شرح رياض الصالحين - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر المسلمين، ومن أسباب خيرية وتفضيل هذه الأمة على سائر الأمم، فبه تحفظ معالم الدين الحنيف، وتظل هيبة الإسلام قائمة في النفوس، وقائمة على الأرض.
1 / 1
ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
1 / 2
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه خير الدنيا والآخرة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي ﵀: [باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:١٠٤].
وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:١١٠].
وقال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:١٩٩]، وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [التوبة:٧١].
وعن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)].
هذا الباب من هذا الكتاب العظيم رياض الصالحين يذكر فيه الإمام النووي ﵀ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص هذا الدين العظيم، فقد جاء في القرآن آيات كثيرة في أن ربنا ﷾ أمرنا أن تكون منا أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهذا فيه خير الدنيا وفيه خير الآخرة، والذي ينظر إلى هذا الدين العظيم ويتأمل في قواعده الكلية وأصوله العظيمة، وفروعه ومسائله، يعرف أن هذا دين الله ﷾، وأنه الدين الذي فيه صلاح معاش الناس، وأن بغيره تضيع الدنيا الآخرة، فالدين فيه قوام حياة كل إنسان والإنسان يشعر بإنسانيته حين يتبع هذا الدين العظيم، ويشعر المؤمن بعزة يستمدها من هذا الدين، وعزة من الله ﷿ يعز به المؤمنين، ويستشعر كيف أن البعيد عن هذا الدين في ذل عظيم ما دام في بعده عن دين الله وعن طاعته، فربنا خلق العباد ليبتليهم أيهم أحسن عملًا، وليبتلي بعضهم ببعض، ويبتلي المؤمن بالكافر والمطيع بالعاصي، والبر بالفاجر، والمستقيم بالمنحرف.
ولو كان الناس كلهم على الاستقامة، والأمر كله عبارة عن أكل وشرب ولعب ولهو وراحة لأصبحت آخرة لا دنيا، فربنا خلق الدنيا لتكون حياة قصيرة وسماها دنيا، والدنيا اسم مأخوذ من الدنو والدنو هو القرب، والبعيد هو الأجمل وهي الدار الحيوان، أي الحياة الدائمة المقيمة فالمؤمن من يبيع الدنيا ليشتري الآخرة، فالدنيا فيها بساتين، والإنسان ينظر ويتنعم ويأكل ويفرح ويشتهي أشياء وينالها، لكن كل هذا جعله ربنا لنا مثالًا صغيرًا لتعرف أن وراء ذلك ما هو أعظم بكثير، فإن أكلت في الدنيا وجدت من الأكل شهوتك وأخذت منه حاجتك وبعد ذلك أخرجته فألقيته في القمامة وهذه نهاية أكل الدنيا.
وأكل الآخرة بعكس أكل الدنيا تمامًا، فلا بول ولا غائط في الجنة ولكن عرق كريح مسك، ولا تخمة ولا مرض فالدار الآخرة دار استمتاع تستمتع بها فحين يدلنا ربنا ﷾ على ذلك يتفكر الإنسان في سبب وجودنا في هذه الدنيا، والسبب هو الامتحان والبلاء لكي نحصل على الجزاء يوم القيامة، وليتعب الإنسان في الدنيا ليرتاح في الآخرة.
ومن تعب الإنسان أن يتعب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
1 / 3
حسن الخلق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قوله: (الأمر بالمعروف) وكأن اللام هنا لام الجنس، وهو كل ما عرفته الشريعة لك بأنه أمر حسن، ولن تستطيع الأمر بالمعروف إلا إذا تعلمت القرآن والسنة عن طريق سؤال أهل العلم، يقول تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٤٣]، فإذا تعلمت القرآن تعلمت السنة، وتعلمت الخلق الحسن من الكتاب ومن السنة.
فإذا أمرت بالمعروف لا يكون الأمر بالمعروف هو عين المنكر، وإذا نهيت عن منكر لا يكون نهيك عن المنكر منكرًا، فتنهى بصورة منكرة وبفعلك تنفر الخلق عن دين الله، فهذا لا ينبغي.
فالأمر بالمعروف لا بد أن يكون بحكمة وموعظة حسنة، وكذلك النهي عن المنكر، فتحصل على الخير العظيم في الدنيا وفي الآخرة، يقول ﵊: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه)، فيجب أن يكون الإنسان رفيقًا يحبه الناس، ولا ينبغي أن يكون غليظًا شديدًا يبغضه الناس، والمحبوب من الناس يجد استجابة له منهم.
قال ربنا ﷾ هنا: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ﴾ [آل عمران:١٠٤] واللام لام الأمر، أي لتوجد منكم وكأن الأمر هنا بالإيجاد أي: أوجدوا ذلك، وكونوا على ذلك، وإعراب كلمة (أمة): فاعل مرفوع، وفعل الأمر في بداية الجملة تام وليس ناقصًا.
وصفاتهم: ﴿يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران:١٠٤]، يدعون إلى الخير، أي الخير الموجود في هذا الدين، والدين كله خير، والذي يتأثر بالدين يستشعر حلاوته في لسانه وفي قلبه، وتستشعر حلاوة الدين عندما تقرأ القرآن وكذلك تتذوق حلاوة كلام رب العالمين، وكلام النبي ﷺ في قلبك، وتستشعر زيادة الإيمان، وعليك أن تدعو وليست عليك النتيجة، فالنتيجة لم يكلف بها أحد لا نبي ولا رسول ولا ولي ولا آحاد الناس، والذي عليك فقط أن تدعو الله ﷿ بالحكمة والموعظة الحسنة.
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [آل عمران:١٠٤] أي: بكل ما أمر الله ﷿ به وأمر النبي ﷺ به.
(وينهون عن المنكر) اللام لام الجنس أي: جنس المنكر فأي منكر ولا بد وأن ينهى عنه ولكن بحسب طريقة النهي، فلا بد أن يكون الناهي حكيمًا حليمًا، يكون مخلصًا يرجو في أمره ونهيه أن يستجيب الناس وبهذا تحققت استجابة الناس، ولعل الإنسان إذا أمر استجاب الإنسان.
﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:١٠٤] والفلاح هو النجاح، والنجاح قد يكون مؤقتًا، وقد يكون دائمًا، والمقصود في الآية هو النجاح الأبدي الذي لا خسارة بعده.
1 / 4
الأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين
ويمدح الله المؤمنين بالخيرية في الآية السابقة، ولكن سبب الخيرية عائد على الله فهو أهل المنة والفضل، قال الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:١١٠] بسبب أنكم ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:١١٠].
والله ﵎ قال للنبي ﷺ والمؤمنين بالتبع: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف:١٩٩] أي: ليكن من خلقك العفو عمن يسيء إليك.
﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف:١٩٩] أي بالمعروف من هذه الشريعة.
﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:١٩٩]، فبدأها بالعفو وأنهاها بالعفو أيضًا، فدل ذلك على منزلة العفو العظيمة عند الله سبحانه، وكأنه يقول: إنه طالما أنت متوجه لدعوة الخلق لابد وأن تؤذى، وليس شرطًا أنه كلما أوذيت انتصر لك ربنا، ولكن اصبر وخذ بالعفو، فيعفى عنك يوم القيامة.
﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:١٩٩] لا تنشغل بالجاهل، وليس المقصود بالجاهل هنا الذي ليس متعلمًا، ولكن المقصود: جاهل الأخلاق وصاحب الأخلاق السيئة وقد ذكر الله هذا الصنف من الناس في آية أخرى قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ﴾ [الفرقان:٦٣]، الجاهلون سيئو الخلق، والناس الذين في أنفسهم شر وسوء أدب، فإذا خاطبوا عباد الرحمن قالوا سلامًا، أي: قالوا قولًا كريمًا، وأكرموا أنفسهم عن الوقوع في اللغو مع هؤلاء، وأكرموا أنفسهم أن يهينوها بالوقوع في المخاصمة مع هؤلاء.
والإنسان قد يتعرض للمعاملة مع شياطين الإنس وشياطين الجن، فأما شياطين الجن فأنت مأمور بالتعوذ بالله ﷿، وربنا يعلمنا ﷾ أن نتعوذ بالله من همزات الشياطين، قال ﷿: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون:٩٧ - ٩٨]، فتقول: أعوذ بالله السميع من الشيطان الرجيم إلى ما ذكر عن النبي ﷺ.
أما شيطان الإنس فعليك أن تعرض عنه وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وتحاول عدم الدخول معه في المصادمة، لعل الله في يوم من الأيام يهدي هذا الإنسان.
يقول لنا ربنا ﵎: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة:٧١] والتولي هو المناصرة وكأنه يقول: كن مع أخيك المؤمن في عسره ويسره، والنبي ﷺ يوضح لنا: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)، إن كان ظالمًا فانصره على نفسه وخذ منه الحق لصاحب المظلمة، وإذا كان مظلومًا فأعنه أن يأخذ حقه، وكن مع أخيك المؤمن توله بالخير يتولك الله ﷾ بالنصر والتأييد، ومن سياق الآية: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة:٧١] يتبين أنه لا ولاية بين المؤمن والكفار، وبهذا تنتفي كل معاني مناصرة ومحبة المؤمن للكافر.
ثم يبين الله سب موالاة المؤمنين لبعضهم وهو أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والمؤمن يحب من أخيه تقواه ويحب منه أنه يعلم الناس الخير، ويحب منه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
1 / 5
لعن بني إسرائيل لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال الله ﵎: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [المائدة:٧٨] وسبب لعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم على نبينا وعليهم الصلاة والسلام: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [المائدة:٧٨]، فقد كانوا أشد الناس عصيانًا لله ﵎، وخروجًا عن أمره وتحايلًا على معصيته سبحانه، فلعنهم الله ﷿ على لسان داود وعيسى بن مريم.
﴿كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ [المائدة:٧٩]، فاستحقوا اللعنة بسبب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
﴿كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ﴾ [المائدة:٧٩] أي: لا ينهى بعضهم بعضًا، فكان اليهودي ينظر إلى الآخر ويعمل المنكر فلا يأمره بالمعروف، فتساهلوا إتيان المنكرات.
وقد أمرهم الله باتخاذ الجمعة لهم عيدًا، فقالوا: نريد السبت؛ لأن الله انتهى من الخلق يوم الجمعة واستراح من عناء الخلق يوم السبت، فافتروا على الله الكذب بقولهم، وقالوا راحتنا تكون يوم السبت، فأمرهم بالامتناع عن العمل يوم السبت، وكانت الأسماك تكثر في البحر يوم السبت غير بقية الأيام، وهذا فيه تمحيص لصدق إيمانهم، فكانوا يتحايلون على الله بحيل سخيفة ومنها: أن الواحد منهم كان يضع شباك الصيد يوم الجمعة فتعلق الأسماك بها يوم السبت فلا يرفعون الشباك إلا في اليوم الآخر وهم يظنون أنهم بذلك قد أفلحوا في التحايل على الله، فكانت تفوح رائحة الأسماك من بيوت الذين كانوا يعملون هذه الحيل، فأمهلهم الله ولم يعاقبهم، فقام اليهود بعمل هذه الحيلة.
فأنزل الله ﵎ ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف:١٦٥]، ومنهم الذين اعتدوا في السبت فقد لعنهم الله ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [المائدة:٧٨] فاعتدوا في يوم السبت أي: تعدوا حرمات الله سبحانه وبعد ذلك أكلوا هذه الأسماك وفرحوا مؤقتًا حتى أتاهم العذاب فكانوا عبرة لغيرهم.
قال سبحانه: ﴿كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة:٧٩] أي: لا ينهى بعضهم بعضًا، فقال: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة:٧٩] إذا عمل الواحد منهم المعصية لا يجد واحدًا ينهاه، فيسكت الساكت عن رضا بما يعمله الآخر من معصية فسمى الله ﷿ عدم نهيه عن المنكر فعلًا وقال: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة:٧٩].
وقال الله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف:٢٩] أي: قد جاء الحق من عند الله ﷿ ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف:٢٩] فالله ﷾ هو الغني، والخلق كلهم فقراء إلى الله ﷿، وإذا عمل الإنسان عملًا صالحًا انتفع هو ولم يزد الله ﷿ شيئًا، وإذا عمل الإنسان عملًا غير صالح أضر نفسه وأهلكها، ولم يضر الله ﷾، فلا يضر العاصي إلا نفسه.
قال تعالى للنبي ﷺ: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ [الحجر:٩٤] فأمره أن يبلغ للناس هذا الدين، والصدع هو رفع الصوت، والمقصود به: أن يجهر بالحق ﷺ.
قال تعالى: ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف:١٦٥] أي: عذاب شديد، وهو من أشد وأفظع ما يكون، ويكفي أن أصبحوا وقد مسخ الذين كانوا يصطادون يوم السبت قردة وخنازير، وظلوا على هذه الحالة ثلاثة أيام ثم أهلكهم الله ﷾.
1 / 6
شرح حديث: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده)
من الأحاديث التي جاءت في هذا الموضوع العظيم حديث لـ أبي سعيد الخدري ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، ويكون هذا على حسب القدرة والاستطاعة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير المنكر الذي أمامه.
(من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده) وكأن المعنى المنكر الذي لا يتغير إلا بيد، لا يصح فيه إلا ذلك، كأن يخطف شخص امرأة ويريد أن يزني بها، ففي هذه الحالة لا بد من استعمال اليد، لأنها من الحالات التي لا بد أن يستعمل الإنسان فيها يده، فإنها لا تنفع النصيحة باللسان في مثل هذه الحالات، ولكن إذا لم تستطع أن تغيره بيدك كأن يكون مع الخاطف مثلًا سلاح، فأمر باللسان وحاول أن تنصحهم بلسانك، أما إذا أراد كل من يريد أن يتكلم فأقل حاله فيها أن يكره الإنسان هذا الشيء القبيح وهذا الفعل السيئ، وأن ينكر هذا الشيء بقلبه.
جاء رجل إلى النبي ﷺ يستأذنه أن يزني، فقال له النبي ﷺ: (ادن! أترضاه لأمك؟! قال: لا، قال: وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لأختك؟! قال: لا.
جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم، أترضاه لابنتك؟! قال: لا.
جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يرضونه لبناتهم، ثم دعا له النبي ﷺ، قال: فما كان شيء أبغض إليه من الزنا)، فلو ضربه في هذا الوقت لما أفاده، ولكنه خاطب عقله وقلبه ودعا له فرقّ قلب الإنسان، وإذا به يستشعر قبح ما كاد أن يقع فيه.
فلذلك ليس شرطًا أن تغيره بيدك أول ما تراه، فالأمر في الحديث ليس هذا مقصوده، وإنما القصد أن تستخدم يدك في الضرورة، وقد يكون تغيير المنكر لا يحتاج حتى إلى كلام، فهناك أشخاص مجرد النظر إليهم وهم في معصية يجعلهم يتركونها حياءً، وقد يكتفي بالإشارة، فادفع بالأسهل إلا إذا اقتضى الأمر، فقد جاء رجل يسأل الرسول ﵊: (أرأيت إن جاء رجل يأخذ مالي؟ قال: لا تعطه قال: فإن أبى فقاتلني؟ قال: فقاتله، قال: فإن قتلني؟ قال: أنت في الجنة وأنت شهيد، قال: فإن قتلته؟ قال: هو في النار)، ففي البداية ابدأ بوعظ هذا الإنسان.
والغرض أن الإنسان إذا أمر بالمعروف عليه أن يتقي الله سبحانه ويرجو أن ينقذ أخاه العاصي من النار، لعل الله ﷾ ييسر بكلمة صالحة أن ينتهي هذا عن باطله ويرجع إلى رشده.
نسأل الله ﷿ أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 7
شرح رياض الصالحين - تحريم الظلم والأمر برد المظالم [١]
حرم الله الظلم على نفسه، ثم حرمه على عباده، وذلك لما له من تأثير سيء على حياة الناس؛ فبه تسود شريعة الغاب، وينعدم الأمن والعدل، ويأكل القوي الضعيف، ولذلك حذر منه الإسلام، وتوعد الظلمة وعيدًا تقشعر منه الأبدان، وترجف له القلوب.
2 / 1
جريمة الظلم وتحريمه في الكتاب والسنة
2 / 2
ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
وبعد: المراد بتحريم الظلم: هو الأمر برد المظالم، قال الله تعالى: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر:١٨]، وقال تعالى: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [الحج:٧١].
وعن جابر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم).
رواه مسلم.
وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) رواه مسلم.
والآيات في منع الظلم كثيرة، والأحاديث أيضًا كثيرة.
ولكن هذا للتذكرة وهذه مهنة هذا الكتاب العظيم حيث إن الأحاديث التي فيه لا يجهلها أحد، فأكثر الأحاديث يحفظها كثير منا أو قد سمعها قبل ذلك، ولكن النووي جمع بين الأحاديث في باب واحد، ليذكرنا بهذه الأحاديث.
فهو يجمع بين الأحاديث في باب واحد ويذكرنا بهذه الطريقة الجميلة، فيسرد الآيات في المسألة ويسرد الأحاديث حتى تتفكر أنت في الآيات وفي الأحاديث، وتنظر: هل الإنسان واقع في هذا الذنب الذي هو مذكور في هذا الباب؟ وقد عرفنا من القرآن أن ربنا ﷾ حرم علينا الظلم، وعرفنا من السنة كذلك، فمن الآيات قوله سبحانه: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر:١٨].
وأعظم الظلم الظلم الأكبر: وهو الشرك بالله، أو الكفر بالله ﷾، يلي ذلك ظلم الإنسان لغيره، وظلمه لنفسه، والظلم ظلمات يوم القيامة.
فالظالم ليس له حميم، والحميم: القريب الذي يحبه ويشفق عليه، فلن يجد له أحدًا يحبه، ولا يشفق عليه يوم القيامة، يوم تجد كل إنسان يقول: نفسي نفسي! حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقولون: (نفسي نفسي! إن الله قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله).
يقولها كل الأنبياء بلا استثناء ما عدا نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فهو الذي يقول: يا رب! أمتي أمتي، صلوات الله وسلامه عليه، بل إذا كان الإنسان يوم القيامة يفر من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، فكيف بالظالم؟ قال تعالى: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ [المعارج:١١].
يتمنى أن يفتدي المجرم بابنه ويسلم هو من العذاب يقول: خذوا ابني إلى العذاب وأنا أفلت، فهنا الظالم يوم القيامة لا شيء ينفعه، كما قال سبحانه: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر:١٨].
يعني: ليس لهم شفعاء، ولو فرض أن هناك شفيعًا يشفع لهذا الظالم فلن يطاع في ذلك، ولن يستجاب لهذا الشفيع في هذا الظالم، فمن يرضى لنفسه أن يكون حاله يوم القيامة أنه لا أحد يشفع له، لو شفع له أحد لقال له ربنا ﷾: لا تنفعه شفاعة الشافعين.
فعلى الإنسان أن ينظر ما الذي صنع هؤلاء الظلمة ويتجنبه في الدنيا قبل حساب يوم القيامة؛ لأنه: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [الحج:٧١]، وكذلك يقول لنا ربنا سبحانه: (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا).
وقال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ [الزخرف:٧٦].
وقال تعالى: ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة:٥٧].
2 / 3
الظلم ظلمات يوم القيامة
والأحاديث كثيرة جدًا عن النبي ﷺ، من ذلك ما جاء عن جابر بن عبد الله ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (اتقوا الظلم).
فلابد أن نتقي الظلم، ولابد أن نعرف هذا الظلم؛ لأن الإنسان قد يقع في الظلم وهو لا يدري، فقد يظلم نفسه فيشرك بالله ﷿، أو يرائي بعمله، وقد يظلم غيره بأن يأخذ ماله أو يغتابه في عرضه، أو يسفك دمه.
فقوله ﷺ: (اتقوا الظلم)، يعني: اجعلوا وقاية بينكم وبين الظلم، وحاجزًا بينكم وبين الظلم؛ (فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) فيوم القيامة لا يزداد إلا ظلمات.
فهو يوم فظيع شديد، وكل شيء قائم بين يدي الله ﷾، فهو يوم الحاقة الذي يحق الله به الحق، وهو يوم الصاخة، أي: الفزع الأكبر، وهو يوم العرض على الله ﵎، وهو يوم الصيحة الهائلة التي تصم الآذان في يوم فظيع ورهيب.
وهو يوم يحاسب فيه الإنسان على كل ما عمل في الدنيا، يعرف طريقه أمامه، ويقال للناس: اعبروا الصراط، وهو مكان مظلم، ويكون العبور بحسب النور الذي يعطاه الإنسان، ومن أجل أن يعبر هذا الصراط لابد من أن يمر في ظلمات يوم القيامة، وهنا يأتي ظلم الإنسان فيطفئ له كل أنواره، فلا يرى شيئًا، ولا أحد ينتفع بنور صاحبه.
إن الإنسان المؤمن الذي يكون نوره أمامه عظيمًا جليلًا فإنه وحده الذي ينتفع بنوره، وليس غيره من أهل الظلم.
ويقول ﷺ في نهاية الحديث: (واتقوا الشح)، لأن الشح وسيلة لأن يقع المرء في الظلم، وصحيح أن الله ﷿ قال: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء:١٢٨]، فنفس كل مخلوق فيها شح بحسبها، ولكن ربنا ﷾ أمرنا أن نقاوم هذا الشح.
والشح: أشد البخل؛ لأن بخل الإنسان وشحه دفع الناس إلى أن سفكوا الدماء، واستحلوا المحارم، وذلك لأن كل أحد يريد الحاجة لنفسه ولا يريد غيره أن يستمتع بها، فمع شحهم سفكوا دماءهم؛ لأن كل واحد يقول: حقي، من غير نظر هل هو حقه فعلًا أو ليس حقه؟ فسفكوا الدماء، واستحلوا الحرمات.
2 / 4
الأمر بأداء الحقوق
يأمرنا النبي ﷺ بأداء الحقوق، ويتوعد على ذلك، فيقول ﷺ: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها)، فالفعل المضارع المسبوق بلام التوكيد وفي آخره نون التوكيد الثقيلة يكون معناه القسم، فيكون المعنى هنا: والله لتؤدن الحقوق.
فهنا يقول ﷺ: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء).
فإذا لم نؤد الحقوق في الدنيا فإننا سنؤديها يوم القيامة من حسناتنا، أو بأن نأخذ من سيئات أصحابها حيث توضع علينا، بل إنه سيقاد للشاة الجلحاء -أي: التي من غير قرن- من الشاة القرناء.
فإذا كان الله يقتص للبهيمة من أختها، فكيف بالإنسان العاقل الذي يتكلم، والذي أنزل الله ﷿ عليه الكتب وأرسل إليه الرسل؟! فإذا كانت الشاة الجلحاء ستأخذ حقها من الشاة القرناء، فإن الإنسان سيأخذ حقه من الآخر من باب أولى.
2 / 5
حرمة مال المسلم ودمه
يقول ابن عمر ﵁: (كنا نتحدث عن حجة الوداع والنبي ﷺ بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع).
يعني: أن الصحابة كانوا يتكلمون أن حجة النبي ﷺ هذه هي حجة الوداع، ولكن لا يعرفون لماذا سميت حجة الوداع؟ وقد عرف البعض؛ لأن النبي ﷺ كان يكلمهم ويقول: (لعلي لا أحج بعد عامي هذا).
ويقول: (خذوا عني مناسككم لعلي لا أحج بعد عامي هذا)، وقام يودع الناس ﷺ ويقول: (ألا هل بلغت! ألا هل بلغت! اللهم فاشهد) صلوات الله وسلامه عليه.
ففهم كبار الصحابة أن هذه هي آخر حجة للنبي ﷺ، وأما الباقون فبقوا يقولون: حجة الوداع، حجة الوداع، ولا يدرون لماذا سميت حجة الوداع؟ ومنهم ابن عمر رضي الله ﵎ عنه.
قال: (حتى حمد الله رسول الله ﷺ وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره، إلى أن قال: ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟)، يعني: بلغتكم أن هذه الأشياء محرمة.
فالأصل في مال المسلم أنه محرم عليك حتى يسمح لك، أو حتى يعطيك، أما أن تخدعه فليس لك ذلك، كأن تبيع له بأزيد من الثمن لتأخذ ماله، فليس لك ذلك، ولا يحل لك من مال أخيك إلا ما أباحه لك بطيبة من نفسه.
(إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟! قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد.
ثلاثًا.
ويلكم، أو قال: ويحكم!) كلمة للتحذير أو للترحم (لا ترجعوا بعدي كفارًا).
فكأنه يحذرهم، ويقول: إني ميت فلا ترجعوا بعدي كفارًا.
فلما قالوا: لن نرجع كفارًا، وكيف نكفر بالله بعدما عرفنا دين الله سبحانه؟! فهنا بين لهم أنه نوع آخر من الكفر، أي: متشبهين بالكفار، فقال: (يضرب بعضكم رقاب بعض)، أي: سفك الدماء، فكأن أفعال أهل الجاهلية أفعال الكفار، سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم.
وكذلك يفعل المؤمنون في الهرج، فيتناسون دينهم، ويقتل بعضهم بعضًا، قال ذلك الرسول ﷺ.
2 / 6
حرمة الاعتداء على أرض الغير
عن عائشة ﵂ عن النبي ﷺ أنه قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين).
وقد كانت من عادة العرب أن الواحد منهم إذا كان عنده أرض وعند الثاني أرض فإنه يجور صاحب الأرض الأول على أرض صاحبه فيأخذ أرضه، وإذا لم يقدر على ذلك فإنه يأتي إلى منار الأرض -أي: العلامة التي تحدد الحد الفاصل بين الأرض والأرض- فيزحزحه من أجل أن تزيد أرضه.
ولذلك حذر النبي ﷺ الذي يصنع ذلك، ويظلم شبرًا من الأرض، بأنه يجعل له طوقًا في عنقه يوم القيامة والله على كل شيء قدير، والإنسان الآن في الدنيا له حجم معين من طول وعرض، ولا يزال يتناقص، فقد كان طول آدم ﵇ ستين ذراعًا في السماء، ثم تناقصت الأطوال، فإذا جاء الناس يوم القيامة فإن الله ﷿ يزيد الأحجام، ويزيد حجم الكافر زيادة كبيرة جدًا من أجل أن يكفيه العذاب يوم القيامة، حتى إن ضرس الكافر ليكون مثل جبل أحد.
فالذي يظلم قيد شبر من الأرض فإنه يؤخذ له هذا الشبر من الأرض السفلى، فيحمله طوقًا في رقبته، ويقف به يوم القيامة.
فمعنى قوله ﷺ: (من ظلم قيد)، أي: قدر.
(شبر من الأرض طوقه)، أي: حمله وجعل قلادة وطوقًا في عنقه ليس شبرًا في المساحة فقط، بل في الحجم من سبع أرضين.
ويقول ﷺ: (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له ثغاء أو شاة تيعر).
فالذي أخذ جملًا فإنه يحمله على رأسه.
﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [السجدة:٥].
والكل قائمون بين يدي الجبار ﷾.
يقول ﷺ: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).
وهذا شيء يجعل الإنسان يتفكر هل ظلم أحدًا من الخلق؟! ولا ندري متى يأتي غضب الله ﷿ وعقوبته للإنسان، فقد يأخذ الظالم فجأة من غير مرض، يقول النبي ﷺ في الحديث: (موت الفجأة أخذة أسف).
الأسف بمعنى: الغضب، أي: أخذة غضب من الله ﷿، وهذا أيضًا فيه الشهادة، فالإنسان المؤمن قد يقبضه الله ﷿ فجأة وهو على عمل صالح فله أجر.
وإنسان آخر من المؤمنين له درجة عالية؛ لأنه ﷾ يزيد له في المرض ويزيد له في البلاء فيرتفع بذلك درجات عند الله ﵎.
أما الإنسان الفاجر والكافر فيغضب عليه ﷾ فيأخذه مرة واحدة، حيث يموت فجأة فلا يمهله حتى يتوب؛ لأن المرض يجعل الإنسان يتوب، ويرفع يديه إلى ربه تائبًا، وهو سبحانه حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع يديه ويقول: يا رب! ثم يرده من غير حاجة.
لذلك فإن فرعون أظلم الظلمة وأفجر الفجرة الذي قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص:٣٨]، والذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات:٢٤]، عندما هلك غريقًا في البحر جعل يقول: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس:٩٠].
ولو دخل الإيمان قلبه لقال: لا إله إلا أنت، ولكنه قال: أنا أقول مثل هؤلاء، فيكون تقليدًا منه وليس إيمانًا من القلب، وخاف جبريل أن يقولها بجد فيرحمه ربه، فقال للنبي ﷺ: لو رأيتني وأنا أدس في فيه من طينة البحر من أجل أن يموت قبل أن تدركه الرحمة.
فهنا أخذة الجبار ﷾ أخذة أسف فعندما يأخذ إنسانًا ظالمًا لا يترك له فرصةً ليتوب إليه ﷾.
وقد أخبرنا النبي ﷺ أن التوبة لا تقبل إلا إذا عاين الإنسان الموت في وقت الغرغرة، ففي هذه الحالة لا تنفعه التوبة، أو إذا طلعت الشمس من مغربها فأيضًا لا تنفع الإنسان التوبة في هذه الحالة.
وقال النبي ﷺ: (إن الله ليملي -أي: يمهل- للظالم، فإذا أخذه لم يفلته، وقرأ قول الله سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود:١٠٢]).
فهذه الآية من سورة هود التي قال عنها النبي ﷺ: (شيبتني هود وأخواتها)، فقد شيبت النبي ﷺ هذه السورة، التي فيها ذكر القرون وكيف أهلكهم الله سبحانه، وفيها ذكر نوح، وكيف أنه قال: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود:٤٦].
فقد قال في هذه السورة: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود:١٠٢ - ١٠٤].
﴿يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود:١٠٥ - ١٠٦].
فالظلمة في نار جهنم ينهقون كالحمير، كما قال تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود:١٠٦]، وهو: صوت خروج النفس ودخوله بالآهات كصوت الحمير عندما تنهق: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود:١٠٦].
﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [هود:١٠٧ - ١٠٨].
ونحن لا ندري من في الجنة ومن في النار، ولكن الله أعطانا أوصافًا لهم، فشاب النبي ﷺ من هذه السورة وما شابهها، لذلك يجب على المسلم أن يتدبر في آيات الله ﵎.
فإنه كلما تدبر ازداد تعقلًا وتفهمًا لآيات الله، فازداد علمًا وعملًا، نسأل الله ﷿ أن يوفقنا للعلم والعمل وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
2 / 7
شرح رياض الصالحين - تحريم الظلم والأمر برد المظالم [٢]
أمر الله سبحانه دعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا بد للداعي أن يمتثل ذلك، وأن يكون مهيئًا بمعرفة ما لابد منه للداعية، كالتدرج في تعليم الناس.
وينبغي للداعية الحذر من الظلم ورد المظالم، فدعوة المظلوم مستجابة، لا ترد وإن كان المظلوم كافرًا.
3 / 1
شرح حديث إرسال معاذ إلى أهل اليمن ليدعوهم إلى الإسلام
3 / 2
ضرورة الاستعداد وتهيئة النفس عند دعوة قوم من الأقوام
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي ﵀: [باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم، قال الله تعالى: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر:١٨].
وعن معاذ بن جبل ﵁ قال: (بعثني رسول الله ﷺ فقال: إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، متفق عليه.
هذا الحديث من ضمن مجموعة من الأحاديث التي ذكرها الإمام النووي في هذا الباب، وهو من رياض الصالحين باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم.
وذكرنا أن الله ﵎ قال في الحديث: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا).
وهنا في حديث معاذ بن جبل الشاهد منه قول النبي ﷺ: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
الحديث فيه أن النبي ﷺ أرسل معاذًا إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الله ﷾.
وأهل اليمن كانوا من أهل الكتاب، إذ كان أكثرهم يهودًا، فأرسله إليهم يدعوهم إلى الله ﷿ وبين له أنه في البداية لا يدعو هؤلاء إلا إلى شهادة أن لا إله إلا الله، ومعاذ بن جبل رجل أنصاري ومن أعلم الناس بالحلال والحرام رضي الله ﵎ عنه، بشهادة النبي ﷺ.
وكان صغير السن يصل إلى سن العشرين وفوقها، ولما أرسله النبي ﷺ إلى أهل اليمن يدعوهم، قال له: (إنك تأتي قومًا أهل كتاب)، أي: استعد إنك ستدعو أناسًا ليسوا من أهل المدينة.
فالمشركون هم أهل جهل وضلال لا يعرفون شيئًا، ولكن أهل الكتاب عندهم آثار من علم وبقية من كتاب، فمن الممكن أن يجادلوك فلابد أن نستعد لذلك، ففي هذا الحديث أن الإنسان حين يدعو إنسانًا ينظر من الذي يدعوه ويهيئ نفسه ويستعد لذلك وأنه لا نأخذ الأمر ببساطة وسهولة فليس الناس مثل بعضهم بعضًا.
وإذا كان إنسان يناظر إنسانًا فليعرف خصمه أولًا وما مدى قوة علمه، وإلا فلا يعرض نفسه لما لا يعرفه، ولذلك في الحديث يقول النبي ﷺ له: (إنك تأتي)، أي: احذر فأنت ذاهب إلى قوم هم أهل كتاب، واعرف ماذا تقول لهم، واعرف كيف تدعو هؤلاء إلى دين الله ﷾.
3 / 3
دعوة الناس إلى التوحيد أولًا
فعلمه ﷺ كيف يدعوهم قال: (فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)، وفي رواية: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله).
فالدعوة تكون أولًا إلى التوحيد فهو أهم شيء قبل أن تقول لهم: صلوا، وقبل أن تقول لهم: صوموا، وقبل أن تدعوهم إلى مكارم الأخلاق، فأول شيء توحيد الله، فحق الله على العباد أن يقولوا: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، وكان من اليهود أناس يعبدون الله سبحانه ويشركون به، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [التوبة:٣٠].
وليس كل اليهود يقولون ذلك، وإنما بعض اليهود يقولون ذلك، ولذلك فإن اليهود يؤلبون النصارى على أن يقولوا: المسيح ابن الله، وليس كل النصارى يقولون ذلك، فمنهم من يقول: المسيح ابن الله ومنهم من يقول: المسيح هو الله، إذًا: فلابد للداعي أن يعرف ماذا يقول لأهل الكتاب، فلو قلت لهم: يا يهود أنتم تقولون: عزير ابن الله وأنتم كذابون، فيقولون لك: نحن لا نقول ذلك، وأكثر اليهود الآن لا يقولون: عزير ابن الله، بل يقولون: عزير عبد من العباد وليس ابن الله.
إذًا: قبل أن تذهب للمناظرة لابد أن تدرس الموضوع جيدًا قبل أن تتكلم مع هؤلاء، واعرف بماذا سيردون عليك؛ حتى تكون محضرًا نفسك، فلا تعرض نفسك للذي لا تعرفه.
انظروا إلى ذلك الرجل الذي جاء إلى النبي ﷺ واسمه: عدي بن حاتم وهو نصراني وعرفتم الحديث الذي صارحهم فيه بنفسه أنه نصراني ومعلق للصليب الكبير، ويكلم النبي ﷺ ويقول: أنا على دين النصرانية.
فقام النبي ﷺ، فقال له: أنا أعلم منك بدينك وبذلك هزه النبي ﷺ وفضحه، فهنا وقف من هو أعلم منه ويقول له: ألست من الراكوسية؟ أي: أنت من فريق اسمه الراكوسية، هذا هو أصلك وفرعك، والنصرانية الراكوسية عندكم تحرم أن تعشر الناس وتأخذ عليهم ضرائب.
وأنت لا تأخذ العشر، بل من الممكن أن تأخذ الربع من الناس، ألست تأكل الحرام وهذا لا يحل لك في دينك، فصار عدي حنيفًا مسلمًا وأسلم مع النبي ﷺ بعد ذلك، فالذي يكون لديه مناظرة مع إنسان ويريد أن يدعو إلى الله لابد أن ينظر إلى هذا الذي يدعوه وما حدود علمه؟ فإن كان من الذين يتكلمون كثيرًا ويجادلون فلتستعد له بطريقة معينة، وإن كان هذا الإنسان خاليًا لا يحمل فكرة قط فلتستعد له بطريقة أخرى، ولا تغتر بنفسك ولا بعلمك ولا بمعلوماتك، فكونك ملتزمًا ليس معناه أنك تعرف كل شيء في الدين.
فلا أعرض نفسي إذا سألني أحد سؤالًا فأجيب وكأنني شيخ الإسلام، فانظروا إلى تعليم النبي ﷺ لـ معاذ أن يأخذ استعداده وفي حديث أن النبي ﷺ يخبرنا فيقول: (أقرؤكم أبي، وأرحم أمتي بأمتي أبو بكر الصديق، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وأفرضكم زيد بن ثابت).
فـ معاذ أعلمهم بالحلال والحرام فهو أولى الناس أن يذهب لمناظرة هؤلاء.
3 / 4
من أساليب الدعوة إلى الله التدرج في تعليم الناس
وقد علمه النبي ﷺ أن يبدأ دعوتهم بالتوحيد، أي: يدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ﷺ، فإن هم أطاعوا لذلك تأتي الخطوة الثانية، قال: (فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة).
أي: لابد أن تتدرج معهم، فلا تأتي بكل شيء مرة واحدة حتى يمل الذي يسمع منك، ولكن ابدأ مع هؤلاء بالتوحيد، وعلمهم أن معنى الإسلام: الاستسلام لله سبحانه، ثم تنتقل معهم إلى الشرائع فتبدأ بالصلاة التي هي ركن الإسلام العظيم وتعلمهم الصلاة، (فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم).
فإذا أخذت منهم صدقة فأعلمهم أنك تردها على فقرائهم، فقد كان من عادة العرب إذا أخذوا شيئًا أن يأخذوه لأنفسهم ولا يعطوه لغيرهم.
فلابد أن تعلمهم أن الإسلام دين الحق والعدل العظيم من الله سبحانه، نأخذ صدقات من الأغنياء ونردها على الفقراء فيما بينكم، نأخذها منكم ونردها إليكم، ولذلك لما كان في عهد عمر ﵁ وبعث معاذًا واليًا، فرجع إليه وليس معه شيء من المال، فقال: أين المال؟ قال: أخذناه من حيث كنا نأخذه في عهد النبي ﷺ ووضعناه حيث كنا نضعه.
فهناك فقراء، فأخذنا الزكاة من الأغنياء وأعطيناها للفقراء، فهذا هو دين العدل، نأخذ زكاة المال من أغنياء البلد ونردها على فقراء البلد نفسه، فإن زادت عن حاجتهم نأخذها إلى البلد الأخرى.
3 / 5
تجنب كرائم الأموال في أخذ الزكاة
قال رسول الله ﷺ: (فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم) أي: إنهم سينفذون لك الذي تريد ويطيعونك، لكن ليس معنى ذلك أن تطمع في أموالهم فأنت لك حدود معينة؛ ولذلك ستجد أن كرائم الأموال عند العرب هو الإبل، فهو خير المال عندهم، فحين يكون الجمل ابن خمس سنين أو ست سنين أو سبع سنين أو ثمان سنين، فهذه كرائم أموال العرب.
إن زكاة بهيمة الأنعام لا تكون في هذه الكرائم أبدًا، فليس فيها زكاة أصلًا، بل كل زكاة بهيمة الأنعام في السن الصغيرة وليس في السن الكبيرة، كأن تكون الزكاة بنت مخاض أو بنت لبون، وبنت مخاض أي: لها سنة كاملة وقد دخلت في الثانية، وبنت لبون أكبر منها بسنة.
أما كرائم الأموال وهي الإبل التي تجاوزت سبعة أعوام وثمانية وتسعة وعشرة؛ كل هذه لا تأخذ منها شيئًا، فإن النبي ﷺ يعلم معاذًا أن يحذر، ولا يطمع.
3 / 6