Sharh Lumat al-I'tiqad by Al-Mahmood
شرح لمعة الاعتقاد للمحمود
اصناف
شرح قصة الأذرمي مع المبتدع والعبرة منها
وأما قصة عبد الله الأذرمي فإنها كما حكاها ابن الجوزي في ترجمة الإمام أحمد، وحكاها أيضًا الذهبي في (سير أعلام النبلاء) في المجلد الحادي عشر أيضًا في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل هي: أن هذا الرجل الأذرمي أتي به مقيدًا ليمتحن بالقول بخلق القرآن، وكان كل من يرد الامتحان يكون الخليفة حاضرًا، وقاضي القضاة حاضرًا، وكانت المسألة نوعًا من المحاكمة والنقاش، فدخل وهو في قيوده، ويقال: إن الفتنة كانت في عهد الواثق، والذي يحكيها ابنه: فقال هذا الشيخ: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال الخليفة: لا سلام عليك ولا رحمة؛ مذنب مجرم مرتكب لبدعة إثبات كلام الله ﷾، وأنه يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، فقال هذا القاضي بكل أدب: بئس ما علمك مؤدبك، إن الله يقول: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء:٨٦]، هنا انتبه أحمد بن أبي دؤاد؛ حيث كان يظن أن أمامه شيخ عادي، فقال أحمد بن أبي دؤاد القاضي المعتزلي: يا أمير المؤمنين! إن الرجل صاحب حجة، فدعني أحاجه؟! قال: تفضل، فبدأت المحاجة بينهما: فقال هذا الشيخ الأذرمي لـ أحمد بن أبي دؤاد: أسألك أو تسألني؟ فقال أحمد بن أبي دؤاد -من باب أن يعرف ما عنده-: اسأل أنت.
فقال له الشيخ: هذا الذي تدعو إليه -القول بخلق القرآن- أعلمه رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر؟ فالمعتزلي قال: لا، فقال له: سبحان الله! شيء علمته ما علمه رسول الله ﷺ ولا أبو بكر ولا عمر، والله ما هذا علم ينفع، فانقطع.
ولهذا جاء في بعض الروايات أنه قال للخليفة: هذه واحدة، يعني: سجلنا عليه نقطة في انقطاعه في الحوار، فقال أحمد بن أبي دؤاد: أقلني، يعني: أقلني عن الجواب الأول، فإنني أقول: قد علموها.
إذًا: صارت النتيجة أن أحمد بن أبي دؤاد يدعي أن الرسول ﷺ وأبا بكر علموا هذه البدعة التي قال بها، فقال له ذلك الرجل: لما علموها هل تكلموا بها ودعوا الناس إليها؟ فقال له: لا، لم يتكلموا بها ولم يدعوا الناس إليها، فقال له: أفلا وسعك ما وسعهم؟ يعني: أمر وسع رسول الله ﷺ وأبا بكر وعمر وعثمان وعليًا، ولم يسعك أنت إلا أن ترغم الناس وتلزمهم بذلك؟! فصار الخليفة يردد عبارته الأخيرة: وسع رسول الله ﷺ وأبا بكر وعمر أفلا يسعنا ما وسعهم؟! ويكررها ويفكر فيها، ثم قال في الحال: فكوا قيوده.
ففكوا قيوده، وأطلقوا سراحه.
ويقال: إنه بسبب هذه القصة توقف الخليفة الواثق في آخر أمره عن القول بخلق القرآن، حتى يقال: إنه ما مات إلا وقد تاب من ذلك.
ولننظر إلى منهج هذا الإمام في النقاش؛ حيث قال له: هل علموها أو لا؟ لأن هذا الإنسان ابتدع بدعة جديدة، فإذا كانوا لم يعلموها فكيف صرت أعلم من أصحاب الرسول ﷺ؟ بل أعلم من الرسول ﵊؟! ثم بعد ذلك أيضًا لما قال له إنهم علموها، قال: هل دعوا الناس إليها؟ وفعلًا هم ما دعوا الناس إلى القول بخلق القرآن، فلما تبين أنهم لم يدعوا إليها قال: ألا يسعنا ما وسع هؤلاء؟ فانقطع الرجل المبتدع وأخرس، ولا شك أن هذا من توفيق الله ﷾.
إذًا: العبرة من هذه القصة هي منهجية هذا الإمام، وكيف أنه أسكته لا بحجج عقلانية وغيرها، وإنما بالحجة القوية اليسيرة في عرضها وفهمها، لكن لأنها كانت منهجية كانت قوية في إفحام هذا المبتدع؛ لأنها كانت تعتمد هذا المنهج الصحيح في أن الأمور ترجع إلى ما كان عليه السلف الصالح، وأن من ابتدع بدعة فقد أحدث، وكانت نتيجة ما وفق الله ﷾ هذا الإمام لهذا العرض القوي: أن قال الخليفة -وكان حاضرًا-: (لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم) .
3 / 13