قتال الخوارج
القسم الثاني: هو قتال الخوارج، وقد وقع في خلافة علي بن أبي طالب ﵁، وهو مشروع بالنص والإجماع.
أما النص: فهو ما تواتر عنه ﷺ في قوله: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وفي رواية: (قتل ثمود) ..
(قاتلوهم فإن لمن قاتلهم أجرًا عند الله) إلى غير ذلك من النصوص، وهم بدءوا المسلمين بقتال فوجب دفعهم من باب دفع الصائل، فإنهم استحلوا دماء المسلمين وكفروهم، فقتالهم مشروع بالنص.
وأما الإجماع فهو إجماع الصحابة، فإن الصحابة ﵃ في خلافة علي لم يختلفوا في شرعية قتال الخوارج، وإن كان بعض الصحابة لم يشارك لأسباب تتعلق ببعده عن أرض القتال، كمن كان بمكة أو نحو ذلك، لكن لم ينقل عن صحابي أنه خطّأ عليًا في شأن القتال، بل كان قتاله مجمعًا عليه بين الصحابة، وجمهور من أدرك القتال من الصحابة وتيسر له شاركوا فيه، ولم يتأخروا عن علي من باب الورع أو نحو ذلك.
فهذا القتال الثاني مشروع بالنص والإجماع، وهل هو قتال ردة أم قتال بغي؟
نقول: إن كلمة "قتال البغي" أو كلمة "البغاة" في كلام الفقهاء مفصلة على مقامات، وهي أقل مما يتعلق بمراد أو بذكر البغي في باب موارد النصوص من الكتاب أو السنة، فأحيانًا يكون فيها زيادة أو نقص في كلام الفقهاء ..
والنتيجة من هذا: أن كلمة "بغي" كلمة فيها إجمال، إنما الذي يتحقق لك أن تقول: إن قتال الخوارج ليس قتال ردة، وهل يسمى قتال بغي؟ نقول: لا بأس بتسميته قتالًا لقوم بغاة، لكن هذه التسمية لا تعني أنهم بغاة من جنس من بغى على علي من الصحابة، بل لا شك أن الخوارج أشد.
فالنتيجة: أن قتال الخوارج لم يكن قتال ردة، والدليل على ذلك: أنهم مسلمون مؤمنون بالله ورسوله ﷺ وإن ابتدعوا هذه البدعة، وقد كان علي لا يرى كفرهم وكذلك الصحابة معه، فلم يجهزوا على الجريح، ولم يتبعوا المدبر، ولم يسلبوهم أو يغنموهم أو ما إلى ذلك من سنن القتال مع الكفار أو مع المرتدين، بل جروا فيهم بسنة المسلمين، حتى قال علي: "من الكفر فروا.
قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا".
ولما ضربه ابن ملجم قال علي: "إن مت فاقتلوه، وإن حييت فأنا ولي الدم".
فقوله: وإن حييت فأنا ولي الدم دليل على أنه لا يرى الخوارج كفارًا؛ لأنه لو كان ابن ملجم كافرًا أو مرتدًا لما كان علي ﵁ ولي الدم، فإن من بدل دينه وجب قتله، ولا ولاية لأحد على دمه، بمعنى أنه يستطيع العفو.
6 / 5