شرح طلعة الشمس على الألفية
شرح طلعة الشمس على الألفية
اصناف
- وثانيهما: إنكار ارتفاع الشرائع السالفة بشريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو أيضا باطل، وما اعتذر به عنه من أن مراده بذلك أن الشريعة المتقدمة مؤقتة إلى ورود الشريعة المتأخرة، إذ ثبت في القرآن أن موسى وعيسى عليهما السلام بشرا بشريعة نبينا عليه الصلاة والسلام، وأوجبا الرجوع إليه عند ظهوره، وإذا كان الأول مؤقتا لا يسمى الثاني ناسخا باطل أيضا؛ لأنه يلزم عليه إنكار صور تسمية النسخ نسخا مع ثبوت النص بذلك، على أنا لا نسلم أن البشارة والإيجاب يقتضيان توقيت أحكامها لاحتمال أن يكون الرجوع إليه لكونه مفسرا أو مقررا أو مبدلا للبعض دون بعض، فمن أين يلزم التوقيت بل هي مطلقة يفهم منها التأبيد، فتبديلها يكون ناسخا، ولو سلم، فمثل التوجه إلى بيت المقدس والوصية للوالدين، ووجوب ثبات العشرين للمائتين كان مطلقا، فرفع إما ما احتج به من ظاهر قوله تعالى: { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } (فصلت: 42)، فأجيب عنه بأن المراد لم يتقدمه من كتب الله ما يبطله ولا يقع بعده ما يبطله، وحاصل الجواب أن الإبطال ليس هو عين النسخ، بل الإبطال في الآية إنما هو بمعنى إظهار البطلان والإبطال بهذا المعنى غير النسخ، قال البدر الشماخي رحمه الله تعالى: "وحمل أي النافي للوقوع أكثر الآيات التي وقع فيها النسخ على التخصيص، والرد عليهم بالإجماع على أن شريعتنا ناسخة لما قبلها، والله أعلم.
ثم إنه أخذ في بيان محل النسخ، فقال:
يكون في الأمر وفي النهي وإن ... بصيغة الإخبار جاء فاستبن
ما لم يكونا في صفات الباري ... ولا يصح النسخ للأخبار
وصح فيهما وإن تقيدا ... بمقتضى الدوام نحو أبدا
لأن ما فيه من التأبيد ... منحصر في ذلك التمديد
كنحو صوموا أبدا لأنما ... معناه حتى ينسخ الحكم أعلما
اعلم أن الأمر والنهي الشرعيين هما محل النسخ الشرعي، فيكون فيهما، وإن وردا بصيغة الخبر، كأمرتكم بكذا، ونهيتكم عن كذا، ومنه: { أحلت لكم بهيمة الأنعام } (المائدة: 1)، { حرمت عليكم الميتة } (المائدة: 3)، { ولله على الناس حج البيت } (آل عمران: 97)، ونحو ذلك من الآيات؛ لأن المقصود منها إنما هو إباحة الشيء أو تحريمه أو إيجابه، وهو معنى الأمر والنهي، وليس المراد منها الإخبار عن الحل والتحريم، والإيجاب الواقع في الماضي، حيث لا يمكن تغيير مدلول الأخبار عنها، لكن يشترط في صحة النسخ في الأمر والنهي المذكورين أن يكونا فرعيين، فلا يصح نسخهما إذا وردا في معرفة الله تعالى، أو معرفة صفاته، ك { فاعلم أنه لا إله إلا الله } (محمد - صلى الله عليه وسلم - : 19)، ونحو ذلك، وكذلك لا يصح نسخهما في نحو: { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } (المائدة: 92)، { لا تعبدوا الشيطان } (يس: 60).
صفحہ 273