مباحثها تفتقر لمصنفٍ مستقلٍ لغرابتها واحتياج الخائض في هذا العلم إليها، وافتقار كلام ابن جني لما أشرنا إليه من الشرح، فلا يعده القاصر تطويلًا في محله، أو تعقيدًا ربما يستغنى عن جله. فإن أمثال هذه الحور مقصورات في قصور الأذهان الألمعية عن أرباب القصور. والله الموفق سبحانه.
الفائدة الثالثة:
اختلف العلماء: هل اللغة توقيف ووحي، أو اصطلاح وتواطؤ؟ قال ابن فارس في فقه اللغة: «اعلم أن لغة العرب توقيف، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾ فكان ابن عباس يقول: علمه الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارفها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. وقال مجاهد: علمه اسم كل شيء. وقال غيرهما: علمه أسماء الملائكة وأسماء ذريته أجمعين. قال ابن فارس: والذي نذهب إليه في ذلك ما ذكرناه عن ابن عباس. ثم أخذ يبين ما يرد على ذلك: أن من عود الضمير للمذكورين في «عرضهم» ربما عين أنه لأعيان بني آدم، إذ لو أريد غيرها لقال عرضها، أو عرضهن، وأجاب بأن ذلك من باب التغليب نظر ﴿فمنهم من يمشي﴾ ... الخ. وأطال في تقرير ذلك، ورجح التوقيفية فيها على ما هو مذهب أئمة السنة وهو من أشياخهم.
وتردد في ذلك ابن جني في الخصائص، فمال مرة إلى أن اللغات تواضع وتواطؤ، كما يقوله المعتزلة، لأنه من أشياخهم كشيخه أبي علي الفارسي، وتارة إلى القول بالوقف، وتارة إلى التوقف عن الخوض في ذلك مطلقًا، وقد عقد لذلك ترجمة في الخصائص فقال: باب القول على أصل اللغة، إلهام هي أم
1 / 71