القسم الثاني: الكتاب المحقق
مقدمة المؤلف
...
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن، يقول محمد سبط المارديني1:
الحمد لله رب العالمين، أكمل الحمد وأتمه على كل حال. والصلاة والسلام على نبيه المبعوث بأشرف الخصال، وعلى آله وصحبه أفضل صحب وخير آل، وبعد:
فهذا تعليق مختصر جعلته شرحا على الفصول المهمة في مواريث الأمة، تأليف الشيخ، الإمام، العالم العلامة، أبي العباس، شهاب الدين، أحمد بن محمد بن علي بن عماد، الشهير والده بالهائم- طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه- أفتح به مقفلة، وأحل به مشكلة، وأتمم به مثله راجيا من الله تعالى المعونة والتوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.
وقد جعلت المتن بالأحمر والشرح بالأسود تمييزا بينهما.
صفحہ 69
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي لا يعزب أمر عن علمه بدأ بالبسملة ثم بالحمدلة كما يفعله المصنفون؛ اقتداء بالكتاب العزيز1. وبقوله عليه الصلاة والسلام: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم".
وفي رواية: "لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع" 2. فجمع بين الروايتين وجعلهما شيئا واحدا هو فاتحة الكلام. وكفى بالقرآن العظيم إماما3.
صفحہ 70
والحمد لغة هو: الثناء باللسان على الجميل من نعمة أو غيرها1.
ومعنى يعزب: يغيب أي الذي لا يغيب شيء كليا كان، أو جزئيا من الموجودات و2 المعدومات عن علمه، قال تعالى: {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} 3، قال مجاهد: لا يعزب: لا يغيب4.
ولا يخرج شيء عن حكمه أي عن قضائه النافذ فيه.
أحمده وحمده من الفرائض؛ لأنه سبحانه وتعالى هو المنعم تفضلا منه، ومعلوم أن شكر المنعم واجب وأشكره على ترادف فضله الفائض أي توالي فضله، وهذا تأكيد لقوله أحمده؛ لأن الحمد إذا كان في مقابلة النعمة كان مساويا للشكر باللسان.
صفحہ 71
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له صح أنه عليه الصلاة والسلام قال: "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء" 1.
شهادة فيها الكفاية للفوز بسعادة الأبد. ففي البخاري2: "من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة" 3.
صفحہ 72
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث رحمة وهداية قال [الله] 1 تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} 2. وقال تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} 3.
صلى الله عليه وعلى آله [وأصحابه] 4 ما ذيق سام5 أي مدة ذوق الموت، وهي مدة بقاء الدنيا. وما وقع في ميراث قسام بكسر القاف مصدر قاسم، يقال: قاسمه قساما ومقاسمة. مصدران مقيسان، كقاتله قتالا ومقاتلة. وعاينه عيانا ومعاينة. وفيه تحرير مذكور في موضعه6. وسلم تسليما قال [الله] 7 تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} 8. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب" 9.
صفحہ 73
وقال علماؤنا: يكره إفراد الصلاة عن السلام1.
أما بعد أي بعد ما سبق من الحمد، والشكر، والتشهد، والصلاة، والسلام على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
فهذه فصول جمع فصل، وهو: الكلام المترجم له المقصود قطعه عما قبله2. في علم الفرائض3 وهو: الفقه المتعلق بالإرث، وعلم ما يوصل
صفحہ 74
لمعرفة قدر ما يجب/ [61/1ب] لكل ذي حق في التركة. هكذا عرفه ابن عرفة المالكي1، وتابعه المصنف، وغيره2. فحقيقته مركبة من الفقه المتعلق بالإرث، ومن الحساب الذي يتوصل به إلى معرفة قدر ما يجب لكل ذي حق في التركة.
وموضوعه: التركات3 وفاقا لابن غرفة،
..........................
صفحہ 75
والمصنف1، وغيرهما2، لا العدد3، خلافا للصوري4 شارح الحوفي5.
لأصوله أي لأصول علم الفرائض التي [يبنى] 6 عليها جامعة بخلاف فروعه فإنها كثيرة، منتشرة؛ لا تنحصر في مختصر. منقحة، مهذبة أي منقاة، مصفاة من العبارات المعترضة، والكلام الحشو، والتكرار. موجزة في لفظها،
صفحہ 76
مع كثرة معانيها. أضواؤها ساطعة كناية عن وضوح عباراتها، بحيث لا يكاد أكثرها يخفى إلا على أعشى البصيرة1.
قريب مأخذها لوضوحها، سهل تناولها أي الوصول إليها عظيم نفعها؛ لما جمعت من القواعد المحررة، [كثير] 2 جمعها مع قلة ألفاظها.
والله المرجو في تبليغ من يعتني ها المأمول؛ فإنه سبحانه أكرم مسؤول سأل الله الكريم سبحانه وتعالى لمن يعتني هذه الفصول أن يبلغه مأموله من العلم، والخير، ترغيبا للطلبة في الاشتغال هذا الكتاب.
صفحہ 77
الفصل الأول: الحقوق المتعلقة بالتركة
...
فصل1 في بيان الحقوق2 المتعلقة بالتركة3
أكثر ما يتعلق بتركة الميت خمسة أنواع من الحقوق4؛ للاستقراء من موارد الشريعة5.
صفحہ 78
مرتبة [بتقديم] 1 بعضها على بعض شرعا.
النوع الأول من الخمسة: الحقوق المتعلقة بعين التركة2 فتقدم على مؤن التجهيز، [وسائر] 3 الحقوق كما تقدم على حاجته في حياته4، وهي صور
صفحہ 79
كثيرة؛ فلأجل ذلك جمعها، وأشار إليها بكاف التشبيه1 فقال: كالمرهون2، وصورته: أن تكون التركة عينا مرهونة بدين3 على الميت، فيقضى منها دينه مقدما على الكفن، وسائر الحقوق.
وكالعبد الجاني المتعلق برقبته مال عوضا عن جناية جناها4، كما إذا قتل نفسا، أو قطع طرفا، خطأ، أو شبه عمد، أو عمدا لا قصاص فيه، أو فيه قصاص ولكن عفا مستحق القصاص على مال. أو أتلف مال إنسان بغير
صفحہ 80
تسليط فإنه يقدم حق المجني عليه في جميع هذه الصور على مؤن التجهيز، وغيرها من الديون المرسلة في الذمة، والوصايا1.
فلوا اجتمع رهن، وجناية فذم المجني عليه على المرتهن؛ لانحصار حقه في عين الجاني.
وكالشيء المبيع إذا مات المشتري مفلسا وكان قد اشتراه بثمن في ذمته، ولم يؤده، ووجد البائع المبيع فله الفسخ2، وأخذ المبيع، [ويقدم] 3. به
صفحہ 81
بشرط ألا يتعلق به حق لازم1 كما إذا كان المبيع عبدا وكاتبه2 المشتري قبل موته3 ثم بعد الحقوق المتعلقة بعين تركة الميت تقدم مؤن تجهيزه4 من
صفحہ 82
كفن، وحنوط1 وأجرة تغسيل، وحفر، ودفن، ونحوها على الديون المرسلة في الذمة بالمعروف2 لا بإسراف، ولا [بتقتير] 3 على حسب يسار الميت، وإعساره. ولا اعتبار بلباسه في حياته إسرافا وتقتيرا4.
صفحہ 83
ووجوب تقديم مؤن التجهيز على الديون [المرسلة] 1 لقوله [عليه الصلاة والسلام] 2 في المحرم الذي وقصته ناقته: "كفنوه في [ثوبيه] 3". متفق عليه4.
ولم يستفصل صلى الله عليه وسلم هل عليه دين، أم لا؟
ولأن الحي إذا أفلس يترك له دست5 [ثياب] 6 يليق به، وقوت يوم القسمة له، ولمن تلزمه نفقته [فالميت] 7 أولى أن يقدم بما يحتاج إليه في ستره، ومواراته.
وتستثنى الزوجة / [62/2 أ] فعلى الزوج تكفينها8 وإن كانت موسرة -في الأصح-9، لأن عليه نفقتها في حياتها، فأشبهت القريب،
صفحہ 84
والعبد. فلو كانت ناشزا، أو كان الزوج مفلسا فتكفينها في مالها؛ فلا تستثنى.
وكثيرا ما يعبر العلماء عن مؤن التجهيز كلها بالتكفين كما فعل المصنف1، لأن الشيء قد يسمى باسم جزئه المقصود، أو باسم جزئه الأعظم، كما يقال: الحج عرفة [قال البخاري] 2: قال سفيان: أجر القبر، والغسل هو من الكفن3.
صفحہ 85
ثم بعد مؤن التجهيز يقدم الدين المطلق1 على الوصية، والإرث2.
والمطلق هو: المرسل في الذمة، الذي لم يتعلق بعين، سواء كان لآدمي3، أو لله تعالى4، من زكاة تجارة، أو نذر5، أو
صفحہ 86
كفارة1، أو حج؛ لأن قضاء الدين واجب، والوصية تبرع؛ فقدم عليها2.
فلو اجتمع دين لله تعالى، ودين لآدمي، وضاق المتروك عنهما قدم حق الله تعالى3؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "فدين الله أحق
صفحہ 87
بالقضاء" متفق عليه1 ثم بعد الديون المرسلة تقدم الوصية للأجنبي2 على الإرث3.
صفحہ 88