فموضعه باب نفي الرؤية ، والذي يختص هذا الوضع الكلام في أنه لا يجوز أن يعرف ضرورة.
وهذه مسألة خلاف بين الناس. فعندنا ، أنه تعالى لا يعرف ضرورة في دار الدنيا ، مع بقاء التكليف.
** مخالفته للجاحظ والأسواري :
وقد خالفنا في ذلك أصحاب المعارف ، كالجاحظ وأبي علي الأسواري. وقولنا في دار الدنيا مع بقاء التكليف ، هو ، لأن المحتضر وأهل الآخرة يعرفون الله تعالى ضرورة.
** مخالفته لأبي القاسم البلخي :
وقد خالف فيه أبو القاسم البلخي وقال : إنه تعالى كما يعرف دلالة في دار الدنيا ، فكذلك في دار الآخرة لأن ما يعرف دلالة لا يعرف إلا دلالة ، كما أن ما يعرف ضرورة لا يعرف إلا ضرورة. وقد حكي عن بعض المتأخرين ، أظنه المؤيد بالله قدس الله روحه ، أنه يجوز أن يكون من المكلفين من يعرف الله تعالى ضرورة في دار الدنيا مع بقاء التكليف ، كالأنبياء والأولياء والصالحين.
** عودة إلى الأدلة على أن الله لا يعرف ضرورة :
والذي يدل على أن العلم بالله تعالى ليس بضروري وإنما هو اكتسابي ، ما قد ثبت أنه يقع بحسب نظرنا على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة ، فيجب أن يكون متولدا عن نظرنا ، وإذا كان كذلك فالنظر من فعلنا فيجب أن تكون المعرفة أيضا من فعلنا ، لأن فاعل السبب ينبغي أن يكون فاعل المسبب ، فإذا كان من فعلنا لم يجز أن يكون ضروريا ، لأن الضروري هو ما يحصل فينا لا من قبلنا.
ويدل على ذلك أيضا ، هو أنها تقع بحسب قصودنا ودواعينا ، وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الأحوال إما محققا وإما مقدرا فلولا أنها محتاجة إلينا ومتعلقة بنا وإلا لما وجبت فيها القضية ، وهذا أصل دليلنا في خلق الأفعال فإنا نقول بأن تصرفاتنا تقع بحسب قصودنا ودواعينا وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الأحوال إما محققا وإما مقدرا ، فلولا أنها محتاجة إلينا ، ومتعلقة بنا ، وإلا لما وجبت فيها هذه القضية ، كما في تصرف الضرب واللون.
صفحہ 25