شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل
شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل
اصناف
ـ[شرح زاد المستقنع]ـ
المؤلف: أحمد بن محمد بن حسن بن إبراهيم الخليل
عدد الأجزاء: ٦
[الكتاب مرقم آليا]
نامعلوم صفحہ
شرح المقدمة
قال الشارح حفظه الله تعالى: -.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: -
هذا الكتاب - يا إخواني - من تأليف الشيخ/ شرف الدين موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي المقدسي الصالحي.
والشيخ شرف الدين من أكبر فقهاء الحنابلة بل كان في عصره هو مفتي الحنابلة في دمشق.
ولد الشيخ ﵀ في قرية تسمى حجَّه سنة ٨٩٥ هـ.
نشأ في هذه القرية ﵀ وغفر له - وأخذ مبادئ العلوم وقرأ القراءات ثم أكب انكبابًا كاملًا على علم الفقه.
ثم بعد فترة من الزمن انتقل ﵀ إلى دمشق ولازم العلامة الشويكي في الفقه إلى أن تمكن فيه تمكنًا تامًا وانفرد بتحقيق مذهب الإمام أحمد ﵀.
وهنا نكتة وهي أن العلامة الشويكي له كتاب اسمه: «التوضيح» جمع فيه بين المقنع والتنقيح وهذا يعني أن له عناية خاصة بكتاب المقنع وهو أصل كتابنا هذا الذي ندرسه - إن شاء الله.
وهذا يدل على أن عناية الشيخ شرف الدين موسى بالمقنع واختصاره كانت من زمن طويل فهو امتداد لعناية شيخه الشويكي بالمقنع.
اشتهر الشيخ ﵀ أيضًا بالورع والعبادة.
التحق بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمرو ودرس فيها والتدريس في هذه المدرسة هو بحد ذاته منزلة علمية رفيعة.
توفي الشيخ ﵀ سنة ٩٦٨ هـ بعد عمر حافل بالعلم والفتوى والتأليف.
له مؤلفات كثيرة نأخذ أهم المؤلفات:
أهم مؤلف - من وجهة نظري للشيخ - كتاب الإقناع جرَّد فيه مذهب الحنابلة يقول صاحب شذرات الذهب: «لم يؤلف مثله في تحرير النقول وكثرة المسائل».
وله كتاب اسمه حاشية التنقيح في تحرير أحكام المقنع وهذا أيضًا يعطي دلالة أن الشيخ له عناية مبكرة بكتاب المقنع.
له كتاب اسمه منظومة الآداب الشرعية في ألف بيت وشرحه هو بنفسه ﵀.
أخيرًا له كتاب اسمه زاد المستقنع قي اختصار المقنع ويسمى أحيانًا مختصر المقنع وهو كتابنا هذا الذي سنشرحه إن شاء الله تعالى.
وجميع الكتب التي ذكرت مطبوعة طبعات جيدة محققة على نسخ خطية نفيسة.
هذا فيما يتعلق بالمؤلف.
ثم ننتقل إلى شرح مقدمة الكتاب.
•
1 / 1
قال المؤلف ﵀:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
قوله: بسم الله الرحمن الرحيم ابتدأ بالبسملة لأمرين:
الأول: اقتداء بكتاب الله حيث بدأ الله ﷾ كتابه بالبسملة.
والثاني: اقتداء بمراسلات النبي ﷺ فإنه كان إذا راسل الملوك والرؤساء كتب في مقدمة الرسالة بسم الله الرحمن الرحيم.
كما ثبت في صحيح البخاري أن النبي ﷺ لما راسل هرقل كتب له «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى عظيم الروم هرقل».
وقوله: «بسم الله» جار ومجرور.
والجار والمجرور دائمًا يحتاج إلى متعلق ولكن لا نجد في بسم الله الرحمن الرحيم شيئًا يتعلق به الجار والمجرور ولذا لابد من تقديره ويقدر هنا: بفعل متأخر مناسب.
كأنه ﵀ يقول: بسم الله أؤلف.
والرحيم: يتعلق بأفعال الرب ﷾.
اسم الجلالة «الله» و«والرحمن»
يختصان بشيء لا يشاركهما فيه غيرهما من الأسماء وهو: أنه لا يجوز أن يطلق هذان الاسمان إلا على الرب ﷾.
• ثم قال المؤلف ﵀:
الحمد للَّه حمدًا لا ينفد
أيضًا بدأ المؤلف كتابه بالحمد اقتداء بالكتاب العظيم لأن أول الفاتحة وهي أول سورة في القرآن فيها ﴿الحمد لله رب العالمين﴾.
والحمد هو: ذكر محاسن وصفات المحمود على وجه المحبة والتعظيم والإجلال.
ـ فإن كان هذا الذكر خاليًا من المحبة فهو: مدح.
ـ وإن كرر هذا الذكر مع المحبة انتقل من الحمد ليصبح ثناء.
فعندنا الآن حمد ومدح وثناء.
- ومما يتعلق بالحمد مسألة الشكر لأن حمد الله وشكره يقترنان كثيرًا.
- فالفرق بين الحمد والشكر:
- أن الشكر يكون فقط في مقابلة النعمة فإن الإنسان لا يشكر على صفاته الذاتية بدون أن يسدي نعمة ولا الله ﷾ اصطلاحًا يشكر على نعمه ويحمد على صفاته الذاتية وأفعاله.
وهناك فرق آخر وهو:
- أن الشكر يؤدى باللسان والقلب والأركان - الجوارح.
بينما الحمد لا يؤدى إلا باللسان، قيل: وبالقلب.
وذهب بعض أهل العلم إلا أنه لا يوجد فرق بين الحمد والشكر.
والتفريق هو الأقرب.
وقوله «لله»:
اللام: للاستحقاق والاختصاص.
يعني أن الذي يستحق استحقاقًا كاملًا أن يحمد ويحب ويعظم هو الرب.
1 / 2
كما أنه يختص بهذا الحمد.
وأل في الحمد: للاستغراق. ما معنى الاستغراق؟
أي استغراق جميع أنواع المحامد.
وقوله «حمدًا»: مصدر مؤكد.
وقوله «لا ينفد»: يعني لا ينقطع ولا ينتهي.
وأشار أكثر من شارح إلى أن قوله: لا ينفد هو باعتبار استحقاق الرب لا باعتبار أداء العبد لأن حمد العبد ينتهي بسكوته أو انقطاعه أو اشتغاله بغير الحمد.
لكن الله ﷾ يستحق حمدا لا ينفد.
• ثم قال المؤلف ﵀:
أفضل ما ينبغي أن يحمد، وصلى اللَّه وسلم على أفضل المصطفين محمد
الصلاة من الله على نبيه تعني الثناء عليه في الملأ الأعلى فإذا قلنا اللهم صلًّ على محمد يعني: اللهم أثن عليه في الملأ الأعلى.
وهذا التفسير ذكره أبو العالية وهو من الطبقة الأولى من السلف من التابعين وأخرجه البخاري معلقًا.
إذا عرفنا الآن معنى أن نطلب أن الله يصلي على نبيه أي: أننا نطلب أن يثني عليه في الملأ الأعلى.
وقوله «وسلم»:
معنى أننا نطلب من الله أن يسلم النبي: أي: أننا نطلب له السلامة من الآفات والعيوب.
فنطلب له السلامة من الآفات والنقائص على حدٍّ سواء.
والنقص هو: النقص الأصلي الموجود في صفة الإنسان كالبخل مثلًا أو الجبن.
والآفات يعني: الأمراض والمصائب.
فنطلب له السلامة من الجهتين.
وقوله «المصطفين»:
جمع مصطفى وهو: أفضل وخلاصة الخلق.
فنبينا ﷺ أفضل الخلق على الإطلاق.
فإذا أردنا أن نبدأ من الأول فنقول:
o الأنبياء والرسل هم أفضل الخلق.
o ثم أولوا العزم منهم أفضل من الباقين.
o ثم أفضل أولي العزم نبينا وحبيبنا محمد ﷺ.
• ثم قال المؤلف ﵀:
وعلى آله وأصحابه ومن تعبد
الآل: مشتقة من الرجوع آل إليه يعني رجع إليه وسمي أقارب الرجل آل لأنهم يرجعون إليه نسبًا.
ولكن ما المقصود بالآل في كلام المؤلف؟
هذا محل خلاف بين أهل العلم:
ـ منهم من قال: آل النبي ﷺ هم أهله وأزواجه وأقربائه المؤمنين به.
ـ ومنهم من قال: بل آل الرجل هم أتباعه على دينه.
ـ ومنهم من قال: أن هذا يختلف باختلاف السياق فالسياق هو الذي يحدد هل المقصود بالآل أقارب النبي ﷺ أو أصحابه.
1 / 3
ولعل الأقرب والله ﷾ أعلم أنه:
إذا عطف الأصحاب على الآل صار المقصود بالآل: أقرباء النبي ﵁.
وإذا لم يعطف على الآل الأصحاب صار المقصود بالآل الأقرباء والأصحاب يعني أتباعه على دينه من أقربائه ومن غيرهم.
= بقينا في مسألة واحدة:
من هم آل النبي الذين يقصد من أقربائه هل هم جميع الأقرباء أو جزء من الأقرباء؟
الذي مال إليه ابن القيم ﵀ أن آل النبي ﷺ هم: من تحرم عليهم الزكاة فقط وهم: بنو هاشم.
وقوله «وأصحابه»:
أصحاب النبي هم كل من لقي النبي ﷺ في حياته مؤمنًا به ومات على ذلك.
فإذا لقيه وهو كافر ثم آمن بعد موت النبي ﷺ فليس بصحابي.
وإذا آمن بلا لقيا فهذا من باب أولى.
وإذا رآه وآمن به ولكنه مات كافرًا فليس أيضًا من الصحابة.
• ثم قال المؤلف ﵀:
أما بعد: فهذا مختصر في الفقه
شرع الشيخ في المقصود.
وقوله «أما بعد»:
معنى هذه الكلمة مهما يكن من شيء بعد هذه المقدمة فهذا مختصر في الفقه.
والكلام المختصر هو: كل كلام قلَّت حروفه وكلماته وكثرت معانيه.
والنبي ﷺ أوتي جوامع الكلم.
والكلام المختصر يمدح - في الأصل - ما لم يخل بالمقصود.
وقوله «في الفقه»:
حَّددَ ﵀ الفن الذي أراد أن يؤلف فيه وأن تأليفه على سبيل الاختصار.
• ثم قال المؤلف ﵀:
من مقنع الإمام الموفق أبي محمد
الإمام الموفق أبي محمد هو/ عبد الله بن أحمد بن قدامة علم مشهور من أشهر علماء الحنابلة حتى أنه إذا قيل الشيخ عند المتقدمين يقصد به ابن قدامة.
له مؤلفات مشهورة معروفة انتفع بها المسلمون منها كتاب المقنع.
والشيخ ﵀ تعالى ألف ثلاث كتب:
الأول: العمدة وهو أخصر كتب الفقه التي ألفها على قول واحد.
ثم ألف بعده المقنع وطريقته ﵀ أن يذكر فيه قولين أو وجهين أو احتمالين ويطلق الخلاف ليتمرن طالب العلم على معرفة الاختلاف داخل مذهب الحنابلة.
ثم ألف بعد ذلك المغني وذكر فيه الخلاف العالي بين أصحاب المذاهب مع الأدلة.
1 / 4
«وبهذه المناسبة الكتاب الذي وزع عليكم ذكر محقق الكتاب في المقدمة اختصارًا لكل ما ذكره الشيخ بكر أبو زيد في كتابه المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل.
وللشيخ بكر أبو زيد حفظه الله له كتاب المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل كتاب رائع جدًا يتكلم في عن مذهب الحنابلة عن مصطلحاتهم عن ترجمة مختصرة للإمام أحمد عن أشهر الكتب وعن أشياء كثيرة تتعلق بالمذهب.
المحقق أجاد في اختصار هذا الكتاب ذكر في المقدمة أنه اختصر هذا الكتاب أريد من كل واحد من إخوانا أن يقرأ اختصار المحقق لكتاب الشيخ بكر المذكور في المقدمة والاختصار أنصحكم بقراءته قراءة للانتفاع لكن ذكر موضوعين لابد من القراءة فيهما.
الموضوع الأول: مزايا فقه الحنابلة ذكر ماذا يمتاز فقه الحنابلة وذكر مايتعلق باهتمامهم بالدليل وأقوال الصحابة.
الثاني: ذكر موضوع أصول الإمام أحمد التي كان يعتمد عليها في تقرير الأحكام الفقهيه».
• ثم قال المؤلف ﵀:
على قول واحد
أفاد المؤلف ﵀ أن تأليفه هذا مختصر وأنه يقتصر فيه على قول واحد فقط ثم بين ما هو هذا القول:
• فقال ﵀:
وهو الراجح في مذهب أحمد
إذًا أراد المؤلف أن كل ما يذكره في هذا الكتاب فهو المذهب الاصطلاحي للإمام أحمد وهو مذهب الحنابلة.
فيصح أن ننسب أي قول في هذا الكتاب فنقول هذا مذهب الحنابلة لأنه يقول: على قول واحد وهو الراجح في مذهب أحمد.
وقد التزم ﵀ هذا الأمر ولم يذكر في كتابه أي مسألة ليست متوافقة مع المذهب الاصطلاحي للإمام أحمد فيما عدا نحو ثلاثين مسألة سيأتي التنبيه على كل مسألة عند ذكرها.
فيما عدا هذا التزم ﵀ بما ذكره من أنه سيذكر الأقوال متوافقة مع مذهب الإمام أحمد.
- - وهنا نقطة أحب التنبيه إليه:
ذكر كثير من المعاصرين والمتأخرين أن هناك مذهب شخصي للإمام أحمد وهناك مذهب اصطلاحي.
والفرق بينهما أن المذهب الاصطلاحي هو المذكور في كتب الحنابلة المعتمد عليها عند المتأخرين وهو كشاف القناع ومنتهى الإرادات.
والمذهب الاصطلاحي هو المسائل والفتاوى والروايات المنقولة عن الإمام أحمد.
وأشاروا إلى أن هناك فرقاُ بين المذهب الاصطلاحي والمذهب الشخصي.
1 / 5
وفيما أرى وبحسب اطلاعي على أقوال الحنابلة الاصطلاحية مع جمعها مع مسائل الإمام أحمد المطبوع - وقد طبع كما تعلمون منها نحو سبع كتب روايات عن الإمام أحمد.
يظهر لي أن الحنابلة لا يخرجون عن روايات الإمام أحمد إلا أن الإمام أحمد له أكثر من رواية ولكن الحنابلة - أصحاب الإمام أحمد - يعتنون حين تقرير المذهب بروايات الإمام أحمد وأقواله واختياراته ﵀ فليس هناك فرق بين المذهب الاصطلاحي والمذهب الشخصي إلا فيما يتعلق بالروايات.
والروايات لا يمكن حصرها حيث تبلغ في بعض المسائل إلى سبع روايات لكن الحنابلة يلتزمون بالروايات المذكورة عن الإمام أحمد.
• ثم قال المؤلف ﵀:
وربما حذفت منه مسائل نادرة الوقوع وزدت ما على مثله يعتمد
إلى هنا عرفنا عدة مزايا ذكرها المؤلف لكتابه:
الأول: أنه مختصر.
والثاني: أنه مختصر من المقنع. وهذه ميزة لأن المقنع كتاب مشهور حافل اعتنى به الأئمة شرحًا وتهميشًا وحواشي فهو كتاب حافل جدًا فكونه اختصار للمقنع هذه بحد ذاتها ميزة.
الثالث: أنه على قول واحد.
الرابع: أنه التزم بأن يذكر في الكتاب الراجح عند الحنابلة.
الخامس: أنه حذف المسائل النادرة.
السادس: أنه زاد ما على مثله يعتمد. هذه ست مزايا لكتابنا هذا.
• ثم قال المؤلف ﵀:
إذ الهمم قد قصرت
هذا تعليل لأمرين:
الأول: أنه مختصر.
والثاني: أنه اكتفى بقول واحد.
لأن من الحنابلة من ألف كتابًا مختصرًا ولم يكتف بقول واحد كالمقنع فالمقنع يعتبر مختصرًا وهو مع ذلك يذكر قولين.
• ثم قال المؤلف ﵀:
والأسباب المثبطة عن نيل المراد قد كثرت
قصور الهمم وكثرت الأسباب المثبطة لم توجد في عصر من الأعصار قطعًا بلا تردد أكثر مما وجدت في عصرنا هذا لكثرت الملهيات وانفتاح الدنيا واشتغال الناس بها وبالملذات وضاعت همة كثير من الناس.
وهذا يوجب للإنسان أن يحفز همته وأن يستعد وأن يبادر ويسأل الله أن يوفقه لإتمام ما بدأ به من طلب العلم.
وإذا كان الشيخ في وقته يقول مثل هذا الكلام فكيف به لو رأى وقتنا.
1 / 6
وإلى وقت قريب كانت همم أهل العلم رفيعة جدًا فلنذكر مرحلة قريبة جدًا ومثال واحد - كان من علماء هذا البلد - الشيخ أبا بطين مفتي الديار يقول أحد تلاميذه قرأت عليه شرح منتهى الإرادات مرارًا مرارًا - مع التحرير والبحث والمدارسة والمراجعة أثناء الدرس - تصور - مَنْ مِنْ طلاب العلم التزم أثناء طلبه للعلم بقرءاة كتاب كبير مثل شرح منتهى الإرادات مرارًا.
هذا في وقت الشيخ أبا بطين ففي وقت المؤلف كانت الهمم أعلى.
نسأل الله ﷾ أن يرزقنا همة وإخلاصًا وإقبالًا.
• ثم قال المؤلف ﵀:
وهو بعون الله مع صغر حجمه حوى ما يغني عن التطويل
هذه ميزة أخرى للكتاب أنه مع أن حجمه صغير إلا أنه حوى ما يغني عن التطويل بحيث إذا ألم الإنسان بمفردات مسائل الزاد حصل له خير عظيم وتمرس في الفقه وأصبح طالبًا ناضجًا يستطيع أن يفهم كلام أهل العلم وأهل الاختصاص في هذا الفن.
• ثم قال المؤلف ﵀:
ولا حول ولا قوة إلاّ باللَّه وهو حسبنا ونعم الوكيل
معنى لا حول ولا قوة إلا بالله: أي أنه لا تحول ولا انتقال للعبد من حال إلى حال إلا بقوة الله وإعانته ﷾.
ونلاحظ أن الشيخ ﵀ شديد التضرع والإقبال على الله حتى أنه في آخر هذه المقدمة المختصرة جدًا أعاد وكرر الاستعانة والتوكل على الله. فقال: وهو بعون الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فهو إن شاء الله من العلماء الربانيين الذين لهم تعلق بالرب ﷾.
ونحن نسأل الله سبحانه أن يعيننا وأن يوفقنا وأن يجعلنا هداة مهتدين.
• قال المؤلف ﵀:
كتاب الطهارة
قوله: «كتاب»:مصدر يقال كتبت كتابًا.
ونوع هذا المصدر أنه مصدر سيَّال.
وما هو المصدر السيَّال؟
هو الذي يحدث شيئًا فشيئًا فإن الأفعال تارة تحصل جملة واحدة وتارة تحصل بالتدريج فكتابة الكتاب - مثلًا -:
هل تحصل جملة أو بالتدريج؟
بالتدريج.
والأكل والشرب يحصلان جملة أو بالتدريج؟
بالتدريج.
والخروج من الباب يحصل جملة واحدة أو بالتدريج؟
جملة واحدة.
فالكتاب هذا المصدر سيَّال يعني أنه يحصل شيئًا فشيئًا.
والمقصود من قوله: «كتاب»:أي المكتوب يعني هذا مكتوب في الطهارة.
• قال المؤلف ﵀:
كتاب الطهارة
1 / 7
العلماء يبدؤون بأركان الإسلام ويبدؤون من أركان الإسلام بالصلاة لأنها أعظم أركان الإسلام ويبدؤون من الصلاة بشرط الطهارة لأنها مفتاح للصلاة.
وقوله «كتاب الطهارة»: الطهارة كما تلاحظ المؤلف لم يعرفها لغة.
الطهارة في لغة العرب: هي النظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية.
- فالأقذار الحسية معلومة.
- والأقذار المعنوية كالشرك والذنوب.
فهذا هو معنى الطهارة في لغة العرب.
ثم ذكر الشيخ ’ تعالى تعريف الطهارة الاصطلاحي وهو المهم عندنا الآن.
• فقال ’:
وهي ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث
ارتفاع الحدث وزوال الخبث هذان هما: عنصرا الطهارة.
إذًا الطهارة تنصرف إلى الحدث وإلى الخبث.
قوله: «ارتفاع الحدث»
الحدث هو: وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها.
وفهم من هذا التعريف أنه ليس أمر ًا حسيًا وإنما هو وصف قائم بالبدن ومن شأن هذا الوصف أن يمنع من الصلاة ونحوها.
والمقصود من كلمة «نحوها»: كل ما تشترط له الطهارة كقراءة القرآن والطواف عند من يرى اشتراط الطهارة للطواف.
إذًا الطهارة هي ارتفاع الحدث وما في معناه.
عرفنا الآن ما هو الحدث؟ وعرفنا أن ارتفاع هذا الحدث هو أحد عنصري الطهارة وأن العنصر الآخر هو زوال الخبث.
قوله «وزوال الخبث»
الخبث هو: النجاسة الحسية ولا يدخل معنا الآن النجاسة المعنوية.
إذًا ارتفاع الحدث وزوال الخبث.
لاحظ دقة الفقهاء فقد عبَّر ’:
- عن الحدث بالارتفاع لأنه أمر غير محسوس يرتفع ارتفاعًا معنويًا.
- وعن النجاسة بكلمة زوال لأنه زوال محسوس.
والخبث هنا هو النجاسة الحسية كما تقدم.
قوله: «وما في معناه»
يعني مافي معنى الإرتفاع.
ما معنى هذه العبارة؟
إذا أحدث الإنسان ثم توضأ ارتفع الحدث ارتفاعًا حقيقيًا لكن إذا كان الانسان على طهارة ثم توضأ فهنا ارتفع ارتفاعًا معنويًا وليس حقيقيًا لأن لا يوجد أصلًا حدث يرتفع فهو في الأصل على طهارة.
إذًا ومافي معناه: الضمير إلام يعود إلى الحدث أو إلى الارتفاع؟
- إلى الارتفاع.
ذكر الحنابلة عدة صور لما يعتبر في معنى الارتفاع:
- منها هذا الذي ذكرته لك وهو من توضأ على طهارة.
- ومنها الغسلة الثانية والثالثة في الوضوء والغسل.
1 / 8
- ومنها عند الحنابلة التيمم لأنهم يعتبرون التيمم مبيح وليس رافعًا.
وهذا أمر سيأتي التطرق إليه عند الكلام على التيمم.
ثم انتقل الشيخ ﵀ تعالى إلى الحديث عن المياه لأنها وسيلة الطهارة
• فقال ﵀:
المياه ثلاثة
يقصد الشيخ بقوله المياه ثلاثة أن المياه - كل المياه - في الشرع - لا العرف ولا في العقل - تنقسم إلى ثلاثة أقسام عند الحنابلة هي:
١. طهور.
٢. وطاهر.
٣. ونجس.
وسيأتي تفصيل هذه المسألة حيث سيعتني بها المؤلف عناية خاصة لأن البحث في المياه من أساسيات كتاب الطهارة.
وتقسيم المياه إلى ثلاثة هذا مذهب الحنابلة وأيضًا مذهب المالكية الشافعية فهو مذهب الأئمة الثلاثة.
وذهب الأحناف إلى أن المياه تنقسم إلى قسمين فقط:
١. طهور.
٢. ونجس.
وأن قسم الطاهر ليس له وجود في الشرع.
وهذا القول الثاني هو القول الذي تدل عليه الأدلة الشرعية فإنه ليس في الشرع وجود لقسم اسمه طاهر وليس طهور.
وهذا القول هو اختيار كثير من المحققين منهم شيخ الاسلام بن تيمية ﵀.
ويتضح هذا البحث - تقسيم المياه إلى ثلاثة - لطالب العلم إذا تكلمنا عن قسم الطاهر فسنبين أنه ليس بموجود ونذكر الأدلة.
وإذا لم يكن موجودًا هذا القسم صارت المياه فقط: طهور ونجس.
ونبدأ بالطهور:
• قال ﵀:
طهور لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غيره
مقصوده بكلمة طهور: يعني مطهر فهو طاهر في نفسه مطهر لغيره.
وقد عرَّف الشيخ الطهور ببيان حكمه والتعريف ببيان الحكم أحيانًا يكون أنفع من التعريف ببيان الحقيقة لأن الذي يهمنا الآن هو بيان حكم الماء الطهور وليس حقيقته وماهيته.
فقال الشيخ الطهور هو الذي لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غيره.
لا يرفع الحدث شيء من المائعات إلا الماء فالنبيذ والعصير وما يسمى مثلًا بالشاهي والقهوة كل هذه الأمور مائعات لكنها لا ترفع الحدث إنما يرفع الحدث فقط ماذا؟
الماء ليس إلا.
وكونه لا يرفع الحدث إلا الماء هذا أمر متفق عليه بين الأئمة الأربعة ولا يحتاج إلى وقفة.
إنما ذهب الأحناف فقط إلى أن النبيذ يرفع الحدث لحديث ابن مسعود أن النبي ﷺ توضأ بنبيذ التمر.
والجواب على هذا الاستدلال أن الحديث ضعيف جدًا أو موضوع.
1 / 9
إذًا بقينا أنه لا يرفع الحدث إلا الماء الطهور فقط.
• ثم قال ﵀:
ولا يزيل النجس
النجس في لغة العرب القذارة.
وفي الاصطلاح عرفوها بتعريف يقرب النجاسة التي يجب أن تزال ليحصل التطهر أو الطهارة فقالوا: ... كل عين يحرم تناولها لا لضرر ولا لاستقذار ولا لحرمة.
ثلاثة أشياء: كل عين يحرم على الانسان أن يتناولها لا لضرر ولا لاستقذار ولا لحرمة فهي نجسة.
فخرج بقوله «لا لضرر»: السم.
فالسم لايجوز للإنسان أن يتناوله لا لأنه نجس ولكن لأنه مضر.
وخرج بقوله «ولا لاستقذار» المخاط والمني.
فإن كلًَّا منهما طاهر لكن مع ذلك لا يجوز للإنسان أن يتناولهما بسبب الاستقذار لا بسبب النجاسة.
وخرج بقوله «ولا لحرمتها» صيد المحرم.
فإن صيد المحرم يعتبر ميتةً لأنه لم تتحقق في شروط التذكية. فلا يجوز للمسلم أن يتناوله والسبب أنه محرم وليس لأنه نجس.
إذًا إذا أخذت هذا الضابط عرفت كل عين نجسة.
فعرفنا الآن أن البول نجس لأنه لا يجوز تناوله بسبب النجاسة لا لسبب من الأسباب الثلاثة التي ذكرنا.
وكذلك الغائط والدم والميتة والخنزير والخمر فيشمل كل نجس.
وسيخصص المؤلف بابًا لبيان الأعيان النجسة ولكنه الآن يريد أن يبين حكم الأعيان النجسة هنا.
ثم لما بين الشيء المهم وهو حكم الماء الطهور انتقل إلى بيان حقيقة الماء الطهور.
• فقال ﵀:
وهو الباقي على خلقته
وقد يكون بقاء الماء على خلقته بقاء حقيقيًا وقد يكون بقاءً حكميًا.
ما الفرق بين البقاء الحكمي والحقيقي؟
البقاء الحقيقي هو: الماء الذي بقي على خلقته الأصلية لم يتغير منه لا لون ولا رائحة ولا طعم لا بطاهر ولا بنجس كمياه الأمطار والآبار.
أما الماء الذي بقي على خلقته بقاءً حكميًا: فكالماء المتغير - الآسن - فإن الماء إذا بقي في إناء معدني يتغير ولكنه مع ذلك يبقى طهورًا لأنه باقٍ على خلقته وهذا التغير لا يؤثر عليه.
ثم لما بين الشيخ ﵀ تعالى تعقيب الماء الطهور باعتبارين باعتبار حكمه وباعتبار حقيقته انتقل إلى التفاصيل التي تتعلق بالماء الطهور.
• فقال ﵀:
فإن تغير بغير ممازج
ذكر الشيخ حكم الماء إذا تغير بغير ممازج وسيذكر بعد ذلك حكم الماء إذا تغير بممازجة.
1 / 10
ونبقى الآن بالماء الذي يتغير بغير ممازجة ذكر الشيخ له عدة أمثلة.
• قال ’:
كقطع كافور
المثال الأول: إذا تغير بقطع الكافور. الكافور نوع من الطيب معروف – لكن يشترط في هذا الطيب أن يكون قطع وهذا الشرط احترازًا من ماذا؟
من المسحوق أو الناعم لا السائل.
فإذا كان الكافور قطعًا وسقط في الماء فإنه تغير الماء بهذا الكافور هو تغير بممازجة أو بغير ممازجة؟ بغير ممازجة. يعني بغير اختلاط فالممازجة هي الاختلاط.
• قال ’:
أو دهن
المقصود بالدهن جميع أنواع الدهون فجميع أنواع الدهون لا تختلط بالماء إذا وقعت فيه
• قال ’:
أو بملح مائي
الملح المائي هو: الملح المنعقد من الماء فإن الماء إذا أطلق في السباخ انقلب إلى قطع ملح فإذا ألقي مرة أخرى في الماء ماع وانحل في هذا الماء ومع ذلك يبقى بغير ممازجة وهذا النوع من الملح – الملح المائي - إذا وقع في الماء فإن الحنابلة يعتبرون الماء مازال طهورًا ولكنه مكروه.
إذًا عرفنا الآن أن الماء إذا تغير بغير ممازج فإذا وقع فيه الكافور أو وقع فيه دهن أو وقع في ملح مائي فإنه يعتبر ماء طهورا ولكنه مكروه.
وعليه نحتاج إلى الجواب عن سؤالين:
١ - لماذا بقي طهورًا؟ ... ٢ - ولماذا كره؟
أما لماذا بقي طهورًا؟ فالجواب: فلأنه هذا التغير بالمجاورة وليس بالمخالطة وقاعدة الحنابلة: أن أي تغير بالمجاورة بدون مخالطة يبقى معه الماء طهورًا.
وأما لماذا كره مادام بقي طهورًا؟ فالجواب: لأنه اختلف فيه فذهب بعض أهل العلم إلى أنه خرج من الطهورية إلى الطاهرية فسلبت طهوريته فأصبح بدلًا من أن يكون طهورًا طاهر فقالوا: نظرًا لهذا الخلاف نحكم عليه بالكراهة.
- أما التعليل الأول وهو كونه يبقى طهورًا فهو تعليل صحيح وفقهي قوي.
- أما التعليل الثاني وهو كونه يصبح مكروها مع كونه طهورًا فهو تعليل ضعيف.
ولكن أحب أن أنبه إلى شيء:
وهو أن كثيرًا من الطلاب يسمع قضية أن التعليل بالخلاف عليل وأنه ضعيف وأنه لا يعلل الحكم الشرعي بوجود الخلاف بين أهل العلم وهذا الكلام كله صحيح وقوي علميًا.
لكن يبقى أن يلاحظ طالب العلم أن مراعاة الخلاف والاحتياط والورع أمر مطلوب من طالب العلم ومن العامل.
1 / 11
ألاحظ الآن أن مسألة الاحتياط في مسائل الخلاف أصبحت ملغاة مع أن أكثر الذين ألفوا في القواعد الفقهية ذكروا من القواعد الفقهية أن مراعاة الخلاف أمر مطلوب.
فإذًا نحن نقول هذا الماء ليس بمكروه لأن الكراهة حكم شرعي تحتاج إلى دليل ومجرد وجود الخلاف ليس دليلًا شرعيًا.
لكن مع ذلك ينبغي لطالب العلم أن يستشعر أن المسألة إذا كان فيها خلاف لاسيما إذا كان الخلاف قويًا فينبغي أن يحتاط فيها الإنسان احتياطًا واضحًا.
فبعض المسائل يكون الخلاف فيها قوي جدًا إلى درجة أن عددًا من أهل العلم يتوقف في الترجيح وفي الإفتاء.
مثال ذلك: مسائل طلاق الثلاث والطلاق في الحيض مسائل مشكلة جدًا وغاية في الإشكال حتى كان الإمام أحمد لا يمكن أن يفتي في مسائل الطلاق بالثلاث أو في حيض وإذا طالع الإنسان الخلاف عرف أن الخلاف قوي.
المقصود الآن أن مراعاة الخلاف أمر طيب من طالب العلم على سبيل الورع والاحتياط.
• قال ﵀:
أو سخن بنجس
إذا سخن الماء بنجاسة فإن الحنابلة يعتبرونه طهور ولكنه مكروه فنحتاج أيضًا إلى الجواب على السؤالين:
١. لماذا بقي طهورًا؟
٢. ولماذا هو مكروه؟
أما الجواب على أنه لماذا بقي طهورًا فلنفس السبب الأول وهو أن التغير هنا بمجاورة.
وأما لماذا كره؟ قالوا: لأنه لا يؤمن أن تنتقل إليه أجزاء من الدخان المنبعث من النجاسة فلأجل هذا الأمر جعلوه مكروهًا.
عرفنا من هذا التقرير للحنابلة أن الإناء إذا كان محكم الإغلاق لا يصبح بعد ذلك مكروهًا لأنا نأمن من وصول الدخان إليه - مع ذلك قسم كبير من الحنابلة يرون أنه مكروه ولو كان محكم الإغلاق.
«انتهى الدرس الأول»
1 / 12
بالأمس تكلمنا عن مسألة ونسينا الحقيقة مسألة.
• فيقول المؤلف ﵀:
لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غيره
قوله: «ولا يزيل النجس الطارئ غيره»:
- الحنابلة يرون أنه لا يمكن إزالة النجاسة إلا بالماء فقط وهذا أيضًا مذهب المالكية والشافعية فهو مذهب الأئمة الثلاثة.
ويستدلون بحديث صحيح وهو: - حديث أسماء أنها سألت النبي ﷺ عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: (تحته ثم تقرصه ثم تغسله بالماء).
قالوا: فنص النبي ﷺ على أن غسل النجاسة ومنها دم الحيض يكون بالماء.
عرفنا الآن مذهب الحنابلة وهذه هي المرحلة الأولى في كل المسائل أن تفهم مذهب الحنابلة فهمًا صحيحًا وتفهم دليلهم لأننا نتدارس في كتاب من كتبهم.
- وذهب أبو حنيفة ﵀ إلى أنه يمكن إزالة النجاسة بأي مزيل.
ويستدل الحنفية بأدلة قوية أيضًا.
الدليل الأول لهم: جميع أحاديث الاستجمار لأن الاستجمار عبارة عن إزالة النجاسة بغير الماء أي: بالأحجار.
ويستدلون أيضًا بحديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحة أن النبي ﷺ سألته عائشة عن الدم يصيب الثوب فقالت: كنا ننزعه بالريق والظفر.
ومن المعلوم أن إزالة الدم من الثوب بالريق والظفر إزالة للنجاسة بغير الماء.
فصار للأحناف كم دليل؟ دليلان ولهم أدلة كثيرة هذان الدليلان أقوى الأدلة باعتبار أنها من النصوص.
ولهم دليل ثالث وهو أن الحكم يزول بزوال علته، وعلة التنجيس وجود النجاسة فإذا زالت بأي مزيل زال حكمها. - وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم.
وهذا القول اختاره عدد من المحققين واختاره بعض السلف كالفقيه المعروف ابن أبي ليلى وهو اختيار أيضًا ابن قاضي الجبل من الحنابلة واختيار أيضًا شيخ الإسلام ابن القيم.
1 / 13
وابن قاضي الجبل سيتكرر معنا باعتبار أن له اختيارات رائعة جدًا وهو من تلاميذ شيخ الاسلام ابن تيمية ﵀ - وقد انتدب بعض طلاب العلم لجمع اختيارات ابن قاضي الجبل ﵀.
وهذا القول الثاني الذي هو مذهب الحنفية هو القول الصواب وما ذهب إليه المؤلف قول ضعيف.
بالإضافة إلى أن فيه تشديد وتعسير على الناس.
• قال ﵀:
ولا يزيل النجس الطارئ غيره
قوله «الطارئ»: يفهم منه أن النجاسة تنقسم إلى قسمين:
١. نجاسة عينية.
٢. ونجاسة طارئة.
والنجاسة التي تقبل التطهير هي: النجاسة الطارئة.
أما النجاسة العينية: فإنها لا تقبل التطهير إلا بالاستحالة وسيفرد المؤلف كلامًا خاصًا عن الاستحالة في باب إزالة النجاسة.
مثال النجاسة العينية: العذرة والكلب والخنزير وما شابه هذه الأعيان التي تعتبر نجسة نجاسة عينية.
مثال المعين النجس نجاسة طارئة: الثوب إذا أصيب ببول أو الأرض إذا أصيبت بدم.
1 / 14
إذًا التطهير ينفع في النجس نجاسة عينية أو في النجس نجاسة طارئة؟
الطارئة ولهذا نص المؤلف على ذلك بقوله: ولا يزيل النجس الطارئ غيره.
نرجع إلى ما توقفنا عنده.
• قال المؤلف ﵀:
«وإن تغير بمكثه»
إذا تغير الماء بمكثه يعني بسبب طول مكثه فإن يبقى طهور بلا كراهة.
والدليل: الإجماع. فإن العلماء أجمعوا أن مثل هذا الماء يبقى طهورًا.
• قال ﵀:
«أو بما يشق صون الماء عنه»
إذا تغير الماء بما يشق صونه عن الماء فإنه يعتبر طهورٌ بلا كراهة.
التعليل: قال التعليل القاعدة المتفق عليها وهي أن المشقة تجلب التيسير.
هنا يتبادر إلى الذهن سؤال:
هل يبقى الماء طهور بلا كراهة ولو خالطه هذا الذي يشق صونه عن الماء؟ حتى لو خالطه.
الجواب: نعم. إذا سقط فيه شيء واختلط فيه ومازجه فبما أنه يشق صونه عن الماء فإن الماء يبقى طهورًا للقاعدة السابقة.
عرف من قوله: يشق صون الماء عنه حكم مسألتين لم يذكرهما المؤلف ﵀ وأنا قلت لك في الدرس السابق أن الكتاب فيه مسائل تؤخذ من المنطوق وفيه مسائل تؤخذ من المفهوم.
فمفهوم قوله يشق صون الماء أنه لو جاء شخص ووضع قصدًا هذا الشيء في الماء يصبح ماذا؟
طهور مكروه أو طاهر؟
- إن اختلط به صار طاهرًا.
- وإن لم يختلط به صار طهور ولكنه مكروه.
وإن وقع فيه مالا يشق صون الماء عنه أيضًا يصبح طهور: ولكنه مكروه.
إذًا قوله ﵀ أو بما يشق صون الماء عنه له مفهوم ومراد للمؤلف أنه إذا كان لا يشق صون الماء فإن الماء لا يبقى طهور بلا كراهة وإنما يصبح طهورًا مع ماذا؟ مع الكراهة.
• قال ﵀:
«أو بمجاورة ميتة»
يعني إذا كان بجوار الماء ميتة ثم تغير الماء بسبب مجاورة الميتة وغالبًا سيتغير فيه أي صفة من الصفات؟ الرائحة.
فإن هذا الماء يبقى طهور وبلا كراهة مع العلم أنك أذا تناولت هذا الماء تشم فيه رائحة ماذا؟ الميتة.
مع ذلك يرى الحنابلة بل يرى الأئمة الأربعة بل حكي الإجماع أن هذا الماء يبقى طهور بلا كراهة.
لكن من المعلوم أن كثيرًا من الناس نفسه لا تقبل مثل هذا الماء بسبب وجود الرائحة المؤذية لكن حكمه الفقهي أنه يبقى طهور وأيضًا بلا كراهة.
- أما أنه طهور فواضح لأنه باقي على خلقته الأصلية.
1 / 15
- وأما بلا كراهة فلأنه لا يوجد دليل على الكراهة بل أجمعوا على عدم الكراهة.
• ثم قال ’:
أو سخن بالشمس أو بطاهر.
إذا سخن الماء بالشمس أو سخن بطاهر –كالحطب - فإنه يبقى طهور بلا كراهة.
الدليل على أنه يبقى طهور بلا كراهة أن الصحابة è دخلوا الحمامات وهي الأماكن العامة التي وضعت للاغتسال واغتسلوا بالماء الذي فيها للتنظيف والتبريد والتطهر – يعني غسل الجنابة ومن المعلوم أن المياه التي في الحمامات العامة تسخن قبل أن يتناولها المغتسل.
وهذه الحمامات وإن كانت لا توجد في نجد إلا أنها منتشرة وبكثرة في الشام ومصر وكثير من البلدان.
فهذه الحمامات الماء الذي فيها مسخن أو بارد؟
مسخن واغتسل فيها الصحابة وهي مسخنة.
والإمام أحمد ’ من أصوله الأخذ بما ورد عن الصحابة ولذلك كله اعتبر أن الماء المسخن طهور بلا كراهة.
بين المؤلف قسمًا من المياه تعتبر طهورة ولكنها مكروهة ثم بين قسمًا من المياه تعتبر طهورة ولكن بدون كراهة ثم رجع المؤلف مرة أخرى لقسم المياه الطهورة المكروهة.
• فقال ’:
«وإن استعمل في طهارة مستحبة، كتجديد وضوء وغسل جمعة وغسلة ثانية وثالثة: كره»
إذا استعمل في طهارة مستحبة فإن الماء المستعمل في هذه الطهارة المستحبة يعتبر عند الحنابلة طهور لكن مكروه.
يلاحظ على المؤلف ’ أنه أخل بالترتيب المنطقي لأنه ذكر نوع المياه «....» المكروهة ثم انتقل إلى غير المكروه ثم رجع إلى المكروه والمفترض والمتبادر إلى الذهن أن يجعل المكروه جملة واحدة في مكان واحد والطهور غير المكروه في مكان واحد لكنه ’ قسمها هذا التقسيم.
إذا استعمل الماء في طهارة مستحبة ومثل المؤلف للطهارة المستحبة تجديد وضوء وغسل جمعة وغسلة ثانية وثالثة فإن الماء يصبح طهور ولكنه مكروه وهذا مذهب الحنابلة.
والقول الثاني في هذه المسألة: أن الماء المستعمل في طهارة مستحبة يبقى طهور بلا كراهة لأنه لا يوجد دليل على الكراهة.
وتقدم معنا أن الكراهة حكم شرعي من الأحكام التكليفية الخمسة يحتاج إلى دليل وبلا دليل لايمكن القول بهذا الحكم.
ولكن لماذا اعتبر الحنابلة الماء المستعمل في طهارة مستحبة مكروه؟
1 / 16
قالوا: لأنه اختلف العلماء في سلبه الطهورية والحنابلة يعللون كثيرًا بالاختلاف فكل مسألة يختلف فيها العلماء يعتبرونها مكروهة وإن كانوا لم يطردوا في جميع المسائل.
• قال المؤلف ﵀:
«وإن استعمل في طهارة مستحبة»
عرفنا من هذه العبارة أنه إذا استعمل في طهارة واجبة فله حكم آخر وهذا المفهوم صحيح وسيصرح المؤلف بحكم الماء المستعمل في طهارة واجبة.
بعد أن بين المؤلف الكلام عن الطهور بأقسامه - كما تقدم معنا الآن وعرفنا حكم كل قسم من أقسام الماء الطهور انتقل المؤلف إلى موضوع آخر مهم وسيتكرر معنا وهو الكلام عن الماء الكثير والماء القليل.
ولكن إذا سئل الإنسان لماذا ذكر المؤلف الماء القليل والماء الكثير؟
فالجواب: لأنه سيرتب أحكامًا كثيرة على الماء القليل والماء الكثير فاحتاج قبل أن يذكر أحكامهما أن يبين ما هو الماء القليل وما هو الماء الكثير.
• قال ﵀:
وإن بلغ قلتين وهو الكثير - وهما خمسمائة رطل عراقي تقريبًا - فخالطته نجاسة غير بول آدمي أو عذرته المائعة فلم تغيره، أو خالطه البول أو العذرة ويشق نزحه كمصانع طريق مكة: فطهور.
الآن نريد أن نتصور مذهب الحنابلة قبل أن ننتقل إلى قول آخر إن كان في المسألة قول آخر.
الحنابلة يرون أن الماء إذا بلغ قلتين وخالطته نجاسة ولم تغيره فإنه يبقى طهورًا حتى لو خالطته النجاسة بشرطين:
١. أن يكون كثير.
٢. وأن لا تغيره هذه النجاسة.
إلا إذا كانت هذه النجاسة بول الآدمي أو عذرته المائعة فإن البول والعذرة إذا وقعا في الماء ولو كان كثيرًا ولو لم تغيره فإن الماء يعتبر نجسًا.
نريد الآن أن نفهم مذهب الحنابلة فقط.
بقينا في تحديد الماء الكثير والقليل.
الماء الكثير هو: مابلغ قلتين.
ومعلوم أن القلتين لا يعرف الآن مقدارهما ولا نحتاج أن نخوض في الرطل والمقاييس التي ذكرت إنما نريد أن مقياسين مشهورين في وقتنا هذا وهو الذي يهم المسلم وهما اللتر والكيلو فإن المياه اليوم إما أن تقاس باللتر أو تقاس بالكيلو.
فالماء الكثير بالنسبة للتر ١٩٠ لتر أو ١٩١ كيلو.
وسيتبين لنا أنا لا نحتاج حتى معرفة مقدار الماء الكثير.
ما هو الدليل أن هذا الماء الكثير لا ينجس ولو وقعت فيه نجاسة؟
1 / 17
استدلوا بقول النبي ﷺ: «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس» وفي رواية «لم يحمل الخبث».
هذا الحديث اختلف فيه الحفاظ تصحيحًا وتضعيفًا.
- فذهب إمامان حافظان إلى تصحيحه وهما ابن معين والدارقطني وهما من الأئمة المحدثين الكبار.
- وذهب بعض العلماء إلى الحكم عليه بالوقف على ابن عمر كالحافظ المزي وشيخ الاسلام ابن تيمية.
- وذهب بعض الحفاظ إلى أنه ضعيف كالزيلعي وابن القيم.
إذا اختلفوا في هذا الحديث على ثلاث مذاهب.
والصواب إن شاء الله أنه حديث صحيح ثابت:
أولًا: لكثرة أسانيده وصحتها.
وثانيًا: لأن الذين صححوه هم أئمة هذا الشأن وهما الدارقطني وابن معين وصححه معهما خلق لكن هؤلاء هم أبرز الذين صححوه.
أخذنا الآن الدليل على أن اعتبار القلتين كثير نحتاج إلى الدليل على استثناء بول الآدمي وعذرته المائعة.
استدل الحنابلة على هذا الاستثناء بقول النبي ﷺ «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه».
قال الحنابلة لولا أن البول في الماء الدائم يؤثر فيه بسلبه الطهورية لما نهى النبي ﷺ عن البول فيه.
«وبهذه المناسبة أحب أن تتنبهوا دائمًا إلى وجه الاستدلال فكثير من إخواننا يعرف الدليل ولكن ربما لو قيل له ما وجه الاستدلال من هذا الدليل لم ينتزعه منه».
هكذا استدل الحنابلة بهذا الحديث وهو حديث صحيح والاستدلال في الحقيقة قوي.
القول الثاني: أن بول الآدمي وعذرته المائعة كسائر النجاسات ولا يكون بول الآدمي أشد من بول الكلب.
واستدلوا على هذا بدليل قالوا: أن في بعض ألفاظ حديث القلتين أن النبي ﷺ سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيه من فضلات الناس.
قالوا: ومع كون النبي ﷺ سئل عما يلقى في البئر من فضلات الناس أخبر أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء.
وهذا القول – الثاني – هو مذهب كثير من الحنابلة وهو القول الصواب ان شاء الله وهو أن بول الآدمي كسائر النجاسات.
1 / 18
فهم من قول المؤلف أن الماء إذا بلغ قلتين فطهور أنه إذا كان أقل من القلتين فله حكم آخر وهذا المفهوم صحيح فإن الحنابلة وغيرهم من الفقهاء يفرقون بين القليل والكثير. ولكن ما هو الحكم الآخر؟ سيصرح المؤلف بحكم الماء اليسير ولكن نريد الآن أن نفهم حكم الماء الكثير.
إذًا عرفنا الآن حكم الماء الكثير وهو أنه إذا سقطت فيه النجاسة لم تنجسه ولو ذابت فيه.
إذا أتينا بماء كثير ووقع فيه بول لكنه ماء كثير وتغير فهل هو نجس أو طهور أو طاهر؟
الصواب: أنه إذا وقعت فيه نجاسة وغيرته أنه نجس بلا خلاف وبإجماع الأمة على ذلك.
ويجب أن ننتبه فالشيء سهل لكنه عند التطبيق يكون صعبًا فاحرص أن تفهم المقصود على وجهه.
إذًا نعيد فنقول الماء إذا كان كثيرًا وهو ما بلغ قلتين ووقعت فيه نجاسة ولم تغيره فإنه يصبح طهورًا وقلت لكم أنه بشرطين الأول أن يكون كثيرًا والثاني لم تغيره.
من أعظم مميزات وفوائد حفظ المتن أو على الأقل استظهاره أن تتبين للإنسان الأحكام باستظهار كلام المؤلف.
مثلًا هذا السؤال الذي سألته الآن لو أن الإنسان يستظهر قول الشيخ هنا (فلم تغيره).
بين الشيخ أنه إذا وقع في الماء الكثير بول الآدمي أو عذرته المائعة فإن الماء يصبح نجسًا ولو لم تغيره النجاسة.
وهذا الحكم عند الحنابلة خاص بماذا؟ ببول الآدمي وعذرته المائعة.
يستثنى من هذا الحكم - يستثنى من الاستثناء إذا كان الماء مما يشق نزحه لكثرته وتبحره فإنه يبقى طهور ولو وقعت العذرة المائعة أو البول.
إذًا هذا استثناء من الاستثناء.
وبهذا نعرف أن تقرير مذهب الحنابلة في هذه المسألة فيه صعوبة وتعقيد وصعوبة القول وتعقيده وتداخله من علامات ضعفه.
إذًا للمرة الأخيرة نلخص مذهب الحنابلة أن الماء الكثير هو الذي يبلغ قلتين وأنه يبقى طهور بشرطين:
١. الشرط الأول: أن يكون كثيرًا.
٢. الشرط الثاني: أن لا يتغير.
بهذين الشرطين يبقى طهور ولو وقعت فيه النجاسة.
يستثنى من هذا الحكم الكلي إذا وقعت في الماء الكثير عذرة الآدمي المائعة أو بوله فإنه يعتبر نجس بمجرد الملاقاة إلا إذا كان هذا الماء كثير بحيث يشق نزحه.
1 / 19