شرح فصول ابقراط

ابن النفیس d. 687 AH
94

شرح فصول ابقراط

شرح فصول أبقراط

قد بينا أنه تكلم في المقالتين A الأولتين في قوانين التغذية والاستفراغ والنوم واليقظة والحركة البدنية والنفسانية، وقد بقي من الأسباب الضرورية الستة الكلام في الأهوية. وقد بينا أن الكلام في ما عدا (114) الأهوية أولى بالتقدم، لأن مسائل الأطباء فيها أكثر. فنقول: إن الأهوية مع أن المساءلة (115) فيها أقل، فالاضطرار إليها أكثر وتأثيرها في إحداث الصحة والمرض أقوى، وذلك يوجب أن يكون بسط الكلام فيها أكثر؛ ولذلك أفرد الكلام فيها في (116) هذه المقالة. أما أن الاضطرار إليها أكثر، فلأن التنفس ضروري وهو يحتاج إليه في أزمنة متقاربة. وأما الأغذية والأشربة والنوم واليقظة، فإنها وإن كانت ضرورية، إلا أن الحاجة إليها إنما تكون (117) في أزمنة متباعدة، وخصوصا الحركات البدنية والنفسانية. وإنما كان التنفس ضروريا لأنه لا يمكن أن يكون الروح إلا لطيفة الجوهر حارة، لتكون سريعة النفوذ (118) في الأعضاء، لأن الغلظ والبرد يكونان مع الثقل B والثقل مانع من سرعة الحركة والجوهر اللطيف الحار، وخصوصا المتحرك بسرعة استحالته إلى النارية لمشاكلته لجوهرها، وذلك مؤد إلى اشتعال (119) الروح، واشتعالها مؤد إلى تحليلها وخروجهاعن الصلاحية لقبول الآثار النفسانية. فلابد من جوهر بارد يرد عليها ويعدلها، ولابد وأن يكون هذا الوارد ليس مفرط البرد فيطفئها لأنها، مع سرعة استحالتها إلى النارية، سريعة الاستحالة إلى البرودة بسبب لطافة جوهرها. ولابد وأن يكون هذا الوارد مما يتكرر وروده، لأن التبريد اليسير الذي يصدر عنها مما يزول بسرعة. ولابد وأن يكون هذا الوارد مناسبا لجوهرها حتى لا يتضرر بمخالطته. وهذه الخواص كلها موجودة في الهواء، معدومة في غيره، فإنه وإن قلنا إنه حار، لكن ذلك لا بالقياس إلى مزاج الروح فإنه بالقياس إليه بارد، فإذا وصل الهواء إلى الروح وخالطه، عدله وسخن هو أيضا؛ فإن كل واحد مهما يستحيل عن الآخر وإذاA سخن بطلت فائدته فأحتيج إلى هواء غيره يقوم مقامه، فأحتيج ضرورة إلى إخراجه لإخلاء المكان لمعاقبه وليندفع معه ما تسلمه إليه القوة المميزة من الفضلات المحترقة من جرم الروح التي نسبتها إلى الروح كنسبة الخلط الفاسد إلى الأخلاط. وإيراد الهواء يكون بالتنفس أي بالاستنشاق عند انبساط الصدر، وإخراجه يكون برد النفس عند انقباض الصدر. فإن قيل: قد ذكرتم وجه الاضطرار إلى الهواء فما وجه الاضطرار إلى باقي الستة. فنقول: أما الأغذية، فلأن البدن -كما بينا- لا يمكن بكونه إلا من جسم رطب مقارن لحرارة تنضج غذاءه وتعقده وتحلل فضلاته، وهي لامحالة تحلله، ويعاضدها على ذلك الحرارة الخارجية من الأهوية والحركات البدنية والنفسانية، فلو لم يمده الغذاء لم يمكن بقاؤه مدة التكون، فضلا عما هو أطول منها جدا. وأما الماء فلا يغذوا لأنه بسيط، والبسيط لا يمكن استحالته إلى جوهر الأعضاء وإلا أمكن التكون من B بسيط واحد ولم يحتج إلى استقصات أربعة، بل إنما يحتاج إليه لبدء رقة الغذاء وترقيه وتنفيذه وتعديل مزاجه وطبخه. وأما الاضطرار إلى الاستفراغ فلأنه ليس يوجد غذاء يستحيل بجملته إلى الأعضاء، فلابد وأن تبقى من فضول فلابد من إخراجها، وذلك هو الاستفراغ. وأما الاضطرار إلى الحركة البدنية، فلأن الطبيعة لايمكنها دفع الفضلات بالتمام، بل لابد وأن تبقى منها عند كل عضو أثر ولطخة (120) تزداد على طول الزمان، فإن تركت في البدن ضرت بكميتها وكيفيتها، وإن استفرغت بالأدوية تضرر البدن بتركزها (121) عليه، لأن أكثرها سمية ولأنها لا تخلو (122) عن إخراج الصالح المنتفع به، والحركة أعون الأشياء على تحليلها بتسييلها وترقيقها وإزلاقها. وأما الحركة النفسانية فيشبه أن يكون أكثر الاضطرار إليها لأجل تلطيف الروح وتحليل فضلاته التي لا تخرج برد النفس، ولهذا فإن القليلي الحركات النفسانية تضعف قواهم A الفكرية والتخيلية وغيرهما وتتبلد أذهانهم لغلظ أرواحهم. وأما نفع الحركات النفسانية في البدن فيشبه أن يكون أكثر ما يضطر إليه منها لأجله إنما هو بالعرض أي لأجل المعيشة الضرورية في تحصيل ضروريات البدن. وأما النوم واليقظة، فالاضطرار إلى اليقظة ظاهر. وأما الاضطرار إلى النوم فلأن الروح تتحلل باليقظة لا لما يكون فيها من الحركات فقط، بل وبنفس اليقظة لما يلزمها من انتشار الروح إلى خارج فيحتاج أن يجتمع ليتدارك بدل التحلل ويقوى بالاجتماع وليكمل هضم الغذاء الذي اشتعلت عنه باليقظة.

[aphorism]

قال أبقراط:إن انقلاب أوقات السنة مما يعمل في توليد الأمراض، خاصة إذا كان في الوقت الواحد منها التغيير الشديد في الحر أو في البرد؛ وكذلك في سائر الحالات على هذا القياس.

[commentary]

صفحہ 122