23
الصادر عنها جميع العالم العضوي بالتسلسل، تنمو في سايل تكونت فيه مركبات ثلاثية ورباعية من الكربون والهيدروجين والأكسجين والأزوت ذاتيا، كما ترسب البلورات في السايل رويدا رويدا بفعل القوى المتجاذبة.
ويظن أن الصعوبات التي كانت تعترض التسليم بالتولد الذاتي، إنما كانت لعدم العلم بهذه الأحياء البسيطة للغاية؛ أي المونير، وأما اليوم فلا سبيل للشك بكون هذه الأحياء أول درجات الحياة، وبكون كل خلية، بل كل جسم عضوي صادرا عنها. وكيفية ذلك أنه يحصل تكثف في نقطتها المركزية فتصير نواة، ثم تحاط النواة بالمادة اللزجة رويدا رويدا، ثم يظهر الغشاء الذي يحيط بالجميع. وهكذا كان يعلل تكون الكرية في السابق على رأي شليدن وشوان. فالكرية على رأي هكل تتخلص من السايل المتضمن المادة البلاسموية رأسا، ولا تتكون من الجماد ذاتيا أبدا، بل تتكون من المونير المتكون ذاتيا؛ فإنه لاختلاف في الأحوال الطبيعية والكيماوية تولدت في البحار الأولى أصول كثيرة من المونير، وربما أنواع مستقلة تلاشى بعضها، وهو الأكثر في تنازع البقاء، وبقي البعض الآخر، وصار جد العالم العضوي بأسره. وعنده (أي عند هكل) أن كل نوع من الأحياء صادر عن نوع من المونير، وهذا لا يمنع كون أنواع المونير الكثيرة صدرت جميعها من صورة واحدة؛ أي من مونير واحد في الكيف لا في الكم بالتغير التدريجي. وهو يقول في هذا المعنى ما نصه:
قد يمكن أن أجيالا عديدة من هذا الحيوان الأول بقيت تتنامى آلافا من السنين في الأوقيانوس الأول، الذي أحاط بالأرض بعدما بردت بدون أن تتغير، حتى طرأ تغير على أحوال الحياة الخارجية اقتضى أن تتغير له هذه الأحياء ذات الأصل الواحد، فتغيرت كتلتها الألبيومينية ذات الطبيعة الواحدة.
24
غير أن هكل لا يؤكد ما إذا كان التولد الذاتي لا يزال يحصل اليوم أم لا، وإنما يؤكد أنه لا بد أن يكون قد حصل ولو مرة واحدة في الأزمان الأولى، والبلنتولوجيا لا يسعها أن تكشف لنا عن شيء من هذه الأحياء الأولية للأسباب التي ذكرها جيجر، وهكل كجيجر لا يسلم بحد فاصل بين النبات والحيوان، ويقول بوجود طائفة متوسطة بينهما؛ أي طائفة البروتيست - أي الأحياء الأولى - والفرق الجوهري بينهما على رأيه أن الكرية تكتسب في نموها قواما في النبات هو أشد منه في الحيوان. وقد حصر مذهبه بما يأتي حيث قال: «إن جميع الأجسام العضوية التي تأهل الأرض اليوم والتي كانت عليها في السابق، قد تكونت بتحول بطيء وارتقاء تدريجي في الأصول الأولى القليلة (وربما كان الأصل واحدا فقط) في الزمان الطويل، وهذه الأصول نفسها قد تكونت من الجماد بالتولد الذاتي الخاص بأبسط الأجسام العضوية البلاسموية؛ أي المونير.»
فجميع الصعوبات التي تعترض التولد الذاتي تزول بمذهب هكل هذا لما فيه من البساطة. ولقد جاءت الاكتشافات البالنتوجية مؤيدة لصحته أيضا، فإنهم اكتشفوا أخيرا في أميركا شيئا من ذلك مهما جدا، ولا بد من بسط الكلام عليه فأقول:
إنهم كانوا يظنون في السابق أن الحجار المسماة سيلورية
25
أقدم طبقات قشرة الأرض، وكانوا يستغربون ذلك، وربما ارتابوا بمذهب التسلسل أيضا؛ لأن النباتات والحيوانات التي وجدت معا في هذه الطبقة وإن كانت من أدنى الأنواع إلا أنها بالغة شيئا غير قليل من النمو، بحيث لا يصح أن تكون أول الأجسام العضوية، ولو أنهم حاولوا إقامة أسباب جيولوجية لتعليلها. غير أن ويليم لوجان قد اكتشف في كندا فوق مجرى نهر لورنزو عدة حجار صلبة جدا، لا شبهة في كونها سابقة أقدم الحجار السيلورية، وقد اقتضى لها إلى أن بلغت درجتها الحاضرة أزمان طويلة جدا، وقد سموها بالطبقة اللورنزية،
نامعلوم صفحہ