شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
اصناف
قوله: "وقوله تعالى: {فاقطعوا أيديهما} قد فرعوا على هذا الأصل، وهو أن اسم الجنس لا يحتمل العدد مسألة عدم قطع يسار السارق في الكرة الثانية، وكلام القوم صريح في ابتنائها على أن المصدر الذي يدل عليه اسم الفاعل، وهو السارق لا يحتمل العدد قال فخر الإسلام رحمه الله تعالى، وعلى هذا يخرج أن كل اسم فاعل دل على أن المصدر لغة مثل قوله تعالى: {والسارق والسارقة} [المائدة:38] لم يحتمل العدد أي كل اسم فاعل دل على مصدره لم يحتمل مصدره العدد فاللام في المصدر عوض عن المضاف إليه، وضمير لم يحتمل لمصدره، وبه يحصل الربط فيصح الكلام، والحاصل أن المصدر الذي يدل عليه اسم الفاعل لا يحتمل العدد بمنزلة المصدر الذي يدل عليه الأمر فمعنى السارق الذي سرق سرقة واحدة، ولا يجوز أن يراد الواحد الاعتباري الذي هو مجموع السرقات، وإلا لتوقف قطع السارق على آخر الحياة إذ لا يعلم تحقق جميع سرقاته إلا حينئذ، وهو باطل بالإجماع ثم الواجب بسرقة واحدة قطع يد واحدة بالإجماع فالمعنى الذي سرق، والتي سرقت سرقة واحدة يقطع من كل منهما يد واحدة، وهي اليمنى بدليل الإجماع، والسنة قولا، وفعلا، وقرأ ابن مسعود أيمانهما فلا يكون قطع اليسرى مرادا أصلا، ولا يمكن تكرر الحكم بتكرر السبب لفوات المحل، وهو اليمين بخلاف تكرر الجلد بتكرر الزنا فإن المحل باق، وهو البدن، وكلام المصنف رحمه الله تعالى ظاهر في ابتناء هذه المسألة على مصدر الأمر أعني اقطعوا فإن الواحد الحقيقي متعين للإجماع على أنه لا يقطع بالسرقة إلا يد واحدة، وقطع اليمين مراد إجماعا فلا تدل الآية على قطع اليسار، ولا يتناوله النص، وإنما عدل عن تقرير القوم؛ لأن اسم الفاعل كالسارق مثلا عام، وعمومه يقتضي عموم المصدر ضرورة امتناع قيام الواحد الحقيقي بالمجموع، وجوابه أن المراد بالوحدة وحدة المصدر بالنسبة إلى كل فرد من أفراد السارق مثلا.
قوله: "فصل" لا نزاع في أن إطلاق الأداء، والقضاء بحسب اللغة على الإتيان بالمؤقتات، وغيرها مثل أداء الزكاة، والأمانة، وقضاء الحقوق، وقضاء الحج، والإتيان ثانيا بعد فساد الأول، ونحو ذلك، وأما بحسب اصطلاح الفقهاء فعند أصحاب الشافعي رضي الله عنه يختصان بالعبادات المؤقتة، ولا يتصور الأداء إلا فيما يتصور فيه القضاء فلهذا قالوا: الأداء ما فعل في وقته المقدر له شرعا أولا، والقضاء ما فعل بعد وقت الأداء استدراكا لما سبق له من الوجوب مطلقا، وقولهم مطلقا تنبيه على أنه لا يشترط الوجوب عليه ليدخل فيه قضاء النائم، والحائض إذ لا وجوب عليهما عند المحققين، وإن وجد السبب لوجود المانع كيف، وجواز الترك مجمع عليه، وهو ينافي الوجوب، والإعادة ما فعل في وقت الأداء ثانيا لخلل في الأول، وقيل: لعذر فالصلاة بالجماعة بعد الصلاة منفردا تكون إعادة على الثاني؛ لأن طلب الفضيلة عذر لا على الأول لعدم الخلل، وظاهر كلامهم أن الإعادة قسم مقابل للأداء، والقضاء خارج عن تعريف الأداء بقوله أولا بناء على أنه متعلق بقوله فعل فإن الإعادة ما فعل ثانيا لا أولا. وذهب بعض المحققين إلى أنها قسم من الأداء، وإن قوله في تعريف الأداء أولا متعلق بقوله: المقدر له شرعا احترازا عن القضاء فإنه واقع في وقته المقدر له شرعا ثانيا حيث قال عليه السلام: "فليصلها إذا ذكرها فذلك وقتها" 1 فقضاء صلاة النائم أو الناسي عند التذكر قد فعل في وقتها المقدر لها ثانيا لا أولا، وعند أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى الأداء، والقضاء من أقسام المأمور به موقتا كان أو غير موقت فالأداء تسليم عين ما ثبت بالأمر واجبا كان أو نفلا، والقضاء تسليم مثل ما وجب بالأمر، والمراد بالثابت بالأمر ما علم ثبوته بالأمر لا ما ثبت وجوبه به إذ الوجوب إنما هو السبب، وحينئذ يصح تسليم عين الثابت مع أن الواجب وصف في الذمة لا يقبل التصرف من العبد فلا يمكن أداء عينه، وذلك لأن الممتنع تسليم عين ما وجب بالسبب، وثبت في الذمة لا تسليم عين ما علم ثبوته بالأمر كفعل الصلاة في وقتها أو إيتاء ربع العشر.
والحاصل أن العينية، والمثلية بالقياس إلى ما علم ثبوته من الأمر لا ما ثبت بالسبب في الذمة، وعلى هذا لا حاجة إلى ما يقال: إن الشرع شغل الذمة بالواجب، ثم أمر بتفريغها فأخذ ما يحصل به فراغ الذمة حكم ذلك الواجب كأنه عينه، والثابت بالأمر أعم من أن يكون ثبوته بصريح الأمر كقوله تعالى: {أقيموا الصلاة} [الأنعام:72] أو بما هو في معناه كقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران:97]، ومعنى تسليم العين أو المثل في الأفعال، والأعراض إيجادها، والإتيان بها كأن العبادة حق الله تعالى فالعبد يؤديها، ويسلمها إليه، ولم يعتبر التقييد بالوقت ليعم أداء الزكوات، والأمانات، والمنذورات ، والكفارات، وقال: الثابت بالأمر دون الواجب به ليعم أداء النوافل فاعتبر في القضاء الوجوب؛ لأنه مبني على كون المتروك لا مضمونا، والنفل لا يضمن بالترك، وأما إذا شرع
1 رواه البخاري في كتاب الواقيت باب 037مسلم في كتاب المساجد حديث 309،314-316. الترمذي في كتاب الصلاة باب 16، 17. النسائي في كتاب المواقيت باب 53،54.ابن ماجه في كتاب الصلاة باب 10، 11، الموطأ في كتاب الوقوت حديث 025أحمد في مسنده "3/31؛44".
صفحہ 302