لو جعلوا العلاقة في غد
بين الشعوب مودة وإخاء
جرح يصيح على المدى وضحية
تتلمس الحرية الحمراء
4
يا أيها السيف المجرد بالفلا
يكسو السيوف على الزمان مضاء
تلك الصحارى غمد كل مهند
أبلى فأحسن في العدو بلاء
وقبور موتى من شباب أمية
وكهولهم لم يبرحوا أحياء
لو لاذ بالجوزاء منهم معقل
دخلوا على أبراجها الجوزاء
5
فتحوا الشمال سهوله وجباله
وتوغلوا فاستعمروا الخضراء
وبنوا حضارتهم فطاول ركنها «دار السلام» و«جلق» الشماء
6
خيرت فاخترت المبيت على الطوى
لم تبن جاها أو تلم ثراء
7
إن البطولة أن تموت من الظما
ليس البطولة أن تعب الماء
أفريقيا مهد الأسود ولحدها
ضجت عليك أراجلا ونساء
والمسلمون على اختلاف ديارهم
لا يملكون مع المصاب عزاء
والجاهلية من وراء قبورهم
يبكون زيد الخيل والفلحاء
8
في ذمة الله الكريم وحفظه
جسد ب «برقة» وسد الصحراء
9
لم تبق منه رحى الوقائع أعظما
تبلى ولم يبق الرماح دماء
كرفات نسر أو بقية ضيغم
باتا وراء السافيات هباء
10
بطل البداوة لم يكن يغزو على «تنك» ولم يك يركب الأجواء
11
لكن أخو خيل حمى صهواتها
وأدار من أعرافها الهيجاء
لبى قضاء الأرض أمس بمهجة
لم تخش إلا للسماء قضاء
وافاه مرفوع الجبين كأنه
سقراط جر إلى القضاة رداء
شيخ تمالك سنه لم ينفجر
كالطفل من خوف العقاب بكاء
وأخو أمور عاش في سرائها
فتغيرت فتوقع الضراء
الأسد تزأر في الحديد ولن ترى
في السجن ضرغاما بكى استخذاء
وأتى الأسير يجر ثقل حديده
أسد يجرر حية رقطاء
عضت بساقيه القيود فلم ينؤ
ومشت بهيكله السنون فناء
تسعون لو ركبت مناكب شاهق
لترجلت هضباته إعياء
12
خفيت عن القاضي وفات نصيبها
من رفق جند قادة نبلاء
والسن تعصف كل قلب مهذب
عرف الجدود وأدرك الآباء
دفعوا إلى الجلاد أغلب ماجدا
يأسو الجراح ويطلق الأسراء
ويشاطر الأقران ذخر سلاحه
ويصف حول خوانه الأعداء
13
وتخيروا الحبل المهين منية
لليث يلفظ حوله الحوباء
14
حرموا الممات على الصوارم والقنا
من كان يعطي الطعنة النجلاء
إني رأيت يد الحضارة أولعت
بالحق هدما تارة وبناء
شرعت حقوق الناس في أوطانهم
إلا أباة الضيم والضعفاء
يا أيها الشعب القريب أسامع
فأصوغ في عمر الشهيد رثاء
أم ألجمت فاك الخطوب وحرمت
أذنيك حين تخاطب الإصغاء
ذهب الزعيم وأنت باق خالد
فانقد رجالك واختر الزعماء
وأرح شيوخك من تكاليف الوغى
واحمل على فتيانك الأعباء
عبد الحليم العلايلي بك1
لقد لبى زعيمكم النداء
عزاء أهل دمياط عزاء
وإن كان المعزي والمعزى
وكل الناس في البلوى سواء
فجعنا كلنا بعلائلي
كركن النجم أو أسنى علاء
أرق شباب دمياط عليها
وأنشطهم لحاجتها قضاء
وخير بيوتها كرما وتقوى
وأصلا في السيادة وانتماء
فتى كالرمح عالية وعودا
وكالصمصام إفرندا وماء
2
وأعطى المال والهمم العوالي
ولم يعط الكرامة والإباء
شباب ضارع الريحان طيبا
ونازعه البشاشة والبهاء
وجندي القضية منذ قامت
تعلم تحت رايتها اللقاء
وروع شيخها العالي بيوم
فكان بمنكبيه له وقاء
3
سعى لضميره ولوجه مصر
ولم يتول ينتظر الجزاء
ونعش كالغمام يرف ظلا
إذا ذهب الزحام به وجاء
ولم تقع العيون عليه إلا
أثار الحزن أو بعث البكاء
عجبنا كيف لم يخضر عودا
وقد حمل المروءة والوفاء
مشت دمياط فالتفت عليه
تنازعه الذخيرة والرجاء
بني دمياط ما شيء بباق
سوى الفرد الذي احتكر البقاء
تعالى الله لا يبقى سواه
إذا وردت بريته الفناء
وأنتم أهل إيمان وتقوى
فهل تلقون بالعتب القضاء
ملأتم من بيوت الله أرضا
ومن داعي البكور لها سماء
ولا تستقبلون الفجر إلا
على قدم الصلاة إذا أضاء
وترتقبون مطلعه صغارا
وتستبقون غرته نساء
وكم من موقف ماض وقفتم
فكنتم فيه للوطن الفداء
دفعتم غارة شعواء عنه
وذدتم عن حواضره البلاء
أخي «عبد الحليم» ولست أدري
أأدعو الصهر أم أدعو الإخاء
وكم صح الوداد فكان صهرا
وكان كأقرب القربى صفاء
عجيب تركك الدنيا سقيما
وكنت النحل تملؤها شفاء
4
وكنا حين يعضل كل داء
نجيء إليك نجعلك الدواء
مضت بك آلة حدباء كانت
على الزمن المطية والوطاء
5
وسارت خلفك الأحزاب صفا
وسرت فكنت في الصف اللواء
تولف بينهم ميتا وتبني
كعهدك في الحياة لهم ولاء
حافظ إبراهيم1
قد كنت أوثر أن تقول رثائي
يا منصف الموتى من الأحياء
لكن سبقت وكل طول سلامة
قدر وكل منية بقضاء
الحق نادى فاستجبت ولم تزل
بالحق تحفل عند كل نداء
وأتيت صحراء الإمام تذوب من
طول الحنين لساكن الصحراء
2
فلقيت في الدار الإمام محمدا
في زمرة الأبرار والحنفاء
3
أثر النعيم على كريم جبينه
ومراشد التفسير والإفتاء
فشكوتما الشوق القديم وذقتما
طيب التداني بعد طول تنائي
إن كانت الأولى منازل فرقة
فالسمحة الأخرى ديار لقاء
4
ووددت لو أني فداك من الردى
والكاذبون المرجفون فدائي
الناطقون عن الضغينة والهوى
الموغرو الموتى على الأحياء
من كل هدام ويبني مجده
بكرائم الأنقاض والأشلاء
ما حطموك وإنما بك حطموا
من ذا يحطم رفرف الجوزاء
5
انظر فأنت كأمس شأنك باذخ
في الشرق واسمك أرفع الأسماء
بالأمس قد حليتني بقصيدة
غراء تحفظ كاليد البيضاء
6
غيظ الحسود لها وقمت بشكرها
وكما علمت مودتي ووفائي
في محفل بشرت آمالي به
لما رفعت إلى السماء لوائي
يا مانح السودان شرخ شبابه
ووليه في السلم والهيجاء
لما نزلت على خمائله ثوى
نبع البيان وراء نبع الماء
قلدته السيف الحسام وزدته
قلما كصدر الصعدة السمراء
7
قلم جرى الحقب الطوال فما جرى
يوما بفاحشة ولا بهجاء
8
يكسو بمدحته الكرام جلالة
ويشيع الموتى بحسن ثناء •••
إسكندرية يا عروس الماء
وخميلة الحكماء والشعراء
9
نشأت بشاطئك الفنون جميلة
وترعرعت بسمائك الزهراء
جاءتك كالطير الكريم غرائبا
فجمعتها كالربوة الغناء
قد جملوك فصرت زنبقة الثرى
للوافدين ودرة الدأماء
غرسوا رباك على خمائل بابل
وبنوا قصورك في سنا الحمراء
10
واستحدثوا طرقا منورة الهدى
كسبيل عيسى في فجاج الماء
11
فخذي كأمس من الثقافة زينة
وتجملي بشبابك النجباء
وتقلدي لغة الكتاب فإنها
حجر البناء وعدة الإنشاء
بنت الحضارة مرتين ومهدت
للملك في بغداد والفيحاء
وسمت بقرطبة ومصر فحلتا
بين الممالك ذروة العلياء
12
ماذا حشدت من الدموع ل «حافظ»
وذخرت من حزن له وبكاء
ووجدت من وقع البلاء بفقده
إن البلاء مصارع العظماء
الله يشهد قد وفيت سخية
بالدمع غير بخيلة الخطباء
وأخذت قسطا من مناحة ماجد
جم المآثر طيب الأنباء
هتف الرواة الحاضرون بشعره
وحدا به البادون في البيداء
13
لبنان يبكيه وتبكي الضاد من
حلب إلى الفيحا إلى صنعاء
عرب الوفاء وفوا بذمة شاعر
باني الصفوف مؤلف الأجزاء
يا حافظ الفصحى وحارس مجدها
وإمام من نجلت من البلغاء
14
ما زلت تهتف بالقديم وفضله
حتى حميت أمانة القدماء
جددت أسلوب «الوليد» ولفظه
وأتيت للدنيا بسحر «الطائي»
15
وجريت في طلب الجديد إلى المدى
حتى اقترنت بصاحب البؤساء
16
ماذا وراء الموت من سلوى ومن
دعة ومن كرم ومن إغضاء
اشرح حقائق ما رأيت ولم تزل
أهلا لشرح حقائق الأشياء
رتب الشجاعة في الرجال جلائل
وأجلهن شجاعة الآراء
كم ضقت ذرعا بالحياة وكيدها
وهتفت بالشكوى من الضراء
فهلم فارق يأس نفسك ساعة
واطلع على الوادي شعاع رجاء
وأشر إلى الدنيا بوجه ضاحك
خلقت أسرته من السراء
يا طالما ملأ الندي بشاشة
وهدى إليك حوائج الفقراء
اليوم هادنت الحوادث فاطرح
عبء السنين وألق عبء الداء
خلفت في الدنيا بيانا خالدا
وتركت أجيالا من الأبناء
وغدا سيذكرك الزمان ولم يزل
للدهر إنصاف وحسن جزاء
محمد تيمور1
ضربوا القباب على اليباب
وثووا إلى يوم الحساب
2
همدوا وكل محرك
يوما سيسكن في التراب
نزلوا على ذئب البلى
فتضيفوا شر الذئاب
وكأنهم صرعى كرى
بالقاع أو صرعى شراب
فإذا صحوا وتنبهوا
فالله أعلم بالمآب •••
من كل منفض الوفو
د هناك مهجور الجناب
موروث كل مضنة
إلا الذخيرة من ثواب
3 •••
يا نائحات محمد
نحتنه غض الإهاب
في مأتم لم تخل في
ه المكرمات من انتحاب
تبكي الكريم على العشي
رة والحبيب إلى الصحاب
حسب الحمام دموعكن
المستهلة من عتاب
4
فارجعن فيه لحكمة
أو جئن فيه إلى احتساب
في العالم الفاني مصي
ر العالمين إلى ذهاب
من سار لم يثن العنا
ن ومن أقام إلى اقتراب •••
يا وارث الحسب الصمي
م وكاسب الأدب اللباب
وابن الذي علم الرجا
ل حياءه من كل عاب
5
وكأنه في كتبه
عثمان في ظل الكتاب
6
ماذا نقمت من الشبا
ب وأنت في نعم الشباب
متحليا هبة النبو
غ مطوق المنح الرغاب
ولم الترحل عن حيا
ة أنت منها في ركاب
لم تعد شاطئها ولم
تبلغ إلى ثبج العباب
7 •••
رفقا على محزونة ال
أبيات موحشة الحجاب
8
فقدتك في العمر الطري
ر وفي زها الدنيا الكعاب
9
تبكي وتندب إلفها
بين الأفانين الرطاب
وانظر أباك وثكله
ورزوحه تحت المصاب
لو كان يملك سر يو
شع رد شمسك من غياب
10 •••
أعلمت غيرك من جلا الت
مثيل في جدد الثياب
وكسا غرائب جده
حللا من الهزل العجاب
متميزا حين التمي
ز ليس من أرب الشباب
أفق العلا كنت الشها
ب عليه لا ذنب الشهاب
يا رب يوم ضاق ذر
عك فيه بالحسد الغضاب
سعهم فأنت جمعتهم
الشهد مائدة الذباب
خذ منهم نقد العفا
ف ودع لهم نقد السباب
دون النبوغ وأوجه
ما لا تعد من الصعاب
فإذا بلغت الأوج كن
ت الشمس تهزأ بالضباب
11 •••
لا تبعدن فهذه
آمال قومك في اقتراب
اشرف بروحك فوقهم
ملكا يرفرف في السحاب
وانظر بعين نزهت
عن زخرف الدنيا الكذاب
تر من لداتك أمة
كست الديار جلال غاب
12
أسد تجول بغير ظف
ر أو تصول بغير ناب
جعلوا الثبات سلاحهم
نعم السلاح مع الصواب
13
أما الأمور فإنها
بلغت إلى فصل الخطاب
فإذا ملكت توجها
لله في قدس الرحاب
سل فاتح الأبواب يف
تح للكنانة خير باب
يعقوب صروف1
سماؤك يا دنيا خداع سراب
وأرضك عمران وشيك خراب
2
وما أنت إلا جيفة طال حولها
قيام ضباع أو قعود ذئاب
وكم ألجأ الجوع الأسود فأقبلت
عليك بظفر لم يعف وناب
قعدت من الأظعان في مقطع السرى
ومروا ركابا في غبار ركاب
وجدت عليهم في الوداع بساخر
من اللحظ عن ميت الأحبة نابي
3
أقاموا فلم يؤنسك حاضر صحبة
ومالوا فلم تستوحشي لغياب
تسوقين للموت البنين كقائد
يرى الجيش خلقا هينا كذباب
رأى الحرب سلطانا له وسلامة
وإن آذنت أجناده بتباب
4
ولولا غرور في لبانك لم يجد
بنوك مذاق الضر شهد رضاب
5
ولا كنت للأعمى مشاهد فتنة
وللمقعد العاني مجال وثاب
6
ولا ضل رأي الناشئ الغر في الصبا
ولا كر بعد الفرصة المتصابي
ولا حسب الحفار للموت بعدما
بنى بيديه القبر ألف حساب
يقولون يرثي كل خل وصاحب
أجل إنما أقضي حقوق صحابي
جزيتهم دمعي فلما جرى المدى
جعلت عيون الشعر حسن ثوابي
كفى بذرا الأعواد منبر واعظ
وبالمستقليها لسان صواب
7
دعوتك يا يعقوب من منزل البلى
ولولا المنايا ما تركت جوابي
أذكرك الدنيا وكيف ولم يزل
لها أثرا شهد بفيك وصاب
8
حملنا إليك الغار بالأمس ناضرا
وسقنا كتاب الحمد تلو كتاب
9
وما انفكت الدنيا وإن قل لبثها
لسان ثواب أو لسان عقاب
ألا في سبيل العلم خمسون حجة
مضت بين تعليم وبين طلاب
قطعت طوالي ليلها ونهارها
بآمال نفس في الكمال رغاب
رأى الله أن تلقى إليك صحيفة
فنزهتها عن هوشة وكذاب
10
ولم تتخذها آلة الحقد والهوى
ولا منتدى لغو وسوق سباب
مشينا بنوري علمها وبيانها
فلم نسر إلا في شعاع شهاب
وعشنا بها جيلين قمت عليهما
معلم نشء أو إمام شباب
رسائل من عفو الكلام كأنها
حواشي عيون في الطروس عذاب
11
هي المحض لا يشقى به ابن تميمة
غذاء ولا يشقى به ابن خضاب
12
سهول من الفصحى وقفت بها الهوى
على ما لديها من ربا وهضاب
وما ضعت بين الشرق والغرب مشية
كما قيل في الأمثال حجل غراب
فلم أر أنقى منك سمعة ناقل
إذا وسم النقل الرجال بعاب
وكم أخذ القول السري معرب
فما رده لاسم ولا لنصاب
وفدت على الفصحى بخيرات غيرها
فوالله ما ضاقت مناكب باب
وقدما دنت «يونان» منها و«فارس»
و«روما» فحلوا في فسيح رحاب
تبتلت للعلم الشريف كأنه
حقيقة توحيد وأنت صحابي
وجشمت ميدان السياسة «فارسا»
وكل جواد في السياسة كابي
13
وكنا و«نمر» في شغاب فلم يزل
بنا الدهر حتى فض كل شغاب
رأى الثورة الكبرى فسل يراعه
لتحطيم أغلال وفك رقاب
14
وما الشرق إلا أسرة أو عشيرة
تلم بنيها عند كل مصاب •••
سلام على شيخ الشيوخ ورحمة
تحدر من أعطاف كل سحاب
ورفاف ريحان يروح ويغتدي
على طيبات في الخلال رطاب
وذكرى وإن لم ننس عهدك ساعة
وشوق وإن لم نفتكر بإياب
وويح السوافي هل عرضن على البلى
جبينك أم سترنه بحجاب
15
وهل صن ماء كان فيه كأنه
حياء بتول في الصلاة كعاب
16
ويا لحياة لم تدع غير سائل
أكانت حياة أم خلية داب
17
وأين يد كانت وكان بنانها
يراعة وشي أو يراعة غاب
ولهفي على الأخلاق في ركن هيكل
ببطن الثرى رث المعالم خابي •••
نعيش ونمضي في عذاب كلذة
من العيش أو في لذة كعذاب
ذهبنا من الأحلام في كل مذهب
فلما انتهينا فسرت بذهاب
وكل أخي عيش وإن طال عيشه
تراب لعمر الموت وابن تراب
حسين شيرين بك1
أرأيت زين العابدين مجهزا
نقلوه نقل الورد من محرابه
2
من دار توءمه وصنو حياته
والأول المألوف من أترابه
3
ساروا به من باطل الدنيا إلى
بحبوحة الحق المبين وغابه
4
ومضوا به لسبيل آدم قبله
ومصاير الأقوام من أعقابه
تحنو السماء على زكي سريره
ويمس جيد الأرض طيب ركابه
وتطيب هام الحاملين وراحهم
من طيب محمله وطيب ثيابه
وكأن مصر بجانبيه ربوة
آذار آذنها بوشك ذهابه
ويكاد من طرب لعادته الندى
ينسل للفقراء من أثوابه
5
الطيب ابن الطيبين وربما
نضح الفتى فأبان عن أحسابه
والمؤمن المعصوم في أخلاقه
من كل شائنة وفي آدابه
أبدا يراه الله في غلس الدجى
في صحن مسجده وحول كتابه
ويرى اليتامى لائذين بظله
ويرى الأرامل يعتصمن ببابه
ويراه قد أدى الحقوق جميعها
لم ينس منها غير حق شبابه
أدى من المعروف حصة أهله
وقضى من الأحساب حق صحابه
6 «مهويش» أين أبوك هل ذهبوا به
لم لم يعد أيان يوم إيابه؟
7
قد وكل الله الكريم وعينه
بك فاحسبيه على كريم رحابه
ودعي البكى يكفيه ما حملته
من دمعك الشاكي ومن تسكابه
ولقد شربت بحادث يا طالما
شربت بنات العالمين بصابه
كل امرئ غاد على عواده
وسؤالهم ما حاله ماذا به؟
والمرء في طلب الحياة طويلة
وخطى المنية من وراء طلابه
في بر «عمك» ما يقوم مكانه
في عطفه وحنانه ودعابه ••• «إسكندرية» كيف صبرك عن فتى
الصبر لم يخلق لمثل مصابه
8
عطلت سماؤك من بريق سحابها
وخبا فضاؤك من شعاع شهابه
زين الشباب قضى ولم تتزودي
منه ولم تتمتعي بقرابه
قد ناب عنك فكان أصدق نائب
والشعب يهوى الصدق في نوابه
أعلمته اتخذ الأمانة مرة
سببا يبلغه إلى آرابه
لو عاش كان مؤملا لمواقف
يرجو لها الوادي كرام شبابه
يجلو على الألباب همة فكره
ويناول الأسماع سحر خطابه
ويفي كديدنه بحق بلاده
ويفي بعهد المسلمين كدابه
9 •••
تقواك «إسماعيل» كل علاقة
سيبتها الدهر العضوض بنابه
10
إن الذي ذقت العشية فقده
بت الليالي موجعا لعذابه
فارقت صنوك مرتين فلاقه
في عالم الذكرى وبين شعابه
11
من عادة الذكرى ترد من النوى
من لا يدين لنا بطي غيابه
حلم كأحلام الكرى وسناته
مستعذب في صدقه وكذابه
اسكب دموعك لا أقول استبقها
فأخو الهوى يبكي على أحبابه
محمد عبد المطلب1
قام من علته الشاكي الوصب
وتلقى راحة الدهر التعب
2
أيها النفس اصبري واسترجعي
هتف الناعي بعبد المطلب
3
نزل الترب على من قبله
كل حي منتهاه في الترب
ذهب اللين في إرشاده
كالأب المشفق والجد الحدب
القريب العتب من معنى الرضا
والقريب الجد من معنى اللعب
والأخ الصادق في الود إذا
ظهر الإخوان بالود الكذب
خاشع في درسه محتشم
فكه في مجلس الصفو طرب
قلد الأوطان نشء صالحا
وشبابا أهل دين وحسب
ربما صالت بهم في غدها
صولة الدولة بالجيش اللجب
4
جعلوا الأقلام أرماحهم
وأقاموها مقامات القضب
لا يميلون إلى البغي بها
كيف يبغي من إلى العلم انتسب
شاعر البدو ومنهم جاءنا
كل معنى رق أو لفظ عذب
قد جرت ألسنهم صافية
جريان الماء في أصل العشب
سلمت من عنت الطبع ومن
كلفة الأقلام أو حشو الكتب
5
قد نزلت اليوم في بادية
عمرت فيها «امرأ القيس» الحقب
6
ومشى «المجنون» فيها ساليا
نفض اللوعة عنه والوصب
7
أعر الناس لسانا ينظموا
لك فيه الشعر أو ينشوا الخطب
قم صف الخلد لنا في ملكه
من جلال الخلق والصنع العجب
وثمار في يواقيت الربا
وسلاف في أباريق الذهب
8
وانثر الشعر على الأبرار في
قدس الساح وعلوي الرحب
واستعر «رضوان» عودي قصب
وترنم بالقوافي في القصب
9
واسق بالمعنى إلهيا كما
تتساقون الرحيق المنسكب
كلما سبحت للعرش به
رفع الرحمن والرسل الحجب
قم تأمل هذه الدار وفى
لك من طلابها الجمع الأرب
10
وفت الدار لباني ركنها
وقضى الحق بنو الدار النجب
11
طلبوا العلم على شيخهم
زمنا ثم إذا الشيخ طلب
غاب عن أعينهم لكنه
ماثل في كل قلب لم يغب
صورة محسنة ما تختفي
ومثال طيب ما يحتجب
رجل الواجب في الدنيا مضى
ينصف الأخرى ويقضي ما وجب
عاش عيش الناس في دنياهم
وكما قد ذهب الناس ذهب
أخذ الدرس الذي لقنه
عجم الناس قديما والعرب
يرثي جدته1
خلقنا للحياة وللممات
ومن هذين كل الحادثات
ومن يولد يعش ويمت كأن لم
يمر خياله بالكائنات
ومهد المرء في أيدي الرواقي
كنعش المرء بين النائحات
2
وما سلم الوليد من اشتكاء
فهل يخلو المعمر من أذاة
3
هي الدنيا قتال نحن فيه
مقاصد للحسام وللقناة
وكل الناس مدفوع إليه
كما دفع الجبان إلى الثبات
نروع ما نروع ثم نرمى
بسهم من يد المقدور آتي
صلاة الله يا «تمزار» تجزي
ثراك عن التلاوة والصلاة
وعن تسعين عاما كنت فيها
مثال المحسنات الفضليات
بررت المؤمنات فقال كل
لعلك أنت أم المؤمنات
وكانت في الفضائل باقيات
وأنت اليوم كل الباقيات
تبناك الملوك وكنت منهم
بمنزلة البنين أو البنات
يظلون المناقب منك شتى
ويئوون التقى والصالحات
وما ملكوك في «سوق» ولكن
لدى ظل القنا والمرهفات
عننت لهم ب «مورة» بنت عشر
وسيف الموت في هام الكماة
4
فكنت لهم وللرحمن صيدا
وواسطة لعقد المسلمات
تبعت محمدا من بعد عيسى
لخيرك في سنيك الأوليات
فكان الوالدان هدى وتقوى
وكان الولد هذي المعجزات
ولو لم تظهري في العرب إلا
بأحمد كنت خير الوالدات
5
تجاوزت الولائد فاخرات
إلى فخر القبائل واللغات
وأحكم من تحكم في يراع
وأبلغ من تبلغ من دواة
وأبرأ من تبرأ من عداء
وأنزه من تنزه من شمات
وأصون صائن لأخيه عرضا
وأحفظ حافظ عهد اللدات
وأقتل قاتل للدهر خبرا
وأصبر صابر للغاشيات
كأني والزمان على قتال
مساجلة بميدان الحياة
6
أخاف إذا تثاقلت الليالي
وأشفق من خفوف النائبات
وليس بنافعي حذري ولكن
إباء أن أراها باغتات
أمأمون من الفلك العوادي
و«برجله» يخط الدائرات
تأمل هل ترى إلا شباكا
من الأيام حولك ملقيات
ولو أن الجهات خلقن سبعا
لكان الموت سابعة الجهات
لعا للنعش لا حبا ولكن
لأجلك يا سماء المكرمات
7
ولا خانته أيدي حامليه
وإن ساروا بصبري والأناة
فلم أر قبله المريخ ملقى
ولم أسمع بدفن النيرات
هناك وقفت أسألك اتئادا
وأمسك بالصفات وبالصفاة
8
وأنظر في ترابك ثم أغضي
كما يغضي الأبي على القذاة
وأذكر من حياتك ما تقضى
فكان من الغداة إلى الغداة
محمد عبده1
مفسر آي الله بالأمس بيننا
قم اليوم فسر للورى آية الموت
رحمت مصير العالمين كما ترى
وكل هناء أو عزاء إلى فوت
هو الدهر ميلاد فشغل فمأتم
فذكر كما أبقى الصدى ذاهب الصوت
2
رياض باشا1
ممات في المواكب أم حياة
ونعش في المناكب أم عظات
ويومك في البرية أم قيام
وموكبك الأدلة والشيات
2
وخطبك يا «رياض» أم الدواهي
على أنواعها والنازلات
يجل الخطب في رجل جليل
وتكبر في الكبير النائبات
وليس الميت تبكيه بلاد
كمن تبكي عليه النائحات
وهل تلقى مناياها الرواسي
فتهوي ثم تضمرها فلاة
3
وتكسر في مراكزها العوالي
وتدفن في التراب المرهفات
4
ويغشى الليث في الغابات ظهرا
وكانت لا تقر بها الحصاة
ويرمي الدهر «نادي عين شمس»
ولا يحمي لواءهم الرماة
5
أجل حملت على النعش المعالي
ووسدت التراب المكرمات
وحملت المدافع ركن سلم
يشيعه الفوارس والمشاة
وحل المجد حفرته وأمسى
يطيف به النوائح والبكاة
هوى عن أوج رفعته «رياض»
وحازته القرون الخاليات
كأن لم يملأ الدنيا فعالا
ولا هتفت بدولته الرواة
نعاه «البرق» مضطربا فماجت
نجوم في السماء محلقات
كأن الشمس قد نعيت عشاء
إليها فهي حسرى كاسفات
صحيفة غابر طويت وولت
على آثار من درجوا وفاتوا
يقول الآخرون إذا تلوها
كذلك فليلدن الأمهات
جزى الله الرضا أبوي «رياض»
هما غرسا وللوطن النبات
بنو الدنيا على سفر عقيم
وأسفار النوابغ مرجعات
أرى الأموات يجمعهم نشور
وكم بعث النوابغ يوم ماتوا
صلاح الأرض أحياء وموتى
وزينتها وأنجمها الهداة
قرائحهم وأيديهم عليها
هدى ويسارة ومحسنات
فلو طلبت لهم دية لقالت
كنوز الأرض نحن هي الديات
أبا الوطن الأسيف بكتك مصر
كما بكت الأب الكهل البنات
قضيت لها الحقوق فتى وكهلا
ويوم كبرت وانحنت القناة
ويوم النهي للأمراء فيها
ويوم الآمرون بها العصاة
6
فكنت على حكومتها سراجا
إذا بسطت دجاها المشكلات
يزيد الشيب نفسك من حياة
إذا نقصت مع الشيب الحياة
وتملؤك السنون قوى وعزما
إذا قيل السنون مثبطات
كسيف الهند أبلى حين فلت
ورقت صفحتاه والظبات
7
رفيع القدر بالأمصار يرني
كما نظرت إلى النجم السراة
8
كأنك في سماء الملك «يحيى»
وآلك في السماء النيرات
9
تسوس الأمر لا يعطي نفاذا
عليك الآمرون ولا النهاة
إذا الوزراء لم يعطوا قيادا
نبذتهم كأنهم النواة
زماع في انقباض في اختيال
كذلك كان «بسمرك» الثبات
10
صفات بلغتك ذرا المعالي
كذلك ترفع الرجل الصفات
وجدت المجد في الدنيا لواء
تلقاه المقاديم الأباة
ويبقى الناس ما داموا رعايا
ويبقى المقدمون هم الرعاة «رياض» طويت قرنا ما طوته
مع «المأمون» «دجلة» و«الفرات»
11
تمنت منه أياما تحلى
بها الدول الخوالي الباذخات
وود «القيصران» لو ان «روما»
عليها من حضارته سمات
12
حباك الله «حاشيتيه » عمرا
وأعمار الكرام مباركات
فقمت عليه تجربة وخبرا
ومدرسة الرجال التجربات
تمر عليك كالآيات تترى
صنائع أهله والمحدثات
فأدركت «البخار» وكان طفلا
فشب فبايعته الصافنات
13
تجاب على جناحيه الفيافي
وتحكم في الرياح المنشآت
ويصعد في السماء على «بروج»
غدا هي في العوالم بارجات
14
وبينا الكهرباء تعد خرقا
إذا هي كل يوم خارقات
ودان البحر حتى خيض عمقا
وقيدت بالعنان السافيات
15
وبلغت الرسائل لا جناح
يجوب بها البحار ولا أداة
كأن القطر حين يجيب قطرا
ضمائر بينها متناجيات
رهين الرمس حدثني مليا
حديث الموت تبد لي العظات
16
هو الخبر اليقين وما سواه
أحاديث المنى والترهات
17
سألتك ما المنية أي كأس
وكيف مذاقها ومن السقاة
وماذا يوجس الإنسان منها
إذا غصت بعلقمها اللهاة
18
وأي المصرعين أشد موت
على علم أم الموت الفوات
19
وهل تقع النفوس على أمان
كما وقعت على «الحرم» القطاة
20
وتخلد أم كزعم القول تبلى
كما تبلى العظام أو الرفات
تعالى الله قابضها إليه
وناعشها كما انتعش النبات
وجازيها النعيم حمى أمينا
وعيشا لا تكدره أذاة
أمثلك ضائق بالحق ذرعا
وفي برديك كان له حماة
21
أليس الحق أن العيش فان
وأن الحي غايته الممات
فنم ما شئت لا توحشك دنيا
ولا يحزنك من عيش فوات
تصرمت الشبيبة والليالي
وغاب الأهل واحتجب اللدات
خلت «حلمية» ممن بناها
فكيف البيت حولك والبنات
22
أفيه من «المحلة» قوت يوم
ومن نعم ملأن «الطود» شاة
23
وهل لك من حريرهما وساد
إذا خشنت لجنبيك الصفاة
24
تولى الكل لم ينفعك منه
سوى ما كان يلتقط العفاة
عباد الله أكرمهم عليه
كرام في بريته أساة
كمائدة المسيح يقوم بؤس
حواليها وتقعد بائسات
أخذتك في الحياة على هنات
وأي الناس ليس له هنات
25
فصفحا في التراب إذا التقينا
ولوشيت العداوة والترات
خلقت كأنني «عيسى» حرام
على قلبي الضغينة والشمات
يساء إلي أحيانا فأمضي
كريما لا أقوت كما أقات
وعندي للرجال وإن تجافوا
منازل في الحفاوة لا تفات
طلعت على «الندي» بعين شمس
فوافتها بشمسين الغداة
على ما كان يندو القوم فيها
توافى الجمع وائتمر السراة
26
تملكهم وقارك في خشوع
كما نظمت مقيميها الصلاة
رأيت وجوه قومك كيف جلت
وكيف ترعرعت مصر الفتاة
أجيل الرأي بين يديك حتى
تبينت الرزانة والحصاة
27
وأنت على أعنتهم قدير
وهم بك في الذي تقضي حفاة
28
إذا أبدى الشباب هوى وزهوا
أشار إليه حلمك والأناة
فهلا قمت في النادي خطيبا
لك الكلم الكبار الخالدات
تفجر حكمة «التسعين» فيه
فآذان الشبيبة صاديات
29
تقول متى أرى «الجيران» عادوا
وضم على الإخاء لهم شتات
30
وأين أولو النهى منا ومنهم
عسى يأسون ما جرح الغلاة
31
مشت بين العشيرة رسل شر
وفرقت الظنون السيئات
إذا الثقة اضمحلت بين قوم
تمزقت الروابط والصلات
فثق فعسى الذين ارتبت فيهم
على الأيام إخوان ثقات
ورب محبب لا صبر عنه
بدت لك في محبته بداة
32
ومكروه على أخذات ظن
تحببه إليك التجربات
بني الأوطان هبوا ثم هبوا
فبعض الموت يجلبه السبات
33
مشى للمجد خطف البرق قوم
ونحن إذا مشينا «السلحفاة»
يعدون القوى برا وبحرا
وعدتنا الأماني الكاذبات
عثمان باشا غالب1
ضجت لمصرع «غالب»
في الأرض «مملكة النبات»
أمست ب «تيجان» علي
ه من الحداد منكسات
2
قامت على «ساق» لغي
بته وأقعدت الجهات
في مأتم تلقى الطبي
عة فيه بين النائحات
وترى «نجوم الأرض» من
جزع موائد كاسفات
والزهر في «أكمامه»
يبكي بدمع الغاديات
وشقائق النعمان آ
بت بالخدود مخمشات
3
أما مصاب الطب في
ه فسل به ملأ الأساة
4
أودى الحمام بشيخهم
ومآبهم في المعضلات
ملقي الدروس المسفرا
ت عن الغروس المثمرات
قد كان حرب الظلم حر
ب الجهل حرب الترهات
والمستضاء بنوره
في الخافيات المظلمات
علم الورى في علمه
في الغرب مغترب الرفات
قد كان فيه محل إج
لال الجهابذة الثقات
وممثل المصري في
حظ الشعوب من الهبات
قل للمريب إليك لا
تأخذ على الحر الهنات
إن النوابغ «أهل بد
ر» ما لهم من سيئات
5
هم في علا الوطن الأدا
ة فلا تحط من الأداة
وهم الألى جمعوا الضما
ئر والعزائم من شتات
لهم التجلة في الحيا
ة وفوق ذلك في الممات «عثمان» قم تر آية
الله أحيا «الموميات»
خرجت بنين من الثرى
وتحركت منه بنات
واسمع بمصر الهاتفي
ن بمجدها والهاتفات
والطالبين لحقها
بين السكينة والثبات
والجاعليها قبلة
عند الترنم والصلاة
6
لاقوا أبوتهم على
غر المناقب والصفات
حتى الشباب تراهم
غلبوا الشيوخ على الأناة
وزنوا الرجال فكان ما
أعطوا على قدر الزنات
7
قل للمغالط في الحقا
ئق حاضر منها وآت
الفكر جاء رسوله
وأتى بإحدى المعجزات
عيسى الشعور إذا مشى
رد الشعوب إلى الحياة
عبد الحي1
طوي البساط وجفت الأقداح
وغدت عواطل بعدك الأفراح
2
وانفض ناد بالشآم وسامر
في مصر أنت هزاره الصداح
3
وتقوضت للفن أطول سرحة
يغدى إلى أفيائها ويراح
4
والله ما أدري وأنت وحيده
أعليه يبكى أم عليك يناح «إسحاق» مات فلا صبوح و«معبد»
أودى فليس مع الغبوق فلاح
5
ملك الغناء أزاله عن تخته
قدر يزيل الراسيات متاح
في الترب فوق «بني سويف» يتيمة
ومن الجواهر زيف وصحاح
6
ما زال تاج الفن تياها بها
حتى استبد بها الردى المجتاح
لو تستطيع كرامة لمكانها
مشت الرياض إليه والأدواح
رحماك «عبد الحي» أمك شيخة
قعدت وهيض لها الغداة جناح
كسرت عصاها اليوم فهي بلا عصا
وقضى فتاها الأجود المسماح
الله يعلم إن يكن في قلبها
جرح ففي أحشاء مصر جراح
والناس مبكي وباك إثره
وبكى الشعوب إذا النوابغ طاحوا
كان الندامى إن شدوت وعاقروا
سيان صوتك بينهم والراح
7
فيما تقول مغنيا ومحدثا
تتنافس الأسماع والأرواح
8
فارقت دنيا أرهقتك خسارة
وغنمت قرب الله وهو رباح
يا مخلفا للوعد وعدك ما له
عندي ولا لك في الضمير براح
عبثت به وبك المنية وانقضى
سبب إليه بأنسنا نرتاح
لما بلغنا بالأحبة والمنى
باب السرور تغيب المفتاح
زعموا نعيك في المجامع مازحا
هيهات في ريب المنون مزاح
الجد غاية كل لاه لاعب
عند المنية يجزع المفراح
9
رمت المنايا إذ رمينك بلبلا
أرداه في شرك الحياة جماح
آهاته حرق الغرام ولفظه
سجع الحمام لو انهن فصاح
وذبحن حنجرة على أوتارها
تؤسى الجراح وتذبح الأتراح
وفللن من ذاك اللسان حديدة
يخشى لئيم بأسها ووقاح
وأبحن راحتك البلى ولطالما
أمسى عليها المال وهو مباح
روح تناهت خفة فتخيرت
نزلا تقاصر دونه الأشباح
قم غن ولدان الجنان وحورها
وابعث صداك فكلنا أرواح
محمد ثابت باشا1
سر أبا صالح إلى الله واترك
مصر في مأتم وحزن شديد
هذه غاية النفوس وهذا
منتهى العيش مره والرغيد
هل ترى الناس في طريقك إلا
نعش كهل تلاه نعش وليد
إن أوهى الخيوط فيما بدا لي
خيط عيش معلق بالوريد
2
مضغة بين خفقة وسكون
ودم بين جرية وجمود
أنزلوا في الثرى الوزير وواروا
فيه تسعين حجة في صعود
كنت فيها على يد من حرير
لليالي فأصبحت من حديد
3
قد بلوناك في الرياسة حينا
فبلونا الوزير عبد الحميد
4
آخذا من لسان فارس قسطا
وافر القسم من لسان لبيد
5
في ظلال الملوك تدني إليهم
كل آو لظلك الممدود
لست من مر بالمعالم مرا
إنما أنت دولة في فقيد
قم فحدث عن السنين الخوالي
وفتوح المملكين الصيد
6
والذي مر بين حال قديم
أنت أدرى به وحال جديد
وصف العز في زمان «علي»
واذكر اليمن في زمان سعيد
7
كيف أسطولهم على كل بحر
وسراياهم على كل بيد
8
قد تولوا وخلفوك وفيا
في زمان على الوفي شديد
فالحق اليوم بالكرام كريما
والقهم بين جنة وخلود
وتقبل وداع باك على فق
دك واف لعهدك المحمود
محمد فريد بك1
كل حي على المنية غادي
تتوالى الركاب والموت حادي
2
ذهب الأولون قرنا فقرنا
لم يدم حاضر ولم يبق بادي
3
هل ترى منهم وتسمع عنهم
غير باقي مآثر وأيادي
4
كرة الأرض كم رمت صولجانا
وطوت من ملاعب وجياد
والغبار الذي على صفحتيها
دوران الرحى على الأجساد
5
كل قبر من جانب القفر يبدو
علم الحق أو منار المعاد
وزمام الركاب من كل فج
ومحط الرحال من كل وادي
تطلع الشمس حيث تطلع نضخا
وتنحى كمنجل الحصاد
6
تلك حمراء في السماء وهذا
أعوج النصل من مراس الجلاد
ليت شعري تعمدا وأصرا
أم أعانا جناية الميلاد
كذب «الأزهران» ما الأمر إلا
قدر رائح بما شاء غادي
7
يا حماما ترنمت مسعدات
وبها فاقة إلى الإسعاد
8
ضاق عن ثكلها البكى فتغنت
رب ثكل سمعته من شادي
9
الأناة الأناة كل أليف
سابق الإلف أو ملاقي انفراد
هل رجعتن في الحياة لفهم
إن فهم الأمور نصف السداد
سقم من سلامة وعزاء
من هناء وفرقة من وداد
يجتنى شهدها على إبر النح
ل ويمشى لوردها في القتاد
10
وعلى نائم وسهران فيها
أجل لا ينام بالمرصاد «لبد» صاده الردى وأظن الن
سر من سهمه على ميعاد
11
ساقة النعش بالرئيس رويدا
موكب الموت موضع الإتئاد
12
كل أعواد منبر وسرير
باطل غير هذه الأعواد
تستريح المطي يوما وهذي
تنقل العالمين من عهد عاد
لا وراء الجياد زيدت جلالا
منذ كانت ولا على الأجياد
أسألتم حقيبة الموت ماذا
تحتها من ذخيرة وعتاد
إن في طيها إمام صفوف
وحواري نية واعتقاد
13
لو تركتم لها الزمام لجاءت
وحدها بالشهيد دار الرشاد
انظروا هل ترون في الجمع مصرا
حاسرا قد تجللت بسواد
تاج أحرارها غلاما وكهلا
راعها أن تراه في الأصفاد
وسدوه التراب نضو سفار
في سبيل الحقوق نضو سهاد
14
واركزوه إلى القيامة رمحا
كان للحشد والندى والطراد
وأقروه في الصفائح عضبا
لم يدن بالقرار في الأغماد
نازح الدار أقصر اليوم بين
وانتهت محنة وكفت عوادي
15
وكفى الموت ما تخاف وترجو
وشفى من أصادق وأعادي
من دنا أو نأى فإن المنايا
غاية القرب أو قصارى البعاد
سر مع العمر حيث شئت تئوبا
وافقد العمر لا تؤب من رقاد
ذلك الحق لا الذي زعموه
في قديم من الحديث معاد
وجرى لفظه على ألسن النا
س ومعناه في صدور الصعاد
16
يتحلى به القوي ولكن
كتحلي القتال باسم الجهاد
هل ترى كالتراب أحسن عدلا
وقياما على حقوق العباد
17
نزل الأقوياء فيه على الضع
فى وحل الملوك بالزهاد
صفحات نقية كقلوب الر
سل مغسولة من الأحقاد
قم إن اسطعت من سريرك وانظر
سر ذاك اللواء في الأجناد
هل تراهم وأنت موف عليهم
غير بنيان ألفة واتحاد
18
أمة هيئت وقوم لخير الد
هر أو شره على استعداد
مصر تبكي عليك في كل خدر
وتصوغ الرثاء في كل نادي
لو تأملتها لراعك منها
غرة البر في سواد الحداد
منتهى ما به البلاد تعزى
رجل مات في سبيل البلاد
أمهات لا تحمل الثكل إلا
للنجيب الجريء في الأولاد
ك «فريد» وأين ثاني فريد
أي ثان لواحد الآحاد
الرئيس الجواد فيما علمنا
وبلونا وابن الرئيس الجواد
أكلت ماله الحقوق وأبلى
جسمه عائد من الهم عادي
لك في ذلك الضنى رقة الرو
ح وخفق الفؤاد في العواد
علة لم تصل فراشك حتى
وطئت في القلوب والأكباد
صادفت قرحة يلائمها الصب
ر وتأبى عليه غير الفساد
وعد الدهر أن يكون ضمادا
لك فيها فكان شر ضماد
وإذا الروح لم تنفس عن الجس
م ف «بقراط» نافخ في رماد
19
البنون والحياة الدنيا1
الضلوع تتقد
والدموع تطرد
أيها الشجي أفق
من عناء ما تجد
قد جرت لغايتها
عبرة لها أمد
كل مسرف جزعا
أو بكى سيقتصد
والزمان سنته
في السلو يجتهد
قل لثاكلين مشى
في قواهما الكمد
لم يعاف قبلكما
والد ولا ولد
الذين ميل بهم
في سفارهم بعدوا
ما علمتما أشقوا
بالرحيل أم سعدوا
إن منزلا نزلوا
لا يرد من يرد
كلنا إليه غدا
ليس بالبعيد غد
البنون هم دمنا
والحياة والورد
2
لا تلذ مثلهم
مهجة ولا كبد
يستوون واحدهم
في الحنان والعدد
زينة ومصلحة
واستراحة ودد
3
فتنة إذا صلحوا
محنة إذا فسدوا
شاغل إذا مرضوا
فاجع إذا فقدوا
جرحهم إذا انتزعوا
لا تلمه الضمد
العزاء ليس له
آسيا ولا الجلد
قل ل «هيكل» كلما
من ورائها رشد
لم يشب مهذبها
باطل ولا فند
4
قد عجبت من قلم
ثاكل وينجرد
أنت ليث معركة
وهو صارم فرد
والسيوف نخوتها
في الوطيس تتقد
5
أنت ناقد أرب
والأريب ينتقد
ما تقول في قدر
بعض سنه الأبد
وهو في الحياة على
كل خطوة رصد
يعثر الأنام به
إن سعوا وإن قعدوا
ينزل الرجال على
حكمه وإن جحدوا
القضاء معضلة
لم يحلها أحد
كلما نقضت لها
عقدة بدت عقد
أتعبت معالجها
واستراح معتقد
عالم مدبره
بالبقاء منفرد
من بلى كوائنه
كائناته الجدد
لا تقل به إدد
إن حسنه الإدد
6
تلتقي نقائضه
غاية وتتحد
الفناء فيه يد
للبقاء أو عضد
ائتلافه رشد
واختلافه سدد
جد في عمارته
منصف ومضطهد
والغنى لخدمته
كالفقير محتشد
وهو في أعنته
ممعن ومطرد
والحياة حنظلة
في حروفها شهد
هيكل الشقاء له
من مدامع عمد
قامت النعوش على
جانبيه والوسد
عرسه ومأتمه
غايتاهما نفد
ثروت باشا1
يموت في الغاب أو في غيره الأسد
كل البلاد وساد حين تتسد
2
قد غيب الغرب شمسا لا سقام بها
كانت على جنبات الشرق تتقد
حدا بها الأجل المحتوم فاغتربت
إن النفوس إلى آجالها تفد
كل اغتراب متاع في الحياة سوى
يوم يفارق فيه المهجة الجسد
نعى الغمام إلى الوادي وساكنه
برق تمايل منه السهل والجلد
برق الفجيعة لما ثار ثائره
كادت كأمس له الأحزاب تتحد
قام الرجال حيارى منصتين له
حتى إذا هد من آمالهم قعدوا
علا الصعيد نهار كله شجن
وجلل الريف ليل كله سهد
لم يبق للضاحكين الموت ما وجدوا
ولم يرد على الباكين ما فقدوا
وراء ريب الليالي أو فجاءتها
دم لكل شمات ضاحك رصد
3
باتت على الفلك في التابوت جوهرة
تكاد بالليل في ظل البلى تقد
4
يفاخر النيل أصداف الخليج بها
وما يدب إلى البحرين أو يرد
5
إن الجواهر أسناها وأكرمها
ما يقذف المهد لا ما يقذف الزبد
حتى إذا بلغ الفلك المدى انحدرت
كأنها في الأكف الصارم الفرد
تلك البقية من سيف الحمى كسر
على السرير ومن رمح الحمى قصد
6
قد ضمها فزكا نعش يطاف به
مقدم كلواء الحق منفرد
مشت على جانبيه مصر تنشده
كما تدلهت الثكلى وتفتقد
7
وقد يموت كثير لا تحسهم
كأنهم من هوان الخطب ما وجدوا
ثكل البلاد له عقل ونكبتها
هي النجابة في الأولاد لا العدد
مكلل الهام بالتصريح ليس له
عود من الهام يحويه ولا نضد
8
وصاحب الفضل في الأعناق ليس له
من الصنائع أو أعناقهم سند
خلا من المدفع الجبار مركبه
وحل فيه الهدى والرفق والرشد
إن المدافع لم يخلق لصحبتها
جند السلام ولا قواده المجد
يا باني الصرح لم يشغله ممتدح
عن البناء ولم يصرفه منتقد
أصم عن غضب من حوله ورضا
في ثورة تلد الأبطال أو تئد
9
تصريحك الخطوة الكبرى ومرحلة
يدنو على مثلها أو يبعد الأمد
الحق والقوة ارتدا إلى حكم
من الفياصل ما في دينه أود
لولا سفارتك المهدية اختصما
ومل طول النضال الذئب والنقد
10
ما زلت تطرق باب الصلح بينهما
حتى تفتحت الأبواب والسدد
وجدتها فرصة تلقي الحبال لها
إن السياسة فيها الصيد والطرد
11
طلبتها عند هوج الحادثات كما
يمشي إلى الصيد تحت العاصف الأسد
لما وجدت معدات البناء بنت
يداك للقوم ما ذموا وما حمدوا
بنيت صرحك من جهد البلاد كما
تبنى من الصخر الآساس والعمد
فيه ضحايا من الأبناء قيمة
وفيه سعي من الآباء مطرد
وفي أواسيه أقلام مجاهدة
على أسنتها الإحسان والسدد
12
وفيه ألوية عز الجهاد بهم
لولا المنية ما مالوا ولا رقدوا
رميت في وتد الذل القديم به
حتى تزعزع من أسبابه الوتد
طوى حمايته المحتل وانبسطت
حماية الله فاستذرى بها البلد
نم غير باك على ما شدت من كرم
ما شيد للحق فهو السرمد الأبد
يا «ثروة» الوطن الغالي كفى عظة
للناس أنك كنز في الثرى بدد
13
لم يطغك الحكم في شتى مظاهره
ولا استخفك لين العيش والرغد
تغدو على الله والتاريخ في ثقة
ترجو فتقدم أو تخشى فتتئد
نشأت في جبهة الدنيا وفي فمها
يدور حيث تدور المجد والحسد
لكل يوم غد يمضي بروعته
وما ليومك يا خير اللدات غد
رمتك في قنوات القلب فانصدعت
منية ما لها قلب ولا كبد
لما أناخت على تامورك انفجرت
أزكى من الورد أو من مائه الورد
14
ما كل قلب غدا أو راح في دمه
فيه الصديق وفيه الأهل والولد
ولم تطاولك خوفا أن يناضلها
منك الدهاء ورأي منقذ نجد
فهل رثى الموت للبر الذبيح وهل
شجاه ذاك الحنان الساكن الهمد
هيهات لو وجدت للموت عاطفة
لم يبك من آدم أحبابه أحد
مشت تذود المنايا عن وديعتها
مدينة النور فارتدت بها رمد
15
لو يدفع الموت ردت عنك عاديه
للعلم حولك عين لم تنم ويد «أبا عزيز» سلام الله لا رسل
إليك تحمل تسليمي ولا برد
16
ونفحة من قوافي الشعر كنت لها
في مجلس الراح والريحان تحتشد
أرسلتها وبعثت الدمع يكنفها
كما تحدر حول السوسن البرد
17
عطفت فيك إلى الماضي وراجعني
ود من الصغر المعسول منعقد
صاف على الدهر لم تقفر خليته
ولا تغير في أبياتها الشهد
حتى لمحتك مرموق الهلال على
حداثة تعد الأوطان ما تعد
والشعر دمع ووجدان وعاطفة
يا ليت شعري هل قلت الذي أجد
18
عبد العزيز جاويش1
أصاب المجاهد عقبى الشهيد
وألقى عصاه المضاف الشريد
وأمسى جمادا عدو الجمود
وبات على القيد خصم القيود
حداه السفار إلى منزل
يلاقي الخفيف عليه الوئيد
فقر إلى موعد صادق
معز اليقين مذل الجحود
وبات الحواري من صاحبيه
شهيدين أسرى إليهم شهيد
تسرب في منكبي «مصطفى»
كأمس وبين ذراعي «فريد»
2
فيالك قبرا أكن الكنوز
وساج الحقوق وحاط العهود
لقد غيبوا فيك أمضى السيوف
فهل أنت يا قبر أوفى الغمود
ثلاث عقائد في حفرة
تدك الجبال وتوهي الحديد
قعدن فكن الأساس المتين
وقام عليها البناء المشيد
فلا تنس أمس وآلاءه
ألا إن أمس أساس الوجود
3
ولولا البلى في زوايا القبور
لما ظهرت جدة للمهود
ومن طلب الخلق من كنزه
فإن العقيدة كنز عتيد
تعلم بالصبر أو بالثبات
جليد الرجال وغير الجليد
طريد السياسة منذ الشباب
لقد آن أن يستريح الطريد
لقيت الدواهي من كيدها
وما كالسياسة داه يكيد
4
حملت على النفس ما لا يطاق
وجاوزت المستطاع الجهود
وقلبت في النار مثل النضار
وغربت مثل الجمان الفريد
أتذكر إذ أنت تحت «اللواء»
نبيه المكانة جم العديد
5
إذا ما تطلعت في الشاطئين
رنا الريف وافتن فيك الصعيد
وهز الندي لك المنكبين
وراح الثرى من زحام يميد
رسائل تذري بسجع البديع
وتنسي رسائل عبد الحميد
يعيها شيوخ الحمى كالحديث
ويحفظها النشء حفظ النشيد
فما بالها نكرتها الأمور
وطول المدى وانتقال الجدود
6
لقد نسي القوم أمس القريب
فهل لأحاديثه من معيد
يقولون ما ل «أبي ناصر»
وللترك ما شأنه والهنود
وفيم تحمل هم القريب
من المسلمين وهم البعيد
فقلت وما ضركم أن يقوم
من المسلمين إمام رشيد
أتستكثرون لهم واحدا
ولي القديم نصير الجديد
سعى ليؤلف بين القلوب
فلم يعد هدي الكتاب المجيد
يشد عرا الدين في داره
ويدعو إلى الله أهل الجحود
وللقوم حتى وراء القفار
دعاة تغني ورسل تشيد
جزى الله ملكا من المحسنين
رءوف الفؤاد رحيم الوريد
7
كأن البيان بأيامه
أو العلم تحت ظلال «الرشيد»
8
يداوي نداه جراح الكرام
ويدركهم في زوايا اللحود
أجار عيالك من دهرهم
وجاملهم في البلاء الشديد
تولى الوليدة في يتمها
وكفكف بالعطف دمع الوليد
سلام «أبا ناصر» في التراب
يعير التراب رفيف الورود
بعدت وعز إليك البريد
وهل بين حي وميت بريد
أجل بيننا رسل الذكريات
وماض يطيف ودمع يجود
وفكر وإن عقلته الحياة
يظل بوادي المنايا يرود
9
أجل بيننا الخشب الدائبات
وإن كان راكبها لا يعود
مضى الدهر وهي وراء الدموع
قيام بملك الصحارى قعود
وكم حملت من صديد يسيل
وكم وضعت من حناش ودود
نشدتك بالموت إلا أبنت
أأنت شقي به أم سعيد
وكيف يسمى الغريب امرو
نزيل الأبوة ضيف الجدود
10
وكيف يقال لجار الأوائ
ل جار الأواخر ناء وحيد
تعزية ورثاء1
كأس من الدنيا تدار
من ذاقها خلع العذار
2
الليل قوام بها
فإذا ونى قام النهار
وحبا بها الأعمار لم
تدم الطوال ولا القصار
شرب الصبي بها ولم
يخل المعمر من خمار
وحسا الكرام سلافها
وتناول الهمل العقار
3
وأصاب منها ذو الهوى
ما قد أصاب أخو الوقار
ولقد تميل على الجما
د وتصرع الفلك المدار
كأس المنية في يد
عسراء ما منها فرار
4
تجري اليمين فمن تول
ى يسرة جرت اليسار
أودى الجريء إذا جرى
والمستميت إذا أغار
ليث المعامع والوقا
ئع والمواقع والحصار
وبقية الزمر التي
كانت تذود عن الذمار
جند الخلافة عسكر الس
لطان حامية الديار
ضاقت «كريد» جبالها
بك يا «خلوصي» والقفار
أيامكم فيها وإن
طال المدى ذات اشتهار
علم العدو بأنكم
أنتم لمعصمها سوار
أحدقتم بمقره
فتركتموه بلا قرار
حتى اهتدى من كان ضل
وثاب من قد كان ثار
واعتز ركن للولا
ية كان منقض الجدار
عش للعلا والمجد يا
خير البنين وللفخار
أبكي لدمعك جاريا
ولدمع إخوتك الصغار
وأود أنكم رجا
ل مثل والدكم كبار
وأريد بيتكم عما
را لا يحاكيه عمار
لا تخرج النعماء من
ه ولا يزايله اليسار
ذكرى هيجو1
ما جل فيهم عيدك المأثور
إلا وأنت أجل يا فكتور
ذكروك بالمائة السنين وإنها
عمر لمثلك في النجوم قصير
ستدوم ما دام البيان وما ارتقت
للعالمين مدارك وشعور
ولئن حجبت فأنت في نظر الورى
كالنجم لم ير منه إلا النور
لولا التقى لفتحت قبرك للملا
وسألت أين السيد المقبور
2
ولقلت يا قوم انظروا إنجيلكم
هل فيه من قلم الفقيد سطور
من بعده ملك البيان فعندكم
تاج فقدتم ربه وسرير
مات القريض بموت «هيجو» وانقضى
ملك البيان فأنتم جمهور
ماذا يزيد العيد في إجلاله
وجلاله بيراعه مسطور
فقدت وجوه الكائنات مصورا
نزل الكلام عليه والتصوير
كشف الغطاء له فكل عبارة
في طيها للقارئين ضمير
لم يعيه لفظ ولا معنى ولا
غرض ولا نظم ولا منثور
مسلي الحزين يفكه من حزنه
ويرده لله وهو قرير
ثأر الملوك وظل عند إبائه
يرجو ويأمل عفوه المثئور
وأعار «واترلو» جلال يراعه
فجلال ذاك السيف عنه قصير
3
يا أيها البحر الذي غمر الثرى
ومن الثرى حفر له وقبور
أنت الحقيقة إن تحجب شخصها
فلها على مر الزمان ظهور
ارفع حداد العالمين وعد لهم
كيما يعيد بائس وفقير
وانظر إلى البؤساء نظرة راحم
قد كان يسعد جمعهم ويجير
4
الحال باقية كما صورتها
من عهد آدم ما بها تغيير
البؤس والنعمى على حاليهما
والحظ يعدل تارة ويجور
ومن القوي على الضعيف مسيطر
ومن الغني على الفقير أمير
والنفس عاكفة على شهواتها
تأوي إلى أحقادها وتثور
والعيش آمال تجد وتنقضي
والموت أصدق والحياة غرور
5
عبده الحامولي1
ساجع الشرق طار عن أوكاره
وتولى فن على آثاره
2
غاله نافذ الجناحين ماض
لا تفر النسور من أظفاره
يطرق الفرخ في الغصون ويغشى «لبدا» في الطويل من أعماره
3
كان مزماره فأصبح داو
د كئيبا يبكي على مزماره
4 «عبده» بيد أن كل مغن
عبده في افتنانه وابتكاره
معبد الدولتين في مصر وإسحا
ق «السميين» رب مصر وجاره
5
في بساط الرشيد يوما ويوما
في حمى جعفر وضافي ستاره
6
صفو ملكيهما به في ازدياد
ومن الصفو أن يلوذ بداره
يخرج المالكين من حشمة المل
ك وينسي الوقور ذكر وقاره
رب ليل أغار فيه القماري
وأثار الحسان من أقماره
7
بصبا يذكر الرياض صباه
وحجاز أرق من أسحاره
8
وغناء يدار لحنا فلحنا
كحديث النديم أو كعقاره
وأنين لو أنه من مشوق
عرف السامعون موضع ناره
يتمنى أخو الهوى منه آها
حين يلحى تكون من أعذاره
زفرات كأنها بث «قيس»
في معاني الهوى وفي أخباره
9
لا يجاريه في تفننه العو
د ولا يشتكي إذا لم يجاره
يسمع الليل منه في الفجر يا لي
ل فيصغي مستمهلا في فراره
فجع الناس يوم مات «الحمولي»
بدواء الهموم في عطاره
بأبي الفن وابنه وأخيه
القوي المكين في أسراره
والأبي العفيف في حالتيه
والجواد الكريم في إيثاره
يحبس اللحن عن غني مدل
ويذيق الفقير من مختاره
10
يا مغيثا بصوته في الرزايا
ومعينا بماله في المكاره
ومحل الفقير بين ذويه
ومعز اليتيم بين صغاره
وعماد الصديق إن مال دهر
وشفاء المحزون من أكداره
لست بالراحل القليل فتنسى
واحد الفن أمة في دياره
غاية الدهر إن أتى أو تولى
ما لقيت الغداة من إدباره
نزل الجد في الثرى وتساوى
ما مضى من قيامه وعثاره
وانقضى الداء باليقين من الحا
لين فالموت منتهى إقصاره
لهف قومي على مخايل عز
زال عنا بروضه وهزاره
11
وعلى ذاهب من العيش ولي
ت فولى الأخير من أوطاره
وزمان أنت الرضا من بقايا
ه وأنت العزاء من آثاره
كان للناس ليله حين تشدو
لحق اليوم ليله بنهاره
قاسم بك أمين1
يا أيها الدمع الوفي بدار
نقضي حقوق الرفقة الأخيار
2
أنا إن أهنتك في ثراهم فالهوى
والعهد أن يبكوا بدمع جاري
3
هانوا وكانوا الأكرمين وغودروا
بالقفر بعد منازل وديار
لهفي عليهم أسكنوا دور الثرى
من بعد سكنى السمع والأبصار
أين البشاشة في وسيم وجوههم
والبشر للندماء والسمار
4
كنا من الدنيا بهم في روضة
مروا بها كنسائم الأسحار
عطفا عليهم بالبكاء وبالأسى
فتعهد الموتى من الإيثار
5
يا غائبين وفي الجوانح طيفهم
أبكيكم من غيب حضار
بيني وبينكم وإن طال المدى
سفر سأزمعه من الأسفار
إني أكاد أرى محلي بينكم
هذا قراركم وذاك قراري
أوكلما سمح الزمان وبشرت
مصر بفرد في الرجال منار
6
فجعت به فكأنه وكأنها
نجم الهداية لم يدم للساري
إن المصيبة في «الأمين» عظيمة
محمولة لمشيئة الأقدار
في أريحي ماجد مستعظم
رزء الممالك فيه والأمصار
أوفى الرجال لعهده ولرأيه
وأبرهم بصديقه والجار
وأشدهم صبرا لمعتقداته
وتأدبا لمجادل ومماري
يسقي القرائح هادئا متواضعا
كالجدول المترقرق المتواري
قل للسماء تغض من أقمارها
تحت التراب أحاسن الأقمار
من كل وضاء المآثر فائت
زهر النجوم بزهره السيار
تمضي الليالي لا تنال كماله
بمعيب نقص أو مشين سرار
7
آثاره بعد الموات حياته
إن الخلود الحق بالآثار
يا من تفرد بالقضاء وعلمه
إلا قضاء الواحد القهار
ما زلت ترجوه وتخشى سهمه
حتى رمى فأحطت بالأسرار
هلا بعثت فكنت أفصح مخبرا
عما وراء الموت من «لازار»
8
انفض غبار الموت عنك وناجني
فعساي أعلم ما يكون غباري
هذا القضاء الجد فارو وهات عن
حكم المنية أصدق الأخبار
كل وإن شغفته دنياه هوى
يوما مطلقها طلاق «نوار»
9
لله «جامعة» نهضت بأمرها
هي في المشارق مصدر الأنوار
10
أمنية العقلاء قد ظفروا بها
بعد اختلاف حوادث وطواري
والعقل غاية جريه لأعنة
والجهل غاية جريه لعثار
لو يعلمون عظيم ما ترجى له
خرج الشحيح لها من الدينار
تشري الممالك بالدم استقلالها
قوموا اشتروه بفضة ونضار
بالعلم يبنى الملك حق بنائه
وبه تنال جلائل الأخطار
ولقد يشاد عليه من شم العلا
ما لا يشاد على القنا الخطار
11
إن كان سرك أن أقمت جدارها
قد ساءها أن مال خير جدار
أضحت من الله الكريم بذمة
مرموقة الأعوان والأنصار
كلئت بأنظار «العزيز» وحصنت
ب «فؤاد» فهي منيعة الأسوار
12
وإذا العزيز أعار أمرا نظرة
فاليمن أعجل والسعود جواري
ماذا رأيت من الحجاب وعسره
فدعوتنا لترفق ويسار
رأي بدا لك لم تجده مخالفا
ما في الكتاب وسنة المختار
والباسلان شجاع قلب في الوغى
وشجاع رأي في وغى الأفكار
أوددت لو صارت نساء النيل ما
كانت نساء «قضاعة» و«نزار»
13
يجمعن في سلم الحياة وحربها
بأس الرجال وخشية الأبكار
إن الحجاب سماحة ويسارة
لولا وحوش في الرجال ضواري
جهلوا حقيقته وحكمة حكمه
فتجاوزوه إلى أذى وضرار
يا قبة «الغوري» تحتك مأتم
تبقى شعائره على الأدهار
يحييه قوم في القلوب على المدى
إن فاتهم إحياؤه في دار
هيهات تنسى أمة مدفونة
في أربعين من الزمان قصار
إن شئت يوما أو أردت فحقبة
كل يمر كليلة ونهار
هاتوا ابن «ساعدة» يؤبن قاسما
وخذوا المراثي فيه من «بشار»
14
من كل لائقة لباذخ قدره
عصماء بين قلائد الأشعار
تولستوي1
«تولستوي» تجري آية العلم دمعها
عليك ويبكي بائس وفقير
وشعب ضعيف الركن زال نصيره
وما كل يوم للضعيف نصير
ويندب فلاحون أنت منارهم
وأنت سراج غيبوه منير
يعانون في الأكواخ ظلما وظلمة
ولا يملكون البث وهو يسير
تطوف كعيسى بالحنان وبالرضا
عليهم وتغشى دورهم وتزور
ويأسى عليك الدين إذ لك لبه
وللخادمين الناقمين قشور
أيكفر بالإنجيل من تلك كتبه
أناجيل منها منذر وبشير
ويبكيك إلف فوق «ليلى» ندامة
غداة مشى ب «العامري» سرير
تناول ناعيك البلاد كأنه
يراع له في راحتيك صرير
2
وقيل تولى الشيخ في الأرض هائما
وقيل ب «دير» الراهبات أسير
وقيل قضى لم يغن عنه طبيبه
وللطب من بطش القضاء عذير
إذا أنت جاورت «المعري» في الثرى
وجاور «رضوى» في التراب «ثبير»
3
وأقبل جمع الخالدين عليكما
وغالى بمقدار النظير نظير
جماجم تحت الأرض عطرها شذى
جناهن مسك فوقها وعبير
بهن يباهي بطن «حواء» واحتوى
عليهن بطن الأرض وهو فخور
فقل يا حكيم الدهر حدث عن البلى
فأنت عليم بالأمور خبير
أحطت من الموتى قديما وحادثا
بما لم يحصل منكر ونكير
4
طوانا الذي يطوي السموات في غد
وينشر بعد الطي وهو قدير
5
تقادم عهدانا على الموت واستوى
طويل زمان في البلى وقصير
كأن لم تضق بالأمس عني كنيسة
ولم يئوني دير هناك طهور
أرى راحة بين الجنادل والحصى
وكل فراش قد أراح وثير
6
نظرنا بنور الموت كل حقيقة
وكنا كلانا في الحياة ضرير
إليك اعترافي لا لقس وكاهن
ونجواي بعد الله وهو غفور
فزهدك لم ينكره في الأرض عارف
ولا متعال في السماء كبير
بيان يشم الوحي من نفحاته
وعلم كعلم الأنبياء غزير
سلكت سبيل المترفين ولذ لي
بنون ومال والحياة غرور
أداة شتائي الدفء في ظل شاهق
وعدة صيفي جنة وغدير
ومتعت بالدنيا ثمانين حجة
ونضر أيامي غنى وحبور
وذكر كضوء الشمس في كل بلدة
ولا حظ مثل الشمس حين تسير
فما راعني إلا عذارى أجرنني
ورب ضعيف تحتمي فيجير
أردت جوار الله والعمر منقض
وجاورته في العمر وهو نضير
صبا ونعيم بين أهل وموطن
ولذات دنيا كل ذاك نزور
7
بهن وما يدرين ما الذنب خشية
ومن عجب تخشى الخطيئة حور
8
أوانس في داج من الليل موحش
ولله أنس في القلوب ونور
وأشبه طهر في النساء بمريم
فتاة على نهج المسيح تسير
تسائلني هل غير الناس ما بهم
وهل حدثت غير الأمور أمور
وهل آثر الإحسان والرفق عالم
دواعي الأذى والشر فيه كثير
وهل سلكوا سبل المحبة بينهم
كما يتصافى أسرة وعشير
وهل آن من أهل الكتاب تسامح
خليق بآداب الكتاب جدير
وهل عالج الأحياء بؤسا وشقوة
وقل فساد بينهم وشرور
قم انظر وأنت المالئ الأرض حكمة
أأجدى نظيم أم أفاد نثير
أناس كما تدري ودنيا بحالها
ودهر رخي تارة وعسير
وأحوال خلق غابر متجدد
تشابه فيها أول وأخير
تمر تباعا في الحياة كأنها
ملاعب لا ترخى لهن ستور
وحرص على الدنيا وميل مع الهوى
وغش وإفك في الحياة وزور
وقام مقام الفرد في كل أمة
على الحكم جم يستبد غفير
وحور قول الناس مولى وعبده
إلى قولهم مستأجر وأجير
وأضحى نفوذ المال لا أمر في الورى
ولا نهي إلا ما يرى ويشير
تساس حكومات به وممالك
ويذعن أقيال له وصدور
9
وعصر بنوه في السلاح وحرصه
على السلم يجري ذكره ويدير
ومن عجب في ظلها وهو وارف
يصادف شعبا آمنا فيغير
ويأخذ من قوت الفقير وكسبه
ويئوي جيوشا كالحصى ويمير
ولما استقل البر والبحر مذهبا
تعلق أسباب السماء يطير
عمر بك لطفي1
قفوا بالقبور نسائل عمر
متى كانت الأرض مثوى القمر
سلوا الأرض هل زينت للعليم
وهل أرجت كالجنان الحفر
وهل قام «رضوان» من خلفها
يلاقي الرضي النقي الأبر
فلو علم الجمع ممن مضى
تنحى له الجمع حتى عبر
إلى جنة خلقت للكريم
ومن عرف الله أو من قدر
برغم القلوب وحباتها
ورغم السماع ورغم البصر
نزولك في الترب زين الشباب
سناء «الندي» سنا «المؤتمر»
2
مقيل الصديق إذا ما هفا
مقيل الكريم إذا ما عثر
حييت فكنت فخار الحياة
ومت فكنت فخار السير
عجيب رداك وأعجب منه
حياتك في طولها والقصر
فما قبلها سمع العالمون
ولا علموا مصحفا يختصر
وقد يقتل المرء هم الحياة
وشغل الفؤاد وكد الفكر
دفنا التجارب في حفرة
إليها انتهى بك طول السفر
فكم لك كالنجم من رحلة
رأى البدو آثارها والحضر «نقاباتك» الغر تبكي عليك
ويبكي عليك «الندي» الأغر
ويبكي فريق تخيرته
شريف المرام شريف الوطر
ويبكي الألى أنت علمتهم
وأنت غرست فكانوا الثمر
حياتك كانت عظات لهم
وموتك بالأمس إحدى العبر
سهرنا قبيل الردى ليلة
وما دار ذكر الردى في السمر
3
فقمت إلى حفرة هيئت
وقمت إلى مثلها تحتفر
مددت إليك يدا للوداع
ومد يدا للقاء القدر
ولو أن لي علم ما في غد
خبأتك في مقلتي من حذر
وقالوا شكوت فما راعني
وما أول النار إلا شرر
رثيتك لا مالكا خاطري
من الحزن إلا يسيرا خطر
4
ففيك عرفت ارتجال الدموع
ومنك علمت ارتجال الدرر
ومثلك يرثى بآي الكتاب
ومثلك يفدى بنصف البشر
فيا قبر كن روضة من رضا
عليه وكن باقة من زهر
سقتك الدموع فإن لم يدمن
كعادتهن سقاك المطر
عمر بك لطفي1
اليوم أصعد دون قبرك منبرا
وأقلد الدنيا رثاءك جوهرا
وأقص من شعري كتاب محاسن
تتقدم العلماء فيه مسطرا
ذكرا لفضلك عند مصر وأهلها
والفضل من حرماته أن يذكرا
العلم لا يعلي المراتب وحده
كم قدم العمل الرجال وأخرا
والعلم أشبه بالسماء رجاله
خلطت جهاما في السحاب وممطرا
طفنا بقبرك واستلمنا جندلا
كالركن أزكى والحطيم مطهرا
2
بين التشرف والخشوع كأنما
نستقبل الحرم الشريف منورا
لو أنصفوك جنادلا وصفائحا
جعلوك بالذكر الحكيم مسورا
يا من أراني الدهر صحة وده
والود في الدنيا حديث مفترى
وسمعت بالخلق العظيم رواية
فأراني الخلق العظيم مصورا
ماذا لقيت من الرقاد وطوله
أنا فيك ألقى لوعة وتحسرا
نم ما بدا لك آمنا في منزل
الدهر أقصر فيه من سنة الكرى
ما زلت في حمد الفراش وذمه
حتى لقيت به الفراش الأوثرا
3
لا تشكون الضر من حشراته
حشرات هذا الناس أقبح منظرا
يا سيد «النادي» وحامل همه
خلفته تحت الرزية موقرا
4
شهد الأعادي كم سهرت لمجده
وغدوت في طلب المزيد مشمرا
وكم اتقيت الكيد واستدفعته
ورميت عدوان الظنون فأقصرا
ولبثت عن حوض الشبيبة ذائدا
حتى جزاك الله عنه الكوثرا
شبان مصر حيال قبرك خشع
لا يملكون سوى مدامعهم قرى
5
جمع الأسى لك جمعهم في واحد
كان الشباب الواجد المستعبرا
6
لولاك ما عرفوا التعاون بينهم
فيما يسر ولا على ما كدرا
حيث التفت رأيت حولك منهم
آثار إحسان وغرسا مثمرا
كم منطق لك في البلاد وحكمة
والعقل بينهما يباع ويشترى
تمشي إلى الأكواخ ترشد أهلها
مشي الحواريين يهدون القرى
7
متواضعا لله بين عباده
والله يبغض عبده المتكبرا
لم تدر نفسك ما الغرور وطالما
دخل الغرور على الكبار فصغرا
في كل ناحية تخط نقابة
فيها حياة أخي الزراعة لو درى
هي كيمياؤك لا خرافة «جابر»
تذر المقل من الجماعة مكثرا
8
والمال لا تجنى ثمار رءوسه
حتى يصيب من الرءوس مدبرا
والملك بالأموال أمنع جانبا
وأعز سلطانا وأصدق مظهرا
إنا لفي زمن سفاه شعوبه
في ملكهم كالمرء في بيت الكرا
9
أسواك من أهل المبادئ من دعا
للجد أو جمع القلوب النفرا
الموت قبلك في البرية لم يهب
طه الأمين ولا يسوع الخيرا
10
لما دعيت أتيت أنثر مدمعي
ولو استطعت نثرت جفني في الثرى
أبكي يمينك في التراب غمامة
والصدر بحرا والفؤاد غضنفرا
لم أعط عنك تصبرا وأنا الذي
عزيت فيك عن الأمير المعشرا
11
أزن الرجال ولي يراع طالما
خلع الثناء على الكرام محبرا
بالأمس أرسلت الرثاء ممسكا
واليوم أهتف بالثناء معنبرا
غيرتني حزنا وغيرك البلى
وهواك يأبى في الفؤاد تغيرا
12
فعلي حفظ العهد حتى نلتقي
وعليك أن ترعاه حتى نحشرا
الأميرة1
حلفت بالمسترة
والروضة المعطرة
2
ومجلس الزهراء في ال
حظائر المنورة
3
مراقد السلالة الط
يبة المطهرة
ما أنزلوا إلى الثرى
بالأمس إلا نيرة
4
سيروا بها تقية
نقية مبررة
نجل ستر نعشها
كالكسوة المسيرة
5
وننشق الجنة من
أعواده المنضرة
في موكب تمثل ال
حق فكان مظهره
دع الجنود والبنو
د والوفود المحضرة
وكل دمع كذب
ولوعة مزورة
لا ينفع الميت سوى
صالحة مدخرة
قد ترفع السوقة عن
د الله فوق القيصرة
6
يا جزع العلم على «سكينة» الموقرة
7
أمسى بربع موحش
منها ودار مقفرة
من ذا يؤسي هذه ال
جامعة المستعبرة
8
لو عشت شدت مثلها
للمرأة المحررة
بنيت ركنيها كما
يبني أبوك المأثرة
قرنت كل حجر
في أسها بجوهرة
مفخرة لبيتكم
كم قبلها من مفخرة
يا بنت إسماعيل في ال
ميت لحي تبصرة
9
أكان عند بيتكم
لهذه الدنيا ترة
10
هلا وصفتها لنا
مقبلة ومدبرة
ولونها صافية
وطعمها مكدرة
كالحلم أو كالوهم أو
كالظل أو كالزهرة «فاطم» من يولد يمت
المهد جسر المقبرة
11
وكل نفس في غد
ميتة فمنشرة
وإنه من يعمل ال
خير أو الشر يره
وإنما ينبه ال
غافل عند الغرغرة
12
يلفظها حنظلة
كانت بفيه سكرة
13
ولن تزال من يد
إلى يد هذي الكرة
أين أبوك ماله
وجاهه والمقدرة
وادي الندى وغيثه
وعينه المفجرة
14
أين الأمور والقصو
ر والبدور المخدرة
أين الليالي البيض وال
أصائل المزعفرة
15
وأين في ركن البلا
د يده المعمرة
وأين تلك الهمة ال
ماضية المشمرة
تبغي لمصر الشرق أو
أكثره مستعمرة
جرى الزمان دونها
فرده وأعثره
فإن هممت فاذكر ال
مقادر المقدرة
من لا يصب فالناس لا
يلتمسون المعذرة
ذكرى مصطفى كامل1
لم يمت من له أثر
وحياة من السير
ادعه غائبا وإن
بعدت غاية السفر
آيب الفضل كلما
آبت الشمس والقمر
2
رب نور متمم
قد أتانا من الحفر
3
إنما الميت من مشى
ميت الخير والخبر
من إذا عاش لم يفد
وإذا مات لم يضر
ليس في الجاه والغنى
منه ظل ولا ثمر
قبح العز في القصو
ر إذا ذلت القصر
أعوز الحق رائد
وإلى «مصطفى» افتقر
وتمنت حياضه
هبة الصارم الذكر
الذي ينفذ المدى
والذي يركب الخطر
4
أيها القوم عظموا
واضع الأس والحجر
اذكروا الخطبة التي
هي من آيه الكبر
5
لم ير الناس قبلها
منبرا تحت محتضر
لست أنسى لواءه
وهو يمشي إلى الظفر
حشر الناس تحته
زمرا إثرها زمر
وترى الحق حوله
لا ترى البيض والسمر
6
كلما راح أو غدا
نفخ الروح في الصور
يا أخا النفس في الصبا
لذة الروح في الصغر
وخليلا ذخرته
لم يقوم بمدخر
حال بيني وبينه
في فجاءاته القدر
كيف أجزي مودة
لم يشب صفوها كدر
غير دمع أقوله
قل في الشأن أو كثر
وفؤاد معلل
بالخيالات والذكر
لم ينم عنك ساعة
في الأحاديث والسمر
قم تر القوم كتلة
مثل ملمومة الصخر
7
جددوا ألفة الهوى
والإخاء الذي شطر
ليس للخلف بينهم
أو لأسبابه أثر
ألفتهم روائح
غاديات من الغير
وصحوا من منوم
وأفاقوا من الخدر
8
أقبلوا نحو حقهم
ما لهم غيره وطر
جعلوه خلية
شرعوا دونها الإبر
9
وتواصوا بخطة
وتداعوا لمؤتمر
10
وقصارى أولي النهى
يتلاقون في الفكر
آذنونا بموقف
من جلال ومن خطر
نسمع الليث عنده
دون آجامه زأر
قل لهم في نديهم
مصر بالباب تنتظر
11
المنفلوطي1
اخترت يوم الهول يوم وداع
ونعاك في عصف الرياح الناعي
2
هتف النعاة ضحى فأوصد دونهم
جرح الرئيس منافذ الأسماع
من مات في فزع القيامة لم يجد
قدما تشيع أو حفاوة ساعي
ما ضر لو صبرت ركابك ساعة
كيف الوقوف إذا أهاب الداعي
خل الجنائز عنك لا تحفل بها
ليس الغرور لميت بمتاع
سر في لواء العبقرية وانتظم
شتى المواكب فيه والأتباع
واصعد سماء الذكر من أسبابها
واظهر بفضل كالنهار مذاع
فجع البيان وأهله بمصور
لبق بوشي الممتعات صناع
مرموق أسباب الشباب وإن بدت
للشيب في الفود الأحم رواعي
3
تتخيل المنظوم في منثوره
فتراه تحت روائع الأسجاع
لم يجحد الفصحى ولم يهجم على
أسلوبها أو يزر بالأوضاع
لكن جرى والعصر في مضمارها
شوطا فأحرز غاية الإبداع
حر البيان قديمه وجديده
كالشمس جدة رقعة وشعاع
يونان لو بيعت ب «هومير» لما
خسرت لعمرك صفقة المبتاع
يا مرسل «النظرات» في الدنيا وما
فيها على ضجر وضيق ذراع
4
ومرقرق «العبرات» تجري رقة
للعالم الباكي من الأوجاع
5
من ضاق بالدنيا فليس حكيمها
إن الحكيم بها رحيب الباع
هي والزمان بأرضه وسمائه
في لجة الأقدار نضو شراع
6
من شذ ناداه إليه فرده
قدر كراع سائق بقطاع
7
ما خلفه إلا مقود طائع
متلفت عن كبرياء مطاع
جبار ذهن أو شديد شكيمة
يمضي مضي العاجز المنصاع
من شوه الدنيا إليك فلم تجد
في الملك غير معذبين جياع
أبكل عين فيه أو وجه ترى
لمحات دمع أو رسوم دماع
8
ما هكذا الدنيا ولكن نقلة
دمع القرير وعبرة الملتاع
لا الفقر بالعبرات خص ولا الغنى
غير الحياة لهن حكم مشاع
9
ما زال في الكوخ الوضيع بواعث
منها وفي القصر الرفيع دواعي
في القفر حيات يسيبها به
حاوي القضاء وفي الرياض أفاعي
ولرب بؤس في الحياة مقنع
أربى على بؤس بغير قناع
يا «مصطفى» البلغاء أي يراعة
فقدوا وأي معلم بيراع
اليوم أبصرت الحياة فقل لنا
ماذا وراء سرابها اللماع
وصف المنون فكم قعدت ترى لها
شبحا بكل قرارة ويفاع
10
سكن الأحبة والعدا وفرغت من
حقد الخصوم ومن هوى الأشياع
كم غارة شنوا عليك دفعتها
تصل الجهود فكن خير دفاع
والجهد مؤت في الحياة ثماره
والجهد بعد الموت غير مضاع
فإذا مضى الجيل المراض صدوره
وأتى السليم جوانب الأضلاع
فافزع إلى الزمن الحكيم فعنده
نقد تنزه عن هوى ونزاع
فإذا قضى لك أبت من شم العلا
بثنية بعدت على الطلاع
11
وأجل ما فوق التراب وتحته
قلم عليه جلالة الإجماع
تلك الأنامل نام عنهن البلى
عطلن من قلم أشم شجاع
والجبن في قلم البليغ نظيره
في السيف منقصة وسوء سماع
عاطف بركات باشا1
خفضت لعزة الموت اليراعا
وجد جلال منطقه فراعا
كفى بالموت للنذر ارتجالا
وللعبرات والعبر اختراعا
حكيم صامت فضح الليالي
ومزق عن خنا الدنيا القناعا
إذا حضر النفوس فلا نعيما
ترى حول الحياة ولا متاعا
كشفت به الحياة فلم أجدها
ولمحة مائها إلا خداعا
وما الجراح بالآسي المرجى
إذا لم يقتل الجثث اطلاعا
2
فإن تقل الرثاء فقل دموعا
يصاغ بهن أو حكما تراعى
ولا تك مثل نادبة المسجى
بكت كسبا ولم تبك التياعا
3
خلت دول الزمان وزلن ركنا
وركن الأرض باق ما تداعى
4
كأن الأرض لم تشهد لقاء
تكاد له تميد ولا وداعا
ولو آبت ثواكل كل قرن
وجدن الشمس لم تثكل شعاعا
ولكن تضرب الأمثال رشدا
ومنهاجا لمن شاء اتباعا
ورب حديث خير هاج خيرا
وذكر شجاعة بعث الشجاعا «معارف» مصر كان لهن ركن
فذقن اليوم للركن انصداعا
مضى أعلى الرجال لها يمينا
وأرحبهم بخلتها ذراعا
وأكثرهم لها وقفات صدق
إباء في الحوادث أو زماعا
أتته فنالها نفلا وفيئا
فلا هبة أتته ولا اصطناعا
5
تنقل يافعا فيها وكهلا
ومن أسبابها بلغ اليفاعا
فتى عجمته أحداث الليالي
فلا ذلا رأين ولا اختضاعا
سجن مهندا ونفين تبرا
وزدن المسك من ضغط فضاعا
6
شديد صلب في الحق حتى
يقول الحق لينا واتداعا
7
ومدرسة سمت بالعلم ركنا
وأنهضت القضاء والاشتراعا
8
بناها محسنا بالعلم برا
يشيد له المعالم والرباعا
9
وحارب دونها صرعى قديم
كأن بهم عن الزمن انقطاعا
إذا لمح الجديد لهم تولوا
كذي رمد على الضوء امتناعا
أخا «سيشيل» لا تذكر بحارا
بعدن على المزار ولا بقاعا
10
وربك ما وراء نواك بعد
وأنت بظاهر الفسطاط قاعا
11
نزلت بعالم خرق القضايا
وأصبح فيه نظم الدهر ضاعا
فخل الأربعين لحافليها
وقم تجد القرون مررن ساعا
12
مرضت فما ألح الداء إلا
على نفس تعودت الصراعا
ولم يك غير حادثة أصابت
مفلل كل حادثة قراعا
13
ومن يتجرع الآلام حيا
تسغ عند الممات له اجتراعا
أرقت وكيف يعطى الغمض جفن
تسل وراءه القلب الرواعا
14
ولم يهدأ وسادك في الليالي
لعلمك أن ستفنيها اضطجاعا
عجبت لشارح سبب المنايا
يسمي الداء والعلل الوجاعا
ولم تكن الحتوف محل شك
ولا الآجال تحتمل النزاعا
ولكن صيد ولها بزاة
ترى «السرطان» منها والصداعا
15
أرى التعليم لما زلت عنه
ضعيف الركن مخذولا مضاعا
غريق حاولت يده شراعا
فلما أوشكت فقد الشراعا
سراة القوم منصرفون عنه
وصحف القوم تقتضب الدفاعا
16
لقد نساه يومك ناصبات
من السنوات قاساها تباعا
17
قم ابن الأمهات على أساس
ولا تبن الحصون ولا القلاعا
فهن يلدن للقصب المذاكي
وهن يلدن للغاب السباعا
18
وجدت معاني الأخلاق شتى
جمعن فكن في اللفظ الرضاعا
عزاء الصابرين «أبا بهي»
ومثلك من أناب ومن أطاعا
19
صبرت على الحوادث حين جلت
وحين الصبر لم يك مستطاعا
وإن النفس تهدأ بعد حين
إذا لم تلق بالجزع انتفاعا
إذا اختلف الزمان على حزين
مضى بالدمع ثم محا الدماعا
قصارى الفرقدين إلى قضاء
إذا عثرا به انفصما اجتماعا
ولم تحو الكنانة آل سعد
أشد على العدا منكم نباعا
20
ولم تحمل كشيخكم المفدى
نهوضا بالأمانة واضطلاعا
غدا فصل الخطاب فمن بشيري
بأن الحق قد غلب الطماعا
سلوا أهل الكنانة هل تداعوا
فإن الخصم بعد غد تداعى
وما «سعد» بمتجر إذا ما
تعرضت الحقوق شرى وباعا
ولكن تحتمي الآمال فيه
وتدرع الحقوق به ادراعا
21
إذا نظرت قلوبكم إليه
علا للحادثات وطال باعا
22
المويلحي1
كاتب محسن البيان صناعه
استخف العقول حينا يراعه
2
ابن مصر وإنما كل أرض
تنطق الضاد مهده ورباعه
3
إنما الشرق منزل لم يفرق
أهله إن تفرقت أصقاعه
4
وطن واحد على الشمس والفص
حي وفي الدمع والجراح اجتماعه
علم في البيان وابن لواء
أخذ الشرق حقبة إبداعه
حسبه السحر من تراث أبيه
إن تولت قصوره وضياعه
5
إنما السحر والبلاغة والحك
مة بيت كلاهما مصراعه
في يد النشء من بيان «المويلحي»
مثل ينفع الشباب اتباعه
صور من حقيقة وخيال
هي إحسان فكره وابتداعه
رب سجع كمرقص الشعر لما
يختلف لحنه ولا إيقاعه
أو كسجع الحمام لو فصلته
وتأنت به ودق اختراعه
هو فيه بديع كل زمان
ما بديع الزمان ما أسجاعه
6
عجب الناس من طباع المويلحي
وفي الأسد خلقه وطباعه
فيه كبر الليوث حتى على الجو
ع وفيها إباؤه وامتناعه
تعب الموت في صبور على النز
ع قليل إلى الحياة نزاعه
7
صارع العيش حقبة ليت شعري
ساعة الموت كيف كان صراعه
قهر الموت والحياة وقد تح
كم في رائض السباع سباعه
مهجة حرة وخلق أبي
عي عنه الزمان وارتد باعه
في الثمانين يا «محمد» علم
لعليم وإن تناهى اطلاعه
8
لم تقاعدت دونها وتوانى
سائق الفلك واضمحل شراعه
رب شيب بنت صروح المعالي
سنتاه وشادت المجد ساعه
فيه من همة الشباب ولكن
ليس فيه جماحه واندفاعه
سيد المنشئين حث المطايا
ومضى في غباره أتباعه
حطهم ب «الإمام» للموت ركب
يتلاقى بطاؤه وسراعه
قنعوا بالتراب وجها كريما
كان من رقعة الحياء قناعه
كسنا الفجر في ظلال الغوادي
كرم صفحتاه هدي شعاعه
يا وحيدا كأمس في كسر بيت
ضيق بالنزيل رحب ذراعه
9
كل بيت تحله يستوي عن
دك في الزهد ضيقه واتساعه
نم مليا فلست أول ليث
بفلاة «الإمام» طال اضطجاعه
10
حولك الصالحون طابوا وطابت
أكمات «الإمام» منهم وقاعه
11
قلدوا الشرق من جمال وخير
ما يئود المفندين انتزاعه
12
أسست نهضة البناء بقوم
وبقوم سما وطال ارتفاعه
كل حي وإن تراخت منايا
ه قضاء عن الحياة انقطاعه
والذي تحرص النفوس عليه
عالم باطل قليل متاعه
إسماعيل باشا صبري1
أجل وإن طال الزمان موافي
أخلى يديك من الخليل الوافي
داع إلى حق أهاب بخاشع
لبس النذير على هدى وعفاف
2
ذهب الشباب فلم يكن رزئي به
دون المصاب بصفوة الألاف
جلل من الأرزاء في أمثاله
همم العزاء قليلة الإسعاف
خفت له العبرات وهي أبية
في حادثات الدهر غير خفاف
ولكل ما أتلفت من مستكرم
إلا مودات الرجال تلاف
3
ما أنت يا دنيا أرؤيا نائم
أم ليل عرس أم بساط سلاف
نعماؤك الريحان إلا أنه
مست حواشيه نقيع زعاف
4
ما زلت أصحب فيك خلقا ثابتا
حتى ظفرت بخلقك المتنافي
ذهب الذبيح السمح مثل سميه
طهر المكفن طيب الألفاف
5
كم بات يذبح صدره لشكاته
أتراه يحسبها من الأضياف
6
نزلت على سحر السماح ونحره
وتقلبت في أكرم الأكناف
7
لجت على الصدر الرحيب وبرحت
بالكاظم الغيظ الصفوح العافي
ما كان أقسى قلبها من علة
علقت بأرحم حبة وشغاف
8
قلب لو انتظم القلوب حنانه
لم يبق قاس في الجوانح جافي
حتى رماه بالمنية فانجلت
من يبتلي بقضائه ويعافي
أخنت على الفلك المدار فلم يدر
وعلى العباب فقر في الرجاف
9
ومضت بنار العبقرية لم تدع
غير الرماد ودارسات أثافي
10
حملوا على الأكتاف نور جلالة
يذر العيون حواسد الأكتاف
وتقلدوا النعش الكريم يتيمة
ولكم نعوش في الرقاب زياف
متمايل الأعواد مما مس من
كرم ومما ضم من أعطاف
وإذا جلال الموت واف سابغ
وإذا جلال العبقرية ضافي
ويح الشباب وقد تخطر بينهم
هل متعوا بتمسح وطواف
لو عاش قدوتهم ورب «لوائهم»
نكس «اللواء» لثابت وقاف
11
فلكم سقاه الود حين وداده
حرب لأهل الحكم والإشراف
لا يوم للأقوام حتى ينهضوا
بقوادم من أمسهم وخوافي
12
لا يعجبنك ما ترى من قبة
ضربوا على موتاهم وطراف
13
هجموا على الحق المبين بباطل
وعلى سبيل القصد بالإسراف
14
يبنون دار الله كيف بدا لهم
غرفات مثر أو سقيفة عافي
15
ويزورون قبورهم كقصورهم
والأرض تضحك والرفات السافي
فجعت ربا الوادي بواحد أيكها
وتجرعت ثكل الغدير الصافي
فقدت بنانا كالربيع مجيدة
وشي الرياض وصنعة الأفواف
16
إن فاته نسب «الرضي» فربما
جريا لغاية سؤدد وطراف
17
أو كان دون أبي «الرضي» أبوة
فلقد أعاد بيان «عبد مناف»
شرف العصاميين صنع نفوسهم
من ذا يقيس بهم بني الأشراف
قل للمشير إلى أبيه وجده
أعلمت للقمرين من أسلاف
لو أن «عمرانا» نجارك لم تسد
حتى يشار إليك في الأعراف
18
قاضي القضاة جرت عليه قضية
للموت ليس لها من استئناف
ومصرف الأحكام موكول إلى
حكم المنية ما له من كافي
ومنادم الأملاك تحت قبابهم
أمسى تنادمه ذئاب فيافي
19
في منزل دارت على الصيد العلا
فيه الرحى ومشت على الأرداف
20
وأزيل من حسن الوجوه وعزها
ما كان يعبد من وراء سجاف
21
من كل لماح النعيم تقلبت
ديباجتاه على بلى وجفاف
وترى الجماجم في التراب تماثلت
بعد العقول تماثل الأصداف
وترى العيون القاتلات بنظرة
منهوبة الأجفان والأسياف
22
وتراع من ضحك الثغور وطالما
فتنت بحلو تبسم وهتاف
غزت القرون الذاهبين غزالة
دمهم بذمة قرنها الرعاف
23
يجري القضاء بها ويجري الدهر عن
يدها فيا لثلاثة أحلاف
ترمي البرية بالحبول وتارة
بحبائل من خيطها وكفاف
24
نسجت ثلاث عمائم واستحدثت
أكفان موتى من ثياب زفاف
25 «أأبا الحسين» تحية لثراك من
روح وريحان وعذب نطاف
وسلام أهل وله وصحابة
حسرى على تلك الخلال لهاف
هل في يدي سوى قريض خالد
أزجيه بين يديك للإتحاف
ما كان أكرمه عليك فهل ترى
أني بعثت بأكرم الألطاف
هذا هو الريحان إلا أنه
نفحات تلك الروضة المئناف
26
والدر إلا أن مهد يتيمه
بالأمس لجة بحرك القذاف
أيام أمرح في غبارك ناشئا
نهج المهار على غبار «خصاف»
27
أتعلم الغايات كيف ترام في
مضمار فضل أو مجال قوافي
يا راكب الحدباء خل زمامها
ليس السبيل على الدليل بخافي
دان المطي الناس غير مطية
للحق لا عجلى ولا ميجاف
28
لا في الجياد ولا النياق وإنما
خلقت بغير حوافر وخفاف
تنتاب بالركبان منزلة الهدى
وتؤم دار الحق والإنصاف
قد بلغت رب المدائن وانتهت
حيث انتهيت بصاحب الأحقاف
29
نم ملء جفنك فالغدو غوافل
عما يروعك والعشي غوافي
في مضجع يكفيك من حسناته
أن ليس جنبك عنه بالمتجافي
واضحك من الأقدار غير معجز
فاليوم لست لها من الأهداف
والموت كنت تخافه بك ظافرا
حتى ظفرت به فدعه كفاف
قل لي بسابقة الوداد أقاتل
هو حين ينزل بالفتى أم شافي
في الأرض من أبويك كنزا رحمة
وهوى وذلك من جوار كافي
وبها شبابك واللدات بكيته
وبكيتهم بالمدمع الذراف
فاذهب كمصباح السماء كلاكما
مال النهار به وليس بطافي
الشمس تخلف بالنجوم وأنت بال
آثار والأخبار والأوصاف
غلب الحياة فتى يسد مكانها
بالذكر فهو لها بديل وافي
فوزي الغزي1
جرح على جرح حنانك «جلق»
حملت ما يوهي الجبال ويزهق
2
صبرا لباة الشرق كل مصيبة
تبلى على الصبر الجميل وتخلق
3
أنسيت نار الباطشين وهزة
عرت الزمان كأن «روما» تحرق
4
رعناء أرسلها ودس شواظها
في حجرة التاريخ أرعن أحمق
5
فمشت تحطم باليمين ذخيرة
وتلص أخرى بالشمال وتسرق
جنت فضعضعها وراض جماحها
من نشئك الحمس الجنون المطبق
لقي الحديد حمية أموية
لا تكتسي صدأ ولا هي تطرق
يا واضع الدستور أمس كخلقه
ما فيه من عوج ولا هو ضيق
نظم من الشورى وحكم راشد
أدب الحضارة فيهما والمنطق
لا تخش مما ألحقوا بكتابه
يبقى الكتاب وليس يبقى الملحق
ميت الجلال من القوافي زفرة
تجري ومنها عبرة تترقرق
ولقد بعثتهما إليك قصيدة
أفأنت منتظر كعهدك شيق
أبكي ليالينا القصار وصحبة
أخذت مخيلتها تجيش وتبرق
6
لا أذكر الدنيا إليك فربما
كره الحديث عن الأجاج المغرق
7
طبعت من السم الحياة طعامها
وشرابها وهواؤها المتنشق
والناس بين بطيئها وذعافها
لا يعلمون بأي سميها سقوا
8
أما الولي فقد سقاك بسمه
ما ليس يسقيك العدو الأزرق
9
طلبوك والأجل الوشيك يحثهم
ولكل نفس مدة لا تسبق
لما أعان الموت كيد حبالهم
علقت وأسباب المنية تعلق
طرقت مهادك حية بشرية
كفرت بما تنتاب منه وتطرق
10
يا «فوز» تلك دمشق خلف سوادها
ترمي مكانك بالعيون وترمق
11
ذكرت ليالي بدرها فتلفتت
فعساك تطلع أو لعلك تشرق «بردى» وراء ضفافه مستعبر
والحور محلول الضفائر مطرق
12
والطير في جنبات «دمر» نوح
يجد الهموم خليهن ويأرق
13
ويقول كل محدث لسميره
أبذات طوق بعد ذلك يوثق
14
عشقت تهاويل الجمال ولم تجد
في العبقرية ما يحب ويعشق
15
فمشت كأن بنانها يد مدمن
وكأن ظل السم فيها زئبق
ولو ان مقدورا يرد لردها
بحياته الوطن المروع المشفق
أشقى قضاء الأرض بعدك أسرة
لولا القضاء من السماء لما شقوا
قست القلوب عليهم وتحجرت
فانظر فؤادك هل يلين ويرفق
إن الذين نزلت في أكنافهم
صفحوا فما منهم مغيظ محنق
سخروا من الدنيا كما سخرت بهم
وانبت من أسبابها المتعلق
16
يا مأتما من «عبد شمس» مثله
للشمس يصنع في الممات وينسق
إن ضاق ظهر الأرض عنك فبطنها
عما وراءك من رفات أضيق
17
لما جمعت الشام من أطرافه
وافى يعزي الشام فيك المشرق
يبكي لواء من شباب أمية
يحمي حمى الحق المبين ويخفق
لمست نواصيها الحصون ترومه
وتلمسته فلم تجده الفيلق
18
ركن الزعامة حين تطلب رأيه
فيرى وتسأله الخطاب فينطق
ويكاد من سحر البلاغة تحته
عود المنابر يستخف فيورق
19 «فيحاء» أين على جنانك وردة
كانت بها الدنيا ترف وتعبق
20
علوية تجد المسامع طيها
وتحس رياها العقول وتنشق
وأرائك الزهر الغصون وعرشها
يد أمة وجبينها والمفرق
من مبلغ عني شبولة جلق
قولا يبر على الزمان ويصدق
بالله جل جلاله بمحمد
بيسوع بالغزي لا تتفرقوا
قد تفسد المرعى على أخواتها
شاة تند من القطيع وتمرق
كريمة البارودي1
أحيث تلوح المنى تأفل
كفى عظة أيها المنزل
2
حكيت الحياة وحالاتها
فهلا تخطيت ما تنقل
أمن جنح ليل إلى فجره
حمى يزدهي وحمى يعطل
3
وذلك يوحش من ربة
وذلك من ربة يأهل
4
أجاب النعي لديك البشير
وذاق بكأسيهما المحفل
وأطرق بينهما والد
أخو ترحة ليله أليل
5
يفيء إلى العقل في أمره
ولكنه القلب لا يعقل
تهاوت عن الورد أغصانه
وطار عن البيضة البلبل
6
وراحت حياة وجاءت حياة
وأظهر قدرته المبدل
وما غير من قد أتى مدبر
ولا غير من قد مضى مقبل
كأني ب «سامي» هلوع الفؤاد
إذا أسمعت همسة يعجل
يرى قدرا يأمل اللطف فيه
وعادي الردى دون ما يأمل
يضيء لضيفانه بشره
وبين الضلوع الغضى المشعل
7
ويقريهم الأنس في منزل
ويجمعه والأسى منزل
فمن غادة في مجالي الزفاف
إلى غادة داؤها معضل
وذي في نفاستها تنطوي
وذي في نفائسها ترفل
8
تقسم بينهما قلبه
وخانته عيناه والأرجل
فيا نكد الحر هل تنقضي
ويا فرح الحر هل تكمل
ويا صبر «سامي» بلغت المدى
ويا قلبه السهل كم تحمل
لقد زدت من رقة كالصراط
ودون صلابتك الجندل
يمر عليك خليط الخطوب
ويجتازك الخف والمثقل
9
ويا رجل الحلم خذ بالرضا
فذلك من متق أجمل
أتحسب شهدا إناء الزمان
وطينته الصاب والحنظل
وما كان من مره يعتلي
وما كان من حلوه يسفل
وأنت الذي شرب المترعات
فأي البواقي به تحفل
أفي ذا الجلال وفي ذا الوقار
تخيفك ضراء أو تذهل
ألم تكن الملك في عزه
وباعك من باعه أطول
وقولك من فوق قول الرجال
وفعلك من فعلهم أنبل
10
ستعرف دنياك من ساومت
وأن وقارك لا يبذل
كأنك «شمشون» هذي الحياة
وكل حوادثها هيكل
11
فتحي ونوري1
انظر إلى الأقمار كيف تزول
وإلى وجوه السعد كيف تحول
وإلى الجبال الشم كيف يميلها
عادي الردى بإشارة فتميل
وإلى الرياح تخر دون قرارها
صرعى عليهن التراب مهيل
وإلى النسور تقاصرت أعمارها
والعهد في عمر النسور يطول
في كل منزلة وكل سمية
قمر من الغر السماة قتيل
يهوي القضاء بها فما من عاصم
هيهات ليس من القضاء مقيل «فتح السماء» و«نورها» سكنا الثرى
فالأرض ولهى والسماء ثكول
سر في الهواء ولذ بناصية السها
الموت لا يخفى عليه سبيل
2
واركب جناح النسر لا يعصمك من
نسر يرفرف فيه عزرائيل
ولكل نفس ساعة من لم يمت
فيها عزيزا مات وهو ذليل
أإلى الحياة سكنت وهي مصارع
وإلى الأماني يسكن المسلول
لا تحفلن ببؤسها ونعيمها
نعمى الحياة وبؤسها تضليل
ما بين نضرتها وبين ذبولها
عمر الورود وإنه لقليل
هذا بشير الأمس أصبح ناعيا
كالحلم جاء بصده التأويل
يجري من العبرات حول حديثه
ما كان من فرح عليه يسيل
ولرب أعراس خبأن مآتما
كالرقط في ظل الرياض تقيل
3
يا أيها الشهداء لن ينسى لكم
فتح أغر على السماء جميل
والمجد في الدنيا لأول مبتن
ولمن يشيد بعده فيطيل
لولا نفوس زلن في سبل العلا
لم يهد فيها السالكين دليل
والناس باذل روحه أو ماله
أو علمه والآخرون فضول
والنصر غرته الطلائع في الوغى
والتابعون من الخميس حجول
4
كم ألف ميل نحو مصر قطعتم
فيم الوقوف ودون مصر ميل «طوروس» تحتكم ضئيل طرفه
لما طلعتم في السحاب كليل
ترخون للريح العنان وإنها
لكم على طغيانها لذلول
اثنين إثر اثنين لم يخطر لكم
أن المنية ثالث وزميل
ومن العجائب في زمانك أن يفي
لك في الحياة وفي الممات خليل
لو كان يفدى هالك لفداكم
في الجو نسر بالحياة بخيل
أي الغزاة أولي الشهادة قبلكم
عرض السماء ضريحهم والطول
5
يغدو عليكم بالتحية أهلها
ويرفرف التسبيح والتهليل «إدريس» فوق يمينه ريحانة
ويسوع فوق يمينه إكليل
6
في عالم سكانه أنفاسهم
طيب وهمس حديثهم إنجيل
7
إني أخاف على السماء من الأذى
في يوم يفسد في السماء الجيل
8
كانت مطهرة الأديم نقية
لا آدم فيها ولا قابيل
9
يتوجه العاني إلى رحماتها
ويرى بها برق الرجاء عليل
ويشير بالرأس المكلل نحوها
شيخ وباللحظ البريء بتول
10
واليوم للشهوات فيها والهوى
سيل وللدم والدموع مسيل
أضحت ومن سفن الجواء طوائف
فيها ومن خيل الهواء رعيل
11
وأزيل هيكلها المصون وسره
والدهر للسر المصون مذيل
12
هلعت «دمشق» وأقبلت في أهلها
ملهوفة لم تدر كيف تقول
مشت الشجون بها وعم غياطها
بين الجداول والعيون ذبول
13
في كل سهل أنة ومناحة
وبكل حزن رنة وعويل
وكأنما نعيت أمية كلها
للمسجد الأموي فهو طلول
14
خضعت لكم فيه الصفوف وأزلفت
لكم الصلاة وقرب الترتيل
من كل نعش كالثريا مجده
في الأرض عال والسماء أصيل
فيه شهيد بالكتاب مكفن
بمدامع الروح الأمين غسيل
أعواده بين الرجال وأصله
بين «السها» و«المشتري» محمول
15
يمشي الجنود به ولولا أنهم
أولى بذاك مشى به جبريل
حتى نزلتم بقعة فيها الهوى
من قبل ثاو والسماح نزيل
عظمت وجل ضريح «يوسف» فوقها
حتى كأن الميت فيه رسول
16
شعري إذا جبت البحار ثلاثة
وحواك ظل في «فروق» ظليل
17
وتداولتك عصابة عربية
بين المآذن والقلاع نزول
وبلغت من باب الخلافة سدة
لستورها التمسيح والتقبيل
قل للإمام محمد ولآله
صبر العظام على العظيم جميل
تلك الخطوب وقد حملتم شطرها
ناء الفرات بشطرها والنيل
إن تفقدوا الآساد أو أشبالها
فالغاب من أمثالها مأهول
صبرا فأجر المسلمين وأجركم
عند الإله وإنه لجزيل
يا من خلافته الرضية عصمة
للحق أنت بأن يحق كفيل
والله يعلم أن في خلفائه
عدلا يقيم الملك حين يميل
والعدل يرفع للممالك حائطا
لا الجيش يرفعه ولا الأسطول
هذا مقام أنت فيه محمد
والرفق عند محمد مأمول
18
بالله بالإسلام بالجرح الذي
ما انفك في جنب الهلال يسيل
إلا حللت عن السجين وثاقه
إن الوثاق على الأسود ثقيل
19
أيقول واش أو يردد شامت
صنديد «برقة» موثق مكبول
20
هو من سيوفك أغمدوه لريبة
ما كان يغمد سيفك المسلول
فاذكر أمير المؤمنين بلاءه
واستبقه إن السيوف قليل
علي باشا أبو الفتوح1
ما بين دمعي المسبل
عهد وبين ثرى «علي»
عهد «البقيع» وساكني
ه على الحيا المتهلل
2
والدمع مروحة الحزي
ن وراحة المتململ
نمضي ويلحق من سلا
في الغابرين بمن سلي
كم من تراب بالدمو
ع على الزمان مبلل
كالقبر ما لم يبل في
ه من العظام وما بلي
ريان من مجد يعز
على القصور مؤثل
أمست جوانبه قرا
را للنجوم الأفل
وحديثهم مسك الندي
وعنبر في المحفل
قل للنعي هتكت دم
ع الصابر المتجمل
3
الملتقي الأحداث إن
نزلت كأن لم تنزل
حمل الأسى ب «أبي الفتو
ح» علي ما لم أحمل
4
حتى ذهلت ومن يذق
فقد الأحبة يذهل
فعتبت في ركن «القضا
ء» على القضاء المنزل
لهفي على ذاك الشبا
ب وذلك المستقبل
وعلى المعارف إذ خلت
من ركنها والموئل
5
وعلى شمائل كالربا
بين الصبا والجدول
وحياء وجه كان يؤ
ثر عن «يسوع» المرسل
يا راويا تحت الصفي
ح من الكرى والجندل
6
ومسربلا حلل الوزا
رة بات غير مسربل
وموسدا حفر الثرى
بعد البناء الأطول
إني التفت إلى الشبا
ب الغابر المتمثل
ووقفت ما بين المحق
ق فيه والمتخيل
فرأيت أياما عجل
ن وليتها لم تعجل
كانت موطأة المها
د لنا عذاب المنهل
ذهبت كحلم بيد أن
الحلم لم يتأول
إذ نحن في ظل الشبا
ب الوارف المتهدل
7
جاران في دار النوى
متقابلان بمنزل
أيكي وأيكك ضاحكا
ن على خمائل مونبلي
8
والدرس يجمعني بأف
ضل طالب ومحصل
أيام تبذل في سبي
ل العلم ما لم يبذل
غض الشباب فكيف كن
ت عن الشباب بمعزل
وإذا دعاك إلى الهوى
داعي الصبا لم تحفل
ولو اطلعت على الحيا
ة فعلت ما لم يفعل
لم يدر إلا الله ما
خبأت لك الدنيا ولي
تجري بنا لمفتح
بين الغيوب ومقفل
حتى تبدلنا وذا
ك العهد لم يتبدل
هاتيك أيام الشبا
ب المحسن المتفضل
من فاته ظل الشبي
بة عاش غير مظلل
يا راحلا أخلى الديا
ر وفضله لم يرحل
تتحمل الآمال إث
ر شبابه المتحمل
9
مشت الشبيبة جحفلا
تبكي لواء الجحفل
10
فانظر سريرك هل جرى
فوق الدموع الهطل
الله في وطن ضعي
ف الركن واهي المعقل
وأب وراءك حزنه
لنواك حزن المثكل
يهب الضياع العامرا
ت لمن يرد له «علي»
ليس الغني من البري
ة غير ذي البال الخلي
ونجيبة بين العقا
ئل همها لا ينسلي
11
دخلت منازلها المنو
ن على الجريء المشبل
12
كسرت جناح منعم
ورمت فؤاد مدلل
فكأن آلك من شج
ومتيم ومرمل
آل «الحسين» «بكربلا
في كربة لا تنجلي»
13
خلع الشباب على القنا
وبذلته للمعضل
14
والسيف أرحم قاتلا
من علة في مقتل
فاذهب كما ذهب الحسي
ن إلى الجوار الأفضل
فكلاكما زين الشبا
ب بجنة الله العلي
جورجي زيدان1
ممالك الشرق أم أدراس أطلال
وتلك دولاته أم رسمها البالي
2
أصابها الدهر إلا في مآثرها
والدهر بالناس من حال إلى حال
وصار ما نتغنى من محاسنها
حديث ذي محنة عن صفوه الخالي
إذا جفا الحق أرضا هان جانبها
كأنها غابة من غير رئبال
3
وإن تحكم فيها الجهل أسلمها
لفاتك من عوادي الذل قتال
نوابغ الشرق هزوه لعل به
من الليالي جمود اليائس السالي
إن تنفخوا فيه من روح البيان ومن
حقيقة العلم ينهض بعد إعضال
لا تجعلوا الدين باب الشر بينكم
ولا محل مباهاة وإدلال
ما الدين إلا تراث الناس قبلكم
كل امرئ لأبيه تابع تالي
ليس الغلو أمينا في مشورته
مناهج الرشد قد تخفى على الغالي
لا تطلبوا حقكم بغيا ولا صلفا
ما أبعد الحق عن باغ ومختال
ولا يضيعن بالإهمال جانبه
فرب مصلحة ضاعت بإهمال
كم همة دفعت جيلا ذرا شرف
ونومة هدمت بنيان أجيال
والعلم في فضله أو في مفاخره
ركن الممالك صدر الدولة الحالي
إذا مشت أمة في العالمين به
أبى لها الله أن تمشي بأغلال
يقل للعلم عند العارفين به
ما تقدر النفس من حب وإجلال
فقف على أهله واطلب جواهره
كناقد ممعن في كف لأآل
فالعلم يفعل في الأرواح فاسده
ما ليس يفعل فيها طب دجال
ورب صاحب درس لو وقفت به
رأيت شبه عليم بين جهال
وتسبق الشمس في الأمصار حكمته
إلى كهول وشبان وأطفال «زيدان» إني مع الدنيا كعهدك لي
رضا الصديق مقيل الحاسد القالي
لي دولة الشعر دون العصر وائلة
مفاخري حكمي فيها وأمثالي
إن تمش للخير أو للشر بي قدم
أشمر الذيل أو أعثر بأذيالي
وإن لقيت ابن أنثى لي عليه يد
جحدت في جنب فضل الله أفضالي
وأشكر الصنع في سري وفي علني
إن الصنائع تزكو عند أمثالي
وأترك الغيب لله العليم به
إن الغيوب صناديق بأقفال
ك «أرغن» الدير إكثاري وموقعه
وكالأذان على الأسماع إقلالي
4
رثيت قبلك أحبابا فجعت بهم
ورحت من فرقة الأحباب يرثى لي
وما علمت رفيقا غير مؤتمن
كالموت للمرء في حل وترحال
أرحت بالك من دنيا بلا خلق
أليس في الموت أقصى راحة البال
طالت عليك عوادي الدهر في خشن
من التراب مع الأيام منهال
لم نأته بأخ في العيش بعد أخ
إلا تركنا رفاتا عند غربال
لا ينفع النفس فيه وهي حائرة
إلا زكاة النهى والجاه والمال
ما تصنع اليوم من خير تجده غدا
الخير والشر مثقال بمثقال
قد أكمل الله ذياك «الهلال» لنا
فلا رأى الدهر نقصا بعد إكمال
ولا يزل في نفوس القارئين له
كرامة الصحف الأولى على التالي
فيه الروائع من علم ومن أدب
ومن وقائع أيام وأحوال
وفيه همة نفس زانها خلق
هما لباغي المعالي خير منوال
علمت كل نئوم في الرجال به
أن الحياة بآمال وأعمال
ما كان من دول الإسلام منصرما
صورته كل أيام بتمثال
نرى به القوم في عز وفي ضعة
والملك ما بين إدبار وإقبال
وما عرضت على الألباب فاكهة
كالعلم تبرزه في أحسن القال
وضعت خير «روايات» الحياة فضع
رواية الموت في أسلوبها العالي
وصف لنا كيف تجفو الروح هيكلها
ويستبد البلى بالهيكل الخالي
وهل تحن إليه بعد فرقته
كما يحن إلى أوطانه الجالي
5
هضاب لبنان من منعاتك اضطربت
كأن لبنان مرمي بزلزال
كذلك الأرض تبكي فقد عالمها
كالأم تبكي ذهاب النافع الغالي
شهداء العلم والغربة1
ألا في سبيل الله ذاك الدم الغالي
وللمجد ما أبقى من المثل العالي
وبعض المنايا همة من ورائها
حياة لأقوام ودنيا لأجيال
أعيني جودا بالدموع على دم
كريم المصفى من شباب وآمال
تناهت به الأحداث من غربة النوى
إلى حادث من غربة الدهر قتال
جرى أرجوانيا كميتا مشعشعا
بأبيض من غسل الملائك سلسال
2
ولاذ بقضبان الحديد شهيده
فعادت رفيفا من عيون وأطلال
سلام عليه في الحياة وهامدا
وفي العصر الخالي وفي العالم التالي
خليلي قوما في ربا الغرب واسقيا
رياحين هام في التراب وأوصال
3
من الناعمات الراويات من الصبا
ذوت بين حل في البلاد وترحال
نعاها لنا الناعي فمال على أب
هلوع وأم ب «الكنانة» مثكال
طوى الغرب نحو الشرق يعدو سليكه
بمضطرب في البر والبحر مرقال
4
يسر إلى النفس الأسى غير هامس
ويلقي على القلب الشجى غير قوال
سماء الحمى بالشاطئين وأرضه
مناحة أقمار ومأتم أشبال
ترى الريح تدري ما الذي قد أعادها
بساطا ولكن من حديد وأثقال
يقل من الفتيان أشبال غابة
غداة على الأخطار ركاب أهوال
ثنته العوادي دون «أودين» فانثنى
بآخر من دهم المقادير ذيال
5
قد اعتنقا تحت الدخان كما التقى
كميان في داج من النقع منجال
6
فسبحان من يرمي الحديد وبأسه
على ناعم غض من الزهر منهال
ومن يأخذ السارين بالفجر طالعا
طلوع المنايا من ثنيات آجال
7
ومن يجعل الأسفار للناس همة
إلى سفر ينوونه غير قفال
فيا ناقليهم لو تركتم رفاتهم
أقام يتيما في حراسة لأآل
8
وبين «غريبالدي» و«كافور» مضجع
لنزاع أمصار على الحق نزال
9
فهل عطفتكم رنة الأهل والحمى
وضجة أتراب عليهم وأمثال
لئن فات مصرا أن يموتوا بأرضها
لقد ظفروا بالبعث من تربها الغالي
وما شغلتهم عن هواها قيامة
إذا اعتل رهن المحبسين بأشغال
10
حملتم من الغرب الشموس لمشرق
تلقى سناها مظلما كاسف البال
عواثر لم تبلغ صباها ولم تنل
مداها ولم توصل ضحاها بآصال
يطاف بهم نعشا فنعشا كأنهم
مصاحف لم يعل المصلي على التالي
11
توابيت في الأعناق تترى زكية
كتابوت موسى في مناكب إسرال
12
ملففة في حلة شفقية
هلالية من راية النيل تمثال
أظل جلال العلم والموت وفدها
فلم تلق إلا في خشوع وإجلال
تفارق دارا من غرور وباطل
إلى منزل من جيرة الحق محلال
فيا حلبة رفت على البحر حلية
وهزت بها «حلوان» أعطاف مختال
13
جرت بين إيماض العواصم بالضحى
وبين ابتسام الثغر بالموكب الحالي
كثيرة باغي السبق لم ير مثلها
على عهد إسماعيل ذي الطول والنال
14
لك الله هذا الخطب في الوهم لم يقع
وتلك المنايا لم يكن على بال
بلى كل ذي نفس أخو الموت وابنه
وإن جر أذيال الحداثة والخال
وليس عجيبا أن يموت أخو الصبا
ولكن عجيب عيشه عيشة السالي
وكل شباب أو مشيب رهينة
بمعترض من حادث الدهر مغتال
وما الشيب من خيل العلا فاركب الصبا
إلى المجد تركب متن أقدر جوال
يسن الشباب البأس والجود للفتى
إذا الشيب سن البخل بالنفس والمال
ويا نشأ النيل الكريم عزاءكم
ولا تذكروا الأقدار إلا بإجمال
فهذا هو الحق الذي لا يرده
تأفف قال أو تلطف محتال
15
عليكم لواء العلم فالفوز تحته
وليس إذا الأعلام خانت بخذال
16
إذا مال صف فاخلفوه بآخر
وصول مساع لا ملول ولا آل
17
ولا يصلح الفتيان لا علم عندهم
ولا يجمعون الأمر أنصاف جهال
وليس لهم زاد إذا ما تزودوا
بيانا جزاف الكيل كالحشف البالي
18
إذا جزع الفتيان في وقع حادث
فمن لجليل الأمر أو معضل الحال
ولولا معان في الفدى لم تعانه
نفوس الحواريين أو مهج الآل
19
فعنوا بهاتيك المصارع بينكم
ترنم أبطال بأيام أبطال
ألستم بني القوم الذين تكبروا
على الضربات السبع في الأبد الخالي
20
رددتم إلى فرعون جدا وربما
رجعتم لعم في القبائل أو خال
سعيد زغلول بك1
آل «زغلول» حسبكم من عزاء
سنة الموت في النبي وآله
في خلال الخطوب ما راع إلا
أنها دون صبركم وجماله
حمل الرزء عنكم في «سعيد»
بلد شيخكم أبو أحماله
2
قد دهاه من فقده ما دهاكم
وبكى ما بكيتم من خلاله
فكما كان ذخركم ومناكم
كان من ذخره ومن آماله
ليت من فك أسركم لم يكله
للمنايا تمده في اعتقاله
حجبت من ربيعه ما رجوتم
وطوت رحلة العلا من هلاله
آنست صحة فمرت عليها
وتخطت شبابه لم تباله
إنما من كتابه يتوفى ال
مرء لا من شبابه واكتهاله
لست تدري الحمام بالغاب هل حا
م على الليث أم على أشباله
يا «سعيد» اتئد ورفقا بشيخ
واله من لواعج الثكل واله
3
ما كفاه نوائب الحق حتى
زدت في همه وفي أشغاله
فجأ الدهر فاقتضبت القوافي
من فجاءاته وخطف ارتجاله
قم فشاهد لو استطعت قياما
حسرة الشعر والتياع خياله
كان لي منك في المجامع راو
عجز «ابن الحسين» عن أمثاله
4
فطن للصحاح من لؤلؤ القو
ل وأدرى بهن من لأآله
5
لم يكن في غلوه ضيق الصد
ر ولا كان عاجزا في اعتداله
لا يعادى ويتقى أن يعادي
ويخلي سبيل من لم يواله
فامض في ذمة الشباب نقيا
طاهرا ما ثنيت من أذياله
إن للعصر والحياة للؤما
لست من أهله ولا من مجاله
صانك الله من فساد زمان
دنس اللؤم من ثياب رجاله
سيقولون ما رثاه على الفض
ل ولكن رثاه زلفى لخاله
أيهم من أتى برأس كليب
أو شفى القطر من عياء احتلاله
ليس بيني وبين خالك إلا
أنني ما حييت في إجلاله
أتمنى لمصر أن يجري الخي
ر لها من يمينه وشماله
لست أرجوه كالرجال لصيد
من حرام انتخابهم أو حلاله
كيف أرجو «أبا سعيد» لشيء
كان يقضى بكفره وضلاله
هو أهل لأن يرد لقومي
أمرهم في حقيقة استقلاله
وأنا المرء لم أر الحق إلا
كنت من حزبه ومن عماله
رب حر صنعت فيه ثناء
عجز الناحتون عن تمثاله
6
أمين بك الرافعي1
مال أحبابه خليلا خليلا
وتولى اللدات إلا قليلا
نصلوا أمس من غبار الليالي
ومضى وحده يحث الرحيلا
2
سكنت منهم الركاب كأن لم
تضطرب ساعة ولم تمض ميلا
جردوا من منازل الأرض إلا
حجرا دارسا ورملا مهيلا
3
وتعروا إلى البلى فكساهم
خشنة اللحد والدجى المسدولا
في يباب من الثرى رده المو
ت نقيا من الحقود غسيلا
4
طرحوا عنده الهموم وقالوا
إن عبء الحياة كان ثقيلا
إنما العالم الذي منه جئنا
ملعب لا ينوع التمثيلا
بطل الموت في الرواية ركن
بنيت منه هيكلا وفصولا
كلما راح أو غدا الموت فيها
سقط الستر بالدموع بليلا
ذكريات من الأحبة تمحى
بيد للزمان تمحو الطلولا
كل رسم من منزل أو حبيب
سوف يمشي البلى عليه محيلا
رب ثكل آساك من قرحة الثك
ل ورزء نساك رزءا جليلا
يا بنات القريض قمن مناحا
ت وأرسلن لوعة وعويلا
من بنات الهديل أنتن أحنى
نغمة في الأسى وأشجى هديلا
5
إن دمعا تذرفن إثر رفاقي
سوف يبكي به الخليل الخليلا
رب يوم يناح فيه علينا
لو نحس النواح والترتيلا
بمراث كتبن بالدمع عنا
أسطرا من جوى وأخرى غليلا
يجد القائلون فيها المعاني
يوم لا يأذن البلى أن نقولا
أخذ الموت من يد الحق سيفا
خالدي الغرار عضبا صقيلا
6
من سيوف الجهاد فولاذه الحق
فهل كان قينه جبريلا
7
لمسته يد السماء فكان ال
برق والرعد خفقة وصليلا
وإباء الرجال أمضى من السي
ف على كف فارس مسلولا
رب قلب أصاره الخلق ضرغا
ما وصدر أصاره الحق غيلا
8
قيل حلله قلت عرق من التب
ر أراح البيان والتحليلا
لم يزد في الحديد والنار إلا
لمحة حرة وصبرا جميلا
لم يخف في حياته شبح الفق
ر إذا طاف بالرجال مهولا
جاع حينا فكان كالليث آبى
ما تلاقيه يوم جوع هزيلا
تأكل الهرة الصغار إذا جا
عت ولا تأكل اللباة الشبولا
قيل غال في الرأي قلت هبوه
قد يكون الغلو رأيا أصيلا
وقديما بنى الغلو نفوسا
وقديما بنى الغلو عقولا
وكم استنهض الشيوخ وأذكى
في الشباب الطماح والتأميلا
ومن الرأي ما يكون نفاقا
أو يكون اتجاهه التضليلا
ومن النقد والجدال كلام
يشبه البغي والخنا والفضولا
وأرى الصدق ديدنا لسليل الر
افعيين والعفاف سبيلا
عاش لم يغتب الرجال ولم يج
عل شئون النفوس قالا وقيلا
قد فقدنا به بقية رهط
أيقظوا النيل واديا ونزيلا
حركوه وكان بالأمس كالكه
ف حزونا وكالرقيم سهولا
9
يا أمين الحقوق أديت حتى
لم تخن مصر في الحقوق فتيلا
ولو اسطعت زدت مصر من الحق
على نيلها المبارك نيلا
لست أنساك قابعا بين درجي
ك مكبا عليهما مشغولا
قد تواريت في الخشوع فخالو
ك ضئيلا وما خلقت ضئيلا
سائل «الشعب» عنك و«العلم» الخف
اق أو سائل اللواء الظليلا
10
كم إمام قربت في الصف منه
ومغن قعدت منه رسيلا
تنشد الناس في القضية لحنا
كالحواري رتل الإنجيلا
ماضيا في الجهاد لم تتأخر
تزن الصف أو تقيم الرعيلا
11
ما تبالي مضيت وحدك تحمي
حوزة الحق أم مضيت قبيلا
إن يفت فيك منبر الأمس شعري
إن لي المنبر الذي لن يزولا
جل عن منشد سوى الدهر يلقي
ه على الغابرين جيلا فجيلا
الشيخ سلامة حجازي1
يا ثرى النيل في نواحيك طير
كان دنيا وكان فرحة جيل
لم يزل ينزل الخمائل حتى
حل في ربوة على سلسبيل
أقعد الروض في الحياة مليا
وأقام الربا بسحر الهديل
2
يا لواء الغناء في دولة الفن
إليك اتجهت بالإكليل
عبقريا كأنه زنبق الخل
د على فرعه السري الأسيل
3
أين من مسمع الزمان أغاني
عليهن روعة التمثيل
أين صوت كأنه رنة البل
بل في الناعم الوريف الظليل
فيه من نغمة المزامير معنى
وعليه قداسة الترتيل
كلما رن في المسارح «إن كن
ت» انثنى بالهتاف والتهليل
4
كعتاب الحبيب في أذن الصب
وهمس النديم حول الشمول
5
كيف إخواننا هناك على الكو
ثر بين الصبا وبين القبول
6
كيف في الخلد ضرب أحمد بالعو
د ونفخ الأمين في الأرغول
7
فرح كله النعيم وعرس
كيف «عثمان» فيه كيف «الحمولي»
8
فهنيئا لكم ونعمة بال
استرحتم من ظل كل ثقيل
إنما منزل رفاتك فيه
لبقايا من كل فن جميل
ذبلت في ثراه ريحانة الفن
وجفت ريحانة التمثيل
قام يجزي «سلامة» في ثراه
وطن بالجزاء غير بخيل
قد يوفي البناء والغرس أجرا
ويكافي على الصنيع الجليل
محسن بالبنين في حاضر العي
ش وفي سالف الزمان الطويل
ويعد الضريح من مرمر الخل
د الكريم المهذب المصقول
9
يدفن الصالحين في ورق المص
حف أو في صحائف الإنجيل
مصر في غيبة المشايع والحا
سد والحاقد اللئيم الذليل
قامت اليوم حول ذكراك تجزي
وطنيا من الطراز القليل
من رجال بنوا لمصر حديثا
وأذاعوا محاسنا للنيل
هم سقاة القلوب بالود والصف
و وهم تارة سقاة العقول
ليس منهم إلا فتى عبقري
ليس في المجد بالدعي الدخيل
أدهم باشا1
مصاب بني الدنيا عظيم ب «أدهم»
وأعظم منه حيرة الشعر في فمي
أأنطق والأنباء تترى بطيب
وأسكت والأنباء تترى بمؤلم
أتيت بغال في الثناء منضد
فمن لي بغال في الرثاء منظم
عسى الشعر أن يجزي جريئا لفقده
بكى الترك واليونان بالدمع والدم
وكم من شجاع في العداة مكرم
وكم من جبان في اللدات مذمم
وهل نافع جري القوافي لغاية
وقد فتكت دهم المنايا بأدهم
2
رمت فأصابت خير رام بها العدا
وما السهم إلا للقضاء المحتم
فتى كان سيف الهند في صورة امرئ
وكان فتى الفتيان في مسك ضيغم
3
لحاه على الإقدام حساد مجده
وما خلق الإقبال إلا لمقدم
مزعزع أجيال وغاشي معاقل
وقائد جرار ومزجي عرمرم
4
سلوا عنه «ميلونا» وما في شعابه
وفي ذروتيه من نسور وأعظم
ليالي بات الدين في غير قبضة
وزلزل في إيمانه كل مسلم
وقال أناس آخر العهد بالملا
وهمت ظنون بالتراث المقسم
5
فأطلع للإسلام والملك كوكبا
من النصر في داج من الشك مظلم
ورحنا نباهي الشرق والغرب عزة
وكنا حديث الشامت المترحم
مفاخر للتاريخ تحصى لأدهم
ومن يقرض التاريخ يربح ويغنم
ألا أيها الساعون هل لبس الصفا
سوادا وقد غص الورود بزمزم
وهل أقبل الركبان ينعون «خالدا»
إلى كل رام بالجمار ومحرم
وهل مسجد تتلون فيه رثاءه
فكم قد تلوتم مدحه بالترنم
وكان إذا خاض الأسنة والظبا
تنحت إلى أن يعبر الفارس الكمي
ومن يعط في هذي الدنية فسحة
يعمر وإن لاقى الحروب ويسلم «علي» أبو الزهراء داهية الوغى
دهاه بباب الدار سيف ابن ملجم «فروق» اضحكي وابكي فخارا ولوعة
وقومي إلى نعش الفقيد المعظم
كأم شهيد قد أتاها نعيه
فخفت له بين البكى والتبسم
وخطي له بين السلاطين مضجعا
وقبرا بجنب الفاتح المتقدم
بخلت عليه في الحياة بموكب
فتوبي إليه في الممات بمأتم
ويا داء ما أنصفت إذ رعت صدره
وقد كان فيه الملك إن ريع يحتمي
ويا أيها الماشون حول سريره
أحطتم بتاريخ فصيح التكلم
ويا مصر من شيعت أعلى همامة
وأثبت قلبا من رواسي المقطم
ويا قوم هذا من يقام لمثله
مثال لباغي قدوة متعلم
ويا بحر تدري قدر من أنت حامل
ويا أرض صونيه ويا ربي ارحم
عثمان باشا الغازي1
هالة للهلال فيها اعتصام
كيف حامت حيالها الأيام
دخلتها عليك «عثمان» في السل
م وقد كنت في الوغى لا ترام
وإذا الداء كان داء المنايا
صعبته لأهلها الأحلام
فبرغم «المشير» أن يتولى
والخطوب المروعات جسام
ويد الملك تستجير يديه
والسرايا تدعوه والأعلام
وبنوه يرجونه وهم الجن
د وهم قادة الجنود العظام
مثلتهم صفاته للبرايا
رب فرد سادت به أقوام
بطل الشرق قد بكتك المعالي
ورثاك الولي والأخصام
خذل الملك زنده يوم أودي
ت وأهوى من راحتيه الحسام
ودهى الدين والخلافة أمر
فادح رائع جليل جسام
علم العصر والممالك ولى
وقليل أمثاله الأعلام
سل «بلفنا» أكنت تدرك فيها
ولو ان المحاصرين الأنام
خيم الروس حول حصنك لكن
أين من هامة السماك الخيام
وأحاطت بعزمك الجند لكن
عزمك الشهب والجنود الظلام
كلما جرد «المحاصر» سيفا
قطع السيف رأيك الصمصام
وإذا كانت العقول كبارا
سلمت في المضايق الأجسام
وعجيب لا يأخذ السيف منكم
وينال الطوى ويعطى الأوام
فخرجتم إلى العدا لم تبالوا
ما لأسد على سغوب مقام
تخرقون الجيوش جيشا فجيشا
مثلما يخرق الخواء الغمام
والمنايا محيطة وحصون الر
وس تحمي الطريق والألغام
ولنار العدو فيكم قعود
ولسيف العدو فيكم قيام
جرح الليث يوم ذاك فخان ال
جيش قلب وزلزلت أقدام
ما دفعت الحسام عجزا ولكن
عجزت ضيغم الحروب الكلام
فأعادوه خير شيء أعادوا
وكذا يعرف الكرام الكرام
فتقلدته وكنت خليقا
سلبتنا كليكما الأيام
ما لها عودة ولا لك رد
نمت عنها ومن تركت نيام
إنما الملك صارم ويراع
فإذا فارقاه ساد الطغام
ونظام الأمور عقل وعدل
فإذا وليا تولى النظام
وعجيب خلقت للحرب ليثا
وسجاياك كلهن سلام
فهي في رأيك القويم حلال
وهي في قلبك الرحيم حرام
لك سيف إلى اليتامى بغيض
وحنان يحبه الأيتام
مستبد على قوي حليم
عن ضعيف وهكذا الإسلام
بطرس باشا غالي1
قبر الوزير تحية وسلاما
الحلم والمعروف فيك أقاما
ومحاسن الأخلاق فيك تغيبت
عاما وسوف تغيب الأعواما
قد كنت صومعة فصرت كنيسة
في ظلها صلى المطيف وصاما
القوم حولك يا ابن «غالي» خشع
يقضون حقا واجبا وذماما
يسعون بالأبصار نحو سريره
كالأرض تنشد في السماء غماما
يبكون موئلهم وكهف رجائهم
والأريحي المفضل المقداما
متسابقين إلى ثراك كأنهم
ناديك في عز الحياة زحاما
ودوا غداة نقلت بين عيونهم
لو كان ذلك محشرا وقياما
ماذا لقيت من الرياسات العلا
وأخذت من نعم الحياة جساما
اليوم يغني عنك لوعة بائس
وعزاء أرملة وحزن يتامى
والرأي للتاريخ فيك ففي غد
يزن الرجال وينطق الأحكاما
يقضي عليهم في البرية أو لهم
ويديم حمدا أو يؤيد ذاما
أنت الحكيم فلا ترعك منية
أعلمت حيا غير رفدك داما
إن الذي خلق الحياة وضدها
جعل البقاء لوجهه إكراما
قد عشت تحدث للنصارى ألفة
وتجد بين المسلمين وئاما
واليوم فوق مشيد قبرك ميتا
وجد الموفق للمقال مقاما
الحق أبلج كالصباح لناظر
لو أن قوما حكموا الأحلاما
أعهدتنا والقبط إلا أمة
للأرض واحدة تروم مراما
نعلي تعاليم المسيح لأجلهم
ويوقرون لأجلنا الإسلاما
الدين للديان جل جلاله
لو شاء ربك وحد الأقواما
يا قوم بان الرشد فاقصوا ما جرى
وخذوا الحقيقة وانبذوا الأوهاما
هذي ربوعكم وتلك ربوعنا
متقابلين نعالج الأياما
هذي قبوركم وتلك قبورنا
متجاورين جماجما وعظاما
فبحرمة الموتى وواجب حقهم
عيشوا كما يقضي الجوار كراما
يبكي والدته1
إلى الله أشكو من عوادي النوى سهما
أصاب سويداء الفؤاد وما أصمى
2
من الهاتكات القلب أول وهلة
وما دخلت لحما ولا لامست عظما
توارد والناعي فأوجست رنة
كلاما على سمعي وفي كبدي كلما
3
فما هتفا حتى نزا
4
الجنب وانزوى
فيا ويح جنبي كم يسيل؟ وكم يدمى؟
طوى الشرق نحو الغرب والماء للثرى
إلي ولم يركب بساطا ولا يما
5
أبان ولم ينبس وأدى ولم يفه
وأدمى وما داوى وأوهى وما رما
إذا طويت بالشهب والدهم شقة
طوى الشهب أو جاب الغدافية الدهما
6
ولم أر كالأحداث سهما إذا جرت
ولا كالليالي راميا يبعد المرمى
ولم أر حكما كالمقادير نافذا
ولا كلقاء الموت من بينها حتما
إلى حيث آباء الفتى يذهب الفتى
سبيل يدين العالمون بها قدما
وما العيش إلا الجسم في ظل روحه
ولا الموت إلا الروح فارقت الجسما
ولا خلد حتى تملأ الدهر حكمة
على نزلاء الدهر بعدك أو علما •••
زجرت تصاريف الزمان فما يقع
لي اليوم منها كان بالأمس لي وهما
7
وقدرت ل «النعمان» يوما وضده
فما اغترت البؤسى ولا غرت النعمى
8
شربت الأسى مصروفة لو تعرضت
بأنفاسها بالفم لم يستفق غما
فأترع وناول يا زمان فإنما
نديمك «سقراط» الذي ابتدع السما
9
قتلتك حتى ما أبالي أدرت لي
بكأسك نجما أم أدرت بها رجما
لك الله من مطعونة بقنا النوى
شهيدة حرب لم تقارف لها إثما
مدلهة أزكى من النار زفرة
وأنزه من دمع الحيا عبرة سحما
10
سقاها بشيري وهي تبكي صبابة
فلم يقو مغناها على صوبه رسما
11
أست جرحها الأنباء غير رفيقة
وكم نازع سهما فكان هو السهما
تغار على الحمى الفضائل والعلا
لما قبلت منها وما ضمت الحمى
أكانت تمناها وتهوى لقاءها
إذا هي سماها بذي الأرض من سمى
ألمت عليها واتقت ثمراتها
فلما وقوا الأسواء لم ترها ذما
فيا حسرتا ألا تراهم أهلة
إذا أقصر البدر التمام مضوا قدما
رياحين في أنف الولي وما لها
عدو تراهم في معاطسه رغما
وألا يطوفوا خشعا حول نعشها
ولا يشبعوا الركن استلاما ولا لثما
حلفت بما أسلفت في المهد من يد
وأوليت جثماني من المنة العظمى
وقبر منوط بالجلال مقلد
تليد الخلال الكثر والطارف الجما
12
وبالغاديات الساقيات نزيله
من الصلوات الخمس والآي والأسما
لما كان لي في الحرب رأي ولا هوى
ولا رمت هذا الثكل للناس واليتما
ولم يك ظلم الطير بالرق لي رضا
فكيف رضائي أن يرى البشر الظلما
ولم آل شبان البرية رقة
كأن ثمار القلب من ولدي ثما
وكنت على نهج من الرأي واضح
أرى الناس صنفين الذئاب أو البهما
13
وما الحكم إلا في أولي البأس دولة
ولا العدل إلا حائط يعصم الحكما •••
نزلت ربا الدنيا وجنات عدنها
فما وجدت نفسي لأنهارها طعما
أريح أريج المسك في عرصاتها
وإن لم أرح «مروان» فيها ولا «لخما»
14
إذا ضحكت زهوا إلي سماؤها
بكيت الندى في الأرض والبأس والحزما
أطيف برسم أو ألم بدمنة
أخال القصور الزهر والغرف الشما
فما برحت من خاطري «مصر» ساعة
ولا أنت في ذي الدار زايلت لي وهما
إذا جنني الليل اهتززت إليكما
فجنحا إلى سعدى وجنحا إلى سلمى
15
فلما بدا للناس صبح من المنى
وأبصر فيه ذو البصيرة والأعمى
وقرت سيوف الهند وارتكز القنا
وأقلعت البلوى وأقشعت الغمى
وحنت نواقيس ورنت مآذن
ورفت وجوه الأرض تستقبل السلمى
أتى الدهر من دون الهناء ولم يزل
ولوعا ببنيان الرجاء إذا تما
إذا جال في الأعياد حل نظامها
أو العرس أبلى في معالمه هدما
لئن فات ما أملته من مواكب
فدونك هذا الحشد والموكب الضخما
رثيت به ذات التقى ونظمته
لعنصره الأزكى وجوهره الأسمى
نمتك مناجيب العلا ونميتها
فلم تلحقي بنتا ولم تسبقي أما
وكنت إذا هذي السماء تخايلت
تواضعت لكن بعدما فتها نجما
أتيت به لم ينظم الشعر مثله
وجئت لأخلاق الكرام به نظما
ولو نهضت عنه السماء ومخضت
به الأرض كان المزن والتبر والكرما
16
الملك حسين1
لك في الأرض والسماء مآتم
قام فيها أبو الملائك هاشم
2
قعد الآل للعزاء وقامت
باكيات على الحسين الفواطم
3 •••
يا أبا العلية البهاليل سل آ
باءك الزهر هل من الموت عاصم؟
4
المنايا نوازل الشعر الأب
يض جارات كل أسود فاحم
5
ما الليالي إلا قصار ولا الدن
يا سوى ما رأيت أحلام نائم
انحسار الشفاه عن سن جذلا
ن وراء الكرى إلى سن نادم
سنة أفرحت وأخرى أساءت
لم يدم في النعيم والكرب حالم •••
المناحات في ممالك أبنا
ئك بدرية العزاء قوائم
6
تلك «بغداد» في الدموع وعما
ن وراء السواد والشام واجم
7
والحجاز النبيل ربع مصل
من ربوع الهدى وآخر صائم
8
واشتركنا فمصر عبرى ولبنا
ن سكوب العيون باكي الحمائم •••
قم تأمل بنيك في الشرق زين الت
اج ملء السرير نور العواصم
9
الزكيون عنصرا مثل إبرا
هيم والطيبون مثل القاسم
10
وعليهم إذا العيون رمتهم
عوذ من محمد وتمائم
11
قد بنى الله بيتهم فهو باق
ما بنى الله ما له من هادم
دبروا الملك في العراق وفي الشا
م فسنوا الهدى وردوا المظالم
أمن الناس في ذراهم وطابت
عرب الأرض تحتهم والأعاجم
وبنوا دولة وراء فلسطي
ن كعاب الهدى فتاة العزائم
ساسها بالأناة أروع ك «الدا
خل» ماضي الجنان يقظان حازم
12
قبرص كانت الحديد وقد تن
زل قضبانه الليوث الضراغم
13
كره الدهر أن يقوم لواء
تحشر البيد تحته والعماعم
14 •••
قم تحدث «أبا علي» إلينا
كيف غامرت في جوار الأراقم
15
لم تبال النيوب في الهام خشنا
وتعلقت بالحواشي النواعم
هات حدث عن العوان وصفها
لا ترع في التراب ما أنا لائم
16
كلنا وارد السراب وكل
حمل في وليمة الذئب طاعم
17
قد رجونا من المغانم حظا
ووردنا الوغى فكنا الغنائم •••
قد بعثت القضية اليوم ميتا
رب عظم أتى الأمور العظائم
أنت كالحق ألف الناس يقظا
ن وزاد ائتلافهم وهو نائم
إنما الهمة البعيدة غرس
متأتي الجنى بطيء الكمائم
18
ربما غاب عن يد غرسته
وحوته على المدى يد قادم
حبذا موقف غلبت عليه
لم يقفه للعرب قبلك خادم
ذائدا عن ممالك وشعوب
نقلت في الأكف نقل الدراهم
كل ماء لهم وكل سماء
موطئ الخيل أو مطار القشاعم
19
لم لم تدعهم إلى الهمة الشم
اء والعلم والطماح المزاحم
وركوب اللجاج وهي طواغ
والسموات وهي هوج الشكائم
20
وإلى القطب والجليد عليه
والصحاري وما بها من سمائم
21
اغسلوه بطيب من وضوء الر
سل كالورد في رباه البواسم
22
وخذوا من وسادهم في المصلى
رقعة كفنوا بها فرع هاشم
واستعيروا لنعشه من ذرا المن
بر عودا ومن شريف القوائم
واحملوه على البراق إن اسطع
تم فقد جل عن ظهور الرواسم
23
وأديروا إلى العتيق «حسينا»
يبتهل ركنه وتدعو الدعائم
24
واذكروا للأمير مكة والقص
ر وعهد الصفا وطيب المواسم
ظمئ الحر للديار وإن كا
ن على منهل من الخلد دائم •••
نقلوا النعش ساعة في ربا الفت
ح وطوفوا بربه في المعالم
وقفوا ساعة به في ثرى الأق
مار من قومه وترب الغمائم
وادفنوه في القدس بين سليما
ن وداوود والملوك الأكارم
إنما القدس منزل الوحي مغنى
كل حبر من الأوائل عالم
كنفت بالغيوب فالأرض أسرا
ر مدى الدهر والسماء طلاسم
وتحلت من البراق بطغرا
ء ومن حافر البراق بخاتم
25
يرثي أباه1
سألوني لم لم أرث أبي
ورثاء الأب دين أي دين
أيها اللوام ما أظلمكم
أين لي العقل الذي يسعد أين؟
2
يا أبي ما أنت في ذا أول
كل نفس للمنايا فرض عين
هلكت قبلك ناس وقرى
ونعى الناعون خير الثقلين
3
غاية المرء وإن طال المدى
آخذ يأخذه بالأصغرين
4
وطبيب يتولى عاجزا
نافضا من طبه خفي حنين
5
إن للموت يدا إن ضربت
أوشكت تصدع شمل الفرقدين
تنفذ الجو على عقبانه
وتلاقي الليث بين الجبلين
وتحط الفرخ من أيكته
وتنال الببغا في المئتين
أنا من مات ومن مات أنا
لقي الموت كلانا مرتين
نحن كنا مهجة في بدن
ثم صرنا مهجة في بدنين
6
ثم عدنا مهجة في بدن
ثم نلقى جثة في كفنين
ثم نحيا في «علي» بعدنا
وبه نبعث أولى البعثتين
7
انظر الكون وقل في وصفه
كل هذا أصله من أبوين
فإذا ما قيل ما أصلهما
قل هما الرحمة في مرحمتين
فقدا الجنة في إيجادنا
ونعمنا منهما في جنتين
وهما العذر إذا ما أغضبا
وهما الصفح لنا مسترضيين
ليت شعري أي حي لم يدن
بالذي دانا به مبتدئين
وقف الله بنا حيث هما
وأمات الرسل إلا الوالدين
8
ما أبي إلا أخ فارقته
وده الصدق وود الناس مين
9
طالما قمنا إلى مائدة
كانت الكسرة فيها كسرتين
وشربنا من إناء واحد
وغسلنا بعد ذا فيه اليدين
وتمشينا يدي في يده
من رآنا قال عنا أخوين
نظر الدهر إلينا نظرة
سوت الشر فكانت نظرتين
يا أبي والموت كأس مرة
لا تذوق النفس منها مرتين
كيف كانت ساعة قضيتها
كل شيء قبلها أو بعد هين؟
أشربت الموت فيها جرعة
أم شربت الموت فيها جرعتين؟
لا تخف بعدك حزنا أو بكى
جمدت مني ومنك اليوم عين
أنت قد علمتني ترك الأسى
كل زين منتهاه الموت شين
ليت شعري هل لنا أن نلتقي
مرة أم ذا افتراق الملوين
10
وإذا مت وأودعت الثرى
أنلقى حفرة أم حفرتين
مصطفى كامل باشا1
المشرقان عليك ينتحبان
قاصيهما في مأتم والداني
يا خادم الإسلام أجر مجاهد
في الله من خلد ومن رضوان
لما نعيت إلى الحجاز مشى الأسى
في الزائرين وروع الحرمان
2
السكة الكبرى حيال رباهما
منكوسة الأعلام والقضبان
3
لم تألها عند الشدائد خدمة
في الله والمختار والسلطان
يا ليت مكة والمدينة فازتا
في المحفلين بصوتك الرنان
ليرى الأواخر يوم ذاك ويسمعوا
ما غاب من قس ومن سحبان
4
جار التراب وأنت أكرم راحل
ماذا لقيت من الوجود الفاني؟
أبكي صباك ولا أعاتب من جنى
هذا عليه كرامة للجاني
يتساءلون أب «السلال» قضيت أم
بالقلب أم هل مت بالسرطان
الله يشهد أن موتك بالحجا
والجد والإقدام والعرفان
إن كان للأخلاق ركن قائم
في هذه الدنيا فأنت الباني
بالله فتش عن فؤادك في الثرى
هل فيه آمال وفيه أماني
وجدانك الحي المقيم على المدى
ولرب حي ميت الوجدان
الناس جار في الحياة لغاية
ومضلل يجري بغير عنان
والخلد في الدنيا وليس بهين
عليا المراتب لم تتح لجبان
فلو ان رسل الله قد جبنوا لما
ماتوا على دين من الأديان
المجد والشرف الرفيع صحيفة
جعلت لها الأخلاق كالعنوان
وأحب من طول الحياة بذلة
قصر يريك تقاصر الأقران
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثان
للمرء في الدنيا وجم شئونها
ما شاء من ربح ومن خسران
فهي الفضاء لراغب متطلع
وهي المضيق لمؤثر السلوان
الناس غاد في الشقاء ورائح
يشقى له الرحماء وهو الهاني
ومنعم لم يلق إلا لذة
في طيها شجن من الأشجان
فاصبر على نعمى الحياة وبؤسها
نعمى الحياة وبؤسها سيان
5
يا طاهر الغدوات والروحات وال
خطرات والإسرار والإعلان
هل قام قبلك في المدائن فاتح
غاز بغير مهند وسنان
يدعو إلى العلم الشريف وعنده
أن العلوم دعائم العمران؟!
لفوك في علم البلاد منكسا
جزع الهلال على فتى الفتيان
ما احمر من خجل ولا من ريبة
لكنما يبكي بدمع قاني
6
يزجون نعشك في السناء وفي السنا
فكأنما في نعشك القمران
وكأنه نعش الحسين ب «كربلا»
يختال بين بكى وبين حنان
في ذمة الله الكريم وبره
ما ضم من عرف ومن إحسان
ومشى جلال الموت وهو حقيقة
وجلالك المصدوق يلتقيان
شقت لمنظرك الجيوب عقائل
وبكتك بالدمع الهتون غواني
7
والخلق حولك خاشعون كعهدهم
إذ ينصتون لخطبة وبيان
يتساءلون بأي قلب ترتقى
بعد المنابر أم بأي لسان؟
لو أن أوطانا تصور هيكلا
دفنوك بين جوانح الأوطان
أو كان يحمل في الجوارح ميت
حملوك في الأسماع والأجفان
أو صيغ من غر الفضائل والعلا
كفن لبست أحاسن الأكفان
أو كان للذكر الحكيم بقية
لم تأت بعد رثيت في القرآن
ولقد نظرتك والردى بك محدق
والداء ملء معالم الجثمان
يبغي ويطغى والطبيب مضلل
قنط وساعات الرحيل دواني
ونواظر العواد عنك أمالها
دمع تعالج كتمه وتعاني
تملي وتكتب والمشاغل جمة
ويداك في القرطاس ترتجفان
فهششت لي حتى كأنك عائدي
وأنا الذي هد السقام كياني
ورأيت كيف تموت آساد الشرى
وعرفت كيف مصارع الشجعان
8
ووجدت في ذاك الخيال عزائما
ما للمنون بدكهن يدان
وجعلت تسألني الرثاء فهاكه
من أدمعي وسرائري وجناني
لولا مغالبة الشجون لخاطري
لنظمت فيك يتيمة الأزمان
وأنا الذي أرثي الشموس إذا هوت
فتعود سيرتها إلى الدوران
قد كنت تهتف في الورى بقصائدي
وتجل فوق النيرات مكاني
ماذا دهاني يوم بنت فعقني
فيك القريض وخانني إمكاني؟!
هون عليك فلا شمات بميت
إن المنية غاية الإنسان
من للحسود بميتة بلغتها
عزت على «كسرى» أنوشروان
عوفيت من حرب الحياة وحربها
فهل استرحت أم استراح الشاني؟
9
يا صب مصر ويا شهيد غرامها
هذا ثرى مصر فنم بأمان
اخلع على مصر شبابك عاليا
والبس شباب الحور والولدان
فلعل مصرا من شبابك ترتدي
مجدا تتيه به على البلدان
فلو ان بالهرمين من عزماته
بعض المضاء تحرك الهرمان
علمت شبان المدائن والقرى
كيف الحياة تكون في الشبان
مصر الأسيفة ريفها وصعيدها
قبر أبر على عظامك حاني
أقسمت إنك في التراب طهارة
ملك يهاب سؤاله الملكان
حسن بك أنور1
تسائلني «كرمتي» بالنهار
وبالليل أين سميري «حسن»
2
وأين النديم الشهي الحديث
وأين الطروب اللطيف الأذن
نجي البلابل في عشها
وملهمها صبية في الفنن
فقلت لها مات واستشعرت
ليالي السرور عليه الحزن
لئن ناء من سمن جسمه
فما عرفت روحه ما السمن
وما هو ميت ولكنه
بشاشة دهر محاها الزمن
ومعنى خلا القول من لفظه
وحلم تطاير عنه الوسن
3
ولا يذكر المعهد الشرقي
ل «أنور» إلا جليل المنن
وما كان من صبره في الصعاب
وما كان من عونه في المحن
وخدمة فن يداوي القلوب
ويشفي النفوس ويذكي الفطن
وما كان فيه الدعي الدخيل
ولكن من الفن كان الركن
4
ولو أنصف الصحب يوم الوداع
دفنت ك «إسحاق» لما دفن
فغيبت في المسك لا في التراب
وأدرجت في الورد لا في الكفن
وخط لك القبر في روضة
يميل على الغصن فيها الغصن
وينتحب الطير في ظلها
ويخلع فيها النسيم الرسن
5
وقامت على العود أوتاره
تعيد الحنين وتبدي الشجن
وطارحك «الناي» شجو النواح
وكنت تئن إذا الناي أن
ومال فناح عليك «الكمان»
وأظهر من بثه ما كمن
سلام عليك سلام الربا
إذا نفحت والغوادي الهتن
سلام على جيرة بالإمام
ورهط بصحرائه مرتهن
سلام على حفر كالقباب
وأخرى كمندرسات الدمن
6
وجمع تآلف بعد الخلاف
وصافى وصوفي بعد الضغن
سلام على كل طود هناك
له حجر في بناء الوطن
أم المحسنين1
أخذت نعشك مصر باليمين
وحوته من يد الروح الأمين
2
لقيت طهر بقاياك كما
لقيت «يثرب» أم المؤمنين
في سواديها وفي أحشائها
ووراء النحر من حبل الوتين
3
خرجت من قصرك الباكي إلى
رملة الثغر إلى القصر الحزين
أخذت بين اليتامى مذهبا
ومشت في عبرات البائسين
ورمت طرفا إلى البحر ترى
من وراء الدمع أسراب السفين
فبدت جارية في حضنها
فنن الورد وفرع الياسمين
4
وعلى جؤجئها نور الهدى
وعلى سكانها نور اليقين
5
حملت من شاطئي «مرمرة»
جوهر السؤدد والكنز الثمين
6
وطوت بحرا ببحر وجرت
في الأجاج الملح بالعذب المعين
واستقلت درة كانت سنا
وسناء في جباه المالكين
7
ذهبت عن علية صيد وعن
خرد من خفرات البيت عين
والتقيات بنات المتقي
والأمينات بنيات الأمين
لبست في مطلع العز الضحى
ونضته كالشموس الآفلين
8
يدها بانية غارسة
كيد الشمس وإن غاب الجبين
ربة العرشين في دولتها
قد ركبت اليوم عرش العالمين
أضجعت قبلك فيه «مريم»
وتوارى بنساء المرسلين
إنه رحل الأوالي شده
لهم آدم رسل الآخرين
اخلعي الألقاب إلا لقبا
عبقريا هو «أم المحسنين»
ودعي المال يسر سنته
يمض عن قوم لأيدي آخرين
واقذفي بالهم في وجه الثرى
واطرحي من حالق عبء السنين
9
واسخري من شانئ أو شامت
ليس بالمخطئ يوم الشامتين
وتعزي عن عوادي دولة
لم تدم في ولد أو في قرين
وازهدي في موكب لو شئته
لتغطى وجهها بالدارعين
10
ما الذي رد على أصحابه
ليس يحيي موكب الدفن الدفين
رب محمول على المدفع ما
منع الحوض ولا حاط العرين
11
باطل من أمم مخدوعة
يتحدون به الحق المبين
في «فروق» ورباها مأتم
ذرفت آماقها فيه العيون
قام فيها من عقيلات الحمى
ملأ بدلن من عز بهون
أسر مالت بها الدنيا فلم
تلق إلا عندك الركن الركين
قد خلا «بيبك» من حاتمه
ومن الكاسين فيه الطاعمين
12
طارت النعمة عن أيكته
وانقضى ما كان من خفض ولين
اليتامى نوح ناحية
والمساكين يمدون الرنين
دولة مالت وسلطان خلا
دوولت نعماه بين الأقربين
منهض الشرق «علي» لم يزل
من بنيه سيد في «عابدين»
يصلح الله به ما أفسدت
فترات الدهر من دنيا ودين
أم عباس ومالي لم أقل
أم مصر من بنات وبنين
كنت كالورد لهم واستقبلوا
دولة الريحان حينا بعد حين
فيقال الأم في موكبها
ويقال الحرم العالي المصون
13 «العفيفي» عفاف وهدى
ك «البقيع» الطهر ضم الطاهرين
14
ادخلي الجنة من روضته
إن فيها غرفة للصابرين
الدكتور أحمد فؤاد1
أوحت لطرفك فاستهل شئونا
دار مررت بها على «قيسونا»
2
غاضت بشاشتها وفضت شملها
دنيا تغر السادر المفتونا
نزلت عوادي الدهر في ساحاتها
وأقل رفرفها الخطوب العونا
3
فتكاد من أسف على آسي الحمى
من كل ناحية تثور شجونا
تلك «العيادة» لم تكن عبثا ولا
شركا لصيد مآرب وكمينا
دار «ابن سينا» نزهت حجراتها
عن أن تضم ضلالة ومجونا
4
خبت المطالع من أغر مؤمل
كالفجر ثغرا والصباح جبينا
5
ومن الوفود كأنهم من حوله
مرضى ب «عيسى الروح» يستشفونا
مثل تصور من حياة حرة
للنشء ينطق في السكوت مبينا
لم تحص من عهد الصبا حركاته
وتخالهن من الخشوع سكونا
جمحت جراح المعوزين وأعضلت
أدواؤهم وتغيب الشافونا
6
مات الجواد بطبه وبأجره
ولربما بذل الدواء معينا
وتجس راحته العليل وتارة
تكسو الفقير وتطعم المسكينا
أدى أمانة علمه ولطالما
حمل الصداقة وافيا وأمينا
وقضى حقوق الأهل يحسن تارة
بأبيه أو يصل القرابة حينا
خلق ودين في زمان لا ترى
خلقا عليه ولا تصادف دينا
أمداوي الأرواح قبل جسومها
قم داو فيك فؤادي المحزونا
روح بلفظك كل روح معذب
حيران طار بلبه الناعونا
قد كال للقدر العتاب وربما
ظن المدله بالقضاء ظنونا
7
داويت كل محطم فشفيته
ونسيت داء في الضلوع دفينا
كبد على دمها اتكأت ولحمها
فحملت هم المسلمين سنينا
ظلت وراء الحرب تشقى بالنوى
وتذوب للوطن الكريم حنينا
ناصرت في فجر القضية «مصطفى»
فنصرت خلقا في الشباب متينا
8
أقدمت في العشرين تحت لوائه
وروائع الإقدام في العشرينا
لم تبغ دنيا طالما أغضى لها
حمس الدعاة وطأطئوا العرنينا
9
رحماك «يوسف» قف ركابك ساعة
واعطف على يعقوب فيه حزينا
10
لم يدر خلف النعش من حر الجوى
أيشق جيبا أم يشق وتينا
11
ساروا بمهجته فحمل ثكلها
وقضوا بعائله فمال غبينا
12
أتعود في ركب الربيع إذا انثنى
بهجا يزف الورد والنسرينا؟
هيهات من سفر المنية أوبة
حتى يهيب الصبح بالسارينا
ويقال للأرض الفضاء تمخضي
فترد شيخا أو تمج جنينا
الله أبقى أين من جسدي يد
لم أنس رفق بنانها واللينا
13
حتى تمثلت العناية صورة
تومي براح أو تجيل عيونا
فجررت جثماني وهانت كربة
لولا اعتناؤك لم تكن لتهونا
إن الشفاء من الحياة وعونها
ما كان آس بالشفاء ضمينا
واليوم أرتجل الرثاء وأنزوي
في مأتم أبكي مع الباكينا
سبحان من يرث الطبيب وطبه
ويري المريض مصارع الآسينا!
14
نجل إمام اليمن1
مضى الدهر بابن إمام اليمن
وأودى بزين شباب الزمن
وباتت بصنعاء تبكي السيوف
عليه وتبكي القنا في عدن
2
وأعول نجد وضج الحجاز
ومال الحسين فعز الحسن
وغصت مناحاته في الخيام
وغصت مآتمه في المدن
ولو أن ميتا مشى للعزاء
مشى في مآتمه ذو يزن
3
فتى كاسمه كان سيف الإله
وسيف الرسول وسيف الوطن
ولقب بالبدر من حسنه
وما البدر ما قدره وابن من
عزاء جميلا إمام الحمى
وهون جليل الرزايا يهن
وأنت المعان بإيمانه
وظنك في الله ظن حسن
ولكن متى رق قلب القضاء
ومن أين للموت عقل يزن
يجاملك العرب النازحون
وما العربية إلا وطن
ويجمع قومك بالمسلمين
عظيم الفروض وسمح السنن
وأن نبيهم واحد
نبي الصواب نبي اللسن
ومصر التي تجمع المسلمين
كما اجتمعوا في ظلال الركن
4
تعزي اليمانين في سيفهم
وتأخذ حصتها في الحزن
وتقعد في مأتم ابن الإمام
وتبكيه بالعبرات الهتن
وتنشر ريحانتي زنبق
من الشعر في ربوات اليمن
ترفان فوق رفات الفقيد
رفيف الجنى في أعالي الغصن
قضى واجبا فقضى دونه
فتى خالص السر صافي العلن
تطوح في لجج كالجبال
عراض الأواسي طوال القنن
5
مشى مشية الليث لا في السلاح
ولا في الدروع ولا في الجنن
6
متى صرت يا بحر غمد السيوف
وكنا عهدناك غمد السفن
وكنت صوان الجمان الكريم
فكيف أزيل ولم لم يصن
ظفرت بجوهرة فذة
من الشرف العبقري اليمن
فتى بذل الروح دون الرفاق
إليك وأعطى التراب البدن
وهانت عليه ملاهي الشباب
ولولا حقوق العلا لم تهن
وخاضك ينقذ أترابه
وكان القضاء له قد كمن
غدرت فتى ليس في الغادرين
وخنت امرأ وافيا لم يخن
وما في الشجاعة حتف الشجاع
ولا مد عمر الجبان الجبن
ولكن إذا حان حين الفتى
قضى ويعيش إذا لم يحن
7
ألا أيهذا الشريف الرضي
أبو السجراء الرماح اللدن
شهيد المروءة كان البقيع
أحق به من تراب اليمن
فهل غسلوه بدمع العفاة
وفي كل قلب حزين سكن
لقد أغرق ابنك صرف الزمان
وأغرقت أبناءه بالمنن
أتذكر إذ هو يطوي الشهور
وإذ هو كالخشف «حلو» أغن
8
وإذ هو حولك حسن القصور
وطيب الرياض وصفو الزمن
بشاشته لذة في العيون
ونغمته لذة في الأذن
يلاعب طرته في يديك
كما لاعب المهر فضل الرسن
وإذ هو كالشبل يحكي الأسود
أدل بمخلبه وافتتن
9
فشب فقام وراء العرين
يشب الحروب ويطفي الفتن
10
فما باله صار في الهامدين
وأمسى عفاء كأن لم يكن
نظمت الدموع رثاء له
وفصلتها بالأسى والشجن
عبد الله بك الطوير1
يا قلب ويحك والمودة ذمة
ماذا صنعت بعهد «عبد الله»
جاذبتني جنبي عشية نعيه
وخفقت خفقة موجع أواه
2
ولو ان قلبا ذاب إثر حبيبه
لهوى بك الركن الضعيف الواهي
فعليك من حسن المروءة آمر
وعليك من حسن التجلد ناه
نزل «الطوير» في التراب منازلا
تهوي المكارم نحوها بشفاه
عرصاتها ممطورة بمدامع
موطوءة بمفارق وجباه
لولا يمين الموت فوق يمينه
فيها لفاضت من جنى ومياه
3
يا كابرا من كابرين وطاهرا
من آل طهر عارف بالله
ومحكما علم القضاء مكانه
في المقسطين الجلة الأنزاه
4
وحكيما استعصت أعنته على
كذب النعيم وترهات الجاه
وأخا سقى الإخوان من «راووقه»
بوداد لا صلف ولا تياه
5
قد كان شعري شغل نفسك فاقترح
من كل «جائلة» على الأفواه
أنزلت منه حين فاتك جمعه
في منزل بهج بنورك زاه
فاقرأ على «حسان» منه لعله
بفتاه في مدح الرسول مباه
6
وانزل بنور الخلد جدك واتصل
بملائك من آله أشباه
7
ناعيك ناعي حاتم أو جعفر
فالناس بين نوازل ودواه
8
سعد باشا زغلول1
شيعوا الشمس ومالوا بضحاها
وانحنى الشرق عليها فبكاها
ليتني في الركب لما أفلت «يوشع» همت فنادى فثناها
2
جلل الصبح سوادا يومها
فكأن الأرض لم تخلع دجاها
3
انظروا تلقوا عليها شفقا
من جراحات الضحايا ودماها
وتروا بين يديها عبرة
من شهيد يقطر الورد شذاها
آذن الحق ضحاياها بها
ويحه حتى إلى الموتى نعاها
كفنوها حرة علوية
كست الموت جلالا وكساها
مصر في أكفانها إلا الهدى
لحمة الأكفان حق وسداها
4
خطر النعش على الأرض بها
يحسر الأبصار في النعش سناها
5
جاءها الحق ومن عادتها
تؤثر الحق سبيلا واتجاها
6
ما درت مصر بدفن صبحت
أم على البعث أفاقت من كراها
صرخت تحسبها بنت الشرى
طلبت من مخلب الموت أباها
7
وكأن الناس لما نسلوا
شعب السيل طغت في ملتقاها
وضعوا الراح على النعش كما
يلمسون الركن فارتدت نزاها
خفضوا في يوم «سعد» هامهم
وب «سعد» رفعوا أمس الجباها
سائلوا «زحلة» عن أعراسها
هل مشى الناعي عليها فمحاها
8
عطل المصطاف من سماره
وجلا عن ضفة الوادي دماها
9
فتح الأبواب ليلا «ديرها»
وإلى «الناقوس» قامت بيعتاها
صدع البرق الدجى تنشره
أرض «سوريا» وتطويه سماها
10
يحمل الأنباء تسري موهنا
كعوادي الثكل في حر سراها
11
عرض الشك لها فاضطربت
تطأ الآذان همسا والشفاها
قلت يا قوم اجمعوا أحلامكم
كل نفس في وريديها رداها
12
يا عدو القيد لم يلمح له
شبحا في خطة إلا أباها
لا يضق ذرعك بالقيد الذي
حز في سوق الأوالي وبراها
وقع الرسل عليه والتوت
أرجل الأحرار فيه فعفاها
يا رفاتا مثل ريحان الضحى
كللت «عدن» بها هام رباها
13
وبقايا هيكل من كرم
وحياة أترع الأرض حياها
14
ودع العدل بها أعلامه
وبكت أنظمة الشورى صواها
15
حضنت نعشك والتفت به
راية كنت من الذل فداها
ضمت الصدر الذي قد ضمها
وتلقى السهم عنها فوقاها
عجبي منها ومن قائدها
كيف يحمي الأعزل الشيخ حماها
منبر الوادي ذوت أعواده
من أواسيها وجفت من ذراها
من رمى الفارس عن صهوتها
ودها الفصحى بما ألجم فاها
قدر بالمدن ألوى والقرى
ودها الأجبال منه ما دهاها
غال «بسطورا» وأردى عصبة
لمست جرثومة الموت يداها
طافت الكأس بساقي أمة
من رحيق الوطنيات سقاها
عطلت آذانها من وتر
ساحر رن مليا فشجاها
أرغن هام به وجدانها
وأذان عشقته أذناها
كل يوم خطبة روحية
كالمزامير وأنغام لغاها
دلهت مصرا ولو أن بها
فلوات دلهت وحش فلاها
ذائد الحق وحامي حوضه
أنفذت فيه المقادير مناها
أخذت «سعدا» من «البيت» يد
تأخذ الآساد من أصل شراها
لو أصابت غير ذي روح لما
سلمت منها الثريا وسهاها
تتحدى الطب في قفازها
علة الدهر التي أعيا دواها
من وراء الإذن نالت ضيغما
لم ينل أقرانه إلا وجاها
لم تصارح أصرح الناس يدا
ولسانا ورقادا وانتباها
هذه الأعواد من آدم لم
يهد خفاها ولم يعر مطاها
نقلت «خوفو» ومالت ب «منا»
لم يفت حيا نصيب من خطاها
16
تخلط العمرين شيبا وصبا
والحياتين شقاء ورفاها
زورق في الدمع يطفو أبدا
عرف الضفة إلا ما تلاها
تهلع الثكلى على آثاره
فإذا خف بها يوما شفاها
تسكب الدمع على «سعد» دما
أمة من صخرة الحق بناها
من ليان هو في ينبوعها
وإباء هو في صم صفاها
لقن الحق عليه كهلها
واستقى الإيمان بالحق فتاها
بذلت مالا وأمنا ودما
وعلى قائدها ألقت رجاها
حملته ذمة أوفى بها
وابتلته بحقوق فقضاها
ابن سبعين تلقى دونها
غربة الأسر ووعثاء نواها
17
سفر من عدن الأرض إلى
منزل أقرب منه قطباها
قاهر ألقى به في صخرة
دفع النسر إليها فأواها
كرهت منزلها في تاجه
درة في البحر والبر نفاها
اسألوها واسألوا شانئها
لم لم ينف من الدر سواها
ولد الثورة سعد حرة
بحياتي ماجد حر نماها
ما تمنى غيرها نسلا ومن
يلد الزهراء يزهد في سواها
سالت الغابة من أشبالها
بين عينيه وماجت بلباها
18
بارك الله لها في فرعها
وقضى الخير لمصر في جناها
أولم يكتب لها دستورها
بالدم الحر ويرفع منتداها
19
قد كتبناها فكانت صورة
صدرها حق وحق منتهاها
رقد الثائر إلا ثورة
في سبيل الحق لم تخمد جذاها
قد تولاها صبيا فكوت
راحتيه وفتيا فرعاها
20
جال فيها قلما مستنهضا
ولسانا كلما أعيت حداها
21
ورمى بالنفس في بركانها
فتلقى أول الناس لظاها
أعلمتم بعد «موسى» من يد
قذفت في وجه «فرعون» عصاها
22
وطئت نادبة صارخة
شاه وجه الرق يا قوم وشاها
23
ظفرت بالكبر من مستكبر
ظافر الأيام منصور لواها
القنا الصم نشاوى حوله
وسيوف الهند لم تصح ظباها
أين من عيني نفس حرة
كنت بالأمس بعيني أراها
كلما أقبلت هزت نفسها
وتواصى بشرها بي ونداها
وجرى الماضي فماذا ادكرت
وادكار النفس شيء من وفاها
ألمح الأيام فيها وأرى
من وراء السن تمثال صباها
لست أدري حين تندى نضرة
علت الشيب أم الشيب علاها
حلت السبعون في هيكلها
فتداعى وهي موفور بناها
روعة النادي إذا جدت فإن
مزحت لم يذهب المزح بهاها
يظفر العذر بأقصى سخطها
وينال الود غايات رضاها
ولها صبر على حسادها
يشبه السفح وحلم عن عداها
لست أنسى صفحة ضاحكة
تأخذ النفس وتجري في هواها
وحديثا كروايات الهوى
جد للصب حنين فرواها
وقناة صعدة لو وهبت
للسماك الأعزل اختال وتاها
24
أين مني قلم كنت إذا
سمته أن يرثي الشمس رثاها
خانني في يوم «سعد» وجرى
في المراثي فكبا دون مداها
في نعيم الله نفس أوتيت
أنعم الدنيا فلم تنس تقاها
لا الحجا لما تناهى غرها
بالمقادير ولا العلم زهاها
ذهبت أوابة مؤمنة
خالصا من حيرة الشك هداها
آنست خلقا ضعيفا ورأت
من وراء العالم الفاني إلها
ما دعاها الحق إلا سارعت
ليته يوم «وصيف» ما دعاها
25
الشاعر الموسيقي فردي1
فتى العقل والنغمة العالية
مضى ومحاسنه باقية
فلا سوقة لم تكن أنسه
ولا ملك لم تزن ناديه
ولم تخل من طيبها بلدة
ولم تخل من ذكرها ناحية
يكاد إذا هو غنى الورى
بقافية ينطق القافية
يتيه على الماس بعض النحاس
إذا ضم ألحانه الغالية
وتحكم في النفس أوتاره
على العود ناطقة حاكية
وتبلغ موضع أوطارها
وتفشي سريرتها الخافية
وكم آية في الأغاني له
هي الشمس ليس لها ثانية
إذا ما تنادى بها العارفون
قل البرق والرعد من غادية
فإن همسوا بعد جهر بها
فخفق الحلي على الغانية
لقد شاب «فردي» وجاز المشيب
و«عيدا» شبيبتها زاهية
2
تمثل مصر لهذا الزمان
كما هي في الأعصر الخالية
ونذكر تلك الليالي بها
وننشد تلك الرؤى السارية
ونبكي على عزنا المنقضي
ونندب أيامنا الماضية
فيا آل «فردي» نعزيكم
ونبكي مع الأسرة الباكية
فقدنا بمفقودكم شاعرا
يقل الزمان له راوية
إسماعيل أباظة باشا1
سقى الله ب «الكفر الأباظي» مضجعا
تضوع كافورا من الخلد ساريا
يطيب ثرى «بردين» من نفح طيبه
كأن ثرى «بردين» مس الغواليا
2
فيا لك غمدا من صفيح وجندل
حوى السيف مصقول الغرار يمانيا
3
وكنا استللنا في النوائب غربه
فلم يلف هيابا ولم يلف نابيا
4
إذا اهتز دون الحق يحمي حياضه
تأخر عنها باطل القوم ظاميا
طوته يد للموت لا الجاه عاصما
إذا بطشت يوما ولا المال فاديا
تنال صبا الأعمار عند رفيفه
وعند جفوف العود في السن ذاويا
وبعض المنايا تنزل الشهد في الثرى
ويحططن في الترب الجبال الرواسيا
يقولون يرثي الراحلين فويحهم
أأملت عند الراحلين الجوازيا
أبوا حسدا أن أجعل الحي أسوة
لهم ومثالا قد يصادف حاذيا
فلما رثيت الميت أقضي حقوقه
وجدت حسودا للرفات وشانيا
إذا أنت لم ترع العهود لهالك
فلست لحي حافظ العهد راعيا
فلا يطوين الموت عهدك من أخ
وهبه بواد غير واديك نائيا
أقام بأرض أنت لاقيه عندها
وإن بتما تستبعدان التلاقيا
رثيت حياة بالثناء خليقة
وحليت عهدا بالمفاخر حاليا
وعزيت بيتا قد تبارت سماؤه
مشايخ أقمارا ومردا دراريا
5
إلى الله «إسماعيل» وانزل بساحة
أظل الندى أقطارها والنواحيا
ترى الرحمة الكبرى وراء سمائها
تلف التقى في سيبها والمعاصيا
لدى ملك لا يمنع الظل لائذا
ولا الصفح توابا ولا العفو راجيا
وأقسم كنت المرء لم ينس دينه
ولم تلهه دنياؤه وهي ما هيا
وكنت إذا الحاجات عز قضاؤها
لحاج اليتامى والأرامل قاضيا
6
وكنت تصلي بالملوك جماعة
وكنت تقوم الليل بالنفس خاليا
ومن يعط من جاه الملوك وسيلة
فلا يصنع الخيرات لم يعط غاليا
وكنت الجريء الندب في كل موقف
تلفت فيه الحق لم يلق حاميا
7
بصرت بأخلاق الرجال فلم أجد
وإن جلت الأخلاق للعزم ثانيا
من العزم ما يحيي فحولا كثيرة
وقدم كافور الخصي الطواشيا
وما حط من رب القصائد مادحا
وأنزله عن رتبة الشعر هاجيا
فليس البيان الهجو إن كنت ساخطا
ولا هو زور المدح إن كنت راضيا
ولكن هدى الله الكريم ووحيه
حملت به المصباح في الناس هاديا
تفيض على الأحياء نورا وتارة
تضئ على الموتى الرجام الدواجيا
8
هياكل تفنى والبيان مخلد
ألا إن عتق الخمر ينسي الأوانيا
ذهبت «أبا عبد الحميد» مبرأ
من الذام محمود الجوانب زاكيا
9
قليل المساوي في زمان يرى العلا
ذنوبا وناس يخلقون المساويا
طويناك كالماضي تلقاه غمده
فلم تسترح حتى نشرناك ماضيا
10
فكنت على الأفواه سيرة مجمل
وكنت حديثا في المسامع عاليا
وفيت لمن أدناك في الملك حقبة
فكان عجيبا أن يرى الناس وافيا
أثاروا على آثار موتك ضجة
وهاجوا لنا الذكرى وردوا اللياليا
ومن سابق التاريخ لم يأمن الهوى
ملجا ولم يسلم من الحقد نازيا
11
إذا وضع الأحياء تاريخ جيلهم
عرفت الملاحي منهم والمحابيا
إذا سلم الدستور هان الذي مضى
وهان من الأحداث ما كان آتيا
12
ألا كل ذنب لليالي لأجله
سدلنا عليه صفحنا والتناسيا
13
علي بهجت1
أحق أنهم دفنوا عليا
وحطوا في الثرى المرء الزكيا
فما تركوا من الأخلاق سمحا
على وجه التراب ولا رضيا
مضوا بالضاحك الماضي وألقوا
إلى الحفر الخفيف السمهريا
فمن عون اللغات على ملم
أصاب فصيحها والأعجميا
لقد فقدت مصرفها حنينا
وبات مكانه منها خليا
ومن ينظر ير الفسطاط تبكي
بفائضة من العبرات ريا
ألم يمش الثرى قحة عليها
وكان ركابها نحو الثريا
فنقب عن مواضعها علي
فجدد دارسا وجلا خفيا
ولولا جهده احتجبت رسوما
فلا دمنا تريك ولا نؤيا
تلفتت الفنون وقد تولى
فلم تجد النصير ولا الوليا
سلوا الآثار من يغدو يغالي
بها ويروح محتفظا حفيا
وينزلها الرفوف كجوهري
يصفف في خزائنها الحليا
وما جهل العتيق الحر منها
ولا غبي المقلد والدعيا
فتى عاف المشارب من دنايا
وصان عن القذى ماء المحيا
أبي النفس في زمن إذا ما
عجمت بنيه لم تجد الأبيا
تعود أن يراه الناس رأسا
وليس يرونه الذنب الدنيا
وجدت العلم لا يبني نفوسا
ولا يغني عن الأخلاق شيا
ولم أر في السلاح أضل حدا
من الأخلاق إن صحبت غويا
هما كالسيف لا تنصفه يفسد
عليك وخذه مكتملا سويا
غدير أترع الأوطان خيرا
وإن لم تمتلئ منه دويا
وقد تأتي الجداول في خشوع
بما قد يعجز السيل الأتيا
حياة معلم طفئت وكانت
سراجا يعجب الساري وضيا
سبقت القابسين إلى سناها
ورحت بنورها أحبو صبيا
أخذت على أريب ألمعي
ومن لك بالمعلم ألمعيا
ورب معلم تلقاه فظا
غليظ القلب أو فدما غبيا
إذا انتدب البنون لها سيوفا
من الميلاد ردهم عصيا
إذا رشد المعلم كان موسى
وإن هو ضل كان السامريا
ورب معلمين خلوا وفاقوا
إلى الحرية انساقوا هديا
أناروا ظلمة الدنيا وكانوا
لنار الظالمين بها صليا
أرقت وما نسيت «بنات بوم»
على «المطرية» اندفعت بكيا
بكت وتأوهت فوهمت شرا
وقبلي داخل الوهم الذكيا
قلبت لها الحذي وكان مني
ضلالا أن قلبت لها الحذيا
زعمت الغيب خلف لسان طير
جهلت لسانه فزعمت غيا
أصاب الغيب عند الطير قوم
وصار البوم بينهم نبيا
إذا غناهم وجدوا سطيحا
على فمه وأفعى الجرهميا
رمى الغربان شيخ تنوخ قبلي
وراش من الطويل لها دويا
نحا من ناجذيه كل لحم
وغودر لحمهن به شقيا
نعست فما وجدت الغمض حتى
نفضت على المناحة مقلتيا
فقلت نذيرة وبلاغ صدق
وحق لم يفاجئ مسمعيا
ولكن الذي بكت البواكي
خليل عز مصرعه عليا
ومن يفجع بحر عبقري
يجد ظلم المنية عبقريا
ومن تتراخ مدته فيكثر
من الأحباب لا يحصي النعيا
أخي أقبل علي من المنايا
وهات حديثك العذب الشهيا
فلم أعدم إذا ما الدور نامت
سميرا بالمقابر أو نجيا
يذكرني الدجى لدة حميما
هنالك بات أو خلا وفيا
نشدتك بالمنية وهي حق
ألم يك زخرف الدنيا فريا
عرفت الموت معنى بعد لفظ
تكلم واكشف المعنى الخبيا
أتاك من الحياة الموت فانظر
أكنت تموت لو لم تلف حيا
وللأشياء أضداد إليها
تصير إذا صبرت لها مليا
ومنقلب النجوم إلى سكون
من الدوران يطويهن طيا
فخبرني عن الماضين إني
شددت الرحل أنتظر المضيا
وصف لي منزلا حملوا إليه
وما لمحوا الطريق ولا المطيا
وكيف أتى الغني له فقيرا
وكيف ثوى الفقير به غنيا
لقد لبسوا له الأزياء شتى
فلم يقبل سوى التجريد زيا
سواء فيه من وافى نهارا
ومن قذف اليهود به عشيا
ومن قطع الحياة صدى وجوعا
ومن مرت به شبعا وريا
وميت ضجت الدنيا عليه
وآخر ما تحس له نعيا
إيضاح لا بد منه
حين طلب إلي أن أشرف على طبع هذا الجزء من «الشوقيات» لم يكن في الوقت متسع لإخراجه على كل ما كنت أتوق له من ضبط وشرح وتعليق؛ فقد كان الاتفاق بين الناشر والمطبعة قد تم على إنجازه في عشرين يوما لا تزيد، ولقد كان لزاما علي أن أكون أداة إنجاز لا أداة تعويق.
لهذه الاعتبارات رأيت أن أسير في العمل على الوجه الآتي:
أولا:
ترك الشرح والضبط كلما أمن اللبس ووضح الكلام، سواء أكان خوف اللبس من جهة الإعراب أم من جهة النطق بالمفردة اللغوية، وحيث وجد اللبس فكان لا بد من الضبط أو التعليق أو كليهما.
ثانيا:
رأيت أيضا أن أترك الكلمات التي تستعمل عين الفعل المضارع فيها على وجهين أو ثلاثة بدون شكل مطلقا حيث عدم الخطأ مضمون.
أما الشرح فتركته؛ لا لضيق الوقت ومراعاة الاختصار فقط، بل لأني أحببت ألا أتحكم في ذوق القراء والأدباء وأفرض عليهم فهمي أنا؛ فقد يجوز أن يفهم البيت على أكثر من وجه.
وهذا على ما فيه من تطويل فهو تمرين للعقول على نوع من الكسل الذهني أحب أن يتحاشاه كل طابعي الدواوين.
أما بعد، فكل ما في هذا الكتاب من خطأ أو من مؤاخذة فهو إلي، أما ما فيه من فضل فمرجعه إلى الأستاذ حسين شوقي.
فإلى ذوقه وحسن تنسيقه يرجع كل ما في هذا الكتاب من ذوق وجمال.
محمود أبو الوفا
الجزء الرابع
مقدمة
بقلم محمد سعيد العريان
كان شوقي - رحمه الله - شاعرا ملء سمع الشرق، ما يلفظ من قول إلا لقفته الآلاف عن الآلاف من أبناء الأمة العربية، تنشده وتتغنى به وتضربه مثلا، وما أحسب شاعرا في الأمة العربية منذ كانت وكان الشعر، قد ذهب صيته في الناس حيا مذهب شوقي أو بلغ مبلغه، وقد كان حقيقا بما بلغ، لا من أنه شاعر العربية الأول، ولا من أن الأمة العربية قد عقمت فلم تنجب مثله في تاريخها المتطاول، ولكنه جاء على فترة انقطع فيها أمل الآمل في نهضة الشعر العربي بعد ما ناله من الانحطاط والركة وضيق المذهب وسوء التناول، وكأنما كان البارودي من قبله إرهاصا له ودعوة إليه وتنبيها إلى فضله ومكانه. وقد كان البارودي بما اجتمع له من أدوات الشعر، وبما تهيأ له من أسبابه العامة والخاصة، أول من بعث الحياة في هذا الجسد الهامد، ونفخ فيه من قوته، وخلع عليه من شبابه، فكان تصديرا بليغا لهذا الفصل الجديد في تاريخ الشعر العربي، فلما خلا مكانه تلفت الناس ينظرون على حذر وخشية يريدون أن يسمعوا نغما صافيا كهذا الذي عودهم البارودي أن يسمعوه من إنشاده وتطريبه، وما منهم إلا من ظن أن الشعر بعده منتكس بعلته، وأن الرجل الذي كان يمده بأسباب الحياة والقوة قد ذهب فلا سبيل إليه بعد ولا أمل، وفي هذه الفترة ظهر شوقي.
على أن ذلك ليس هو كل السبب في ذهاب صيت شوقي، وامتداد شهرته التي تأمر بها على شعراء الجيل، وحل في الصدر من ناديهم؛ فقد انتدب والشرق على أبواب نهضة قد تهيأت له أسبابها واكتملت وسائلها، وإن آمالا قوية لتجيش في نفوس أهله وتصطرع في خواطرهم؛ فإنهم ليحسون أثرها فيما تنفعل به عواطفهم ولا يحسنون لها تعبيرا ولا بيانا، فختار شوقي أن يكون لسان هذه الأمة فيما تحب وتكره، وفيما تأمل وتحذر، وفيما تنفعل به عواطفها من ذكريات وحوادث، وكان لسان صدق في التعبير عن كل أولئك في بيان ساحر ولفظ رصين، فلم تلبث الأمة العربية أن رأت فيه شاعرها، فألقت إليه مقاليد الإمارة وبايعته عن رضا.
وقد ذهب شوقي إلى ربه منذ أكثر من عشر سنين،
1
وما زال صدى ألحانه يتردد عذبا مطربا، وما زال مكانه من ديوان العربية خاليا لم يتأهل بعد شاعر من شعراء الجيل أن يقتعد ذروته.
بلى، في مصر وفي سائر بلاد العربية شعراء، وإن منهم لمن بلغ في فنه ما لم يبلغ شوقي، ولكنهم فيما اختاروا لأنفسهم من مذاهب الشعر لم يبلغ واحد منهم أن يكون من الأمة ما كان لها شوقي؛ لسانها المعبر عن كل ما يلم بها من الأحداث، وما يهمس في ضميرها من الأماني.
أمن عجز أم من قوة كان شوقي شاعر الأمة وكان هؤلاء شعراء أنفسهم؟ سؤال لست أجد اليوم جوابه، وإن العربية لتدخل في تاريخ جديد، فلعل هذا التاريخ أن يجيب في غد عن هذا التساؤل حين يرسم للشاعر مهمته، ويحدد مكانه من نفسه ومن أمته، وأيا ما كان الجوانب فلن يضيع حق هذا الشاعر الذي خط هذه الصفحات الأولى من التاريخ، فحفظ للشعر العربي شبابه، وخطا به خطاه إلى القوة والمجد والخلود.
وبعد، فهذا هو الجزء الرابع من الشوقيات، دفعه إلي من دفعه قصاصات من صحف، وجزازات من ورق، وبقية من مطبوعات أو مخطوطات أكلها البلى؛ لأنظر في ترتيبها وتبويبها وإخراجها ديوانا.
ومن التجوز أن نسمي ذلك جزءا؛ فما هو إلا بقية أو شيء من البقية التي لم تنشر في الأجزاء الثلاثة الأولى من الديوان؛ فليس يجمعها باب ولا تضمها وحدة، ولا تميزها خصيصة من خصائص شعر شوقي، وإن منها لآخر ما قال وأوائل ما نظم من شعر الصبا، ولقد تكون هذه وحدها خصيصة لهذه المجموعة من شعر شوقي؛ فإن الباحث ليجد فيها مادة تعينه على الموازنة بين ما كان هذا الشاعر في أولاه وما صار في آخرته، وإنها بذلك لحقيقة أن تعينه على باب من القول لعل أسبابه لا تتهيأ له من غير أن ينظر في هذا الجزء من ديوانه.
على أن ذلك الجزء ليس هو كل ما بقي من شعر شوقي بعد الأجزاء الثلاثة الأولى، ولكنه كل ما دفع إلي مما تهيأ لجامعه أن يجمعه، وأرى شيئا ما قد فاته أو هو قد أغفل نشره استجابة لبعض الدواعي العامة أو الخاصة، أو لعل الشاعر - رحمه الله - كان له رأي في إغفال شيء من نظمه لجدة أسباب أو زوال أسباب، ومهما يكن من شيء فهذه حقيقة ينبغي أن أذكرها لعل سائلا يسأل من بعد أو لعل مدعيا أن يدعي.
وقد رتبت هذا الجزء على ستة أبواب:
الباب الأول منها «متفرقات في السياسة والتاريخ والاجتماع»، وهو اثنان وأربعون وثمانمائة بيت في ثلاث وثلاثين قطعة،
2
وإن منها آخر ما أنشأ،
3
وإن منها القديم الذي تطاولت عليه السنون وتراكمت الحوادث حتى ليوشك أن ينساه التاريخ.
4
والباب الثاني «الخصوصيات»، وهو ستة وخمسون ومائة بيت في عشرين قطعة،
5
أكثرها في الحديث عن نفسه وولده وبعض خاصته، وإنه فيما تحدث عن ولده من هذا الباب ليهيئ للباحث النفسي أن يقول قولا في الشاعر الأب، وفي أبوة الشاعر.
والباب الثالث «الحكايات»، وهو تسعة وسبعمائة بيت في خمس وخمسين قطعة،
6
أكثرها مما نشره من قبل في طبعة «الشوقيات» الأولى، ولغة الشاعر في هذا الباب غير لغته في سائر شعره، وإنه لباب يسمح فيه للشاعر أن يترخص، وأحسبه في بعض ما قص من الحكايات في هذا الباب كان يرمز لبعض ما مر به من كيد الناس في حياته ويعرض.
7
والباب الرابع «ديوان الأطفال»، وهو ثلاثة وعشرون ومائة بيت في عشر قطع، وأكثره من الأناشيد العامة التي نظمها لمناسباتها ، ثم أرادها لتكون مما ينشده الناشئة.
والخامس «من شعر الصبا»، وهو تسعة وتسعون بيتا في ثماني قطع من أوليات شعره.
أما الباب السادس «محجوبيات»، فهو باب طريف يشير إلى ما كان من ود بين الشاعر وصديقه الدكتور محجوب ثابت، وعدته ثلاثة وستون بيتا في أربع قطع، ولا أحسب ذلك كل ما كان من «محجوبيات» شوقي، ولكنه كل ما ألقي إلي.
8
فهذا هو الجزء الرابع من «الشوقيات» كما هو بين يدي قارئه، ولعلني كنت مسئولا وقد حملت تبعة نشره أن أشرح أو أعلق على بعض ما قد يحتاج إلى التعليق والشرح من أبياته، ولكني آثرت والكتاب في طبعته الأولى أن أجعله خالصا لشعر شاعره، وألا أستأثر بالتوجيه في الشرح كما يقول صديقي الأستاذ محمود أبو الوفا في كلمته بالجزء الثالث من الديوان.
على أن بعض كلمات قد اقتضاني موضوعها أن أجليها ببعض الشرح، فاكتفيت من ذلك بالنزر في بعض الصفحات، مكتفيا بما أثبت في رأس كل قصيدة من ذكر السبب والحادثة وبعض التاريخ إن دعا إلى ذلك موضوعها.
وإني لأرجو بذلك أن أكون قد أديت واجبي على وجه يعذرني عند الناقد من بعض ما قد يراه في هذا الجزء من هنات، وما أبرئ نفسي.
متفرقات
في السياسة والتاريخ والاجتماع
الجامعة المصرية (أنشأها في حفلة افتتاح منشآت الجامعة المصرية سنة 1931م.)
تاج البلاد تحية وسلام
ردتك مصر وصحت الأحلام
العلم والملك الرفيع كلاهما
لك يا «فؤاد» جلالة ومقام
فكأنك المأمون في سلطانه
في ظلك الأعلام والأقلام
1
أهدى إليك الغرب من ألقابه
في العلم ما تسمو له الأعلام
من كل مملكة وكل جماعة
يسعى لك التقدير والإعظام
ما هذه الغرف الزواهر كالضحى
الشامخات كأنها الأعلام
من كل مرفوع العمود منور
كالصبح منصدع به الإظلام
تتحطم الأمية الكبرى على
عرصاته وتمزق الأوهام
هذا البناء الفاطمي منارة
وقواعد لحضارة ودعام
مهد تهيأ للوليد وأيكة
سيرن فيها بلبل وحمام
شرفاته نور السبيل وركنه
للعبقرية منزل ومقام
وملاعب تجري الحظوظ مع الصبا
في ظلهن وتوهب الأقسام
2
يمشي بها الفتيان هذا ما له
نفس تسوده وذاك عصام
3
ألقى أواسيه وطال بركنه
نفس من الصيد الملوك كرام
4
من آل إسماعيل لا العمات قد
قصرن عن كرم ولا الأعمام
لم يعط همتهم ولا إحسانهم
بان على وادي الملوك همام
وبنى فؤاد حائطيه يعينه
شعب عن الغايات ليس ينام
انظر أبا الفاروق غرسك هل دنت
ثمراته وبدت له أعلام
وهل انثنى الوادي وفي فمه الجنى
وأتى العراق مشاطرا والشام
في كل عاصمة وكل مدينة
شبان مصر على المناهل حاموا
كم نستعير الآخرين ونجتدي
هيهات ما للعاريات دوام
اليوم يرعى في خمائل أرضهم
نشأ إلى داعي الرحيل قيام
حب غرست براحتيك ولم يزل
يسقيه من كلتا يديك غمام
حتى أناف على قوائم سوقه
ثمرا تنوء وراءه الأكمام
فقريبه للحاضرين وليمة
وبعيده للغابرين طعام
عظة لفاروق وصالح جيله
فيما ينيل الصبر والإقدام
ونموذج تحذو عليه ولم يزل
بسراتهم يتشبه الأقوام
شيدت صرحا للذخائر عاليا
يأوي الجمال إليه والإلهام
رف عيون الكتب فيه طوائف
وجلائل الأسفار فيه ركام
إسكندرية عاد كنزك سالما
حتى كأن لم يلتهمه ضرام
5
لمته من لهب الحريق أنامل
برد على ما لامست وسلام
وأست جراحتك القديمة راحة
جرح الزمان بعرفها يلتام
تهب الطريف من الفخار وربما
بعثت تليد المجد وهو رمام
أرأيت ركن العلم كيف يقام
أرأيت الاستقلال كيف يرام
العلم في سبل الحضارة والعلا
حاد لكل جماعة وزمام
باني الممالك حين تنشد بانيا
ومثابة الأوطان حين تضام
قامت ربوع العلم في الوادي فهل
للعبقرية والنبوغ قيام
فهما الحياة وكل دور ثقافة
أو دور تعليم هي الأجسام
ما العلم ما لم يصنعاه حقيقة
للطالبين ولا البيان كلام
يا مهرجان العلم حولك فرحة
وعليك من آمال مصر زحام
ما أشبهتك مواسم الوادي ولا
أعياده في الدهر وهي عظام
إلا نهارا في بشاشة صبحه
قعد البناة وقامت الأهرام
وأطال «خوفو» من مواكب عزه
فاهتزت الربوات والآكام
يومي بتاج في الحضارة معرق
تعنو الجباه لعزه والهام
تاج تنقل في العصور معظما
وتألفت دول عليه جسام
لما اضطلعت به مشى فيه الهدى
ومراشد الدستور والإسلام
سبقت مواكبك الربيع وحسنه
فالنيل زهو والضفاف وسام
الجيزة الفيحاء هزت منكبا
سبغ النوال عليه والإنعام
لبست زخارفها ومست طيبها
وترددت في أيكها الأنغام
قد زدتها هرما يحج فناؤه
ويشد للدنيا إليه حزام
تقف القرون غدا على درجاته
تملي الثناء وتكتب الأيام
أعوام جهد في الشباب وراءها
من جهد خير كهولة أعوام
بلغ البناء على يديك تمامه
ولكل ما تبني يداك تمام
بنك مصر (أنشدت في مجلس الاحتفال بوضع الحجر الأول في أساس «بنك مصر» في مايو 1925.)
نراوح بالحوادث أو نغادى
وننكرها ونعطيها القيادا
ونحمدها وما رعت الضحايا
ولا جزت المواقف والجهادا
لحاها الله باعتنا خيالا
من الأحلام واشترت اتحادا
مشينا أمس نلقاها جميعا
ونحن اليوم نلقاها فرادى
6
أظلتنا عن الإصلاح حتى
عجزنا أن نناقشها الفسادا
تلاقينا فلا نجد الصياصي
ونلقاها فلا نجد العتادا
7
ومن لقي السباع بغير ظفر
ولا ناب تمزق أو تفادى
خفضنا من علو الحق حتى
توهمنا السيادة أن نسادا
ولما لم ننل للسيف ردا
تنازعنا الحمائل والنجادا
وأقبلنا على أقوال زور
تجيء الغي تقلبه رشادا
ولو عدنا إليها بعد قرن
رحمنا الطرس منها والمدادا
وكم سحر سمعنا منذ حين
تضاءل بين أعيننا ونادى
هنيئا للعدو بكل أرض
إذا هو حل في بلد تعادى
وبعدا للسيادة والمعالي
إذا قطع القرابة والودادا
ورب حقيقة لا بد منها
خدعنا النشء عنها والسوادا
ولو طلعوا عليها عالجوها
بهمة أنفس عظمت مرادا
تعد لحادث الأيام صبرا
وآونة تعد له عنادا
وتخلف بالنهى البيض المواضي
وبالخلق المثققة الصعادا
لمحنا الحظ ناحية فلما
بلغناها أحس بنا فحادا
وليس الحظ إلا عبقريا
يحب الأريحية والسدادا
ونحن بنو زمان حولي
تنقل تاجرا ومشى ورادا
إذا قعد العباد له بسوق
شرى في السوق أو باع العبادا
وتعجبه العواطف في كتاب
وفي دمع المشخص ما أجادا
يؤمننا على الدستور أنا
نرى من خلف حوزته فؤادا
أبو الفاروق نرجوه لفضل
ولا نخشى لما وهب ارتدادا
ملأنا باسمه الأفواه فخرا
ولقبناه بالأمس «المكادا»
8
نناجيه فنسترعي حكيما
ونسأله فنستجدي جوادا
ولم يزل المحبب والمفدى
ومرهم كل جرح والضمادا
تدفق مصرف الوادي فروى
وصاب غمامه فسقى وجادا
دعا فتنافست فيه نفوس
بمصر لكل صالحة تنادى
تقدم عونها ثقة ومالا
وأحيانا تقدمه اجتهادا
وأقبل من شباب القوم جمع
كما بنت الكهول بنى وشادا
كأن جوانب الدار الخلايا
وهم كالنحل في الدار احتشادا
فيا دارا من الهمم العوالي
سقيت التبر لا أرضى العهادا
9
تأنى حين أسسك ابن حرب
وحين بنى دعائمك الشدادا
ولا ترجى المتانة في بناء
إذا البناء لم يعط اتئادا
بنى الدار التي كنا نراها
أماني المخيل أو رقادا
ولم يبعد على نفس مرام
إذا ركبت له الهمم البعادا
ولم أر بعد قدرته تعالى
كمقدرة ابن آدم إن أرادا
جرى والناس في ريب وشك
يروم السبق فاخترق الجيادا
وعودي دونها حتى بناها
ومن شأن المجدد أن يعادى
يهون الكيد من أعدى عدو
عليك إذا الولي سعى وكادا
فجاءت كالنهار إذا تجلى
علوا في المشارق وانطيادا
10
نصون كرائم الأموال فيها
وننزلها الخزائن والنضادا
ونخرجها فتكسب ثم تأوي
رجوع النحل قد حملن زادا
ولم أر مثلها أرضا أغلت
وما سقيت ولا طعمت سمادا
ولا مستودعا مالا لقوم
إذا رجعوا له أدى وزادا
ومن عجب نثبتها أصولا
وتلك فروعها تغشى البلادا
كأن القطر من شوق إليها
سما قبل الأساس بها عمادا
ولو ملكت كنوز الأرض كفي
جعلت أساسها ماسا ورادا
ولو أن النجوم عنت لحكمي
فرشت النيرات لها مهادا
دار بنك مصر (نظمها لتنشد في حفلة افتتاح الدار الجديدة لبنك مصر في يونيو سنة 1927م.)
نبذ الهوى وصحا من الأحلام
شرق تنبه بعد طول منام
ثابت سلامته وأقبل صحوه
إلا بقايا فترة وسقام
صاحت به الآجام هنت فلم ينم
أعلى الهوان ينام في الآجام
أمم وراء الكهف جهد حياتهم
حركات عيش في سكون حمام
نفضوا العيون من الكرى واستأنفوا
سفر الحياة ورحلة الأيام
من ليس في ركب الزمان مغبرا
فاعدده بين غوابر الأقوام
في كل حاضرة وكل قبيلة
همم ذهبن يرمن كل مرام
من كل ممتنع على أرسانه
أو جامع يعدو بنصف لجام
يا مصر أنت كنانة الله التي
لا تستباح وللكنانة حام
استقبلي الآمال في غاياتها
وتأملي الدنيا بطرف سام
وخذي طريف المجد بعد تليده
من راحتي ملك أغر همام
يعنى بسؤدد قومه وحقوقهم
ويذود دون حياضهم ويحامي
ما تاجك العالي ولا نوابه
بالحانثين إليك في الإقسام
جربت نعمى الحادثات وبؤسها
أعلمت حالا آذنت بدوام
عبست إلينا الحادثات وطالما
نزلت فلم نغلب على الأحلام
وثبت بقوم يضمدون جراحهم
ويرقدون نوازي الآلام
الحق كل سلاحهم وكفاحهم
والحق نعم مثبت الأقدام
يبنون حائط ملكهم في هدنة
وعلى عواقب شحنة وخصام
قل للحوادث أقدمي أو أحجمي
إنا بنو الإقدام والإحجام
نحن النيام إذا الليالي سالمت
فإذا وثبن فنحن غير نيام
فينا من الصبر الجميل بقية
لحوادث خلف الغيوب جسام
أين الوفود الملتقون على القرى
المنزلون منازل الأكرام
11
الوارثون القدس عن أحباره
والخالفون أمية في الشام
الحاملو الفصحى ونور بيانها
يبنون فيه حضارة الإسلام
ويؤلفون الشرق في برهانها
لم الضياء حواشي الإظلام
تاقوا إلى أوطانهم فتحملوا
وهوى الديار وراء كل غرام
ما ضر لو حبسوا الركائب ساعة
وثنوا إلى الفسطاط فضل زمام
ليضيف شاهدهم إلى أيامه
يوما أغر ملمح الأعلام
ويرى ويسمع كيف عاد حقيقة
ما كان ممتنعا على الأوهام
من همة المحكوم وهو مكبل
بالقيد لا من همة الحكام
مصر التقت في مهرجان محمد
وتجمعت لتحية وسلام
12
هزت مناكبها له فكأنه
عرس البيان وموكب الأقلام
وكأنه في الفتح عمورية
وكأنني فيه أبو تمام
13
أسم العصور بحسنه وأنا الذي
يروي فينتظم العصور كلامي
شرفا محمد هكذا تبنى العلا
بالصبر آونة وبالإقدام
همم الرجال إذا مضت لم يثنها
خدع الثناء ولا عوادي الذام
وتمام فضلك أن يعيبك حسد
يجدون نقصا عند كل تمام
المال في الدنيا منازل نقلة
من أين جئت له بدار مقام
فرفعت إيوانا كركن النجم لم
يضرب على كسرى ولا بهرام
صيرت طينته الخلود وجئت من
وادي الملوك بجندل ورغام
هذا البناء العبقري أتى به
بيت له فضل وحق ذمام
كانت به الأرقام تدرك حسبة
واليوم جاوز حسبة الأرقام
يا طالما شغف الظنون وطالما
كثر الرجاء عليه في الإلمام
ما زلت أنت وصاحباك بركنه
حتى استقام على أعز دعام
أسستم بالحاسدين جداره
وبنيتم بمعاول الهدام
شركاتك الدنيا العريضة لم تنل
إلا بطول رعاية وقيام
الله سخر للكنانة خازنا
أخذ الأمان لها من الأعوام
وكأن عهدك عهد يوسف كله
ظل وسنبلة وقطر غمام
وكأن مال المودعين وزرعهم
في راحتيك ودائع الأيتام
ما زلت تبني ركن كل عظيمة
حتى أتيت برابع الأهرام
دار العلوم
14 (أنشدت في الاحتفال الخمسيني لدار العلوم، بمسرح حديقة الأزبكية، في يوليو سنة 1927م.)
اتخذت السماء يا دار ركنا
وأويت الكواكب الزهر سكنا
وجمعت السعادتين فباتت
فيك دنيا الصلاح للدين خدنا
نادما الدهر في ذراك وفضا
من سلاف الوداد دنا فدنا
وإذا الخلق كان عقد وداد
لم ينل منه من وشى وتجنى
وأرى العلم كالعبادة في أب
عد غاياته إلى الله أدنى
واسع الساح يرسل الفكر فيها
كل من شك ساعة أو تظنى
هل سألنا أبا العلاء وإن قل
ب عينا في عالم الكون وسنى
كيف يهزا بخالق الطير من لم
يعلم الطير هل بكى أو تغنى
أنت كالشمس رفرفا والسماكي
ن رواقا وكالمجرة صحنا
لو تسترت كنت كالكعبة الغر
اء ذيلا من الجلال وردنا
إن تكن للثواب والبر دارا
أنت للحق والمراشد مغنى
قد بلغت الكمال في نصف قرن
كيف إن تمت الملاوة قرنا
لا تعدي السنين إن ذكر العل
م فما تعلمين للعلم سنا
سوف تفنى في ساحتيك الليالي
وهو باق على المدى ليس يفنى
يا عكاظا حوى الشباب فصاحا
قرشيين في المجامع لسنا
بثهم في كنانة الله نورا
من ظلام على البصائر أخنى
علموا بالبيان لا غرباء
فيه يوما ولا أعاجم لكنا
فتية محسنون لم يخلفوا العل
م رجاء ولا المعلم ظنا
صدعوا ظلمة على الريف حلت
وأضاءوا الصعيد سهلا وحزنا
من قضى منهم تفرق فكرا
في نهى النشء أو تقسم ذهنا
ناد دار العلوم إن شئت «يا عا
ئش» أو شئت نادها «يا سكينا»
قل لها يا ابنة «المبارك»
15
إيه
قد جرت كاسمه أمورك يمنا
هو في المهرجان حي شهيد
يجتلي غرس فضله كيف أجنى
وهو في العرس إن تحجب أو لم
يحتجب والد العروس المهنا
ما جرى ذكره بناديك حتى
وقف الدمع في الشئون فأثنى
رب خير ملئت منه سرورا
ذكر الخيرين فاهتجت حزنا
أدرى إذ بناك أن كان يبني
فوق أنف العدو للضاد حصنا
حائط الملك بالمدارس إن شيء
ت وإن شئت بالمعاقل يبنى
انظر الناس هل ترى لحياة
عطلت من نباهة الذكر معنى
لا الغنى في الرجال ناب عن الفض
ل وسلطانه ولا الجاه أغنى
رب عاث في الأرض لم تجعل الأر
ض له إن أقام أو سار وزنا
عاش لم ترمه بعين وأودى
هملا لم تهب لناعيه أذنا
نظم الله ملكه بعباد
عبقريين أورثوا الملك حسنا
شغلتهم عن الحسود المعالي
إنما يحسد العظيم ويشنا
من ذكي الفؤاد يورث علما
أو بديع الخيال يخلق فنا
كم قديم كرقعة الفن حر
لم يقلل له الجديدان شأنا
وجديد عليه يختلف الده
ر ويفنى الزمان قرنا فقرنا
فاحتفظ بالذخيرتين جميعا
عادة الفطن بالذخائر يعنى
يا شبابا سقوني الود محضا
وسقوا شانئي على الغل أجنا
كلما صار للكهولة شعري
أنشدوه فعاد أمرد لدنا
أسرة الشاعر الرواة وما عن
وه والمرء بالقريب معنى
هم يضنون في الحياة بما قا
ل ويلفون في الممات أضنا
وإذا ما انقضى وأهلوه لم يع
دم شقيقا من الرواة أو ابنا
النبوغ النبوغ حتى تنصوا
راية العلم كالهلال وأسنى
نحن في صورة الممالك ما لم
يصبح العلم والمعلم منا
لا تنادوا الحصون والسفن وادعوا ال
علم ينشئ لكم حصونا وسفنا
إن ركب الحضارة اخترق الأر
ض وشق السماء ريحا ومزنا
وصحبناه كالغبار فلا رح
لا شددنا ولا ركابا زممنا
دان آباؤنا الزمان مليا
ومليا لحادث الدهر دنا
كم نباهي بلحد ميت وكم نح
مل من هادم ولم يبن منا
قد أنى أن نقول «نحن» ولا نس
مع أبناءنا يقولون «كنا»
إسكندرية آن أن تتجددي (نظمها لحفلة افتتاح دار جديدة لبنك مصر في الإسكندرية، في يونيو سنة 1929م.)
أمس انقضى واليوم مرقاة الغد
إسكندرية آن أن تتجددي
يا غرة الوادي وسدة بابه
ردي مكانك في البرية يردد
فيضي كأمس على العلوم من النهى
وعلى الفنون من الجمال السرمدي
وسمي النبالة بالملاحم تتسم
وسمي الصبابة بالعواطف تخلد
وضعي روايات الخلاعة والهوى
لممثلين من العصور وشهد
لا تجعلي حب القديم وذكره
حسرات مضياع ودفع مبدد
إن القديم ذخيرة من صالح
تبني المقصر أو تحث المقتدي
لا تفتننك حضارة مجلوبة
لم يبن حائطها بمالك واليد
لو مال عنك شراعها وبخارها
لم يبق غير الصيد والمتصيد
وجدت وكان لغير أهلك أرضها
وسماؤها وكأنها لم توجد
جاري النزيل وسابقيه إلى الغنى
وإلى الحجا وإلى العلا والسؤدد
وابني كما يبني المعاهد واشرعي
لشبابك العرفان عذب المورد
إني حذرت عليك من أمية
ربضت كجنح الغيهب المتلبد
أخزانة الوادي عليك تحية
وعلى الندي وكل أبلج في الندي
ما أنت إلا من خزائن يوسف
بالقصد موحية لمن لم يقصد
قلدت من مال البلاد أمانة
يا طالما افتقرت إلى المتقلد
وبلغت من إيمانها ورجائها
ما يبلغ المحراب من متعبد
فلو ان أستار الجلال سعت إلى
غير العتيق لبست مما يرتدي
إنا نعظم فيك ألوية على
جنباتها حشد يروح ويغتدي
وإذا طعمت من الخلية شهدها
فاشهد لقائدها وللمتجند
لا تمنح المحبوب شكرك كله
واقرن به شكر الأجير المجهد
إسكندرية شرفت بعصابة
بيض الأسرة والصحيفة واليد
خدموا حمى الوطن العزيز فبوركوا
خدما وبورك في الحمى من سيد
ما بال ذاك الكوخ صرح وانجلى
عن حائطي صرح أشم ممرد
من كسر بيت أو جدار سقيفة
رفع الثبات بناية كالفرقد
فإذا طلعت على جلالة ركنها
قل تلك إحدى معجزات «محمد»
16
فتية الوادي عرفنا صوتكم (يخاطب الشاعر بهذه القصيدة شباب مصر الذين نهضوا بمشروع القرش سنة 1932م، وهي آخر ما جادت به شاعريته، وكانت تلاوتها يوم وفاته!)
لا يقيمن على الضيم الأسد
نزع الشبل من الغاب الوتد
كبر الشبل وشبت نابه
وتغطى منكباه باللبد
اتركوه يمش في آجامه
ودعوه عن حمى الغاب يذد
واعرضوا الدنيا على أظفاره
وابعثوه في صحاراها يصد
فتية الوادي عرفنا صوتكم
مرحبا بالطائر الشادي الغرد
هو صوت الحق لم يبغ ولم
يحمل الحقد ولم يخف الحسد
وخلا من شهوة ما خالطت
صالحا من عمل إلا فسد
حرك البلبل عطفي ربوة
كان فيها البوم بالأيك انفرد
زنبق المدن وريحان القرى
قام في كل طريق وقعد
باكرا كالنحل في أسرابها
كل سرب قد تلاقى واحتشد
قد جنى ما قل من زهر الربا
ثم أعطى بدل الزهر الشهد
بسط الكف لمن صادفه
ومضى يقصر خطوا ويمد
يجعل الأوطان أغنيته
وينادي الناس من جاد وجد
كلما مر بباب دقه
أو رأى دارا على الدرب قصد
غاديا في المدن أو نحو القرى
رائحا يسأل قرشا للبلد
أيها الناس اسمعوا أصغوا له
أخرجوا المال إلى البر يعد
لا تردوا يدهم فارغة
طالب العون لمصر لا يرد
سيرى الناس عجيبا في غد
يغرس القرش ويبني ويلد
ينهض الله الصناعات به
من عثار لبثت فيه الأبد
أو يزيد البر دارا قعدت
لكفاح السل أو حرب الرمد
وهو في الأيدي وفي قدرتها
لم يضق عنه ولم يعجز أحد
تلك مصر الغد تبني ملكها
نادت الباني وجاءت بالعدد
وعلى المال بنت سلطانها
ثابت الآساس مرفوع العمد
وأصارت بنك مصر كهفها
حبذا الركن وأعظم بالسند
مثل من همة قد بعدت
ومداها في المعالي قد بعد
ردها العصر إلى أسلوبه
كل عصر بأساليب جدد
البنون استنهضوا آباءهم
ودعا الشبل من الوادي الأسد
أصبحت مصر وأضحى مجدها
همة الوالد أو شغل الولد
هذه الهمة بالأمس جرت
فحوت في طلب الحق الأمد
أيها الجيل الذي نرجو لغد
غدك العز ودنياك الرغد
أنت في مدرجة السيل وقد
ضل من في مدرج السيل رقد
قدت في الحق فقد في مثله
من نواحي القصد أو سبل الرشد
رب عام أنت فيه واجد
فادخر فيه لعام لا تجد
علم الآباء واهتف قائلا
أيها الشعب تعاون واقتصد
اجمع القرش إلى القرش يكن
لك من جمعهما مال لبد
اطلب القطن وزاول غيره
واتخذ سوقا إذا سوق كسد
نحن قبل القطن كنا أمة
تهبط الوادي وترعى وترد
قد أخذنا في الصناعات المدى
وبنينا في الأوالي ما خلد
وغزلنا قبل إدريس الكسا
ونسجنا قبل داوود الزرد
إن تك اليوم لواء قائدا
كم لواء لك بالأمس انعقد
عيد الجهاد
17 (نظمها احتفالا بعيد الجهاد الوطني، في 13 نوفمبر سنة 1926م.)
خطونا في الجهاد خطا فساحا
وهادنا ولم نلق السلاحا
رضينا في هوى الوطن المفدى
دم الشهداء والمال المطاحا
ولما سلت البيض المواضي
تقلدنا لها الحق الصراحا
فحطمنا الشكيم سوى بقايا
إذا عضت أريناها الجماحا
وقمنا في شراع الحق نلقى
وندفع عن جوانبه الرياحا
نعالج شدة ونروض أخرى
ونسعى السعي مشروعا مباحا
ونستولي على العقبات إلا
كمين الغيب والقدر المتاحا
ومن يصبر يجد طول التمني
على الأيام قد صار اقتراحا
وأيام كأجواف الليالي
فقدن النجم والقمر اللياحا
قضيناها حيال الحرب نخشى
بقاء الرق أو نرجو السراحا
تركنا الناس بالوادي قعودا
من الإعياء كالإبل الرزاحى
جنود السلم لا ظفر جزاهم
بما صبروا ولا موت أراحا
ولا تلقى سوى حي كميت
ومنزوف وإن لم يسق راحا
ترى أسرى وما شهدوا قتالا
ولا اعتقلوا الأسنة والصفاحا
وجرحى السوط لا جرحى المواضي
بما عمل الجواسيس اجتراحا
صباحك كان إقبالا وسعدا
فيا يوم الرسالة عم صباحا
وما تألو نهارك ذكريات
ولا برهان عزتك التماحا
تكاد حلاك في صفحات مصر
بها التاريخ يفتتح افتتاحا
جلالك عن سنا الأضحى تجلى
ونورك عن هلال الفطر لاحا
هما حق وأنت ملئت حقا
ومثلت الضحية والسماحا
بعثنا فيك «هارونا وموسى»
إلى «فرعون» فابتدآ الكفاحا
18
وكان أعز من روما سيوفا
وأطغى من قياصرها رماحا
يكاد من الفتوح وما سقته
يخال وراء هيكله «فتاحا»
ورد المسلمون فقيل خابوا
فيا لك خيبة عادت نجاحا
أثارت واديا من غايتيه
ولامت
19
فرقة وأست جراحا
وشدت من قوى قوم مراض
عزائمهم فردتها صحاحا
كأن بلال نودي قم فأذن
فرج شعاب مكة والبطاحا
كأن الناس في دين جديد
على جنباته استبقوا الصلاحا
وقد هانت حياتهم عليهم
وكانوا بالحياة هم الشحاحا
فتسمع في مآتمهم غناء
وتسمع في ولائمهم نواحا
حواريين أوفدنا ثقات
إذا ترك البلاغ لهم فصاحا
فكانوا الحق منقبضا حييا
تحدى السيف منصلتا وقاحا
لهم منا براءة أهل بدر
فلا إثما نعد ولا جناحا
ترى الشحناء بينهم عتابا
وتحسب جدهم فيها مزاحا
جعلنا الخلد منزلهم وزدنا
على الخلد الثناء والامتداحا
يمينا بالتي يسعى إليها
غدوا بالندامة أو رواحا
وتعبق في أنوف الحج ركنا
وتحت جباههم رحبا وساحا
وبالدستور وهو لنا حياة
نرى فيه السلامة والفلاحا
أخذناه على المهج الغوالي
ولم نأخذه نيلا مستماحا
بنينا فيه من دمع رواقا
ومن دم كل نابتة جناحا
لما ملأ الشباب كروح سعد
ولا جعل الحياة لهم طماحا
سلوا عنه القضية هل حماها
وكان حمى القضية مستباحا
وهل نظم الكهول الصيد صفا
وألف من تجاربهم رداحا
هو الشيخ الفتي لو استراحت
من الدأب الكواكب ما استراحا
وليس بذائق النوم اغتباقا
إذا دار الرقاد ولا اصطباحا
فيا لك ضيغما سهر الليالي
وناضل دون غايته ولاحى
ولا حطمت لك الأيام نابا
ولا غضت لك الدنيا صياحا
معالي العهد (نظمها في ميلاد الأمير السابق محمد عبد المنعم.)
معالي العهد قمت بها فطيما
وكان إليك مرجعها قديما
تنقل من يد ليد كريما
كروح الله إذ خلف «الكليما»
20
تنحى لابن مريم حين جاء
وخلى النجم للقمر الفضاء
ضياء للعيون تلا ضياء
يفيض ميامنا وهدى عميما
كذا أنتم بني البيت الكريم
وهل متجزئ ضوء النجوم
وأين الشهب من شرف صميم
تألق عقده بكم نظيما
أرى مستقبلا يبدو عجابا
وعنوانا يكن لنا كتابا
وكان «محمد» أملا شهابا
وكان اليأس شيطانا رجيما
وأشرقت «الهياكل» والمباني
كما كانت وأزين في الزمان
وأصبح ما تكن من المعاني
على الآفاق مسطورا رقيما
سألت فقيل لي وضعته طفلا
وهذا عيده في مصر يجلى
فقلت كذلكم آنست قبلا
وكان الله بالنجوى عليما
ب «منتزه» الإمارة هل فجرا
هلالا في منازله أغرا
فباتت مصر حول المهد «ثغرا»
وبات الثغر للدنيا نديما
لجيلك في غد جيل المعالي
وشعب المجد والهمم العوالي
أزف نوابغ الكلم الغوالي
وأهدي حكمتي الشعب الحكيما
إذا أقبلت يا زمن البنينا
وشبوا فيك واجتازوا السنينا
فدر من بعدنا لهم يمينا
وكن لورودك الماء الحميما
ويا جيل الأمير إذا نشأتا
وشاء الجد أن تعطي وشئتا
فخذ سبلا إلى العلياء شتى
وخل دليلك الدين القويما
وضن به فإن الخير فيه
وخذه من الكتاب وما يليه
ولا تأخذه من شفتي فقيه
ولا تهجر مع الدين العلوما
وثق بالنفس في كل الشئون
وكن مما اعتقدت على يقين
كأنك من ضميرك عند دين
فمن شرف المبادئ أن تقيما
وإن ترم المظاهر في الحياة
فرمها باجتهادك والثبات
وخذها بالمساعي باهرات
تنافس في جلالتها النجوما
وإن تخرج لحرب أو سلام
فأقدم قبل إقدام الأنام
وكن كالليث يأتي من أمام
فيملأ كل ناطقة وجوما
وكن شعب الخصائص والمزايا
ولا تك ضائعا بين البرايا
وكن كالنحل والدنيا الخلايا
يمر بها ولا يمضي عقيما
ولا تطمح إلى طلب المحال
ولا تقنع إلى هجر المعالي
فإن أبطأن فاصبر غير سال
كصبر الأنبياء لها قديما
ولا تقبل لغير الله حكما
ولا تحمل لغير الدهر ظلما
ولا ترض القليل الدون قسما
إذا لم تقدر الأمر المروما
ولا تيأس ولا تك بالضجور
ولا تثقن من مجرى الأمور
فليس مع الحوادث من قدير
ولا أحد بما تأتي عليما
وفي الجهال لا تضع الرجاء
كوضع الشمس في الوحل الضياء
يضيع شعاعها فيه هباء
وكان الجهل ممقوتا ذميما
وبالغ في التدبر والتحري
ولا تعجل وثق من كل أمر
وكن كالأسد عند الماء تجري
وليست وردا حتى تحوما
وما الدنيا بمثوى للعباد
فكن ضيف الرعاية والوداد
ولا تستكثرن من الأعادي
فشر الناس أكثرهم خصوما
ولا تجعل توددك ابتذالا
ولا تسمح بحلمك أن يذالا
وكن ما بين ذاك وذاك حالا
فلن ترضي العدو ولا الحميما
وصل صلاة من يرجو ويخشى
وقبل الصوم صم عن كل فحشا
ولا تحسب بأن الله يرشى
وأن مزكيا أمن الجحيما
لكل جنى زكاة في الحياة
ومعنى البر في لفظ الزكاة
وما لله فينا من جباة
ولا هو لامرئ زكى غريما
فإن تك عالما فاعمل وفطن
وإن تك حاكما فاعدل وأحسن
وإن تك صانعا شيئا فأتقن
وكن للفرض بعدئذ مقيما
وصن لغة يحق لها الصيان
فخير مظاهر الأمم البيان
وكان الشعب ليس له لسان
غريبا في مواطنه مضيما
ألم ترها تنال بكل ضير
وكان الخير إذ كانت بخير
أينطق في المشارق كل طير
ويبقى أهلها رخما وبوما
فعلمها صغيرك قبل كل
ودع دعوى تمدنهم وخل
فما بالعي في الدنيا التحلي
ولا خرس الفتى فضلا عظيما
وخذ لغة المعاصر فهي دنيا
ولا تجعل لسان الأصل نسيا
كما نقل الغراب فضل مشيا
وما بلغ الجديد ولا القديما
لجيلك يوم نشأته مقالي
فأما أنت يا نجل المعالي
فتنظر من أبيك إلى مثال
يحير في الكمالات الفهوما
نصائح ما أردت بها لأهدي
ولا أبغي بها جدواك بعدي
ولكني أحب النفع جهدي
وكان النفع في الدنيا لزوما
فإن أقرئت يا مولاي شعري
فإن أباك يعرفه ويدري
وجدك كان شأوي حين أجري
فأصرع في سوابقها «تميما»
بنونا أنت صبحهم الأجل
وعهدك عصمة لهم وظل
فلم لا نرتجيك لهم وكل
يعيش بأن تعيش وأن تدوما
رسالة الناشئة (أهداها إلى الأمير السابق محمد عبد المنعم.)
أحمد الله وأطري الأنبياء
مصدر الحكمة طرا والضياء
وله الشكر على نعمى الوجود
وعلى ما نلت من فضل وجود
اعبد الله بعقل يا بني
وبقلب من رجاء الله حي
ارجه تعط مقاليد الفلك
واخشه خشية من فيه هلك
انظر الملك وأكبر ما خلق
وتمتع فيه من خير رزق
أنت في الكون محل التكرمة
كل شيء لك عبد أو أمة
سخر العالم من أرض وماء
لك والريح وما تحت السماء
اذكر الآية إذ أنت جنين
لك في الظلمة للنور حنين
كل يوم لك شأن في الظلم
حار فيه كل «بقراط» علم
كان في جنبك شيء من علق
حين مسته يد الله خفق
صار حسا وحياة بعدما
كان في الأضلاع لحما ودما
دق كالناقوس وسط الهيكل
في انتفاض كانتفاض البلبل
قل لمن طبب أو من نجما
صنعة الله ولكن زغتما
آمنا بالله إيمان العجوز
إن غير الله عقلا لا يجوز
أيها الطالب للعلم استمع
خير ما في طلب العلم جمع
هو إن أوتيته أسنى النعم
هل ترى الجهال إلا كالنعم
اطلب العلم لذات العلم لا
لظهور باطل بين الملا
عند أهل العلم للعلم مذاق
فإذا فاتك هذا فافتراق
طلب المحروم للعلم سدى
ليس للأعمى على الضوء هدى
فإذا فاتك توفيق العليم
فامتنع عن كل تحصيل عقيم
واطلب الرزق هنا أو ها هنا
كم مع الجهل يسار وغنى
كل ما علمك الدهر اعلم
التجاريب علوم الفهم
إنما الأيام والعيش كتاب
كل يوم فيه للعبرة باب
إن رزقت العلم زنه بالبيان
ما يفيد العقل إن عي اللسان
كم عليم سقط العي به
مظلم لا تهتدي في كتبه
وأديب فاته العلم فما
جاء بالحكمة فيما نظما
إن للعلم جميعا فلسفة
من تغب عنه تفته المعرفة
اقرأ التاريخ إذ فيه العبر
ضاع قوم ليس يدرون الخبر
كن إلى الموت على حب الوطن
من يخن أوطانه يوما يخن
وطن المرء حماه المفتدى
يذكر المنة منه واليدا
قد عرفت الدار والأهل به
كل حب شعبة من حبه
هو محبوبك باد محتجب
يعرف الشوق له من يغترب
لك منه في الصبا مهد رحيم
فإذا ووريت فالقبر الكريم
كم عزيز عندك استودعته
وعهود بعدك استرعيته
ودفين لك فيه كرما
تذرف الدمع لذكراه دما
كن نشيطا عاملا جم الأمل
إنما الصحة والرزق العمل
كل ما أتقنت محبوب وجيه
متقن الأعمال سر الله فيه
يقبل الناس على الشيء الحسن
كل شيء بجزاء وثمن
انظر الآثار ما أزينها
قد حباها الخلد من أتقنها
تلك آثار بني مصر الأول
أتقنوا الصنعة حتى في الجعل
أيها التاجر بلغت الأرب
طالع التاجر في حسن الأدب
باب حانوتك باب الرازق
لا تفارق بابه أو فارق
واحترم في بابه من دخلا
كلهم منه رسول وصلا
تاجر القوم صدوق وأمين
لفظة من فيه للقوم يمين
إن للإقدام ناسا كالأسد
فتشبه إن من يقدم يسد
منهم كل فتى ساد وشاد
منهم «إسكندر» و«ابن زياد»
وشجاع النفس منهم في الكروب
كشجاع القلب في وقت الحروب
وابل «سقراط» والشجعان طل
إنما من ينصر الحق البطل
هم جمال الدهر حينا بعد حين
من غزاة أو دعاة مصلحين
لهم من هيبة عند الأمم
ما لراعي غنم عند الغنم
قل إذا خاطبت غير المسلمين
لكم دين رضيتم ولي دين
خل للديان فيهم شانه
إنه أولى بهم سبحانه
كل حال صائر يوما لضد
فدع الأقدار تجري واستعد
فلك بالسعد والنحس يدور
لا تعارض أبدا مجرى الأمور
قل إذا شئت صروف وغير
وإذا شئت قضاء وقدر
واعمل الخير فإن عشت لقي
طيب الحمد وإن مت بقي
من يمت عن منة عند يتيم
فرحيم سوف يجزى من رحيم
كن كريما إن رأى جرحا أسا
وتعهد وتول البؤسا
واسخ في الشدة وازدد في الرخاء
كل خلق فاضل دون السخاء
فبه كل بلاء يدفع
لست تدري في غد ما يقع
جامل الناس تحز رق الجميع
رب قيد من جميل وصنيع
عامل الكل بإحسان تحب
فقديما جمل المرء الأدب
وتجنب كل خلق لم يرق
إن ضيق الرزق من ضيق الخلق
وتواضع في ارتفاع تعتبر
فهما ضدان كبر وكبر
كل حي ما خلا الله يموت
فاترك الكبر له والجبروت
وأرح جنبك من داء الحسد
كم حسود قد توفاه الكمد
وإذا أغضبت فاغضب لعظيم
شرف قد مس أو عرض كريم
وتجنب في الصغيرات الغضب
إنه كالنار والرشد الحطب
اطلب الحق برفق تحمد
طالب الحق بعنف معتد
واعص في أكثر ما تأتي الهوى
كم مطيع لهوى النفس هوى
اذكر الموت ولا تفزع فمن
يحقر الموت ينل رق الزمن
أحبب الطفل وإن لم يك لك
إنما الطفل على الأرض ملك
هو لطف الله لو تعلمه
رحم الله امرأ يرحمه
عطفة منه على لعبته
تخرج المحزون من كربته
وحديث ساعة الضيق معه
يملأ العيش نعيما وسعة
يا مديم الصوم في الشهر الكريم
صم عن الغيبة يوما والنميم
وإذا صليت خف من تعبد
كم مصل ضج منه المسجد
واجعل الحج إلى «أم القرى»
غب حج لبيوت الفقرا
هكذا «طه» ومن كان معه
من وقار الله ألا تخدعه
وتسمح وتوسع في الزكاة
إنها محبوبة عند الإله
فرض البر بها فرض حكيم
فإذا ما زدت فالله كريم
ليس لي في طب «جالينوس» باع
بيد أن العيش درس واطلاع
احذر التخمة إن كنت فهم
إن «عزرائيل» في حلق النهم
واتق البرد فكم خلق قتل
من توقاه اتقى نصف العلل
اتخذ سكناك في طلق الجواء
بين شمس ونبات وهواء
خيمة في البيد خير من قصور
تبخل الشمس عليها بالمرور
في غد تأوي إلى قفر حلك
يستوي الصعلوك فيه والملك
واترك الخمر لمشغوف بها
لا يرى مندوحة عن شربها
لا تنادم غير مأمون كريم
إن عقل البعض في كف النديم
وعن الميسر ما اسطعت ابتعد
فهو سل المال بل سل الكبد
وتعشق وتعفف واتق
ما درى اللذة من لم يعشق
حج الأمير (أرسل الأبيات الآتية في برقية إلى شريف مكة سنة حج الخديو عباس.)
دامت معاليك فينا يا ابن فاطمة
ودام منكم لأفق البيت نبراس
قل للخديو إذا وافيت سدته
تمشي إليه ويمشي خلفك الناس
حج الأمير له الدنيا قد ابتهجت
والعود والعيد أفراح وأعراس
فلتحي ملتنا فلتحي أمتنا
فليحي سلطاننا فليحي عباس
إسماعيل
وقال وقد أشرف في مدينة نابلي على الدار التي كان يقيم فيها الخديو إسماعيل:
أبكيك إسماعيل مصر وفي البكى
بعد التذكر راحة المستعبر
ومن القيام ببعض حقك أنني
أرقى لعزك والنعيم المدبر
هذي بيوت الروم كيف سكنتها
بعد القصور المزريات بقيصر
ومن العجائب أن نفسك أقصرت
والدهر في إحراجها لم يقصر
ما زال يخلي منك كل محلة
حتى دفعت إلى المكان الأقفر
نظر الزمان إلى ديارك كلها
نظر «الرشيد» إلى منازل «جعفر»
21
حريق ميت غمر
22
الله يحكم في المدائن والقرى
يا «ميت غمر» خذي القضاء كما جرى
ما جل خطب ثم قيس بغيره
إلا وهونه القياس وصغرا
فسلي «عمورة» أو «سدون» تأسيا
أو «مرتنيق» غداة ووريت الثرى
مدن لقين من القضاء وناره
شررا بجنب نصيبها مستصغرا
هذي طلولك أنفسا وحجارة
هل كنت ركنا من جهنم مسعرا
قد جئت أبكيها وآخذ عبرة
فوقفت معتبرا بها مستعبرا
أجد الحياة حياة دهر ساعة
وأرى النعيم نعيم عمر مقصرا
وأعد من حزم الأمور وعزمها
للنفس أن ترضى وألا تضجرا
ما زلت أسمع بالشقاء رواية
حتى رأيت بك الشقاء مصورا
فعل الزمان بشمل أهلك فعله
ببني أمية أو قرابة جعفرا
بالأمس قد سكنوا الديار فأصبحوا
لا ينظرون ولا مساكنهم ترى
فإذا لقيت لقيت حيا بائسا
وإذا رأيت رأيت ميتا منكرا
والأمهات بغير صبر هذه
تبكي الصغير وتلك تبكي الأصغرا
من كل مودعة الطلول دموعها
من أجل طفل في الطلول استأخرا
كانت تؤمل أن تطول حياته
واليوم تسأل أن يعود فيقبرا
طلعت عليك النار طلعة شؤمها
فمحتك آساسا وغيرت الذرا
ملكت جهاتك ليلة ونهارها
حمراء يبدو الموت منها أحمرا
لا ترهب الطوفان في طغيانها
لو قابلته ولا تهاب الأبحرا
لو أن «نيرون» الجماد فؤاده
يدعى لينظرها لعاف المنظرا
أو أنه ابتلي «الخليل» بمثلها
أستغفر الرحمن ولى مدبرا
أو أن سيلا عاصم من شرها
عصم الديار من المدامع ما جرى
أمسى بها كل البيوت مبوبا
ومطنبا ومسيجا ومسورا
أسرتهم وتملكت طرقاتهم
من فر لم يجد الطريق ميسرا
خفت عليهم يوم ذلك موردا
وأضلهم قدر فضلوا المصدرا
حيث التفت ترى الطريق كأنها
ساحات حاتم غب نيران القرى
وترى الدعائم في السواد كهيكل
خمدت به نار المجوس وأقفرا
وتشم رائحة الرفات كريهة
وتشم منها الثاكلات العنبرا
كثرت عليها الطير في حوماتها
يا طير «كل الصيد في جوف الفرا »
هل تأمنين طوارق الأحداث أن
تغشى عليك الوكر في سنة الكرى
والناس من داني القرى وبعيدها
تأتي لتمشي في الطلول وتخبرا
يتساءلون عن الحريق وهوله
وأرى الفرائس بالتساؤل أجدرا
يا رب قد خمدت وليس سواك من
يطفي القلوب المشعلات تحسرا
فتحوا اكتتابا للإعانة فاكتتب
بالصبر فهو بمالهم لا يشترى
إن لم تكن للبائسين فمن لهم
أو لم تكن للاجئين فمن ترى
فتول جمعا في اليباب مشتتا
وارحم رميما في التراب مبعثرا
فعلت بمصر النار ما لم تأته
آياتك السبع القديمة في الورى
أوما تراها في البلاد كقاهر
في كل ناحية يسير عسكرا
فادفع قضاءك أو فصير ناره
بردا وخذ باللطف فيما قدرا
مدوا الأكف سخية واستغفري
يا أمة قد آن أن تستغفرا
أولى بعطف الموسرين وبرهم
من كان مثلهم فأصبح معسرا
يا أيها السجناء في أموالهم
أأمنتم الأيام أن تتغيرا
لا يملك الإنسان من أحواله
ما تملك الأقدار مهما قدرا
لا يبطرنك من حرير موطئ
فلرب ماش في الحرير تعثرا
وإذا الزمان تنكرت أحداثه
لأخيك فاذكره عسى أن تذكرا
خطبة غليوم
وخطب غليوم عاهل ألمانيا خطبة في سنة 1906م كان لها وقع عظيم، وأحدثت أزمة أوشكت أن تنتهي إلى حرب أوروبية طاحنة، فقال:
يا رب ما حكمك ماذا ترى
في ذلك الحلم العريض الطويل
قد قام غليوم خطيبا فما
أعطاك من ملكك إلا القليل
شيد في جنبك ملكا له
ملكك إن قيس إليه الضئيل
قد ورث العالم حيا فما
غادر من فج ولا من سبيل
فالنصف للجرمان في زعمه
والنصف للرومان فيما يقول
يا رب قل سيفك أم سيفه
أيهما يا رب ماض ثقيل
إن صدقت يا رب أحلامه
فإن خطب المسلمين الجليل
لا نحن جرمان لنا حصة
ولا برومان فنعطى فتيل
يا رب لا تنس رعاياك في
يوم رعاياك الفريق الذليل
جناية الجهل على أهله
قديمة والجهل بئس الدليل
يا ليت لم نمدد بشر يدا
وليت ظل السلم باق ظليل
جنى علينا عصبة جازفوا
فحسبنا الله ونعم الوكيل
نادي الموسيقى الشرقي
وقال يخاطب الملك فؤاد الأول في حفلة افتتاح نادي الموسيقى الشرقي سنة 1929م:
خطت يداك الروضة الغناء
وفرغت من صرح الفنون بناء
ما زلت تذهب في السمو بركنه
حتى تجاوز ركنه الجوزاء
دار من الفن الجميل تقسمت
للساهرين رواية ورواء
كالروض تحت الطير أعجب أيكه
لحظ العيون وأعجب الإصغاء
ولقد نزلت بها فلم نر قبلها
فلكا جلا شمس النهار عشاء
وتوهجت حتى تقلب في السنا «وادي الملوك» حجارة وفضاء
فتلفتوا يتهامسون لعله
فجر الحضارة في البلاد أضاء
تلك المعازف في طلول بنائهم
أكثرن نحو بنائك الإيماء
وتمايلت عيدانهن تحية
وترنمت أوتارهن ثناء
يا باني الإيوان قد نسقته
وحذوت في هندامها «الحمراء»
23
أين «الغريض» يحله أو «معبد»
24
يتبوأ الحجرات والأبهاء
العبقرية من ضنائنه التي
يحبو بها سبحانه من شاء
لما بنيت الأيك واستوهبته
بعث الهزار وأرسل الورقاء
فسمعت من متفرد الأنغام ما
فات «الرشيد» وأخطأ الندماء
والفن ريحان الملوك وربما
خلدوا على جنباته أسماء
لولا أياديه على أبنائنا
لم نلف أمجد أمة آباء
كانت أوائل كل قوم في العلا
أرضا وكنا في الفخار سماء
لولا ابتسام الفن فيما حوله
ظل الوجود جهامة وجفاء
جرد من الفن الحياة وما حوت
تجد الحياة من الجمال خلاء
بالفن عالجت الحياة طبيعة
قد عالجت بالواحة الصحراء
تأوي إليها الروح من رمضائها
فتصيب ظلا أو تصادف ماء
نبض الحضارة في الممالك كلها
يجري السلامة أو يدق الداء
إن صح فهي على الزمان صحيحة
أو زاف كانت ظاهرا وطلاء
انظر أبا الفاروق غرسك هل ترى
بالغرس إلا نعمة ونماء
من حبة ذخرت وأيد ثابرت
جاء الزمان بجنة فيحاء
وأكنت الفن الجميل خميلة
رمت الظلال ومدت الأفياء
بذل الجهود الصالحات عصابة
لا يسألون عن الجهود جزاء
صحبوا رسول الفن لا يألونه
حبا وصدق مودة ووفاء
دفعوا العوائق بالثبات وجاوزوا
ما سر من قدر الأمور وساء
إن التعاون قوة علوية
تبني الرجال وتبدع الأشياء
فليهنهم حاز التفاتك سعيهم
وكسا نديهم سنا وسناء
لم تبد للأبصار إلا غارسا
لخوالف الأجيال أو بناء
تغدو على الفترات ترتجل الندى
وتروح تصطنع اليد البيضاء
في موكب كالغيث سار ركابه
بشرا وحل سعادة ورخاء
أنت اللواء التف قومك حوله
والتاج يجعله الشعوب لواء
من كل مئذنة سمعت محبة
وبكل ناقوس لقيت دعاء
يتألفان على الهتاف كما انبرى
وتر يساير في البنان غناء
في دار الأوبرا (هذه القصيدة لم يتبين لي - على وجه اليقين - سبب إنشادها، وأحسبه نظمها لمناسبة احتفال في دار الأوبرا أقامته جمعية من جمعيات البر بأبناء السبيل.)
25
حبذا الساحة والظل الظليل
وثناء في فم الدار جميل
لم تزل تجري به تحت الثرى
لجة المعروف والنيل الجزيل
صنع إسماعيل جلت يده
كل بنيان على الباني دليل
أتراها سدة من بابه
فتحت للخير جيلا بعد جيل
ملعب الأيام إلا أنه
ليس حظ الجد منه بالقليل
شهد الناس بها «عائدة»
وشجى الأجيال من «فردي» الهديل
وائتنفنا في ذراها دولة
ركنها السؤدد والمجد الأثيل
أينعت عصرا طويلا وأتى
دون أن تستأنف العصر الطويل
كم ضفرنا الغار في محرابها
وعقدناه لسباق أصيل
كم بدور ودعت يوم النوى
وشموس شيعت يوم الرحيل
رب عرس مر للبر بها
ماج بالخير والسمح المنيل
ضحك الأيتام في ليلته
ومشى يستروح البرء العليل
والتقى البائس والنعمى به
وسعى المأوى لأبناء السبيل
ومن الأرض جديب وند
ومن الدور جواد وبخيل
يا شبابا حنفاء ضمهم
منزل ليس بمذموم النزيل
يصرف الشبان عن ورد القذى
وينحيهم عن المرعى الوبيل
اذهبوا فيه وجيئوا إخوة
بعضكم خدن لبعض وخليل
لا يضرنكم قلته
كل مولود وإن جل ضئيل
أرجفت في أمركم طائفة
تبع الظن عن الإنصاف ميل
اجعلوا الصبر لهم حيلتكم
قلت الحيلة في قال وقيل
أيريدون بكم أن تجمعوا
رقة الدين إلى الخلق الهزيل
خلت الأرض من الهدي ومن
مرشد للنشء بالهدي كفيل
فترى الأسرة فوضى وترى
نشأ عن سنة البر يميل
لا تكونوا السيل جهما خشنا
كلما عب وكونوا السلسبيل
رب عين سمحة خاشعة
روت العشب ولم تنس النخيل
لا تماروا الناس فيما اعتقدوا
كل نفس بكتاب وسبيل
وإذا جئتم إلى ناديكم
فاطرحوا خلفكم العبء الثقيل
هذه ليلتكم في «الأوبرا»
ليلة القدر من الشهر النبيل
مهرجان طوف الهادي به
ومشى بين يديه جبرئيل
وتجلت أوجه زينها
غرر من لمحة الخير تسيل
فكأن الليل بالفجر انجلى
وكأن الدار في ظل الأصيل
أيها الأجواد لا نجزيكم
لذة الخير من الخير بديل
رجل الأمة يرجى عنده
لجليل العمل العون الجليل
إن دارا حطتموها بالندى
أخذت عهد الندى ألا تميل
مصرع بطرس غالي باشا
حينما قتل بطرس غالي باشا في مصر برصاصة من يد إبراهيم الورداني في سنة 1910م هاجت النفوس، واستاء كثير من الأقباط لوقوع الجريمة على زعيم ووزير قبطي، فقال في ذلك:
بني القبط إخوان الدهور رويدكم
هبوه «يسوعا» في البرية ثانيا
حملتم لحكم الله صلب «ابن مريم»
وهذا قضاء الله قد غال «غاليا»
سديد المرامي قد رماه مسدد
وداهية السواس لاقى الدواهيا
ووالله لو لم يطلق النار مطلق
عليه لأودى فجأة أو تداويا
قضاء ومقدار وآجال أنفس
إذا هي حانت لم تؤخر ثوانيا
نبيد كما بادت قبائل قبلنا
ويبقى الأنام اثنين ميتا وناعيا
تعالوا عسى نطوي الجفاء وعهده
وننبذ أسباب الشقاق نواحيا
ألم تك «مصر» مهدنا ثم لحدنا
وبينهما كانت لكل مغانيا
ألم نك من قبل «المسيح ابن مريم»
و«موسى» و«طه» نعبد النيل جاريا
فهلا تساقينا على حبه الهوى
وهلا فديناه ضفافا وواديا
وما زال منكم أهل ود ورحمة
وفي المسلمين الخير ما زال باقيا
فلا يثنكم عن ذمة قتل «بطرس»
فقدما عرفنا القتل في الناس فاشيا
تحية غليوم الثاني لصلاح الدين في القبر
عظيم الناس من يبكي العظاما
ويندبهم ولو كانوا عظاما
وأكرم من غمام عند محل
فتى يحيي بمدحته الكراما
وما عذر المقصر عن جزاء
وما يجزيهم إلا كلاما
فهل من مبلغ غليوم عني
مقالا مرضيا ذاك المقاما
رعاك الله من ملك همام
تعهد في الثرى ملكا هماما
أرى النسيان أظمأه فلما
وقفت بقبره كنت الغماما
تقرب عهده للناس حتى
تركت الجيل في التاريخ عاما
أتدري أي سلطان تحيي
وأي مملك تهدي السلاما
وقفت به تذكره ملوكا
تعود أن يلاقوه قياما
وكم جمعتهم حرب فكانوا
حدائدها وكان هو الحساما
كلام للبرية داميات
وأنت اليوم من ضمد الكلاما
فلما قلت ما قد قلت عنه
وأسمعت الممالك والأناما
تساءلت البرية وهي كلمي
أحبا كان ذاك أم انتقاما
وأنت أجل أن تزري بميت
وأنت أبر أن تؤذي عظاما
فلو كان الدوام نصيب ملك
لنال بحد صارمه الدواما
الفنار
26
سما يناغي الشهبا
هل مسها فالتهبا
كالديدبان ألزمو
ه في البحار مرقبا
شيع منه مركبا
وقام يلقى مركبا
بشر بالدار وبال
أهل السراة الغيبا
وخط بالنور على
لوح الظلام مرحبا
كالبارق الملح لم
يول إلا عقبا
يا رب ليل لم تذق
فيه الرقاد طربا
بتنا نراعيه كما
يرعى السراة الكوكبا
سعادة يعرفها
في الناس من كان أبا
مشى على الماء وجا
ب كالمسيح العببا
وقام في موضعه
مستشرفا منقبا
يرمي إلى الظلام طر
فا حائرا مذبذبا
كمبصر أدار عي
نا في الدجى وقلبا
كبصر الأعشى أصا
ب في الظلام ونبا
وكالسراج في يد الر
يح أضاء وخبا
كلمحة من خاطر
ما جاء حتى ذهبا
مجتنب العالم في
عزلته مجتنبا
إلا شراعا ضل أو
فلكا يقاسي العطبا
حارس الفنار ودلفين
وكان حارس الفنا
ر رجلا مهذبا
يهوى الحياة ويحب
العيش سهلا طيبا
أتت عليه سنوا
ت مبعدا مغتربا
لم ير فيها زوجه
ولا ابنه المحببا
وكان قد رعى الخطي
ب ووعى ما خطبا
فقال يا حارس خل
السخط والتعتبا
من يسعف الناس إذا
نودي كل فأبى
ما الناس إخوتي ولا
آدم كان لي أبا ... ... ... ... ... ...
انظر إلي كيف أق
ضي لهم ما وجبا
قد عشت في خدمتهم
ولا تراني تعبا
كم من غريق قمت عن
د رأسه مطببا
وكان جسما هامدا
حركته فاضطربا
وكنت وطأت له
مناكبي، فركبا
حتى أتى الشط فبش
من به ورحبا
وطاردوني فانقلب
ت خاسرا مخيبا
ما نلت منهم فضة
ولا منحت ذهبا
وما الجزاء لا تسل
كان الجزاء عجبا
ألقوا علي شبكا
وقطعوني إربا
واتخذ الصناع من
شحمي زيتا طيبا
ولم يزل إسعافهم
لي الحياة مذهبا
ولم يزل سجيتي
وعملي المحببا
إذا سمعت صرخة
طرت إليها طربا
لا أجد المسعف إل
ملكا مقربا
والمسعفون في غد
يؤلفون موكبا
يقول «رضوان» لهم
هيا ادخلوها مرحبا
مذنبكم قد غفر الله
له ما أذنبا
القمر على آفاق كلازومين ليلة المولد النبوي الأسنى
فديناه من زائر مرتقب
بدا للوجود بمرأى عجب
تهز الجبال تباشيره
كما هز عطف الطروب الطرب
ويحلي البحار بلألائه
فمنا الكئوس ومنه الحبب
منار الحزون إذا ما اعتلى
منار السهول إذا ما انقلب
أتانا من البحر في زورق
لجينا مجاذيفه من ذهب
فقلنا سليمان لو لم يمت
وفرعون لو حملته الشهب
وكسرى وما خمدت ناره
ويوسف لو أنه لم يشب
وهيهات ما توجوا بالسنا
ولا عرشهم كان فوق السحب
أناف على الماء ما بينها
وبين الجبال وشم الهضب
فلا هو خاف ولا ظاهر
ولا سافر لا ولا منتقب
وليس بثاو ولا راحل
ولا بالبعيد ولا المقترب
توارى بنصف خلال السحب
ونصف على جبل لم يغب
يجددها آية قد خلت
ويذكر ميلاد خير العرب
أثينا
27
وأوفدته الحكومة المصرية إلى «أثينا» عاصمة اليونان لحضور مؤتمر المستشرقين، فقال يخاطبها:
إن تسألي عن مصر «حواء» القرى
وقرارة التاريخ والآثار
فالصبح في «منف» و«ثيبة» واضح
من ذا يلاقي الصبح بالإنكار
بالهيل من «منف» ومن أرباضها
مجدوع أنف في الرمال كفاري
28
خلت الدهور وما التقت أجفانه
وأتت عليه كليلة ونهار
ما فل ساعده الزمان ولم ينل
منه اختلاف جوارف وذوار
كالدهر لو ملك القيام لفتكة
أو كان غير مقلم الأظفار
وثلاثة شب الزمان حيالها
شم على مر الزمان كبار
29
قامت على النيل العهيد عهيدة
تكسوه ثوب الفجر وهي عوار
من كل مركوز كرضوى في الثرى
متطاول في الجو كالإعصار
الجن في جنباتها مطروقة
ببدائع البناء والحفار
والأرض أضيع حيلة في نزعها
من حيلة المصلوب في المسمار
تلك القبور أضن من غيب بما
أخفت من الأعلاق والأذخار
نام الملوك بها الدهور طويلة
يجدون أروح ضجعة وقرار
كل كأهل الكهف فوق سريره
والدهر دون سريره بهجار
أملاك مصر القاهرون على الورى
المنزلون منازل الأقمار
هتك الزمان حجابهم وأزالهم
بعد الصيان إزالة الأسرار
هيهات لم يلمس جلالهم البلى
إلا بأيد في الرغام قصار
كانوا وظرف الدهر لا يسمو لهم
ما بالهم عرضوا على النظار
لو أمهلوا حتى النشور بدورهم
قاموا لخالقهم بغير غبار
ذكرى محمد فريد (ألقيت في الاحتفال بالذكرى الخامسة للمغفور له محمد فريد بك سنة 1924م.)
نجدد ذكرى عهدكم ونعيد
وندني خيال الأمس وهو بعيد
وللناس في الماضي بصائر يهتدي
عليهن غاو أو يسير رشيد
إذا الميت لم يكرم بأرض ثناؤه
تحير فيها الحي كيف يسود
ونحن قضاة الحق نرعى قديمه
وإن لم يفتنا في الحقوق جديد
ونعلم أنا في البناء دعائم
وأنتم أساس في البناء وطيد
فريد ضحايانا كثير وإنما
مجال الضحايا أنت فيه فريد
فما خلف ما كابدت في الحق غاية
ولا فوق ما قاسيت فيه مزيد
تغربت عشرا أنت فيهن بائس
وأنت بآفاق البلاد شريد
تجوع ببلدان وتعرى بغيرها
وترزح تحت الداء وهو عتيد
ألا في سبيل الله والحق طارف
من المال لم تبخل به وتليد
وجودك بعد المال بالنفس صابرا
إذا جزع المحضور وهو يجود
فلا زلت تمثالا من الحق خالصا
على سره نبني العلا ونشيد
يعلم نشء الحي كيف هوى الحمى
وكيف يحامي دونه ويذود
النخيل ما بين المنتزه وأبي قير (نظمها بالإسكندرية في صيف سنة 1931م.)
أرى شجرا في السماء احتجب
وشق العنان بمرأى عجب
مآذن قامت هنا أو هناك
ظواهرها درج من شذب
وليس يؤذن فيها الرجال
ولكن تصيح عليها الغرب
وباسقة من بنات الرمال
نمت وربت في ظلال الكثب
كسارية الفلك أو كالمسل
ة أو كالفنار وراء العبب
تطول وتقصر خلف الكثيب
إذا الريح جاء به أو ذهب
تخال إذا اتقدت في الضحى
وجر الأصيل عليها اللهب
وطاف عليها شعاع النهار
من الصحو أو من حواشي السحب
وصيفة فرعون في ساحة
من القصر واقفة ترتقب
قد اعتصبت بفصوص العقيق
مفصلة بشذور الذهب
وناطت قلائد مرجانها
على الصدر واتشحت بالقصب
وشدت على ساقها مئزرا
تعقد من رأسها للذنب
أهذا هو النخل ملك الرياض
أمير الحقول عروس العزب
طعام الفقير وحلوى الغني
وزاد المسافر والمغترب
فيا نخلة الرمل لم تبخلي
ولا قصرت نخلات الترب
وأعجب كيف طوى ذكركن
ولم يحتفل شعراء العرب
أليس حراما خلو القصائ
د من وصفكن وعطل الكتب
وأنتن في الهاجرات الظلال
كأن أعاليكن العبب
وأنتن في البيد شاة المعيل
جناها بجانب أخرى حلب
وأنتن في عرصات القصور
حسان الدمى الزائنات الرحب
جناكن كالكرم شتى المذاق
وكالشهد في كل لون يحب
البحر الأبيض (نظمت بالإسكندرية في صيف سنة 1931م.)
أمن البحر صائغ عبقري
بالرمال النواعم البيض مغرى
طاف تحت الضحى عليهن والجو
هر في سوقه يباع ويشرى
جئنه في معاصم ونحور
فكسا معصما وآخر عرى
وأبى أن يقلد الدر واليا
قوت نحرا وقلد الماس نحرا
وترى خاتما وراء بنان
وبنانا من الخواتم صفرا
وسوارا يزين زند كعاب
وسوارا من زند حسناء فرا
وترى الغيد لؤلؤا ثم رطبا
وجمانا حوالي الماء نثرا
وكأن السماء والماء شقا
صدف حملا رفيفا ودرا
وكأن السماء والماء عرس
مترع المهرجان لمحا وعطرا
أو ربيع من ريشة الفن أبهى
من ربيع الربا وأفتن زهرا
أو تهاويل شاعر عبقري
طارح البحر والطبيعة شعرا
يا سواري فيروزج ولجين
بهما حليت معاصم مصرا
في شعاع الضحى يعودان ماسا
وعلى لمحة الأصائل تبرا
ومشت فيهما النجوم فكانت
في حواشيهما يواقيت زهرا
لك في الأرض موكب ليس يألو الر
يح والطير والشياطين حشرا
30
سرت فيه على كنوز «سليما
ن» تعد الخطا اختيالا وكبرا
وترنمت في الركاب فقلنا
راهب طاف في الأناجيل يقرا
هو لحن مضيع لا جوابا
قد عرفنا له ولا مستقرا
لك في طيه حديث غرام
ظل في خاطر الملحن سرا
قد بعثنا تحية وثناء
لك يا أرفع الزواخر ذكرا
وغشيناك ساعة تنبش الما
ضي نبشا وتقتل الأمس فكرا
وفتحنا القديم فيك كتابا
وقرأنا الكتاب سطرا فسطرا
ونشرنا من طيهن الليالي
فلمحنا من الحضارة فجرا
ورأينا مصرا تعلم «يونا
ن» ويونان تقبس العلم مصرا
تلك تأتيك بالبيان نبيا
عبقريا وتلك بالفن سحرا
ورأينا المنار في مطلع النج
م على برقه الملمح يسرى
شاطئ مثل رقعة الخلد حسنا
وأديم الشباب طيبا وبشرا
جر فيروزجا على فضة الما
ء وجر الأصيل والصبح تبرا
كلما جئته تهلل بشرا
من جميع الجهات وافتر ثغرا
انثنى موجة وأقبل يرخي
كلة تارة ويرفع سترا
شب وانحط مثل أسراب طير
ماضيات تلف بالسهل وعرا
ربما جاء وهدة فتردى
في المهاوي وقام يطفر صخرا
وترى الرمل والقصور كأيك
ركب الوكر في نواحيه وكرا
وترى جوسقا يزين روضا
وترى ربوة تزين مصرا
سيد الماء كم لنا من «صلاح»
و«علي» وراء مائك ذكرى
31
كم ملأناك بالسفين مواقي
ر
32
كشم الجبال جندا ووفرا
شاكيات السلاح يخرجن من مص
ر بملمومة ويدخلن مصرا
شارعات الجناح في ثبج الما
ء كنسر يشد في السحب نسرا
وكأن اللجاج حين تنزى
وتسد الفجاج كرا وفرا
أجم بعضه لبعض عدو
زحفت غابة لتمزيق أخرى
قذفت ها هنا زئيرا ونابا
ورمت ها هنا عواء وظفرا
أنت تغلي إلى القيامة كالقد
ر فلا حط يومها لك قدرا
قف حي شبان الحمى (نظمها في الطلاب المصريين الذين يطلبون العلم في أوروبا.)
قف حي شبان الحمى
قبل الرحيل بقافية
عودتهم أمثالها
في الصالحات الباقية
من كل ذات إشارة
ليست عليهم خافية
قل يا شباب نصيحة
مما يزود غالية
هل راعكم أن المدا
رس في الكنانة خاوية
هجرت فكل خلية
من كل شهد خالية
وتعطلت هالاتها
منكم وكانت حالية
غدت السياسة وهي آ
مرة عليها ناهية
فهجرتم الوطن العزي
ز إلى البلاد القاصية
أنتم غدا في عالم
هو والحضارة ناحية
واريت فيه شبيبتي
وقضيت فيه ثمانية
ما كنت ذا القلب الغلي
ظ ولا الطباع الجافية
سيروا به تتعلموا
سر الحياة العالية
وتأملوا البنيان واد
كروا الجهود البانية
ذوقوا الثمار جنية
وردوا المناهل صافية
واقضوا الشباب فإن سا
عته القصيرة فانية
والله لا حرج علي
كم في حديث الغانية
أو في اشتهاء السحر من
لحظ العيون الساجية
أو في المسارح فهي بالن
فس اللطيفة راقية
ثنى عطفيهما الهرمان تيها
وقال يحيي الملك فؤاد في إبان زيارته للجيزة في ديسمبر سنة 1930م:
بأرض الجيزة اجتاز الغمام
وحل سماءها البدر التمام
وزار رياض إسماعيل غيث
كوالده له المنن الجسام
ثنى عطفيهما الهرمان تيها
وقال الثالث الأدنى سلام
هلمي منف هذا تاج خوفو
كقرص الشمس يعرفه الأنام
نمته من بني فرعون هام
ومن خلفاء إسماعيل هام
تألق في سمائك عبقريا
عليه جلالة وله وسام
ترعرعت الحضارة في حلاه
وشب على جواهره النظام
ونال الفن في أولى الليالي
وأخراهن عزا لا يرام
مشى في جيزة الفسطاط ظل
كظل النيل بل به الأوام
إذا ما مس تربا عاد مسكا
ونافس تحته الذهب الرغام
وإن هو حل أرضا قام فيها
جدار للحضارة أو دعام
فمدرسة لحرب الجهل تبنى
ومستشفى يذاد به السقام
ودار يستغاث بها فيمضي
إلى الإسعاف أنجاد كرام
أساة جراحة حينا وحينا
ميازيب إذا انفجر الضرام
وأحواض يراض النيل فيها
وكل نجيبة ولها لجام
أبا الفاروق أقبلنا صفوفا
وأنت من الصفوف هو الإمام
إلى البيت الحرام بك اتجهنا
ومصر وحقها البيت الحرام
طلعت على الصعيد فهش حتى
علا شفتي أبي الهول ابتسام
ركاب سارت الآمال فيه
وطاف به التلفت والزحام
فماذا في طريقك من كفور
أجل من البيوت بها الرجام
كأن الراقدين بكل قاع
هم الأيقاظ واليقظى النيام
لقد أزم الزمان الناس فانظر
فعندك تفرج الإزم العظام
وبعد غد يفارق عام بؤس
ويخلفه من النعماء عام
يدور بمصر حالا بعد حال
زمان ما لحاليه دوام
ومصر بناء جدك لم يتمم
أليس على يديك له تمام
فلسنا أمة قعدت بشمس
ولا بلدا بضاعته الكلام
ولكن همة في كل حين
يشد بناءها الملك الهمام
نروم الغاية القصوى فنمضي
وأنت على الطريق هو الزمام
ونقصر خطوة ونمد أخرى
وتلجئنا المسافة والمرام
ونصبر للشدائد في مقام
ويغلبنا على صبر مقام
فقو حضارة الماضي بأخرى
لها زهو بعصرك واتسام
ترف صحائف البردي فيها
وينطق في هياكلها الرخام
رعتك وواديا ترعاه عنا
من الرحمن عين لا تنام
فإن يك تاج مصر لها قواما
فمصر لتاجها العالي قوام
لتهنأ مصر وليهنأ بنوها
فبين الرأس والجسم التئام
الأميرة فتحية
وقال في برقية يهنئ الأميرة السابقة فتحية:
فتحية دنيا تدوم وصحة
تبقى وبهجة أمة وحياة
مولاي إن الشمس في عليائها
أنثى وكل الطيبات بنات
تهنئة
وقال يهنئ الدكتور علي باشا إبراهيم بمناسبة الإنعام عليه برتبة الباشوية سنة 1930م:
يد الملك العلوي الكريم
على العلم هزت أخاه الأدب
لسان الكنانة في شكرها
وما هو إلا لسان العرب
قضت مصر حاجتها يا «علي»
ونالت ونال بنوها الأرب
وهنأت بالرتب العبقري
وهنأت بالعبقري الرتب
علي لقد لقبتك البلاد
بآسي الجراح ونعم اللقب
سلاحك من أدوات الحياة
وكل سلاح أداة العطب
ولفظك «بنج» ولكنه
لطيف الصبا في جفون العصب
أنامل مثل بنان المسيح
أواسي الجراح مواحي الندب
تعالج كفاك بؤس الحياة
فكف تداوي وكف تهب
ويستمسك الدم في راحتيك
وفوقهما لا يقر الذهب
كأنك للموت موت أتيح
فلم ير وجهك إلا هرب
يا قاهر الغرب العتيد
وقال في حفل تكريم البطل العالمي في حمل الأثقال السيد نصير، في ديسمبر سنة 1930م:
شرفا نصير ارفع جبينك عاليا
وتلق من أوطانك الإكليلا
يهنيك ما أعطيت من إكرامها
ومنحت من عطف ابن إسماعيلا
اليوم يوم السابقين فكن فتى
لم يبغ من قصب الرهان بديلا
وإذا جريت مع السوابق فاقتحم
غررا تسيل إلى المدى وحجولا
حتى يراك الجمع أول طالع
ويروا على أعرافك المنديلا
هذا زمان لا توسط عنده
يبغي المغامر عاليا وجليلا
كن سابقا فيه أو ابق بمعزل
ليس التوسط للنبوغ سبيلا
يا قاهر الغرب العتيد ملأته
بثناء مصر على الشفاه جميلا
قلبت فيه يدا تكاد لشدة
في البأس ترفع في الفضاء الفيلا
إن الذي خلق الحديد وبأسه
جعل الحديد لساعديك ذليلا
زحزحته فتخاذلت أجلاده
وطرحته أرضا فصل صليلا
لم لا يلين لك الحديد ولم تزل
تتلو عليه وتقرأ التنزيلا
الأزمة اشتدت وران بلاؤها
فاصدم بركنك ركنها ليميلا «شمشون» أنت وقد رست أركانها
فتمش في أركانها لتزولا
قل لي نصير وأنت بر صادق
أحملت إنسانا عليك ثقيلا
أحملت دينا في حياتك مرة
أحملت يوما في الضلوع غليلا
أحملت ظلما من قريب غادر
أو كاشح بالأمس كان خليلا
أحملت منا بالنهار مكررا
والليل من مسد إليك جميلا
أحملت طغيان اللئيم إذا اغتنى
أو نال من جاه الأمور قليلا
أحملت في النادي الغبي إذا التقى
من سامعيه الحمد والتبجيلا
تلك الحياة وهذه أثقالها
وزن الحديد بها فعاد ضئيلا
ابن زيدون (أنشأها ترحيبا بديوان ابن زيدون، حين ظهر مطبوعا لأول مرة في مصر بعناية الأستاذ الأديب كامل كيلاني.)
يا ابن زيدون مرحبا
قد أطلت التغيبا
إن ديوانك الذي
ظل سرا محجبا
يشتكي اليتم دره
ويقاسي التغربا
صار في كل بلدة
للألباء مطلبا
جاءنا «كامل» به
عربيا مهذبا
تجد النص معجبا
وترى الشرح أعجبا
أنت في القول كله
أجمل الناس مذهبا
بأبي أنت هيكلا
من فنون مركبا
شاعرا أم مصورا
كنت أم كنت مطربا
ترسل اللحن كله
مبدعا فيه مغربا
أحسن الناس هاتفا
بالغواني مشببا
ونزيل المتوجي
ن النديم المقربا
كم سقاهم بشعره
مدحة أو تعتبا
ومن المدح ما جزى
وأذاع المناقبا
وإذا الهجو هاجه
لمعاناته أبى
ورآه رذيلة
لا تماشي التأدبا
ما رأى الناس شاعرا
فاضل الخلق طيبا
دس للناشقين في
زنبق الشعر عقربا
جلت في الخلد جولة
هل عن الخلد من نبا
صف لنا ما وراءه
من عيون ومن ربا
ونعيم ونضرة
وظلال من الصبا
وصف الحور موجزا
وإذا شئت مطنبا
قم ترى الأرض مثلما
كنتم أمس ملعبا
وترى العيش لم يزل
لبني الموت مأربا
وترى ذاك بالذي
عند هذا معذبا
إن مروان عصبة
يصنعون العجائبا
33
طوفوا الأرض مشرقا
بالأيادي ومغربا
هالة أطلعتك في
ذروة المجد كوكبا
أنت للفتح تنتمي
وكفى الفتح منصبا
لست أرضى بغيره
لك جدا ولا أبا
البلبل الغرد الذي هز الربا (أنشدت في الحفلة التي أقامتها رابطة الأدب الجديد تكريما للشاعر الأستاذ «محمود أبو الوفا»، وكانت هذه القصيدة سببا إلى عناية الحكومة المصرية وقتئذ بالشاعر - أبي الوفا - وتسفيره إلى أوروبا لعمل رجل صناعية بدل ساقه المبتورة!)
وعصابة بالخير ألف شملهم
والخير أفضل عصبة ورفاقا
جعلوا التعاون والبناية همهم
واستنهضوا الآداب والأخلاقا
ولقد يداوون الجراح ببرهم
ويقاتلون البؤس والإملاقا
يسمون بالأدب الجديد وتارة
يبنون للأدب القديم رواقا
بعث اهتمامهم وهاج حنانهم
زمن يثير العطف والإشفاقا
عرض القعود فكان دون نبوغه
قيدا ودون خطا الشباب وثاقا
البلبل الغرد الذي هز الربا
وشجى الغصون وحرك الأوراقا
خلف البهاء على القريض وكأسه
فسقى بعذب نسيبه العشاقا
في القيد ممتنع الخطا وخياله
يطوي البلاد وينشر الآفاقا
سباق غايات البيان جرى بلا
ساق فكيف إذا استرد الساقا
لو يطعم الطب الصناع بيانه
أو لو يسيغ لما يقول مذاقا
غالى بقيمته فلم يصنع له
إلا الجناح محلقا خفاقا
خليل مطران
34 (نظمها لتنشد في حفلة أقيمت بدار الجامعة المصرية في 18 يونيو سنة 1913م لتكريم الشاعر خليل مطران؛ لمناسبة إنعام الخديو عباس حلمي الثاني عليه بوسام، وكانت الحفلة برياسة الأمير محمد علي توفيق شقيق الخديو.)
لبنان مجدك في المشارق أول
والأرض رابية وأنت سنام
وبنوك ألطف من نسيمك ظلهم
وأشم من هضباتك الأحلام
أخرجتهم للعالمين جحاجحا
عربا وأبناء الكريم كرام
بين الرياض وبين أفق زاهر
طلع المسيح عليه والإسلام
هذا أديبك يحتفى بوسامه
وبيانه للمشرقين وسام
ويجل قدر قلادة في صدره
وله القلائد سمطها الإلهام
صدر حواليه الجلال وملؤه
كرم وخشية مؤمن وذمام
جلاه إحسان الخديو وطالما
حلاه فضل الله والإنعام
لعلاك يا مطران أم لنهاك أم
لخلالك التشريف والإكرام
أم للمواقف لم يقفها ضيغم
لولاك لاضطربت له «الأهرام»
هذا مقام القول فيك ولم يزل
لك في الضمائر محفل ومقام
غالى بقيمتك الأمير محمد
وسعى إليك يحفه الإعظام
في مجمع هز البيان لواءه
بك فيه واعتزت بك الأقلام
ابن الملوك تلا الثناء مخلدا
هيهات يذهب للملوك كلام
فمن البشير لبعلبك وبينها
نسب تضيء بنوره الأيام
يبلى المكين الفخم من آثارها
يوما وآثار الخليل قيام
غاندي (أنشأها تحية لغاندي الزعيم الهندي المشهور، حين مروره بمصر سنة 1931م في طريقه إلى مؤتمر المائدة المستديرة بلندن.)
بني مصر ارفعوا الغار
وحيوا بطل الهند
وأدوا واجبا واقضوا
حقوق العلم الفرد
أخوكم في المقاساة
وعرك الموقف النكد
وفي التضحية الكبرى
وفي المطلب والجهد
وفي الجرح وفي الدمع
وفي النفي من المهد
وفي الرحلة للحق
وفي مرحلة الوفد
قفوا حيوه من قرب
على الفلك ومن بعد
وغطوا البر بالآس
وغطوا البحر بالورد
على إفريز «راجبوتا
ن»
35
تمثال من المجد
نبي مثل «كونفشيو
س» أو من ذلك العهد
قريب القول والفعل
من المنتظر المهدي
شبيه الرسل في الذود
عن الحق وفي الزهد
لقد علم بالحق
وبالصبر وبالقصد
ونادى المشرق الأقصى
فلباه من اللحد
وجاء الأنفس المرضى
فداواها من الحقد
دعا الهندوس والإسلا
م للألفة والود
بسحر من قوى الروح
حوى السيفين في غمد
وسلطان من النفس
يقوي رائض الأسد
وتوفيق من الله
وتيسير من السعد
وحظ ليس يعطاه
سوى المخلوق للخلد
ولا يؤخذ بالحول
ولا الصول ولا الجند
ولا بالنسل والمال
ولا بالكدح والكد
ولكن هبة المولى
تعالى الله للعبد
سلام النيل يا غاندي
وهذا الزهر من عندي
وإجلال من الأهرا
م والكرنك والبردي
ومن مشيخة الوادي
ومن أشباله المرد
سلام حالب الشاة
سلام غازل البرد
ومن صد عن الملح
ولم يقبل على الشهد
ومن يركب ساقيه
من الهند إلى السند
سلام كلما صلي
ت عريانا وفي اللبد
وفي زاوية السجن
وفي سلسلة القيد
من «المائدة الخضرا
ء»
36
خذ حذرك يا غاندي
ولاحظ ورق «السير»
وما في ورق «اللورد»
وكن أبرع من يلع
ب بالشطرنج والنرد
ولاق العبقريين
لقاء الند للند
وقل هاتوا أفاعيكم
أتى الحاوي من الهند
وعد لم تحفل الذام
ولم تغتر بالحمد
فهذا النجم لا ترقى
إليه همة النقد
ورد الهند للأم
ة من حد إلى حد
تحية أبولو
أبولو: مجلة فنية لخدمة الشعر الحي، كان يصدرها مرة كل شهر - في سنة 1932م - الدكتور أحمد زكي أبو شادي، فقال يحييها:
أبولو مرحبا بك يا أبولو
فإنك من عكاظ الشعر ظل
عكاظ وأنت للبلغاء سوق
على جنباتها رحلوا وحلوا
وينبوع من الإنشاد صاف
صدى المتأدبين به يقل
ومضمار يسوق إلى القوافي
سوابقها إذا الشعراء قلوا
يقول الشعر قائلهم رصينا
ويحسن حين يكثر أو يقل
ولولا المحسنون بكل أرض
لما ساد الشعوب ولا استقلوا
عسى تأتيننا بمعلقات
نروح على القديم بها ندل
لعل مواهبا خفيت وضاعت
تذاع على يديك وتستغل
صحائفك المدبجة الحواشي
ربا الورد المفتح أو أجل
رياحين الرياض يمل منها
وريحان القرائح لا يمل
يمهد عبقري الشعر فيها
لكل ذخيرة فيها محل
وليس الحق بالمنقوص فيها
ولا الأعراض فيها تستحل
وليست بالمجال لنقد باغ
وراء يراعه حسد وغل
أغنية (نظمها بلبنان في صيف سنة 1913م لتغنيها إحدى القيان.)
بي مثل ما بك يا قمرية الوادي
ناديت ليلى فقومي في الدجى نادي
وأرسلي الشجو أسجاعا مفصلة
أو رددي من وراء الأيك إنشادي
لا تكتمي الوجد فالجرحان من شجن
ولا الصبابة فالدمعان من واد
تذكري هل تلاقينا على ظمأ
وكيف بل الصدى ذو الغلة الصادي
وأنت في مجلس الريحان لاهية
ما سرت من سامر إلا إلى نادي
تذكري قبلة في الشعر حائرة
أضلها فمشت في فرقك الهادي
وقبلة فوق خد ناعم عطر
أبهى من الورد في ظل الندى الغادي
تذكري منظر الوادي ومجلسنا
على الغدير كعصفورين في الوادي
والغصن يحنو علينا رقة وجوى
والماء في قدمينا رائح غاد
تذكري نغمات ها هنا وهنا
من لحن شادية في الدوح أو شادي
تذكري موعدا جاد الزمان به
هل طرت شوقا وهل سابقت ميعادي
فنلت ما نلت من سؤل ومن أمل
ورحت لم أحص أفراحي وأعيادي
يا شراعا وراء دجلة (غناها بين يدي ملك العراق المغفور له فيصل الأول الموسيقار محمد عبد الوهاب بمناسبة زيارته لتلك البلاد في سنة 1931م.)
يا شراعا وراء دجلة يجري
في دموعي تجنبتك العوادي
سر على الماء كالمسيح رويدا
واجر في اليم كالشعاع الهادي
وأت قاعا كرفرف الخلد طيبا
أو كفردوسه بشاشة وادي
قف تمهل وخذ أمانا لقلبي
من عيون المها وراء السواد
والنواسي والندامى أمنهم
سامر يملأ الدجى أو ناد
خطرت فوقه المهارة تعدو
في غبار الآباء والأجداد
أمة تنشئ الحياة وتبني
كبناء الأبوة الأمجاد
تحت تاج من القرابة والمل
ك على فرق أريحي جواد
ملك الشط والفراتين والبط
حاء أعظم بفيصل والبلاد
الرجل السعيد
37 (وهي ترجمة أبيات فرنسية عنوانها:
L’ homme heureux
لسمو الأمير حيدر فاضل.)
عفيف الجهر والهمس
قضى الواجب بالأمس
ولم يعرض لذي حق
بنقصان ولا بخس
وعند الناس مجهول
وفي ألسنهم منسي
وفيه رقة القلب
لآلام بني الجنس
فلا يغبط ذا نعمى
ويرثي لأخي البؤس
وللمحروم والعافي
حوالي زاده كرسي
وما نم ولا هم
ببعض الكيد والدس
ينام الليل مسرورا
قليل الهم والهجس
ويصبح لا غبار على
سريرته كما يمسي
فيا أسعد من يمشي
على الأرض من الإنس
ومن طهره الله
من الريبة والرجس
أنل قدري تشريفا
وهب لي قربك القدسي
عسى نفسك أن تدم
ج في أحلامها نفسي
فألقى بعض ما تلقى
من الغبطة والأنس
الأثر
وجدت الحياة طريق الزمر
إلى بعثة وشئون أخر
وما باطلا ينزل النازلون
ولا عبثا يزمعون السفر
فلا تحتقر عالما أنت فيه
ولا تجحد الآخر المنتظر
وخذ لك زادين من سيرة
ومن عمل صالح يدخر
وكن في الطريق عفيف الخطا
شريف السماع كريم النظر
ولا تخل من عمل فوقه
تعش غير عبد ولا محتقر
وكن رجلا إن أتوا بعده
يقولون مر وهذا الأثر
الستار
قدمت بين يدي نفسا أذنبت
وأتيت بين الخوف والإقرار
وجعلت أستر عن سواك ذنوبها
حتى عييت فمن لي بستار
الخصوصيات
أبو علي
وقال عندما بشر بابنه علي شوقي:
صار شوقي أبا علي
في الزمان «الترللي»
وجناها جناية
ليس فيها بأول
الزمن الأخير
وقال في ذلك أيضا:
علي لو استشرت أباك قبلا
فإن الخير حظ المستشير
إذن لعلمت أنا في غناء
وإن نك من لقائك في سرور
وما ضقنا بمقدمك المفدى
ولكن جئت في الزمن الأخير
صاحب عهده
وقال أيضا:
رزقت صاحب عهدي
وتم لي النسل بعدي
هم يحسدوني عليه
ويغبطوني بسعدي
ولا أراني ونجلي
سنلتقي عند مجد
وسوف يعلم بيتي
أني أنا النسل وحدي
فيا علي لا تلمني
فما احتقارك قصدي
وأنت مني كروحي
وأنت من أنت عندي
فإن أساءك قولي
كذب أباك بوعد
يا ليلة
وكانت ولادة بنته أمينة ووفاة والده في ساعة واحدة، فقال في ذلك:
يا ليلة سميتها ليلتي
لأنها بالناس ما مرت
أذكرها والموت في ذكرها
على سبيل البث والعبرة
ليعلم الغافل ما أمسه
ما يومه ما منتهى العيشة
نبهني المقدور في جنحها
وكنت بين النوم واليقظة
الموت عجلان إلى والدي
والوضع مستعص على زوجتي
هذا فتى يبكى على مثله
وهذه في أول النشأة
وتلك في مصر على حالها
وذاك رهن الموت والغربة
والقلب ما بينهما حائر
من بلدة أسري إلى بلدة
حتى بدا الصبح فولى أبي
وأقبلت بعد العناء ابنتي
فقلت أحكامك حرنا لها
يا مخرج الحي من الميت
أمينة
وقال حين اكتملت بنته حولا يصفها في هذا العمر:
أمينتي في عامها ال
أول مثل الملك
صالحة للحب من
كل وللتبرك
كم خفق القلب لها
عند البكى والضحك
وكم رعتها العين في الس
كون والتحرك
فإن مشت فخاطري
يسبقها كالممسك
ألحظها كأنها
من بصري في شرك
فيا جبين السعد لي
ويا عيون الفلك
ويا بياض العيش في ال
أيام ذات الحلك
إن الليالي وهي لا
تنفك حرب أهلك
لو أنصفتك طفلة
لكنت بنت الملك
طفلة لاهية
وقال يهنئها بسنتها الثانية:
أمينة يا بنتي الغالية
أهنيك بالسنة الثانية
وأسأل أن تسلمي لي السنين
وأن ترزقي العقل والعافية
وأن تقسمي لأبر الرجال
وأن تلدي الأنفس العالية
ولكن سألتك بالوالدين
وناشدتك اللعب الغالية
أتدرين ما مر من حادث
وما كان في السنة الماضية
وكم بلت في حلل من حرير
وكم قد كسرت من الآنية
وكم سهرت في رضاك الجفون
وأنت على غضب غافية
وكم قد خلت من أبيك الجيوب
وليست جيوبك بالخالية
وكم قد شكا المر من عيشه
وأنت وحلواك في ناحية
وكم قد مرضت فأسقمته
وقمت فكنت له شافية
ويضحك إن جئته تضحكين
ويبكي إذا جئته باكية
ومن عجب مرت الحادثات
وأنت لأحداثها ناسية
فلو حسدت مهجة ولدها
حسدتك من طفلة لاهية
الأنانية (ونظم هذه الحكاية فيها وفي كلب لها أسود صغير.)
يا حبذا أمينة وكلبها
تحبه جدا كما يحبها
أمينتي تحبو إلى الحولين
وكلبها يناهز الشهرين
لكنها بيضاء مثل العاج
وعبدها أسود كالدياجي
يلزمها نهارها وتلزمه
ومثلما يكرمها لا تكرمه
فعندها من شدة الإشفاق
أن تأخذ الصغير بالخناق
في كل ساعة له صياح
وقلما ينعم أو يرتاح
وهذه حادثة لها معه
تنبيك كيف استأثرت بالمنفعة
جاءت به إلي ذات مرة
تحمله وهي به كالبرة
فقلت أهلا بالعروس وابنها
ماذا يكون يا ترى من شأنها
قالت «غلامي» يا أبي جوعان
وما له كما لنا لسان
فمرهم يأتوا بخبز ولبن
ويحضروا آنية ذات ثمن
فقمت كالعادة بالمطلوب
وجئتها أنظر من قريب
فعجنت في اللبن اللبابا
كما ترانا نطعم الكلابا
ثم أرادت أن تذوق قبله
فاستطعمت بنت الكرام أكله
هناك ألقت بالصغير للورا
واندفعت تبكي بكاء مفترى
تقول بابا أنا «دحا» وهو «كخ»
معناه بابا لي وحدي ما طبخ
فقل لمن يجهل خطب الآنية
قد فطر الطفل على الأنانية
لعبة
وقال فيما ينفع أمينة من اللعب، وأشار إلى رأس السنة الميلادية الذي يكثر فيه بيعها:
صغار بحلوان تستبشر
ورؤيتها الفرح الأكبر
تهز اللواء بعيد المسيح
وتحييه من حيث لا تشعر
فهذا بلعبته يزدهي
وهذا بحلته يفخر
وهذا كغصن الربا ينثني
وهذا كريح الصبا يخطر
إذا اجتمع الكل في بقعة
حسبتهم باقة تزهر
أو افترقوا واحدا واحدا
حسبتهم لؤلؤا ينثر
ومن عجب منهم المسلمون
أو المسلمون هم الأكثر
فلاسفة كلهم في اتفاق
كما اتفق الآل والمعشر
دسمبر شعبان عند الجميع
وشعبان للكل ديسمبر
ولا لغة غير صوت شجي
كروض بلابله تصفر
ولا يزدري بالفقير الغني
ولا ينكر الأبيض الأسمر
فيا ليت شعري أضل الصغار
أم العقل ما عنهم يؤثر
سؤال أقدمه للكبار
لعل الكبار به أخبر
ولي طفلة جازت السنتين
كبعض الملائك أو أطهر
بعينين في مثل لون السماء
وسنين يا حبذا الجوهر
أتتني تسألني لعبة
لتكسرها ضمن ما تكسر
فقلت لها أيهذا الملاك
تحب السلام ولا أنكر
ولكن قبلك خاب المسيح
وباء بمنشوره القيصر
فلا ترج سلما من العالمين
فإن السباع كما تفطر
ومن يعدم الظفر بين الذئاب
فإن الذئاب به تظفر
فإن شئت تحيا حياة الكبار
يؤملك الكل أو يحذر
فخذ هاك «بندقة» نارها
سلام عليك إذا تسعر
لعلك تألفها في الصبا
وتخلفها كلما تكبر
ففيها الحياة لمن حازها
وفيها السعادة والمفخر
وفيها السلام الوطيد البناء
لمن آثر السلم أو يؤثر
فلوبيل ممسكة موزرا
ولوبيل تمسكها موزر
1
أجابت وما النطق في وسعها
ولكنها العين قد تخبر
تقول عجيب كلامك لي
أبالشر يا والدي تأمر
تزين لبنتك حب الحروب
وحب السلام بها أجدر
وأنت امرؤ لا تحب الأذى
ولا تبتغيه ولا تأمر
فقلت لأمر ضللت السبيل
ورب أخي ضلة يعذر
فلو جيء بالرسل في واحد
وبالكتب في صفحة تنشر
وبالأولين وما قدموا
وبالآخرين وما أخروا
لينهض ما بينهم خاطبا
على العرش نص له منبر
يقول «السلام» يحب السلام
ويأجركم عنه ما يأجر
لصم العباد فلم يسمعوا
وكف العباد فلم يبصروا
زين المهود
2
وقال وقد قبلها قبلة في الصباح:
يا شبه سيدة البتو
ل وصورة الملك الطهور
نسى جمالك في الإنا
ث جمال يوسف في الذكور
زين المهود اليوم أن
ت وفي غد زين الخدور
إن الأهلة إن سرت
سارت على نهج البدور
بأبي جبين كالصبا
ح إذا تهيأ للسفور
بقيت عليه من الدجى
تلك الخيوط من الشعور
وكرائم من لؤلؤ
زين مرجان النحور
سبحان مؤتيها يتا
ئم في المراشف والثغور
تسقي وتسقى من لعا
ب النحل أو طل الزهور
وكأن نفح الطيب حو
ل نضيدها أنفاس حور
وغريبة فوق الخدو
د بديعة من ورد جور
صفراء عند رواحها
حمراء في وقت البكور
قبلتها وشممتها
وسقيتها دمع السرور
أول خطوة
وقال يذكر دخول ولده علي في السنة الثانية من عمره:
هذه أول خطوة
هذه أول كبوة
في طريقي لعلي
عنه لو يعقل غنوة
3
يأخذ العيشة فيه
مرة آنا وحلوة
يا علي إن أنت أوفي
ت على سن الفتوة
دافع الناس وزاحم
وخذ العيش بقوة
لا تقل كان أبي إي
اك أن تحذو حذوه
أنا لم أغنم من النا
س سوى فنجان قهوة
أنا لم أجز عن المد
ح من الأملاك فروة
أنا لم أجز عن الكت
ب من القراء حظوة
ضيع الكل حيائي
وعفافي والمروة
يوم فراقه
وقال وقد بكى طفلاه وتشبثا به ألا يخرج:
بكيا لأجل خروجه في زورة
يا ليت شعري كيف يوم فراقه
لو كان يسمع يومذاك بكاهما
ردت إليه الروح من إشفاقه
مظلوم
وكتب إلى عزيزه وظهيره صاحب العطوفة المرحوم أحمد مظلوم باشا من باريس، يهنئه بالنيشان المجيدي الأول:
أقسمت لو أمر الزمان سماءه
فسعت لصدرك شمسها ونجومها
لينيل قدرك في المعالي حقه
شكت المعالي أنه مظلومها
سرنا أنك ارتقيت (وبعث من باريس بهذا التاريخ إلى صاحب السعادة محمود شكري باشا يهنئه برتبة المتمايز.)
يا عزيزا لنا بمصر علمنا
أنه بالرضا الخديوي فائز
سرنا أنك ارتقيت وترقى
فكأنا نحوز ما أنت حائز
رتبة ألسن العلا أرختها
أنت محمود في العلا المتمايز
بلغتني أملا
وقال يشكر صاحب العطوفة المرحوم أحمد مظلوم باشا علي معروف صنعه معه:
ذي همة دونها في شأوها الهمم
لم تتخذ «لا» ولم تكذب لها «نعم»
بلغتني أملا ما كنت بالغه
لولا وفاؤك يا مظلوم والكرم
ودادك العز والنعمى لخاطبه
وود غيرك ضحك السن والكلم
أكلما قعدت بي عنك معذرة
مشت إلي الأيادي منك والنعم
تجل في قلم الأوطان حامله
فكيف يصبر عن إجلالك القلم
أصيب المجد يوم أصبت
وكتب إلى صديقه المفضال سعادة المرحوم إسماعيل باشا صبري، يهنئه بالسلامة على أثر حادثة في القطار:
أتتني الصحف عنك مخبرات
بحادثة ولا كالحادثات
بخطبك في القطار أبا حسين
وليس من الخطوب الهينات
أصيب المجد يوم أصبت فيه
ولم تخل الفضيلة من شكاة
وساء الناس أن كبت المعالي
وأزعجهم عثار المكرمات
ولست بناس الآداب لما
تراءت ربها متلهفات
وكان الشعر أجزعها فؤادا
وأحرصها لديك على حياة
هجرت القول أياما قصارا
فكانت فترة للمعجزات
وإن لياليا أمسكت فيها
لسود لليراع وللدواة
فقل لي عن رضوضك كيف أمست
فقلبي في رضوض مؤلمات
وهب لي منك خطا أو رسولا
يبلغ عنك كل الطيبات
سألتك بالوداد
وكتب إلى سعادته يهنئه بتعيينه وكيلا لنظارة الحقانية:
سألتك بالوداد أبا حسين
وبالذمم السوالف والعهود
وحب كامن لك في فؤادي
وآخر في فؤادك لي أكيد
أحق أن مطوي الليالي
سينشر بين «أحمد» و«الوليد»
وأن مناهلا كنا لديها
ستدنو للتأنس والورود
قدومك في رقيك في نصيبي
سعود في سعود في سعود
وفدت على ربوعك غب نأي
وكنت البدر مأمول الوفود
لئن رفعوك منزلة فأعلى
لقد خلق الأهلة للصعود
وأقسم ما لرفعتك انتهاء
ولا فيها احتمال للمزيد
اهنأ أخي
وكتب إلى صديقه الفاضل صاحب العزة حمزة بك فهمي يهنئه برتبة المتمايز الرفيعة:
قالوا «تمايز» حمزة
قلت «التمايز» من قديم
لو لم يميزوه بها
لامتاز بالخلق العظيم
رتب كرائم في العلا
وجهن منك إلى كريم
فاهنأ أخي بوفودها
وتلق تهنئة الحميم
وارق المنازل كلها
حتى تنيف على النجوم
يانصيب
وقال يعابث صديقه الشاعر خليل بك مطران، وقد جاءه أنه ربح ربحا:
لقد وافتني البشرى
وأنبئت بما سرا
وقالوا عنك لي أمس
ربحت النمرة الكبرى
فيا مطران ما أولى
ويا مطران ما أحرى
لقد أقبلت الدنيا
فلا تجزع على الأخرى
أخذت الصفر باليمنى
وكان الصفر باليسرى
وكانت فضة بيضا
فصارت ذهبا صفرا
وقال البعض ألفين
وقالوا فوق ذا قدرا
المدامة
وقال عن بعض شعراء الترك:
كن في التواضع كالمدا
مة حين تجلى في الكئوس
مشت اتئادا في الصدو
ر فحكموها في الرءوس
تاريخ
وقال يؤرخ ديوانه الأول - الشوقيات - وقد صدر في سنة 1317ه:
وجنات من الأشعار فيها
جنى للمجتني من كل ذوق
تأمل كم تمنوها وأرخ
لشوقيات أحمد أي شوق
أليق ديوان ظهر
وقال يؤرخ الشوقيات أيضا:
مجموعة لأحمد
معجزه فيها بهر
تعد في تاريخها
أليق ديوان ظهر
الحكايات
أنت وأنا
يحكون أن رجلا كرديا
كان عظيم الجسم همشريا
وكان يلقي الرعب في القلوب
بكثرة السلاح في الجيوب
ويفزع اليهود والنصارى
ويرعب الكبار والصغارا
وكلما مر هناك وهنا
يصيح بالناس أنا أنا أنا
نمى حديثه إلى صبي
صغير جسم بطل قوي
لا يعرف الناس له الفتوة
وليس ممن يدعون القوة
فقال للقوم سأدريكم به
فتعلمون صدقه من كذبه
وسار نحو الهمشري في عجل
والناس مما سيكون في وجل
ومد نحوه يمينا قاسية
بضربة كادت تكون القاضية
فلم يحرك ساكنا ولا ارتبك
ولا انتهى عن زعمه ولا ترك
بل قال للغالب قولا لينا
الآن صرنا اثنين أنت وأنا
نديم الباذنجان
كان لسلطان نديم واف
يعيد ما قال بلا اختلاف
وقد يزيد في الثنا عليه
إذا رأى شيئا حلا لديه
وكان مولاه يرى ويعلم
ويسمع التمليق لكن يكتم
فجلسا يوما على الخوان
وجيء في الأكل بباذنجان
فأكل السلطان منه ما أكل
وقال: هذا في المذاق كالعسل
قال النديم: صدق السلطان
لا يستوي شهد وباذنجان
هذا الذي غنى به «الرئيس»
1
وقال فيه الشعر «جالينوس»
يذهب ألف علة وعلة
ويبرد الصدر ويشفي الغلة
قال: ولكن عنده مرارة
وما حمدت مرة آثاره
قال: نعم مر وهذا عيبه
مذ كنت يا مولاي لا أحبه
هذا الذي مات به «بقراط»
وسم في الكأس به «سقراط»
فالتفت السلطان فيمن حوله
وقال: كيف تجدون قوله
قال النديم: يا مليك الناس
عذرا فما في فعلتي من باس
جعلت كي أنادم السلطانا
ولم أنادم قط باذنجانا
ضيافة قطة
2
لست بناس ليلة
من رمضان مرت
تطاولت مثل ليا
لي القطب واكفهرت
إذ انفلت من سحو
ري فدخلت حجرتي
أنظر في ديوان شع
ر أو كتاب سيرة
فلم يرعني غير صو
ت كمواء الهرة
فقمت ألقي السمع في الس
تور والأسرة
حتى ظفرت بالتي
علي قد تجرت
فمذ بدت لي والتقت
نظرتها ونظرتي
عاد رماد لحظها
مثل بصيص الجمرة
ورددت فحيحها
كحنش بقفرة
ولبست لي من ورا
ء الستر جلد النمرة
كرت ولكن كالجبا
ن قاعدا وفرت
وانتفضت شواربا
عن مثل بيت الإبرة
ورفعت كفا وشا
لت ذنبا كالمذرة
ثم ارتقت عن الموا
ء فعوت وهرت
لم أجزها بشرة
عن غضب وشرة
ولا غبيت ضعفها
ولا نسيت قدرتي
ولا رأيت غير أم
بالبنين برة
رأيت ما يعطف نف
س شاعر من صورة
رأيت جد الأمها
ت في بناء الأسرة
فلم أزل حتى اطمأن
جأشها وقرت
أتيتها بشربة
وجئتها بكسرة
وصنتها من جانبي
مرقدها بسترتي
وزدتها الدفء فقر
بت لها مجمرتي
ولو وجدت مصيدا
لجئتها بفأرة
فاضطجعت تحت ظلا
ل الأمن واسبطرت
وقرأت أورادها
وما درت ما قرت
وسرح الصغار في
ثديها فدرت
غر نجوم سبح
في جنبات السرة
اختلطوا وعبثوا
كالعمي حول سفرة
تحسبهم ضفادعا
أرسلتها في جرة
وقلت لا بأس على
طفلك يا جويرتي
تمخضي عن خمسة
إن شئت أو عن عشرة
أنت وأولادك حت
ى يكبروا في خفرتي
الصياد والعصفورة
3
حكاية الصياد والعصفورة
صارت لبعض الزاهدين صورة
ما هزءوا فيها بمستحق
ولا أرادوا أولياء الحق
ما كل أهل الزهد أهل الله
كم لاعب في الزاهدين لاه
جعلتها شعرا لتلفت الفطن
والشعر للحكمة مذ كان وطن
وخير ما ينظم للأديب
ما نطقته ألسن التجريب •••
ألقى غلام شركا يصطاد
وكل من فوق الثرى صياد
فانحدرت عصفورة من الشجر
لم ينهها النهي ولا الحزم زجر
قالت: سلام أيها الغلام
قال: على العصفورة السلام
قالت: صبي منحني القناة
قال: حنتها كثرة الصلاة
قالت: أراك بادي العظام
قال: برتها كثرة الصيام
قالت: فما يكون هذا الصوف؟
قال: لباس الزاهد الموصوف
سلي إذا جهلت عارفيه
فابن عبيد والفضيل فيه
قالت: فما هذي العصا الطويلة
قال: لهاتيك العصا سليلة
أهش في المرعى بها وأتكي
ولا أرد الناس عن تبرك
قالت: أرى فوق التراب حبا
مما اشتهى الطير وما أحبا
قال: تشبهت بأهل الخير
وقلت أقري بائسات الطير
فإن هدى الله إليه جائعا
لم يك قرباني القليل ضائعا
قالت: فجد لي يا أخا التنسك
قال: القطيه بارك الله لك
فصليت في الفخ نار القاري
ومصرع العصفور في المنقار
وهتفت تقول للأغرار
مقالة العارف بالأسرار: «إياك أن تغتر بالزهاد
كم تحت ثوب الزهد من صياد»
البلابل التي رباها البوم
أنبئت أن سليمان الزمان ومن
أصبى الطيور فناجته وناجاها
أعطى بلابله يوما - يؤدبها
لحرمة عنده - للبوم يرعاها
واشتاق يوما من الأيام رؤيتها
فأقبلت وهي أعصى الطير أفواها
أصابها العي حتى لا اقتدار لها
بأن تبث نبي الله شكواها
فنال سيدها من دائها غضب
وود لو أنه بالذبح داواها
فجاءه الهدهد المعهود معتذرا
عنها يقول لمولاه ومولاها
بلابل الله لم تخرس ولا ولدت
خرسا ولكن بوم الشؤم رباها
الديك الهندي والدجاج البلدي
بينا ضعاف من دجاج الريف
تخطر في بيت لها طريف
إذ جاءها هندي كبير العرف
فقام في الباب قيام الضيف
يقول: حيا الله ذي الوجوها
ولا أراها أبدا مكروها
أتيتكم أنشر فيكم فضلي
يوما وأقضي بينكم بالعدل
وكل ما عندكم حرام
علي إلا الماء والمنام
فعاود الدجاج داء الطيش
وفتحت للعلج باب العش
فجال فيه جولة المليك
يدعو لكل فرخة وديك
وبات تلك الليلة السعيدة
ممتعا بداره الجديدة
وباتت الدجاج في أمان
تحلم بالذلة والهوان
حتى إذا تهلل الصباح
واقتبست من نوره الأشباح
صاح بها صاحبها الفصيح
يقول: دام منزلي المليح
فانتبهت من نومها المشئوم
مذعورة من صيحة الغشوم
تقول: ما تلك الشروط بيننا
غدرتنا والله غدرا بينا
فضحك الهندي حتى استلقى
وقال: ما هذا العمى يا حمقى
متى ملكتم ألسن الأرباب؟
قد كان هذا قبل فتح الباب
العصفور والغدير المهجور
ألم عصفور بمجرى صاف
قد غاب تحت الغاب في الألفاف
يسقي الثرى من حيث لا يدري الثرى
خشية أن يسمع عنه أو يرى
فاغترف العصفور من إحسانه
وحرك الصنيع من لسانه
فقال يا نور عيون الأرض
ومخجل الكوثر يوم العرض
هل لك في أن أرشد الإنسانا
ليعرف المكان والإمكانا
فينظر الخير الذي نظرت
ويشكر الفضل كما شكرت
لعل أن تشهر بالجميل
وتنسي الناس حديث النيل
فالتفت الغدير للعصفور
وقال يهدي مهجة المغرور
يا أيها الشاكر دون العالم
أمنك الله يد ابن آدم
النيل فاسمع وافهم الحديثا
يعطي ولكن يأخذ الخبيثا
من طول ما أبصره الناس نسي
وصار كل الذكر للمهندس
وهكذا العهد بود الناسي
وقيمة المحسن عند الناس
وقد عرفت حالتي وضدها
فقل لمن يسأل عني بعدها
إن خفي النافع فالنفع ظهر
يا سعد من صافى وصوفي واستتر
الأفعى النيلية والعقربة الهندية
وهذه واقعة مستغربة
في هوس الأفعى وخبث العقربة
رأيت أفعى من بنات النيل
معجبة بقدها الجميل
تحتقر النصح وتجفو الناصحا
وتدعي العقل الكبير الراجحا
عنت لها ربيبة السباخ
تحمل وزنيها من الأوساخ
فحسبتها والحساب يجدي
ساحرة من ساحرات الهند
فانخرطت مثل الحسام الوالج
واندفعت تلك كسهم زالج
حتى إذا ما أبلغتها جحرها
دارت عليه كالسوار دورها
تقول يا أم العمى والطيش
أين الفرار يا عدو العيش؟
إن تلجي فالموت في الولوج
أو تخرجي فالهلك في الخروج
فسكتت طريدة البيوت
واغترت الأفعى بذا السكوت
وهجعت على الطريق هجعة
فخرجت ضرتها بسرعة
ونهضت في ذروة الدماغ
واسترسلت في مؤلم التلداغ
فانتبهت كالحالم المذعور
تصيح بالويل وبالثبور
حتى وهت من الفتاة القوة
فنزلت عن رأسها العدوة
تقول صبرا للبلاء صبرا
وإن وجدت قسوة فعذرا
فرأسك الداء وذا الدواء
وهكذا فلتركب الأعداء
من ملك الخصم ونام عنه
يصبح يلقى ما لقيت منه
لولا الذي أبصر أهل التجربة
مني لما سموا الخبيث عقربة
السلوقي والجواد
قال السلوقي مرة للجواد
وهو إلى الصيد مسوق القياد
بالله قل لي يا رفيق الهنا
فأنت تدري لي الوفا في الوداد
ألست أهل البيد أهل الفلا
أهل السرى والسير أهل الجهاد
ألم تكن رب الصفات التي
هام بها الشاعر في كل واد
قال بلى كل الذي قلته
أنا به المشهور بين العباد
قال فما بالك يا صاحبي
إذا دعا الصيد وجد الطراد
تشكو فتشكيك عصا سيدي
إن العصا ما خلقت للجواد
وتنثني في عرق سائل
منكس الرأس ضئيل الفؤاد
وذا السلوقي أبدا صابر
ينقاد للمالك أي انقياد
فقال مهلا يا كبير النهى
ما هكذا أنظار أهل الرشاد
السر في الطير وفي الوحش لا
في عظم سيقانك يا ذا السداد
ما الرجل إلا حيث كان الهوى
إن البطون قادرات شداد
أما ترى الطير على ضعفها
تطوي إلى الحب مئات البلاد
فأر الغيط وفأر البيت
يقال كانت فأرة الغيطان
تتيه بابنيها على الفيران
قد سمت الأكبر نور الغيط
وعلمته المشي فوق الخيط
فعرف الغياض والمروجا
وأتقن الدخول والخروجا
وصار في الحرفة كالآباء
وعاش كالفلاح في هناء
وأتعب الصغير قلب الأم
بالكبر فاحتارت بما تسمي
فقال سميني بنور القصر
لأنني يا أم فأر العصر
إني أرى ما لم ير الشقيق
فلي طريق وله طريق
لأدخلن الدار بعد الدار
وثبا من الرف إلى الكرار
لعلني إن ثبتت أقدامي
ونلت يا كل المنى مرامي
آتيكما بما أرى في البيت
من عسل أو جبنة أو زيت
فعطفت على الصغير أمه
وأقبلت من وجدها تضمه
تقول إني يا قتيل القوت
أخشى عليك ظلمة البيوت
كان أبوك قد رأى الفلاحا
في أن تكون مثله فلاحا
فاعمل بما أوصى ترح جناني
أو لا فسر في ذمة الرحمن
فاستضحك الفأر وهز الكتفا
وقال من قال بذا قد خرفا
ثم مضى لما عليه صمما
وعاهد الأم على أن تكتما
فكان يأتي كل يوم جمعة
وجبنة في فمه أو شمعة
حتى مضى الشهر وجاء الشهر
وعرف اللص وشاع الأمر
فجاء يوما أمه مضطربا
فسألته أين خلى الذنبا
فقال ليس بالفقيد من عجب
في الشهد قد غاص وفي الشهد ذهب
وجاءها ثانية في خجل
منها يداري فقد إحدى الأرجل
فقال رف لم أصبه عالي
صيرني أعرج في المعالي
وكان في الثالثة ابن الفارة
قد أخلف العادة في الزيارة
فاشتغل القلب عليه واشتعل
وسارت الأم له على عجل
فصادفته في الطريق ملقى
قد سحقت منه العظام سحقا
فناحت الأم وصاحت واها
إن المعالي قتلت فتاها
ملك الغربان وندور الخادم
كان للغربان في العصر مليك
وله في النخلة الكبرى أريك
فيه كرسي وخدر ومهود
لصغار الملك أصحاب العهود
جاءه يوما ندور الخادم
وهو في الباب الأمين الحازم
قال يا فرع الملوك الصالحين
أنت ما زلت تحب الناصحين
سوسة كانت على القصر تدور
جازت القصر ودبت في الجذور
فابعث الغربان في إهلاكها
قبل أن نهلك في أشراكها
ضحك السلطان من هذا المقال
ثم أدنى خادم الخير وقال
أنا رب الشوكة الضافي الجناح
أنا ذو المنقار غلاب الرياح «أنا لا أنظر في هذي الأمور»
أنا لا أبصر تحتي يا ندور
ثم لما كان عام بعد عام
قام بين الريح والنخل خصام
وإذا النخلة أقوى جذعها
فبدا للريح سهلا قلعها
فهوت للأرض كالتل الكبير
وهوى الديوان وانقض السرير
فدها السلطان ذا الخطب المهول
ودعا خادمه الغالي يقول
يا ندور الخير أسعف بالصياح
ما ترى ما فعلت فينا الرياح
قال يا مولاي لا تسأل ندور «أنا لا أنظر في هذي الأمور»!
الظبي والعقد والخنزير
ظبي رأى صورته في الماء
فرفع الرأس إلى السماء
وقال يا خالق هذا الجيد
زنه بعقد اللؤلؤ النضيد
فسمع الماء يقول مفصحا
طلبت يا ذا الظبي ما لن تمنحا
إن الذي أعطاك هذا الجيدا
لم يبق في الحسن له مزيدا
لو أن حسنه على النحور
لم يخرج الدر من البحور
فافتتن الظبي بذي المقال
وزاده شوقا إلى اللآلي
ولم ينله فمه السقيم
فعاش دهرا في الفلا يهيم
حتى تقضى العمر في الهيام
وهجر طيب النوم والطعام
فسار نحو الماء ذات مرة
يشكو إليه نفعه وضره
وبينما الجاران في الكلام
أقبل راعي الدير في الظلام
يتبعه حيث مشى خنزير
في جيده قلادة تنير
فاندفع الظبي لذاك يبكي
وقال من بعد انجلاء الشك
ما آفة السعي سوى الضلال
ما آفة العمر سوى الآمال
لولا قضاء الملك القدير
لما سعى العقد إلى الخنزير
فالتفت الماء إلى الغزال
وقال حال الشيخ شر حال
لا عجب إن السنين موقظة
حفظت عمرا لو حفظت موعظة
ولي عهد الأسد وخطبة الحمار
لما دعا داعي أبي الأشبال
مبشرا بأول الأنجال
سعت سباع الأرض والسماء
وانعقد المجلس للهناء
وصدر المرسوم بالأمان
في الأرض للقاصي بها والداني
فضاق بالذيول صحن الدار
من كل ذي صوف وذي منقار
حتى إذا استكملت الجمعية
نادى منادي الليث في المعية
هل من خطيب محسن خبير
يدعو بطول العمر للأمير
فنهض الفيل المشير السامي
وقال ما يليق بالمقام
ثم تلاه الثعلب السفير
ينشد حتى قيل ذا جرير
واندفع القرد مدير الكاس
فقيل أحسنت أبا نواس
وأومأ الحمار بالعقيرة
يريد أن يشرف العشيرة
فقال باسم خالق الشعير
وباعث العصا إلى الحمير
فأزعج الصوت ولي العهد
فمات من رعدته في المهد
فحمل القوم على الحمار
بجملة الأنياب والأظفار
وانتدب الثعلب للتأبين
فقال في التعريض بالمسكين
لا جعل الله له قرارا
عاش حمارا ومضى حمارا
الأسد والثعلب والعجل
نظر الليث إلى عجل سمين
كان بالقرب على غيط أمين
فاشتهت من لحمه نفس الرئيس
وكذا الأنفس يصبيها النفيس
قال للثعلب يا ذا الاحتيال
رأسك المحبوب أو ذاك الغزال
فدعا بالسعد والعمر الطويل
ومضى في الحال للأمر الجليل
وأتى الغيط وقد جن الظلام
فرأى العجل فأهداه السلام
قائلا يا أيها المولى الوزير
أنت أهل العفو والبر الغزير
حمل الذئب على قتلي الحسد
فوشى بي عند مولانا الأسد
فتراميت على الجاه الرفيع
وهو فينا لم يزل نعم الشفيع
فبكى المغرور من حال الخبيث
ودنا يسأل عن شرح الحديث
قال هل تجهل يا حلو الصفات
أن مولانا أبا الأفيال مات
فرأى السلطان في الرأس الكبير
موطن الحكمة والحذق الكثير
ورآكم خير من يستوزر
ولأمر الملك ركنا يذخر
ولقد عدوا لكم بين الجدود
مثل آبيس ومعبود اليهود
فأقاموا لمعاليكم سرير
عن يمين الملك السامي الخطير
واستعد الطير والوحش لذاك
في انتظار السيد العالي هناك
فإذا قمتم بأعباء الأمور
وانتهى الأنس إليكم والسرور
برئوني عند سلطان الزمان
واطلبوا لي العفو منه والأمان
وكفاكم أنني العبد المطيع
أخدم المنعم جهد المستطيع
فأحد العجل قرنيه وقال
أنت منذ اليوم جاري لا تنال
فامض واكشف لي إلى الليث الطريق
أنا لا يشقى لديه بي رفيق
فمضى الخلان توا للفلاة
ذا إلى الموت وهذا للحياة
وهناك ابتلع الليث الوزير
وحبا الثعلب منه باليسير
فانثنى يضحك من طيش العجول
وجرى في حلبة الفخر يقول
سلم الثعلب بالرأس الصغير
ففداه كل ذي رأس كبير
القرد والفيل
قرد رأى الفيل على الطريق
مهرولا خوفا من التعويق
وكان ذاك القرد نصف أعمى
يريد يحصي كل شيء علما
فقال أهلا بأبي الأهوال
ومرحبا بمخجل الجبال
تفدي الرءوس رأسك العظيما
فقف أشاهد حسنك الوسيما
لله ما أظرف هذا القدا
وألطف العظم وأبهى الجلدا
وأملح الأذن في الاسترسال
كأنها دائرة الغربال
وأحسن الخرطوم حين تاها
كأنه النخلة في صباها
وظهرك العالي هو البساط
للنفس في ركوبه انبساط
فعدها الفيل من السعود
وأمر الشاعر بالصعود
فجال في الظهر بلا توان
حتى إذا لم يبق من مكان
أوفى على الشيء الذي لا يذكر
وأدخل الأصبع فيه يخبر
فاتهم الفيل البعوض واضطرب
وضيق الثقب وصال بالذنب
فوقع الضرب على السليمة
فلحقت بأختها الكريمة
ونزل البصير
4
ذا اكتئاب
يشكو إلى الفيل من المصاب
فقال لا موجب للندامة
الحمد لله على السلامة
من كان في عينيه هذا الداء
ففي العمى لنفسه وقاء
الشاة والغراب
مر الغراب بشاة
قد غاب عنها الفطيم
تقول والدمع جار
والقلب منها كليم
يا ليت شعري يا ابني
وواحدي هل تدوم؟
وهل تكون بجنبي
غدا على ما أروم؟
فقال يا أم سعد
هذا عذاب أليم
فكرت في الغد والفك
ر مقعد ومقيم
لكل يوم خطوب
تكفي وشغل عظيم
وبينما هو يهذي
أتى النعي الذميم
يقول خلفت سعدا
والعظم منه هشيم
رأى من الذئب ما قد
رأى أبوه الكريم
فقال ذو البين للأم
حين ولت تهيم
إن الحكيم نبي
لسانه معصوم
ألم أقل لك توا
لكل يوم هموم
قالت صدقت ولكن
هذا الكلام قديم
فإن قومي قالوا
وجه الغراب مشوم
أمة الأرانب والفيل
يحكون أن أمة الأرانب
قد أخذت من الثرى بجانب
وابتهجت بالوطن الكريم
وموئل العيال والحريم
فاختاره الفيل له طريقا
ممزقا أصحابنا تمزيقا
وكان فيهم أرنب لبيب
أذهب جل صوفه التجريب
نادى بهم يا معشر الأرانب
من عالم وشاعر وكاتب
اتحدوا ضد العدو الجافي
فالاتحاد قوة الضعاف
فأقبلوا مستصوبين رايه
وعقدوا للاجتماع راية
وانتخبوا من بينهم ثلاثة
لا هرما راعوا ولا حداثة
بل نظروا إلى كمال العقل
واعتبروا في ذاك سن الفضل
فنهض الأول للخطاب
فقال إن الرأي ذا الصواب
أن تترك الأرض لذي الخرطوم
كي نستريح من أذى الغشوم
فصاحت الأرانب الغوالي
هذا أضر من أبي الأهوال
ووثب الثاني فقال إني
أعهد في الثعلب شيخ الفن
فلندعه يمدنا بحكمته
ويأخذ اثنين جزاء خدمته
فقيل لا يا صاحب السمو
لا يدفع العدو بالعدو
وانتدب الثالث للكلام
فقال يا معاشر الأقوام
اجتمعوا فالاجتماع قوة
ثم احفروا على الطريق هوة
يهوي إليها الفيل في مروره
فنستريح الدهر من شروره
ثم يقول الجيل بعد الجيل
قد أكل الأرنب عقل الفيل
فاستصوبوا مقاله واستحسنوا
وعملوا من فورهم فأحسنوا
وهلك الفيل الرفيع الشان
فأمست الأمة في أمان
وأقبلت لصاحب التدبير
ساعية بالتاج والسرير
فقال مهلا يا بني الأوطان
إن محلي للمحل الثاني
فصاحب الصوت القوي الغالب
من قد دعا يا معشر الأرانب
حكاية الخفاش ومليكة الفراش
مرت على الخفاش
مليكة الفراش
تطير بالجموع
سعيا إلى الشموع
فعطفت ومالت
واستضحكت فقالت
أزريت بالغرام
يا عاشق الظلام
صف لي الصديق الأسودا
الخامل المجردا
5
قال سألت فيه
أصدق واصفيه
هو الصديق الوافي
الكامل الأوصاف
جواره أمان
وسره كتمان
وطرفه كليل
إذا هفا الخليل
يحنو على العشاق
يسمع للمشتاق
وجملة المقال
هو الحبيب الغالي •••
فقالت الحمقاء
وقولها استهزاء
أين أبو المسك الخصي
ذو الثمن المسترخص
6
من صاحبي الأمير
الظاهر المنير
7
إن عد فيمن أعرف
أسمو به وأشرف
وإن سئلت عنه
وعن مكاني منه
أفاخر الأترابا
وأنثني إعجابا
فقال يا مليكة
وربة الأريكة
إن من الغرور
ملامة المغرور
فأعطني قفاك
وامضي إلى الهلاك
فتركته ساخرة
وذهبت مفاخرة
وبعد ساعة مضت
من الزمان فانقضت
مرت على الخفاش
مليكة الفراش
ناقصة الأعضاء
تشكو من الفناء
فجاءها منهمكا
يضحكه منها البكى
قال ألم أقل لك
هلكت أو لم تهلكي
رب صديق عبد
أبيض وجه الود
يفديك كالرئيس
بالنفس والنفيس
وصاحب كالنور
في الحسن والظهور
معتكر الفؤاد
مضيع الوداد
حباله أشراك
وقربه هلاك
الأسد ووزيره الحمار
الليث ملك القفار
وما تضم الصحاري
سعت إليه الرعايا
يوما بكل انكسار
قالت تعيش وتبقى
يا دامي الأظفار
مات الوزير فمن ذا
يسوس أمر الضواري
قال الحمار وزيري
قضى بهذا اختياري
فاستضحكت ثم قالت «ماذا رأى في الحمار؟»
وخلفته وطارت
بمضحك الأخبار
حتى إذا الشهر ولى
كليلة أو نهار
لم يشعر الليث إلا
وملكه في دمار
القرد عند اليمين
والكلب عند اليسار
والقط بين يديه
يلهو بعظمة فار
فقال من في جدودي
مثلي عديم الوقار؟
أين اقتداري وبطشي
وهيبتي واعتباري؟
فجاءه القرد سرا
وقال بعد اعتذار
يا عالي الجاه فينا
كن عالي الأنظار
رأي الرعية فيكم
من رأيكم في الحمار
النملة والمقطم
كانت النملة تمشي
مرة تحت المقطم
فارتخى مفصلها من
هيبة الطود المعظم
وانثنت تنظر حتى
أوجد الخوف وأعدم
قالت اليوم هلاكي
حل يومي وتحتم
ليت شعري كيف أنجو - إن هوى هذا - وأسلم
فسعت تجري وعينا
ها ترى الطود فتندم
سقطت في شبر ماء
هو عند النمل كاليم
فبكت يأسا وصاحت
قبل جري الماء في الفم
ثم قالت وهي أدرى
بالذي قالت وأعلم
ليتني لم أتأخر
ليتني لم أتقدم
ليتني سلمت فالعا
قل من خاف فسلم
صاح لا تخش عظيما
فالذي في الغيب أعظم
الغزال والكلب
كان فيما مضى من الدهر بيت
من بيوت الكرام فيه غزال
يطعم اللوز والفطير ويسقى
عسلا لم يشبه إلا الزلال
فأتى الكلب ذات يوم يناجي
ه وفي النفس ترحة وملال
قال يا صاحب الأمانة قل لي
كيف حال الورى وكيف الرجال؟
فأجاب الأمين وهو القئول الص
ادق الكامل النهى المفضال
سائلي عن حقيقة الناس عذرا
ليس فيهم حقيقة فتقال
إنما هم حقد وغش وبغض
وأذاة وغيبة وانتحال
ليت شعري هل يستريح فؤادي
كم أداريهم وكم أحتال!
فرضا البعض فيه للبعض سخط
ورضا الكل مطلب لا ينال
ورضا الله نرتجيه ولكن
لا يؤدي إليه إلا الكمال
لا يغرنك يا أخا البيد من مو
لاك ذاك القبول والإقبال
أنت في الأسر ما سلمت فإن تم
رض تقطع من جسمك الأوصال
فاطلب البيد وارض بالعشب قوتا
فهناك العيش الهني الحلال
أنا لولا العظام وهي حياتي
لم تطب لي مع ابن آدم حال
الثعلب والديك
برز الثعلب يوما
في شعار الواعظينا
فمشى في الأرض يهذي
ويسب الماكرينا
ويقول الحمد لل
ه إله العالمينا
يا عباد الله توبوا
فهو كهف التائبينا
وازهدوا في الطير إن ال
عيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن
لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول
من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه
وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك عذرا
يا أضل المهتدينا
بلغ الثعلب عني
عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجان ممن
دخل البطن اللعينا
أنهم قالوا وخير ال
قول قول العارفينا «مخطئ من ظن يوما
أن للثعلب دينا»
النعجة وأولادها
اسمع نفائس ما يأتيك من حكمي
وافهمه فهم لبيب ناقد واعي
كانت على زعمهم فيما مضى غنم
بأرض بغداد يرعى جمعها راعي
قد نام عنها فنامت غير واحدة
لم يدعها في الدياجي للكرى داعي
أم الفطيم وسعد والفتى علف
وابن امه وأخيه منية الراعي
فبينما هي تحت الليل ساهرة
تحييه ما بين أوجال وأوجاع
بدا لها الذئب يسعى في الظلام على
بعد فصاحت ألا قوموا إلى الساعي
فقام راعي الحمى المرعي منذعرا
يقول أين كلابي أين مقلاعي
وضاق بالذئب وجه الأرض من فرق
فانساب فيه انسياب الظبي في القاع
فقالت الأم يا للفخر كان أبي
حرا وكان وفيا طائل الباع
إذا الرعاة على أغنامها سهرت
سهرت من حب أطفالي على الراعي
الكلب والقط والفأر
فأر رأى القط على الجدار
معذبا في أضيق الحصار
والكلب في حالته المعهودة
مستجمعا للوثبة الموعودة
فحاول الفأر اغتنام الفرصة
وقال أكفي القط هذي الغصة
لعله يكتب بالأمان
لي ولأصحابي من الجيران
فسار للكلب على يديه
ومكن التراب من عينيه
فاشتغل الراعي عن الجدار
ونزل القط على بدار
مبتهجا يفكر في وليمة
وفي فريسة لها كريمة
يجعلها لخطبه علامة
يذكرها فيذكر السلامة
فجاء ذاك الفأر في الأثناء
وقال عاش القط في هناء
رأيت في الشدة من إخلاصي
ما كان منها سبب الخلاص
وقد أتيت أطلب الأمانا
فامنن به لمعشري إحسانا
فقال حقا هذه كرامة
غنيمة وقبلها سلامة
يكفيك فخرا يا كريم الشيمة
أنك فأر الخطب والوليمة
وانقض في الحال على الضعيف
يأكله بالملح والرغيف
فقلت في المقام قولا شاعا «من حفظ الأعداء يوما ضاعا»
سليمان والهدهد
وقف الهدهد في با
ب سليمان بذلة
قال يا مولاي كن لي
عيشتي صارت مملة
مت من حبة بر
أحدثت في الصدر غلة
لا مياه النيل تروي
ها ولا أمواه دجلة
وإذا دامت قليلا
قتلتني شر قتلة
فأشار السيد العا
لي إلى من كان حوله
قد جنى الهدهد ذنبا
وأتى في اللؤم فعلة
تلك نار الإثم في الصد
ر وذي الشكوى تعلة
ما أرى الحبة إلا
سرقت من بيت نملة
إن للظالم صدرا
يشتكي من غير علة
سليمان والطاووس
سمعت بأن طاووسا
أتى يوما سليمانا
يجرر دون وفد الطي
ر أذيالا وأردانا
ويظهر ريشه طورا
ويخفي الريش أحيانا
فقال لدي مسألة
أظن أوانها آنا
وها قد جئت أعرضها
على أعتاب مولانا
ألست الروض بالأزها
ر والأنوار مزدانا
ألم أستوف آي الظر
ف أشكالا وألوانا
ألم أصبح ببابكم
لجمع الطير سلطانا
فكيف يليق أن أبقى
وقومي الغر أوثانا
فحسن الصوت قد أمسى
نصيبي منه حرمانا
فما تيمت أفئدة
ولا أسكرت آذانا
وهذي الطير أحقرها
يزيد الصب أشجانا
وتهتز الملوك له
إذا ما هز عيدانا •••
فقال له سليمان
لقد كان الذي كانا
تعالت حكمة الباري
وجل صنيعه شانا
لقد صغرت يا مغرو
ر نعمى الله كفرانا
وملك الطير لم تحفل
به كبرا وطغيانا
فلو أصبحت ذا صوت
لما كلمت إنسانا
الغصن والخنفساء
كان بروض غصن ناعم
يقول جل الواحد المنفرد
فقامتي في ظرفها قامتي
ومثل حسني في الورى ما عهد
فأقبلت «خنفسة» تنثني
ونجلها يمشي بجنب الكبد
تقول يا زين رياض البها
إن الذي تطلبه قد وجد
فانظر لقد ابني ولا تفتخر
ما دام في العالم أم تلد
القبرة وابنها
رأيت في بعض الرياض قبرة
تطير ابنها بأعلى الشجرة
وهي تقول يا جمال العش
لا تعتمد على الجناح الهش
وقف على عود بجنب عود
وافعل كما أفعل في الصعود
فانتقلت من فنن إلى فنن
وجعلت لكل نقلة زمن
كي يستريح الفرخ في الأثناء
فلا يمل ثقل الهواء
لكنه قد خالف الإشارة
لما أراد يظهر الشطارة
وطار في الفضاء حتى ارتفعا
فخانه جناحه فوقعا
فانكسرت في الحال ركبتاه
ولم ينل من العلا مناه
ولو تأنى نال ما تمنى
وعاش طول عمره مهنا
لكل شيء في الحياة وقته
وغاية المستعجلين فوته
النعجتان
كان لبعض الناس نعجتان
وكانتا في الغيط ترعيان
إحداهما سمينة والثانية
عظامها من الهزال بادية
فكانت الأولى تباهي بالسمن
وقولهم بأنها ذات الثمن
وتدعي أن لها مقدارا
وأنها تستوقف الأبصارا
فتصبر الأخت على الإدلال
حاملة مرارة الإذلال
حتى أتى الجزار ذات يوم
وقلب النعجة دون القوم
فقال للمالك أشتريها
ونقد الكيس النفيس فيها
فانطلقت من فورها لأختها
وهي تشك في صلاح بختها
تقول يا أختاه خبريني
هل تعرفين حامل السكين
قالت دعيني وهزالي والزمن
وكلمي الجزار يا ذات الثمن
لكل حال حلوها ومرها
ما أدب النعجة إلا صبرها
السفينة والحيوانات
لما أتم نوح السفينة
وحركتها القدرة المعينة
جرى بها ما لا جرى ببال
فما تعالى الموج كالجبال
حتى مشى الليث مع الحمار
وأخذ القط بأيدي الفار
واستمع الفيل إلى الخنزير
موتنسا بصوته النكير
وجلس الهر بجنب الكلب
وقبل الخروف ناب الذئب
وعطف الباز على الغزال
واجتمع النمل على الأكال
وفلت الفرخة صوف الثعلب
وتيم ابن عرس حب الأرنب
فذهبت سوابق الأحقاد
وظهر الأحباب في الأعادي
حتى إذا حطوا بسفح الجودي
وأيقنوا بعودة الوجود
عادوا إلى ما تقتضيه الشيمة
ورجعوا للحالة القديمة
فقس على ذلك أحوال البشر
إن شمل المحذور أو عم الخطر
بينا ترى العالم في جهاد
إذ كلهم على الزمان العادي
القرد في السفينة
لم يتفق مما جرى في المركب
ككذب القرد على نوح النبي
فإنه كان بأقصى السطح
فاشتاق من خفته للمزح
وصاح: يا للطير والأسماك
لموجة تجد في هلاكي
فبعث النبي له النسورا
فوجدته لاهيا مسرورا
ثم أتى ثانية يصيح
قد ثقبت مركبنا يا نوح
فأرسل النبي كل من حضر
فلم يروا كما رأى القرد خطر
وبينما السفيه يوما يلعب
جادت به على المياه المركب
فسمعوه في الدجى ينوح
يقول إني هالك يا نوح
سقطت من حماقتي في الماء
وصرت بين الأرض والسماء
فلم يصدق أحد صياحه
وقيل حقا هذه وقاحة
قد قال في هذا المقام من سبق
أكذب ما يلفى الكذوب إن صدق
من كان ممنوا بداء الكذب
لا يترك الله ولا يعفي نبي
نوح - عليه السلام - والنملة في السفينة
قد ود نوح أن يباسط قومه
فدعا إليه معاشر الحيوان
وأشار أن يلي السفينة قائد
منهم يكون من النهى بمكان
فتقدم الليث الرفيع جلاله
وتعرض الفيل الفخيم الشان
وتلاهما باقي السباع وكلهم
خروا لهيبته إلى الأذقان
حتى إذا حيوا المؤيد بالهدى
ودعوا بطول العز والإمكان
سبقتهم لخطاب نوح نملة
كانت هناك بجانب الأردان
قالت نبي الله أرضى فارس
وأنا يقينا فارس الميدان
سأدير دفتها وأحمي أهلها
وأقودها في عصمة وأمان
ضحك النبي وقال إن سفينتي
لهي الحياة وأنت كالإنسان
كل الفضائل والعظائم عنده
هو أول والغير فيها الثاني
ويود لو ساس الزمان وما له
بأقل أشغال الزمان يدان
الدب في السفينة
الدب معروف بسوء الظن
فاسمع حديثه العجيب عني
لما استطال المكث في السفينة
مل دوام العيشة الظنينة
وقال إن الموت في انتظاري
والماء لا شك به قراري
ثم رأى موجا على بعد علا
فظن أن في الفضاء جبلا
فقال لا بد من النزول
وصلت أو لم أحظ بالوصول
قد قال من أدبه اختباره
السعي للموت ولا انتظاره
فأسلم النفس إلى الأمواج
وهي مع الرياح في هياج
فشرب التعيس منها فانتفخ
ثم رسا على القرار ورسخ
وبعد ساعتين غيض الماء
وأقلعت بأمره السماء
وكان في صاحبنا بعض الرمق
إذ جاءه الموت بطيئا في الغرق
فلمح المركب فوق الجودي
والركب في خير وفي سعود
فقال يا لجدي التعيس
أسأت ظني بالنبي الرئيس
ما كان ضرني لو امتثلت
ومثلما قد فعلوا فعلت
الثعلب في السفينة
أبو الحصين جال في السفينة
فعرف السمين والسمينة
يقول إن حاله استحالا
وإن ما كان قديما زالا
لكون ما حل من المصائب
من غضب الله على الثعالب
ويغلظ الأيمان للديوك
لما عسى يبقى من الشكوك
بأنهم إن نزلوا في الأرض
يرون منه كل شيء يرضي
قيل فلما تركوا السفينة
مشى مع السمين والسمينة
حتى إذا ما نصفوا الطريقا
لم يبق منهم حوله رفيقا
وقال إذ قالوا عديم الدين
لا عجب إن حنثت يميني
فإنما نحن بني الدهاء
نعمل في الشدة للرخاء
ومن تخاف أن يبيع دينه
تكفيك منه صحبة السفينة
الليث والذئب في السفينة
يقال إن الليث في ذي الشدة
رأى من الذئب صفا المودة
فقال يا من صان لي محلي
في حالتي ولايتي وعزلي
إن عدت للأرض بإذن الله
وعاد لي فيها قديم الجاه
أعطيك عجلين وألف شاة
ثم تكون والي الولاة
وصاحب اللواء في الذئاب
وقاهر الرعاة والكلاب
حتى إذا ما تمت الكرامة
ووطئ الأرض على السلامة
سعى إليه الذئب بعد شهر
وهو مطاع النهي ماضي الأمر
فقال يا من لا تداس أرضه
ومن له طول الفلا وعرضه
قد نلت ما نلت من التكريم
وذا أوان الموعد الكريم
قال تجرأت وساء زعمكا
فمن تكون يا فتى وما اسمكا
أجابه إن كان ظني صادقا
فإنني والي الولاة سابقا
الثعلب والأرنب في السفينة
أتى نبي الله يوما ثعلب
فقال يا مولاي إني مذنب
قد سودت صحيفتي الذنوب
وإن وجدت شافعا أتوب
فاسأل إلهي عفوه الجليلا
لتائب قد جاءه ذليلا
وإنني وإن أسأت السيرا
عملت شرا وعملت خيرا
فقد أتاني ذات يوم أرنب
يرتع تحت منزلي ويلعب
ولم يكن مراقب هنالكا
لكنني تركته مع ذلكا
إذ عفت في افتراسه الدناءة
فلم يصله من يدي مساءة
وكان في المجلس ذاك الأرنب
يسمع ما يبدي هناك الثعلب
فقال لما انقطع الحديث
قد كان ذاك الزهد يا خبيث
وأنت بين الموت والحياة
من تخمة ألقتك في الفلاة
الأرنب وبنت عرس في السفينة
قد حملت إحدى نسا الأرانب
وحل يوم وضعها في المركب
فقلق الركاب من بكائها
وبينما الفتاة في عنائها
جاءت عجوز من بنات عرس
تقول أفدي جارتي بنفسي
أنا التي أرجى لهذي الغاية
لأنني كنت قديما «داية»
فقالت الأرنب لا يا جارة
فإن بعد الألفة الزيارة
ما لي وثوق ببنات عرس
إني أريد داية من جنسي
الحمار في السفينة
سقط الحمار من السفينة في الدجى
فبكى الرفاق لفقده وترحموا
حتى إذا طلع النهار أتت به
نحو السفينة موجة تتقدم
قالت خذوه كما أتاني سالما
لم أبتلعه لأنه لا يهضم
سليمان - عليه السلام - والحمامة
كان ابن داوود يقر
ب في مجالسه حمامة
خدمته عمرا مثلما
قد شاء صدقا واستقامة
فمضت إلى عماله
يوما تبلغهم سلامه
والكتب تحت جناحها
كتبت لها فيها الكرامة
فأرادت الحمقاء تع
رف من رسائله مرامه
عمدت لأولها وكا
ن إلى خليفته برامة
8
فرأته يأمر فيه عا
مله بتاج للحمامة
ويقول وفوها الرعا
ية في الرحيل وفي الإقامة
ويشير في الثاني بأن
تعطى رياضا في تهامة
9
وأتت لثالثها ولم
تستحي أن فضت ختامه
فرأته يأمر أن تكو
ن لها على الطير الزعامة
فبكت لذاك تندما
هيهات لا تجدي الندامة
وأتت نبي الله وه
ي تقول يا رب السلامة
قالت فقدت الكتب يا
مولاي في أرض اليمامة
10
لتسرعي لما أتا
ني الباز يدفعني أمامه
فأجاب بل جئت الذي
كادت تقوم له القيامة
لكن كفاك عقوبة
من خان خانته الكرامة
الأسد والضفدع
انفع بما أعطيت من قدرة
واشفع لذي الذنب لدى المجمع
إذ كيف تسمو للعلا يا فتى
إن أنت لم تنفع ولم تشفع
عندي لهذا نبأ صادق
يعجب أهل الفضل فاسمع وع
قالوا استوى الليث على عرشه
فجيء في المجلس بالضفدع
وقيل للسلطان هذي التي
بالأمس آذت عالي المسمع
تنقنق الدهر بلا علة
وتدعي في الماء ما تدعي
فانظر إليك الأمر في ذنبها
ومر نعلقها من الأربع
فنهض الفيل وزير العلا
وقال يا ذا الشرف الأرفع
لا خير في الملك وفي عزه
إن ضاق جاه الليث بالضفدع
فكتب الليث أمانا لها
وزاد أن جاد بمستنقع
النملة الزاهدة
سعي الفتى في عيشه عبادة
وقائد يهديه للسعادة
لأن بالسعي يقوم الكون
والله للساعين نعم العون
فإن تشأ فهذه حكاية
تعد في هذا المقام غاية
كانت بأرض نملة تنبالة
لم تسل يوما لذة البطالة
واشتهرت في النمل بالتقشف
واتصفت بالزهد والتصوف
لكن يقوم الليل من يقتات
فالبطن لا تملؤه الصلاة
والنمل لا يسعى إليه الحب
ونملتي شق عليها الدأب
فخرجت إلى التماس القوت
وجعلت تطوف بالبيوت
تقول هل من نملة نقية
تنعم بالقوت لذي الولية
لقد عييت بالطوى المبرح
ومنذ ليلتين لم أسبح
فصاحت الجارات يا للعار
لم تترك النملة للصرصار
متى رضينا مثل هذي الحال
متى مددنا الكف للسؤال
ونحن في عين الوجود أمة
ذات اشتهار بعلو الهمة
نحمل ما لا يصبر الجمال
عن بعضه لو أنها نمال
ألم يقل من قوله الصواب
ما عندنا لسائل جواب
فامضي فإنا يا عجوز الشوم
نرى كمال الزهد أن تصومي
اليمامة والصياد
يمامة كانت بأعلى الشجرة
آمنة في عشها مستترة
فأقبل الصياد ذات يوم
وحام حول الروض أي حوم
فلم يجد للطير فيه ظلا
وهم بالرحيل حين ملا
فبرزت من عشها الحمقاء
والحمق داء ما له دواء
تقول جهلا بالذي سيحدث
يا أيها الإنسان عم تبحث
فالتفت الصياد صوب الصوت
ونحوه سدد سهم الموت
فسقطت من عرشها المكين
ووقعت في قبضة السكين
تقول قول عارف محقق «ملكت نفسي لو ملكت منطقي»
الكلب والحمامة
حكاية الكلب مع الحمامة
تشهد للجنسين بالكرامة
يقال كان الكلب ذات يوم
بين الرياض غارقا في النوم
فجاء من ورائه الثعبان
منتفخا كأنه الشيطان
وهم أن يغدر بالأمين
فرقت الورقاء للمسكين
ونزلت توا تغيث الكلبا
ونقرته نقرة فهبا
فحمد الله على السلامة
وحفظ الجميل للحمامة
إذ مر ما مر من الزمان
ثم أتى المالك للبستان
فسبق الكلب لتلك الشجرة
لينذر الطير كما قد أنذره
واتخذ النبح له علامة
ففهمت حديثه الحمامة
وأقلعت في الحال للخلاص
فسلمت من طائر الرصاص
هذا هو المعروف يا أهل الفطن
الناس بالناس ومن يعن يعن
الكلب والببغاء
كان لبعض الناس ببغاء
ما مل يوما نطقها الإصغاء
رفيعة القدر لدى مولاها
وكل من في بيته يهواها
وكان في المنزل كلب عالي
أرخصه وجود هذا الغالي
كذا القليل بالكثير ينقص
والفضل بعضه لبعض مرخص
فجاءها يوما على غرار
وقلبه من بغضها في نار
وقال يا مليكة الطيور
ويا حياة الأنس والسرور
بحسن نطقك الذي قد أصبى
إلا أريتني اللسان العذبا
لأنني قد حرت في التفكر
لما سمعت أنه من سكر
فأخرجت من طيشها لسانها
فعضه بنابه فشانها
ثم مضى من فوره يصيح
قطعته لأنه فصيح
وما لها عندي من ثأر يعد
غير الذي سموه قدما بالحسد
الحمار والجمل
كان لبعضهم حمار وجمل
نالهما يوما من الرق ملل
فانتظرا بشائر الظلماء
وانطلقا معا إلى البيداء
يجتليان طلعة الحرية
وينشقان ريحها الزكية
فاتفقا أن يقضيا العمر بها
وارتضيا بمائها وعشبها
وبعد ليلة من المسير
التفت الحمار للبعير
وقال كرب يا أخي عظيم
فقف فمشيي كله عقيم
فقال سل فداك أمي وأبي
عسى تنال بي جليل المطلب
قال: انطلق معي لإدراك المنى
أو انتظر صاحبك الحر هنا
لا بد لي من عودة للبلد
لأنني تركت فيه مقودي
فقال سر والزم أخاك الوتدا
فإنما خلقت كي تقيدا!
دودة القز والدودة الوضاءة
لدودة القز عندي
ودودة الأضواء
حكاية تشتهيها
مسامع الأذكياء
لما رأت تلك هذي
تنير في الظلماء
سعت إليها وقالت
تعيش ذات الضياء
أنا المؤمل نفعي
أنا الشهير وفائي
حلا لي النفع حتى
رضيت فيه فنائي
وقد أتيت لأحظى
بوجهك الوضاء
فهل لنور الثرى في
مودتي وإخائي
قالت عرضت علينا
وجها بغير حياء
من أنت حتى تداني
ذات السنا والسناء
أنا البديع جمالي
أنا الرفيع علائي
أين الكواكب مني
بل أين بدر السماء
فامضي فلا ود عندي
إذ لست من أكفائي
وعند ذلك مرت
حسناء مع حسناء
تقول لله ثوبي
في حسنه والبهاء
كم عندنا من أياد
للدودة الغراء
ثم انثنت فأتت ذي
تقول للحمقاء
هل عندك الآن شك
في رتبتي القعساء
وقد رأيت صنيعي
وقد سمعت ثنائي
إن كان فيك ضياء
إن الثناء ضيائي
وإنه لضياء
مؤيد بالبقاء
الجمل والثعلب
كان على بعض الدروب جمل
حمله المالك ما لا يحمل
فقال يا للنحس والشقاء
إن طال هذا لم يطل بقائي
لم تحمل الجبال مثل حملي
أظن مولاي يريد قتلي
فجاءه الثعلب من أمامه
وكان نال القصد من كلامه
فقال مهلا يا أخا الأحمال
ويا طويل الباع في الجمال
فأنت خير من أخيك حالا
لأنني أتعب منك بالا
كأن قدامي ألف ديك
تسألني عن دمها المسفوك
كأن خلفي ألف ألف أرنب
إذا نهضت جاذبتني ذنبي
ورب أم جئت في مناخها
فجعتها بالفتك في أفراخها
يبعثني من مرقدي بكاها
وأفتح العين على شكواها
وقد عرفت خافي الأحمال
فاصبر وقل لأمة الجمال
ليس بحمل ما يمل الظهر
ما الحمل إلا ما يعاني الصدر
الغزالة والأتان
غزالة مرت على أتان
تقبل الفطيم في الأسنان
وكان خلف الظبية ابنها الرشا
بودها لو حملته في الحشا
ففعلت بسيد الصغار
فعل الأتان بابنها الحمار
فأسرع الحمار نحو أمه
وجاءها والضحك ملء فمه
يصيح يا أماه ماذا قد دها
حتى الغزالة استخفت ابنها
الثعلب الذي انخدع
قد سمع الثعلب أهل القرى
يدعون محتالا بيا ثعلب
فقال حقا هذه غاية
في الفخر لا تؤتى ولا تطلب
من في النهى مثلي حتى الورى
أصبحت فيهم مثلا يضرب
ما ضر لو وافيتهم زائرا
أريهم فوق الذي استغربوا
لعلهم يحيون لي زينة
يحضرها الديك أو الأرنب
وقصد القوم وحياهم
وقام فيما بينهم يخطب
فأخذ الزائر من أذنه
وأعطي الكلب به يلعب
فلا تثق يوما بذي حيلة
إذ ربما ينخدع الثعلب
ثعالة والحمار
أتى ثعالة يوما
من الضواحي حمار
وقال إن كنت جاري
حقا ونعم الجار
قل لي فإني كئيب
مفكر محتار
في موكب الأمس لما
سرنا وسار الكبار
طرحت مولاي أرضا
فهل بذلك عار
وهل أتيت عظيما
فقال لا يا حمار
البغل والجواد
بغل أتى الجواد ذات مرة
وقلبه ممتلئ مسرة
فقال فضلي قد بدا يا خلي
وآن أن تعرف لي محلي
إذ كنت أمس ماشيا بجانبي
تعجب من رقصي تحت صاحبي
أختال حتى قالت العباد
لمن من الملوك ذا الجواد
فضحك الحصان من مقاله
وقال بالمعهود من دلاله
لم أر رقص البغل تحت الغازي
لكن سمعت نقرة المهماز
الفأرة والقط
سمعت أن فأرة أتاها
شقيقها ينعى لها فتاها
يصيح يا لي من نحوس بختي
من سلط القط على ابن أختي
فولولت وعضت الترابا
وجمعت للمأتم الأترابا
وقالت اليوم انقضت لذاتي
لا خير لي بعدك في الحياة
من لي بهر مثل ذاك الهر
يريحني من ذا العذاب المر
وكان بالقرب الذي تريد
يسمع ما تبدي وما تعيد
فجاءها يقول يا بشراك
إن الذي دعوت قد لباك
ففزعت لما رأته الفارة
واعتصمت منه ببيت الجارة
وأشرفت تقول للسفيه
إن مت بعد ابني فمن يبكيه
الغزال والخروف والتيس والذئب
تنازع الغزال والخروف
وقال كل إنه الظريف
فرأيا التيس فظنا أنه
أعطاه عقلا من أطال ذقنه
فكلفاه أن يفتش الفلا
عن حكم له اعتبار في الملا
ينظر في دعواهما بالدقة
عساه يعطي الحق مستحقه
فسار للبحث بلا تواني
مفتخرا بثقة الإخوان
يقول عندي نظرة كبيرة
ترفع شأن التيس في العشيرة
وذاك أن أجدر الثناء
بالصدق ما جاء من الأعداء
وإنني إذا دعوت الذيبا
لا يستطيعان له تكذيبا
لكونه لا يعرف الغزالا
وليس يلقي للخروف بالا
ثم أتى الذيب فقال طلبتي
أنت فسر معي وخذ بلحيتي
وقاده للموضع المعروف
فقام بين الظبي والخروف
وقال لا أحكم حسب الظاهر
فمزق الظبيين بالأظافر
وقال للتيس انطلق لشأنكا
ما قتل الخصمين غير ذقنكا
الثعلب والأرنب والديك
من أعجب الأخبار أن الأرنبا
لما رأى الديك يسب الثعلبا
وهو على الجدار في أمان
يغلب بالمكان لا الإمكان
داخله الظن بأن الماكرا
أمسى من الضعف يطيق الساخرا
فجاءه يلعن مثل الأول
عداد ما في الأرض من مغفل
فعصف الثعلب بالضعيف
عصف أخيه الذيب بالخروف
وقال لي في دمك المسفوك
تسلية عن خيبتي في الديك
فالتفت الديك إلى الذبيح
وقال قول عارف فصيح
ما كلنا ينفعه لسانه
في الناس من ينطقه مكانه
الثعلب وأم الذئب
كان ذئب يتغدى
فجرت في الزور عظمة
ألزمته الصوم حتى
فجعت في الروح جسمه
فأتى الثعلب يبكي
ويعزي فيه أمه
قال يا أم صديقي
بي مما بك غمة
فاصبري صبرا جميلا
إن صبر الأم رحمة
فأجابت يا ابن أختي
كل ما قد قلت حكمة
ما بي الغالي ولكن
قولهم مات بعظمة
ليته مثل أخيه
مات محسودا بتخمة
ديوان الأطفال
مجموعة من الشعر السهل، نظمها لتكون للأطفال أدبا وثقافة.
الهرة والنظافة
هرتي جد أليفة
وهي للبيت حليفة
هي ما لم تتحرك
دمية البيت الظريفة
فإذا جاءت وراحت
زيد في البيت وصيفة
شغلها الفار تنقي الر
ف منه والسقيفة
وتقوم الظهر والعص
ر بأوراد شريفة
ومن الأثواب لم تم
لك سوى فرو قطيفة
كلما استوسخ أو آ
وى البراغيث المطيفة
غسلته وكوته
بأساليب لطيفة
وحدت ما هو كالحما
م والماء وظيفة
صيرت ريقتها الصا
بون والشارب ليفة
لا تمرن على العي
ن ولا بالأنف جيفة
وتعود أن تلاقى
حسن الثوب نظيفه
إنما الثوب على الإن
سان عنوان الصحيفة
الجدة
لي جدة ترأف بي
أحنى علي من أبي
وكل شيء سرني
تذهب فيه مذهبي
إن غضب الأهل علي
كلهم لم تغضب
مشى أبي يوما إلي
مشية المؤدب
غضبان قد هدد بالض
رب وإن لم يضرب
فلم أجد لي منه غي
ر جدتي من مهرب
فجعلتني خلفها
أنجو بها وأختبي
وهي تقول لأبي
بلهجة المؤنب
ويح له ويح له
ذا الولد المعذب
ألم تكن تصنع ما
يصنع إذ أنت صبي
الوطن
عصفورتان في الحجا
ز حلتا على فنن
في خامل من الريا
ض لا ند ولا حسن
بينا هما تنتجيا
ن سحرا على الغصن
مر على أيكهما
ريح سرى من اليمن
حيا وقال درتا
ن في وعاء ممتهن
لقد رأيت حول صن
عاء وفي ظل عدن
1
خمائلا كأنها
بقية من ذي يزن
2
الحب فيها سكر
والماء شهد ولبن
لم يرها الطير ولم
يسمع بها إلا افتتن
هيا اركباني نأتها
في ساعة من الزمن
قالت له إحداهما
والطير منهن الفطن
يا ريح أنت ابن السبي
ل ما عرفت ما السكن
هب جنة الخلد اليمن
لا شيء يعدل الوطن
الرفق بالحيوان
الحيوان خلق
له عليك حق
سخره الله لكا
وللعباد قبلكا
حمولة الأثقال
ومرضع الأطفال
ومطعم الجماعة
وخادم الزراعة
من حقه أن يرفقا
به وألا يرهقا
إن كل دعه يسترح
وداوه إذا جرح
ولا يجع في داركا
أو يظم في جواركا
بهيمة مسكين
يشكو فلا يبين
لسانه مقطوع
وما له دموع
الأم
لولا التقى لقلت لم
يخلق سواك الولدا
إن شئت كان العير أو
إن شئت كان الأسدا
وإن ترد غيا غوى
أو تبغ رشدا رشدا
والبيت أنت الصوت في
ه وهو للصوت صدى
كالببغا في قفص
قيل له فقلدا
وكالقضيب اللدن قد
طاوع في الشكل اليدا
يأخذ ما عودته
والمرء ما تعودا
ولد الغراب
وممهد في الوكر من
ولد الغراب مزقق
كرويهب متقلس
متأزر متنطق
3
لبس الرماد على سوا
د جناحه والمفرق
كالفحم غادر في الرما
د بقية لم تحرق
ثلثاه منقار ورأ
س والأظافر ما بقي
ضخم الدماغ على الخلو
من الحجا والمنطق
من أمه لقي الصغي
ر من البلية ما لقي
جلبت عليه ما تذو
د الأمهات وتتقي
فتنت به فتوهمت
فيه قوى لم تخلق
قالت كبرت فثب كما
وثب الكبار وحلق
ورمت به في الجو لم
تحرص ولم تستوثق
فهوى فمزق في فنا
ء الدار شر ممزق
وسمعت قاقات ترد
د في الفضاء وترتقي
4
ورأيت غربانا تفر
ق في السماء وتلتقي
وعرفت رنة أمه
في الصارخات النعق
فأشرت فالتفتت فقل
ت لها مقالة مشفق
أطلقته ولو امتحن
ت جناحه لم تطلقي
وكما ترفق والدا
ك عليك لم تترفقي
النيل
النيل العذب هو الكوثر
والجنة شاطئه الأخضر
ريان الصفحة والمنظر
ما أبهى الخلد وما أنضر
البحر الفياض القدس
الساقي الناس وما غرسوا
وهو المنوال لما لبسوا
والمنعم بالقطن الأنور
جعل الإحسان له شرعا
لم يخل الوادي من مرعى
فترى زرعا يتلو زرعا
وهنا يجنى وهنا يبذر
جار ويرى ليس بجار
لأناة فيه ووقار
ينصب كتل منهار
ويضج فتحسبه يزأر
حبشي اللون كجيرته
من منبعه وبحيرته
صبغ الشطين بسمرته
لونا كالمسك وكالعنبر
المدرسة
أنا المدرسة اجعلني
كأم لا تمل عني
ولا تفزع كمأخوذ
من البيت إلى السجن
كأني وجه صياد
وأنت الطير في الغصن
ولا بد لك اليوم
وإلا فغدا مني
أو استغن عن العقل
إذن عني تستغني
أنا المصباح للفكر
أنا المفتاح للذهن
أنا الباب إلى المجد
تعال ادخل على اليمن
غدا ترتع في حوشي
ولا تشبع من صحني
وألقاك بإخوان
يدانونك في السن
تناديهم بيا فكري
ويا شوقي ويا حسني
وآباء أحبوك
وما أنت لهم بابن
نشيد مصر
بني مصر مكانكم تهيا
فهيا مهدوا للملك هيا
خذوا شمس النهار له حليا
ألم تك تاج أولكم مليا
على الأخلاق خطوا الملك وابنوا
فليس وراءها للعز ركن
أليس لكم بوادي النيل عدن
وكوثرها الذي يجري شهيا
لنا وطن بأنفسنا نقيه
وبالدنيا العريضة نفتديه
إذا ما سيلت الأرواح فيه
بذلناها كأن لم نعط شيا
لنا الهرم الذي صحب الزمانا
ومن حدثانه أخذ الأمانا
ونحن بنو السنا العالي نمانا
أوائل علموا الأمم الرقيا
تطاول عهدهم عزا وفخرا
فلما آل للتاريخ ذخرا
نشأنا نشأة في المجد أخرى
جعلنا الحق مظهرها العليا
جعلنا مصر ملة ذي الجلال
وألفنا الصليب على الهلال
وأقبلنا كصف من عوال
يشد السمهري السمهريا
نروم لمصر عزا لا يرام
يرف على جوانبه السلام
وينعم فيه جيران كرام
فلن تجد النزيل بنا شقيا
نقوم على البناية محسنينا
ونعهد بالتمام إلى بنينا
إليك نموت مصر كما حيينا
ويبقى وجهك المفدي حيا
نشيد الكشافة
نحن الكشافة في الوادي
جبريل الروح لنا حادي
يا رب بعيسى والهادي
وبموسى خذ بيد الوطن
كشافة مصر وصبيتها
ومناة الدار ومنيتها
وجمال الأرض وحليتها
وطلائع أفراح المدن
نبتدر الخير ونستبق
ما يرضى الخالق والخلق
بالنفس وخالقها نثق
ونزيد وثوقا في المحن
في السهل نرف رياحينا
ونجوب الصخر شياطينا
نبني الأبدان وتبنينا
والهمة في الجسم المرن
ونخلي الخلق وما اعتقدوا
ولوجه الخالق نجتهد
نأسو الجرحى أنى وجدوا
ونداوي من جرح الزمن
في الصدق نشأنا والكرم
والعفة عن مس الحرم
ورعاية طفل أو هرم
والذود عن الغيد الحصن
ونوافي الصارخ في اللجج
والنار الساطعة الوهج
لا نسأله ثمن المهج
وكفى بالواجب من ثمن
يا رب فكثرنا عددا
وابذل لأبوتنا المددا
هيئ لهم ولنا رشدا
يا رب وخذ بيد الوطن
من شعر الصبا
وقال في صباه يهنئ الخديو توفيق بعيد الفطر، ويشير إلى صلة أنفذها إليه وهو في الدراسة بأوروبا:
قصر الأعزة ما أعز حماكا
وأجل في العلياء بدر سماكا
تتساءل العرب المقدس بيتها
أأعيد باني ركنه فبناكا
وتقول إذ تأتيك تلتمس الهدى
سيان هذا في الجلال وذاكا
يا ملتقى القمرين ما أبهاك بل
يا مجمع البحرين ما أصفاكا
إن الأمانة والجلالة والعلا
في هالة دارت على مغناكا
ما العز إلا في ثرى القدم التي
حسدت عليها النيرات ثراكا
يا سادس الأمراء من آبائه
ما للإمارة من يعد سواكا
الترك تقرأ باسم جدك في الوغى
والعرب تذكر في الكتاب أباكا
1
نسب لو انتمت النجوم لعقده
لترفعت أن تسكن الأفلاكا
شرفا عزيز العصر فت ملوكه
فضلا وفات بنيهم نجلاكا
لك جنة الدنيا وكوثرها الذي
يجري به في الملك شرط غناكا
ولك المدائن والثغور منيعة
في مجمع البحرين تحت لواكا
ملك رعيت الله فيه مؤيدا
باسم النبي موفقا مسعاكا
فأقمت أمرا يا أبا العباس مأ
مون السبيل على رشيد نهاكا
إن يعرضوه على الجبال تهن له
وهي الجبال فما أشد قواكا
بسياسة تقف العقول كليلة
لا تستطيع لكنهها إدراكا
وبحكمة في الحكم توفيقية
لك يقتفي فيها الرجال خطاكا
مولاي عيد الفطر صبح سعوده
في مصر أسفر عن سنا بشراكا
فاستقبل الآمال فيه بشائرا
وأشائرا تجلى على علياكا
وتلق أعياد الزمان منيرة
فهناؤه ما كان فيه هناكا
أيامك الغر السعيدة كلها
عيد فعيد العالمين بقاكا
فليبق بيتك وليدم ديوانه
وليحي جندك ولتعش شوراكا
وليهنني بك كل يوم أنني
في ألف عيد من سعود رضاكا
يا أيها الملك الأريب إليكها
عذراء هامت في صفات علاكا
فطوت إليك البحر أبيض نسبة
لنظيره المورود من يمناكا
قدمت على عيد لبابك بعدما
قدمت علي جديدة نعماكا
أوكلما جادت نداك رويتي
سبقت ثناي بالارتجال يداكا
أنت الغني عن الثناء فإن ترد
ما يطرب الملك الأديب فهاكا!
قصر المنتزه
وقال يصف قصر المنتزه العامر بالإسكندرية بعد رؤية معالمه الشائقة بدعوة من الجناب العالي سنة 1895م:
منتزه العباس للمجتلي
آمنت بالله وجناته
العيش فيه ليس في غيره
يا طالب العيش ولذاته
قصور عز باذخات الذرا
يودها كسرى مشيداته
من كل راسي الأصل تحت الثرى
محير النجم بذرواته
دارت على البحر سلاليمه
فبتن أطواقا للباته
منتظمات مائجات به
منمقات مثل لجاته
من الرخام الندر لكنها
تنازع الجوهر قيماته
من عمل الإنس سوى أنها
تنسي سليمان وجناته
والريح في أبوابه والجوا
ري ماثلات دون ساحاته
وغابه من سار في ظلها
يأتي على البسفور غاباته
بالطول والعرض تباهي فذا
واف وهذا عند غاياته
والرمل حال بالضحى مذهب
يصدئ الظل سبيكاته
وترعة لو لم تكن حلوة
أنست «لمرتين» بحيراته
2
أو لم تكن ثم حياة الثرى
لم تبق في الوصف لحياته
وفي فم البحر لمن جاءه
لسان أرض فاق فرضاته
تنحشد الطير بأكنافه
ويجمع الوحش جماعاته
من معز وحشية إن جرت
أرت من الجري نهاياته
أو وثبت فالنجم من تحتها
والسور في أسر أسيراته
وأرنب كالنمل إن أحصيت
تنبت في الرمل وأبياته
يعلو بها الصيد ويعلو إذا
ما قيصر ألقى حبالاته
ومن ظباء في كناساتها
تهيج للعاشق لوعاته
والخيل في الحي عراقية
تحمي وتحمى في بيوتاته
غر كأيام عزيز الورى
محجلات مثل أوقاته
وقال يهنئ الخديو توفيق بقدوم نجليه من سياحتهما بأوروبا:
ما بات يثني على علياك إنسان
إلا وأنت لعين الدهر إنسان
وما تهللت إذ وافاك ذو أمل
إلا وأدهشه حسن وإحسان
لله ساحتك المسعود قاصدها
فإنما ظلها أمن وإيمان
لئن تباهى بك الدين الحنيف لكم
تقومت بك للإسلام أركان
تراقب الله في ملك تدبره
فأنت في العدل والتقوى سليمان
أنجى لك الله أنجالا يهيئهم
لرفعة الملك إقبال وعرفان
أعزة أينما حلت ركائبهم
لهم مكان كما شاءوا وإمكان
لم تثنهم عن طلاب العلم في صغر
في عز ملكك أوطار وأوطان
تأبى السعادة إلا أن تسايرهم
لأنهم لملوك الأرض ضيفان
نجلان قد بلغا في المجد ما بلغا
معظم لهما بين الورى شان
يكفيهما في سبيل الفخر أن شهدت
بفضل سبقهما روس وألمان
هما هما تعرف العلياء قدرهما
كلاهما كلف بالمجد يقظان
ما الفرقدان إذا يوما هما طلعا
في موكب بهما يزهو ويزدان
يا كافي الناس بعد الله أمرهم
النصر إلا على أيديك خذلان
ويا منيل المعالي والندى كرما
الربح من غير هذا الباب خسران
مولاي هل لفتى بالباب معذرة
فعقله في جلال الملك حيران
سعى على قدم الإخلاص ملتمسا
رضاك فهو على الإقبال عنوان
أرى جنابك روضا للندى نضرا
لأن غصن رجائي فيه ريان
لا زال ملكك بالأنجال مبتهجا
ما بات يثني على علياك إنسان
وقال مهنئا للخديو عباس بولادة إحدى الكريمات:
أعطى البرية إذ أعطاك باريها
فهل يهنيك شعري أم يهنيها
أنت البرية فاهنأ وهي أنت فمن
دعاك يوما لتهنا فهو داعيها
عيد السماء وعيد الأرض بينهما
عيد الخلائق قاصيها ودانيها
فبارك الله فيها يوم مولدها
ويوم يرجو بها الآمال راجيها
ويوم تشرق حول العرش صبيتها
كهالة زانت الدنيا دراريها
إن العناية لما جاملت وعدت
ألا تكف وأن تترى أياديها
3
بكل عال من الأنجال تحسبه
من الفراقد لو هشت لرائيها
يقوم بالعهد عن أوفى الجدود به
عن والد أبلج الذمات عاليها
ويأخذ المجد عن مصر وصاحبها
عن السراة الأعالي من مواليها
الناهضين على كرسي سؤددها
والقابضين على تاجي معاليها
والساهرين على النيل الحفي بها
وكأسها وحمياها وساقيها
مولاي للنفس أن تبدي بشائرها
بما رزقت وأن تهدي تهانيها
الشمس قدرا بل الجوزاء منزلة
بل الثريا بل الدنيا وما فيها
أم البنين إذا الأوطان أعوزها
مدبر حازم أو قل حاميها
من الإناث سوى أن الزمان لها
عبد وأن الملا خدام ناديها
وأنها سر عباس وبضعته
فهي الفضيلة ما لي لا أسميها
أغر يستقبل العصر السلام به
وتشرق الأرض ما شاءت لياليها
عالي الأريكة بين الجالسين له
من المفاخر عاليها وغاليها
عباس عش لنفوس أنت طلبتها
وأنت كل مراد من تناجيها
تبدي الرجاء وتدعوه ليصدقها
والله أصدق وعدا وهو كافيها
بيني وبين أبي العلاء
بيني وبين أبي العلاء قضية
في البر أسترعي لها الحكماء
هو قد رأى نعمى أبيه جناية
4
وأرى الجناية من أبي نعماء
دواء المتيم
داو المتيم داوه
من قبل أن يجد الدوا
إن النواصح كلهم
قالوا بتبديل «الهوا»
5
فتحتم بابا على صبكم
للصد والهجر وطول النوى
فلا تلوموه إذا ما سلا
قد فتح الباب ومر «الهوا»
6
وكتب على صورة مهداة لصديق:
سعت لك صورتي وأتاك شخصي
وسار الظل نحوك والجهات
لأن الروح عندك وهي أصل
وحيث الأصل تسعى الملحقات
وهبها صورة من غير روح
أليس من القبول لها حياة
محجوبيات
(كان بين الشاعر والدكتور محجوب ثابت صلة متينة من الود، وكان بينهما مسامرات ومداعبات أوحت إلى الشاعر ببعض ما ننشره بعد من شعر الفكاهة.)
بين مكسويني والأوتومبيل (كان للدكتور محجوب ثابت حصان يرتاد به ما شاء من أحياء القاهرة في أيام الثورة، وكان أصدقاؤه يسمون حصانه «مكسويني»، وهو اسم بطل أيرلندي مشهور انتحر جوعا؛ يكنون بذلك عن هزال الحصان وجوعه وعدم العناية به.) (وقد استبدل به الدكتور محجوب سيارة، فنظم الشاعر هذه القصيدة يداعب الدكتور ويعزي حصانه، وقد نشرت هذه القصيدة في سنة 1924م).
لكم في الخط سيارة
حديث الجار والجارة «أوفرلاند» ينبيك
بها القنصل «طمارة»
1
كسيارة «شارلوت»
على السواق جبارة
2
إذا حركها مالت
على الجنبين منهارة
وقد تحرن أحيانا
وتمشي وحدها تارة
ولا تشبعها عين
من «البنزين» فوارة
ولا تروى من الزيت
وإن عامت به الفارة
ترى الشارع في ذعر
إذا لاحت من الحارة
وصبيانا يضجون
كما يلقون طيارة
وفي مقدمها بوق
وفي المؤخر زمارة
فقد تمشي متى شاءت
وقد ترجع مختارة
قضى الله على السوا
ق أن يجعلها داره
يقضي يومه فيها
ويلقى الليل ما زاره •••
أدنيا الخيل «يا مكسي»
كدنيا الناس غدارة
لقد بدلك الدهر
من الإقبال إدباره
فصبرا يا فتى الخيل
فنفس الحر صبارة
أحق أن «محجوبا»
سلا عنك بفخارة
وباع الأبلق الحر
ب «أوفرلاند» نعارة
ولم يعرف له الفضل
ولا قدر آثاره
قد اختار لك الشلح
وما كنت لتختاره
فسله ما هو الشلح
عسى ينبيك أخباره
كأن لم تحمل الراي
ة يوم الروع والشارة
3
ولم تركب إلى الهول
ولم تحمل على الغارة
ولم تعطف على جرحى
من الصبية نظارة
فمضروب برشاش
ومقلوب بغدارة
ولا والله ما كلف
ت «محجوبا» ولا باره
فلا البرسيم تدريه
ولا تعرف نوارة
وقد تروى على «صلت»
4
إذا نادمت سماره
وقد تسكر من خود
على الإفريز معقارة
وقد تشبع يا ابن اللي
ل من رنة قيثارة
عسى الله الذي ساق
إلى «يوسف » سيارة
فكانت خلفهم دنيا
له في الأرض كبارة
يهيئ لك هوارا
كريما وابن هوارة
5
فإن الحظ جوال
وإن الأرض دوارة
مكسويني (وهذه مداعبة أخرى قيلت في مكسويني حصان الدكتور محجوب أيام الثورة المصرية، حين كان الدكتور يرتاد بار اللواء وجريدة الأهرام.)
تفديك يا مكس الجياد الصلادم
وتفدي الأساة النطس من أنت خادم
كأنك إن حاربت فوقك عنتر
وتحت ابن سينا أنت حين تسالم
ستجزى التماثيل التي ليس مثلها
إذا جاء يوم فيه تجزى البهائم
فإنك شمس والجياد كواكب
وإنك دينار وهن الدراهم
مثال بساح البرلمان منصب
وآخر في «بار اللوا» لك قائم
ولا تظفر «الأهرام» إلا بثالث «مزامير» داوود عليه نواغم
6
وكم تدعي السودان يا مكس هازلا
وما أنت مسود ولا أنت قاتم
وما بك مما تبصر العين شهبة
ولكن مشيب عجلته العظائم
كأنك خيل الترك شابت متونها
وشابت نواصيها وشاب القوائم
فيا رب أيام شهدت عصيبة
وقائعها مشهورة والملاحم
ذخيرة (وهذه مداعبة أخرى - لم تكمل - نظمها في أيام الثورة، وهو يشير فيها إلى ألفي جنيه كان الدكتور محجوب قد اكتنزها وحرص عليها في بنك حسن باشا سعيد.)
قل لابن سينا لا طبي
ب اليوم إلا الدرهم
هو قبل بقراط وقب
لك للجراحة مرهم
والناس مذ كانوا علي
ه دائرون وحوم
وبسحره تعلو الأسا
فل في العيون وتعظم
يا هل ترى الألفان وق
ف لا يمس ومحرم
بنك «السعيد» عليهما
حتى القيامة قيم
لا «شيك» يظهر في البنو
ك ولا «حوالة» تخصم
وأعف من لاقيت يل
قاه فلا يتكرم ... ... ... ... ... ...
براغيث محجوب
براغيث محجوب لم أنسها
ولم أنس ما طعمت من دمي
تشق خراطيمها جوربي
وتنفذ في اللحم والأعظم
وكنت إذا الصيف راح احتجمت
فجاء الخريف فلم أحجم
ترحب بالضيف فوق الطريق
فباب العيادة فالسلم
قد انتشرت جوقة جوقة
كما رشت الأرض بالسمسم
وترقص رقص المواسي الحداد
على الجلد والعلق الأسحم
بواكير تطلع قبل الشتاء
وترفع ألوية الموسم
إذا ما «ابن سينا» رمى بلغما
رأيت البراغيث في البلغم
وتبصرها حول «بيبا » الرئيس
7
وفي شاربيه وحول الفم
وبين حفائر أسنانه
مع السوس في طلب المطعم
نامعلوم صفحہ