قال: «وكيف ذلك؟ إذا لم يخرج الآن، يخرج بعد ساعة أو ساعتين ويكون الحرس نياما.»
قالت: «لا أخاف عليه من الحرس ولكنني أخاف عليه من هذا الرجل الذي رأيته مارا بنا وهو الذي وشى بي حتى قبضوا علي، ولو لم يكن غائبا الليلة عن المعسكر ما انطلت حيلتكم على الحرس ...»
قضا مدة في مثل ذلك وسالمة تعد اللحظات وتحسب الساعة يوما من شدة القلق، ثم سمعا وقع أقدام مسرعة فالتفتا فرأيا شبحا يعدو نحوهما فلم تشك سالمة أنه حسان، فلما اقترب منها ارتعدت فرائصها من منظره؛ لأنه كان عاري الصدر والذراعين مكشوف الرأس، وقد نبش شعره وأرسله على وجهه حتى أصبح منظره كمنظر الجان أو الشياطين على ما كانوا يصفونهم في ذلك العصر، ولم تكد سالمة تتبين ملامح وجهه حتى سمعته يقول «لا تخافي، يا مولاتي، أنا حسان.» فاطمأنت، وصاحت فيه قائلة: «ويلك ما هذا العمل؟»
قال: «لولا هذه السحنة ما نجوت من الأسر فعندما تحققت أنكم بعدتم عن المعسكر، تعريت كما تريان، ونبشت شعري، وخرجت من الجانب الخلفي للخيمة أعدو على يدي وقدمي، وأصيح صياح الشياطين، فأجفل الحرس من حولي وتفرقوا لاعتقادهم أني شيطان، ولم يرجع إليهم رشدهم ويفطنوا إلى الحيلة حتى صرت خارج المعسكر، ولكنني التقيت هناك برجل أظنه عدلان البربري الأحول وقد رآني ولم يعرفني، هل شاهدكما هنا؟»
قالت: «رآنا ولم يعرفنا.»
فقال: «لا بد لنا إذن من تغيير هذا المكان أعطوني العباءة أولا.»
فأعطته سالمة العباءة فلبسها وهو يقول: «هلم بنا نذهب من هنا، فإن هذا البربري الشرير لا يلبث أن يصل إلى المعسكر ويعرف بأن الراهبين تمكنا من مساعدتك على الفرار حتى يأتي إلى هذا المكان بالجند، ولا طاقة لنا بالحرب.»
فقال الراهب: «هذا هو الصواب فلنمض إذن إلى دير القديس مرتين، فإننا نستطيع أن نبلغه قبل الصباح فنصير هناك في مأمن، وإذا أردت إرسال حسان بعد ذلك افعلي، وربما أرسلنا معه من يهديه إلى الطريق.»
الفصل الحادي والستون
دير القديس مرتين
نامعلوم صفحہ