Sharh Kitab Al-Jami' li Ahkam Al-Siyam wa A'mal Ramadan - Hutaybah
شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - حطيبة
اصناف
شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - تعريف الصيام في اللغة والشرع وحكمه
لقد حكم الله على عباده بوجوب صوم رمضان، وبين لهم أن الصيام سبب للتقوى، وأخبرهم بأن الصوم كان مفروضًا على الذين من قبلهم من القرون الماضية، والأمم السالفة، وقد بين العلماءمعنى الصيام وحكمه وأحكامه، فعلى كل مسلم أن يتعلم أحكام الصيام ولو بالجملة؛ ليعبد الله على علم وبصيرة، فمن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين.
1 / 1
تعريف الصوم في اللغة والغاية العظمى منه
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
نبدأ من هذه الليلة إن شاء الله في شرح كتاب الصيام وأعمال شهر رمضان، فإننا نحتاج إلى معرفة هذه الأحكام فنقول: لقد فرض الله ﷾ الصيام، وجعله ركنًا من أركان الإسلام، وذكر الله ﷿ في كتابه أحكامًا تفصيلية للصيام في خمس آيات من سورة البقرة، من قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة:١٨٣]، إلى قوله: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ﴾ [البقرة:١٨٧]، فالصيام فريضة فرضها الله ﷿ علينا، وفرضها على الأمم من قبلنا، فهو تهذيب للنفوس، وشعور يجعل المؤمن يشعر بحاجة الفقير والمسكين إلى الطعام والشراب، فالصوم يهذب نفسه، ويجعله يرحم غيره من الخلق، ويقربه من الله ﷾، ويعينه على العبادة، فالمسلمون في هذه العبادة يصومون في شهر واحد، ويقومون في هذا الشهر في صلاة التراويح معًا، ويتعاونون على البر والتقوى، وعندما يأتي وقت زكاة الفطر يخرجون الزكاة معًا في وقت محدد من أواخر هذا الشهر قبل يوم العيد، فالمسلمون في هذا الشهر يجتمعون على أنواع من الطاعات والقربات، من صيام وصلاة وقيام وإطعام للفقراء وإخراج للزكاة، وهذا يؤلف بين قلوب الجميع من الفقراء والأغنياء، والكبراء والمتواضعين، وغير ذلك من الحكم الظاهرة من وراء هذا الصيام العظيم.
والأصل في الصيام معناه اللغوي، وقد جاءت الشريعة بالصيام على معناه اللغوي، ثم أعطت له معنى شرعيًا لا يخرج عن معناه اللغوي، فقيدته بقيود، فالصيام لغةً: الإمساك، فإن أمسك عند الطعام والشراب سمي صائمًا، وإن أمسك عن الحركة أو الكلام سمي صائمًا، لكن الشريعة قيدت المعنى اللغوي للصيام بالمعنى الشرعي.
إذًا: الصوم في اللغة بمعنى: الإمساك، فكل إمساك يطلق عليه صيام، فيقال: صام إذا سكت، وصامت الخيل إذا وقفت ولم تتحرك، قال الله ﷿ لمريم ﵍: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم:٢٦]، ما هو هذا الصوم؟ ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾ [مريم:٢٦]، فهو صوم عن الكلام، قال ابن عباس: معنى قوله تعالى: ﴿نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم:٢٦] أي: سكوتًا وصمتًا.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: كل ممسك عن كلام أو طعام أو سير فهو صائم.
وقال النابغة: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما فصائمة أي: لا تتحرك، وتحت العجاج أي: تحت التراب والغبار، تعلك اللجما أي: تحرك أفواهها وكأنها تنظر إلى اللجام المعقود عليها.
وقال الخليل: الصيام: قيام بلا عمل، والصوم: الإمساك عن الطعام، وصام الفرس أي: قام على غير اعتلاف، وصام النهار أي: إذا قام قائم الظهيرة واعتدل، يعني: بأن توسطت الشمس في كبد السماء واستقامت، والصوم أيضًا: ركود الريح، يقال: صامت الريح: إذا ركدت ولم تتحرك.
ويطلق الصيام كذلك على السياحة، والسياحة: أن يسافر الإنسان من بلد إلى بلد آخر بحثًا عن مكان يتعبد الله فيه، فيسمى الصائم سائحًا، وقد تتبع العلماء النصوص فيجدوا أن الله ﷿ إذا ذكر الصيام لم يذكر السياحة، وإذا ذكر السياحة لم يذكر الصوم، وذلك في معرض الحديث عن العبادات، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٣٥]، فذكر الصوم ولم يذكر السياحة، وقال سبحانه: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ [التوبة:١١٢]، فذكر السياحة ولم يذكر الصوم، وكأنه أبدل الصوم بكلمة السائحين، وقد قال أهل التفسير: السياحة هنا بمعنى: الصيام، فهو داخل في عموم المعنى اللغوي للسياحة: وهو السفر من بلد إلى آخر بحثًا عن مكان يتعبد الله فيه.
وقال في سورة التحريم لنساء النبي ﷺ: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ [التحريم:٥]، فذكر السياحة ولم يذكر الصوم، وهذا دليل على أن السياحة هنا بمعنى: الصيام، يقول الزجاج: السائحون في قول أَهل التفسير واللغة جميعًا: الصائمون.
وإنما قيل للصائم: سائح؛ لأن المتعبد يسيح في الأرض ولا زاد معه، فهو لا يهتم كثيرًا بطعام أو شراب، فتراه لا يطعم إلا إذا وجد الزاد، وكذلك الصائم فهو لا يطعم أيضًا، فلشبهه بالسائح سمي سائحًا، هذا تعريف الصيام في اللغة.
1 / 2
تعريف الصيام في الشرع
الصيام في الشرع: هو الإمساك عما منعه الله ﷿ منه، وكان مباحًا له في الأصل، فيمسك عن شهوتي البطن والفرج، فشهوة البطن في الطعام والشراب، وشهوة الفرج في الجماع.
ويصح الصوم من مسلم مميز، والمميز: من كان عمره سبع سنوات أو ثماني سنوات، فهو يميز بين الصواب والخطأ، ويفهم الأشياء وإن كان ليس فهمًا كاملًا.
إذًا: الصوم: هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من مسلم مميز، وإذا كان هذا الحكم في المميز فالمكلف من باب أولى.
والفرق بين المميز والمكلف: أن المميز: هو الذي يعقل وإن لم يصل إلى درجة البلوغ، والمكلف هو البالغ العاقل، وهذا الأمر ينطبق كذلك على المرأة، فلابد أن تمسك عن شهوتي البطن والفرج إذا كانت مميزة، ونضيف لها شرطًا آخر إذا كانت بالغة مكلفة، وهو طهارتها من الحيض أو النفاس إذا كانت متزوجة، فإذا صامت المرأة المكلفة الحائض أو النفساء لم يصح منها الصوم، وكذلك المميزة إذا كانت حائضًا؛ وذلك لوجود مانع من موانع قبول هذا الصوم وهو: الحيض أو النفاس.
إذًا: الصوم هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من مسلم مميز أو مكلف، أو مسلمة مميزة أو مكلفة، بشرط أن تكون المكلفة طاهرة من الحيض أو النفاس، ويكون هذا الإمساك من طلوع الشمس إلى غروبها بنية التعبد والتقرب لله ﷾.
قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة:١٨٣].
وقال: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة:١٨٧]، إلى أن قال: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:١٨٧]، فلك أن تأكل طوال الليل إلى أن يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، فإذا ظهر الفجر حرم عليك الطعام والشراب إلى الليل، أي: من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وهذا الصوم بنية التقرب إلى الله ﷾.
1 / 3
حكم صوم رمضان
صوم رمضان فرض واجب وركن من أركان الإسلام، والأصل في وجوبه: الكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:١٨٣ - ١٨٥].
إذًا: فقد فرض الله ﷿ صيام هذه الأيام في البداية، فجعل لهم شدة من وجه وتخفيفًا من وجه آخر، ثم بعد ذلك يسر الله سبحانه وفرض صوم رمضان على النحو الذي جاءت به الآية، يقول الحافظ ابن حجر في قول الله ﷿: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة:١٨٣]: (كتب) أي: فرض عليكم الصيام، والمراد بالمكتوب في قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) أي: مكتوب في اللوح المحفوظ عند الله ﷿، فقد كتب في اللوح المحفوظ أن عليكم صيام رمضان، قال: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:١٨٣].
وقد اختلفوا في التشبيه الذي تدل عليه الكاف هنا، وما المقصود به؟ ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:١٨٣]، فإذا حملنا التشبيه هنا على الحقيقة فسيكون معناه: أن الصيام كان شهرًا كاملًا على الذين من قبلنا، مثلما وجب علينا صيام شهر رمضان وإن تسمى باسم آخر، وإلا فالمقصود: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:١٨٣] أي: كصيامهم، فقد كتب عليهم الصيام، وهذا أيضًا محتمل، وإن كان الكثيرون من أهل العلم يرجحون فرضيته على السابقين شهرًا كما فرض علينا، فإذا بهم يزيدون فيه وينقصون منه، وإذا بهم يأكلون ويشربون، ويزيدون في مدة الصيام بدعوى التعويض عن الفوائت، فإذا جاءهم شهر رمضان في أيام الحر مثلًا أخروه إلى وقت معين وعوضوا ما فاتهم منه، مع زيادة عشرة أيام مقابل هذا التأخير.
قال الله ﷿: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:١٨٣]، ثم ذكر لنا العلة فقال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:١٨٣]، وكأن هذه العلة تشير إلى أنه كتب على الذين من قبلنا على سبيل الإصرار والتشديد عليهم، وقد قال جماعة من أهل العلم منهم معاذ وابن مسعود وغيرهما من أصحاب النبي ﷺ: إن الصيام لم يزل مشروعًا منذ عهد نوح.
فالصوم عبادة لله ﷿، وهو من ضمن العبادات التي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:١٨٣].
إذًا: فكل من كانوا قبلنا كان مكتوبًا عليهم الصوم بحسب ما فرض الله ﷿ عليهم، ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة:١٨٤].
1 / 4
بيان أن الصوم ركن من أركان الإسلام
قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:١٨٥]، الأيام المعدودات هي: أيام شهر رمضان، فمن شهد هذا الشهر بأن كان حيًا مكلفًا قادرًا لزمه صومه، وقد دلت السنة على فرضية صيام هذا الشهر، فقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان).
فهذه أركان الإسلام: فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله هي التوحيد والشهادة بالرسالة للنبي ﷺ، وهذا الركن هو أهم أركان الإسلام، أما الركن الثاني فهو أهمها بعد التوحيد، وهو إقام الصلاة، وقد أمر الله ﷿ به، أمر النبي ﷺ معاذًا لما وجهه إلى اليمن أن يأمرهم بهذه الصلاة العظيمة بعد كلمة التوحيد، ثم يأتي بعد ذلك: إيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان.
وفي الصحيحين عن طلحة بن عبيد الله ﵄: (أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله ﷺ ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله! أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال النبي ﷺ: الصلوات الخمس، إلا أن تطوع شيئًا، فقال الرجل: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ فأخبره النبي ﷺ، فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الصيام؟ قال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا، ثم أخبره عن شرائع الإسلام، فقال الرجل: والذي أكرمك لا أتطوع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئًا، فقال النبي ﷺ: أفلح إن صدق)، أو قال: (دخل الجنة إن صدق)، فعبر ﷺ بـ (إن) الدالة على أنه قد يحدث الخبر، بخلاف ما لو أخبر بلو، فإنه حرف امتناع لامتناع، أي: يمتنع وقوع الجواب لامتناع الشرط، ولكن قال: (أفلح إن صدق)، ولكن أنى يكون للإنسان الصدق في ذلك؟! فإن كان للبعض فلن يكون للباقين؛ لأن الإنسان قد لا يأتي بالفريضة على الوجه الذي يرضى الله ﷿ عنه بها، فكل إنسان يعتريه في صلاة الفريضة السهو والخطأ، وقد يتأخر عنها وما إلى ذلك، أما أن يأتي بها كاملة فهذا بعيد، وعلى كل فقد أفلح من أتى بهذه الفرائض من غير النوافل إن صدق في إتيانها.
وهذا دليل كذلك: على أنه لا فرض في الصوم غير فرض رمضان، إلا أن يكون بسبب آخر، كنذر ينذره الإنسان، أو كفارة من الكفارات التي لا تكون إلا بالصيام، فهذه فروض في الصوم بسبب آخر غير الأصل وهو صيام شهر رمضان.
1 / 5
شرح حديث وفد عبد القيس
في الصحيحين عن ابن عباس ﵄ قال: (قدم وفد عبد القيس فقالوا: يا رسول الله! نحن من ربيعة وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فلسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، فمرنا بأمر نأخذ به وندعو إليه من وراءنا)، وكأن هذا الحي لم يزل على كفره إلى أن وفد وفد عبد القيس هذا، فقال: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله) يعني: آمركم بالإيمان بالله، قال: (وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وعقد بيده) أي: أنه أشار بيده وكأنه يقول: فهذه واحدة، قال: (وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان)، فهذه الخصال الأربع التي أمرهم النبي ﷺ بها.
وقوله: (شهادة أن لا إله إلا الله) دليل على ما بعدها، وهي شهادة أن محمدًا رسول الله، ويطلق على هاتين الشهادتين مسمى: كلمة التوحيد، ولم يذكر الحج في الحديث مع أنهم جاءوا في السنة الثامنة من الهجرة بعد فرض الحج؛ لأنهم لم يكونوا مستطيعين الحج، وإنما يجب الحج على من استطاع إليه سبيلًا.
ثم زادهم فرضًا خامسًا فقال: (وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم) فإذا جاهدتم في سبيل الله ﷿ وغنمتم فعليكم الخمس المذكور في سورة الأنفال في قوله سبحانه: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال:٤١]، وهذا الخمس الخاص بالله ﷾ يخرج قبل توزيع الغنائم، ثم يأخذ المجاهدون أربعة أخماس من المغنم فيما بينهم.
ثم قال ﷺ (وأنهاكم عن أربع: عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمقير أو المزفت)، وهذه أربعة أشياء يكون التخمر والفساد فيها سريعًا فنهاهم عنها، وإن كان بعد ذلك قد رخص لهم الشرب في جميع الأواني إلا أن يكون محرمًا.
قال: (أنهاكم عن الدباء)، الدباء: هو القرع، سواء كان القرع العسلي أو اليابس، فيعمد إلى هذا القرع فيفتح فيه فتحة بسيطة ويأخذ ما بداخله، فيصير كهيئة الإناء، فيطرح فيه النبيذ، والنبيذ: هو الشراب الذي ينبذ فيه التمر أو الزبيب، والنبيذ على وزن فعيل بمعنى مفعول، فهو الشيء المنبوذ الملقى بداخله، فإذا وضع التمر أو الزبيب داخل هذه القرعة أخذ في التخمر والتحول بسرعة كبيرة، فيصير خمرًا، فنهاهم ﷺ عن ذلك.
قال: (والحنتم)، وهو: نوع من أنواع الجرار لها فم في جانبها، وكان لون هذه الجرار أخضر، والحنتم أو الحنتمة شيء واحد، يستعملونها كالأواني فيشربون فيها الخمر، وقد نهاهم النبي ﷺ عن ذلك سدًا للذريعة، ولئلا توسوس لهم أنفسهم بعد ذلك فيشربون الخمر.
ونهاهم كذلك عن: (النقير)، والنقير: مأخوذ من النقرة، وهو أن يأخذ جذعًا ملقى على الأرض فينقر فيه نقرة فيجعله مجوفًا، فيضع فيه النبيذ ويغطيه، فيتخمر سريعًا فيشربه، فنهاهم عن ذلك أيضًا.
ونهاهم كذلك عن: (المزفت أو المقير)، وهو الإناء المطلي بالقار أو الزفت، فعندما يوضع فيه النبيذ يسخن إلى أن يتخمر، وقد نهاهم النبي ﷺ عن ذلك أيضًا.
فقالوا للنبي ﷺ: (إن أرضنا كثيرة الجرذان، ولا تبقى فيها أسقية الأدم -أي: أسقية الجلود، وهذه الأسقية تأكلها الجرذان- فقال ﷺ: وإن أكلتها الجرذان، وإن أكلتها الجرذان، وإن أكلتها الجرذان).
وهذا كان في البداية، حتى يمتنع الناس عن الخمر بتاتًا، فلما تعودوا على التحريم بعد ذلك أخبرهم أن الآنية لا تحل شيئًا ولا تحرمه، فاشربوا فيما شئتم غير ألا تشربوا مسكرًا، فأصبح النهي عن هذه الآنية منسوخًا بما جاء عنه ﷺ بعد ذلك أنه قال: (كنت نهيكم عن الانتباذ في الأسقية، فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا).
ففي البداية حرم النبي ﷺ الانتباذ في الأسقية هذه سدًا للذريعة؛ لأن الإنسان قد تستهويه نفسه فتجعله يشرب الخمر بعد أن كان نبيذًا، ثم لما تعود الناس على هذا الحكم بين لهم النبي ﷺ أن الآنية لا تحرم شيئًا ولا تحله، فنسخ الحكم السابق القاضي بالنهي فأجازها.
1 / 6
الإجماع على وجوب صوم رمضان
أجمع أهل العلم على وجوب صيام شهر رمضان، وقلنا: إن الصوم المشروع: هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق المستطير إلى غروب الشمس، قال الله ﷿: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:١٨٧]، فلك أن تأكل في الليل وتشرب حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والمقصود بذلك: بياض النهار من سواد الليل، فإذا تبين ذلك فلا يجوز لك أن تأكل أو تشرب.
قال ابن عبد البر في قول النبي ﷺ: (إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، وفي هذا الحديث دلالة على أن للفجر أذانين، أذان يؤذنه بلال، وأذان يؤذنه ابن أم مكتوم، وفي الحديث دليل على أن الخيط الأبيض: هو الصباح، وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر، فلا يوجد هناك سحور بعد الفجر، وهذا بدلالة الأحاديث والآيات، وكأنه يشير هنا إلى الخلاف الواقع في هذه المسألة، ولذلك سينقل لنا الإجماع بعد ذلك على أن الطعام والشراب وغيرهما مفطرات إذا طلع الفجر، ثم قال: إلا الأعمش وحده فقد شذ ولم يعرج أحد على قوله، وكأن الأعمش وحده يرى جواز الأكل والشرب حتى تطلع الشمس، أي: يرى جوازه في وقت الإسفار بين الفجر وطلوع الشمس! ثم قال: والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هو الذي دلت عليه الآية، قال ابن عبد البر: هذا قول جماعة علماء المسلمين.
1 / 7
بيان الفجر الصادق والكاذب
روى البخاري عن ابن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ قال: (لا يمنعن أحدًا منكم أذان بلال من سحوره)، والسحور: طعام السحور، وهو فعل الأكل، أي: الأكل في وقت السحر، قال: (لا يمنعن أحدًا منكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم)، فقوله: (ليرجع)، هذا فعل لازم ومتعد، فيجوز أن ينصب (قائمكم) على المفعولية، أو يرفعه فيكون فاعلًا له، ولفظ الحديث بالنصب، قال: (ولينبه نائمكم، وليس له أن يقول الفجر أو الصبح، وقال بأصابعه هكذا، فرفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا)، وكأنه يريد أن يقول: إن الفجر الكاذب: ما كان ضوءً عموديًا من أعلى إلى أسفل، وأن الفجر الصادق ما كان أفقيًا مستطيلًا في السماء.
(ثم قال بسبابتيه إحداهما على الأخرى ثم مدها عن يمينه وشماله)، وإذا نظرت إلى هذا الفجر وجدته يبدأ نورًا أفقيًا من المشرق إلى المغرب، ثم يبتدأ هذا الخيط من النور في الظهور شيئًا فشيئًا إلى أن تتغير السماء من الظلمة إلى اللون الأزرق أو اللبني، وهذا هو الإسفار، إذًا: فالفجر الصادق: هو النور المستطيل في السماء المبتدئ من المشرق إلى المغرب.
وفي رواية: (وليس أن يقول الفجر أو الصبح -وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل- حتى يقول هكذا بسبابتي إحداهما فوق الأخرى، ثم مدها عن يمينه وشماله).
وروى مسلم عن سمرة بن جندب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير هكذا)، فلا تغتر بهذا البياض أو النور في السماء، بل البياض المعتمد في الفجر هو ما كان على امتداد الأفق، والأفق هو المكان البعيد الذي ينقطع إليه بصرك.
فيقول لنا النبي ﷺ: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح)، والعمود: هو الشيء النازل من أعلى إلى أسفل.
يقول: (حتى يستطير) أي: حتى ينفرد عن الأفق كخيط أمامك، ولذلك قال الله عنه: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ﴾ [البقرة:١٨٧].
ولـ أبي داود والترمذي من حديث طلق بن علي قال: قال النبي ﷺ: (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم) أي: لا يزعجنكم، قال: (ولا يهيدنكم الساطع المصعد) يعني: الضوء الصاعد أو النازل بشكل طولي من السماء، قال ﷺ: (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر)، وهو الخيط الأفقي الممتد من المشرق إلى المغرب، وليس الأحمر لونًا له، لكنه يكون محمرًا عند أول ظهوره، ثم يصير خطًا ذهبيًا أمام ناظريك، وهذا هو الخيط الأبيض المعبر عنه في القرآن الكريم.
ولـ ابن أبي شيبة عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ: (الفجر فجران: فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئًا ولا يحرمه ولكن المستطير)، وذنب السرحان: هو ذيل الثعلب، فهذا لا يحل شيئًا ولا يحرم شيئًا، بل الضوء المستطير الأفقي هو الذي يحرم الأكل والشرب، وهو الفجر الصادق، فإذا طلع الفجر الصادق فلا يحل لك أن تأكل أو تشرب شيئًا، هذا إذا تبين لك الفجر الصادق، وإذا لم يتبين فالأكل والشرب والجماع مباح لك؛ لأن الله تعالى أباح الوطء أو الأكل أو الشرب إلى أن يتبين لنا الفجر، فقال تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:١٨٧]، فلو تبين لك الفجر فلا يحل لك أن تأكل أو تشرب أو تجامع، ولو كان في فمك ماء أو طعام لزمك أن تلفظه، وحرم عليك بلعه، قال الله تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:١٨٧].
1 / 8
جواز الأكل والشرب ما لم يتبين بزوغ الفجر الصادق
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)، فمنطوق الحديث يدل على جواز الأكل والشرب إلى أن ينادي ابن أم مكتوم، ومفهوم المخالفة في الحديث يدل على عدم جواز الأكل والشرب بعد أذانه ﵁.
قال: (وكان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت).
يعني: طلع الصبح أو الفجر.
وروى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم ﵁ قال: لما نزلت ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:١٨٧]، قلت: يا رسول الله! إني أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالًا أبيض وعقالًا أسود، أعرف الليل من النهار، يعني: أنه فهم الآية على ظاهرها، فكان يأكل ويشرب حتى يتميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود له، إذا أصابهما الضوء، فقال رسول الله ﷺ: (إن وسادك لعريض -أي: ضخم- إنما هو سواد الليل وبياض النهار)، وهذا لفظ الإمام مسلم، وفيه دلالة لما سبق، وأن من شك في طلوع الفجر فله أن يأكل ويشرب إلى أن يستيقن من طلوعه، ثم بعد ذلك يمسك، وقال ابن عباس: كل ما شككت حتى لا تشك، فتأخذ من هذه القاعدة أن كل ما جاء عن الصحابة في الأكل مع وجود الضوء محمول على أنهم شكوا في طلوع الفجر، فأكلوا حتى استيقنوا من طلوع الفجر، وهذا كان في عصرهم، أما الآن فقد توافرت لدينا الساعات، فإذا جاء وقت صلاة الفجر وجب علينا الإمساك عن جميع المفطرات.
ويقول النبي ﷺ: (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر) أي: أطيلوا الصلاة في الفجر، حتى يرى بعضكم بعضًا بعد الصلاة، فهذا أول وقت الأسفار، وهو الوقت الذي تتلون فيه الشمس باللون الأزرق بعد أن كانت سوداء مظلمة، نتيجة لبداية ظهور الشمس على هذا الجزء من الأرض، فإذا ارتفعت الشمس عن الأرض قدر رمح لم يجز لك أن تصلي في هذا الوقت، وهذا التقدير تقريبي؛ وقد حرمت الصلاة في هذا الوقت لأن الشمس تشرق فيه على قرني شيطان، فتكون العبادة في هذه الساعة مصروفة للشيطان لا لله جل وعلا.
1 / 9
حكم السحور بعد الأذان الثاني للفجر
جاء عند أبي داود وأحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)، زاد أحمد: (وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر)، وقد قررتم فيما سبق أن من الواجب على الإنسان إذا سمع النداء وفي فمه شيء أن يلقيه ولا يبلعه، فكيف الجمع بين هذا وذاك؟
الجواب
قد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على جواز أكل ما في اليد والمؤذن يؤذن، والحديث محتمل لهذا المعنى، وقد ذكر ابن حزم ﵀ هذا الحديث مع أحاديث عن النبي ﷺ أخرى كثيرة ثم حمل هذا الحديث على الشك، فكأنه يجوز للمتشكك في طلوع الفجر أن يأكل ما بيده والمؤذن يؤذن، ونحن نخاف من أن نقول بهذا الحديث؛ لورود الاحتمالات عليه؛ ولأن الله ﷿ يقول: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ﴾ [البقرة:١٨٧] ولم يقل: حتى يتبين للمؤذن فقط، فكأنه يقول: يجب على الناس كلهم أن يستيقنوا بزوغ الفجر ودخول وقته، ما لم فليأكلوا ما بأيديهم حتى يستيقنوا من ذلك.
أيضًا: جاء حديث عند النسائي وأحمد عن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ عند السحور: (يا أنس! إني أريد الصيام فأطعمني شيئًا) أي: يريد أن يصوم تطوعًا ﷺ قال: (يا أنس! أطعمني شيئًا، قال: فأتيته بتمر وإناء فيه ماء وذلك بعدما أذن بلال)، وبلال كان يؤذن الأذان الأول، فقال: (يا أنس! انظر رجلًا يأكل معي)، ولاحظ أنه كان بين الأذانين وقت قصير جدًا، وقد ذكر: أنه ما كان بينهما من الوقت إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا، فهنا النبي ﷺ لا يريد أن يتسحر لوحده، بل يريد أن يتسحر مع رجل آخر، قال: (فدعوت زيد بن ثابت فجاء فقال: إني قد شربت شربة سويق -وهو الشعير المخلوط بالماء- قال: وأنا أريد الصيام، فقال النبي ﷺ: وأنا أريد الصيام، فتسحر معه، ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة)، فكأن زيدًا تبين له الفجر فلم يأكل، ولم يتبين للنبي ﷺ فأكل، ثم امتنع عن الأكل لما تبين له طلوع الفجر بعد ذلك، فهذا الحديث قد يوهم أنه أكل بعد الأذان الثاني وليس كذلك؛ لأنه قد نص في الحديث على أن مؤذن هذا الأذان هو بلال ﵁، وهو الذي كان يؤذن الأذان الأول، فاندفع الوهم، وارتفع الإشكال.
قال ابن حزم في المحلى بعدما ذكر آثارًا كثيرة جدًا عن الصحابة في هذا الشيء: وهذا كله محمول على أنه لم يكن تبين لهم الفجر بعد، وبهذا تتفق السنن مع القرآن.
وقد كان ابن عباس في آخر حياته بعد أن عمي يسأل عن الفجر هل طلع أم لا؟ فإن قال أحدهم: نعم، والآخر: لا، قال: شككتما، ثم يأكل حتى يستيقن، وهذا هو رأي جمهور أهل العلم، والله تعالى أعلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 10
شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - متى فرض الصيام وفضل صوم رمضان
دين الإسلام دين يسر وسهولة، ليس فيه حرج، وقد فرض الإسلام الصيام خلال مراحل حسب ما تقتضيه قدرة الإنسان وطاقته، تخفيفًا وتيسيرًا منه ﷾.
ووعد الله على الصيام بالأجر الكثير، وجعل فيه فضائل كثيرة في الدنيا والآخرة، وجعل صوم رمضان من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه.
2 / 1
تعريف الصيام
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
تكلمنا في الحديث السابق عن الصيام، وأنه ركن من أركان الإسلام، وأن الصيام لغة: بمعنى الإمساك.
وشرعًا: بمعنى الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله، من مسلم مميز أو بالغ مكلف، أو من مسلمة مميزة أو بالغة مكلفة طاهرة من الحيض والنفاس.
2 / 2
عدم وجوب صوم غير رمضان إلا ما كان بنذر أو كفارة أو غيره
صوم رمضان هو الفريضة التي فرضها الله ﷿، ولا يجب صوم غير رمضان بأصل الشرع بإجماع أهل العلم، ولكن قد يجب صوم غير رمضان بنذر أو بكفارة أو بجزاء صيد، وهنا وجوبه لسبب من الأسباب التي يتسبب فيها صاحبها، أما بأصل الشرع فلا يجب صوم غير صوم رمضان.
دليل الإجماع على أنه لا يجب صيام إلا صيام رمضان الحديث الذي في الصحيحين من حديث طلحة بن عبيد الله ﵁ (لما سأل أعرابي النبي ﷺ عن الصيام الذي هو فرض عليه، فقال النبي ﷺ: صيام رمضان، قال: هل علي غيره؟ فقال: لا إلا أن تتطوع).
فصوم رمضان هو الصوم الوحيد الذي أوجبه الله ﷿، قال لنا ربنا سبحانه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة:١٨٣]، وقال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة:١٨٥]، وقال: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:١٨٥].
حديث النبي ﷺ بين أن غير رمضان يكون تطوعًا، إلا لسبب من الأسباب كما قدمنا.
2 / 3
مراحل وأحوال تشريع الصيام
الصيام أول ما فرض على النبي ﷺ كان على هيئة معينة، ولذلك نقول: إن للصيام أحوالًا ومراحل تم فيها تشريع الصيام، فقد كان الإسلام يحرم على الصائم الطعام والشراب والجماع منذ أن ينام أو يصلي العشاء الآخرة، فأيهما وجد أولًا حصل به التحريم، فلو أن شخصًا نام في وقت غروب الشمس، فلم يجز له أن يأكل، أو أنه كان مستيقظًا فأكل إلى أن أذن العشاء فلا يجوز له أن يأكل إلى فجر اليوم الثاني، وكان وقت الطعام والشراب والجماع ما بين المغرب والعشاء، بقيد آخر وهو ألا يكون نائمًا في هذا الوقت.
فنسخ هذا الحكم الصعب بحكم آخر أسهل منه وهو الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس كما سبق في التعريف، وهذه أحوال الصيام.
وجاء في حديث البراء بن عازب ﵁ في صحيح البخاري قال: كان أصحاب محمد ﷺ إذا كان الرجل منهم صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وهذا الأمر فيه صعوبة شديدة، والله ﷾ يقول لنا: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة:٢٢٠]، لشدد عليكم، ولألزمكم العنت والمشقة بالتكاليف الشرعية، ولكن رحمة الله ﷿ خففت على المؤمن من فضل الله ﷾، والحكمة من كونه يشرع لنا حكمًا ثم ينسخه؛ حتى نذوق صعوبة هذا الشيء الذي لو شاء الله لأدامه، فلما فرضه فترة ثم رفعه يعرف المسلم مدى رحمة الله ﷿ وسعة فضله وبيان رحمة رب العالمين ﷾.
ولذلك ربنا ﷾ في البداية أمرهم بصوم طويل صعب ثم خفف بعد ذلك رحمة بعباده.
يقول البراء: كان أصحاب محمد ﷺ إذا كان الرجل منهم صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا، فلما حضر الإفطار أتى إلى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك.
جاء وقت غروب الشمس يسأل عن طعام في البيت فلم يجد، فذهبت المرأة تحضر له طعام وكأن الطعام الموجود في البيت هو التمر، ولذلك في بعض الروايات أنه قال: لقد أحرق التمر بطني، أي: من كثر أكل التمر لقد احترقت بطني، فكأنه يسأل عن طعام غير التمر، فذهبت تبحث عن طحين لكي تعجن له شيئًا يأكله، ثم رجعت فوجدته نائمًا ﵁، فقالت: خيبة لك! فنام ولم يأكل شيئًا حتى اليوم الثاني وهذا صيام طويل، قال: (فأصبح صائمًا، فرآه رسول الله ﷺ وقد جهد جهدًا شديدًا، قال: ما لي أراك قد جهدت جهدًا شديدًا؟ قال: يا رسول الله! إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت وأصبح حين أصبحت صائمًا)، فكأن الرجل عند غروب الشمس صلى ثم نام، واستيقظ عند العشاء، وليس له أن يطعم، فصلى العشاء ونام وأصبح على هذه الحال.
وكان عمر قد أصاب من النساء من جارية له أو من حرة بعد أن نام وأتى النبي ﷺ فذكر ذلك له، وهذه من الأسباب التي نسخت الحكم فذكر الله ﷿: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ﴾ [البقرة:١٨٧]، وتختانون من الخيانة، وما قال: تخونون، والفرق بينهما أن الإنسان الذي يخون يخون وهو يعلم أنه خائن، أما الذي يختان فيقع في الخيانة ولكن مع الشك هل الأمر الذي يعمله خطأ أم لا.
فـ عمر ﵁ ذهب إلى البيت عند غروب الشمس فاستلقى، والجارية أو المرأة رأته نائمًا، وهو كان يظن أنه ليس بنائم، فقد كانت الجارية تقول له: أنت نمت، وهو يقول: لم أنم، فأتى هذه الجارية ثم ذهب للنبي ﷺ وحكى له هذا الأمر، فأنزل الله ﷿ رحمة بعبادة قوله ﷾: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة:١٨٧] إلى قوله: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:١٨٧]، هذه من رحمة رب العالمين سبحانه.
فمعنى ﴿أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ﴾ [البقرة:١٨٧] أي: أنكم تقعون في الخطأ ثم تتأولون لأنفسكم، قال تعالى: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:١٨٧]، فما أعظم رحمة الله ﷾! وقال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ﴾ [البقرة:١٨٧]، وما قال: حتى يطلع الفجر رحمة منه.
فنزلت هذه الآية الكريمة: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة:١٨٧]، ففرحوا بها فرحًا شديدًا، فهم نفذوا ما أمر الله ﷿ به، فلما نزل التخفيف من الله سبحانه فرحوا.
ونزل قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:١٨٧]، ولكن رحمة الله سبحانه واضحة أنه لما فرض هذا الصوم الشاق جعله على التخيير، إما أن تصوم بهذه الصورة من العشاء إلى مغرب ثاني يوم، أو أن تطعم مكان كل يوم مسكينًا، فجعله مخيرًا رحمة الله ﷿ في كل شيء حتى في الحكم الصعب يجعل له تيسيرًا آخر.
فقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة:١٨٤]، منسوخ بقوله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ [البقرة:١٨٣ - ١٨٤]، ومعنى يطيقونه أي: يستطيع أن يصوم ولكنه يشعر بالمشقة في ذلك، فكانت رخصة للجميع، فكان الذي يشق عليه يطعم بكل يوم مسكينًا، وبعد أن نسخت هذه الآية بقيت الرخصة على الذين لا يستطيع الصوم، فبقيت للمرأة الحامل، وللمرأة المرضع، وللمرأة العجوز، وللشيخ الكبير الضعيف، فهؤلاء إذا صاموا ستكون عليهم مشقة شديدة جدًا وقد لا يطيقون ذلك، فجعل الرخصة لهؤلاء فقط، أما باقي الناس الذين يطيقون الصوم يلزمه الصيام لقول الله ﷿: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:١٨٥]، فصار الجميع يلزمهم الصوم، واستثنى المرضع والحامل والعجوز والشيخ.
2 / 4
شرح حديث معاذ في أحوال تشريع الصيام
روى أبو داود وأحمد عن معاذ بن جبل ﵁ قال: (أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال)، والمقصد من الحديث هنا أحوال الصيام.
فالصلاة فرضها الله ﷾ على النبي ﷺ فكان في مكة يصلي صلوات الله وسلامه عليه أول النهار وآخر النهار، فيصلي ركعتين في أول النهار، وركعتين في آخر النهار، إلى أن عرج به إلى السماء وفرضت الصلوات الخمس المعروفة، فجاء جبريل وعلم النبي ﷺ كيف يصلي، فصلى وقتًا ثم هاجر إلى المدينة، وهم في المدينة أرادوا أن يجتمعوا على الصلاة، فتناقشوا فيما بينهم كيف نصلي الصلوات الخمس؟ وكيف ننادي إلى هذه الصلاة؟ فشاور النبي ﷺ أصحابه، فكل منهم أدلى برأيه، فمنهم من قال: نوقد نارًا -عند وقت الصلاة فيراها الناس فيأتون للصلاة، ومنهم من قال: نصنع ناقوسًا مثل ناقوس النصارى فإذا جاء وقت الصلاة ضربنا الناقوس فاجتمع الناس للصلاة، فلما كادوا يصنعون ذلك، رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه رؤيا فيها الأذان، فجاء وأخبر بها النبي ﷺ ورأى مثلها أيضًا عمر ﵁ فسبقه عبد الله بن زيد بن عبد ربه فالنبي ﷺ أمرهم بالأذان، فكان ينادى على الناس بالصلاة فيصلون.
وأحوال الصيام، قال معاذ بن جبل: (فإن رسول الله ﷺ قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فصام سبعة عشر شهرًا من ربيع الأول إلى رمضان من كل شهر ثلاثة أيام)، فلما هاجر ولم يفرض الصوم، فكان النبي ﷺ يصوم، وكان قبل ذلك يصوم بعض الأيام وهو في مكة ﵊، فكان يصوم عاشوراء في مكة، ولما قدم المدينة وجدهم يصومون عاشوراء فصام معهم ﷺ، ولكنه كان يصوم قبل ذلك، كما سيأتي في صوم عاشوراء.
فقال هنا: (وصام يوم عاشوراء) وكان فرضًا عليهم في العام الثاني من الهجرة، ولذلك سيأتي في صوم عاشوراء أن النبي ﷺ أصبح وقال لهم: (من أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن لم يصبح صائمًا فليصم)، فكان في العام الثاني الذي فرض فيه صيام رمضان ثم نسخ عاشوراء بصيام رمضان.
فأنزل الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:١٨٣] إلى قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة:١٨٤]، قال: فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينًا فأجزأ ذلك عنه، وهذه حالة من أحوال الصيام.
فصاموا عاشورا مع النبي ﷺ، وكان ﷺ يصوم من كل شهر ثلاثة أيام تطوعًا، ثم فرض عاشورا لسنة واحدة فقط، ونسخ بعد ذلك، ثم فرض صيام رمضان، فإما تصوم من العشاء إلى غروب شمس اليوم الثاني، أو لك الخيار أن تطعم مسكينًا مكان كل يوم، ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:١٨٤].
قال معاذ: (ثم إن الله ﷿ أنزل الآية الأخرى ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة:١٨٥] إلى قوله: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:١٨٥]، فأثبت الله ﷿ صيامه على المقيم الصحيح).
فصام تسعة عشر شهرًا من ربيع الأول إلى رمضان وهي الأشهر التي صامها النبي ﷺ في كل شهر ثلاثة أيام وهذا ما جاء في رواية يزيد قال: (فصام تسعة عشر شهرًا من ربيع الأول) والرواية الأولى: (صام سبعة عشر شهرًا) صلوات الله وسلامه عليه.
وقد فرض الله صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة فصامه إلى أن توفي ﷺ في أول السنة الحادية عشرة، فصام ﷺ رمضان لتسع سنين؛ لأنه فرض رمضان في شهر شعبان من السنة الثانية من هجرته ﷺ، وتوفي النبي ﷺ في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من هجرته ﵊.
2 / 5
شرح حديث سلمة بن الأكوع في أحوال تشريع الصيام
في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال ﵁: (لما نزلت: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة:١٨٤] كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها).
فيبين إن الآية الثانية نسخت الآية الأولى، والآية الثانية هي: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:١٨٥].
وفي لفظ لـ مسلم: (كنا في رمضان على عهد رسول الله ﷺ من شاء صام ومن شاء أفطر، فافتدى بطعام مسكين حتى أنزلت هذه الآية: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:١٨٥]).
2 / 6
فضل الصيام
كلنا يعرف فضل الصيام وفضل صيام رمضان، ولكن نذكره للتذكرة، فكلما تذكرت فضيلة شيء فعلته، فيتشجع الإنسان على العمل ويتذكر الثواب المترتب على فعله، فإن كل مؤمن يحب أن يصوم ولكن عندما يتذكر فضل الصيام ومقدار الثواب عند الله ﷿ عليه، يحثه هذا الأمر على أن يصوم ويجتهد في ذلك.
2 / 7
الأحاديث الواردة في فضل الصيام
روى الجماعة -وهم السبعة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد - وغيرهم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ (قال الله ﷿: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)، وكأن ابن آدم عرف الثواب المترتب على بقية الأعمال إلا الصيام فقد ادخرت ثوابه عندي ولم أخبرك بهذا الثواب، فالثواب أعظم من أن تتخيله.
قال: (إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)، فالأعمال كلها لله سبحانه لكن الصيام وكأنه سر بين العبد وبين الرب، ومن سيعرف أنك صائم أو مفطر؟! ويخفي العبد ذلك فيؤجر عليه الأجر العظيم من الله سبحانه.
قال ﷺ: (والصيام جنة) أي: وقاية يستجن به الإنسان، فيحمي به نفسه من النار ومن عذاب الجبار سبحانه.
قال ﵊: (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب)، الرفث الكلام الفاحش، فينهاك عن أن تتكلم بكلام فاحش وخاصة ما يتعلق بالجماع والنساء ومقدمات ذلك.
قال: (فلا يرفث ولا يصخب)، والصخب من الجهل وهو رفع الصوت والصراخ والمشاجرة مع الناس.
قال ﵊: (فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم)، إذا سابه أحد أي: تعرض له بالشتم من أجل أن يتعارك معه، فليقل له: إني صائم قال: (فليقل: إني امرؤ صائم)، وكأنه يذكر نفسه، ويقول للآخر: إني صائم لن أرد عليك بهذا الشيء؛ لأن الصوم يمنعني من ذلك، فالصوم يدفع المؤمن إلى الالتزام بالخلق الحسن، وليس من حسن الخلق أن أتشاجر أو أسب أو أرد على إنسان.
قال ﵊: (والذي نفس محمد بيده!)، يقسم بالله سبحانه (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، قوله: (لخلوف فم الصائم) أي: تغير رائحة فم الصائم بسبب صومه، (أطيب عند الله من ريح المسك)، فربنا سبحانه يجعل هذه الرائحة عنده حين يرى العبد الثواب يوم القيامة، وحين يقابل ربه ﷾ يوم القيامة، فالريح الذي كان يصدر من فمه وهي رائحة كريهة متغيرة يجعله الله ﷿ أطيب عنده من رائحة المسك، كما يجعل دم الشهيد، والدم الأصل فيه أنه نجس، ولكن الشهيد يجعل الله ﷿ دمه اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فيفضله ويكرمه ويجزيه بسبب استشهاده أن يغير الله ﷿ رائحة دمه من رائحة دم إلى رائحة المسك.
قال ﵊: (للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر)، فالصائم يظل طوال اليوم جائعًا عطشان فما أن يأتي وقت الإفطار فيفطر فيفرح بذلك، وهذا فرحه بالدنيا، وإذا لقي ربه سبحانه فرح بالأجر والثواب، قال: (وإذا لقي ربه فرح بصومه).
والحديث لفظه في لـ مسلم: يقول النبي ﷺ: (كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)، فكأنه يبين أن كل عملك لك، يعني: الله ﷿ أعطاك وأعلمك أن الحسنة بعشر أمثالها، أو الحسنة بسبعمائة ضعف أو بما شاء الله سبحانه، إلا الصوم لم يذكر لك، فكأنه يقول: إن أعظم من ذلك الذي ادخرت لك من الأجر ليوم القيامة فسأخبرك به يوم القيامة.
قال: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي)، وهذا الجزء من الحديث هام في مسائلنا الفقهية بعد ذلك، (يدع شهوته وطعامه من أجلي)، فالصيام إمساك بقصد التقرب إلى الله ﷿، فإذا وجد الصوم مع القصد فصاحبه مأجور على صومه، حين تجيء في مسألة الإنسان الذي تصيبه حالة صرع فيذهب عقله، فإذا كان وقت صرعه صائمًا ممسكًا، ووجدت منه النية قبل ذلك، فالأصل أن هذا الصوم ينفعه حتى ولو كان يصرع ويفيق في اليوم أكثر من مرة، كذلك الإنسان الذي يغمى عليه وقد أفاق في فترة من الصوم في أول النهار أو في آخر النهار، فإذا وجد منه الإمساك ووجدت منه نية والتقرب لله ﷿، فيؤخذ من هذا الحديث أنه ترك مع القصد، فإذا وجد هذان في النهار فصاحبها صائم.
يقول: (يدع شهوته وطعامه من أجلي)، وفي لفظ للبخاري قال: (الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل)، ثم ذكر: (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها.
وروى الإمام النسائي من حديث عثمان بن أبي العاص عن النبي ﷺ: (الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال)، وكلمة الجن مأخوذة من الاستتار، فالجن خفي مستتر، وكذلك الصيام فهو جنة، مأخوذ من المجن، والمجن هو الدرع الذي يختفي خلفه المقاتل حتى لا يصيبه سيف أو سهم من العدو.
وكذلك الصوم فهو درع وهو مجن تستجن وراءه، فالصيام يحميك من غضب الله ﷾، ويسترك من النار، ويبعد عنك غضب الله ﷾.
قال أحمد: الصيام جنة وحصن حصين من النار.
فمن تحصن بالصوم كان له حصنًا حصينًا من النار، ولم يعذب بالنار.
روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري ﵁ قال: سمعت النبي ﷺ يقول: (من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا).
وهذا من ثواب الصوم، وليس كله فقد قال: (الصيام لي وأنا أجزي به)، جزاؤك عندي، ولكن من ضمن هذا الجزاء أنه يبعدك عن النار سبعين سنة، فبالمقياس الدنيوي نبدأ نقيس المسافة بالمتر، ثم بالكيلو متر، ثم بالميل، وكلما ازدادت المسافة زدنا في وحدة القياس، وعندما تطول المسافة تقاس بالسنين.
فنقول: بعد النجم الفلاني عن الأرض أربعة ونصف مليون سنة ضوئية، وهذه مسافة بعيدة جدًاَ جدًا، فإذا قال لنا هنا: (من صام يومًا في سبيل الله باعد الله ﷿ وجهه عن النار)، ولا أحد يعلم هل مسافة السبعين سنة هذه ونحن نجري أو نطير أم سرعة الصاروخ؟ فالله أعلم بهذا الشيء.
جاء عن عبد الله بن عمرو في مسند الإمام أحمد أن رسول الله ﷺ قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة)، وهذا أيضًا من ضمن الثواب المترتب على الصيام، فالصيام لله ﷿ وهو يجزي به، والصيام يباعدك عن النار سبعين خريفًا، والصيام يشفع لك، وذلك بأن يمثله الله كما يشاء سبحانه، فيتكلم ويجادل عنك عند الله ﷿.
وكذلك ثواب حفظك القرآن فإن الله ﷿ يمثله بصورة رجل شاحب يدافع عنك ويحامي عنك يوم القيامة عند الله سبحانه.
قال ﵊: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب! منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه)، يقول القرآن: يا رب! أنا منعته طعامه وشرابه فشفعني فيه، (والقرآن يقول: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان) أي أن ربنا ﷾ يقبل شفاعة صومك وشفاعة قراءتك للقرآن، ويمنعك من النار ﷾.
وجاء في مسند الإمام أحمد عن حذيفة ﵁ قال: (أسندت النبي ﷺ إلى صدري فقال: من قال: لا إله إلا الله! ابتغاء وجه الله وختم له بها دخل الجنة، ومن صام يومًا ابتغاء وجه الله وختم له به دخل الجنة) أي: من مات وهو صائم، أو أفطر وقت الإفطار ومات، أو مات قبل أن يفطر، المهم أن الصيام آخر عمل عمله في هذا اليوم، دخل الجنة.
فليس شرطًا أن يموت وهو صائم، أو يموت وهو يفطر عند غروب الشمس، لكن آخر عمل صالح قام به في يومه هو الصيام، فيدخل الجنة، حتى لو مات قبل الفجر قبل أن يأتي يوم آخر، فكنت في آخر أيام حياتك صائم فيه، من ختم له بذلك استحق الجنة.
قال: (ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله وختم له بها دخل الجنة)، أعطى للفقير صدقة وختم له بذلك دخل الجنة، وليست هذه الأعمال فقط، فقد جاء عن النبي ﷺ في الصلاة: (من قرأ آية الكرسي دبر الصلاة -الصلاة المكتوبة- لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)، والمعنى أن لو كان آخر عمل عمله الإنسان ومات بعدها دخل الجنة، وقس على ذلك إذا قرأ قرآنًا، وختم له بذلك فاستحق فضل الله ﷿ ورحمته سبحانه، نسأله سبحانه أن يختم لنا بالأعمال الصالحة.
وروى النسائي عن أبي أمامة الباهلي ﵁ قال: (أتيت رسول الله ﷺ فقلت: مرني بأمر آخذه عنك، قال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له)، وكأن غيره من الأعمال من الممكن أن أي أحد يعملها، فقد يصلي الإنسان ركعتين نافلة وهذا أمر سهل، (فالصلاة نور)، لكن الصوم مشقة وتعب، فالصلاة قد يصلي المرء دقيقة أو دقيقتين أو عشر دقائق، أو يصلي نصف ساعة، لكن الصوم فإنه سيصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فهذا صعب على الإنسان ولذلك قال: (الصوم لا مثل).
أيضًا روى الترمذي عن أبي أمامة ﵁ النبي ﷺ قال: (من صام يومًا في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض)، وجاء في الحديث السابق: (باعد بينه وبين النار سبعين خريفًا)، فقد يكون هذا الحديث مفسرًا للحديث السابق فإن السبعين سنة مدتها ما بين السماء والأرض، والله أعلم.
وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن أبي موسى ﵁ قال: (كنا في البحر)، وهذا أثر لـ أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، حين كانوا مهاجرين إلى النبي ﷺ من الحبشة، ي
2 / 8
فضل صيام رمضان
هذا كان في فضل الصوم، أما صوم رمضان فهو أعظم، فهو فرض فرضه الله، وجعله ركنًا من أركان الإسلام الخمسة، وفيه ثواب عظيم عند الله سبحانه.
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)، فصيام رمضان إيمانًا واحتسابًا يغفر لك ما تقدم من ذنبك، وإذا قمت ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر لك ما تقدم من ذنبك.
وروى أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة قال النبي ﷺ: (من صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا).
فعندما تصوم وتقوم رمضان إيمانًا واحتسابًا، وتقوم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا ففضل الله عظيم، فقد جعل للعبد ما يكفر الله ﷿ به عن ذنوبه وسيئاته ومنها رمضان، والعمرة إلى العمرة، ومنها الحج، ومنها الصلاة إلى الصلاة، ومنها الجمعة إلى الجمعة، ففضل الله على عباده عظيم، فقد جعل للعبد مكفرات عظيمة تكفر عنه بها من سيئاته.
في هذا الحديث العظيم الجليل ذكر لنا الإيمان والاحتساب، فالإيمان أن تؤمن بفرضية صيام رمضان، وأن الله فرض صيام رمضان إيمانًا، وأن تؤمن أي: أن تصدق وأن تستيقن بذلك، وأنه جعل ذلك نافلة، وأن تؤمن بأن ليلة القدر ليلة عظيمة، يقول الله ﷿ فيها: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر:٣]، وصدقت بما قاله الله ﷾.
والاحتساب: أن تفعل ذلك طالبًا الأجر من الله وحده، فلا تصوم وتنتظر ثناء الناس ومديحهم، ولا تنتظر الأجر من الناس، أو الأجرين من الله ومن الناس، لكن ترجو الأجر من الله سبحانه وحده.
لذلك يقول الحافظ ابن حجر: المراد بالإيمان: الاعتقاد بحق فرضية صومه، والمراد بالاحتساب: طلب الثواب من الله ﵎.
وقال الخطابي: احتسابًا أي عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه، طيبة نفسه بذلك غير مستثقلًا لصيامه ولا مستطيلًا لأيامه.
فالإنسان الذي يصوم ولا يستثقل الصيام، ويستشعر رحمة الله ﷿ في هذا الشهر العظيم، فيتمنى المؤمن لو أن عامه كله كان رمضان حينها يكون محتسبًا.
يقول الإمام النووي: معنى إيمانًا: أي تصديقًا بأنه حق، مصدقًا بفضيلته، ومعنى الاحتساب: أن يريد الله تعالى وحده، ولا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص.
فيقوم رمضان إيمانًا واحتسابًا مصدقًا بما قاله النبي ﷺ، وأن له في ذلك الأجر، والقيام المقصود هو أن يصلي صلاة التراويح.
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه كان يقول: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، وهذا قيد، فالذي يكفر عنه سيئاته اجتنابه للكبائر، فيبتعد عما يغضب الله ﷾ من الكبائر، فيكفر الله ﷿ بذلك عنه سيئاته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
2 / 9
شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - فضل الصيام ومن يجب عليه الصوم والقضاء
جعل الله للصائمين شهر رمضان إيمانًا واحتسابًا أجرًا عظيمًا، وغفر لهم بذلك ما تقدم من ذنوبهم، ورهب المفطرين فيه عمدًا وعدوانًا، وتوعدهم بالعقاب الأليم؛ إذ قد هيأ لهم وللناس جميعًا أسباب القرب من الرحمن والبعد من الشيطان، ففتح أبواب الجنان، وأغلق أبواب النيران، وسلسل الشياطين، ولذلك استحق من بغى وتجبر في ذلك الشهر، العذاب الأليم.
ومن رحمته سبحانه أنه لم يوجب الصيام على الجميع في كل حال، بل قد عذر أصحاب العذر، ولهم أحكام خاصة في الصيام.
3 / 1