167

المسلمون بين الماضي والحاضر

كان للمسلمين مجد على الأرض وسلطان، وقد صرفوا حينا صروف الزمان. وتاريخ المسلمين فصل عظيم في تاريخ العالم، ولا يزال هذا التاريخ العظيم يوحي إلى المسلم العظمة ويحدوه المجد، وسيبقى هذا التاريخ موحيا ملهما، نافخا في النفوس الخامدة، منيرا في الآفاق المظلمة.

وحتم على المسلم أن يذكر تاريخه ويعتز به، ويجهد أن يكون له في عصره تاريخ كتاريخه الأول أو أعظم. فإنما يتصل سير الأمم بتاريخها، وتقوى على السير بذكرى هذا التاريخ، تدوي في الأنفس دعاة العظائم حداء وصوى على الطريق ونورا وضاء.

ولكن ينبغي للمسلمين أن يذكروا كل حين أن عظمة الماضي إنما توصل بعظمة الحاضر وطموح المستقبل، فمن خذل حاضره ماضيه، وعق يومه أمسه، وصم عصره عن نداء الأعصر الخالية؛ فقد قطع ما أمر الله به أن يوصل، وقد انقطع عن الموكب العظيم الذي يسير من التاريخ القديم إلى التاريخ الحديث، وحرم الحق في أن ينتمي إلى هذا التاريخ ويفخر به. فإنما التاريخ أعمال وسير، لا أرض وجبل وبحر، فرب إنسان يعيش بجسده حيث عاش آباؤه الأولون، ولكن لفكره وروحه، وهمته وعزمه مواطن غير مواطنهم، فهو غريب فيهم جنيب بينهم.

فليصل المسلمون تاريخهم قبل أن يفخروا بهذا التاريخ، ويبروه قبل أن يعتزوا إليه، وليعلموا أن صفحة الحاضر أوسع، وقلمه أكتب، ومعانيه أجل، وأن الزمان قد أفسح لهم ليخطوا كما خط آباؤهم ويزيدوا، ويمضوا في المجد طريقا جديدة ولا يعيدوا.

الثلاثاء 11 صفر/21 نوفمبر

تخويف الإنسان بالموت والآفات

مضى كثير من الوعاظ على تخويف الإنسان بالموت والآفات المحيطة به وتذكيره كل حين أنه ميت اليوم أو غدا، وأن ما يجمع بكده وحرصه ليس له، وأنه اليوم وارث وغدا موروث، وأنه محاط بآفات من المرض والحادثات وغيرها. يجتهد الوعاظ أن يفلوا غرام الإنسان، ويخففوا من غلوائه بهذا التخويف. ولا بد أن يوعظ الإنسان ما دام في حاجة إلى الموعظة، ولا بد أن يذكر الموت ويوعظ به. ولكن لا أرى أن يزعزع جلد الإنسان وثباته بهذه المخاوف، فلولا هذا الجلد وهذا الثبات والجرأة على أهوال الحياة وآفاتها ما استطاع الإنسان المضي في عمله. إن حقائق هذه الحياة مثبطة هائلة، ومن نعمة الله على الإنسان أن أمده بالجلد والصبر والاستهانة بالمصائب المحيطة، والأهوال المحدقة، فينبغي ألا يسلب الإنسان هذه الدرع، ويحرم هذه الجنة.

وأما أن يكف الإنسان عن الشر ويوزع عن الإفساد، فينبغي أن تتخذ له وسائل أخرى في التربية والتهذيب. ينبغي أن يربى الإنسان على النفور من الشر، والاشمئزاز منه والتنزه عنه والاستكبار عليه، حتى لا يميل إليه ولو ظن أنه مخلد على هذه الأرض مبرأ موفور من المحن والمصائب، ثم يترك الإنسان في سبيله ماضيا على العلات، سائرا على الأهوال مؤديا واجبه، هاجما على المشقات مستهينا بالعقبات.

إن من نعم الله على الإنسان أن جعله على ضعفه أقوى من المخاوف والمهالك المحيطة به، فلا يسلب الإنسان سلاحه، ولا يكف عن شجاعته، وليصلح بما في نفسه من الشجاعة والإقدام والطموح والعزم والكبرياء. وإلا لجأ الناس إلى الصوامع، وقعدوا باكين من ذكر الموت فزعين من نذره، وجلين من الآفات التي يعرضون لها في كدحهم للمعايش، وسيرهم إلى الغايات التي خلقهم الله لها ودعاهم إليها.

نامعلوم صفحہ