المشيب وجائز أن يكون المراد كبرت ولم تجزع أيها المرء من الشيب مجزعا، ثم رجع إلى الرواية التي أثبتها فقال: "ومن روى حديثا ناعم البال أفرعا فمعناه: قالت: أراك حديث السن تام الشعر وليس لك غير ذلك أي مال ولا حال" ثم عقب على رواية أبي زيد فقال: "وما رواه أبو زيد أحسن وأظهر لأن الرجل يعتذر للشيب فلولا أنها عابته المشيب ما كان يحتاج إلى العذر".
ولكنه إذا كان يلتزم الرواية التي أمامه كما أوضحنا فيما مضى فإنه قد يخالف عامة الرواة، ويقف مع رواية واحدة حين يراها متسقة مع المعنى الذي اشتمل عليه النص، ففي الحماسية التي نسبت إلى أبي صخر الهذلي نراه يقف مع أبي رياض في روايته لها، وقد جاءت عنده على النحو التالي:
رأيت فضيلة القرشي لما رأيت الخيل تشجر بالرماح
ورنقت المنية فهي ظل على الأبطال دانية الجناح
فكان أشدهم قلبا وبأسا وأصبر في الحروب على الجراح
قال في شرحه: "قال أبو رياش رأيت فضيلة القرشي على التصغير ونصب القرشي" ثم أشار إلى أن الأبيات ليست في ديوان أبي صخر، ومضى مفسرًا فقال: "ولعل معناه ضربت رئة فضيلة بمعنى قتلته كما يقال بطنته أي أصبت بطنه، وإن كان من رؤية العين فمعناه رأيت مشتجر الرماح كأنه شهد هذا الشاعر وفضيلة الحرب فسئل عن فججم في الجواب، ومما يؤيد ذلك قوله: "ورنقت المنية فهي ظل" ويقوي هذا الوجه ما بعده وهو قوله: "فكان أشدهم قلبًا وبأسًا" وروت عامة الرواة "رأيت فضيلة القرشي" واحدة الفضائل وهذا واضح".
وقد نجده بجانب ما ذكرنا يقف مع رواية لأنها تدل على معنى بديع ففي بيت عبد الله بن عجلان الوارد في القطعة (٢٣) من باب النسيب، والذي يقول فيه:
جديدة سربال الشباب كأنها سقية بردى نمتها عيونها
2 / 50