53

شرح لمعة الاعتقاد - ناصر العقل

شرح لمعة الاعتقاد - ناصر العقل

اصناف

الأدلة على كلام الله أما ما ورد في دلالة الآيات فإن الآية الأولى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء:١٦٤]، ومعنى هذا: أن الله ﷿ هو الذي كلم موسى، وليس موسى هو الذي كلم الله؛ هذا من ناحية. الناحية الأخرى: أن التكليم لا يمكن أن يحمل على معنىً آخر؛ لأن الآية قاطعة ومحكمة في التصريح بالتكليم؛ لأن الله ﷿ أشار إلى المصدر على جهة التأكيد فقال: «وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى»، ثم قال: ﴿تَكْلِيمًا﴾ [النساء:١٦٤]؛ لئلا يقال: كلمه وحيًا غير مباشر، أو كلمه إلهامًا، أو كلمه برؤيا، أو كلمه بالشجرة، أو كلمه بحروف وأصوات مخلوقة؛ كل ذلك -أي: ما تأول به المتأولون- باطل قطعًا بنص الآية وصريح نطقها. ثم قال: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾ [الأعراف:١٤٤]، وهذا يعني أن الله ﷿ نادى موسى، وهذا ينفي أن يكون الكلام جاء من الشجرة؛ لأن المنادي هو الله، ولو كان الكلام كلام الشجرة، أو كلامًا خلقه الله في الشجرة، أو حروفًا وأصواتًا اجتمعت فتوافرت على الكلام؛ لكان المنادي هو هذا المخلوق، ولا يليق بأن يكون المنادي هو المخلوق باسم الله ﷿؛ لأنه قال: ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾ [الأعراف:١٤٤]، والمرسل هو الله والمصطفي هو الله والمتكلم هو الله؛ إذًا لا يمكن أن يكون الكلام إلا كلام الله. كذلك قوله ﷿: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ [البقرة:٢٥٣]، وهذا يعني أن الله خص البعض بالتكليم، ومعناها: منهم من كلمه الله، لا كما يفهم بعض المبتدعة بأن منهم من كلم ربه، فكل الناس يخاطبون ربهم بالدعاء والعبادة. وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى:٥١]، بمعنى أن الله ﷿ يكلم بعض عباده بأنواع التكليم، منها ما هو وحي مباشر، ومنها ما هو من وراء حجاب، فكلام الله ﷿ لموسى من أنواع الوحي المباشر، وكلام الله لمحمد ﷺ الأرجح أنه من وراء حجاب، أي كلامه له عند الإسراء والمعراج. وكذلك الآية التي بعدها: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى﴾ [طه:١١]، يعني: المنادي هو الله ﷿، إذًا هو المتكلم؛ لأنه قال: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ [طه:١٢]، فلو كان الكلام من الشجرة، أو من مخلوق، أو حروفًا وأصواتًا اجتمعت وهي مخلوقة؛ لما جاز أن تقول هذه الحروف وهذه المخلوقات: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ [طه:١٢]، فلا بد أن يكون المتكلم هو الله ﷿، وكذلك قوله: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ [طه:١٤]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال عبد الله بن مسعود ﵁: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء، وروي ذلك عن النبي ﷺ. وروى عبد الله بن أنيس عن النبي ﷺ أنه قال: (يحشر الخلائق يوم القيامة حفاة عراة، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديَّان)، رواه الأئمة، واستشهد به البخاري. وفي بعض الآثار: أن موسى ﵇ ليلة رأى النار فهالته وفزع منها ناداه ربه: يا موسى! فأجاب سريعًا استئناسًا بالصوت فقال: لبيك لبيك! أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك وأمامك، وعن يمينك وعن شمالك؛ فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: فكذلك أنت يا إلهي! أفكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى!]. في هذا المقطع أشار المؤلف ﵀ إلى كلام ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي سمعه أهل السماء، وروي ذلك عن النبي ﷺ، وقوله: (روي) هو على وجوه: منها: ما ورد من أن الملائكة تسمع وحي الله ﷿ إذا نزل، وهذا ثابت، في أحاديث صحيحة، قال المحقق: ذكر البخاري تعليقه موقوفًا على ابن مسعود، باب قول الله تعالى: ﴿لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [طه:١٠٩]، بلفظ: سمع أهل السماوات شيئًا. وهذا اللفظ قد يكون فيه كلام وإسناده حسن، لكن المقصود بسماع كلام الله ﷿ من قبل أهل السماوات وخاصة الملائكة وارد في نصوص أخرى منها النص التالي الذي ورد في البخاري وغيره، فقد يوهم تضعيف الحديث أو القول بأنه حسن هنا عند بعض المعلقين هداهم الله يوهم أن أصل هذه العقيدة فيه كلام، بينما ليس فيه كلام من حيث إنه ورد بألفاظ أخرى صحيحة، وهو أن الله ﷿ إذا تكلم بالوحي سمعه أهل السماء -يعني الملائكة- فهذا ثابت عند البخاري وغيره. وما ورد هنا في آخر المقطع من القصة التي فيها أن موسى ليلة رأى النار فهالته إلخ، هذا

3 / 5