شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
اصناف
[بيان أن الأجر على قدر المشقة لا على قدر القلة والكثرة]
فإن قيل: أكثر ما يعتمد المخالفون في نفي الألم عن الله -تعالى- أن الألم يقطع بالعبد عن الطاعات، والأعمال الصالحات، فزيدونا فيه تبيانا على ما تقدم.
قلنا: إن الطاعة -في اللغة والشرع الشريف- فعل ما أمر المطاع
بفعله، وترك ما أمر بتركه؛ لأجل أمره بفعله أو تركه، لا يعلم عند أهل العلم لها حقيقة غير ذلك؛ بل لا يوجد على غيره برهان، ولا شك في أن المريض متمكن من فعل ما أمره الله - سبحانه- به؛ لأنه لم يكلفه في حال مرضه ولا صحته؛ ما لا يدخل تحت مقدوره، وذلك لغناه سبحانه وحكمته ، ورأفته ورحمته، والأجر على قدر المشقة، لا على قدر القلة والكثرة، فإذا أدى ما أوجبه الله عليه كان له الأجر كاملا وإن نقص في الصورة؛ لأنا نعلم أن صلاة المسافر ناقصة عن صلاة المقيم، وأجرهما سواء بل يكون أجر المسافر أعظم لمكان المشقة، ولأنا نعلم أنه لو صلى صلاة تامة كصلاة المقيم لم يكن له أجر؛ بل كان على رأينا مخطئا، فبان بذلك أنه لا ينظر إلى كثرة الفعل وطوله، بل ينظر إلى وقوعه على الوجه الذي أمر به سبحانه المكلف، وهو سبحانه بحكمته وعدله جعل التعبد على عباده مختلفا على حسب إختلاف القوى والآلات، فلم يكلف نفسا في ذلك إلا ما آتاها؛ لأنه لو كلفهم تكليفا واحدا في جميع الحالات كان ذلك قبيحا - تعالى الله عنه- لأنه يكون تكليفا لما لا يطاق وذلك قبيح.
[إبطال قول المجبرة إن الله -تعالى- ساوى في التكليف ولم يساو في التمكين]
وقد خالفتنا المجبرة في ذلك، فقالت: إن الله -تعالى- ساوى في التكليف ولم يساو في التمكين، فأبطلنا قولهم بما تقدم من الدليل أن تكليف ما لا يطاق قبيح والله -تعالى- لا يفعل القبيح.
صفحہ 173