Sharh Muqaddimat al-Tafsir by Saleh Al-Sheikh
شرح مقدمة التفسير لصالح آل الشيخ
اصناف
شرح
مقدمة في أصول التفسير
لشيخ الإسلام ابن تيمية
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
[مفرّغ]
بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أيها الأحبة في لله يسر إخوانكم في تسجيلات الراية الإسلامية بالرياض أن يقدموا لكم شرح كتاب المقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى والذي قام بشرحه وبسطه فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. وقد بدأ الشيخ حفظه تعالى هذا الشيح في الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني لعام ١٤١٤ من الهجرة المباركة وانتهى في اليوم الثاني والعشرين من شهر شوال من العام نفسه. وقد تبقى من هذا الشرح ثلاثة فصول قام حفظه الله بشرحها وإتمامها في اليوم الثاني عشر من شهر محرم ١٤٢٤ هجري والآن نترككم مع شرح الكتاب والذي بدأه الشيخ بمحاضرة بعنوان: مدارس التفسير.
الدرس الأول مدارس التفسير بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نزل الكتاب على عبده ليكون للعالمين نذيرا، الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. أحمده وأثني عليه الخبر كله وهو للحمد وللثناء أهل، حمدا متواترا متتابعا دائما لا ينفذ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد: فأسأل الله جل وعلا أن يُلهمني وإياكم الرشد والسداد والتوفيق في الأمر كله، نعوذ به من فتنة القول ومن فتنة العمل، نعوذ به من أن نضل أو نُضَل أو أن نزل أو نُزَل أو أن نجهل أو يُجهل علينا. ثُم إن هذه الدروس التي ستكون في تفسير كلام المنان جل وعلا، ومع ذلك التفسير نبذ من أصول التفسير ومن معاقده وقواعده هذه الدروس إنما هي فتح أبواب لمن رام علم التفسير.
بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أيها الأحبة في لله يسر إخوانكم في تسجيلات الراية الإسلامية بالرياض أن يقدموا لكم شرح كتاب المقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى والذي قام بشرحه وبسطه فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. وقد بدأ الشيخ حفظه تعالى هذا الشيح في الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني لعام ١٤١٤ من الهجرة المباركة وانتهى في اليوم الثاني والعشرين من شهر شوال من العام نفسه. وقد تبقى من هذا الشرح ثلاثة فصول قام حفظه الله بشرحها وإتمامها في اليوم الثاني عشر من شهر محرم ١٤٢٤ هجري والآن نترككم مع شرح الكتاب والذي بدأه الشيخ بمحاضرة بعنوان: مدارس التفسير.
الدرس الأول مدارس التفسير بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نزل الكتاب على عبده ليكون للعالمين نذيرا، الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. أحمده وأثني عليه الخبر كله وهو للحمد وللثناء أهل، حمدا متواترا متتابعا دائما لا ينفذ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد: فأسأل الله جل وعلا أن يُلهمني وإياكم الرشد والسداد والتوفيق في الأمر كله، نعوذ به من فتنة القول ومن فتنة العمل، نعوذ به من أن نضل أو نُضَل أو أن نزل أو نُزَل أو أن نجهل أو يُجهل علينا. ثُم إن هذه الدروس التي ستكون في تفسير كلام المنان جل وعلا، ومع ذلك التفسير نبذ من أصول التفسير ومن معاقده وقواعده هذه الدروس إنما هي فتح أبواب لمن رام علم التفسير.
1 / 1
وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة فمن بعدهم يعتنون كثيرا بتفسير كلام الله جل وعلا وبفهم معانيه؛ لأنه هو الحجة على الخلق؛ ولأن التعبد وقع به وبتلاوته وبفهم معانيه وفي أنحاء كثيرة غير ذلك.
فلا غرابة أن ظهر كثير من الصحابة وقد اعتنوا بهذا العلم -علم التفسير- لحاجة الأمة إليه؛ لحاجة المؤمن بنفسه إليه ثم لحاجة الأمة لهذا العلم، فلا أعظم من أن يشرح للناس وأن يُفسر لهم وأن يبين كلام الله جل وعلا إذْ هو الحق الذي لا امتراء فيه وهو الحجة التي ليس بعدها حجة، وهو القاطع الذي تقنع به النفوس وترضى به دليلا وبرهانا وحجة عند الاحتجاج وإيراد البرهان والدليل.
وهذا الكتاب العظيم جعله الله جل وعلا كتابا بلسان عربي؛ بل بلسان عربي مبين، يعني بيّنا في نفسه ومبينا لما يحتاجه الناس من الأخبار ومن الأحكام، والنبي ﵊ قد بيّن للناس ما نُزِّل إليهم، بيّن للصحابة رضوان الله عليهم ما يحتاجونه من معاني كلام الله جل وعلا، إذْ قد كلف بذلك ﵊ بقوله جل وعلا ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]، لكن حاجة الصحابة -رضوان الله عليهم- لم تكن في فهم كلام الله جل وعلا كحاجة غيرهم؛ بل إنهم إنما احتاجوا بعض التفسير وذلك لعلمهم بمعاني كلام الله جل وعلا لأنه نزل باللسان الذي يتكلمون به وباللغة التي ينطقون بها.
1 / 2
فسر النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ آيات كثيرة من القرآن فيما نقل إلينا؛ لكن لم يُنقل إلينا من النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فسر أكثر القرآن؛ بل إنما كان تفسيره عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ للقرآن فيما نُقل إلينا كان ليس بالكثير، قد ثبت أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فسر القوة مثلا بالرمي في قوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ [الأتفال: ٦٠] فقال «ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي» . وفسّر عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قوله جل وعلا ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: ٧]، بأن المغضوب عليهم هم اليهود وأن الضالين هم النصارى، وكذلك فسّر عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ الزيادة في قوله تعالى ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦]، بأنها النظر إلى وجه الله الكريم.
ولكن مع ثبوت كثير من التفسير عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لكن لم يفسر للصحابة كل القرآن؛ نعم بيّن لهم معاني القرآن وأفهمهم معاني القرآن بحسب حاجاتهم.
وهكذا من بعد الصحابة من التابعين، الصحابة نقلوا لهم التفسير الذي سمعوه عن النبي ﷺ أو الذي أُوتوه من العلم بالقرآن بمعاني آي الذكر الحكيم، وكان نقلهم لذلك قليلا بالنسبة لما تكلم به المفسرون بعد ذلك من تفسير آيات القرآن؛ وذلك لأن القرآن -كما ذكرت لك آنفا- نزل بلسان عربي مبين، والناس إذا اعتنوا باللغة فهموا كثيرا من القرآن، وربما لم يعلموا بعض الآي وذلك لعدم العلم ببعض اللغات أو لأسباب أخر تأتي في موضعها مفصلة إن شاء الله تعالى.
1 / 3
من ذلك مثلا أن عمر ﵁ كان يتلو كثيرا سورة النحل على المنبر يوم الجمعة، وذات مرة تلا السورة وتوقّف عند قوله جل وعلا ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٤٧]، فقال: ما التخوف؟ كأنه لم يظهر له أن التخوف من الخوف، ورام ﵁ معنى آخر ليكون أكثر دلالة على المعنى المراد في الآية، فقال رجل من هذيل في المسجد: يا أمير المؤمنين التخوف في لغتنا التنقص قال شاعرنا أبو كبير الهذلي: تخوف الرحل منها
يصف ناقة:
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ منها تَامِكًا قَرِدًا ... كما تَخَوَّف عُودَ النّبْعَةِ السَّفَنُ
معنى تخوف أي تنقص.
فإذن يكون أمير المؤمنين عمر ﵁ في عدم علمه بتفسير هذه الآية على هذا الوجه من التفسير كان من جرّاء أنه أن هذا اللفظ وهو التخوف كان على لغة هذيل، فسأل عنه ﵁.
وهكذا في كثير من الآيات لا يُجزم بأن الصحابة رضوان الله عليهم علموا معنى كل آية أو علموا معنى كل كلمة في كل آية؛ بل ربما لم يعلموا معنى ذلكـ وعلمهم بذلك بالأكثر لكن هذا باعتبار أفرادهم، أما مجموع الصحابة رضوان الله عليهم فهم يعلمون معاني كلام الله جل وعلا فلا يفوت معنى من معاني القرآن على مجموع الصحابة؛ بل العلم بكلام الله جل وعلا محفوظ في كلام الصحابة وما فسر به الصحابة القرآن إنما هو بعض علومهم بالقرآن، فقد ثبت عن ابن مسعود ﵁ أنه قال: ما من آية في القرآن إلا وأعلم معناها وأعلم متى أنزلت وكيف أنزلت وفيما أنزلت. كما رواه البن جرير في مقدمة التفسير ورواه غيره.
وإنما فسّر الصحابة القرآن بحسب الحاجة، إما لحاجة السؤال يأتي السائل ويقول: ما معنى قول الله جل وعلا كذا وكذا؟ وربما فسروه إبداء في كلامهم في ما يعلمون به الناس.
1 / 4
اشتهر من الصحابة رضوان الله عليهم في التفسير كثير؛ ولكن أكثرهم تفسير أربعة: عبد الله ابن عباس ﵁، وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وعلي ابن أبي طالب ﵃ أجمعين.
هؤلاء الأربع أكثر المنقول عن الصحابة في التفسير يدور عليهم.
والخلفاء الراشدون نقل عنهم التفسير يعني أبو بكر وعمر عثمان نقل عنهم أشياء من التفسير كما روى أحمد وغيره أن أبا بكر تلا قول الله جل وعلا في سورة المائدة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، وقال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها، وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده»، وقد نُقل عن أبي بكر أشياء كثيرة في التفسير ونُقل عنه أنه أحجم عن تفسير بعض الآي. وكذلك عن عمر ﵁، لكن المشهورون بالتفسير من الصحابة هم الأربعة الذين ذكرت أسماءهم آنفا.
وتفاسير الصحابة هي التفاسير الأثرية التي يُعلم بيقين أنهم أصابوا فيها إذ لا يُحرم الصحابة العلم ويؤتاه من بعدهم.
فالعلم النافع، العلم الذي هو علم صحيح لابد وأن يكون عند الصحابة ﵃، ولهذا كان أشرف التفسير وأعظم التفسير وأبلغ التفسير ما كان منقولا عن الصحابة رضوان الله عليهم، وهذا يأتي مفصلا إن شاء الله في مقدمة التفسير يسّر الله ذلك.
تفاسير الصحابة رضوان الله عليهم تميزت بمزايا كثيرة:
1 / 5
منها أنهم كانوا يعلمون القرآن، والمفسر يحتاج في مصادر تفسيره أن يعلم القرآن؛ لأن بعض الآي تكون مجملة في موضع وتكون مفصلة في موضع آخر، ويعلمون سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وصحبه، والعلم بالسنة لابد مكنه في فهم كلام الله جل وعلا إذ السنة مبينة للقرآن مبينة لمجمله ربما مقيدة لمطلقه وربما مخصصة لعامه ونحو ذلك من العلوم النافعة التي لابد للمفسر منها.
فالصحابة رضوان الله عليهم تميزت تفاسيرهم بأنهم يفسرون كثيرا القرآن بالقرآن، وهذا التفسير قد يكون موضحا في من قبل الصحابي الذي فسر أنه اعتمد على آية في تفسيره وقد لا يكون ذلك مذكورا، وإنما يعلم ذلك أهل العلم، وكذلك فيما يفسرون من القرآن ويكون دليلهم سنة النبي ﷺ.
ثم إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا عالمين بأحوال العرب وأحوال الملل التي كانت وقت نزول القرآن، ومن المعلوم أن من مصادر التفسير المهمة العلم بالأحوال التي نزل القرآن وكان العرب على تلك الأحوال.
معرفة أحوال المشركين على وجه التخصيص أحوال عبادتهم معرفة أحوالهم الاجتماعية معرفة ما يتعبدون به، معرفة أحوال اليهود، معرفة أحوال النصارى ونحو ذلك، معرفة أحوال الطوائف، لأن القرآن فيه آي كثير فيها وصف لهؤلاء، وإذا لم يكن المفسر عالما بتلك الأحوال فسر القرآن على غير بصيرة، لهذا كان من مصادر التفسير المهمة العلم بالأحوال التي كانت في زمن تنزيل القرآن.
1 / 6
كذلك من مميزات تفسير الصحابة أنهم أهل اللسان وأهل اللغة، والقرآن نزل بلسان عربي، ومعنى ذلك أنه يُفهم باللسان العربي، وفهمهم للغة ليس محل احتجاج ولا محل استدلال؛ لكن كانوا يعلمون ذلك من منثور كلام العرب ومن منظوم كلام العرب، ومرّ معنا ما استشهد به الرجل الهذلي في معنى قوله تعالى ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧]، رُوي أن عمر قال بعد أن سمع ذلك من الهذلي قال: عليكم بديوان العرب فإن به فهم كلام ربكم. ويعني بديوان العرب شعر العرب.
وقد روى الطبراني في المعجم الكبير وابن الأنباري في أول كتابه الوقف والابتداء وجماعة أسئلة نافع ابن الأزرق المشهورة لابن عباس، وقد كان ابن عباس ﵃ يُكثر تفسير القرآن، وكان يفسر أو يجيب على من يسأل على التفسير في فناء الكعبة، وكان في فناء الكعبة في ناحية من المسجد نافع ابن الأزرق وصاحب له، فقال نافع وهو من الخوارج لصاحبه: قم بنا وقد كان ابن عباس ﵃ يكثر تفسير القرآن وكمان يفسر أو يجيب على من يسأل على التفسير في فناء الكعبة فكان في فناء الكعبة في نحاية من المسجد نافع ابن الأزرق وصاحب له.
فقال نافع وهو من الخوارج لصاحبه: قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن. يعنون به ابن عباس، وهذا من أنواع جرأة الخوارج على أهل العلم على الصحابة رضوان الله عليهم.
قال: قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير كلام الله جل وعلا نسأله عن مصادقه من كلام العرب.
فقاما فقالا: يا ابن عباس إنا سائلوك عن آية من القرآن لتخبرنا بمعانيها، وتبين لنا مصادق ما تقول من كلام العرب.
فقال ابن عباس لنافع ولصاحبه: سلا عما بدا لكما.
فقال نافع: أخبرني عن قول الله جل وعلا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٣٥] ما الوسيلة؟
فقال ابن عباس الوسيلة الحاجة.
فقال نافع وهل تعرف العرب ذلك؟
1 / 7
قال نعم ألم تسمعا لقول عنترة:
إنّ الرجال لهم إليك وسيلة... ...أن يأخذوك تكحلي وتخضبي
قال فأخبرنا عن قول الله جل وعلا ﴿عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ [المعارج: ٣٧]، ما العزون؟
قال: العزون الجامعات في تفرقة.
فقالا له: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم أوَ ما سمعتم قول الشاعر:
فجاءوا يُهرعون إليه حتى ...يكونوا حول منبره عزينا
في أسئلة كثيرة معروفة اعتنى بها علماء التفسير، وإن كان بعض المحققين من المفسرين وعلماء اللغة يكرهون الاستشهاد عن معاني القرآن بالشعر كما كره ذلك ابن فارس وغيره من العلماء؛ لكن جرت سنة أهل التفسير على أنهم يستشهدون بكلام العرب لفهم ما كان غامضا من معاني القرآن، وما ذُكر عن الصحابة في الاستشهاد في الشعر كثير وإن كان في أسانيده على طريقة المحدثين ما لا يقبل.
المقصود أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على علم تام بلغة العرب بمنظومها ومنثورها، وهذا لاشك يجعلهم في الرّيادة في تفسير كلام الله جل وعلا، وما بعدهم عندهم من النقص في التفسير بقدر نقصهم في فهم اللغة.
الصحابة رضوان الله عليهم من مميزات تفاسيرهم أنه يكثر فيها اختلاف التنوع.
وسيأتي في بيان مقصود التفسير أن الاختلاف في التفسير ينقسم إلى قسمين: اختلاف تنوع واختلاف تضاد؛ بل الاختلاف عموما ينقسم إلى هذين القسمين.
واختلاف التنوع كالاختلاف في الأسماء مثلا فإنهم اختلفوا في تفسير الصراط في قوله تعالى ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]، فقال بعضهم: الإسلام. قال بعضهم: القرآن، قال بعضهم: الصراط محمد ﷺ. وكلها كالأفراد لمعنى عام واحد هذا تفسير منهم.
وهذا الاختلاف -اختلاف التنوع- منهم أفاد المفسرين بعد ذلك كثيرا؛ لأنه يكون كالإشارات يستفيد منها المفسر للتعبير عن معنى الآية بما يناسب الحاجة -حاجة الناس- لذلك لأن القرآن نزل هاديا للناس.
1 / 8
بعد ذلك بعد زمن الصحابة نشأت مدارس على أثر تفسير الصحابة للقرآن:
فنشأ في مكة مدرسة التفسير معلمها عبد الله بن عباس ﵁ الذي دعا له النبي ﷺ بأن يعلمه الله التأويل فقال «اللهم علمه التأويل» وفي لفظ آخر «اللهم فقهه في الدين وعلمه الكتابة» ونحو ذلك من الألفاظ التي فيها دعاء النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لابن عباس أكثر من مرة؛ يعني في أكثر من موضع.
وابن عباس تميزت مدرسته بحذق التفسير وبحسن الكلام عليه.
ومن تلامذته الذين نقلوا التفسير مجاهد ابن جبر أبو الحجاج العالم المعروف، فإنه عرض القرآن عن ابن عباس ثلاث مرات يوقفه عند كل آية يسأله عن معناها، ولهذا كان سفيان الثوري وغيره من أئمة الحديث يقولون: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فعليك به أو فحسبك. وذلك لأنه أخذه عن ابن عباس.
كذلك نقل عن ابن عباس أصحابه في مكة سعيد بن جبير وكعكرمة وكطاووس وجماعة فنشأت مدرسة التفسير في مكة، ثم توسعت هذه المدرسة في تبع التابعين وهكذا.
كذلك في الكوفة في بلد البلد التي سكنها عبد الله بن مسعود إثر بعث عمر له للناس هناك يعلمهم ويفقههم، نشأت مدرسة لعبد الله بن مسعود في التفسير.
وعبد الله بن مسعود ﵁ ممن هو في الذروة في الصحابة في فهم كلام الله جل وعلا، وكثيرا ما يفسر القرآن بما يعلمه من أسباب النزول فإنه ممن أسلم قديما وكان يقرأ القرآن أحسن قراءة وقد قال في ذلك النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «من سرّه القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» يعني عبد الله ابن مسعود ﵁.
نشأ في الكوفة أصحاب ابن مسعود ﵁ نقلوا عنه التفسير وهكذا.
وكذلك في المدينة نشأ أصحاب أبي بن كعب، وكذلك ما نقل من التفسير عن علي ﵁.
1 / 9
وهكذا حتى كثر التفسير فاحتاج الناس بعد ذلك لما ظهر التدوين إلى أن يدوّنوا تفاسير السلف، وهذه الكتب التي دوّنت تفاسير السلف تسمى كتب التفسير بالمأثور؛ لأنه ليس فيها رأي لأصحابها كتفسير عبد الرزاق بن همام الصنعاني قد طبع مؤخرا وكتفسير الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وكتفسير بابن مردويه وكتفسير ابن المنذر وكتفسير عبد بن حميد، وتفسير ابن أبي حاتم، أتى بعد ذلك ابن جرير فجمع كثيرا من تلك التفاسير المنقولة عن السلف في كتابه المشهور بالتفسير.
وهذه التفاسير المنقولة عن السلف في كتب التفسير بالمأثور هي عمدة الذين يفسرون القرآن بالمأثور عن الصحابة رضوان الله عليهم؛ لكن الصحابة رضوان الله عليهم ربما اجتهدوا في التفسير بل كثيرا ما اجتهدوا في التفسير، فليس كل ما فسروا به القرآن قد سمعوه عن النبي ﷺ أو أخذوا تفسيرهم من القرآن في آية أخرى؛ بل إنهم اجتهدوا فيه.
وهذا كما يقول شيخ الإسلام وغيره يقول (وَالْعِلْمُ إمَّا نَقْلٌ [مُصَدَّقٌ] عَنْ مَعْصُومٍ وَإِمَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ)، (إمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ. وَإِمَّا [قول] (١) مُحَقَّقٌ بالبرهان.
والصحابة رضوان الله عليهم فيما اجتهدوا فيه في التفسير لم يفسروا القرآن بالرأي المجرد المذموم الذي جاءت الأدلة بذمه وإنما فسروا القرآن بما عندهم من آلات الاجتهاد والاستنباط.
ولهذا أهل العلم بعد ذلك ربما فسروا القرآن بالاجتهاد وبالاستنباط لأن الصحابة رضوان الله عليهم فسروا القرآن بالاجتهاد وبالاستنباط، فظهرت هناك تفاسير اجتهد فيها أصحابها أن يفسروا القرآن إما على وفق اللغة في كتاب مجاز القرآن ويعني بالمجاز معاني القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى الإمام اللغوي المعروف، وككتاب الفراء معاني القرآن ونحو ذلك.
_________
(١) استدلال.
1 / 10
فنشأ مع مدرسة التفسير بالمأثور مدرسة أخرى في التفسير هي تفسير بالاجتهاد وبالاستنباط إما من جهة النظر في اللغة وإما من جهة النظر في النحو، وإما من جهة النظر في أسباب النزول ونحو ذلك، وأولئك الذين فسروا بالرأي يعني بالاجتهاد بالاستنباط منهم المصيب ومنهم المخطئ.
ابن جرير الطبري ﵀ جمع علوم من قبله في كتابه الذي يعد أعظم كتب التفسير المؤلفة التي وصلت إلينا؛ فإنه جمع فيها ما نُقل في التفسير عن الصحابة بالأسانيد المشهورة عند المفسرين -المرضية عند المفسرين- وأخلى تفسيره من رواية المتهمين بالكذب كما يقوله كثير من أهل العلم، وساق أسانيد ساق أقوال السلف أقوال أهل الأثر بالأسانيد المشهورة التي يتناقلها العلماء عنهم، وذكر أيضا ما نقله أولئك عن الأئمة أو عن العلماء الذين فسروا القرآن بالاستنباط وبالاجتهاد؛ فترى في تفسير ابن جرير رحمه الله تعالى أنه يورد التفاسير بالمأثور ويورد التفسير بالاجتهاد؛ بل إنه يذكر أحيانا تصويبا لقولٍ من الأقوال مع أنه تسنده قراءة متواترة ويخطئ الأخرى، وذلك مصير منه إلى أن التفسير بالاجتهاد والاستنباط لا بأس به إذا كان عند المفسر بالاجتهاد وبالاستنباط ملكة واكتملت فيه شروط الاجتهاد في التفسير، فإن الاجتهاد في التفسير شروط قد بينها العلماء تأتي في موضعها في مقدمة أصول التفسير إن شاء الله تعالى.
فتفسير ابن جرير يعد الكتاب العظيم في التفسير ترى فيه البحث في القراءات، ترى فيه البحث في اللسان واللغة، ترى فيه الاحتجاج بأبيات العرب على المعاني، ترى فيه المباحث النحوية المختلفة والاحتجاج لأحد الأقوال بقول طائفة من النحاة ونحو ذلك، فالإمام ابن جرير خلط هذه العلوم في تفسيره، ترى فيه البحوث الفقهية عند بعض الآيات.
1 / 11
يعني أن كتاب ابن جرير رحمه الله تعالى يعد كتابا جامعا لعلوم التفسير، ففيه التفسير الفقهي وفيه التفسير النحوي، وفيه التفسير اللغوي وفيه وإن كان على قلة والتفسير البلاغي وفيه التفسير الإجمالي، وفيه التفسير التفصيلي، وفيه التفسير بالأثر وهو غالب عليه وهكذا في أنواع من التفسير.
الناس بعد ذلك في التفسير أخذوا علوم ابن جرير ونثروها في مصنفات في التفسير:
فمنهم من أخذ التفاسير الفقهية وأحكام القرآن فأفردها فصارت هناك مدرسة لتفسير القرآن بخصوص الأحكام وهي التي يسمي أصحابها كتبهم أحكام القرآن، فاعتنى الشافعية مثلا بتفسير لهم يعتني بأحكام القرآن إما على طريقتهم في الفقه وإما على ما اجتهد فيه مؤلف ذلك التفسير كتفسير أحكام القرآن لإلكيا ...
وكذلك المالكية وكذلك الحنفية فسر ابن عطية القرآن وأورد فيه أحكاما كثيرة وابن العربي المالكي في كتابه أحكام القرآن والقرطبي المالكي في كتاب أحكام القرآن.
وكذلك الحنفية في كتاب القرآن للجصاص وغيره من الكتب.
وكذلك الحنابلة وهكذا.
في مدرسة فقهية اعتنى أصحابها ببعض علوم القرآن ببعض تفسير القرآن، وهو ما يستنبط من آي القرآن من أحكام فقهية.
هناك مدرسة أخرى اعتنت بالقراءات وتفسير القرآن بالقراءات ولها مصنفات.
هناك مدرسة أخرى اعتنى أصحابها بالتفسير بتفسير القرآن على وفق اللغة إما من جهة المفردات كغريب القرآن وهي كثيرة، وإما من جهة الاشتقاق، وإما من جهة البلاغة ككتاب الزمخشري، في تفاسير مختلفة.
ومن ذلك تفاسير نحوية اعتنى أصحابها بتفسير القرآن على وجه النحو.
1 / 12
ومنها تفاسير عقدية اعتنى فيها أصحابها بأن يفسروا القرآن على ما تقتضيه عقيدة ذلك المفسر، وقد دخل أهل البدع وأهل الضلالات والفرق الضالة في نشر عقائدهم وبدعهم وضلالاتهم عن طريق تفسير القرآن؛ لأن تفسير القرآن يقبل عليه العامي ويقبل عليه المتعلم، يأخذون هذا العلم فأدخلوا عقائدهم وبدعهم عن طريق تفسير القرآن، فكثرت التفاسير التي فيها العقائد المذمومة والبدع المردية في أنواع من التفاسير كتفسير الماوردي وتفسير الكشاف للزمخشري ونحوها من التفاسير وكتفسير الرازي وأبي السعود ونحوها التفاسير التي ملئت بعقائد أصحابها إما المعتزلة وإما الأشاعرة وإما الماتوريدية كتفسير النسفي ونحو ذلك من أنواع التفاسير.
وأهل السنة أيضا اعتنوا بتفاسير القرآن، فهم في تفسير القرآن بين غيرهم كالشامة في البدن في حسنها وظهورها؛ فإنهم فسروا القرآن على وَفق تفاسير السلف واجتهدوا واستنبطوا من آي القرآن ما لم يَأثروا فيه علما عن السلف لكن كان على وفق العلم النافع فإن أقوالهم في ذلك أقوال محققة منقولة عن السلف أو أقوال مدعومة بالأدلة، هذا كتفسير البغوي رحمه الله تعالى وتفسير ابن الكثير والتفاسير المنقولة عن شيخ الإسلام ابن تيمية وعن ابن القيم ونحوهم من أهل العلم، في هذا الأصل فسر عدد من أهل العلم تفاسير حسنة من جنس تفاسير مدرسة الأثر أو التفاسير السلفية كتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ونحوه.
المقصود من هذا أن التفاسير كثرت جدا في مدارس مختلفة، فما الذي يجب على طالب العلم بالتفسير، هل يأخذ كل هذه التفاسير بعضها مختصر وبعضها مطول، بعضها تفاسير موسوعية مثل تفسير الفخر الرازي يذكر فيه كل شيء ومثل تفسير الألوسي روح المعاني تفاسير كثيرة مختلفة، فأيها يعتني به طالب العلم؟
1 / 13
لاشك أن العلم بالتفسير أمر مهم والتفاسير ما بين مختصرة ومطولة، فالذي ينبغي على طالب العلم بالتفسير أن يعتني أولا بمعاني المفردات أن يعلم المعنى للمفردة؛ يعني في آية لا يعلم معنى الكلمة منها يذهب يبحث عن معنى هذه الكلمة في التفاسير المختصرة ومن التفاسير المختصرة التي تعتني ببيان بعض الكلمات تفسير الجلالين -الجلال المحلي والجلال السيوطي- على بدع في تفسيرهما؛ لكن العلماء في هذه البلاد قد أقرؤوا على التفسير للطلاب في مرحلة المعاهد كما هو معلوم؛ وذلك لأن البدع التي فيه معلومة وهي قليلة بالنسبة للانتفاع الكثير الذي فيه، وإذا رام التفصيل أكثر له أن يستزيد يذهب إلى تفسير ابن كثير إلى تفسير ابن جرير إلى تفاسير أهل اللغة وهكذا.
ثم يعتني بعد قراءته كتب المفردات بقراءة كتب التفسير المختصرة كما ذكرت لك من تفسير الجلالين مثلا أو إذا كان عنده صبر لتفسير ابن كثير رحمه الله تعالى أو إذا رام المزيد في تفسير ابن جرير وهكذا.
فإذن العلم بالتفسير لابد أن يكون على وفق التدرج؛ لأنك إذا فرأت كتبا مطولة في التفسير ربما استحضرت بعض المعاني ولم تستحضر البعض، ومن المعلوم أن العناية بعلم التفسير في هذا الوقت؛ بل وفي طلاب العلم عندنا قليلة، ولهذا مما ينبغي أن يُحفظ هذا العلم وأن يعتني به؛ لأن فهم معاني كلام الله جل وعلا أعز ما يكون، وإن في فهم القرآن وفي فهم تفسير القرآن إن فيه من العلم ما لا يوصف ولا يحفظ يَعرفه من أقبل عليه.
إذن يكون طالب العلم في قراءته التفسير يبدأ بالمختصر ثم يتدرج.
أما عن طريقتنا في التفسير إن شاء الله تعالى التي سنفسر بها القرآن فثم طريقتان طريقة مختصرة وطريقة مطولة:
أما الطريقة المختصرة فهي أن يؤخذ كتاب من كتب التفسير المختصرة ويُقرأ ثم يقرر عليه؛ يعني يشرح ما غمض منه ويبين ما فيه يوضح معنى الآية إن كان ثم مزيدا على ما ذكره المفسر.
1 / 14
وهناك طريقة أخرى مطولة أحسبها أنا أنفع للمتعلمين لأنها وإن كانت مطولة والتفسير الذي يقطع معها قليل لكنها تضع أصولا لطالب العلم بالتفسير يمكنه معها إذا فهمها أن يقيس عليها وأن يطلب علم التفسير على منوالها:
وهي أن يؤخذ في فهم الآية بالمعنى العام أولا المعنى الإجمالي الذي يحتاجه طالب العلم في فهم المعنى العام للآية وهو الذي تعتني به بعض التفاسير الذي يسمى تفسير الإجمالي للآية.
ثم بعد ذلك يؤتى للتفسير التفصيلي للآية في فهم معانيها ومفرداتها وما فيها من البلاغة وتركيباتها؛ لأن في هذا من العلم بإعجاز القرآن، والعلم بأنواع من العلوم المهمة، العلم بالسنة، العلم بالعقيدة في تقرير التوحيد، العلم باللغة بالاشتقاق بالبلاغة بالنحو، ونحو ذلك من العلوم المهمة التي ربما لم يهتم بها طالب العلم إلا إذا سمعها من جهة التفسير.
لهذا نقول التفسير فيمن رام تسير القرآن ينبغي أن يكون مستحضرا فيه أن القرآن نزل هاديا للناس، والله جل وعلا جعل القرآن نورا والقرآن شفاء لما في الصدور وهدى للناس وبينات، فهو مبين وهو هاد وهو نور.
وعلى هذا ينبغي أن يكون المفسّر في تفسيره للقرآن ينظر إلى أن المقصود منه أ، يهدي للتي هي أقوم ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩]، وحال الناس في كل زمن مختلفة، فكل زمن الناس فيه بحاجة لهداية القرآن والقرآن يهدي للتي هي أقوم، والمفسر الذي يفسر القرآن أول ما يجب عليه أن ينظر إلى أن القرآن كتاب هداية، فيفسر القرآن ليهتدي به الناس.
فإذا كان الناس في مرض في نفوسهم بقلة تعبد مثلا كان تفسيره منظورا به إلى هذه الجهة.
إذا كان الناس في ضعف من الاهتمام بالعقيدة والتوحيد وعدم معرفة بتواطؤ الأدلة في ذلك، فإنه يعتني في تفسير القرآن ببيان حق الله جل وعلا وتوحيده وما كان عليه أهل الشرك من العبادات الباطلة، وهذا لاشك أنه في هذا الزمان أحوج ما نكون إليه.
1 / 15
كذلك إذا كان الناس في أمور في مجتمعهم أو في أنفسهم من منكرات فاشية ومن ضلالات فاشية أو تُفشى في الناس فيعتني المفسر ببيان مواقع الحجج على إبطال ذلك وإصلاح الناس وإصلاح المجتمع عن طريق تفسير القرآن؛ لأن القرآن نزل هاديا للناس وهو يهدي للتي هي أقوم.
ولاشك أن العناية بالتفسير غرض كل متعلم، وما أحسن ندم شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في آخر عمره على أنه لم يستغل طوال عمره بتفسير القرآن للناس نعم فسر القرآن في مواضع كثيرة، وما نقل عنه من تفسير القرآن هو كالشمس ضياء في وضوحه وبرهانه ودلالاته؛ لكن هو ندم على أنه لم يهدِ الناس عن طريق تفسير القرآن، وقد ذكر من ترجم له كابن عبد الهادي وغيره أنه مكث سنة كاملة يفسر سورة نوح وهي سورة قصيرة يفسر سورة نوح، مكث سنة كاملة يفسرها يوم الجمعة في مجلس له في التفسير، وهذا لا يكون له إلا على وجه التفسير المطول ليس التفسير الذي فيه بيان معاني الكلمات وحسب؛ بل التفسير المطول الذي يعرض فيه المفسر لما يحتاجه الناس من العلم بالتفسير، وهذا ولاشك هو أمثل الطرق لأن المقصود هداية الناس بالتفسير، وأما إسماع الناس التفسير فإن القرآن طويل، وتفسيره يأخذ أعمارا خاصة إذا لاحظنا أنه في مثل هذا الزمان لا يصبر الناس على دروس يومية في التفسير وإنما إذا صبروا صَبروا على درس واحد في الأسبوع أو اثنين في الأسبوع، وهذا لا يمكن معه أن يفسر القرآن كاملا إلا أن يُقرأ كتاب مختصر في التفسير ويعلق عليه تعليقات يسيرة فإنه ربما ختم في بضع سنين.
هذا العلم بالتفسير الذي كان عند شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وورثه لأصحابه رحمهم الله تعالى على هذه الطريقة، هذا يحتاجه الناس ولاشك فالقرآن هو الشفاء وهو الهداية، من رام الهدى في غيره أضله الله، ولكن الشأن في فهم معاني القرآن، هل كل يفسر....
1 / 16
هذا له مدرسة كبيرة هي مدرسة تفسير القرآن بالرأي؛ ويُعني بالرأي في هذا الموضع عند أهل التفسير الاستنباط والاجتهاد، فمعنى تفسير القرآن بالرأي تفسيره بالاجتهاد، والرأي رأيان رأي ممدوح ورأي مذموم:
أما الرأي الممدوح فهو تفسير القرآن بالاستنباط وبالاجتهاد على وَفق الأصول المعتبرة في الاستنباط والاجتهاد، وفسر الصحابة كما ذكرت لكم بالاستنباط، هناك شروط لمن يفسر القرآن بالاجتهاد والاستنباط، وهذه الشروط جماعها:
أولا أن يكون عالما بالقرآن حافظا له، يعني مستظهرا لآياته عالما بمواقع حججه، مستحضرا لكثير من القراءات المختلفة فيه؛ لأن القراءات المختلفة تفسير لبعض القرآن كما في قراءة مثلا كما في قوله تعالى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ فإنه في القراءة الأخرى ﴿وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطَّهَّرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فهذه تفسير لقوله ﴿حَتَّىَ يَطْهُرْنَ﴾، ﴿حَتَّىَ يَطَّهَّرْنَ﴾ قراءة أخرى تفسير لقوله ﴿يَطْهُرْنَ﴾ .
فإذن العلم بالقرآن بحفظه واستظهاره ومعرفة مواقع حججه، هذا شرط أول فيمن يريد أن يفسّر القرآن بالاستنباط والاجتهاد.
أيضا أن يكون عالما بالسنة إما بالقوة القريبة؛ يعني بالبحث أو بالملكة أن يكون حافظا للسنة ونحو ذلك أو بالبحث ... (١)
يكون عالما كيف يعلم ما بينت السنة من القرآن وكيف يُثبت ذلك يعني أن يكون عارفا بطريقة إثبات السنن وهو المعروف عند أهل العلم بعلم مصطلح الحديث وعلم الرجال، فلابد للمفسر -المفسر بالاستنباط والاجتهاد- أن يكون عالما بالسنة بالبحث بالحفظ أو بالبحث وعالما بطريقة إثبات السنن عن طريق علم مصطلح الحديث والجرح والتعديل وقواعد ذلك.
_________
(١) انتهى الوجه الأول من الشريط الأول.
1 / 17
كذلك من الشروط أن يكون عالما بلغة العرب؛ يعني عنده معرفة بلغة العرب في مفرداتها وفي نحوها وفي علم المعاني بخصوصه من علم البلاغة ونحو ذلك من علوم اللسان العربي الشريف. وهذه لابد منها للمفسر؛ لأن من فسر القرآن بالاستنباط وبالاجتهاد وهو جاهل باللغة فإن تفسيره من قبل الرأي المذموم الذي ورد فيه النهي.
كذلك يحتاج المفسر أن يكون عالما بأصول الفقه؛ لأن أصول الفقه هي أصول الاستنباط، وأصول الاستنباط يحتاجها المفسر كثيرا، فكثير من مواضع الاجتهاد والاستنباط إنما تكون عن طريق أصول الفقه، أرأيت مثلا مجيء الخاص بعد العام، أو مجيء المبيَّن بعد المجمل، أو مجيء المقيد بعد المطلق، أو مجيء النص أو مجيء الظاهر أو الحقيقة أو نحو ذلك التي كلها من مباحث أصول الفقه، فمن لم يكن ضابطا لأصول الفقه فإنه لا يحسن له بل يذم إذا تعاطى التفسير بالاجتهاد فيه.
في علوم أخر ذكرها أهل العلم ثم ختامها وواسطة عقدها أن يكون عالما بكلام أهل السنة في توحيد الله جل وعلا، عالما بالاعتقاد الحق الذي دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة؛ لأن هذا الاعتقاد الذي هو حق لا مرية فيه لابد أن يفسر القرآن على وفقه، فمن كان جاهلا بذلك جهلا بسيطا فإنه إذا فسر القرآن في آيات الاعتقاد والقرآن كما هو معلوم توحيد كله فإنه يَضل وربما يُضل، ومن كان عنده الجهل المركب في هذا الباب وفي هذا العلم الذي هو العلم بالتوحيد علم الاعتقاد بأن كان يعتقد خلاف الحق من أصحاب الأقوال الزائغة والأقوال المبتدعة فإن هذا يَحرم عليه أن يفسر القرآن على وفق آرائه المبتدعة الضالة التي ما كانت على وفق نصوص الكتاب والسنة، وإنما كانت على وفق تقديم العقل على النقل كما هي أصول أهل البدع بأجمعهم.
هذه العلوم لابد منها لمن يستنبط معاني القرآن.
الرأي الثاني الرأي المذموم وهو قسمان:
1 / 18
أن يفسر القرآن برأي عن جهالة أو أن يفسر القرآن برأيٍ باطل إما باعتقاد له أو نحلة له ونحو ذلك كتفاسير أهل البدع، تفاسير أهل البدع للقرآن هي كلها من قبيل الرأي المذموم الذي جاءت به عدة أحاديث تنهى عنه وتتوعد من فسر القرآن برأيه بأن يتبوأ مقعده من النار.
هذه الخلاصة ومقدمة لما سنتعاطاه في هذه الدروس من التفسير.
وفي مقدمة التفسير أو في أصول التفسير سنقرأ إن شاء الله تعالى مقدمة شيخ الإسلام في أصول التفسير، مع بيان ما اشتملت عليه من العلوم النافعة المتصلة بتفسير القرآن.
وأما في التفسير نفسه فسنبتدئ إن شاء الله تعالى بتفسير سورة الفاتحة فإذا أتممناها، إما أن تختاروا كتابا في التفسير، وإما أن تختاروا تفسيرا للقرآن على منوال ما ستسمعون إن شاء الله تعالى من تفسير سورة الفاتحة، ونرجئ الاختيار إلى الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
أسأل الله جل وعلا وأن ينفعني وإياكم بالقرآن، وأن يرفعنا به وأن يجعله حجة لنا وأن يجعله مظللا لنا يوم القيامة.
وأسأله جل وعلا أن يوفقني وإياكم للسداد في القول في تفسير القرآن وفي فهمه إنه أكرم مسؤول.
اللهم إنا نسألك بصيرة في قلوبنا وبصيرة في أقوالنا وبصيرة في أعمالنا، ربنا لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الأسئلة]
السؤالان الأولان يسألان عن تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب.
س١/ وهذا يقول: كما تلاحظ الحضور فيهم مبتدئون في الطلب ولو استخدمنا طريقة التفسير المطولة فستكون شاقة عليهم.
- أخشى أن تكون شاقة على السائل أيضا-
وسوف تطول مدة التفسير جدا خصوصا وأن الدرس مدته قصيرة جدا ويوم واحد.
ج/ على كل حال إن أخذنا بالطريقة المطولة فلنا فيها سلف، وقد فسر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى سورة نوح في سنة، نحن لو فسرنا مثل سورة نوح في شهر ما أظن تكون مطولة.
1 / 19
وأما الطريقة المختصرة فالتفضيل بينها وبين الطريقة المطولة أتركها لكم بعد إسماعكم إن شاء الله تعالى تفسير سورة الفاتحة.
س٢/ يقول: لو غُيّر وقت الدرس إلى مغرب السبت أو مغرب الاثنين؛ لأن مغرب الأحد يوافق درس سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله تعالى ونحن محتاجون لمثل هذا الدرس في التفسير.
ج/ الواقع أن تغيير هذا اليوم بالنسبة لي لا يمكن؛ لأن كل يوم بعد المغرب عندي درس في الجهة التي أسكن فيها، وقد تباحثنا في هذا الأمر مع الأخ الشيخ سعد حفظه الله، ورُئي أنه لا أنسب من هذا اليوم.
ولاشك أنه مما يحز على النفس؛ بل يعظم على النفس أن يكون فينا الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله وأن يُقبل الشباب وطلاب العلم على مثل هذا الدرس أو على أمثاله، فإن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر وهذه سنة العلم؛ لكن كثر طلب العلم وكثر الشباب واحتاجوا إلى دروس مختلفة، اُرتكب شيء من المفسدة في ذلك وإلا فإن الأصل أن الدرس وطلب العلم يكون عند الأكابر عند أكابر العلماء لأنهم هم الحقيقون بالعلم الذين يفهمون العلم ويفهمون أدلته ويبينونه على وَفق ما عُلِّموه أو على وفق ما اجتهدوا فيه وهم أهل لذلك كله.
لكن لا يمكن إما أن نترك هذا الدرس ولو كان الحضور جميعا أو الأغلب فيهم أنهم سيحضرون درس الشيخ عبد العزيز حفظه الله لما عُقد هذا الدرس أصلا؛ لكن رئي أن كثيرين من الشباب لا يحضرون الدرس أصلا، فمجيء هذا الدرس في وقت درس الشيخ بما نتج من البحث مع الإمام وفقه الله وجد أنه لا بأس به، وإلا فإن في النفس حسرة من ذلك؛ لكن الشكوى على الله جل وعلا.
س٣/ ما اسم كتاب شيخ الإسلام في أصول التفسير؟
ج/ اسمه مقدمة في أصول التفسير هي التي سنبدأ بها إن شاء الله تعالى من الدرس القادم.
س٤/ ما رأيكم في الكتب التالية: التحرير والتنوير، في ظلال القرآن، أيسر التفاسير.
1 / 20