Sharh Usul I'tiqad Ahl al-Sunnah by Al-Lalika'i - Hasan Abu Ashbal
شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي - حسن أبو الأشبال
اصناف
من سن في الإسلام سنة حسنة عمل بها بعده
فقال: [عن جرير بن عبد الله البجلي: (كنا عند النبي ﵊ فقال: من سن في الإسلام سنة حسنة عُمل بها من بعده كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة عُمل بها من بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم)]، وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي في الصحيح.
والسنة لها معان كثيرة، فالسنة هي الطريقة المسلوكة، فإما أن تكون هذه الطريقة المسلوكة حسنة أو سيئة، ولذلك تقول: فلان يسير سيرًا حسنًا، أو يسير سيرًا سيئًا، أو يسير على طريقة حسنة، أو على طريقة سيئة.
فقولك: على طريقة.
أي: على سنة سواء كانت سنة سيئة أو سنة حسنة، والسنة كذلك إنما تعني أقوال النبي ﵊ وأفعاله وتقريراته.
والسنة إما أن تكون خيرًا وإما أن تكون شرًا.
وعند الفقهاء السنة ما دون الفرض.
تقول: هذا فرض، وهذا سنة.
الظهر فرض، له سنن قبلية وبعدية.
فالسنة عند الفقهاء غير السنة عند أهل اللغة، وكذا هي غير السنة عند الأصوليين والمحدثين.
ولذلك السنة عند قوم: هي ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.
فيتحدد المقصود والمراد من لفظ السنة إذا وردت في دليل أو في نص من السياق، أو من سبب ورود هذا النص، فحديث جرير هنا: (من سن في الإسلام سنة حسنة ومن سن في الإسلام سنة سيئة).
هل الإسلام فيه سنة حسنة وسنة سيئة مع قوله ﵊: (وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)؟ لا.
إذًا: البدعة في دين الله كلها ضلالة؛ لأنها محدثة لم تكن في زمن النبي ﵊، فكيف تكون هذه المحدثة سنة حسنة أحيانًا وسنة سيئة أحيانًا أخرى؟ لا.
لابد -ظاهر حديث البدع والنهي عنها- أن تكون كل محدثة في دين الله سيئة، ولكن بالنظر إلى سبب ورود هذا الحديث على جهة الخصوص -أي: حديث جرير - يرتفع الإشكال.
فانظر إلى السنة إذا كانت مندرجة تحت أصل شرعي ستكون سنة حسنة، فقوله هنا: (أن قومًا من مضر جاءوا إلى النبي ﷺ وهم حفاة عراة فتمعر وجه النبي ﵊ لما رأى ما نزل بهم من الفاقة -أي: من الفقر- فخطب الناس وحثهم على الصدقة، فجاء رجل من الأنصار بصرة عجزت يداه عن حملها، ثم تتابع الصحابة بجمع الصدقة، حتى سُر بذلك النبي ﵊، فعرض للرجل الأول الذي لمح مراد النبي ﵊ من هذا التوجيه وهذا الخطاب.
لما أمرهم وحثهم على الصدقة فطن هذا الرجل أن هذا الحث إنما هو لأجل هؤلاء القوم الذين أتوا حفاة عراة من مضر، وقد ظهرت على أبدانهم وثيابهم آثار الفقر، فذهب وأتى بما عنده فوضعه بين يدي النبي ﵊، فلما رأى الصحابة صنيع ذلك الرجل ذهبوا جميعًا إلى بيوتهم؛ فهذا أتى بفضل ماله، وهذا أتى بفضل زاده، وهذا أتى بفضل ملبسه ومشربه وغير ذلك فوضعوه في نطع، وحملوا ذلك النطع.
قال الراوي: فكادت أيديهم أن تكل.
يعني: أن تتعب من حمل هذا النطع الكبير أو هذا الجلد الكبير الذي وضع فيه تلك الصدقات.
قال: بل قد كلت).
وهذا دليل على أنهم إنما أتوا بما عندهم من خير.
(فلما رأى ذلك النبي ﷺ قال: من سن في الإسلام سنة حسنة) والذي سن هذا الصنيع إنما هو ذلك الرجل الأول الذي ذهب وأتى بما عنده ففعل بفعله وصنع صنيعه بقية الصحابة، ولكن الرجل هذا لما ذهب إلى بيته ليأتي بما عنده هل اخترع في دين الله أمرًا جديدًا أم أنه اندرج فعله وصنيعه تحت أصل عام وهو مشروعية الصدقة؟ الصدقة مشروعة من الأصل، ولكنه أحيا هذه السنة في قلوب الصحابة بفعله، فاستحق أن يقول النبي ﵊ عنه: (من سن في الإسلام).
يعني: من ذكر الناس وأحيا سنة كاد الناس أن يغفلوا عنها.
(فله أجرها) أي: أجر إحيائها وأجر عملها، وكذلك له أجر من عمل بهذه السنة من بعده إلى يوم القيامة شريطة ألا يُنقص ذلك من أجور من عمل بها من بعده شيئًا.
وفي المقابل: (من سن سنة سيئة).
وقال جرير: (خطبنا رسول الله ﷺ فقال: من سن سنة حسنة كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من غير أن يُنقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا) أخرجه مسلم.
4 / 14