شرح فصول ابقراط
شرح فصول أبقراط
اصناف
البحث الثالث
في معنى الاحتمال. * قال (1112) جالينوس قوله المشائخ أحمل الناس للصوم معناه أنهم لا * يجوعون (1113) كثيرا ولا * يضرهم (1114) الجوع. ثم هذا تارة يراد به الإمساك عن الطعام وتارة يراد به الاكتفاء بالأغذية اليسيرة. وعلى هذا المعنى يصح قوله المشائخ أحمل الناس للصوم. وأما على المعنى الأول فلا يصح اللهم إلا أن يراد بالمشائخ الذين في أول سن الشيخوخة. فإن المتناهون في ذلك لا يحتملون تأخير الغذاء البتة. ومثل هؤلاء لاحقون بالصبيان في قلة الاحتمال للصوم. وبدأ أبقراط في هذا الفصل بذكر المشائخ لأنه ناظر في تلطيف الغذاء والإمساك عن اتلغذاء والاكتفاء بالقليل منه أشبه شيء بتلطيف الغذاء. فإنه لا معنى للغذاء اللطيف إلا القليل المؤونة على الطبيعة في هضمه. وما ذكرنا كذلك والمشائخ لما كانوا أحمل الناس. لذلك ابتدأ بذكرهم في هذا الفصل وذكر الصوم دون الإمساك عن الطعام وترك الغذاء وغير ذلك من الألفاظ الدالة على هذا المعنى لأن الصوم أدل على الامتناع من كل ما يدخل الجوف جملة.
البحث الرابع
في بيان احتمال المشائخ للصوم وقلة PageVW1P059B احتمال الصبيان له. وذلك من وجهين. أحدهما أن حاجة * البدن الإنساني (1115) إلى الغذاء إما لإخلاف عوض ما يتحلل منه وإما للزيادة في نموه . أما الأول فإنه لا يمكن أن يبقى أوقاتا لا ينقص منه شيء كالحجر مثلا * لأنه (1116) جسم الغالب عليه الحرارة والرطوبة على ما عرفت والحرارة فاعلة للتحلل * لأن (1117) شأنها التفريق بين * المختلفات (1118) والرطوبة قابلة له. وأما الثاني فلأن الجسم الذي يحتاج إلى أن يضاف إليه من المزيد فيه أكثر من الجسم الذي ليس * بنام (1119) . فهذه علل الاحتياج إلى الغذاء. ولا شك أن هذين المعنيين في الصبيان أبلغ مما هما في المشائخ. أما التحلل فلقرب عهدهم بالكون فهم أحر وأرطب من سائر الأسنان. وذلك يقتضي كثرة التحلل في أبدانهم. وأما النمو فوجوده فيهم ظاهر بين. والمشائخ في * الطرف (1120) المقابل لهم والكهول والشباب متوسطون بينهما غير أن الشباب قرب إلى الصبيان والكهول إلى المشائخ. فلذلك كان احتمال هؤلاء للصوم دون احتمال المشائخ وأكثر من الصبيان. فثبت بما ذكرنا احتمال المشائخ للصوم وقلة احتمال الصبيان له. الوجه الثاني الشهوة على نوعين طبيعية وغير طبيعية وهي الشهوة الكلية ومثل هذه فيتم بالبرد. فإنه يجمع فم المعدة ويكتفه فيحصل التقاضي بذلك على ما سنبينه. والأولى على نوعين: عامة لجميع * (1121) الأعضاء وخاصة لفم المعدة. فالعامة هي الطبيعية وهي حادية عن تقاضي PageVW5P026B الجاذبة. ومثل هذه الشهوة خالية من الشعور. والخاصة تتم بهذه القوة وبقوة نفسانية آتية إلى المعدة من الدماغ ومثل هذه معها شعور. وقد علم في غير هذا الكتاب أن الحرارة * الغريزية (1122) آلة للقوى في جميع أفعالها، وحيث كانت الآلة أقوى وأمكن فهناك قوة الفاعل. ولا شك أنها في الصبيان أوفر ممأ هي في باقي الأسنان على ما سنوضحه في الفصل الذي بعد هذا. فالصبيان حينئذ أقل احتمالا للجوع من باقي الأسنان ثم أن الباقي مختلفون في ذلك. فكل من كان منهم أقرب إلى الصبيان فهو * أحوج (1123) إلى تناول الغذاء ممن بعد عنهم. ولا شك أن المشائخ أبعد الأسنان من سن الصبيان فكانوا أكثر احتمالا للصوم من باقي الأسنان.
البحث الخامس
قوله «ومن كان من الصبيان أقوى شهوة». هذا الكلام فيه * فائدتان (1124) . أحدهما بيان اختلاف الحاجة إلى الغذاء بحسب طبائع أشخاص السن * الواحدة (1125) . ومثل هذا القدر لا بد من مراعاته عند استعمال الغذاء في حال المرض وهو أنه إذا حصل لأشخاص متفقة في السن مرض حاد وكان فيهم * متساويا (1126) من جميع الوجوه واحتاجوا إلى الغذاء فإنه لا * ينبغي أن (1127) يبالغ في تلطيفه فيمن كان قوي الشهوة في حال الصحة كما يبالغ في ذلك فيمن لم تكن حاله كذلك. الفائدة الثانية فيه بيان أن علة الاحتياج إلى تناول الغذاء هو الحرارة الغريزية لأنك قد عرفت أن قوة الشهوة الطبيعية تابعة لقوة الحرارة الغريزية. فحيث كانت هذه الشهوة أقوى فهناك الحرارة المذكورة أقوى. وحيث كانت أقوى فهناك الاحتياج إلى الغذاء أبلغ وأظهر.
البحث السادس
في تحقيق القول في شهوة الطعام وبيان الشعور بالاحتياج إليه. فنقول قد عرفت أن الشهوة الطبيعية أما العامة فتتم بالقوة الجاذبة والخاصة تتم بهذه وبقوة حساسة. فالأولى فاعلة للشهوة والثانية منبهة على فعل هذه. وذلك لأن الأعضاء عند استيلاء * المتحلل (1128) عليها تحتاج إلى مخلف يخلف عليها عضو المتحلل منها فتجذب مما يجاورها من جهة الباطن ثم هذه مما يجاورها إلى حين يتصل الجذب إلى الكبد ثم هي من * الماساريقي (1129) ثم هي المعاء. * ولذلك (1130) صار الطبع يتحجر عند الصوم ثم هذه من المعدة ثم من فمها تجذب الرطوبات الرقيقة المائلة لفرجه فتجمع هذه الفرج بعضها إلى بعض فتنبه القوة الحساسة وتشعر بذلك الاجتماع. وهذا هو الألم الجوعي الموجب لتقاضي الغذاء. والذي يسكن من الشهوة عند استعمال الغذاء في حال الجوع الشديد هذه الشهوة. فإن الفرج تمتلئ وتسترخي بما يملأها من رطوبات الغذاء المستعمل ويزول الألم المذكور ويسكن التقاضي ومن هذا يعلم أن الحرارة الغريزية كلما قويت قوى هذا التقاضي. وذلك لكثرة * التحلل (1131) . واعلم أن الألم المذكور يحصل أيضا عن البرد من جهة أنه يجمع فم المعدة ويكتفه غير أنه لا يكون إيجابه لذلك من طريق أنه سبب، بل من جهة أنه معين عليه. ومن هذا الوجه تقوى شهوة المشائخ للغذاء. فقوة الشهوة في PageVW1P008A الصبيان والفتيان PageVW5P027A من القبيل الأول وفي الكهول والمشائخ من القبيل الثاني أي من البرد أو من حرارة ضعيفة. ولذلك كانت * شهوة (1132) * أولئك (1133) الاستمراء والهضم معها على أتم وجه وأكمله ولا كذلك الحال مع شهوات الكهول والمشائخ.
البحث السابع
في علة اختصاص شهوة المعدة بالإحساس. وذلك لأن باقي الأعضاء إذا فقدت غذاؤها، جذبت من التي تجاوزها ثم هي من التي تجاوزها كحال الثبات في جذبه لغذاء. فإذا اتصل الجذب إلى المعدة، لم يبق عضو آخر تجتذب هي منه. فاحتاجت إلى أن يكون لها شعور وإحساس بعود الغذاء لتنبه الإنسان على طلبه وتحصيله . وإلا استولى عليه الذبول ثم الضعف ثم الموت. ولذلك بلطف الخالق جل ذكره خصها بهذه القوة. ولما كانت حاجتها شديدة إلى هذه القوة أفيضت إليها من الدماغ لا من النخاع * مع قرب النخاع منها. وذلك لأن عصب الدماغ أقوى حسا من عصب النخاع (1134) . فتبارك من له الخلق والأمر * والله اعلم (1135) .
نامعلوم صفحہ