شرح كتاب نقد متون السنة للدميني - محمد حسن عبد الغفار

Muhammad Hassan Abdul Ghafar d. Unknown
75

شرح كتاب نقد متون السنة للدميني - محمد حسن عبد الغفار

شرح كتاب نقد متون السنة للدميني - محمد حسن عبد الغفار

اصناف

الأمثلة على ما قام به العلماء من عرض السنة على الوقائع التاريخية لقد اهتم العلماء جدًا بمسألة تواريخ الرواة؛ لمعرفة التدليس والإرسال والانقطاع، فكل ذلك لا يعرف إلا بالتاريخ، فقد روى صهيب الواسطي عن عائشة، فقالوا له: أين التقيت بـ عائشة؟ قال: التقيت بها بواسط، فهو صهيب الواسطي، فكان يقول: حدثتني عائشة بواسط، فلولا التاريخ لأخذنا هذا الحديث على محمله، لكن ظهر كذب هذا الراوي صهيب بالتاريخ؛ لأن واسط أسسها الحجاج بن يوسف الثقفي، والحجاج لم يعاصر عائشة، بل توفيت قبله بكثير، فكيف يقول: حدثتني عائشة؟! فظهر كذب الرجل بأن الحجاج هو الذي أسس واسط. وأيضا نفس الراوي كان يقول: حدثني إبراهيم النخعي فقالوا: صف لنا إبراهيم النخعي، فقال: كان كبير الجسد، أو كبير العينين فظهر كذبه في هذا الوصف؛ لأن إبراهيم النخعي كان أعور ولم يكن له غير عين واحدة، فلما قال: كبير العينين، قال له الناس: أنت كذاب، فعلماء الجرح والتعديل كانوا يفتشون عن التواريخ حتى يبينوا الكذاب من غير الكذاب. وأيضًا من طرق علم الجرح والتعديل السؤال عن حاله، وكشف أمره، وتلقينه، والمذاكرة، وأيضا تاريخ الرواة، وأيضًا التلقين كان بابًا من أبواب كشف الرواة. وهناك أحاديث في البخاري وفي مسلم عليها علامات الضعف الشديد والوهم ولا أستطيع أن أقول: الوضع، وإن قال ابن حزم هذا الكلام؛ بسبب الوقائع التاريخية. ومن هذا الباب: حديث ابن عباس أنه قال: (كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي ﷺ: يا نبي الله! ثلاثًا ثم ذكر أن عنده أحسن وأجمل نساء العرب أم حبيبة فقال: أزوجك إياها، فقال النبي ﷺ: نعم)، فالتاريخ يبين ضعف هذه الرواية؛ حيث إن إسلام أبي سفيان كان متأخرًا، والنبي ﷺ تزوج أم حبيبة لما هاجرت إلى الحبشة، والنجاشي هو الذي أمهرها حتى تزوجها النبي ﷺ، وكان ذلك بعدما هاجرت إلى الحبشة، فالتاريخ يبين بالتأكيد أن هذه الرواية وهم شديد من الراوي؛ لأن أبا سفيان لم يسلم إلا متأخرًا؛ ولذلك فـ ابن الجوزي وابن القيم وغيرهما يبينون أن علامات الوهم الشديد تظهر على هذه الرواية؛ لأن التاريخ يكذب هذه القصة، ولا نقول: إن هذا الحديث موضوع، وإنما نبين وهم الراوي، وأنه اختلط عليه الأمر؛ لأن أبا سفيان أسلم متأخرًا. وأيضًا من الأمثلة التي تبين لنا قوة مقياس المحدثين لنقد المتون وغربلة هذه المتون عن طريق النظر في التاريخ، أن في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية ادعى حدث هذا الأمر كما سنبين، أن اليهود أن النبي ﷺ رفع عنهم الجزية، فقالوا: فأنتم أخذتم منا الجزية فلا بد أن تدفعوا لنا كل الذي أخذتموه؛ لأنكم تتبعون رسول الله، ورسول الله ﷺ قد رفع عنا الجزية وأتوا بصحيفة، وهذه الصحيفة أمضى عليها معاوية بن أبي سفيان وأمضى عليها كثير من الصحابة. ونحن لا نستطيع أن نبين عور هذه الصحيفة إلا بالتاريخ، وهذا مقياس قوي عند المحدثين الذين يضعفون الأحاديث ومتون السنة بسبب التاريخ. ومثال ذلك أيضا ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله من صفة حج النبي ﷺ قال جابر: (فصلى النبي ﷺ الظهر في مكة)، يعني: ذهب فطاف طواف الزيارة وطواف الإفاضة، والفرق بين طواف الإفاضة وطواف القدوم: أن الإنسان إذا دخل مكة في وقت الحج طاف طواف القدوم، وأما طواف الإفاضة فيكون عند الانتهاء من مناسك الحج، وطواف الوداع سنة عند الجماهير وواجب عند بعضهم، وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج، ولو لم يطف خمس سنوات فإن حجه يكون معلقًا حتى يطوف طواف الزيارة. يقول جابر: (طاف النبي ﷺ طواف الإفاضة وصلى الظهر في مكة). وجاء نص الحديث عن ابن عمر كما في صحيح مسلم قال: (وصلى النبي ﷺ الظهر بمنى)، فهذه المسألة تحتاج إلى نظر شديد، فـ جابر يقول: صلى بمكة، وأما ابن عمر فقال: صلى بمنى، فرواية ابن عمر ليس فيها ضعف ورواية جابر أتقن؛ لأنه هو أروى الناس في صفة الحج عن النبي ﷺ، والصحيح: أننا نستطيع أن نجمع بينهما: فيكون النبي ﷺ قد صلى الظهر بمكة، ثم رجع إلى منى وصلى الظهر بأصحابه بمنى، يعلمهم هذا الأمر، وإن كان الجمع فيه شيء من التكلف، لكنه أولى من أن نطرح حديثًا قد صح، ولاسيما إن كان في صحيح مسلم. والمثل الآخر في عرض متون السنة على التاريخ: ما انتقد على البخاري ومسلم في حديث في الإسراء ومتنه الغريب، (ليلة أسري بالنبي ﷺ من مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر من الملائكة قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد، فأخذوا النبي ﷺ ثم قص القصة. فالتاريخ يبين لنا أن الإسراء بالإجماع كان بعد ما أوحي إلى النبي ﷺ، فهذه دلالة قوية جدًا على الحاجة إلى النظر في التاريخ، فلما عرضنا هذه الرواية على التاريخ وجدنا أن هناك وهمًا شديدًا قد وقع، إذ إن النبي ﷺ لم يُسرَ به إلا بعد أن أوحي إليه، بل إن الإسراء جاء بعد شدة الكرب الذي لاقاه النبي ﷺ من أهل مكة، فقد ضيقوا عليه الخناق جدًا، فذهب إلى الطائف إلى الطائف يعرض نفسه على عبد ياليل، والحديث في البخاري: (أن عائشة قالت: ما هي أشد الأيام التي مرت بك يا رسول الله؟! فذكر لها أن أشد الأيام عندما عرض نفسه على عبد ياليل في الطائف، فرفضوا النبي ﷺ وردوه، حتى إن الأطفال رجموه بالحجارة ﷺ -بأبي هو وأمي-، وبعث الله إليه ملك الجبال يستأذنه أن يطبق الجبلين على هؤلاء، فرفض النبي ﷺ -وهو الذي وصفه الله بأنه بالأمة رءوف رحيم ﷺ، فلما رجع أراد الله أن يفرج همه فأسري به، فجاء البراق وأخذ النبي ﷺ إلى بيت المقدس، فأم الأنبياء أجمعين، ثم عرج بالنبي ﷺ، فمن قال: إنه قبل أن يوحى إليه، فهذا وهم شديد. وأيضًا من الروايات التي يتحكم في نقدها التاريخ ويبين أن هذه الرواية ليست صحيحة، ما رواه الترمذي في سننه أن النبي ﷺ دخل مكة يوم الفتح وعبد الله بن رواحة بين يديه ينشد: خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله إلى آخر الأبيات التي قالها عبد الله بن رواحة، وهذا الحديث أيضا فيه ضعف، والتاريخ هو الذي يحكم بضعف هذه الرواية؛ لأن عبد الله بن رواحة مات في مؤتة، وغزوة مؤتة كانت قبل فتح مكة بقدر أربعة أشهر، وليس من الممكن أن يقال: أحيا الله عبد الله بن رواحة فأنشد بين يدي النبي ﷺ ثم مات، لكن قد تكون معجزة من المعجزات، كما أحيا الله ذلك الرجل صاحب البقرة، فمن الممكن أن تقول: راوي الحديث ليس بواهم، فهو ثقة ثبت، فلم لا نقول: إن الله جل وعلا أحيا عبد الله بن رواحة فأنشد بين يدي النبي ﷺ هذا الشعر. وينفي هذا الإحياء قول الله ﷾: (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون:١٠٠]. والصحيح الراجح: أنه يمكن أن نؤول هذا فنقول: إن هذه الأبيات هي لـ ابن رواحة فأنشد بهذه الأبيات أمام النبي ﷺ، فنسبت لـ ابن رواحة تجوزًا، فيكون الصحيح: أن الأبيات يمكن أن تقال بين يدي النبي ﷺ، لكن من أحد غير ابن رواحة، ونسبت إلى ابن رواحة لأنه هو الذي قالها. ومن هذه الأمثلة أيضا: ما جاء في حادثة الإفك تلك الحادثة المروعة التي اشتد الهم والغم على رسول الله ﷺ بسببها، وقد تولى عبد الله بن أبي بن سلول كبر هذه المسألة، فقام النبي ﷺ خطيبًا في الناس فقال: (من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهلي، فقال سعد بن معاذ: أنا أعذرك منه يا رسول الله ﷺ. فهذه الرواية بعض العلماء تكلم فيها، كـ ابن القيم وابن الجوزي، وقالوا: هذه الرواية لا تصح؛ لأن حادثة الإفك كانت في عزوة بني المصطلق، وسعد بن معاذ مات في غزوة بني قريظة، أي: بعدما قال له النبي ﷺ: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات). وعند الجمهور أن غزوة بني قريظة كانت سنة خمس، وبالاتفاق كانت غزوة بني المصطلق سنة ست، فغزوة بني المصطلق كانت بعد موت معاذ، وهذه الدلالة واضحة جدًا على هذا الوهم الشديد الذي وقع فيه الراوي، فـ سعد بن معاذ مات قبل حادثة الإفك فكيف يقول أنا أعذرك منه يا رسول الله، والصحيح الراجح: أن الذي قام وقال هذا الكلام هو أسيد بن حضير. وفي كتاب رفع الجزية: أن اليهود أخرجوا كتابا نسبوه إلى رسول الله ﷺ، وأن رسول الله أسقط عنه

6 / 3