163

Sharh Kitab Al-Fawaid

شرح كتاب الفوائد

اصناف

تزكية النفس وتدسيتها
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس:٩ - ١٠]، أي: قد أفلح من كبرها وكثرها ونماها في طاعة الله، وخاب من صغرها وحقرها بمعاصي الله].
أي: هذه النفس الصغيرة، عندما تطيع الله تكبر وتنمو، وتكون عظيمة، ومطمئنة وراضية ومرضية وملهمة، وتقترب من النفس الكاملة لرسول الله ﷺ، ولذلك يقول الله ﷿: (عبدي ابتليتك فشكوتني إلى عوادك، وأنت يصعد منك في كل لحظة عمل سيئ وأنا لم أشكك إلى ملائكتي).
فانظروا إلى الفرق في المعاملة بين الرب والعبد، فتجد العبد عندما يصاب بمرض يشكو الله إلى الذين يأتون لزيارته، وعندما يذنب العبد وتصعد الملائكة بصفحاته سوداء إلى السماء، لا يشكوه الله ﵎ إلى ملائكته.
ولذلك نؤكد أن المسلم كما قال الله ﷿: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ [الإسراء:٨٤]، أي: على طبيعة النفس التي عنده، فإن زكاها سيعمل خيرًا، وإن دساها فسيعمل شرًا.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [من لم يعرف نفسه لم يعرف خالقه].
كيف ذلك؟ جعل الله لنا في أبداننا بيتًا وهو القلب، وهو محط نظر الله، فالله لا ينظر إلى شكلك ولا إلى لبسك، ولا إلى حجمك، ولا إلى عزك، ولا إلى مالك، ولكن ينظر إلى قلبك، وهذا كما قال رسول الله ﷺ: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
فالقلب محط نظر الله.
فكما أن الواحد منا يلبس اللباس الطيب لكي يراه الناس، فتقع أعينهم على شيء طيب، فكذلك يلبس قلبه لباس التقوى؛ لأنه محط نظر الله.
يقول رسول الله ﷺ لـ أبي ذر: يا أبا ذر! أخلص النية فإن الناقد بصير، أي أنه يراك، وما دام أنه يراك، فأخلص نيتك.

15 / 21