وأما من خالف في العدل ، وأضاف إلى الله تعالى القبائح كلها ، من الظلم والكذب ، وإظهار المعجزات على الكذابين ، وتعذيب أطفال المشركين بذنوب آبائهم ، والاخلال بالواجب ، فإنه يكفر أيضا.
وأما من خالف في الوعد والوعيد ، وقال إنه تعالى ما وعد المطيعين بالثواب ولا توعد العاصين بالعقاب البتة ، فإنه يكون كافرا ، لأنه رد ما هو معلوم ضرورة من دين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والمراد لما هذا حاله يكون كافرا. وكذا لو قال : إنه تعالى وعد وتوعد ولكن يجوز أن يخلف في وعيده لأن الخلف في الوعيد كرم ، فإنه يكون كافرا لإضافة القبيح إلى الله تعالى. فإن قال : إن الله تعالى وعد وتوعد ، ولا يجوز أن يخلف في وعده ووعيده ، ولكن يجوز أن يكون في عمومات الوعيد شرط أو استثناء لم يبينه الله تعالى ، فإنه يكون مخطئا.
وأما من خالف في المنزلة بين المنزلتين ، فقال : إن حكم صاحب الكبيرة حكم عبدة الأوثان والمجوس وغيرهم فإنه يكون كافرا ، لأنا نعلم خلافه من محمد دين النبي صلى الله عليه وآله والأمة ضرورة. فإن قال : حكمه حكم المؤمنين في التعظيم والموالاة في الله تعالى ، فإنه يكون فاسقا ، لأنه خرق إجماعا مصرحا به ، على معنى أنه أنكر ما يعلم ضرورة من دين الأمة. فإن قال : ليس حكمه حكم المؤمن ولا حكم الكافر ولكن أسميه مؤمنا ، فإنه يكون مخطئا.
وأما من خالف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلا وقال : إن الله تعالى لم يكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلا ، فإنه يكون كافرا ، لأنه رد ما هو معلوم ضرورة من دين النبي صلى الله عليه وآله ودين الأمة. فإن قال : إن ذلك مما ورد به التكليف ولكنه مشروط بوجود الإمام ، فإنه يكون مخطئا.
فهذه جملة ما يلزم المكلف معرفته من أصول الدين. ونحن إذا قلنا إن المكلف يلزمه معرفة هذه الأصول ، فلسنا نعني أنه يجب معرفتها على حد يمكنه العبارة عنها والمناظرة فيها ، وحل الشبه الواردة فيها ، إذ لو سميناه (1) ذلك لأدى إلى تكليف ما ليس في الإمكان ، ويخرج أكثر المكلفين من أن يكونوا مكلفين بمعرفة هذه الأصول ، فعلى هذا يجري الكلام في ذلك.
صفحہ 78