124

Sharh Usul I'tiqad Ahl al-Sunnah by Al-Lalika'i - Hasan Abu Ashbal

شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي - حسن أبو الأشبال

اصناف

وصية عبد الله بن مسعود للناس بالطاعة والجماعة
قال: [قال ابن مسعود ﵁ وهو يخطب: يا أيها الناس! عليكم بالطاعة والجماعة -أي: تمسكوا بالطاعة وتمسكوا بالجماعة- فإنهما السبيل الأصيل إلى حبل الله الذي أمر به، وأن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة، وأن ما تكرهون في اجتماعكم أحب إلى الله تعالى من تفرقكم].
هؤلاء أناس رباهم النبي ﵊، فكانوا يفهمون الأمر كله؛ ولذلك نحن نتعبد بهذا الكلام الله ﵎ إلى أن نموت، فهذا دين رغم أنه من كلام عبد الله بن مسعود.
يقول: يا أيها الناس! عليكم بالطاعة.
يحث على طاعة الله ﷿ وطاعة رسوله.
ثم يقول: وعليكم بالجماعة -أي: تمسكوا بها.
قال: فإنهما السبيل- يعني: هما الطريق وكل طريق غير هذا فإنه ليس بطريق- فإنهما السبيل الأصيل إلى حبل الله الذي أمر به.
قال: وأن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة.
يعني: أحيانًا الواحد مع إخوانه الدعاة يخالفهم في الرأي، فإذا كان هذا الاختلاف عن دليل واضح ظاهر فلا ينبغي مخالفته، فإنه على الحق المبين، والآخرين على غير ذلك؛ لأنه معه الدليل، أما إذا كان الاختلاف في الاجتهاد والفهم فيكون الحق مع الجماعة.
وأنتم تعلمون أن قصر الصلاة في منى وفي مكة في موسم الحج مسنون لكل من كان حاجًا سواء كان من أهل مكة أو من غيرها، ولا تزال الأمة سلفًا وخلفًا يقصرون الصلاة في موسم الحج، ولما جاء عثمان بن عفان ﵁ أتم الصلاة في منى وخالفه عبد الله بن مسعود، وكان عبد الله بن مسعود في ذلك الوقت إمام الكوفة، فأتى حاجًا في زمن عثمان، فصلى خلفه في مسجد الخيف الظهر أربعًا والعصر أربعًا، فلما استفتي في ذلك: يا أبا عبد الرحمن.
أليس من السنة أن نصلي قصرًا؟ قال: بلى.
السنة أنك تصلي قصرًا.
فقيل له: فلم صليت خلف عثمان أربعًا؟ قال: الاختلاف شر.
فلو كنت أنا مكان عبد الله بن مسعود سأقف في زاوية من زوايا مسجد الخيف وأحضر كرسيًا وأجلس عليه وأقول: أيها الناس! هلموا إلي أنتم تعملون أن الأمر كيت وكيت وكيت، والنبي ﷺ قصر، وأبو بكر قصر، وعمر قصر، وإن الرجل الذي قصرتم وراءه مبتدع، وأرجو ألا يصلي أحد خلفه! فلو كان عبد الله بن مسعود عمل ذلك، فإنها ستكون فتنة عظيمة جدًا في موسم الحج، وربما انشغل الناس بها وتركوا الفريضة.
فانظروا إلى حكمة ابن مسعود ﵁.
إن عبد الله بن مسعود ترك النصوص الصريحة الصحيحة وتابع عثمان بن عفان؛ وذلك لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ومن أعظم أغراض الشريعة أنها أتت للحفاظ على المال والحفاظ على العرض والحفاظ على البدن، فلو أننا لم نأخذ برأي عثمان بن عفان في هذا الظرف فإنه سيحصل إهلاك وإفساد لكل ما أتت به الشريعة من المال والعيال والدماء والأرواح.
وبينما كان ابن مسعود في المدينة مع عثمان بن عفان؛ رجع عثمان إلى رأيه وسارت الأمور على ما يرام.
إذا كان النبي ﵊ سن لنا أربع ركعات أو سن لنا ركعتين فما المشكلة في ذلك؟ خاصة أن مذهب جماهير أهل العلم أن قصر الصلاة ليس بواجب بل هو مسنون إلا ما كان من أبي حنيفة فإنه قال: القصر واجب، فلما نأخذ بمذهب الجمهور فإنه والله العصمة والنجاة، فوالله ما رأينا في مذهب الجمهور قط إلا العصمة حتى في الفروع، والحمد لله ﵎.
جميع أئمة الدين مجمعون على العقيدة إلا ما كان من البعض في بعض مسائل الخلاف، وهي مسائل معلومة معدودة نتعرض لها بإذن الله ﵎، والخلاف فيها لا يبدع به المخالف.
مثال ذلك: رؤية النبي ﵊ لله ﷿ في ليلة الإسراء والمعراج، فالسلف أنفسهم اختلفوا فيها، فمنهم من قال: رأى محمد ربه، ومنهم من قال: إنه رأى نوره ﷾.
فلو قلت: إن محمدًا رأى ربه، أو قلت: إنه لم ير ربه فإن لك فيها سلفًا من الصحابة ﵃ كـ ابن عباس ﵄، وعائشة وغيرهم من الصحابة ﵃، فلو اعتقدت أنه قد رآه أو اعتقدت أنه لم يره فإنك لا تبدع بذلك.
إذًا: المسألة التي اختلف فيها أهل العلم لا يبدع فيها المخالف، ولكن تنجو يا أخي المسلم! باتباع السواد الأعظم، باتباع جماهير علماء الأمة في الاعتقاد وفي الفروع؛ فإن اتباعهم عصمة ونجاة.

6 / 13