Sharh Umdat al-Ahkam by Ibn Jibreen
شرح عمدة الأحكام لابن جبرين
اصناف
الاهتمام بمعاني الأذكار بعد الصلوات
وعلى المصلح أن يهتم بمعاني هذه الألفاظ ويستحضرها حتى يكون تأثيرها أقوى، فالتسبيح معناه التنزيه، فإذا قال: سبحان الله فمعناه: أنزه الله تعالى عن النقائص والعيوب، وأنزه الله سبحانه وتعالى عما يصفه به المشركون من الشريك والولد والوالد والكفء والند والشبيه والمثيل والنظير وما أشبه ذلك، أنزه الله عن النقائص من الجهل والسِنَةِ والنوم واللغوب وما أشبه ذلك، هذا مقتضى سبحان الله، يعني: تنزيهًا لله وتقديسًا له، وتعظيمًا له.
إذا قال: الحمد لله، فإن معناه أنه يثني عليه بصفاته التي هي صفات كمال، ويعترف بأنه المنعم المتفضل عليه وعلى غيره، وأن حمده له مقابل نعمه، ومقابل فضله ومقابل صفاته الاختيارية ونحوها.
وإذا قال: الله أكبر، فإن معناه التعظيم والإجلال والإكبار، وأن العبد صغير وحقير بالنسبة إلى كبرياء الله سبحانه، فالتكبير معناه التعظيم والإجلال، فإذا قال: الله أكبر، أي أنه أكبر وأعظم وأجل من كل شيء، وما سواه صغير حقير وهكذا، فيستحضر هذه المعاني عندما يقولها فيكون لها أثر في عقيدته، هذا هو السبب في شرعية هذه الأذكار التي جعلها النبي ﷺ قائمة مقام الصدقة، وهي لا تستغرق وقتًا كثيرًا يقولها، فقد يقولها الإنسان في خمس دقائق أو أقل، ولكن الكثير من الناس عندما ينصرفون من الصلاة يستبقون الأبواب ويذكرهم الشيطان بحوائجهم، أو يذكرهم بأمور تهمهم، وقد لا يكون لهم أغراض إلا مجرد الخروج والمسابقة إلى الأبواب، فيفوتهم هذا الخير، ولو أنهم حبسوا أنفسهم حتى يأتوا بهذا الذكر لحصلوا على هذا الخير الذي جعله النبي ﷺ قائمًا مقام الصدقات وقائمًا مقام العتق ومسببًا للحاق بالصالحين.
وفي هذا الحديث أن أثرياء الصحابة وأغنيائهم لما سمعوا الفقراء يسبحون سألوهم: ما هذا التسبيح والتكبير؟ فأخبروهم بأن النبي ﷺ علمهم ذلك، فصار أغنياء الصحابة يسبحون ويكبرون دبر الصلوات ثلاثًا وثلاثين، فذهب فقراء الصحابة إلى الرسول وقالوا: يا رسول الله! قد علم إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، وأنت تقول: (إنه لا يدرككم أحد إلا من عمل مثل ما عملتم)، فقال النبي ﷺ: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) أي: أن الله تعالى هو الذي تفضل عليهم وأعطاهم الأموال، وجعلها رخيصة عندهم بحيث إنهم ينفقونها في وجوه الخير، ولا يقتصرون على البعض، بل ينفقونها ويجودون بها، ثم أعانهم على الأعمال البدنية والأعمال القولية فهو فضل الله ومنته يؤتيه من يشاء، فيدل على أن الغني إذا عمل في ماله وعمل ببدنه أدرك من سواه.
20 / 7