Sharh Umdat al-Ahkam by Ibn Jibreen
شرح عمدة الأحكام لابن جبرين
اصناف
صفة السلام على النبي وحكمه والحكمة من مشروعيته في التحيات
ثم بعد ذلك يسلم على النبي ﷺ فيقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) فبعدما تقرب إلى الله بهذه التحية كان من المناسب أن يسلم على النبي ﷺ؛ لأنه رسول الله المبعوث منه إلى عباده فيناسب أن يسلم عليه.
الله تعالى قد أمرنا بذلك في قوله: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦]، فناسب أن يسلم عليه، والسلام عليه مثل السلام على سائر العباد؛ لأنك تقول لمن تسلم عليه: السلام عليك يا أخي، السلام عليكم يا إخوتي، السلام عليكم أيها المسلمون، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جاء بهذه التحية: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وهذه التحية هي تحية المسلمين التي بينها النبي ﷺ، والله تعالى قال: ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ [النور:٦١] .
ما صفة هذا السلام؟ لقد بينه النبي ﷺ، ثبت: (أنه ﵊ دخل عليه رجل فقال: السلام عليكم، فقال: وعليكم السلام ورحمة الله، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم جاء ثالث فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقالوا: لماذا لم تزده؟ فقال: إنه لم يترك لنا شيئًا) معنى: أنه أتى بالتحية كاملة وهي إلى قوله: (ورحمة الله وبركاته)؛ وذلك لأن الله تعالى ذكر الرحمة والبركة في حق آل إبراهيم في قوله تعالى: ﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود:٧٣] فلما ذكرت الرحمة والبركات ناسب أيضًا أن تذكر في التحيات، وناسب أن تذكر في التشهد.
ثم تتفاوت الدرجات والحسنات بحسب هذه التحية، ثبت: (أنه جاءه رجل فقال: السلام عليكم، فرد عليه وقال: عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه وقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه وقال: ثلاثون -يعني: ثلاثين حسنة- ثم قال: هكذا تتفاضل الأعمال) يعني: كل من زاد زاد له الأجر، وزادت الحسنات في حقه، فهذا هو الأصل في التحيات وفي السلام.
لا شك أن السلام دعاء، ولذلك يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀: السلام دعاء، والصالحون يدعى لهم ولا يدعون مع الله، ولما قال: (السلام عليك أيها النبي)، قال: تدعون له والذي يدعى له لا يدعى مع الله.
فأفاد أن الله تعالى يدعى ولا يدعى له، وأن النبي ﷺ يدعى له ولا يدعى، إنما الدعاء خالص لله وحق لله تعالى.
فهذا هو الأصل في مشروعية السلام على النبي ﷺ، والدعاء له بالرحمة التي هي زيادة البركة والخير، والدعاء له بالبركة التي هي كثرة الخير.
ويعتبر السلام على النبي ﷺ من تتمة التشهد لا يسقط بحال، يعني: هذه التحيات والصلوات والطيبات، والسلام على النبي تعتبر من أصل التشهد، لا يعفى عنه ولا يسقط.
أما السلام على عباد الله فإنه سنة، إن أتى به فهو فضيلة وإن لم يأت به لم تبطل صلاته، بخلاف السلام على النبي ﷺ.
19 / 7