Sharh Lum'at al-I'tiqad by Khalid Al-Mosleh
شرح لمعة الاعتقاد لخالد المصلح
اصناف
وجوب الوقوف على ما كان عليه سلف الأمة
ثم قال ﵀: [وقال عبد الله بن مسعود ﵁: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم)] .
(اتبعوا) أي: اتبعوا سنة من قبلكم من الأئمه المهديين، (ولا تبتدعوا) أي: لا تحدثوا (فقد كفيتم) أي: قد كفاكم الله أن تحدثوا شيئًا في الدين، أو أن تقولوا فيه ما لم يقل، أو ما لم يأت به الخبر عن نبيكم؛ فإن الله قد أتم الدين وأكمله، قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة:٣] فكل من لم يقتصر على ذلك فإنه يزعم أن الدين لم يكتمل، وأنه بحاجة إلى مزيد.
قال رحمه: [وقال عمر بن عبد العزيز ﵁ كلامًا معناه: قف حيث وقف القوم؛ فإنهم عن علم وقفوا، وببصرٍ نافذٍ كفوا، وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم: حدث بعدهم؛ فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم محسر، وما دونهم مقصر، لقد قصر عنهم قوم فجفو، وتجاوزهم آخرون فغلو، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدىً مستقيم.
وقال الإمام أبو عمر الأوزاعي ﵁: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول.
وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها قال: فشيءلم يعلمه هؤلاء علمته أنت؟ قال الرجل: فإني أقول: قد علموها، قال: أفوسعهم ألايتكلموا به ولا يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم، قال: فشيء وسع رسول الله ﷺ وخلفائه، لايسعك أنت؟ فانقطع الرجل، فقال الخليفة وكان حاضرًا: لا وسَّع الله على من لم يسعه ما وسعهم] .
هذه النقول عن الأئمة ﵏ فيها تقرير ما تقدم من وجوب الوقوف في النصوص على ما كان عليه سلف الأمة ﵏.
يقول عمر بن عبد العزيز ﵀ كلامًا معناه: (قف حيث وقف القوم) القوم المراد بهم: سلف الأمة، وما كان عليه صحابة رسول الله ﷺ.
(فإنهم عن علم وقفوا): هذا فيه الرد على الذين يقولون: إن طريق السلف أسلم وطريق الخلف أعلم وأحكم.
بل طريق السلف أعلم وأحكم وأسلم، وأما طريق الخلف فليس فيه علم ولا سلامة ولا حكمة، بل هو مخالف لما كان عليه سبيل الأقدمين من السلف الصالحين.
فقوله: ﵀: (فإنهم عن علم وقفوا) أي: لم يقفوا عجزًا، ولا كما يزعمون اشتغالًا بالجهاد ونشر الدين، إنما وقفوا عن علم، فوقوفهم وقوف بصيرة، وليس وقوف عجزٍ أو انشغال.
(وببصر نافدٍ كفوا) أي: ببصرٍ بعيد النظر كفوا عن التعرض للصفات بطلب كيفياتها وتحريفها عما دلت عليه النصوص، (وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى) أي: كان لهم من القدرة والمكانة والقوة ما يتمكنون به كشف معاني تلك النصوص، وبيان كيفياتها، لو كان ذلك خير، ولو كان ذلك فضل، لكنهم أعرضوا عن ذلك؛ لأنهم يعلمون أنه لا سبيل إلى علم ذلك.
فهم أهل اللسان وهم شهدوا التنزيل وهم الذين تلقوا عن الرسول ﷺ، فلما أعرضوا دل ذلك على أن إعراضهم هو الصواب والصحيح، (فلئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه مايشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فالواجب الاقتصار على ما كانوا عليه، فما فوقهم محسر، وما دونهم مقصر، لقد قصر عنهم قوم فجفوا، وتجاوزهم آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدىً مستقيم) فالواجب لزوم طريقهم.
كذا ما نقله ﵀ عن الأوزاعي، وكذا ما نقله عن الأدرمي في المناظرة، فالواجب على المؤمن أن يقف حيث وقف أولئك، وقد أحسن الخليفة لما قال: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم، كما قال رسول الله ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ) .
يقول: [وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله ﷺ وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم، والراسخين في العلم، من تلاوة آيات الصفات، وقراءة أخبارها، وإمرارها كما جاءت، فلا وسع الله عليه] .
ونقف على هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وبهذا يكون المؤلف انتهى من المقدمة، ويبدأ بعد هذا بذكر شيء من الصفات؛ نسأل الله ﷾ العلم النافع والعمل الصالح.
2 / 16