Sharh Usool I'tiqad Ahl al-Sunnah by Muhammad Hassan Abdul Ghaffar
شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي - محمد حسن عبد الغفار
اصناف
ثبوت صفة الكلام لله ﷿ في الكتاب والسنة والإجماع
صفة الكلام صفة ثابتة لله جل وعلا بالكتاب والسنة والإجماع والعقل، وصفة الكلام لله جل وعلا صفة كمال، والعقل يدل على أن القرآن كلام الله.
والصفات الخبرية لا يدخل فيها العقل، فكلام الله صفة ثابتة لله جل وعلا أزلية لا يزال الله جل وعلا ولم يزل متصفًا بها، فالأصل فيها: أنها ذاتية، قديمة النوع حادثة الأفراد، لا تنفك عن الله جل وعلا، وهي صفة كمال وجلال، فالأخرس ناقص، والمتكلم كامل، فإن كان في البشر المتكلم كامل، فالله جل وعلا أحق بهذا الكمال، وثبوت كلام الله جل وعلا ثابت من الكتاب ومن السنة والإجماع والعقل.
الكتاب: قال الله تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى:٥١].
وقد دلت الأدلة الكثيرة على أن الله قد تكلم مع كثير من خلقه، منهم: أولًا: الملائكة.
ثانيًا: الرسل.
ثالثًا: الجمادات من خلقه تكلم الله معها.
رابعًا: إبليس اللعين.
خامسًا: تكلم الله مع من لم يفهم ولا ينطق، لكن الله جل وعلا أفهمه وجعله ينطق، وهاك الأدلة من الكتاب والسنة: قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر:٢٨ - ٢٩]، وقال جل وعلا: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة:٣٠]، يبقى إذًا الملائكة سمعت كلام الله جل وعلا، وأيضًا قال: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا﴾ [البقرة:٣٤].
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: (إذا أحب الله عبدًا -جعلنا الله وإياكم ممن يحبهم الله جل وعلا- نادى من السماء -بصوت مسموع- أي جبريل! إني أحب فلانًا، فيحبه جبريل)، إلى آخر الحديث.
وأيضًا في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ: (إن الله يوم القيامة يتكلم بصوته، فيسمعه من بعد كما يسمعه من قرب).
وأيضًا تكلم الله جل وعلا مع البشر، وهذا شرف عظيم للبشر، فقد تكلم الله مع آدم وحواء، تكلم مع آدم كما قال: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ [البقرة:٣٣]، فتكلم معه انفرادًا، وتكلم معه ومع زوجه، قال الله تعالى: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأعراف:٢٢].
فتكلم الله مع آدم وتكلم مع حواء، فسمعت حواء صوت الحق جل وعلا، وسوف يمتعنا الله بصوته يوم القيامة.
وتكلم الله جل وعلا مع بعض الرسل كلامًا غير الوحي، وهو موسى ﵇، قال الله جل وعلا: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء:١٦٤]، وقال جل وعلا ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ [الأعراف:١٤٣]، فقد تكلم الله جل وعلا مع موسى.
وتكلم الله مع أحب الخلق له وإليه وأكرم الخلق عليه، وهو الرسول ﷺ كما في حديث الإسراء: (لما صعد النبي ﷺ وراجع ربه فقال له موسى: ارجع؛ فإن قومك لا يستطيعون، فراجع الله جل وعلا حتى جعلها خمس صلوات وبالأجر خمسين صلاة) فكلمه الله جل وعلا، وسمع محمد ﷺ صوت الحق جل وعلا.
أيضًا: كلم الله جل وعلا الجمادات، والجمادات خلقها الله لما خلق السماء في يومين، وأوحى فيها أمرها، وخلق الأرض وسواها في أربعة أيام سواء للسائلين، قال تعالى: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت:١١].
وتكلم الله جل وعلا مع القلم، ففي الصحيح عن النبي ﷺ قال: (أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، فسمع القلم من الله، وخط وكتب كل شيء إلى يوم القيامة.
أيضًا: تكلم الله جل وعلا مع الجنة ومع النار، قال الله تعالى في سورة (ق) للنار: ﴿هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق:٣٠]، وفي الصحيحين: (اختصمت الجنة والنار إلى الله جل وعلا، فقال الله للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وقال للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء)، وقال رسول الله ﷺ (واختصمت الجنة والنار أيضًا أمام الله جل وعلا، فأذن الله للنار بنفسين: نفس في الصيف وهو أشد ما تجدونه من الحر، ونفس في الشتاء وهو أشد ما تجدون من زمهرير).
وتكلم الله مع الجنة مع أنه بانيها، قال لها: (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء).
وتكلم الله مع اللعين إبليس، قال الله تعالى: ﴿قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ [الأعراف:١٤ - ١٥]، وأيضًا قال الله تعالى: ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾ [الأعراف:١٣]، فهذا إثبات واضح جلي بنص قطعي متواتر على أن الله تكلم مع مخلوقاته، وأن الله جل وعلا يسمع من يشاء بصوته جل وعلا.
ومن الطرائف، قيل: إنّ موسى ﵇ لما سمع قول الحق جل وعلا عاف صفات البشر، ولم يُردْ أن يسمع أحدًا لما سمع صوت الحق جل وعلا، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف:١٤٣] فسمع كلام الله جل وعلا، فعاف كلام البشر، أسمعنا الله وإياكم صوته في الجنة بإذن الله.
وتكلم الله جل وعلا مع أهل النار ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون:١٠٨]، وتكلم مع أهل الجنة كما في الصحيح عندما اطلع على أهل الجنة وقالوا له: (لبيك ربنا وسعديك والخير بيديك، قال: هل رضيتم؟ قالوا: وما لنا لا نرضى، لقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين)، والشاهد: فقال الله لهم: (أحل عليكم رضاي فلا أسخط عليكم أبدًا)، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم منهم.
فهذا إثبات من الكتاب والسنة على أن الله جل وعلا متكلم، يتكلم وقت ما شاء كيفما شاء.
12 / 5