فالإنسان حيثما ثار وحيثما سكن تقلقه الأصوات من كل جانب، من السيارات والقطارات والمذياعات والمجاهر والمصانع وغيرها. أصوات تأخذه من كل ناحية في الطريق لا يجد عنها محيدا، وتتبعه إلى داره فلا يجد عنها مفرا.
ثم الضوضاء النفسية من المذاهب المتصادمة، والدعوات المتناقضة، والمقالات المتلاحقة في القيم والتافه، والجد والهزل. تعرضها على من يريدها ومن لا يريدها، ومن يفهمها ومن لا يفهمها، الجرائد والمجلات والمحاضرات والإذاعات وهلم جرا.
فالإنسان من هذه المدنية في ضوضاء ظاهرة وباطنة، تقلق بها النفوس وتضوى بها الأجسام. وأحسب كثيرا من العلل النفسية والجسمية وليدة هذه الضوضاء. ولكن الإنسان يعيش في هذه الآفات فيألفها فلا يفطن لها ولا يبرم بها، أو يفطن لها وينفر منها ويضيق بها، ولكن أين المفر؟
لعل أسوأ آفات هذه المدنية هذه الضوضاء؛ إنها اضطراب في النفس وقلق، وسقم في الفكر وخلل، وتعب في الجسم ومرض.
إن على الإنسان أن يفر من هذه الضوضاء جهده، ويطلب الهدوء والسكون بعيدا عنها ما استطاع. وإن على الحكومات أن تتعاون على التخفيف منها، وتغليب الإنسان عليها، بمنع ما يمكن منعه، والحد مما يمكن حده ... وهكذا. وما يدرينا؟ لعل هذا الخصام والنزاع والاحتراب كله أو بعضه من آثار هذه الضوضاء التي تدوي بها هذه المدنية الخرساء!
الجمعة 15 رمضان/30 يونيو
العدل والهوى
هجمت جيوش كوريا الشمالية، وهي في حضانة الروس الشيوعيين، على كوريا الحنوبية، وهي في حضانة الولايات المتحدة الأمريكية. هجمت بغتة دون إنذار فثارت الولايات المتحدة صائحة: وا رحمتاه للضعيف يفتك به القوي، وللحرية يعصف بها الطغيان! ويل للأمم من الشيوعيين الغدرة الفجرة! النجدة النجدة يا أحرار الأمم ...
واجتمع مجلس الأمن بعد ساعة، وقرر أن يطلب من المهاجمين الرجوع إلى حدودهم ومن الفريقين الكف عن القتال، ومن أمم الأرض نجدة كوريا الجنوبية لدفع العدوان عنها.
ولمصر مندوب في المجلس سألوه رأيه، قال: حتى أستأمر حكومتي. واهتمت الحكومة المصرية ووالى وزراؤها الاجتماع ينظرون ماذا يفعلون، ثم خرجوا على العالم بهذا الرأي الجريء الصريح:
نامعلوم صفحہ