شرح طلعة الشمس على الألفية
شرح طلعة الشمس على الألفية
اصناف
الوجه الثالث: إنه نقل عن الصحابة رد خبر الواحد فيما تعم فيه البلوى، فرد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خبر الاستئذان، وذلك أن أبا موسى الأشعري أتى إلى منزل عمر فاستقام خارج عتبة الباب فقال: "السلام عليكم أأدخل؟" كرره ثلاث مرات فاستنكر عمر فعله ذلك فقال: "إنه من السنة"، فلم يقبل خبره حتى أتي بشاهد ورد أبو بكر حديث الجدة وهو أن - صلى الله عليه وسلم - فرض لها السدس حين رواه المغيرة حتى كثر الراوي والجواب الأول أن العادة تقضي بانتشار نقل ما يستعظم في النفوس وباستفاضة ما تستغربه ولا تقضي باستفاضة ما عدا ذلك، فغير المستغرب من التكاليف وغير المستعظم من الحوادث لا تقضي العادة باستفاضته كما هو معلوم بالمشاهدة، وإذا قضت العادة باستفاضة شيء دون شيء فلا يحمل ما لم تقض باستفاضته وانتشاره على الذي قضت فيه بذلك، والجواب عن الوجه الثاني أن بعض العمليات مشروع على جميع من بلغه علم فرضه كالصلوات الخمس، فإن التكليف بها عام فتجب استفاضة مثلها لأن الشارع خوطب بتبليغها إلى من أمكنه إبلاغها إليه وألزم السامعين تبليغها أيضا ففي هذا النوع لا يقبل خبر الواحد، فلو روى راو زيادة شيء من الفروض على هذه الفروض المتواترة قطعنا بكذبه، ومن المشروعات العملية ما يكون حكم الله تعالى من التكليف بها في ظن السامع صدقها فيلزمه العمل بها فهي واجبة على من انتهت إليه ولو بدون استفاضة وانتشار، فلا يلزم الشارع عليه الصلاة والسلام ولا أصحابة أن ينقلوا ذلك نقلا يحصل به التواتر والاستفاضة فلا خطأ على الأمة حين لم ينقلوا الآحاديات نقلا مستفيضا متواترا على أنه قد خفي على أكثرهم كثير من الأخبار حتى أن أكابرهم كانوا يبحثون في الحوادث الطارئة عن الأخبار النبوية فلو لزمهم جميعا نقل الأحاديث حتى تتواتر أو تستفيض ما خفي على أكابرهم شيء من ذلك وأيضا؛ فلو لزمهم
ذلك لخطؤوا من كان معه حديث ولم ينقله نقلا يكون به مستفيضا، فظهر أنه لا خطأ على الأمة في شيء من ذلك، أما الحديث الذي نقلته بسرة فيحتمل أنها سألته - صلى الله عليه وسلم - عن حكم ذلك تفقها أو أن غيرها أرسلها تسأل عنه احتياجا غليه فنقلته فلا يلزم شيء من الإلزامين الباطلين، والجواب عن الوجه الثالث أن عمر وأبا بكر لم يردا الحديثين قبل أن تكثر رواتهما من اجل أن الحديثين مما تعم فيه البلوى لكن ردا ذلك شكا في الراوي لضعفه.
صفحہ 24