ثم بعد أبي نعيم تتابع أهل العلم في الكتابة في هذا العلم فألف الخطيب البغدادي الذي صنف في علوم الحديث وفي قوانين الرواية كتابا جامعا ماتعا نافعا أسماه: (الكفاية في قوانين الرواية) وفي آداب الراوية والراوي كتابا آخر أسماه: (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)، وهذا كتاب نفيس لا يستغني عنه طالب علم، ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى مثل هذا الكتاب إذا أضيف إليه (جامع بيان العلم وفضله) لابن عبد البر، و (فضل علم السلف على الخلف) لابن رجب، و (مقدمة الموضح في أوهام الجمع والتفريق) للخطيب أيضا، طالب العلم بحاجة ماسة إلى أن ينظر في مثل هذه الكتب؛ لأننا نلاحظ على كثير من طلاب العلم لا سيما من يتصدى لهذا الفن العظيم -أعني الحديث وعلومه- نلاحظ عليهم بعض الشدة والقسوة وشيء من غمط الآخرين، ولا أقول: إن هذا موجود بكثرة لكنه موجود.
ثم ألف القاضي عياض كتابا لطيفا أسماه: (الإلماع إلى أصول الرواية وتقييد السماع) لكنه خاص بطرق التحمل والأداء.
ثم بعد ذلكم جاء الإمام أبو عمرو بن الصلاح فألف مقدمته الشهيرة التي جمع فيها ما تفرق مما كتب قبله في كتب الخطيب وغيرها؛ لأن الخطيب ما من نوع من أنواع علوم الحديث إلا وكتب فيه كتابا مستقلا، حتى قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: "كل من أنصف علم أن كل من جاء بعد الخطيب عيال على كتبه" عالة على كتب الخطيب، ثم بعد ذلكم يقال: الخطيب أساء إلى علوم الحديث، وأدخل فيه من أصول الفقه وعلم الكلام، لا شك أن الناس في القرن الخامس وما بعده تأثروا بعلم الكلام، ويأتي مزيد بسط لهذا الكلام -إن شاء الله تعالى-.
صفحہ 5