قوله: «أنزل الله القرآن كله جملة واحدة»: هذا الحديث نص في كيفية إنزال القرآن من اللوح إلى سماء الدنيا ومنها إلى الأرض، ولعلماء الأمة في ذلك ثلاثة أقوال: الأول: وهو الأصح الأشهر ما في هذا الحديث، وهو أنه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجما في عشرين سنة أو ثلاثة وعشرين أو خمسة وعشرين، على حسب الخلاف في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة، القول الثاني: إنه نزل إلى السماء الدنيا في عشرين ليلة قدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين، في كل ليلة ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ثم نزل بعد ذلك منجما في جميع السنة، نقله القرطبي عن مقاتل بن حيان، وحكى الإجماع على أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا القول الثالث: إنه ابتدأ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات، وبه قال الشعبي ،والقول الأول هو الصحيح وله حجج صحيحة لا نطيل بذكرها، وسئل ابن عباس عن قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان}[البقرة: 185]، قوله: {إنآ أنزلناه في ليلة القدر}[القدر: 01]، وقوله: إنآ أنزلناه في ليلة مباركة}[الدخان: 03]، وقد نزل في سائر الشهور، قال تعالى: {وقرءانا فرقناه}[الإسراء: 106]، فقال: أنزل الله من اللوح المحفوظ جملة واحدة في ليلة القدر من شهر رمضان إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم نزل به جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما في عشرين سنة، فذلك قوله تعالى: {بمواقع النجوم}[الواقعة: 75]، وروي عن النبيء صلى الله عليه وسلم قال، أنزلت صحف إبراهيم في ثلاث ليال مضين من رمضان، وروي في أول ليلة من رمضان، وأنزلت توراة موسى في ست ليال مضين من رمضان، وأنزل إنجيل عيسى في ثلاث عشرة مضين من رمضان، وأنزل زبور داود في ثمان عشرة مضت من رمضان، وأنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين في الرابعة والعشرين لست بقين بعدها.<01/37> قوله: «إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا»: كابتداء حكم أو تغييره بالنسخ بعد ثبوته أو إظهار معجزة لنبيئه كإخبار عن الغيب أو عن بعض من مضى من الأمم أو جواب لأهل الكتاب أو لمشركي العرب واقرأ إن شئت: {ولا ياتونك بمثل الا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا}[الفرقان: 33]، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئا أحدث الله لهم جوابا.
قوله: «فلا يرد قضاؤه»: لأن الكل وحي يوحى لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوىآ(3) إن هو إلا وحي يوحىا}[النجم: 04]، فالنازل من القرآن بخلاف قضائه صلى الله عليه وسلم ناسخ لتلك القضية، ومن أمثلة ذلك أخذه صلى الله عليه وسلم الفدية من أسارى بدر فنزل القرآن بالأثخن في الأرض، ثم قال: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيمآ أخذتم عذاب عظيم}[الأنفال: 68]، فهذه الآية تدل على سبق إباحة ذلك لهم وأن العتاب إنما نزل على اختيار عرض الفداء على القتل مع إباحة الكل والله أعلم.
ما جاء في بيان المدني والمكي من السور.
قوله: «عن يحيى بن كثير»: بن درهم العنبري البصري، كنيته أبو غسان، قال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال عباس: العنبرى كأنه ثقة، قال ابن أبي عاصم: مات سنة ست ومائتين، كذا في الخلاصة.
قوله: «عن شعيب»: يشبه أن يكون هو شعيب بن إسحاق الأموي وكان مولى في بني أمية، وكان بصريا، ثم نزل دمشق، وثقه غير واحد، وقال أحمد ما أصح حديثه، قال ابن صيفي: مات سنة تسع وثمانين ومائة، وعمره إحدى وسبعون سنة.
صفحہ 35