شرح المقاصد في علم الكلام
شرح المقاصد في علم الكلام
ناشر
دار المعارف النعمانية
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
1401هـ - 1981م
پبلشر کا مقام
باكستان
اصناف
وثانيهما أن العلم مغاير للذات لما سبق من الأدلة فيكون ممكنا معلوما له ضرورة امتناع احتياج الواجب في صفاته وكمالاته إلى الغير فيلزم كون الشيء قابلا وفاعلا وهو محال وأجيب عن الوجه الأول أولا بعد تسليم لزوم التغاير على تقدير كون العلم صفة ذات إضافة بأن تغاير الاعتبار كاف كما في علمنا بأنفسنا على ما سبق في بحث العلم لا يقال التغاير الاعتباري إنما هو بالعالمية والمعلومية وهو فرع حصول العلم فلو توقف حصول العلم على التغاير لزم الدور وإنما يرد النقض بعلمنا بأنفسنا لو كانت النفس واحدة من كل وجه كالواجب وهو ممنوع فيجوز كونها عالمة من وجه معلومة من وجه لأنا نقول إنما يلزم الدور لو كان توقف العلم على التغاير توقف سبق واحتياج وهو ممنوع بل غايته أنه لا ينفك عن العلم كما لا ينفك المعلول عن علته والمراد بالنقض أن النفس تعلم ذاته التي هي عالمة لا أن يكون العالم شيئا والمعلوم شيئا آخر وثانيا بأن علمه ليس إلا تعلقا بالمعلوم من غير ارتسام صورة في الذات فلا كثرة إلا في التعلقات والإضافات وتحقيقه على ما ذكر بعض المتأخرين أن حصول الأشياء له حصول للفاعل وذلك بالوجوب وحصول الصور المعقولة لنا حصول للقابل وذلك بالإمكان ومع ذلك فلا تستدعي صورا مغايرة لها فإنك تعقل شيئأ بصورة تتصورها أو تستحضرها فهي صادرة عنك بمشاركة ما من غيرك وهو الشيء الخارجي ومع ذلك فإنك لا تعقل تلك الصورة بغيرها بل كما تعقل ذلك الشيء بها كذلك تعقلها أيضا بنفسها من غير أن تتضاعف الصور فيك وإذا كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة غيرك بهذه الحال فما ظنك بحال من يعقل ما يصدر عنه لذاته من غير مداخلة الغير فيه ثم ليس كونك محلا لتلك الصورة شرطا في التعقل بدليل أنك تعقل ذاتك بدون ذلك بل المعتبر حصول الصورة لك حالة كانت أو غير حالة والمعلولات الذاتية للعاقل الفاعل لذاته حاصلة له من غير حلول فيه فهو عاقل إياها من غير أن تكون حالة فيه على أن كثرة الصفات في الذات لا يمتنع عندنا بل عند الفلاسفة وأتباعهم وأجيب عن الثاني بمنع استحالة كون الواحد قابلا وفاعلا قال خاتمة علم الله تعالى غير متناه بمعنى أنه لا ينقطع ولا يصير بحيث لا يتعلق بالمعلوم ومحيط بما هو غير متناه كالأعداد والأشكال ونعيم الجنان وشامل لجميع الموجودات والمعدومات الممكنة والممتنعة وجميع الكليات والجزئيات أما سمعا فلمثل قوله تعالى
﴿والله بكل شيء عليم﴾
﴿عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال﴾
﴿يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور﴾
﴿يعلم ما تسرون وما تعلنون﴾
إلى غير ذلك وأما عقلا فلأن المقتضي للعالمية هو الذات إما بواسطة المعنى أعني العلم على ما هو رأي الصفاتية أو بدونها على ما هو رأي الثقاة وللمعلومية إمكانها ونسبة الذات إلى الكل على السوية فلو اختصت عالميته بالبعض دون البعض لكان لمخصص وهو محال لامتناع احتياج الواجب في صفاته وكمالاته لمنافاته الوجوب والغنى المطلق والمخالفون في شمول علمه منهم من قال يمتنع علمه بعلمه وإلا لزم اتصافه بما لا يتناهى عدده من العلوم وهو محال لأن كل ما هو موجود بالفعل فهو متناه على ما مر مرارا وجه اللزوم أنه لو كان جائزا لكان حاصلا بالفعل لأنه مقتضى ذاته ولأن الخلو عن العلم الجائز عليه جهل ونقص ولأنه لا يتصف بالحوادث وينقل الكلام إلى العلم بهذا العلم وهكذا إلى ما لا يتناهى لا يقال علمه ذاته ولو سلم فالعلم بالعلم نفس العلم لأنا نقول أما امتناع كون العلم نفس الذات فقد سبق وأما امتناع كون العلم بالعلم نفس العلم فلأن الصورة المساوية لأحد المتغايرين تغاير الصورة المساوية للمغاير الآخر ولأن التعلق بهذا يغاير التعلق بذاك والجواب أن العلم صفة واحدة لها تعلقات هي اعتبارات عقلية لا موجودات عينية ليلزم المحال ولا يلزم من كونه اعتبارا عقليا أن لا تكون الذات عالما والشيء معلوما في الواقع لما عرفت من أن انتفاء مبدأ المحمول لا يوجب انتفاء الحمل على أن مغايرة العلم بالشيء للعلم بالعلم إنما هي بحسب الاعتبار فلا يلزم كثرة الأعيان الخارجية فضلا عن لاتناهيها وبهذا يندفع الاستدلال بهذا الإشكال على نفي علمه بذاته بل بشيء من المعلومات وأجاب الإمام بأن هذه أمور غير متناهية لا آخر لها والبرهان إنما قام على مالا أول لها ومنهم من قال لا يجوز علمه بما لا يتناهى أما أولا فلأن كل معلوم يجب كونه ممتازا وهو ظاهر ولا شيء من غير المتناهي بممتاز لأن المتميز عن الشيء منفصل عنه محدود بالضرورة وأما ثانيا فلأنه يلزم صفات غير متناهية هي العلوم لما عرفت من تعدد العلوم بتعدد المعلومات والجواب عن الأول أنا لانم أن كل متميز عن غيره يجب أن يكون متناهيا وأن انفصاله عن الغير يقتضي ذلك كيف ولا معنى للانفصال عن الغير إلا مغايرته له وعن الثاني ما سبق وأجاب الإمام عن الأول بأن المتميز كل واحد منها وهو متناه واعترض بأنه إذا كان غير المتناهي معلوما يجب أن يكون متميزا ولا يفيده تميز كل فرد والجواب أنه لا معنى للعلم بغير المتناهي إلا العلم بآحاده وبهذا يندفع الإشكال على معلومية الكل أي جميع الموجودات والمعدومات بأنه لا شيء بعد الجميع يعقل تميزه عنه وقد يجاب بأن تميز المعلوم إنما هو عند ملاحظة الغير والشعور به فحيث لا غير لا يلزم التميز ولو سلم فيكفي التميز عن الغير الذي هو كل واحد من الآحاد ومنهم من قال يمتنع علمه بالمعدوم لأن كل معلوم متميز ولا شيء من المعلوم بمتميز والجواب منع الصغرى أما إن أريد التميز بحسب الخارج والكبرى إن أريد بحسب الذهن ومن المخالفين من لم يجوز علمه بذاته ومنهم من لم يجوز علمه بغيره تمسكا بالشبهة المذكورة لنفي العلم مطلقا قال والفلاسفة في العلم بالجزئيات المشهور من مذهبهم أنه يمتنع علمه بالجزئيات على وجه كونها جزئيات أي من حيث كونها زمانية يلحقها التغير لأن تغير المعلوم يستلزم تغير العلم وهو على الله محال في ذاته وصفاته وأما من حيث أنها غير متعلقة بزمان فتعقلها تعقل بوجه كلي لا يلحقه التغير فالله يعلم جميع الحوادث الجزئية وأزمنتها الواقعة هي فيها لا من حيث أن بعضها واقع الآن وبعضها في الزمان الماضي وبعضها في الزمان المستقبل ليلزم تغيره بحسب تغير الماضي والحال والمستقبل بل علما ثابتا أبدا لدهر غير داخل تحت الأزمنة مثلا يعلم أن القمر يتحرك كل يوم كذا درجة والشمس كذا درجة فيعلم أنه يحصل لهما مقابلة يوم كذا وينخسف القمر في أول الحمل مثلا وهذا العلم ثابت له حال المقابلة وقبلها أو بعدها ليس في علمه كان وكائن ويكون بل هي حاضرة عنده في أوقاتها أزلا وأبدا وإنما التعلق بالأزمنة في علومنا والحاصل أن تعلق العلم بالشيء الزماني المتغير لا يلزم أن يكون زمانيا ليلزم تغيره وقال الإمام أن اللائق بأصولهم أن الجزئي إن كان متغيرا أو متشكلا يمتنع أن يتعلق به علم الواجب لما يلزم في الأول من تغير العلم وفي الثاني من الافتقار إلى الآلة الجسمانية وذلك كالأجرام الفلكية فإنها متشكلة وإن لم تكن متغيرة في ذواتها وكالصور والأعراض فإنها متغيرة وكالأجرام الكائنة الفاسدة فإنها متغيرة ومتشكلة وأما ما ليس بمتغير ولا متشكل كذات الواجب وذوات المجردات فلا يستحيل بل يجب العلم به على ما يقرره الحكماء من أنه عالم بذاته الذي هو مبدأ للعقل الأول بالذات ولا شك أن كلا منهما جزئي والعمدة في احتجاج الفلاسفة أنه لو علم أن زيدا يدخل الدار غدا فإذا دخل زيد الدار في الغد فإن بقي العلم بحاله بمعنى أنه يعلم أن زيدا يدخل غدا فهو جهل لكونه غير مطابق للواقع وإن زال وحصل العلم بأنه دخل لزم تغير العلم الأول من الوجود إلى العدم والثاني من العدم إلى الوجود وهذا على القديم محال لا يقال كما أن الإعتقاد الغير المطابق جهل فكذا الخلو عن الإعتقاد المطابق بما هو واقع لأنا نقول لو سلم فإذا لم يعلمه على وجه كلي والجواب أن من الجزئيات مالا يتغير كذات الباري وصفاته الحقيقية عند من يثبتها وكذوات العقول فلا يتناولها الدليل وتخصيص الحكم بالبعض على ما يشير إليه كلام الإمام إنما يصح في القواعد الشرعية دون العقلية ولما أمكن التفصي عن هذا بأنه يجوز أن يكون المدعي العام وهو أنه لا يعلم شيئا من المتغيرات أو إن بينوا الامتناع في الجزئيات المتغيرة بهذا الدليل وفي غير المتغيرة بدليل آخر أو أن يقصدوا إبطال كلام الخصم وهو أنه عالم بجميع الجزئيات على وجه الجزئية اقتصر الجمهور في الجواب على منع الملازمة مستندا بأن العلم إما إضافة أو صفة ذات إضافة وتغير الإضافة لا يوجب تغير المضاف كالقديم يتصف بأنه قبل الحادث إذا لم يوجد الحادث ومعه إذا وجد وبعده إذا فني من غير تغير في ذات القديم فعلى تقدير كون العلم إضافة لا يلزم من تغير المعلوم إلا تغير العلم دون الذات وعلى تقدير كونه صفة ذات إضافة لا يلزم تغير العلم فضلا عن الذات وأجاب كثير من المعتزلة وأهل السنة بأن علم الله تعالى بأن الشيء سيحدث هو نفس علمه بأنه حدث للقطع بأن من علم أن زيدا يدخل الدار غدا واستمر على هذا العلم إلى مضي الغد علم بهذا العلم أنه دخل الدار من غير افتقار إلى علم مستأنف فعلى هذا لا تغير في العالمية التي تثبتها المعتزلة والعلم الذي تثبته الصفاتية وهذا بخلاف علم المخلوق فإنه لا يستمر ومرجع هذا الجواب إلى ما سبق من كون العلم أو العالمية غير الإضافة إذ لا شبهة في تغير الإضافة بتغير المضاف إليه ولهذا أوضحوا هذا المدعى بأن العلم لو تغير بتغيرالمعلوم لتكثر بتكثرة ضرورة فيلزم كثرة الصفات بل لاتناهيها بحسب لاتناهي المعلومات وبأن العلم صفة تتجلى بها المعلومات بمنزلة مرآة تنكشف بها الصور فلا يتغير بتغير المعلوم كما لا تتغير المرآة بتغير الصورة وبأنه صفة تعرض لها إضافات وتعلقات بمنزلة إنسان جلس زيد عن يساره ثم قام فجلس عن يمينه فإنه يصير متيامنا لزيد بعدما كان متياسرا له من غير تغير فيه أصلا فظاهر أن هذا لا يتم على القول بكون العلم تعلقا بين العالم والمعلوم على ما يراه جمهور المعتزلة فلهذا رده أبو الحسين البصري بوجوه
أحدها القطع بأن من علم أن زيدا يدخل البلد غدا وجلس مستمرا على هذا الإعتقاد إلى الغد في بيت مظلم بحيث لم يعلم دخول الغد فإنه لا يصير عالما بدخول زيد ولو كان العلم بأنه سيدخل نفس العلم بأنه دخل لوجب أن يحصل هذا العلم في هذه الصورة فإذا لم يحصل لم يكن بل الحق أن العلم بأنه دخل علم ثالث متولد من العلم بأنه سيدخل غدا ومن العلم بوجود الغد
وثانيها أن متعلق العلم الأول أنه سيدخل وشرطه عدم الدخول ومتعلق العلم الثاني أنه دخل وشرطه تحقق الدخول فلا خفاء في أن الإضافة إلى أحد المختلفين أو الصورة المطابقة له تغاير الإضافة إلى الآخر أو الصورة المطابقة له وكذا المشروط بأحد المتنافيين يغاير المشروط بالآخر
صفحہ 92