298

شرح المقاصد في علم الكلام

شرح المقاصد في علم الكلام

ناشر

دار المعارف النعمانية

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

1401هـ - 1981م

پبلشر کا مقام

باكستان

الرابع أن للبشر شواغل عن الطاعات العلمية والعملية كالشهوة والغضب وسائر الحاجات الشاغلة والموانع الخارجة والداخلة فالمواظبة على العبادات وتحصيل الكمالات بالقهر والغلبة على ما يضاد القوة العاقلة يكون أشق وأفضل وأبلغ في استحقاق الثواب ولا معنى للأفضلية سوى زيادة استحقاق الثواب والكرامة لا يقال لو سلم انتفاء الشهوة والغضب وسائر الشواغل في حق الملائكة فالعبادة مع كثرة المتاعب والشواغل إنما تكون أشق وأفضل من الأخرى إذا استويا في المقدار وباقي الصفات وعبادة الملائكة أكثر وأدوم فإنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون والإخلاص الذي به القوام والنظام واليقين الذي هو الأساس والتقوى التي هي الثمرة فيهم أقوى وأقوم لأن طريقهم العيان لا البيان والمشاهدة لا المراسلة لأنا نقول انتفاء الشواغل في حقهم مما لم ينازع فيه أحد ووجود المشقة والألم في العبادة والعمل عند عدم المنافي والمضاد مما لا يعقل قلت أو كثرت وكون باقي الصفات في حق الأنبياء أضعف وأدنى مما لا يسمع ولا يقبل وقد يتمسك بأن للملائكة عقلا بلا شهوة وللبهائم شهوة بلا عقل وللإنسان كليهما فإذا ترجح شهوته على عقله يكون أدنى من البهائم لقوله تعالى

﴿بل هم أضل

فإذا ترجح عقله على شهوته يجب أن يكون أعلى من الملائكة وهذا عائد إلى ما سبق لأن تمام تقريره هو أن الكافر آثر النقصان مع التمكن من الكمال وكل من فعل كذا فهو أضل وأرذل ممن آثره بدونه لأن إيثار الشيء مع وجود المضاد والمنافي أرجح وأبلغ من إيثاره بدونه فيلزم أن يكون من آثر الكمال مع التمكن من النقصان أفضل وأكمل ممن آثره بدونه وأما التمسك بقوله تعالى

﴿ولقد كرمنا بني آدم

والتكريم المطلق لأحد الأجناس يشعر بفضله على غيره فضعيف لأن التكريم المطلق لا يوجب التفضيل سيما مع قوله تعالى

﴿وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا

فإنه يشعر بعدم التفضيل على القليل وليس غيرالملائكة بالإجماع كيف وقد وصف الملائكة أيضا بأنهم عباد مكرمون قال وتمسك المخالفون أيضا بوجوه نقلية وعقلية أما النقليات فمنها قوله تعالى

﴿ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون

خصصهم بالتواضع وترك الاستكبار في السجود وفيه إشارة إلى أن غيرهم ليس كذلك وأن أسباب التكبر والتعظم حاصلة لهم ووصفهم باستمرار الخوف وامتثال الأوامر ومن جملتها اجتناب المنهيات ومنها قوله تعالى

﴿ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون

ووصفهم بالقرب والشرف عنده وبالتواضع والمواظبة على الطاعة والتسبيح ومنها قوله تعالى

﴿بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون

إلى أن قال

﴿وهم من خشيته مشفقون

وخصهم بالكرامة المطلقة والامتثال والخشية وهذه الأمور أساس كافة الخيرات والجواب أن جميع ذلك إنما يدل على فضيلتهم لا أفضليتهم + سيما على الأنبياء ومنها قوله تعالى

﴿قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني

فإن مثل هذا الكلام إنما يحسن إذا كان الملك أفضل والجواب أنه إنما قال ذلك حين استعجله قريش العذاب الذي أوعدوا به بقوله تعالى

﴿والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون

والمعنى أني لست بملك حتى يكون لي القوة والقدرة على إنزال العذاب بإذن الله كما كان لجبرائيل عليه السلام أو يكون لي العلم بذلك بإخبار من الله بلا واسطة ومنها قوله تعالى

﴿ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين

أي إلا كراهة أن تكونا ملكين يعني أن الملكية بالمرتبة العليا وفي الأكل من الشجرة ارتقاء إليها والجواب أن ذلك تمويه من الشيطان وتخييل أن ما يشاهد في الملك من حسن الصور وعظم الخلق وكمال القوة يحصل بأكل الشجرة ولو سلم فغاية التفضيل على آدم عليه السلام قبل النبوة ومنها قوله تعالى

﴿علمه شديد القوى

يعني جبرئيل عليه السلام والمعلم أفضل من المتعلم والجواب إن ذلك بطريق التبليغ وإنما لتعليم من الله تعالى ومنها قوله تعالى

﴿لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون

أي لا يترفع عيسى في العبودية ولا من هو أرفع منه درجة كقولك لن يستنكف من هذا الأمر الوزير ولا السلطان ولو عكست أحلت بشهادة علماء البيان والبصراء بأساليب الكلام وعليه قوله تعالى

﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى

أي مع أنهم أقرب مودة لأهل الإسلام ولهذا خص الملائكة بالمقربين منهم لكونهم أفضل والجواب أن الكلام سبق لرد مقالة النصارى وغيرهم في المسيح وادعائهم فيه مع النبوة البنوة بل الألوهية والترفع عن العبودية لكونه روح الله ولد بلا أب ولكونه يبرىء الأكمه والأبرص والمعنى لا يترفع عيسى عن العبودية ولا من هو فوقه في هذا المعنى وهم الملائكة الذين لا أب لهم ولا أم ويقدرون على مالا يقدر عليه عيسى عليه السلام ولا دلالة على الأفضلية بمعنى كثرة الثواب وسائر الكمالات ألا يرى أن فيما ذكرت من المثال لم يقصد الزيادة والرفعة في الفضل والشرف والكمال بل فيما هو مظنة الاستنكاف والرضا كالغلبة والاستكبار والاستعلاء في السلطان وقرب المودة في النصارى ومنها اطراد تقديم ذكر الملائكة على ذكرالأنبياء والرسل ولا يعقل له جهة سوى الأفضلية والجواب أنه يجوز أن يكون بجهة تقدمهم في الوجود أو في قوة الإيمان بهم والاهتمام به لأنهم أخفى فالإيمان بهم أقوى وبالتحريض عليه أحرى وأما العقليات فمنها أن الملائكة روحانيات مجردة في ذواتها متعلقة بالهياكل العلوية مبرأة عن ظلمة المادة وعن الشهوة والغضب اللذين هما مبدأ الشرور والقبائح متصفة بالكمالات العلمية والعملية بالعقل من غير شوائب الجهل والنقص والخروج من القوة إلى الفعل على التدريج ومن احتمال الغلط قوية على الأفعال العجيبة وإحداث السحب والزلازل وأمثال ذلك مطلعة على أسرار الغيب سابقة إلى أنواع الخير ولا كذلك حال البشر والجواب أن مبنى ذلك على قواعد الفلسفة دون الملة ومنها أن أعمالهم المستوجبة للمثوبات أكثر لطول زمانهم وأدوم لعدم تخلل الشواغل وأقوم لسلامتها عن مخالطة المعاصي المنقصة للثواب وعلومهم أكمل وأكثر لكونهم نورانيين روحانيين يشاهدون اللوح المحفوظ المنتقش بالكائنات وأسرار المغيبات والجواب أن هذا لا يمنع كون أعمال الأنبياء وعلومهم أفضل وأكثر ثوابا لجهات آخر كقهر المضاد والمنافي وتحمل المتاعب والمشاق ونحو ذلك على ما مر قال المبحث الثامن الولي هو العارف بالله تعالى وصفاته المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات وكرامته ظهور أمر خارق للعادة من قبله غير مقارن لدعوى النبوة وبهذا يمتاز عن المعجزة وبمقارنة الإعتقاد والعمل الصالح والتزام متابعة النبي عن الاستدراج وعن مؤكدات تكذيب الكذابين كما روي أن مسيلمة دعا لأعور أن تصير عينه العوراء صحيحة فصارت عينه الصحيحة عوراء ويسمى هذا إهانة وقد تظهر الخوارق من قبل عوام المسلمين تخليصا لهم من المحن والمكاره وتسمى معونة فلذا قالوا أن الخوارق أنواع أربعة معجزة وكرامة ومعونة وإهانة وذهب جمهور المسلمين إلى جواز كرامة الأولياء ومنعه أكثر المعتزلة والأستاذ أبو إسحق يميل إلى قريب من مذهبهم كذا قال إمام الحرمين ثم المجوزون ذهب بعضهم إلى امتناع كون الكرامة بقصد واختيار من الولي وبعضهم إلى امتناع كونها على قضية الدعوى حتى لو ادعى الولي الولاية واعتقد بخوارق العادات لم يجز ولم يقع بل ربما يسقط عن مرتبة الولاية وبعضهم إلى امتناع كونها من جنس ما وقع معجزة لنبي كانفلاق البحر وانقلاب العصا وإحياء الموتى قالوا وبهذه الجهات تمتاز عن المعجزات وقال الإمام هذه الطرق غير سديدة والمرضى عندنا تجويز جملة خوارق العادات في معرض الكرامات وإنما تمتاز عن المعجزات بخلوها عن دعوى النبوة حتى لو ادعى الولي النبوة صار عدوا لله لا يستحق الكرامة بل اللعنة والإهانة فإن قيل هذ الجواز مناف للإعجاز إذ من شرطه عدم تمكن الغير من الإتيان بالمثل بل مفض إلى تكذيب النبي حيث يدعى عند التحدي أنه لا يأتي أحد بمثل ما أتيت به قلنا المنافي هو الإتيان بالمثل على سبيل المعارضة ودعوى النبي أنه لا يأتي بمثل ما أتيت به أحد من المتحدين لا أنه لا يظهر مثله كرامة لولي أو معجزة لنبي آخر نعم قد يرد في بعض المعجزات نص قاطع على أن أحدا لا يأتي بمثله أصلا كالقرآن وهو لا ينافي الحكم بأن كل ما وقع معجزة لنبي يجوز أن يقع كرامة لولي لنا على الجواز ما مر في المعجزة من إمكان الأمر في نفسه وشمول قدرة الله تعالى وذلك كالملك يصدق رسوله ببعض ما ليس من عادته ثم يفعل مثل ذلك إكراما لبعض أوليائه وعلى الوقوع وجهان

صفحہ 203