ولهذا قال بعضهم: إذا قال لك السائل: كيف ينزل، أو كيف استوى، أو كيف يعلم، أو كيف يتكلم ويقدر ويخلق؟ فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: أنا لا أعلم كيفية ذاته؛ فقل له: وأنا لا أعلم كيفية صفاته، فإن العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف.
فهذا إذا استعملت هذه الأسماء والصفات على وجه التخصيص والتعيين - وهذا هو الوارد في الكتاب والسنةـ وأما إذا قيلت مطلقة وعامة - كما يوجد في كلام النظار: الموجود ينقسم إلى قديم ومُحّدَث، والعلم ينقسم إلى قديم ومُحدَث، ونحو ذلك - فهذا مسمى اللفظ المطلق والعام، والعلم معنى مطلق وعام، والمعاني لا تكون مطلقة وعامة إلا في الأذهان لا في الأعيان، فلا يكون موجود وجودًا مطلقًا أو عامًا إلا في الذهن، ولا يكون مطلق أو عام إلا في الذهن، ولا يكون إنسان أو حيوان مطلق وعام إلا في الذهن، وإلا فلا تكون الموجودات في أنفسها إلا معينة مخصوصة متميزة عن غيرها.
فليتدبرالعاقل هذا المقام الفارق فإنه زل فيه خلق من أولي النظرالخائضين في الحقائق، حتى ظنوا أن هذه المعاني العامة المطلقة الكلية تكون موجودة في الخارج كذلك، وظنوا أنا إذا قلنا: إن الله ﷿ موجود حي عليم، والعبد موجود حي عليم، أنه يلزم وجود موجود في الخارج يشترك فيه الرب والعبد، وأن يكون ذلك الموجود بعينه في العبد والرب، بل وفي كل موجود، ولا بد أن يكون للرب ما يميزه عن المخلوق، فيكون فيه جزآن:
أحدهما: لكل مخلوق، وهو القدر المشترك بينه وبين سائر الموجودات.
والثاني: يختص به، وهو المميز له عن سائر الموجودات، ثم لا يذكرون فيما يختص به إلا ما يلزم فيه مثل ذلك. فإذا قالوا: يمتاز بذاته أو بحقيقته أو ماهيته أونحو ذلك، كان ذلك بمنزلة قولهم: يمتاز بوجوده؛ فإن الذات والحقيقة والماهية تستعمل مطلقًا ومعينًا كلفظ الوجود سواء
وهذا المقام حار فيه طوائف من أئمة النظار، حتى قال طائفة: إن لفظ الوجود وغيره
1 / 11