سمعت في إذاعة أن والدة الملك جورج السادس ملك الإنجليز تقوم على معالجة صبي من نيجيريا مجذوم، وأن جماعة من أخيار الإنجليز أنشئوا مستشفى للمجذومين من تلك الأصقاع وأنقذوا كثيرا من هذا الداء، قلت: ما أرحم الإنسان وما أبره بالمرضى والبؤساء!
وذكرت ما بناه الأخيار من مستشفيات وما بذلوا من أموالهم وأنفسهم لتخفيف آلام المرضى والمساكين، فقلت: أجل ما أرحم الإنسان!
بل ذكرت إشفاق كثير من الناس على الحيوان ودفع الآلام عنه، فكررت قولي: ما أرحم الإنسان!
ثم سمعت خبرا آخر ذكرني بقتل الإنسان أخاه بغيا وعدوا بالحرب المتمادية والتقتيل والتدمير في المشارق والمغارب، وذكرني اغتصاب الناس وتشريدهم. وذكرت الصواعق التي يصبها الإنسان من جو السماء على الناس في دورهم لا يفرق بين قوي وضعيف، وكبير وصغير. ترسل القنبلة على الأسر في دورها فتقتلهم جميعا أو تقتل الطفل وتدع أمه أو تودي بالأبوين وتدع الأطفال. ذكرت هذه وأمثالها فقلت ملء قلبي وفمي: ما أقسى الإنسان، ما أقسى الإنسان!
الثلاثاء 5 رمضان/20 يونيو
غرور الإنسان
إن سألت إنسانا: ماذا في جيبي؟ أو ماذا في هذه الحجرة؟ وهو لم يدخلها، أجاب متعجبا: وما علمي بما في جيبك، وما أعلمني بما في حجرة لم أدخلها؟! ولكن هذا الإنسان الذي يعجب أن يسأل عما لم يره، لا يتحرز من إرسال وهمه في أطباق العالم ليثبت أو ينفي بغير علم، فهو يتكلم في مبدأ العالم ومنتهاه، وعما في النجوم وعما وراءها تكلما لا يهدي إليه تفكير، ولا يزنه تثبت. لا حرج أن ينظر الناظر فيرتب مقدمات تؤدي إلى نتائج على أن يصف مقدماته ونتائجه بوصفها من العلم أو الظن أو الشك، ثم يقف عندها لا يتعداها بغير بينة. ولكن كثيرا من الناس يتكلم في المحجوبات من حقائق هذا العالم كلام العالم الثبت، وهو لم يعلم ولم يتثبت ولم يحاول العلم والتثبت.
وقد طوع للإنسان غروره أن يحسب أنه وحده في هذا العالم عاقل عالم مفكر، وليس في العالم؛ أرضه وسمواته شيء غيره يعقل، ليس في العالم؛ أرضه وسمواته مخلوق له عقل وعلم وفكر، ولا خالق يعلم ويدبر أمر هذا العالم اليتيم المهمل. هذا الكائن الضئيل الضعيف ينكر كل الإنكار ويأبى كل الإباء أن يكون في أعمال الناس وفيما يقع على الأرض، بل ما يكون في غير الأرض شيء إلا له سبب، لا يقبل أن دينارا مثلا قد سوي منقوشا بغير صانع. ولكن هذا الكائن الضئيل الضعيف الذي حرم العالم كله العقل والفكر إلا نفسه، يقبل أن يكون العالم كله بغير عقل، وسيره بغير سبب وبغير تدبير وتصريف، أليس هذا جهلا؟ أليس هذا غرورا وحمقا؟
الأربعاء 6 رمضان/21 يونيو
رمضان في الحجاز
نامعلوم صفحہ