فإنا إنما سوغنا له ذلك في الفروع ، وفيما يكون طريقه الاجتهاد ، فلا يصح قياس الأصول عليه ، وعلى أنا لم نجوز للعامي أن يعتقد صدق ما يقوله العالم والقطع عليه وعلى أن خلافه كذب ، وإنما الذي سوغناه له أن يعمل بقوله فقط.
** الرد على شبهة أن الله لا يجب معرفته أصلا
ثم إنه رحمه الله سأل نفسه فقال : كيف يصح قولكم : إنه تعالى إذا لم يعرف من وجه ، وجب أن يعرف من وجه آخر ، وفي الناس من قال : إنه لا تجب معرفته أصلا. وأجاب عنه : بأنا إنما بينا ذلك على أن معرفة الله تعالى واجبة ، وسنبينه في هذا الفصل ، ثم قلنا : الطريق إلى معرفة الله تعالى لا يخلو من أحد أمور ثلاثة ، وقد بطل اثنان منها ، فبقي الثالث ، وهذا صحيح.
** الدليل على أن معرفة الله واجبة
ثم الدليل على أن معرفة الله تعالى واجبة هو أنها لطف في أداء الواجبات واجتناب المقبحات ، وما كان لطفا كان واجبا لأنه جار مجرى دفع الضرر عن النفس. وإنما قلنا إنها لطف ، لأن اللطف ليس بأكثر من أن يكون المرء عنده أقرب إلى أداء الواجبات وترك المقبحات ، على وجه لولاه لما كان بهذه المثابة ؛ ومعرفة الله تعالى بهذه الصفة. ألا ترى أن الإنسان إذا عرف أن له صانعا صنعه ومدبرا دبره إن أطاعه أثابه وإن عصاه عاقبه ، كان أقرب إلى أداء الواجبات ، وترك المقبحات. وإن كنا إذا حققنا قلنا : فاللطف هو العلم باستحقاق الثواب والعقاب لأنه الذي يثبت له حظ الدعاء والصرف ، إلا أن ذلك لما ترتب على العلم بالله ، عد العلم بالله تعالى في اللطف لما لم يتم اللطف إلا به.
وقد اختلف كلام قاضي القضاة : في هذا الباب ؛ فمرة أشار إلى ما ذكرناه ، ومرة قال القضاة بل لا شيء من المعارف التي يوجبها على المرء ، إلا وله حظ في اللطف ، ألا ترى أنه لو لم يعلم الله تعالى قادرا عالما ، لم يكن علمه باستحقاق الثواب والعقاب من جهته لطفا له.
** فهرس لما ينبغي فيه النظر
ثم إنه رحمه الله ألحق بهذا كالفهرست لما يريد أن يذكره من بعد ، فقال : إذا لم يكن بد من النظر ، فينبغي أن ينظر في هذه الحوادث من الأجسام وغيرها ويرى جواز
صفحہ 33