قوله: «خير أمتي قوم يؤمنون بي ... الخ»: ونظيره الحديث الآتي عن أبى هريرة "وددت أني رأيت إخوانى، قالوا يا رسول الله: ألسنا بإخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإنما إخوانى الذين يأتون من بعدي، وأنا فرطهم على الحوض"، ومثله أيضا ما روى أبو أمامة أنه صلى الله عليه وسلم "قال: طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي"، وعن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: كنت جالسا عند النبيء صلى الله عليه وسلم قال:" أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا قلنا؟ الملائكة، قال: وحق لهم بل غيرهم قلنا: الأنبياء، قال: وحق لهم بل غيرهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني، فهم أفضل الخلق إيمانا"، وجاءت أحاديث كثيرة تدل على أن خير أمته صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يخلف قوم يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا ، ولا منافاة بينها وبين أحاديث الباب لأن فيها تفضيل القرون بعضها على بعض ولا شك أن قرن الصحابة أفضل مما يليه من حيث الجملة، وكذا الذين يلونهم، وأحاديث الباب فيها تفضيل قوم مخصوصين على مطلق الأمة، قال ابن عبد البر: قد يكون في من يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة، وأن قوله عليه السلام خير الناس قرني، ليس على عمومه بدليل ما يجمع من الفاضل والمفضول، وقد جمع قرنه عليه السلام جماعة من المنافقين وأهل الكبائر، الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود، وذهب الجمهور إلى تفضيل أول هذه الأمة لأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمسكوا بظواهر الأحاديث التي أشرنا إليها والجواب: ما مر من أنها مفضلة للقرن الأول من حيث الجملة على أنه صلى الله عليه وسلم قد صرح بتفضيل إيمان من آمن به ولم يره ولما نزل قوله تعالى: {فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه,}[المائدة: 54]، قال صلى الله عليه وسلم من رهطك يا سلمان، وقال: "لو تعلق الدين بالثريا لنالته رجال من الفرس"، <01/64> أو كما قال، كذا ذكره أصحابنا رحمهم الله تعالى، وأصل الحديث في الصحيحين وغيرهما، وقد رواه البخاري من طريقين عن أبي هريرة، قال: "كنا جلوسا عند النبيء صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة {وءاخرين منهم لما يلحقوا بهم}[الجمعة: 03]، قال: قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا وفينا سلمان الفارسي وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء"، وفي الرواية الثانية: "لناله رجال من هؤلاء"، والشك في الرواية الأولى من سليمان بن بلال المذكور في السند، قال ابن حجر: وقد أطنب أبو نعيم في أول تاريخ أصبهان في تخريج طرق هذا الحديث، أعني حديث: "لو كان الدين عند الثريا" ووقع في بعض طرقه عند أحمد بلفظ: "لو كان العلم عند الثريا"، وفي بعض طرقه عند أبي نعيم عن أبي هريرة: أن ذلك كان عند نزول قوله تعالى: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم}[محمد: 38]، ويحتمل أن يكون ذلك صدر عند نزول كل من الآيتين وقد أخرج مسلم الحديث مجردا عن السبب من رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رفعه: "لو كان الدين عند الثريا لذهب رجال من أبناء فارس حتى يتناولوه"، وأخرجه أبو نعيم من طريق سليمان التيمي: "حدثني شيخ من أهل الشام عن أبي هريرة نحوه، وزاد في آخره: برقة قلوبهم"، وأخرجه أيضا من وجه آخر عن التيمي عن أبي عثمان عن سلمان الفارسي بالزيادة، ومن طريق أخرى من هذا الوجه فزاد فيه: "يتبعون سنتي ويكثرون الصلاة علي ثم ظهر هذا الوصف في بني رستم بن بهرام بن سام بن كسرى الملك الفارسي وبنو رستم هم أئمة المسلمين في أرض المغرب، ظهرت لهم في أيام بني العباس قوة ظاهرة ودولة وافرة وصولة باهرة وسيرة زاهرة، وأخبارهم شاهرة، رضوان الله عليهم.
قوله: «ويعملون بأمري»: فيه دليل على أن الإيمان لا يجزي دون العمل فهو نظير قوله تعالى: {الا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات}[العصر: 03].
قوله: «فأولئك لهم الدرجات العلى»: يعني في الجنة، وإنما كان ذلك جزاءهم لأنهم آمنوا به عملوا بأمره ولم يروه، وإنما رأوا سوادا في بياض، فصدقوا وأذعنوا، فهم بمنزلة من آمن بالغيب مرتين، <01/65> إحداهما: الإيمان محمد صلى الله عليه وسلم ولم يروه، والثانية: الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الأخبار بالغيب وأحوال الآخرة، وقد أثنى الله على الذين يؤمنون بالغيب، فهؤلاء استحقوا الثناء من جهتين فكان أجرهم أعظم.
قوله: «إلا من تعمق في الفتنة»: التعمق في الفتنة، الغوص فيها، والفتنة الميل عن الحق، وأصلها المحنة والابتلاء، والجمع في، وهي مأخوذة من قولك: فتنت الذهب والفضة: إذا أحرقته بالنار، ليبين الجيد من الرديء، وقد وقع في التحذير عن الوقوع في الفتنة أحاديث يأتي بعضها في أحاديث المسند إن شاء الله تعالى.
صفحہ 68