Sharh Jawami' Al-Akhbar - Abdul Karim Al-Khudair
شرح جوامع الأخبار - عبد الكريم الخضير
اصناف
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثامن عشر: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عهما- قال: قال رسول الله ﷺ: «الظلم ظلمات يوم القيامة» [حديث متفق عليه] والظلم مرتعه وخيم وشأنه عظيم، وهو وضع الشيء في غير موضعه، وتتفاوت شدته وقوته وضعفه بسبب الأثر المترتب عليه، وهو أنواع ودركات، أعظمه -نسأل الله السلامة والعافية- الشرك، وبه فسر النبي ﷺ الظلم، في قوله -جل وعلا-: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ [(٨٢) سورة الأنعام] قال: الشرك، وأحال على قول لقمان: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [(١٣) سورة لقمان] لا شك أن الشرك لا سيما الأكبر هو أعظم أنواع الظلم؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه، فموضع التوجه، توجه الإنسان لمن خلقه ورزقه وأوجده من العدم إلى الوجود، فمثل هذا يجب أن يكون التوجه إليه، فلو أن شخصًا استأجر أجيرًا ودفع له ما دفع من الأجرة، ثم أخذ هذا الأجير يعمل ويؤدي ما يترتب على عمله لغير مستأجره ظلمه، فكيف بمن خلق ورزق وأوجد من العدم؟ كيف يؤدى الحق الذي هو أعظم الحقوق حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا وأدى إلى غيره؟ لا شك أن هذا هو أعظم أنواع الظلم، وقصره النبي ﵊ في تفسير آية الأنعام على الشرك، وهذا التفسير منه ﵊ تفسير للعام ببعض أفراده، وتنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي الحصر، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، نكرة في سياق النفي تعم جميع أنواع الظلم؛ لكن النبي ﵊ فسره ببعض أفراده، وهذا له نظائر كثيرة ذكرنا في درسٍ مضى تفسير القوة بالرمي، ولا يعني أننا لا نستعد للعدو بغير الرمي، ولا يعني أننا لا نتقي من أنواع الظلم إلا الشرك، نعم التنصيص على بعض الأفراد من قبل الشارع إنما هو للعناية به، والاهتمام بشأنه، لا شك أن الشرك -نسأل الله السلامة والعافية- لا سيما الأكبر المخرج عن الملة الموجب للخلود في النار هذا أعظم ما يجب أن يتقيه المسلم، ثم بعد ذلك يليه ما يليه من أنواع الظلم، من ظلم العبد لنفسه، وظلم
4 / 2