شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
اصناف
قوله: "وقلنا ذكر الأجزية مقابلة لأنواع الجناية"، والجزاء مما يزداد بازدياد الجناية، وينتقص بنقصانها،: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى:40] فيبعد مقابلة أغلظ الجناية بأخف الجزاء، وبالعكس فلا يجوز العمل بالتخيير الظاهر من الآية فوزعت الجمل المذكورة في معرض الجزاء على أنواع الجناية المتفاوتة المعلومة عادة حسب ما تقتضيه المناسبة على أنه روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وادع أبا بردة على أن لا يعينه، ولا يعين عليه فجاءه أناس يريدون الإسلام فقطع عليهم أصحابه الطريق فنزل جبريل عليه السلام بالحد فيهم أن من قتل وأخذ المال صلب، ومن قتل، ولم يأخذ المال قتل، ومن أخذ المال، ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، ومن جاء مسلما هدم الإسلام ما كان منه في الشرك، وفي رواية عطية عنه "ومن أخاف الطريق، ولم يأخذ المال، ولم يقتل نفي"، والمعنى أن كل جماعة قطعوا الطريق، ووقع منهم أحد هذه الأنواع أجرى على مجموعهم الجزاء المقابل لذلك النوع، وليس المعنى أن كل فرد من الجماعة يجري عليه جزاء ما صدر عنه فإن قلت قطع الطريق على المستأمن لا يوجب الحد فكيف حدوا بقطع الطريق على قوم يريدون الإسلام؟ قلت معناه يريدون تعلم أحكام الإسلام على أنهم أسلموا، ولو سلم فمن دخل دار الإسلام ليسلم فهو بمنزلة الذمي فيحد قاطع الطريق عليه، وقوله: "من قتل وأخذ المال صلب" حمل أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على اختصاص الصلب بهذه الحالة بحيث لا يجوز في غيرها لا على اختصاص هذه الحالة بالصلب بحيث لا يجوز فيها غيره بل أثبت فيها للإمام الخيار بين أربعة أمور القطع ثم القتل والقطع ثم الصلب، والقتل فقط والصلب فقط لأن حتى للغاية نحو {حتى مطلع الفجر} وحتى رأسها وقد تجيء للعطف فيكون المعطوف إما أفضل أو أخس وتدخل على جملة مبتدأة فإن ذكر الخبر نحو ضربت القوم حتى زيد غضبان وإلا يقدر من جنس ما تقدم نحو أكلت السمكة حتى رأسها بالرفع أي مأكول إن دخلت الأفعال فإن احتمل الصدر الامتداد والآخر الانتهاء إليه
وهو غير صالح لعتق هنا وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يحمل على الواحد للعين مجازا إذ العمل بالحقيقة متعذر ولو قال لعبيده الثلاثة هذا حر أو هذا وهذا يعتق الثالث ويخير في الأولين كأنه قال أحدهما حر وهذا يمكن أن يكون معناه هذا حر أو هذان فيخير بين الأول والأخيرين لكن حمله على قولنا أحدهما حر وهذا أولى لوجهين الأول أنه حينئذ يكون تقديره أحدهما حر وهذا حر وعلى ذلك الوجه يكون تقديره هذا حر أو هذان حران ولفظ حر مذكور في المعطوف عليه لا لفظ حران فالأولى أن يضمر في المعطوف ما هو مذكور في المعطوف عليه والثاني أن قوله أو هذا مغير لمعنى قوله هذا حر ثم قوله وهذا غير مغير لما قبله لأن الواو للتشريك فيقتضي وجود الأول فيتوقف
...................................................................... ..........................
هذه الجناية تحتمل الاتحاد من حيث إنها قطع المارة فيقتل أو يصلب، والتعدد من حيث إنه وجد سبب القتل وسبب القطع فيلزم حكم السببين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في العرنيين بقطع أيديهم، وأرجلهم، وأمر بتركهم في الحرة حتى ماتوا، وقد تعارضت الروايات في حديث ابن عباس ففي بعض الروايات أن من أخذ المال وقتل قطعت يده ورجله من خلاف وصلب فسقط الاحتجاج به وعندهما يتعين الصلب عملا بظاهر الحديث.
قوله: "ولهذا" أي ولكون أو لأحد الشيئين قال أبو يوسف ومحمد فيمن قال هذا حر أو هذا مشيرا إلى عبده ودابته أن كلامه باطل أي لغو لا يثبت به شيء لأن وضع أو لأحد الشيئين أعم من كل منهما على التعيين، والأعم يجب صدقه على الأخص، والواحد الأعم الذي يصدق على العبد والدابة غير صالح للعتق، وإنما يصلح له الواحد المعين الذي هو العبد، وفيه بحث لأن إيجاب العتق إنما هو على ما يصدق عليه أنه أحد الشيئين لا على المفهوم العام إذ الأحكام تتعلق بالذوات لا بالمفهومات ثم ظاهر هذا الكلام أنه لو نوى العبد خاصة لم يعتق عندهما، وفي المبسوط أنه يتعين بالنية، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لما تعذر العمل بالحقيقة أعني الواحد الأعم فالعدول إلى المجاز وهو الواحد المعين أولى من إلغاء الكلام وإبطاله، والمعين من محتملات الكلام كما إذا قال ذلك في عبدين له فإنه يجبر على التعيين بخلاف ما إذا قال في عبده وعبد غيره فإنه لا يتعين عتق عبده لأن عبد الغير أيضا محل لإيجاب العتق لكنه موقوف على إجازة المالك.
صفحہ 203