والعذاب الشديد لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون.
ونقل الشيخ أبو بكر بن العربي عن الشيخ أبي الحسن الأشعري أنه قال لا يقال إن لله تعالى على الكافر نعمة لا دينية ولا دنيوية، وجعل التالي الخلاف لفظيا بعيد لما قدمت والله أعلم.
(وصوره في الأرحام بحكمته):
الضمير يعود على الإنسان وهو للجنس فلذلك جمع الأرحام باعتبار ما في الجنس من الجمع، ومعنى بحكمته أي بعلمه ومشيئته وهي وضع الشيء في محله، ألا ترى أنه وضع البصر وجعله في أعلى الجسد لتكون منفعته أعم وأتم وجعل عليه أجفانا كالأغطية تغطي وتقيه من الآفات وجعلها متحركة تنطبق وتنفتح على مقدار حاجته وجعل في أطرافها أشفارا تدع الذباب والهوام إذا نزلت عليها، وجعلها عليه زينة كالحلية لماي حلى وجعل عظم الحاجب ناتئا عليها يقيها ويدفع عنها لما كانت لطيفة في شكلها إلى غير ذلك من المصالح والمنافع والآلاء التي لا يحيط بها إلا خالقها تعالى، هذا بالنظر إلى ما في عضو من أعضائه فما ظنك بسائر جسده.
(وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه):
أي أبرزه من الصلب إلى الرحم وقيل: أوجده وأخرجه من الضيق ضيق الأحشاء إلى الموضع الواسع وخلق تعالى في قلوب عباده الرفق الشفقة عليه ويسر له رزقا لينا في ثدي أمه متوسطا بين الملوحة والعذوبة باردا في الصيف حارا في الشتاء يخرج من عرقين يتغذى من أحدهما يشرب من الآخر، وتكفل برزقه مدة حياته ودفع عنه مالا يستطيع دفعه عن نفسه منة منه تعالى عليه ولطفا به.
واعلم أن مذهب أهل السنة أن الله تعالى يرزق الحلال والحرام فجميع ما يتغذى به الإنسان من حلال أو حرام فهو رزقه. قال الله ﷿: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) [هود: ٦]
وقد علمت أن جميع المكلفين لا يأكلون الحلال كلهم لأنهم قد يسرقون ويغصبون يتغذون به وقد قال رسول الله ﷺ "وإن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها": وأجمع المسلمون على القول بأن الله تعالى هو الذي يرزق البهائم ما تأكله وليس لها ملك فدل ذلك على أن الغذاء يكون رزقا لمن أكله وإن لم
1 / 7