شرح المقاصد في علم الكلام
شرح المقاصد في علم الكلام
ناشر
دار المعارف النعمانية
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
1401هـ - 1981م
پبلشر کا مقام
باكستان
اصناف
جعل بحث الجهة خاتمة بحث تناهي الأبعاد لكونها عبارة عن نهاية الامتداد وذلك أن طرف الامتداد بالنسبة إليه طرف ونهاية وبالنسبة إلى الحركة والإشارة جهة ثم أنها موجودة ومن ذوات الأوضاع لأنها مقصد المتحرك بالحصول فيه ومنتهى الإشارة الحسية والمعدوم أو المجرد يمتنع الحصول فيه أو الإشارة إليه وهذا بخلاف الحركة في الكيف كحركة الجسم من البياض إلى السواد فإن السواد مقصد المتحرك بالتحصيل فلا يجب بل يمتنع أن يكون موجود الامتناع تحصيل الحاصل ثم لا يخفى أن معنى الحصول في الجهة الحصول عنها وصولا وقربا كما أن معنى التحرك في جهة كذا التحرك في سمت يتأتى إليها وذلك لأن كلا من المتحرك والحركة منقسم فلا يقع حقيقة إلا في منقسم والجهة لا تقبل الانقسام أعني في مأخذ الحركة والإشارة إذ لو انقسمت كالجوهر مع العرض والعلة مع المعلول وقد يمنع بطلان اللازم فإن العاقل قد يكون بدون العلم كما في النوم وهو ضعيف والأقرب أن العقل قوة حاصلة عند العلم بالضروريات بحيث يتمكن بها من اكتساب النظريات وهذا معنى ما قال الإمام أنها غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات وما قال بعضهم أنها قوة بها يميز بين الأمور الحسنة والقبيحة وما قال بعض علماء الأصول أنها نور يضيء به طريق يبتدأ به من حيث ينتهي إليه درك الحواس أي قوة حاصلة للنفس عند إدراك الجزئيات بها يتمكن من سلوك طريق اكتساب النظريات وهو الذي يسميه الحكماء العقل بالملكة ( قال ومنها ) أي ومن الكيفيات النفسانية الإرادة ويشبه أن يكون معناها واضحا عند العقل غير ملتبس بغيرها إلا أنه تعسر معرفتها بكنه الحقيقة والتعبير عنها بما يفيد تصورها وهي تغاير الشهوة كما أن مقابلها وهي الكراهية تغاير النفرة ولهذا قد يريد الإنسان مالا يشتهيه كشرب دواء كريه ينفعه وقد يشتهي مالا يريده كأكل طعام لذيذ يضره وذهب كثير من المعتزلة إلى أن الإرادة اعتقاد النفع أو ظنه فإن نسبة القدرة إلى طرفي الفعل والترك على السوية فإذا حصل في القلب اعتقاد النفع في أحد طرفيه أو ظنه ترجح بسببه ذلك الطرف وصار مؤثرا عنده وذهب بعضهم إلى أنها ميل يعقب اعتقاد النفع أو ظنه لأن القادر كثيرا ما يعتقد النفع أو يظنه ولا يريده مالم يحدث هذا الميل وأجيب بأنا لا نجعله مجرد اعتقاد النفع أو ظنه بل اعتقاد نفع له أو لغيره ممن يؤثر خبره بحيث يمكن وصول ذلك النفع إليه أو إلى غيره من غير مانع من تعب أو معارضة وما ذكر من الميل إنما يحصل لمن لا يقدر على تحصيل ذلك الشيء قدرة تامة كالشوق إلى المحبوب لمن لا يصل إليه أما في القادر التام القدرة فيكفي الإعتقاد المذكور وذهب أصحابنا إلى أن الإرادة قد توجد بدون اعتقاد النفع أو ميل يتبعه فلا يكون شيء منهما لازما لها فضلا عن أن يكون نفسها وذلك كما في الأمثلة التي يرجح فيها المختار أحد الأمرين المتساويين من جميع الوجوه بمجرد إرادته من غير توقف في طلب المرجح واعتقاد نفع في ذلك الطرف والمعتزلة ينكرون ذلك ويدعون الضرورة بأنه لا بد من مرجح حتى لو تساويا في نفس الأمر لم يستبعد منع اختيار أحد الأمرين وسلوك أحد الطريقين وإنما يستبعد عند فرض التساوي وهو لا يستلزم الوقوع والأصحاب يدعون الضرورة بأن ذلك الترجيح ليس إلا لمحض الإرادة من غير رجحان واعتقاد نفع في ذلك المعين فالإرادة عندهم صفة بها يرجح الفاعل أحد مقدوريه من الفعل والترك وهذا معنى الصفة المخصصة لأحد طرفي المقدور بالوقوع وهذا التفسير كما لا يقتضي كونها من جنس الإعتقاد أو الميل كذلك لا ينفيه وكذا لا يقتضي كون متعلقها مقدورا لجواز أن يكون صفة تتعلق بالمقدور وغيره ويكون من شأنها الترجيح والتخصيص لأحد طرفي المقدور ولهذا جاز إرادة الحياة والموت فبطل ما قيل أن متعلق الإرادة على هذا التفسير لا يكون إلا مقدورا فيمتنع تعلقها بالإرادة والكراهة وبالعكس إلا إذا جعلناهما من مقدورات العبد بأقدار الله تعالى وصح ما قيل في الفرق بين الإرادة والشهوة بأن الإرادة قد تتعلق بالإرادة وبالكراهة بأن يريد الإنسان إرادته لشيء أو كراهته له وكذا الكراهة ولا يلزم منه كون الشيء الواحد مرادا ومكروها معا لأن إرادة الكراهة وكراهة الإرادة لا يوجب إرادة المكروه وكراهة المراد وهذا بخلاف الشهوة فإنه لا معنى لاشتهاء الإنسان شهوته لشيء إلا بمعنى الإرادة كما قيل لمريض أي شيء تشتهي فقال أشتهي أن أشتهي وكذا النفرة لا تتعلق بالنفرة ( قال والفلاسفة ) يعني أنهم لما ذهبوا إلى أن الله تعالى موجب بالذات لا فاعل بالاختيار والإرادة وعلموا أن في نفي الإرادة عنه تعالى شناعة وإلحاقا لأفعاله تعالى بأفعال الجمادات حاولوا إثبات كونه مريدا على وجه لا ينافي كونه تعالى موجبا فزعموا أن الإرادة عبارة عن العلم بما هو عند العالم كمال وخير من حيث هو كذلك أو عن العلم بكون الفاعل عالما بما يفعله إذا كان ذلك العلم سببا لصدور ذلك الفعل عنه حال كونه غير مغلوب في ذلك ولا مستكره والله تعالى عالم بذلك فيكون مريدا واعترض بأن الإرادة والكراهة لو كانتا نوعين من العلم لاختصتا بذوي العلم واللازم باطل لأن الحركة بالإرادة مأخوذة في تعريف مطلق الحيوان فأجابوا بأن المراد من الإرادة المشتركة بين الحيوانات حالة ميلانية إلى الفعل أو الترك وهي منفية عن الواجب ( قال المبحث الثاني ) ذهب الشيخ الأشعري وأتباعه إلى أن إرادة الشيء نفس كراهة ضده إذ لو كانت غيرها لكان إما مماثلا لها أو مضادا أو مخالفا والكل باطل أما الملازمة فلأن المتغايرين إن استويا في صفات النفس أعني مالا يحتاج الوصف به إلى تعقل أمر زائد كالإنسانية للإنسان والحقيقة والوجود والشيئية له بخلاف الحدوث والتحيز ونحوه فمثلان كالبياضين وإلا فإن تنافيا بأنفسهما فضدان كالسواد والبياض وإلا فمتخالفان كالسواد والحلاوة وإما بطلان اللازم فلأنهما لو كانتا ضدين أو مثلين لامتنع اجتماعهما وهذا ظاهر لزوما وفسادا ولو كانتا خلافين لجاز اجتماع كل منهما مع ضد الآخر ومع خلافه لأن هذا شأن المتخالفين كالسواد المخالف للحلاوة يجتمع مع ضدها الذي هو الحموضة ومع خلافها الذي هو الرايحة فيلزم جواز اجتماع إرادة الشيء مع إرادة ضده لأن ضد كراهة الضد إرادة الضد وأجيب بأن عدم الاتحاد لا يستلزم التغاير ليلزم أحد الأمور الثلاثة سلمناه لكن لانم جواز اجتماع كل من المتخالفين مع ضد الآخر لجواز أن يكونا متلازمين وامتناع اجتماع الملزوم مع ضد اللازم ظاهر أو ضدين لأمر واحد كالشك للعلم والظن فاجتماع كل مع ضد الآخر يستلزم اجتماع الضدين وعورض بأن شرط إرادة الشيء وكراهته الشعور به ضرورة وقد يراد الشيء أو يكره من غير شعور بضده فإرادة الشيء لا تستلزم كراهة ضده فضلا أن تكون نفسها إلا أن يقال المراد أنها نفسها على تقدير الشعور بالضد بمعنى أنها نفس كراهة الضد المشعور به وإلا فلا معنى لاشتراط كون الشيء نفس الشيء بشرط واختلف القائلون بالتغاير في الاستلزام فذهب القاضي والغزالي إلى أن إرادة الشيء تستلزم كراهة ضده المشعور به إذ لو لم يكن مشعورا مكروها بل مرادا لزم إرادة الضدين وهو مح لأن الإرادتين المتعلقتين بالضدين متضادتان وأجيب بمنع المقدمتين لجواز أن لا يتعلق بالضد كراهة ولا إرادة ككثير من الأمور المشعور بها ولجواز أن يكون كل من الضدين مرادا من جهة إرادة على السوية أو مع ترجح أحدهما بحسب ما فيه من نفع راجح وأيضا لو صح ما ذكر لكان كراهة الشيء مستلزمة لإرادة ضده المشعور به فيلزم من إرادة الشيء الذي له ضدان أن يكون كل منهما مكروها لكونه ضد المراد ومرادا لكونه ضد المكروه ولا محيص إلا بتغاير الجهتين أو تخصيص الدعوى بما له ضد واحد وإذا جاز ذلك فتجويز إرادة كل من الضدين بجهة لا يصلح في معرض إبطال حكم القاضي بالاستلزام المذكور لجوز أن يكون كل منهما مكروها أيضا بجهة وإنما يصلح في معرض الجواب كما ذكرنا حتى لو دفع بأنكم تجعلون متعلق الإرادة مقارنا لها فيلزم من إرادة الضدين اجتماعهما كان كلاما على السند مع أنه ضعيف لأن القول بأن متعلق الإرادة الحادثة لا يكون إلا مقدورا للمريد مقارنا لإرادته حتى لا يتعلق بفعل الغير وبالمستقبل ويكون كل ذلك من قبيل التمني دون الإرادة مخالف للغة والعرف والتحقيق ( قال ومنها القدرة ) لفظ القوة يقال للصفة التي بها يتمكن الحيوان من مزاولة أفعال شاقة ويقابلها الضعف وقد يقال لصفة المؤثرية فيفسر بصفة هي مبدأ التغير من شيء في آخر من حيث هو آخر فقوله في آخر إشعار بوجوب التغاير بين المؤثر والمتأثر وقيد الحيثية إشعار بأنه يكفي التغاير بحسب الاعتبار كالطبيب يعالج نفسه فيؤثر من حيث أنه عالم بالصناعة ويتأثر من حيث أنه جسم ينفعل عما يلاقيه من الدواء وهذا بالنظر إلى ظاهر الإطلاق وإلا فعند التحقيق التأثير للنفس والتأثر للبدن ولو مثل بالمعالج نفسه في تهذيب الأخلاق وتبديل الملكات لكان أقرب ثم القوة التي هي وصف المؤثرية إما أن تكون مع قصد وشعور بأثرها أو لا وعلى التقديرين فإما أن تكون آثارها مختلفة أو لا
فالأولى وهي الصفة المؤثرة مع القصد والشعور واختلاف الآثار والأفعال هي القوة الحيوانية المسماة بالقدرة
والثانية وهي القوة المؤثرية على سبيل القصد والشعور لكن على نهج واحد من غير اختلاف في آثارها وهي القوة الفلكية
صفحہ 238