[شرح كتاب الحج من صحيح مسلم]
مؤلف الأصل: الإمام مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261ه)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 29 درسا]
نامعلوم صفحہ
صحيح مسلم -
كتاب الحج
(1)</span>
ما يلبسه المحرم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلسنا بحاجة إلى الحديث عن صحيح مسلم الذي هو أعظم كتب السنة بعد صحيح البخاري عند عامة أهل العلم، بل هو أصح الكتب مما صنفه البشر بعد صحيح الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.
صفحہ 1
بل نحن بصدد الحديث والكلام في شعيرة من أعظم شعائر الدين، بل هي الركن الخامس أو الرابع من أركان الإسلام، فالذي جرى عليه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- أنه الركن الخامس، بناء على ما خرجه في صححيه من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج، لمن استطاع إليه سبيلا)) فقال رجل: "الحج وصوم رمضان" فقال ابن عمر: "لا، صوم رمضان والحج" مع أن الحديث مخرج في الصحيحين من حديثه أعني ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) هذا في الصحيحين تقديم الحج على الصيام، وتقديم الصيام على الحج في مسلم، وأنكر ابن عمر تقديم الحج على الصيام كما سمعنا، مع أنه مخرج في الصحيحين عنه -رضي الله عنه وأرضاه-، وأهل العلم يقولون: إن الحديث عند ابن عمر على الوجهين، سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة بتقديم الحج ومرة بتقديم الصيام، فصار يرويه على الوجهين، لما أراد روايته بحضور هذا الرجل نسي الوجه الثاني فأنكر على هذا الرجل، يقول: لا، صوم رمضان والحج، هكذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومنهم من يقول: هو كذلك على الوجهين، ولم ينس ابن عمر، بل أداه كما سمعه مرة على وجه، ومرة على وجه آخر، وأنكر على هذا المنكر عليه أو المستدرك عليه ردعا له وزجرا له، كأنه يقول له: لا تنكر ما لا علم لك به، لما قال له: "الحج وصوم رمضان" قال: "لا، صوم رمضان والحج" لأنه يرويه على الوجهين، فأراد الإنكار على هذا الرجل الذي لا علم له بما عند ابن عمر من روايته على الوجهين، وعلى كل حال عامة أهل العلم، بل جمهورهم اعتمدوا تقديم الصيام على الحج، وبنوا مؤلفاتهم على ذلك، بينما الإمام البخاري قدم الحج على الصيام، لما عرفنا أن الرواية في الحج بتقديم الحج في الصحيحين، وعليها بنى الإمام البخاري ترتيب كتابه فقدم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الحج، ثم الصوم، ودعم ذلك
صفحہ 2
بما ورد في شأن الحج من أحاديث مرفوعة، وآثار موقوفة على الصحابة فمن دونهم، ولو لم يكن في الحج إلا قوله -جل وعلا-: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [(97) سورة آل عمران] ثم بعد ذلك قال: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [(97) سورة آل عمران] فشأن الحج عظيم.
وجاء عن عمر -رضي الله عنه- أنه بعث إلى الأمصار فقال: "انظروا من كان عنده جدة، يعني يستطيع أن يحج فلم يحج فاضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين" وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى تكفير تارك أحد الأركان، ولو أقر بوجوبه، فالذي لم يحج مع قدرته على الحج كافر عند بعض العلماء، الذي لا يزكي مع اكتمال الشروط كافر عند بعضهم، الذي لا يصوم كذلك، وأما ما جاء في الصلاة فالأمر أعظم، والمعتمد عند أهل العلم أنه لا يكفر تارك أحد الأركان العملية إلا الصلاة، لما جاء فيها بخصوصها: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، على خلاف بين أهل العلم في تفاصيل هذه المسألة.
صفحہ 3
عالم مغربي في القرن السابع يقول: إن الخلاف في كفر تارك الصلاة خلاف افتراضي نظري، يمرن عليه طالب العلم، يعني كما يقول أهل الفرائض مات شخص عن مائة جدة؛ لأنه لا يتصور أن يوجد مسلم ولا يصلي، مسألة افتراضية ما يمكن أن يوجد مسلم لا يصلي، لم يدر في باله ولا في خلده أنه يوجد مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ولا يؤدي الصلاة، اللهم إلا إن كان في زمن شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، هذا احتمال عنده، كيف لو رأى بيوت المسلمين اليوم ممن هم مكلفون لا يشهدون الصلاة في المساجد؟ ومنهم من لا يصلي البتة، بالكلية؟ وقد ابتلي المسلمون بهذه المصيبة العظمى ((بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) الركن الأول: الشهادتان، ولا خلاف في أن من لم يأت بالشهادتين، من لم ينطق بالشهادتين أنه لم يدخل في الإسلام، والصلاة سمعتم ما فيها فتاوى أهل العلم المحققين على أن من تركها ولو كان معترفا بوجوبها فهو كافر، بقية الأركان قال بعض أهل العلم بكفر تاركها، ولو أقر بوجوبها؛ لكن الجمهور على أنه لا يكفر إلا من أنكر الوجوب.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أورثنا علمه، وأوردنا حوضه، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأوفر لنا ولشيخنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: "كتاب الحج":
بسم الله الرحمن الرحيم:
صفحہ 4
حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس)).
وحدثنا يحيى بن يحيى وعمرو الناقد وزهير بن حرب كلهم عن ابن عيينة قال يحيى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه -رضي الله عنه- قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما يلبس المحرم؟ قال: ((لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل، ولا ثوبا مسه ورس، ولا زعفران، ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)).
وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس، وقال: ((من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)).
صفحہ 5
حدثنا يحيى بن يحيى وأبو الربيع الزهراني وقتيبة بن سعيد جميعا عن حماد قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب يقول: ((السراويل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين)) يعني المحرم.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر ح وحدثني أبو غسان الرازي قال حدثنا بهز قالا جميعا: حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب بعرفات فذكر هذا الحديث.
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم ح وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنا علي بن خشرم قال: أخبرنا عيسى بن يونس عن ابن جريج ح وحدثني علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب كل هؤلاء عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد ولم يذكر أحد منهم يخطب بعرفات غير شعبة وحده.
وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل)).
صفحہ 6
حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا همام حدثنا عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بالجعرانة عليه جبة، وعليها خلوق أو قال: أثر صفرة، فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: وأنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- الوحي فستر بثوب، وكان يعلى يقول: وددت أني أرى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد نزل عليه الوحي، قال: فقال: أيسرك أن تنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أنزل عليه الوحي؟ قال: فرفع عمر طرف الثوب فنظرت إليه له غطيط، قال: وأحسبه قال: كغطيط البكر، قال: فلما سري عنه قال: ((أين السائل عن العمرة؟ اغسل عنك أثر الصفرة)) أو قال: ((أثر الخلوق، واخلع عنك جبتك، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك)).
وحدثنا ابن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل وهو بالجعرانة، وأنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعليه مقطعات، يعني جبة، وهو متضمخ بالخلوق، فقال: إني أحرمت بالعمرة وعلي هذا، وأنا متضمخ بالخلوق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- له: ((ما كنت صانعا في حجك؟ )) قال: أنزع عني هذه الثياب، وأغسل عني هذا الخلوق، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك)).
صفحہ 7
حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا محمد بن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج ح وحدثنا علي بن خشرم واللفظ له قال: أخبرنا عيسى عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره أن يعلى كان يقول لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ليتني أرى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- حين ينزل عليه، فلما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة وعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ثوب قد أظل به عليه معه ناس من أصحابه فيهم عمر، إذ جاءه رجل عليه جبة صوف، متضمخ بطيب، فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ساعة ثم سكت فجاءه الوحي فأشار عمر بيده إلى يعلى بن أمية: تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا النبي -صلى الله عليه وسلم- محمر الوجه يغط ساعة، ثم سري عنه فقال: ((أين الذي سألني عن العمرة آنفا؟ )) فالتمس الرجل فجيء به فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك)).
صفحہ 8
وحدثنا عقبة بن مكرم العمي ومحمد بن رافع، واللفظ لابن رافع، قالا: حدثنا وهب بن جرير بن حازم حدثنا أبي قال: سمعت قيسا يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه -رضي الله عنه-: أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بالجعرانة، قد أهل بالعمرة، وهو مصفر لحيته ورأسه، وعليه جبة فقال: يا رسول الله إني أحرمت بعمرة، وأنا كما ترى، فقال: ((انزع عنك الجبة، واغسل عنك الصفرة، وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك)).
صفحہ 9
وحدثنا إسحق بن منصور أخبرنا أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد حدثنا رباح بن أبي معروف قال: سمعت عطاء قال: أخبرني صفوان بن يعلى عن أبيه -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتاه رجل عليه جبة بها أثر من خلوق فقال: يا رسول الله إني أحرمت بعمرة فكيف أفعل؟ فسكت عنه فلم يرجع إليه، وكان عمر -رضي الله عنه- يستره إذا أنزل عليه الوحي يظله فقلت لعمر -رضي الله عنه-: إني أحب إذا أنزل عليه الوحي أن أدخل رأسي معه في الثوب ، فلما أنزل عليه خمره عمر -رضي الله عنه- بالثوب فجئته فأدخلت رأسي معه في الثوب فنظرت إليه فلما سري عنه قال: ((أين السائل آنفا عن العمرة؟ )) فقام إليه الرجل فقال: ((انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الخلوق الذي بك، وافعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجك)).
صفحہ 10
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب الحج، وهذه الترجمة الكبيرة للكتب، كتاب الإيمان، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الحج .. الخ، هذه التراجم الكبرى من مسلم -رحمه الله تعالى-، وأما التراجم التفصيلية المصدرة بالأبواب فليست من صنيعه -رحمه الله-، ومنهم من يرى أن مسلم مجرد من التراجم كلها، الكبرى والصغرى، فليس فيه بعد المقدمة إلا الحديث السرد، وبهذا فضله بعض المغاربة على صحيح البخاري؛ لكن الأكثر على أن التراجم الكبرى -الكتب- من صنيع مسلم، وأما التراجم التفصيلية بالأبواب فهي من صنيع الشراح، وكثير من أهل العلم اعتمد تراجم النووي -رحمه الله-، وكل شارح يترجم بما يستنبطه من الأحاديث المترجم عليها، بعضهم أعني بعض المغاربة صرح بأن تفضيله لصحيح مسلم على صحيح البخاري أنه مجرد من أقواله ومن أقوال من دون النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصحابة والتابعين، ومنهم من يرى أن وجود مثل هذه في صحيح البخاري ميزة، فالاستنباط هو الغاية من ذكر هذه الأدلة، والأدلة إنما جيء بها وجمعت للاستنباط والاستدلال بها، على كل حال تفصيل مثل هذا الكلام له مناسبات أخرى.
يقول -رحمه الله تعالى-: كتاب الحج: الكتاب مصدر كتب يكتب كتابا وكتابة وكتبا، ويقول أهل العلم: أنه من المصادر السيالة التي تحدث شيئا فشيئا، والأمر كذلك، فإن الكتابة لا تحدث دفعة واحدة كالقيام مثلا، إنما تحدث شيئا فشيئا، حرف ثم حرف ثم كلمة ثم أخرى وهكذا، والأصل في المادة التي هي الكتب الجمع، يقال: تكتب بنو فلان، إذا اجتمعوا، وجماعة الخيل كتيبة، ومنه قول الحريري في مقاماته:
وكاتبين وما خطت أناملهم ... حرفا ولا قرؤوا ما خط في الكتب
يريد بذلك الخرازين، الذين يجمعون بين الصفائح –صفائح الجلود- فيخرزونها، وهنا يراد به اسم المفعول المكتوب، الجامع لمسائل الحج، والحج بفتح الحاء وكسرها مصدر حج يحج حجا وحجا، ومنهم من يقول: هو بفتح المصدر، وبالكسر اسم المصدر، على كل حال هو بفتح الحاء وكسرها، وقرئ بهما، والأصل في الحج القصد، ومنهم من يقيد فيقول: القصد إلى المعظم.
وأشهد من عوف حلولا كثيرة ... يحجون سب الزبرقان المزعفرا
صفحہ 11
والمراد به في الشرع العبادة المعروفة، قصد بيت الله الحرام لأداء النسك الأعظم الذي هو الفريضة، وهناك قصد آخر لهذا البيت المعظم المكرم لزيارته لأداء النسك الآخر وهو العمرة، العمرة في اللغة: الزيارة، والمراد بها شرعا زيارة بيت الله الحرام لأداء النسك للطواف والسعي والحلق أو التقصير، هذه الحدود، وهذه التعاريف الذي يعنى بها المتأخرون قد لا تجدون لها ذكرا في كتب المتقدمين، الإمام مسلم لما قال: كتاب الحج، قال: تعريفه كذا، هم لا يعنون بمثل هذا؛ لأن الحقائق الشرعية لهذه الألفاظ معروفة عندهم، الصلاة معروفة، الزكاة معروفة، الحج معروف، قد يحتاجون إليه إلى هذه الحدود وهذه التعاريف قد يحتاجون إليها إذا اختلفت فيها الحقيقة الشرعية تبعا للمنهج النبوي ((أتدرون من المفلس؟ )) يحتاجون إلى تعريف المفلس، لأن الحقيقة الشرعية اختلفت فيه، فله أكثر من حقيقة في الشرع، المفلس من وجد ماله عند رجل قد أفلس، هل يمكن أن نقول: عند رجل قد أفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال من صيام وصلاة وزكاة وصيام .. الخ؟ أو أنه الذي لا يجد متاعا أو من كانت ديونه أكثر من أمواله هذه حقيقة للمفلس، والحقيقة الأخرى التي جاء تعريفها بقوله: ((المفلس من يأتي بأعمال)) كما في صحيح مسلم، وفي بعض الروايات: ((أمثال الجبال)) يعني من العبادات، يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا .. الخ، أعمال كالجبال يوزعها على الناس، فعلى المسلم لا سيما طالب العلم أن يحرص على اكتساب الحسنات، وأن يحرص أشد من ذلك على المحافظة على هذه الحسنات، المتأخرون يعنون بهذه التعاريف وهذه الحدود، بناءا على ما قعدوه من أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وتصوره إنما يكون بالحد والتعريف، والمبرر لذلك لما طال الزمان وبعد العهد احتاج الناس إلى أن يعرفوا الحقائق الشرعية، وأن يربطوا بين الحقائق اللغوية والشرعية.
صفحہ 12
الشرع لا يلغي الحقيقة اللغوية، بل يزيد عليها بعض القيود، الحج في اللغة القصد هو القصد، في الشرع كذلك؛ لكنه أضاف إليه بعض القيود، الصلاة في اللغة: الدعاء بقيت كذلك وأضاف إليها بعض القيود، الإيمان في اللغة كذا ... الخ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، يلتمس ب (يحيى بن يحيى الليثي) وكلاهما من رواة الموطأ؛ لكن الليثي لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة، وإن كانت رواياته للموطأ أشهر الروايات، وعليها الشروح، قال: قرأت على مالك، وهذا أيضا يحيى بن يحيى التميمي، له رواية عن مالك، للموطأ وخارج الموطأ، قال: قرأت على مالك، يعني الرواية بطريق العرض، قرأ على مالك، والإمام مالك معروف من طريقته أنه لا يقرأ على أحد، بل يقرأ عليه، وينكر أشد النكير على من طلب منه أن يسمع منه، قال: العرض يجزيك في القرآن ولا يجزيك في السنة والقرآن أعظم؟ وإن كان الأصل في الرواية هو السماع من لفظ الشيخ، والعرض وهو القراءة على الشيخ طريق معتبر من طرق التحمل، مجمع على صحة الرواية به، وأصله حديث ضمام بن ثعلبة كما هو معروف، قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، وهذا أصح الأسانيد عند الإمام البخاري، مالك عن نافع عن ابن عمر، (فقيل مالك عن نافع بما رواه الناسك مولاه) هذا اختيار الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.
صفحہ 13
"أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما يلبس المحرم من الثياب؟ )) يعني ما الذي يلبسه المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلبسوا)) " هل الجواب مطابق للسؤال؟ السؤال عما يلبسه المحرم والجواب عما لا يلبسه المحرم، هذا أسلوب الحكيم، يسأل السائل فيصرف عما هو أهم منه ، وذلكم لأن ما يلبسه المحرم غير منحصر، وما لا يلبسه محصور يمكن ضبطه، فعدل عن الجواب عما يلبسه إلى الجواب بما لا يلبسه المحرم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلبسوا القمص)) وهو ما يخاط على قدر البدن، وله جيب وأكمام، ((ولا العمائم)) هو ما يستر به الرأس، ((ولا السراويلات)) جمع سراويل، سراويل جمع وإلا مفرد؟ مفرد نعم، سراويل مفرد، جمعه سراويلات، وإن جاء على صيغة الجمع، ((ولا البرانس)) وهي ما يكون غطاء للرأس ملتصقا بالقميس ((ولا الخفاف)) معروفة، ولا الخفاف وهي ما يلبس في القدمين مما يغطي الكعبين ((إلا أحد لا يجد النعلين)) فمنع من لبس ما يغطي البدن بالكامل كالقمص، وما يستر الرأس كالعمائم والبرانس، وكذلك السراويلات وهي معروفة ذات الأكمام مما يغطي السوءة، فإن نزل إلى الساقين سمي سراويل، وإن ارتفع فغطى السوأة فقط قيل له: تبان أو تبان، وكلها ممنوعة، ممنوع للمحرم أن يلبسها، وإن رخصت عائشة بالتبان للذين يرحلون هودجها؛ لأنهم مظنة لانكشاف العورات؛ لكن هذا اجتهاد منها لم توافق عليه -رضي الله عنها-، ((ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين)) يعني فيحتاج إلى لبس الخفين، لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعها أسفل من الكعبين، وهذا الحديث قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة قبل خروجه، وسيأتي ما فيه من لزوم القطع وعدمه ((ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس)) الزعفران معروف له رائحة طيبة، والورس نبت أيضا نوع من الطيب، ونبه بهما على جميع أنواع الطيب، مما له له رائحة طيبة، ولو كان له لون أو لا لون له، فهو ممنوع على الحالين.
صفحہ 14
قال: "وحدثنا يحيى بن يحيى وعمرو الناقد وزهير بن حرب كلهم -الثلاثة يروون- عن ابن عيينة قال يحيى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري" الثلاثة كلهم يروون عن ابن عيينة، فما فائدة إعادة يحيى؟ قال يحيى: أخبرنا سفيان؟
طالب: التصريح بالتحديث.
ليبين الصيغة، صيغة الأداء، وأنها مصرح فيها بالإخبار، والعادة أن الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- ينبه على اختلاف الصيغ، قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا، ينبه على الاختلاف، ولو لم يترتب عليه شيء مؤثر، وهذا من دقته -رحمه الله-، فإذا نبه أو جاء بصيغة أحد الرواة، وترك الباقي فالغالب أنه صاحب اللفظ، لفظ الخبر، يعني أن الإمام مسلم -رحمه الله- ساق الخبر بلفظ يحيى بن يحيى، وإذا كان اللفظ ليحيى فماذا للآخرين؟ إيش؟ المعنى، والغالب أن الإمام -رحمه الله تعالى- يقول: واللفظ لفلان، هذه طريقته -رحمه الله تعالى-، ينبه بدقة، فإذا جاء بمثل هذا، بمثل هذا الصنيع لم يذكر صيغة الآخرين، ولم يذكر أن اللفظ لفلان، بل أعاد أحد الثلاثة، فالغالب أن اللفظ له، أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه وهذا أصح الأسانيد عند الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
وجزم بن حنبل بالزهري ... عن سالم أي عن أبيه البري
عن أبيه -رضي الله عنه- قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- لماذا ما قيل: رضي الله عنهما؟ لو قيل: عن أبيه أو عن عبد الله بن عمر قلنا: -رضي الله عنهما-، عن الابن وأبيه، وهنا لم يجر ذكر للأب الذي هو عمر، والترضي في عرف أهل العلم خاص بالصحابة، قال: سئل النبي -صلى الله عليه سلم-: ما يلبس المحرم؟ قال: ((لا يلبس المحرم القميص، ولا العمامة، ولا البرنس، ولا السراويل، ولا ثوبا مسه ورس، ولا زعفران، ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما، حتى يكونا أسفل من الكعبين)) وفيه التنصيص على القطع.
صفحہ 15
وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- هنا صرح بعمر والرواية عن ابنه عبد الله، والترضي عنهما معا، أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس، هنا قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهناك قال: ((لا تلبسوا)) وهل هناك فرق بين الصيغتين؟ صيغة ((لا تلبسوا)) نهي، وهنا: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل هناك فرق؟
طالب: هناك قول الرسول لفظا لكن هنا
....
صفحہ 16
يعني تعبير من الصحابي، إذا قال: نهانا، أو أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو نهانا، هل هو بمثابة قوله: افعلوا أو لا تفعلوا؟ أو دونه في المرتبة؟ يعني إذا قال الصحابي: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما هنا، أو أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال: لا تفعلوا، لا تلبسوا، يعني هل هناك فرق بين أن يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: لا تلبسوا؟ لا ناهية، ومقتضاه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن هذا الفعل، وهنا يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ لا فرق بينهما، وهنا النهي سواء كان بصيغة النهي الصريح بلاء الناهية، أو بتعبير الصحابي عنه بقوله: نهانا، لا فرق، والأصل فيهما التحريم، وإن زعم داود الظاهري وبعض المتكلمين أنه لا يقتضي النهي ولا الأمر حتى ينقل اللفظ النبوي، حتى ينقل الصحابي اللفظ النبوي؛ لأنه قد يسمع كلاما يظنه نهي وهو في الحقيقة ليس بنهي، أو يسمع كلاما يظنه أمرا وهو في الحقيقة ليس بأمر، وهذا الكلام لا قيمة له؛ لأن الصحابة إذا خفيت عليهم مدلولات الألفاظ الشرعية من يعرفها؟ فقول الصحابي: نهانا بمنزلة قوله: لا تفعلوا سواء بسواء، ولا فرق، وهذا فيما إذا صرح بالناهي كما هنا: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما إذا قال: نهينا، فالجمهور على أنه مرفوع؛ لأنه لا ينصرف إذا قال الصحابي: أمرنا أو نهينا إلا إلى ما له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن قال بعضهم: لا يحكم له بالرفع لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس، يعني مسه الطيب، وقال: ((من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين)) ودلالته على القطع كما سلف، ثم قال:
صفحہ 17
حدثنا يحيى بن يحيى وأبو الربيع الزهراني وقتيبة بن سعيد جميعا عن حماد قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيد كسابقه في إعادة أحد الرواة دون البقية، قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو، يعني ابن دينار عن جابر بن زيد أبي الشعثاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب يقول: ((السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفان لمن لم يجد النعلين)) يعني المحرم، وهذه الخطبة هي خطبة عرفة، يعني في اجتماع الناس كلهم، وحديث ابن عمر بالمدينة، وفيه التنصيص على القطع، وهنا دون إشارة إلى القطع.
صفحہ 18
قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، يعني ابن جعفر، محمد بن بشار المعروف ب (غندر) قال: حدثنا محمد، يعني ابن جعفر المعروف ب (غندر)، ويأتي الأئمة باللفظ يعني لبيان أن نسب الشيخ من قبله لا من قبل شيخه، يعني كأن محمد بن بشار قال: حدثنا محمد، ما قال: ابن جعفر، فقال مسلم: يعني ابن جعفر، ليبين أن نسب الشيخ من عنده، لا من عند الشيخ، وأحيانا يأتون بدلا من يعني هو، يعني ابن جعفر ح، وهذه ح التحويل من سند إلى إسناد، وفائدتها اختصار الأسانيد، وحدثني أبو غسان الرازي، هذا قول الأكثر، وإن كان المغاربة يرون أنها إشارة إلى الحديث، وهي هنا لا تتجه، وإن اتجهت في صنيع البخاري حينما يذكرها بعد ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام-، يسوق الإسناد كاملا إلى أن يقول: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ح وحدثنا فلان، هذه قل بقول المغاربة بمثل هذا متجه؛ لأنها لم تختصر شيء من الأسانيد، وحدثني أبو غسان الرازي قال: حدثنا بهز قالا جميعا: حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب بعرفات، فذكر هذا الحديث، ولنستصحب أن حديث ابن عمر كان بالمدينة، وحديث ابن عباس كان بعرفات، حديث ابن عمر الذي فيه الأمر بالقطع، قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة، وحديث ابن عباس قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يخطب بعرفات.
صفحہ 19