كليًا وجزئيًا. وكذلك المجرد عن أن يوصف بصفة ثبوتية، بل هذا أولى بالامتناع منه. وإذا كان هذا قد شارك سائر الموجودات في مسمى الوجود ولم يميز عنها إلا بالقيود السلبية، وهي قد امتازت عنه بالقيود الوجودية، كان كل ممكن في الوجود أكمل من هذا الذي زعموا أنه واجب الوجود، فإن الوجود الكلي مشترك بينه وبينها، ولم يميز عنها إلا بعدم، وامتازت عنه بوجود، فكان ما امتازت به عنه أكمل مما امتاز به هو عنها؛ إذ الوجود أكمل من العدم.
وأما إذا قيل: هو الوجود لا بشرط، فهذا هو الوجود الكلي والطبيعي المطابق لكل موجود، وهذا لا يكون كليًا إلا في الذهن. وأما في الخارج، فلا يوجد إلا معينًا، ومن الناس من قال: إن هذا الكلى جزء من المعينات.
فإن كان الأول هو الصواب، لزم أن يكون الموجود الواجب معدومًا في الخارج أو أن يكون عين الواجب عين الممكن، كما يقوله من يقوله من القائلين بوحدة الوجود، وإن كان الثاني هو الصواب، لزم أن يكون وجوده جزءًا من كل موجود، فيكون الواجب الوجود جزءًا من وجود الممكنات.
ومن المعلوم بصريح العقل أن جزء الشيء لا يكون هو الخالق له كله، بل يمتنع أن يكون خالقًا لنفسه، فضلًا عن أن يكون خالقًا لما هو بعضه؛ إذ الكل أعظم من الجزء، فإذا امتنع أن يكون خالقًا للجزء، فامتناع كونه خالقًا للكل أظهر وأظهر.
فصحيح المنطق لم ينتفعوا به في معرفة الله، وباطل المنطق أوقعهم في غاية الكذب والجهل بالله، ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [النور: ٤٠]، و﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، وهو القائل: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: ٢٥]، وهو القائل: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ
1 / 19