215

شرح طلعة الشمس على الألفية

شرح طلعة الشمس على الألفية

اصناف

وأجيب عن الثاني: أن إلغاء الحقيقة مع إمكانها لا يجوز، وقد أمكنت الحقيقة هاهنا؛ لأن حقيقة الباء للإلصاق، وهو حاصل في مسح الرأس، أما آية التيمم؛ فالباء فيها زائدة عند من أوجب استيعاب مسح العضو في التيمم للحديث المشهور، وهو قوله عليه الصلاة والسلام لعمار - رضي الله عنه - : " يكفيك ضربتان، ضربة للوجه وضربة للذراعين"، فإن الوجه اسم للكل، فلولا الاستيعاب لزم أن يراد به البعض، ولأن التيمم خلف عن الوضوء، والوضوء مستوعب؛ فكذا حكم خلفه؛ لأن الخلف لا يخالف الأصل أصلا، ولأن المسح بالصعيد في العضوين قائم مقام الوضائف الأربع، وإنما نصفن للتخفيف، ولا شك أن كل تنصيف يقتضي بقاء الباقي على ماكان عليه من الوصف، كصلاة المسافر وعدة الإماء وحدود العبيد ونحو ذلك، وقيل: إن مسح الأكثر في التيمم يجزؤ أيضا عملا بحقيقة الباء في: { فامسحوا بوجوهكم } (النساء: 43)، وقياسا على مسح الرأس، والله أعلم، ثم قال:

ولاستعانة فتدخل الثمن ... نحو اشتريته بألف فافهمن

تكون الباء للاستعانة أيضا، وهي طلب المعونة بشيء على شيء، مثل: كتبت بالقلم، وقيل: إنها راجعة إلى الإلصاق؛ لأن الإلصاق معنى لا يفارق الباء، ولهذا اقتصر عليه سيبويه، فالاستعانة على هذا القول إنما هي مستفادة من القرائن، وهو الصحيح عندي دفعا للاشتراك، ولظهور معنى افلصاق في جميع مدخولات الباء ما لم تستعمل في غير ما وضعت له مجازا، وتفيد الاستعانة فيما إذا دخلت على الوسائل والآلات، إذ بها يستعان على المقاصد، ومن الوسائل الأثمان، كما في اشتريت هذا العبد بألف، فإن المقصود الأصلي من المبايعة هو الانتفاع بالمملوك، وذلك في الشيء المبيع، والثمن وسيلة إليه؛ لأنه في الغالب من النقود التي لا ينتفع بها بالذات بل بواسطة التوسل بها إلى المقاصد بمنزلة الآلات، ولذا اشترط وجود المبيع لصحة البيع لا وجود الثمن، والله أعلم، ثم قال:

وقد أتت على للاستعلاء ... حقيقة وحتم الاقتضاء

والشرط نحو طالق على كذا ... وعوض كبعته على كذا

لفظ على موضوع حقيقة للاستعلاء صورة، كركبت الفرس، ونحو: { وعليها وعلى الفلك تحملون } (المؤمنون: 22)، وهو الغالب، أو معنى نحو: تأمر عليهم، ونحو: { ولهم علي ذنب } (طه: 14)، ونحو: { فضلنا بعضهم على بعض } (الإسراء: 21)، والأول: استعلاء حقيقي، والثاني: مجازي، ثم وضعت على بالوضع الشرعي أو العرف العام لشيئين:

صفحہ 238