** النظر في طريق معرفة الله ليس مقصودا لذاته
والأصل في ذلك ، أن النظر في طريق معرفة الله تعالى واجب. ثم ليس هو المقصود في نفسه ، وإنما المقصود منه المعرفة ، حتى لو أمكننا تحصيل المعرفة بدونه لكان لا معنى لإيجابه.
** مخالفة أصحاب المعارف ومن قال بالإلهام أو طبع المحل
وقد خالفنا في ذلك أصحاب المعارف إلا أنهم افترقوا ، فمنهم من قال : إن المعارف كلها تحصل إلهاما وهؤلاء لا يوجبون النظر البتة ، ومنهم من قال : إن المعارف تحصل بطبع المحل عند النظر ، فيوجبون النظر إليه. ولكن لا على هذا الوجه الذي أوجبنا. فبقي الخلاف بيننا وبينهم.
والأصل في هذا الباب أن يعلم أن وجوب كل نظر يندفع به الضرر عن نفسه مقرر في عقل كل عاقل ، ولا شبهة في ذلك وإنما يشتبه الحال في بعض الأنظار المفصلة هل هو بهذه الصفة أم لا؟.
ثم إذا أردنا أن نعلم وجوب بعض الأنظار المفصلة التي هذا حالها ، نلحقه بالجملة المقررة في العقل ، وصار الحال فيه كالحال في العلم بقبح الظلم على الجملة ، والعلم بأن هذا بعينه ظلم ، فكما أنا عند هذين العلمين نختار منهما علما ثالثا بقبح الظلم المعين إلحاقا بالجملة المقررة في العقل ، كذلك هاهنا. إذا ثبت هذا ، ومعلوم أن النظر في طريق معرفة الله تعالى مما يندفع به الضرر عن النفس ، ثبت وجوبه.
** الضرر الذي يندفع بالنظر
فإن قال : وما ذلك الضرر الذي يندفع عن النفس بالنظر في طريق معرفة الله تعالى؟ قيل له : هو الضرر الذي يخاف المرء عند تركه النظر ، فإن المكلف إذا بلغ كمال العقل لا بد من أن يخاف من ترك النظر ضررا لسبب من الأسباب.
فإن قال : وما أسباب الخوف؟ قلنا : تختلف ، فربما يكون اختلاطة بالناس وسماع اختلافهم في الأديان وتضليل بعضهم بعضا ، وتكفير بعضهم بعضا ، وقول كل واحد منهم للآخر إن الحق في جانبي ، وإن ما أنت عليه باطل يؤدي إلى الهلاك ، فعند هذا يخاف العاقل إن لم ينظر ولم يتفكر أن يقع في ورطة ومهلكة ، وربما يكون سبب
صفحہ 36