286

البحث الأول:

في الصلة، وذلك من وجهين. أحدهما أن كلامه في الفصل الأول في رسوب الدم والقيح والدم لونه أحمر والقيح أبيض. وقد ذكر في هذا الفصل الرسوب اللحمي والشعري. واللحمي أحمر والشعري أبيض لأن اللحمي على ما ستعرفه من جرم الكلى وهو جوهر لحمي. والشعري متولد من بلغم لزج أو دم الغالب عليه البلغم. وكما أنه في الفصل الأول قدم ما لونه أحمر على ما لونه أبيض، كذلك في هذا الفصل. وثانيهما أن كلامه في الأول في الرسوب الغير طبيعي وكذلك في هذا الفصل.

البحث الثاني:

الرسوب اللحمي تارة يكون من جرم الكلى وتارة يكون من جرم الكبد وتارة يكون من الأعضاء اللحمية PageVW1P127A التي فوق هذه وتارة يكون من انعقاد دم. ويخص الكلوي أمور أربعة. أحدها وجع في القطن. وثانيها شدة الاتصال، وذلك لصلابة جوهر الكلى. وثالثها ميل لون ما يخرج إلى الصفرة لأن لون الكلية كذلك. ورابعها بول قريب من النضج مائل إلى الغلظ. أما النضج، فلأن نضج البول كائن قبل الكلية. وأما PageVW5P109B الغلظ، فلأن الكلية إذا كان بها آفة يلزمها تقطيع جرمها وهو لا محالة يضعفها (968). وإذا ضعفت، لم تستعمل ما يصل إليها من الغذاء صحبة المائية، فتندفع معها، وذلك موجب للغلظ. والكبدي يخصه وجع تحت الشراسيف من الجانب الأيمن ويكون لون الخارج مائلا إلى القتمة، وهو أقل صلابة من الكلوي. وعدم نضج البول في اللون والكائن من الأعضاء العليا اللحمية عموم الحمى وعدم نضج البول في الرسوب. ويخص الدموي صلابة القوام مع سرعة التفتت وقوة الحمى. وأما الشعري، فله سبب فاعل وسبب قابل. فالفاعلي حرارة غريبة عاقدة المادة التي له والمادي رطوبة لزجة مستطيلة الشكل ثم هذه تارة تكون بلغميا محضا وتارة تكون دما غليظا يشوبه بلغم ويولد هذا الجوهر على مثال توليد الحصا. لكن الفرق بين الصورتين أن مادة الشعر لطيفة، ومادة الحصا غليظة. والعاقد للحصا حرارة قوية، وللشعر حرارة دون ذلك (969).

البحث الثالث:

قد جاء في بعض النسخ قطع لحم صغار شبيهة بالشعر. فذلك يخرج من كلاه. والذي اختار هذه النسخة إنما اختارها على ما ظنه استبعاده توليد جسم شبيه بالشعر في الكلى أو البربخين لأنهما مجريان. فلا يلبث فيهما مادة يتولد منها ذلك الجسم. قال جالينوس: وهذا ظن رديء لأن قطع اللحم الصغار لا تشبه الشعر أصلا. لكن ينبغي أن يوضع فما بين الجزئين أو حتى يكون أبقراط ذكر شيئين في قوله، لا شيئا واحدا، وأحد الشيئين هو قطع لحم صغار والآخر ما هو شبيه بالشعر. والذي نقوله نحن في دفع الظن PageVW5P110A المذكور وجوه (970) ثلاثة. أحدها أن الكلية لم يبلغ الخارج منها في الطول أن يكون مثل هذا الجسم. فإن جالينوس قد ذكر في شرحه لهذا الفصل أنه رأى (971) جسما شعريا طوله (972) قريب من نصف ذراع. وثانيها أن الجسم المذكور في الأكثر وغالب الأمر كونه يميل إلى البياض فهو متولد عن مادة بلغمية أو الغالب عليه البلغمية ولأجل هذا جالينوس يقوله في شرحه لهذا الفصل إن صاحبه ينتفع بالأدوية الملطفة المقطعة ولو كان هذا الجسم من الكلى تضرر بهذا التدبير. وثالثها أن الخارج من الكلى إذا مرس في الماء لم يذب البتة، والجسم الشعري إذا مرس في الماء ذاب.

البحث الرابع:

قوله وهو غليظ قطع لحم صغار تارة يفهم منه الغليظ الذي يقابل الرقيق وتارة يفهم منه المعتدل فإن يجوز أن يطلق عليه لفظة الغليظ بطريق الاستعارة لأنه يصح أن يوصف بذلك بالنسبة إلى الرقيق الذي هو الطرف الآخر. والكل حق. أما الأول، فإن البول الخارج معه قطع لحم صغار من جرم الكلى يكون غليظا لما ذكرناه. وأما الثاني، فإن اعتدال قوام البول خاص لما يخرج من الكلى. والمثانة من أنواع الرسوب الرديء على ما عرفت.

البحث الخامس:

قوله فذلك يخرج من كلاه انظر إلى هذه العبارة التي لم يرد عليها طعن، فإنه لو قال يخرج من جرم الكلية لخرج الرسوب الشعري على المذهب الحق. ولو قال متولد في كلاه لخرج الرسوب اللحمي، ولما كان الحال كذلك عبر بعبارة تعطي الغرض لأن الإشارة في قوله فذلك إلى قطع اللحم والشعر ولا شك أن قوله يخرجه من كلاه أعم PageVW5P110B من كونه خارجا من جرمها أو متولدا فيها.

نامعلوم صفحہ